تنبيه وتوضيح:
هذه تعليقات الشيخ مساعد -وفقه الله- على كتاب الإتقان بنصها بعد تفريغها ثم مراجعة الشيخ لها.
النوع السابع والثلاثون: فيما وقع فيه بغير لغة الحجاز 29-10-1428هـ
• هذا المبحث ليس فيه إفادة مباشرة بالتفسير فنعرف المعنى ولا يعنينا من الذي تكلم به وبأي لغة ورد, ولكنه علم من علوم القرآن له ارتباط بعلم غريب القرآن وعلم النزول (ما نزل بغير لغة قريش), والأحرف السبعة بناء على أنها لغات العرب وأيضا له علاقة بالقراءات من وجه بناءً على أن بعض الوجوه المقروء بها مرتبطة بلهجات العرب هذه, وهذا العلم من علوم القرآن النقلية والذي يُنقل عنه هذا هو إما تفسير السلف أو كلام أهل اللغة ولا مجال للعقل فيه.
• من الفوائد في هذا النوع:
1. أن خفاء بعض الألفاظ على بعض الصحابة بسبب أنها لم تكن بلغة قومه, ومما ورد في الأثر عن ابن عباس قال: (ما كنت أعلم معنى قوله: ((ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق)) حتى سمعت امرأة من أهل اليمن تقول: افتح بيننا أي اقض) فابن عباس جهل المعنى فهل يمكن أن يجهل الصحابة معنى كلمة بالقرآن نقول: نعم لكن لا يمكن أن يجهلوه جميعا, وسبب جهل بعضهم أنها نزلت بغير لغة قريش وإنما كانت بلغة قوم آخرين.
2. من فوائد هذا النوع أيضا: تزيين الفاصلة واللفظ على السمع كما في قوله تعالى ((كلا لا وزر)) بمعنى: (جبل) فالفاصلة في الآيات التي قبلها وبعدها هي الراء ولو جاء بكلمة (جبل) لصار في الكلام نُبُوَّا, فالمجيء بهذه الكلمة مقصود لتحسين الصوت, وهذا في الحقيقة من إعجاز القرآن وهو اختيار اللفظ المناسب في الموضع المناسب, ومن ثَمَّ فإن ما يدعيه بعضهم من أنه ينافي كمال إعجاز القرآن وبلاغته .
فنقول: هذا غير صحيح بل هو من تمام إعجاز القرآن وبلاغته ومراعاته للفظ والسمع معًا ما دام المعنى لم يختل ولم يتغير ولم ينقص.
• البحث عن العلل في بعض المواطن المرتبطة بالنقل أو المرتبطة بالصوتيات والأداء هو في الحقيقة بحث عن أمر غير ممكن وغير مفيد, مثلا نقول إن حفص قرأ ((فيه مهانا)) ومدَّ هاء الصلة من أجل التنبيه على عظم هذا العذاب, فهو وجه قرائي لا علاقة له بهذا التعليل.
• مسألة: عندما يقولون عن اللفظة إنها في لغة أسد هل يلزم أنها ليست في لغة الحجاز فنقول: لا فقد تكون هي الأشهر والأكثر استعمالا وتكون أقل عند الآخرين.
• قول عثمان –رضي الله عنه- (إذا اختلفتم أنتم وزيد فاكتبوه بلسان قريش) نقول: هذا مرتبط بالرسم أي اكتبوه بالرسم الذي يتناسب مع لسان قريش ولا يمنع أن يقرأ بغيره بدلالة أن هناك من المكتوب ما قرئ بغير ما كتب به وسبق الحديث عن هذا في الأحرف السبعة.
النوع الثامن والثلاثون: فيما وقع فيه بغير لغة العرب 14-11-1428هـ•
هذا المبحث نقلي, وليس له أثر في فهم المعنى قطعًا, وهو من علوم القرآن بلا ريب.
• قال السيوطي: (وقال ابن فارس لو كان فيه من لغة غير العرب .....): أقول: هذا تحليل جيد؛ لأنه رجع إلى مبدأ الإعجاز, والإعجاز إنما وقع بهذا النظم العربي وتحدى العرب بكونه نظما عربيا, فالعرب لم يتوقفوا في كونه عربي.
• قال السيوطي: (وقال ابن جرير ......): ناقش ابن جرير ذلك في مقدمته وهو يرى أنه ورد نسبة شيء من القرآن عند السلف إلى غير العرب بلا ريب ولكن الطبري ينبه إلى ملمح لطيف وهو أن من نسبها إلى غير العربية لم ينفها عن العربية فهو يرى أنه يستخدم في لغة وفي لغة أخرى فهو مستعمل في أكثر من لغة.
• ذكر السيوطي آراء العلماء في المعرَّب, وقد ظهر رأي معاصر مستفاد من أقوال المتقدمين ، وفيه زيادة عليهم من جهة تحليل ألفاظ الللغات القديمة ، وقد ظهر لهم أن أصول الكلمات التي يقال بعجميتها أنها عربية محضة ، لكن قد يكون حصل لها بعض التحويرات والاختلافات في النطق عن اللغة التي نزل بها القرآن ، وقد نبه هؤلاء إلى أن اللغة العربية المكتوبة هي الطريق لمعرفة لغات القدماء ، كالهيروغلفية التي كانت في مصر فمثلاً : ( حجر رشيد ) كتب بثلاثة رسوم وهي كلام واحد وقد قام العالم الفرنسي شمبليون بفكِّ هذه الرسوم بعد تعلمه العربية التي استفاد منها في فكِّ هذه المدونة.
• قال السيوطي: (وقد رأيت الخويِّي ذكر لوقوع المعرب .....): رأي الخويي هذا جيد وقد أشار إلى طرف من ذلك ابن عطية في مقدمته وأن ألفاظ القرآن لو انتزع منها شيء ثم بحثنا في كلام العرب عن كلمة توافق هذه الكلمة في هذا المقام لما وجدنا.
• الصحيح أن العبرية الآن ليست لغة مستقلة محفوظة بدليل أن أبناء يعقوب الاثني عشر كانوا في بادية الشام كما في قول يوسف: ((وجاء بكم من البدو)) وأبوهم إبراهيم عليه السلام جاء من العراق فبين إبراهيم -الذي يتكلم إحدى لهجات العربية الشمالية- وأحفاده الأسباط فترة قصيرة جدا, ولهم ارتباط بمن حولهم فلغتهم واحدة؛ ولذا لما هاجر لوط عليه السلام مع عمه إبراهيم عليه السلام أرسله الله ـ وهم في الطريق إلى بادية الشام ـ إلى قرى سدوم وعمورة والله يقول: ((وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه)) ، وهذا يعني أن لسان لوط هو لسان قرى سدوم وعمورة .
وكذلك إبراهيم لما انتقل إلى مصر مع زوجته سارة ووهب لها الملك امرأة اسمها هاجر وهو اسم عربي صريح فهؤلاء الأسباط انتقلوا إلى مصر فهل يعقل أنهم بقوا على لغتهم ولم يختلطوا بغيرهم نقول: لا بل خالطوا غيرهم وتأثرت لغتهم ثم انتقلوا إلى مصر وعاشوا في بادية سيناء وهي فترة التيه ثم أذن لهم سبحانه بالدخول إلى فلسطين فهل يعقل أنهم بقوا على لغتهم ثم إذا علمنا أن بختنصر ملك بابل أحرق عليهم المسجد الأقصى وأخذ نسخ التوراة وأحرقها, ثم كتب التوراة رجل منهم اسمه (عزرا) ، وباتفاقهم أنه كان بعد خروجهم من الأسر ، فكتبها بلغتهم التي يتحدثون بها آنذاك ، ثم جاءت الترجمة السبعينية, فالصحيح أن العبرية الآن ليست القديمة, مع العلم أن العبرية القديمة هي لهجة من لهجات العرب القدماء الذين خرجوا من جزيرة العرب .
النوع التاسع والثلاثون: في معرفة الوجوه والنظائر21-11-1428هـ
• هذا النوع يحتاجه المفسر بلا ريب, وله علاقة بالمعنى, لذا هو من علوم القرآن, وهو مبني على النقل ويدخله الرأي والاجتهاد.
• الذي يظهر أن أول من صنف فيه هو مقاتل بن سليمان, وينسب إلى ابن عباس مصنفٌ في هذا العلم لكن ـ فيما يظهر ـ لم تثبت نسبته إليه ، إلا إن كان أحد المتأخرين جمع شيئًا من ذلك من تفسير ابن عباس, فإنه لم يثبت عندي من خلال الاطلاع على المرويات أن أحدًا من الصحابة صنف في التفسير أو في علوم القرآن, وإنما يذكر صحائف جمعت حديث النبي صلى الله عليه وسلم كصحيفة عبد الله بن عمرو بن العاص وغيرها.
• تصنيف مقاتل بن سليمان طبع بتحقيق: عبد الله شحاتة باسم (الأشباه والنظائر), وتسميته بذلك خطأ؛ لأن الأشباه هي النظائر وكل من عرَّف بكتاب مقاتل ذكر بأن اسمه (الوجوه والنظائر), فالوجوه شيء والنظائر شيء آخر, أما الأشباه فهي النظائر, ثم طبع كتاب مقاتل مؤخرًا بتحقيق: د.حاتم الضامن في مركز جمعة الماجد في جزء لطيف, على نسخة غير النسخة التي طبعها عليه: عبد الله شحاتة, وقد زعم حاتم الضامن واعترض على نسخة عبد الله شحاتة وأنها لهارون الأعور, لكنه لم يبين هذا بيانًا تامًا, والذي يظهر –والله أعلم- أن المسالة فيها نظر, لا من هذا ولا من ذاك؛ فالكتب القديمة كان يضاف فيها ويزاد, ولو عملنا موازنة بين كتاب هارون الأعور (ت170هـ), وكتاب مقاتل (150هـ) لوجدنا تشابهًا كبيرًا, ثم ما كتبه يحيى بن سلام (200هـ) بعدهما واسم كتابه (التصاريف) نجد أنه أيضا يشابه هذه الكتب.
• كل من جاء بعد مقاتل فإنه يضيف على كلام مقاتل ويزيد عليه الوجه والوجهين ونحوه, ولذا يصح القول: إن كل المتأخرين الذين ألفوا في هذا العلم هم عيال على مقاتل.
• ممن ألف: ابن الجوزي, وأصل عمله كتاب مقاتل ثم زاد عليه زوائد, وقد بحَث (فهد الضالع) في رسالته للماجستير زوائد ابن الجوزي على مقاتل في النظائر, وبحثه جيد, وفيه نفائس ولطائف خصوصًا فيما يتعلق بالقضايا المرتبطة بين المعنى السياقي الذي يأتي في الوجوه والنظائر وبين المعنى اللغوي.
• كتاب (الأفراد) لابن فارس حُقق في مجلات علمية, وحققه وطبعه مؤخرًا حاتم الضامن في رسالة صغيرة.
• فيما يتعلق بتعريف السيوطي للوجوه والنظائر أقول: هذا يحتاج إلى بسط وتفصيل فيما ذكره رحمه الله ليس بدقيق فيما يتعلق بتعريف هذا العلم, والدليل على هذا هو عمل مقاتل ومن جاء بعده, فنأخذ قوله: (المشترك): اللفظ المشترك الأصل فيه أن يكون محكيًا عن العرب, مثل قوله ((والليل إذا عسعس)) يستخدم في: (أقبل) و (أدبر), ومثله ((فرت من قسورة)) يستخدم في: (الأسد) و(الرامي), ثم لو نظرنا إلى قوله: (الذي يستعمل في عدة معان): لو نظرنا إلى ما ذكر من الأمثلة في القرآن مثلا (الهدى) فيها سبعة عشر وجهًا, فهل هذه المعاني استخدمها العرب الجواب: لا, وإنما هي معانٍ سياقية, وبناءً على ذلك قوله: (اللفظ المشترك) لا يصلح أن يكون هو المراد بالوجوه.
• أيضًا: قوله: (كالألفاظ المتواطئة) هذا من المصطلحات المنطقية, وليست هي النظائر, فالنظائر في حقيقتها كما عند مقاتل هي الآية التي تأتي على معنى واحد من معاني الوجوه فلا علاقة لها بالألفاظ المتواطئة.
• قيل في تعريف الوجوه والنظائر: الوجه: الاتفاق في اللفظ, والنظائر: اختلاف المعنى, وهذا أيضا ليس بدقيق.
• الصواب من خلال عمل مقاتل أن مراده بالوجوه : تعدد المعاني التي وردت للفظة الواحدة في القرآن, مثلا: (الهدى) وردت بمعنى الثبات والدين ونحوها فهذه وجوه, وإذا جاء في أحد هذه الوجوه أكثر من آية فهي نظائر.
• قال السيوطي: وقد أفردت في هذا كتابا سميته: (معترك الأقران في مشترك القرآن): أقول: المشهور للسيوطي كتاب: (معترك الأقران في إعجاز القرآن) ولا يُدرى هل هو هذا أم أن له كتابا آخر قريبا من هذا العنوان؛ لأن كتابه: (معترك الأقران في إعجاز القرآن) ذكر أن من وجوه إعجاز القرآن وجود المشترك فهو أحد وجوه الإعجاز, وقد أشار محقق كتابه: محمد علي البجاوي في تحقيقه لـ(معترك الأقران), وزعم أن السيوطي ذكر هذا الكتاب بهذا الاسم في كتاب الإتقان في هذا النوع (الوجوه والنظائر).
• قول السيوطي: (وذكر مقاتل في صدر كتابه حديثا مرفوعا :(لا يكون الرجل فقيها كل الفقه حتى يرى للقرآن وجوها كثيرة): أقول: هذا لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم, وإنما الذي ثبت عن أبي الدرداء قوله: (وإنك لا تفقه كل الفقه حتى ترى للقرآن وجوها), ومراد أبي الدرداء: أن الآية تحتمل أكثر من وجه, وليس مراده ما يقول الباطنية أن للقرآن ظاهرًا وباطنًا, وكذلك ليس مراد مقاتل ما ذهب إليه الباطنية أن للقرآن ظهرًا وبطنًا, بل مراد أبي الدرداء على الصواب: أن الآية قد تحتمل أكثر من معنى صحيح فإذا رأيت العلماء قد حملوها على معان متعددة كلها صحيحة فاقبلها, ولو رجعنا إلى تفسير السلف نجد مصداق ذلك في تطبيقاتهم. إذن لا علاقة بقول أبي الدرداء بالوجوه والنظائر ولا علاقة له بكلام الباطنية.
• قول علي بن أبي طالب لابن عباس: (.... ولا تحاجهم بالقرآن فإنه ذو وجوه ولكن خاصمهم بالسنة): (ذو وجوه) أي: وجوه المعاني, وعليُّ أراد من ابن عباس –رضي الله عنهما- أن يحيد عن الآيات ؛ نظرا للاحتمال فيها , وأن يذهب للسنة ؛ لقلة الاحتمال فيها, وهذا يدلنا على أن المحتملات في القرآن أكثر من المحتملات في السنة.
• هناك فكرة وهي تطبيق الوجوه والنظائر مع طلاب التحفيظ, فيعطون هذه المعاني ويحاولون استحضار الآيات.
النوع الأربعون: في معرفة معاني الأدوات والمعاني التي يحتج إليها المفسر 28-11-1428هـ
• هذا النوع مرتبط بالمعاني ولذا هو مما يحتاج إليه المفسر وما دام كذلك فهو من علوم القرآن, ومرجع هذا المبحث هو اللغة؛ ولذا سيعتوره أمران: النقل والاجتهاد, النقل من جهة أن أصول هذه الأدوات وكثير من معانيها منقول, ولكن قد يدخله الرأي من حيث نظر بعض العلماء في معاني هذه الأدوات, والذي يدل على وجود الرأي فيها هو اختلافهم في دلالة بعض هذه الأدوات.
• بعض المباحث التي ذكرها السيوطي في هذا النوع تتعلق بنواحٍ نحوية وصرفية ليس لها أثر على المعنى مباشرة, وهي إن كانت مهمة في بابها إلا أنها لا تتعلق بعلم التفسير.
• من الكتب التي ذكرها السيوطي: الأزهية لأبي الحسن علي بن محمد الهروي, وكتابه مطبوع من مطبوعات المجمع العلمي بدمشق, وكذلك كتاب الجنى الداني, وللرماني كتاب في هذا أيضاً, ولكن أنفس هذه الكتب وأوسعها كتاب مغني اللبيب.
هذه تعليقات الشيخ مساعد -وفقه الله- على كتاب الإتقان بنصها بعد تفريغها ثم مراجعة الشيخ لها.
النوع السابع والثلاثون: فيما وقع فيه بغير لغة الحجاز 29-10-1428هـ
• هذا المبحث ليس فيه إفادة مباشرة بالتفسير فنعرف المعنى ولا يعنينا من الذي تكلم به وبأي لغة ورد, ولكنه علم من علوم القرآن له ارتباط بعلم غريب القرآن وعلم النزول (ما نزل بغير لغة قريش), والأحرف السبعة بناء على أنها لغات العرب وأيضا له علاقة بالقراءات من وجه بناءً على أن بعض الوجوه المقروء بها مرتبطة بلهجات العرب هذه, وهذا العلم من علوم القرآن النقلية والذي يُنقل عنه هذا هو إما تفسير السلف أو كلام أهل اللغة ولا مجال للعقل فيه.
• من الفوائد في هذا النوع:
1. أن خفاء بعض الألفاظ على بعض الصحابة بسبب أنها لم تكن بلغة قومه, ومما ورد في الأثر عن ابن عباس قال: (ما كنت أعلم معنى قوله: ((ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق)) حتى سمعت امرأة من أهل اليمن تقول: افتح بيننا أي اقض) فابن عباس جهل المعنى فهل يمكن أن يجهل الصحابة معنى كلمة بالقرآن نقول: نعم لكن لا يمكن أن يجهلوه جميعا, وسبب جهل بعضهم أنها نزلت بغير لغة قريش وإنما كانت بلغة قوم آخرين.
2. من فوائد هذا النوع أيضا: تزيين الفاصلة واللفظ على السمع كما في قوله تعالى ((كلا لا وزر)) بمعنى: (جبل) فالفاصلة في الآيات التي قبلها وبعدها هي الراء ولو جاء بكلمة (جبل) لصار في الكلام نُبُوَّا, فالمجيء بهذه الكلمة مقصود لتحسين الصوت, وهذا في الحقيقة من إعجاز القرآن وهو اختيار اللفظ المناسب في الموضع المناسب, ومن ثَمَّ فإن ما يدعيه بعضهم من أنه ينافي كمال إعجاز القرآن وبلاغته .
فنقول: هذا غير صحيح بل هو من تمام إعجاز القرآن وبلاغته ومراعاته للفظ والسمع معًا ما دام المعنى لم يختل ولم يتغير ولم ينقص.
• البحث عن العلل في بعض المواطن المرتبطة بالنقل أو المرتبطة بالصوتيات والأداء هو في الحقيقة بحث عن أمر غير ممكن وغير مفيد, مثلا نقول إن حفص قرأ ((فيه مهانا)) ومدَّ هاء الصلة من أجل التنبيه على عظم هذا العذاب, فهو وجه قرائي لا علاقة له بهذا التعليل.
• مسألة: عندما يقولون عن اللفظة إنها في لغة أسد هل يلزم أنها ليست في لغة الحجاز فنقول: لا فقد تكون هي الأشهر والأكثر استعمالا وتكون أقل عند الآخرين.
• قول عثمان –رضي الله عنه- (إذا اختلفتم أنتم وزيد فاكتبوه بلسان قريش) نقول: هذا مرتبط بالرسم أي اكتبوه بالرسم الذي يتناسب مع لسان قريش ولا يمنع أن يقرأ بغيره بدلالة أن هناك من المكتوب ما قرئ بغير ما كتب به وسبق الحديث عن هذا في الأحرف السبعة.
النوع الثامن والثلاثون: فيما وقع فيه بغير لغة العرب 14-11-1428هـ•
هذا المبحث نقلي, وليس له أثر في فهم المعنى قطعًا, وهو من علوم القرآن بلا ريب.
• قال السيوطي: (وقال ابن فارس لو كان فيه من لغة غير العرب .....): أقول: هذا تحليل جيد؛ لأنه رجع إلى مبدأ الإعجاز, والإعجاز إنما وقع بهذا النظم العربي وتحدى العرب بكونه نظما عربيا, فالعرب لم يتوقفوا في كونه عربي.
• قال السيوطي: (وقال ابن جرير ......): ناقش ابن جرير ذلك في مقدمته وهو يرى أنه ورد نسبة شيء من القرآن عند السلف إلى غير العرب بلا ريب ولكن الطبري ينبه إلى ملمح لطيف وهو أن من نسبها إلى غير العربية لم ينفها عن العربية فهو يرى أنه يستخدم في لغة وفي لغة أخرى فهو مستعمل في أكثر من لغة.
• ذكر السيوطي آراء العلماء في المعرَّب, وقد ظهر رأي معاصر مستفاد من أقوال المتقدمين ، وفيه زيادة عليهم من جهة تحليل ألفاظ الللغات القديمة ، وقد ظهر لهم أن أصول الكلمات التي يقال بعجميتها أنها عربية محضة ، لكن قد يكون حصل لها بعض التحويرات والاختلافات في النطق عن اللغة التي نزل بها القرآن ، وقد نبه هؤلاء إلى أن اللغة العربية المكتوبة هي الطريق لمعرفة لغات القدماء ، كالهيروغلفية التي كانت في مصر فمثلاً : ( حجر رشيد ) كتب بثلاثة رسوم وهي كلام واحد وقد قام العالم الفرنسي شمبليون بفكِّ هذه الرسوم بعد تعلمه العربية التي استفاد منها في فكِّ هذه المدونة.
• قال السيوطي: (وقد رأيت الخويِّي ذكر لوقوع المعرب .....): رأي الخويي هذا جيد وقد أشار إلى طرف من ذلك ابن عطية في مقدمته وأن ألفاظ القرآن لو انتزع منها شيء ثم بحثنا في كلام العرب عن كلمة توافق هذه الكلمة في هذا المقام لما وجدنا.
• الصحيح أن العبرية الآن ليست لغة مستقلة محفوظة بدليل أن أبناء يعقوب الاثني عشر كانوا في بادية الشام كما في قول يوسف: ((وجاء بكم من البدو)) وأبوهم إبراهيم عليه السلام جاء من العراق فبين إبراهيم -الذي يتكلم إحدى لهجات العربية الشمالية- وأحفاده الأسباط فترة قصيرة جدا, ولهم ارتباط بمن حولهم فلغتهم واحدة؛ ولذا لما هاجر لوط عليه السلام مع عمه إبراهيم عليه السلام أرسله الله ـ وهم في الطريق إلى بادية الشام ـ إلى قرى سدوم وعمورة والله يقول: ((وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه)) ، وهذا يعني أن لسان لوط هو لسان قرى سدوم وعمورة .
وكذلك إبراهيم لما انتقل إلى مصر مع زوجته سارة ووهب لها الملك امرأة اسمها هاجر وهو اسم عربي صريح فهؤلاء الأسباط انتقلوا إلى مصر فهل يعقل أنهم بقوا على لغتهم ولم يختلطوا بغيرهم نقول: لا بل خالطوا غيرهم وتأثرت لغتهم ثم انتقلوا إلى مصر وعاشوا في بادية سيناء وهي فترة التيه ثم أذن لهم سبحانه بالدخول إلى فلسطين فهل يعقل أنهم بقوا على لغتهم ثم إذا علمنا أن بختنصر ملك بابل أحرق عليهم المسجد الأقصى وأخذ نسخ التوراة وأحرقها, ثم كتب التوراة رجل منهم اسمه (عزرا) ، وباتفاقهم أنه كان بعد خروجهم من الأسر ، فكتبها بلغتهم التي يتحدثون بها آنذاك ، ثم جاءت الترجمة السبعينية, فالصحيح أن العبرية الآن ليست القديمة, مع العلم أن العبرية القديمة هي لهجة من لهجات العرب القدماء الذين خرجوا من جزيرة العرب .
النوع التاسع والثلاثون: في معرفة الوجوه والنظائر21-11-1428هـ
• هذا النوع يحتاجه المفسر بلا ريب, وله علاقة بالمعنى, لذا هو من علوم القرآن, وهو مبني على النقل ويدخله الرأي والاجتهاد.
• الذي يظهر أن أول من صنف فيه هو مقاتل بن سليمان, وينسب إلى ابن عباس مصنفٌ في هذا العلم لكن ـ فيما يظهر ـ لم تثبت نسبته إليه ، إلا إن كان أحد المتأخرين جمع شيئًا من ذلك من تفسير ابن عباس, فإنه لم يثبت عندي من خلال الاطلاع على المرويات أن أحدًا من الصحابة صنف في التفسير أو في علوم القرآن, وإنما يذكر صحائف جمعت حديث النبي صلى الله عليه وسلم كصحيفة عبد الله بن عمرو بن العاص وغيرها.
• تصنيف مقاتل بن سليمان طبع بتحقيق: عبد الله شحاتة باسم (الأشباه والنظائر), وتسميته بذلك خطأ؛ لأن الأشباه هي النظائر وكل من عرَّف بكتاب مقاتل ذكر بأن اسمه (الوجوه والنظائر), فالوجوه شيء والنظائر شيء آخر, أما الأشباه فهي النظائر, ثم طبع كتاب مقاتل مؤخرًا بتحقيق: د.حاتم الضامن في مركز جمعة الماجد في جزء لطيف, على نسخة غير النسخة التي طبعها عليه: عبد الله شحاتة, وقد زعم حاتم الضامن واعترض على نسخة عبد الله شحاتة وأنها لهارون الأعور, لكنه لم يبين هذا بيانًا تامًا, والذي يظهر –والله أعلم- أن المسالة فيها نظر, لا من هذا ولا من ذاك؛ فالكتب القديمة كان يضاف فيها ويزاد, ولو عملنا موازنة بين كتاب هارون الأعور (ت170هـ), وكتاب مقاتل (150هـ) لوجدنا تشابهًا كبيرًا, ثم ما كتبه يحيى بن سلام (200هـ) بعدهما واسم كتابه (التصاريف) نجد أنه أيضا يشابه هذه الكتب.
• كل من جاء بعد مقاتل فإنه يضيف على كلام مقاتل ويزيد عليه الوجه والوجهين ونحوه, ولذا يصح القول: إن كل المتأخرين الذين ألفوا في هذا العلم هم عيال على مقاتل.
• ممن ألف: ابن الجوزي, وأصل عمله كتاب مقاتل ثم زاد عليه زوائد, وقد بحَث (فهد الضالع) في رسالته للماجستير زوائد ابن الجوزي على مقاتل في النظائر, وبحثه جيد, وفيه نفائس ولطائف خصوصًا فيما يتعلق بالقضايا المرتبطة بين المعنى السياقي الذي يأتي في الوجوه والنظائر وبين المعنى اللغوي.
• كتاب (الأفراد) لابن فارس حُقق في مجلات علمية, وحققه وطبعه مؤخرًا حاتم الضامن في رسالة صغيرة.
• فيما يتعلق بتعريف السيوطي للوجوه والنظائر أقول: هذا يحتاج إلى بسط وتفصيل فيما ذكره رحمه الله ليس بدقيق فيما يتعلق بتعريف هذا العلم, والدليل على هذا هو عمل مقاتل ومن جاء بعده, فنأخذ قوله: (المشترك): اللفظ المشترك الأصل فيه أن يكون محكيًا عن العرب, مثل قوله ((والليل إذا عسعس)) يستخدم في: (أقبل) و (أدبر), ومثله ((فرت من قسورة)) يستخدم في: (الأسد) و(الرامي), ثم لو نظرنا إلى قوله: (الذي يستعمل في عدة معان): لو نظرنا إلى ما ذكر من الأمثلة في القرآن مثلا (الهدى) فيها سبعة عشر وجهًا, فهل هذه المعاني استخدمها العرب الجواب: لا, وإنما هي معانٍ سياقية, وبناءً على ذلك قوله: (اللفظ المشترك) لا يصلح أن يكون هو المراد بالوجوه.
• أيضًا: قوله: (كالألفاظ المتواطئة) هذا من المصطلحات المنطقية, وليست هي النظائر, فالنظائر في حقيقتها كما عند مقاتل هي الآية التي تأتي على معنى واحد من معاني الوجوه فلا علاقة لها بالألفاظ المتواطئة.
• قيل في تعريف الوجوه والنظائر: الوجه: الاتفاق في اللفظ, والنظائر: اختلاف المعنى, وهذا أيضا ليس بدقيق.
• الصواب من خلال عمل مقاتل أن مراده بالوجوه : تعدد المعاني التي وردت للفظة الواحدة في القرآن, مثلا: (الهدى) وردت بمعنى الثبات والدين ونحوها فهذه وجوه, وإذا جاء في أحد هذه الوجوه أكثر من آية فهي نظائر.
• قال السيوطي: وقد أفردت في هذا كتابا سميته: (معترك الأقران في مشترك القرآن): أقول: المشهور للسيوطي كتاب: (معترك الأقران في إعجاز القرآن) ولا يُدرى هل هو هذا أم أن له كتابا آخر قريبا من هذا العنوان؛ لأن كتابه: (معترك الأقران في إعجاز القرآن) ذكر أن من وجوه إعجاز القرآن وجود المشترك فهو أحد وجوه الإعجاز, وقد أشار محقق كتابه: محمد علي البجاوي في تحقيقه لـ(معترك الأقران), وزعم أن السيوطي ذكر هذا الكتاب بهذا الاسم في كتاب الإتقان في هذا النوع (الوجوه والنظائر).
• قول السيوطي: (وذكر مقاتل في صدر كتابه حديثا مرفوعا :(لا يكون الرجل فقيها كل الفقه حتى يرى للقرآن وجوها كثيرة): أقول: هذا لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم, وإنما الذي ثبت عن أبي الدرداء قوله: (وإنك لا تفقه كل الفقه حتى ترى للقرآن وجوها), ومراد أبي الدرداء: أن الآية تحتمل أكثر من وجه, وليس مراده ما يقول الباطنية أن للقرآن ظاهرًا وباطنًا, وكذلك ليس مراد مقاتل ما ذهب إليه الباطنية أن للقرآن ظهرًا وبطنًا, بل مراد أبي الدرداء على الصواب: أن الآية قد تحتمل أكثر من معنى صحيح فإذا رأيت العلماء قد حملوها على معان متعددة كلها صحيحة فاقبلها, ولو رجعنا إلى تفسير السلف نجد مصداق ذلك في تطبيقاتهم. إذن لا علاقة بقول أبي الدرداء بالوجوه والنظائر ولا علاقة له بكلام الباطنية.
• قول علي بن أبي طالب لابن عباس: (.... ولا تحاجهم بالقرآن فإنه ذو وجوه ولكن خاصمهم بالسنة): (ذو وجوه) أي: وجوه المعاني, وعليُّ أراد من ابن عباس –رضي الله عنهما- أن يحيد عن الآيات ؛ نظرا للاحتمال فيها , وأن يذهب للسنة ؛ لقلة الاحتمال فيها, وهذا يدلنا على أن المحتملات في القرآن أكثر من المحتملات في السنة.
• هناك فكرة وهي تطبيق الوجوه والنظائر مع طلاب التحفيظ, فيعطون هذه المعاني ويحاولون استحضار الآيات.
النوع الأربعون: في معرفة معاني الأدوات والمعاني التي يحتج إليها المفسر 28-11-1428هـ
• هذا النوع مرتبط بالمعاني ولذا هو مما يحتاج إليه المفسر وما دام كذلك فهو من علوم القرآن, ومرجع هذا المبحث هو اللغة؛ ولذا سيعتوره أمران: النقل والاجتهاد, النقل من جهة أن أصول هذه الأدوات وكثير من معانيها منقول, ولكن قد يدخله الرأي من حيث نظر بعض العلماء في معاني هذه الأدوات, والذي يدل على وجود الرأي فيها هو اختلافهم في دلالة بعض هذه الأدوات.
• بعض المباحث التي ذكرها السيوطي في هذا النوع تتعلق بنواحٍ نحوية وصرفية ليس لها أثر على المعنى مباشرة, وهي إن كانت مهمة في بابها إلا أنها لا تتعلق بعلم التفسير.
• من الكتب التي ذكرها السيوطي: الأزهية لأبي الحسن علي بن محمد الهروي, وكتابه مطبوع من مطبوعات المجمع العلمي بدمشق, وكذلك كتاب الجنى الداني, وللرماني كتاب في هذا أيضاً, ولكن أنفس هذه الكتب وأوسعها كتاب مغني اللبيب.