تعقيب على تأويل للشيخ الشعراوي في قصة عزير:

إنضم
12 يناير 2013
المشاركات
692
مستوى التفاعل
20
النقاط
18
العمر
52
الإقامة
مراكش-المغرب
بسم1

تعقيب على تأويل للشيخ الشعراوي في قصة عزير:


يقول الإمام الشعراوي رحمه الله تعالى في تفسيره في قصة الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه:"وفي قصة العزير الذي أماته الله مائة عام ، ثم بعثه : { قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ . . } [ البقرة : 259 ] على مُقْتضى العادة التي أَلفَها في نومه ، فيُوضِّح له ربه : { بَل لَّبِثْتَ مِاْئَةَ عَامٍ فانظر إلى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وانظر إلى حِمَارِكَ } [ البقرة : 259 ].
فالمدّة في نظر العزيز كانت يوماً أو بعض يوم ، والحق سبحانه أخبر أنها مائة عام ، فالبَوْنُ شاسع بينهما ، ومع ذلك فالقوْلاَن صادقان .
والحق سبحانه أعطانا الدليل على ذلك ، فقد بعث العُزَيز من موته ، فوجد حماره عظاماً بالية يصدُق عليها القول بمائة عام ، ونظر إلى طعامه وشرابه فوجده كما هو لم يتغير ، وكأنّ العهدَ به يوم أو بعض يوم ، ولو مَرّ على الطعام مائة عام لتغيَّر بل لتحلَّل ولم يَبْقَ له أثر .
وكأن الخالق سبحانه قبض الزمن وبَسَطه في وقت واحد ، وهو سبحانه القابض الباسط ، إذن : قَوْلُ الحق سبحانه مائة عام صِدْق ، وقول العُزَيز { يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } صِدْق أيضاً ، ولا يجمع الضِّدَّيْن إلا خالق الأضداد سبحانه وتعالى ." اهـــ.

قبل التعقيب على هذا الكلام أود أن أنبه على أن العلماء اختلفوا في الرجل الذي مر على القرية فلم يجمعوا على أنه عزير، "فروى ابن أبي حاتم بسنده عن علي بن أبي طالب أنه قال: هو عزير.
وحكاه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس والحسن وقتادة والسدي وسليمان بن بُرَيْدَة وهذا القول هو المشهور.
وقال وهب بن منبه وعبد الله بن عبيد بن عمير: هو أرميا بن حلقيا.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي قال: سمعت سليمان بن محمد اليساري الجاري -من أهل الجار، ابن عم مطرف-قال: سمعت رجلا من أهل الشام يقول: إن الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه اسمه: حزقيل بن بورا.
وقال مجاهد بن جبر: هو رجل من بني إسرائيل." -من تفسير ابن كثير باختصار-..

وفي تعقيبي الآتي سأختار القول المشهور ألا وهو أن المار على القرية كان عزيرا.

يقول الشيخ الشعراوي:"فالمدّة في نظر العزيز كانت يوماً أو بعض يوم ، والحق سبحانه أخبر أنها مائة عام ، فالبَوْنُ شاسع بينهما ، ومع ذلك فالقوْلاَن صادقان..." اهــ.

وهذا القول منه رحمه الله تعالى فيه نظر وذلك لأمرين:

-1- أن الله تعالى استعمل لفظة "بل" فقال سبحانه ردا على كلام عزير:"بل لبثت مائة عام"، ومعلوم أن كلمة "بل" للإضراب والإبطال، أي إضراب وإبطال ما تقدمها من الكلام، تقول: جاء زيد بل عمر، أي أن الآتي لم يكن زيدا بل عمرا، وقد ورد في إعراب قوله تعالى:"لبثت مائة عام" أنها معطوفة على جملة محذوفة والتقدير:" ما لبثت يوما أو بعض يوم بل لبثت مائة عام".
ففي قوله تعالى :"بل لبثت مائة عام" إضراب وإبطال لما قاله عزير من أنه لبث يوما أو بعض يوم.
ومعلوم أن القرآن الكريم نزل على لسان العرب والأولى إجراءه على ما تعاهدوه من الألفاظ والوجوه.
ومعرفة معاني الحروف من المهمات في باب التفسير لتوقف المعنى عليها واختلافه باختلاف مواقعها منه، ولأهمية هذا الأمر فقد عده العلماء نوعا من أنواع علوم القرآن كما فعل العلامة السيوطي رحمه الله تعالى في النوع الأربعين: في معرفة معاني الأدوات التي يحتاج إليها المفسر، وقال في مقدمته:" اعلم أن معرفة ذلك من المهمات المطلوبة لاختلاف مواقعها ولهذا يختلف الكلام والاستنباط بحسبها" اهــ.
ومن الأمثلة من كتاب الله تعالى على الإضراب بحرف "بل" قوله جل جلاله:"وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون"، وقوله تعالى ذكره:"أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق"... .

-2- اعتبار البسط والقبض في الزمان في هذه القصة ليس مسلما، فالله تعالى القابض الباسط متى شاء لما شاء سبحانه، وهذا لا ينكره إلا جاحد ضال، لذا اعتقاد الشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى أن الزمن قبض فيما يتعلق بالطعام والشراب ولم يجري عليه زمن لأنه لو جرى عليه لفسد بل لانعدم كما قال:"ولو مَرّ على الطعام مائة عام لتغيَّر بل لتحلَّل ولم يَبْقَ له أثر"، فهذا الأمر يجري على القانون المادي الحسي المشاهد أما بالنسبة لله تعالى فلا تحكمه مثل هذه القوانين فهو سبحانه الفعال لما يريد، فلا يعجزه سبحانه أن يظل* الطعام والشراب كما هو دون أن يتغير أو يتسنه ولو جرت عليه مائة سنة بل مئات السنين.
فأفعاله سبحانه لا تخضع للسنن الكونية ولا تحكمها بل هو سبحانه من يحكم كل شيء ويجري ما شاء وفق ما شاء سبحانه.

والله أعلم وأحكم ونسبة العلم إليه سبحانه أسلم.
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اذا ما رجعنا لقوله تعالى (أنى يحيي هذه الله بعد موتها)، نجد أن معنى (أنى) يعني (كيف ومن أين وفي أي زمن)، وبما أن الاستفهام عن الزمن اللازم لإحياء القرية إحداها، كانت الإجابة ("وانظر الى طعامك وشرابك لم يتسنه").
(لم يتسنه) تعني (لم تمر عليه السنين ليتلف).
فالزمان والمكان من خلق الله. جعل الله لكل ناموسه الكوني. ولا يعطل هذا القانون والناموس الكوني إلا الخالق سبحانه وتعالى.
فلا تسأل عن الزمان. فقد لبثت انت مئة عام. بينما تم ايقاف جريان الزمن على الطعام والشراب فلم يتلف.

سبحان الله العظيم الذي لا يحده مكان أو زمان.

(الشراب لم يتبخر أو يتلف لعدم جريان الزمان عليه وكذلك الطعام )
 
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

ما ذكرته أخي وما ذكره بسام النجار هو نفس ما ذهب إليه الشيخ الشعرواي رحمه الله تعالى في أن الزمن توقف جريانه بخصوص الطعام والشراب، فكانت هناك عملية قبض وبسط للزمان.
وهذا كما أسلفت لايسلم لأن الله تعالى لا يعجزه شيء، فهو القادر سبحانه على أن يحفظ الطعام من التغير وإن جرت عليه مئات بل آلاف السنون.
والله تعالى أعلم وأحكم.
 
الحمد لله وحده،
أرى أن كلا الرأيين يحتمل الصواب، وليس هناك تباين بينهما، فالشيخ الشعراوي يرى أن المعجزة القائمة في قصة عزير محلها الزمن، فقال بالبسط والقبض فيه. وأمّا الأخ الناصر أن المعجزة في آية عزير محلها الطعام والشراب الذي على غير العادة لم يتغير بعد مائة عام. لكني أفضّل الترجيح على التجريح، فأرجّح رأي الأخ الناصر لتوافقه مع قواعد اللعة العربية في معاني حرف العطف "بل". فقد استقر في معاني الحروف أنه إذا جاء بعد (بل) جملة تحولت إلى حرف ابتداء مثل قوله تعالى {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ} حيث أفادت الإضراب الإبطالي، وهي مثل جملة "بل لبثت مائة عام". والله أعلم.
 
الأخ ناصر عبدالغفور
مشاركتك طيبة ومناقشتك أطيب
فإن القول إن الزمن لم يجر لا أراه مناسبا
لأن هناك وقائع تحصل بأمر من الله جل وعلا لا تستطيع تطبيق سنن الحياة عليها
كما في مزود تمر أبي هريرة رضي الله عنه فقد أكل من مزود التمر في آخر عصر النبوة وعصر خلافة أبي بكر وعمر وبعضٍ من خلافة عثمان ببركة دعاء الرسول " ﷺ"
قال أبوهريرة رضي الله عنه
أَتيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومًا بتَمَراتٍ، فقلتُ: ادْعُ اللهَ لي فيهنَّ بالبركةِ، قال: فصَفَّهنَّ بين يدَيْه، قال: ثمَّ دَعا، فقالَ لي: اجْعلهنَّ في مِزْوَدٍ، فأَدخِلْ يدَك، ولا تَنثُرْه. قال: فحمَلتُ منه كذا وكذا وَسْقًا في سبيلِ اللهِ، ونَأكُلُ ونُطعِمُ، وكان لا يُفارِقُ حِقْوي، فلمَّا قُتِلَ عثمانُ رَضِيَ الله عنه، انقطَعَ عن حِقْوي، فسقَطَ.
 
عودة
أعلى