تعريف بكتاب(7) "الله ليس كذلك" للباحثة الألمانية زيجريد هونكه

طارق منينة

New member
إنضم
19/07/2010
المشاركات
6,330
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
التعريف بالمؤلفة
ولدت زيجريد هونكه في26 أبريل1913 ، وتوفيت في هامبورغ ، في15 يونيو1999، وهي ابنة الناشر هاينريش هونكه، وزوجها هو المستشرق الألماني الكبير الدكتور شولتزا.
قبل أن تنشر كتابها الأول ،عام1960، عن حضارة العرب والمسلمين المعنون بعنوان جامع(شمس الله تسطع على الغرب)، كانت قد عاشت سنوات معدودة في المغرب العربي، فرأت وسمعت الحقائق، ودرست وتعلمت في التاريخ والفكر..اشتركت عام1974،مع الدكتور مصطفى ماهر وآخرين بمقال واسع، وُضع له عنوان( أنهار من الشرق تُسقي حقول الثقافة الألمانية) وبعدها ، عام1976،أصدرت كتابها (الإبل على بلاط قيصر) أو في ترجمة أخرى (قوافل عربية في رحاب قيصر)، ثم تم نشر الطبعة العربية لكتاب(الله ليس كذلك)،عام 1416هجرية،1995م، بمشاركة ثلاثة مؤسسات ، وهي دار الشروق المصرية، مؤسسة بافاريا –ميونخ ألمانيا، مجلة النور الكويتية.
والغرض الرئيس لنشر هذا الكتاب،هو بحسب تعبير المؤلفة:" أخذنا على عاتقنا أن نخرج إلى النور أهم الانجازات والتأثيرات العربية ذات الفضل على العلوم والفنون في أوروبا"(مقدمة المؤلفة للكتاب" الله ليس كذلك" ،ص9، دار الشروق، الطبعة الأولى،1416 هجرية،1995م،)
التعريف بالكتاب
ينقسم الكتاب إلى مقدمة للناشر وأُخرى للمؤلفة، وستة فصول، فمقدمة الناشر كتبها الاستاذ عبد الحليم خفاجي (من مؤسسة نافاريا للنشر والإعلام، ميونيخ-ألمانيا، بالإشتراك مع فيصل الزامل من مجلة النور الكويتية)، ومقدمتهما وضعت تحت عنوان مشير ،وهو(مؤمنة آل فرعون) فالقصة القديمة للرجل المؤمن من آل فرعون تتكرر في التاريخ، والعنوان يشير كما يمكن للقارئ ملاحظة ذلك إلى أن المؤلفة واجهت الباطل بكتاباتها لبيان الحقيقة التاريخية والعلمية كما واجه مؤمن آل فرعون قومه.:"وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ "وقال ايضا لهم:" وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (34) الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آَمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ"
أما مقدمة المؤلفة فتنقسم إلى ثلاثة عناصر، العنصر الأول أخاذ وملفت جدا، وهو ربما أهم مافي الكتاب من مغزى وإيحاء ،فهو بعنوان ( الله ليس كذلك) ، وهو يحمل سمات "فقه المؤلفة" إذ انها تشير بالعنوان الذي وضعت تحته تصورات الغرب الباطلة "وإفتراءاته الجماعية" على القرآن والنبي محمد والمسلمين وتاريخهم، أن الله عز وجل وماأنزله على النبي محمد صلى الله عليه وسلم أتى بالخير والرحمة للبشرية، والعلم والعقل للإنسان الجاهل والغافل،وأنزل عليه شريعة تصنع مدنية وحضارة كونية، وهذا يعني أنها تدافع (برمزية العنوان) عن تبرئة الإسلام نفسه ونصرة الله عز وجل وشريعته على الباطل كله، (انظر فيما يأتي دفاعها عن موقف القرآن من المرأة) وقد ألزمت نفسها ببيان الحقيقة المحجوبة، مع إعلام الغرب كله أن الإسلام بمنجزاته الحضارية ومقاومة الكنيسة له، لم يكن أصلا لحرب وإيلام الإنسان الغربي أوالإنتصار عليه في عملية همجية لشعوب بدائية او استعمارية تبغي الحصول على أموال الناس بالباطل، وقهر الإنسان او انه ضد شعوب الغرب، الغرب الذي تسعى زيجريد هونكه في مشروعها كله إلى إقامة جسور التواصل والتعارف بينه وبين الشعوب المسلمة.
فالإسلام ، بتدفق مظاهر التفوق الثقافي والفكري من الشرق إلى الغرب-كما قالت-انتصر ،في معاركه التاريخية، على دعايات الكنيسة الكاذبة ، والجهل الظافر المستبد ، والسائد، ولم يكن في معركة مع الشعوب المغلوب على أمرها بالسيطرة المكبلة للروح البشري والتجهيل فالمعركة كانت مع السلطات المنغلقة المستبدة ، التي تمنع الإنسان من أن يكون إنسان، وتقوم بتكبيله واستضعافه، وسرقه مقدراته والحرص على استعباده واستغلاله:" فقد انتصر هو عليها بإنجازاته الثقافية والحضارية وجعل حياتها ثراء وأحدث تغييرا جذريا في إحساس الغربي بالحياة في كل مناحيها"(إبل على بلاط قيصر ص 39) وأنا أرى أن العنوان فريد في مغزاه ومرماه وهو فقه المؤلفة في واجهة الكتاب، ثم كتبت عنوان متفرع وهو (المحمديون) وفيه تتكلم عن اشتقاق هذا الإسم وغيره من الأسماء المخترعة في الغرب، مثل الساراسين ،وهي العناوين المزيفة التي أطلقت على المسلمين لحجب الإسماء الحقيقية التي وراءها مقاصد الوحي الرباني ومعاني الحقائق الكبرى ، ثم عنوان آخر وهو (نداء يهيب بقتال أعداء الرب)، وتشير به إلى نداء البابا أوربان الثاني في 27 نوفمبر1095م في كلبرمونت بفرنسا، للزحف لتحرير قبر عيسى وتبين زيف الدعوى وكذب الدعاية، وهزيمتها، فالأكاذيب أسباب للهزيمة، وبلفظ المؤلفة :"سببا في هزيمتها فلقد وقع ماكانت تريد الكنيسة الحيلولة دونه"(إبل على بلاط قيصر ص39).

أما متن الكتاب فيتكون من ستة فصول، تتكلم في الفصل الأول عن (إشعال نار الكراهية والبغضاء) والثاني بعنوان( الفروسية الألمانية والفروسية العربية تخزيان عدم التسامح النصراني)، والصورة السائدة عن الإنسان المسلم "جبري، وموضوع الجهاد"، وفي الفصل الثالث تتكلم عن شارل مارتل:منقذ الغرب كما يزعمون،وهو عنوان الفصل، ثم عنوان الفصل الرابع (المرأة مضطهدة تسام الخسف في الإسلام) وتقوم فيه بالرد على الإفتراءات الظالمة، من القرآن والتاريخ وخبرتها بنصوص الوحي القرآني وحال المرأة المسلمة في تاريخ حضارة الإسلام، والفصل الخامس بعنوان"... وحريق مكتبة الإسكندرية الكبرى؟!) وفيه خبرة عميقة بتاريخ الإسلام الأول ، ونصوص القرآن، ومعرفتها بشخصية الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي نُسب حريق الإسكندرية لأوامره، فتقوم هونكه بعرض أدلتها الدامغة ضد خرافة حرق المكتبة من قبل المسلمين ،تقوم ذلك بصورة تاريخية لاتدع مجالا للشك في أن أكذوبة كبيرة روجت لحجب حقيقة العلم في الإسلام ومداه الإنساني والكوني، العمودي والأفقي، فكم مرة طلب القرآن من المسلمين بالبحث والنظر، والعلم والتفكير، والملاحظة والتعقل، وكم قدم المسلمون في التاريخ الحضاري للإسلام من ثمائن الكتب والمخطوطات، والعلوم والمكتبات وأما الفصل السادس فتتكلم المؤلفة فيه عن الأوضاع المعاصرة تحت عنوان ( الصدمة النفسية"العربية" للغرب تنشط من جديد)
بيد أن الكتاب، على الرغم من مواضيع العناوين، الثرية بالدلالات، مليء بموضوعات علمية وقرآنية مبهرة، سنعرضها في موضعها لشدة الحاجة اليها ولبيان خبرة باحثة ألمانية بالإسلام ونصوص القرآن، وحضارته الفذة.​

لماذا(الله ليس كذلك)
لقد أعلنت زيجريد هونكه في كتابها الأول ، وهو(شمس الله تسطع على الغرب) ان مصير الغرب مرتبط :" بصورة وثيقة بمصير العالم العربي الذي قام ذات مرة من قبل بتغيير معالم دنيانا تغييرا حاسما" وأعادت هذه الكلمة مرة أخرى في مقدمة كتابها التالي وهو"قوافل عربية في رحاب قيصر" وقالت انها بكتابها هذا كانت :"تهدف من وراءه إلى تنوير الألمان فحسب...أننا لانزال نلاحظ جهلا يؤسف له يسود حتى اليوم ، جهلا بالشعب العربي وشخصيته وطبيعته وتفكيره" الا أن العرب يصرحون لها دوما ان الكتاب نفسه " جاء ليساعد العرب على استعادة هويتهم الذاتية من جديد" (مقدمة كتابها "إبل على بلاط قيصر، نقله إلى العربية د. حسام الشيمي، مكتبة العبيكان، الطبعة الأولى،1421هجرية،2001م،ىص9،10) لقد إرتأت زيجريد أن هناك حاجة ملحة إلى مزيد من التوضيح للأمة الألمانية وغيرها لبيان شأن الإسلام،على الرغم من اصدارها كتابها الأول والثاني عن العرب وحضارة الإسلام، فكتبت في كتابها الثالث(المسمى "الله ليس كذلك" عن حضارة هذا الدين :" لقد أصر الغرب إصرارا على دفن حقيقة العرب في مقبرة الأحكام التعسفية والافتراءات الجماعية دفنا، وأهال عليها ما أهال طمسا منه لمعالمها، على الرغم من محاولاتنا المعروفة، كما يشهد بذلك كتابنا" شمس الله تسطع على الغرب" ... وكتابنا" قوافل عربية في رحاب قيصر"...ولايزال القوم يروجون للخرافات السائدة..."(ص 7،8)، وشرحت ميلها الحثيث نحو كتابة مخطوطة ثالثة او رابعة عن دين علم أهل أوروبا كيف يعيشون الدنيا ، بعلمية ونظافة:"لماذا كان من الضروري نشر هذا الكتاب، كتاب "الله ليس كذلك"، وللإجابة على السؤال تستدعي قول رومان رولاند:" لاريب أن الآراء المطلقة المتوارثة ، تجعل تفهم الشعوب بعضها بعضا أمرا عسيرا، كما تجعل احتقار بعضها الآخر أمرا هينا سهلا"، وتعلق بقولها:" تلك الكلمة التي قالها الفرنسي رومان رونالد تصدق أشد ماتصدق على علاقة الغرب النصراني بالعالم العربي- الإسلامي، وليس ثمة شعب يسئ الغرب فمهمه كالعرب والعروبة...إن شعوبا أخرى، نائية غريبة عنا، غير ذات أديان وضعية ليست من ديننا، نقف منها موقفا سمحا مبسطا ليس بالمعقد، على العكس من موقفنا من الشعوب العربية المسلمة ، أو تلك التي تدين بالإسلام من غير العرب..ماالسبب وراء ذلك؟! لابد أن هناك سببا معينا في كون الأحكام الظالمة المتعسفة الموروثة عن القرون الوسطى لاتزال حتى يومنا هذا، على خطئها وخطرها، تسد الطريق على المعرفة الموضوعية للنواحي الفكرية والعقلية لذلك العالم، ودينه، وتاريخه، وحضارته"(الله ليس كذلك، لزيغريد هونكه،،ص7) وذلك:" بدلا من التماس المعلومات الموضوعية"(ص8) ف:" لايزال القوم يروجون للخرافات السائدة هنا مثل" استعباد الإسلام للمرأة"(ص8)
موضوع الساعة الملح
لذلك قالت ان:" موضوع الساعة الخطير ليحتم فضح تلك الأحكام المتجنية والمتعسفة وإزالتها، وشتى المعلومات الفجة الظالمة الزائفة ، التي تلتصق بالإسلام منذ قرون... وإن خطورة هذا الأمر لتتضح لمن يرى ويسمع ، كما تبرهن على ذلك موجات العداء الجديدة المغرضة في ألمانيا، والتي تستهدف الإسلام"(ص9)، وتؤكد أن الوجه الذي قدمته احداث11 سبتمبر لم يكن هو وجه الإسلام، وأن المسلمون أخرجوا قديما الغرب نفسه من الظلمات التي كان فيها إلى نور العلم والمدنية، والنظافة والترقي ، فالمسلمون في الغرب الإسباني، ولمدة ثمانية قرون، أقاموا مع اليهود والنصارى ، وبالإتفاق السلمي، بل وبالتعاون في مختلف الوجوه:" أكثر نظم الحكم ثراءا واذدهارا في القارة الأوروبية" (الإبل على بلاط قيصر ص 16).
ظواهر لها أسباب
وترصد زيجريد أسباب تلك الظواهر الغربية المستديمة،حتى من قبل احداث سبتمبر المشؤومة، ومنها (نقص المعرفة بالإسلام)
- " إن مدى نقص معرفة الغرب بالإسلام...يتجلى في التصورات التي تحكم نظرة الغرب إلى الإنسان المسلم"(ص37)
وتأجيج الإعلام الغربي لسعار الأغاليط والأكاذيب الفجة:
- " مثل عدم التسامح والسماحة في الدين الإسلامي مما يطغى منذ قرون ليصبغ أو يشكل الدعايات المغرضة المزيفة للواقع والحق، والمنادية بالويل والثبور، وعظائم الأمور، تؤجج من جديد أجهزة الإعلام الغربي المتباينة من أورارها المسعور...ذلك التصوير المشوه الممسوخ المقصود المتوارث منذ القرون الوسطى لذلك العدو الكافر...يراد له أن ينقلب إلى كرة متأصل، كحالة مَرضية يرزح الغربي تحت كابوسها الخانق"(الله ليس كذلك ص8)
مجالات التلاعب وميادين التهديم
تقوم زيغرد هونكه بتعداد محاور التشويه ومجالات التلاعب بمفاهيم الإسلام وحقيقة المسلمين "الأصلية" ، فتقول "إن تلك الأحكام المستقرة المستهلكة لازالت تتغذى على عدد لاحصر له من المغالطات وليدة سوء الفهم، ومن الصورة الدينية الظالمة للخصم، ومن المعلومات الخاطئة المنحازة، ومن الإساءة المشوهة عمدا وقصدا ومن النقص في المعرفة نقصا مبينا، مثلا في:
-ميدان العقيدة والتصور الديني ، وتصور المسلمين للذات الإلهية.
-وفي تصور الغرب لمؤسس تلك العقيدة والخلط بينه وبين الله.
- وفي معرفتهم بالمؤمنين من المسلمين ونحو ذلك.
- وفي التاريخ الإسلامي للعرب وغيرهم من الشعوب التي اعتنقت الإسلام.
-وفي التعايش مع الناس المختلفين في الدين.
- وفي وضع المرأة في التاريخ والحياة الزوجية والأسرة والعمل.
-وفي الحضارة والعلوم؛ والفنون والتقنية.
-وفي السياسة المعاصرة"(الله ليس كذلك ص 26)
السياسة المعاصرة ورسوم متحركة من القرون الوسطى إلى اليوم
وفي الصورة الأخيرة ، عن السياسة الغربية المعاصرة، ذكرت هونكه أن أزمة النفط في خريف 1973 ، جعلت الغرب يتصور العرب حفنة من رعاء الماعز، وحداة الإبل، فقد ملئت الرسوم الساخرة(الكاريكاتورية) خيالاتهم بشيوخ نفط سمان، تحلت أصابعهم بالعديد من الخواتم المرصعة بالأحجار الكريمة، يلهون بحريمهم، وفي قسوة يرفعون سعر النفط بجنون!، وتقول هونكه أن الحق غير ذلك، :" والحق غير ذلك فنصيب العرب-قياسا إلى تكاليف الإنتاج التي تزايدت بصورة مُركزة ، وتبعا للضرائب الحكومية التي زادت- لم يرتفع إلا في حدود متواضعه...(انظر ص94،95).
لكنها بكتبها الثلاثة، ومنها كتاب التعريف هنا، تذكر في كل صفحة منها، أن حضارة الإسلام وأهله قدموا كل علومهم للغرب، قدموا الدواء والصيدليات، والعلوم والمختبرات، والنظافة والحياة، ومعلوم أن الشعوب تتاجر بما عندها من مواد وغذاء، وأوروبا اليوم تفعل ذلك بكل ماتنتجه من ذلك، ارتفعت الأسعار ام كان احتكار!، او كانت الأسعار معقولة موفورة.
لم تنسى زيجريد في بداية كتابها-ايضا- ان تذكر مساوئ الإستعمار الغربي وماسعى من تغيير عقائد الأمة وهويتها الجليلة.
العودة الى هوية مفتقدة، حضارية وعلمية شاملة
وفيما تذكرنا المؤلفة بذلك، نجدها حريصة على الدعوة الأصيلة،تطالب بها أهل الإسلام، في الحفاظ على "الأصول" و"الجذور" ، لأنها مقتنعة أشد الإقتناع أن الإسلام خدم البشرية عامة، مجانا وبغير حساب، فهي دعوة لإنصاف هذا الدين ورسوله المرسل رحمة للعالمين، ومن مطالب العودة : لغتهم التي " هي المفتاح الرئيسي إلى عالم الفكر الذاتي للعرب"(ص95)، كما دعتهم إلى الحفاظ على : الدين بإعتباره المحور الذي يدور حوله وجودهم، الدين" المنفتح على العالم، والذي لايعارض التطور العقلي"، ثم: التنقيب عن الماضي الفكري المدفون تحت الأنقاض تماما واستيعاب أسباب نشوئه ، واكتماله واكتهاله، ثم تقهقره واندثاره، والخروج بالعبر والدوروس اللازمة للانطلق للمستقبل.
وتزيد في النصيحة العالمة بتاريخ الإسلام وحضارته الزاهرة، في موقف علمي متزن على العكس من مواقف العلمانيين العرب-منهم اركون وهاشم صالح- الذين اعتبروا كتاباتها تبجيلية معيقة مع انها كتبت غير ذلك وهذه جملة من اروع مختصراتها العلمية، نضعها أمام الأنوف العلمانية المزكومة: الإستفادة غير العمياء أمر مهم عاشه تاريخ الغرب في ظل منهجهم الديني الأصيل وهو منهج عقلاني علمي، ايضا:عدم التوسل بأمجاد الماضي للهروب من الواقع،أو أن يكون اعتذارا واهيا يذكي الكبرياء فحسب :" دون أدائه الحق المفروض عليه، وهو التعلم من الماضي لبناء المستقبل"(ص 96)
مما يلفت الإنتباه، أيضا، أن الباحثة الكبيرة زيغريد هونكه تكتب ذلك، وهي تعلم مدى السقوط الذريع الذي وقعت فيه الأنظمة العربية من التقليد الأعمى للغرب، والأنماط الغربية أو الأيديولوجية الروسية، وهو ماجعل مسيرة العرب تنتكس، فالأفكار والأنماط الالخاطئة لاتنفع الأمة ولاتعمل على رقيها كما كانت أول مرة، الا انها قالت انه لاداعي للإنغلاق عن مايفيد أمة الإسلام، مما لايتعارض مع هويتهم ودينهم، :" ليس ثمة أجدى من السماحة في العطاء والأخذ الواعي القائم على الأصالة، المبنية على الرفض الصادر عن الثقة بالنفس، المتغلغل فيها، للعناصر الغربية على الطبيعة العربية، والانفتاح للتطورات في العالم الحديث، لكي يتمكن العرب من الإحاطة بها والإفادة منها بما يتفق وروحهم الخلاق المبدع، وأن ينفخوا فيها من روحهم فيبعثونها عربية حية..."(الله ليس كذلك ص 97)
لاتنسى المؤلفة أن تنهي كتابها وربما حياتها بالإيمان ب:"إن الإسلام هو ولاشك أعظم ديانة على ظهر الأرض سماحة وإنصافا، نقولها بلاتحيز، ودون أن نسمح للأحكام الظالمة أن تلطخه بالسواد، إذا مانحينا هذه المغالطات التاريخية الآثمة في حقه، والجهل البحت به، وإن علينا أن نتقبل هذا الشريك والصد=يق، مع ضمان حقه في أن يكون كما هو"(الله ليس كذلك ص 101).
رحمها الله ان كانت ماتت على الإسلام وهو مانظنه كذلك.
مخطوطة تثبت العمق في البحث والتنقيب واستخلاص النتائج المنصفة
مما يلاحظ ، كذلك، أن زيجريد هونكه لم تخوض في مجال هذا البحث التاريخي الخطير الشأن ،الا بعد أن تعمقت في دراسة التاريخ الأوروبي ، وحقبه المختلفة، والتاريخ الإسلامي أيضا، وبعمق واضح، كما انها إطلعت بصورة موسعة على العقائد النصرانية وأساطير فرقها وجماعاتها المختلفة، وعلمت من القرآن مالم يعلمه كبار المستشرقين من بني جنسها، و سنلاحظ هذا فيما يأتي من كلامها في كل موضع ترد فيه فرية طائشة او إشاعة منتشرة باطشة ، وقد كانت–وأظن أنها توفيت مسلمة- على دراية كبيرة بالأكاذيب التاريخية عن تاريخ الإسلام والمسلمين والإفتراءت التي تدور حول ذلك، وإلى اليوم في الغرب.كما أن لها خبرة فريدة بخلفاء الإسلام والفتوحات كما سيأتي من كلامها عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ووصفها له بأروع وصف.​

كثافة علمية وجودة بحثية
الأمر الآخر الذي أود أن أشير اليه في هذه المقدمة هو أن المادة التحليلية العلمية لكتابنا هذا ، تتميز بالكثافة العلمية والجودة البحثية، وإن كان كتابها "شمس الله تسطع على الغرب" من أجود ماكتب في الغرب ، إلا أني أشبه كتابها الأخير(الله ليس كذلك) ، من ناحية البحث العلمي، بكتاب نيل الأوطار الذي كتبه الإمام الشوكاني وهو في ريعان شبابه ، وأما كتابها (الله ليس كذلك) فأشبهه بكتاب السيل الجرار(الذي كتبه الشوكاني بعد عمر طويل) فتجد فيه الخلاصات العلمية والخبرة العميقة والإستقلال والإبداع ونحت الألفاظ وجودتها، (مع أن موضوعه نفس موضوع نيل الأوطار) ولأضرب مثلا، انظر إلى دقة وروعة نصها التالي:" وكما قيل حقا فإن إنجازات علماء العرب من أطباء وكيميائيين ورياضيين وفلكيين ومخترعاتهم الفنية، التي وصلت إلى أوروبا إبان إحكام آباء الكنيسة قبضتهم عليها ليزداد تخلفها من سيء إلى أسوأ؛ كل ذلك هطل على أوروبا كالغيث على الأرض الميتة فأحياها قرونا، وخصبها إبان ذلك من نواحي متعددة، ودفعها دفعا قويا لكي تباشر بحوثها الخاصة بها. ذلك هو العطاء الثاني، وهو أسخى بكثير من سواه، ولايمكن أن يقاس فضله، والذي يدين به الغرب بل العالم كله للعرب"(الله ليس كذلك ص 82)، وانظرا إلى وصفها للتوتر والإرتباك الذي كان عليه الغرب وهو يرى نور الإسلام ساريا في حواضره، كأنها تكشف خلجات القساوسة المظلمة المضطربة أمام زحف النور المبين ، كما تكشف الأمل في عيون الشباب الأوروبي المتطلع للحياة الكريمة:" إن قبول العلوم الصادرة عن الغريب، ذلك العدو الديني المستباح كان متباينا، حافلا بالتوتر؛ فقد اختلط الإعجاب بالرفض الفظ، ووقف الشك المحموم أمام الظمأ المستبد بالعلوم، ونظر البعض بارتياح إلى الانتهاج من جديد بنجاح لسياسة القمع والملاحقة، والزج في السجون بتهمة الزندقة"(الله ليس كذلك ص 83)
فهي تعرض الصورة النفسية للإنسان الغربي والصراع الداخلي بينه وهو محمل بحوامل الدعاية الكنسية ضد الإسلام وبين مايراه أمامه من أخلاق العربي المسلم في حواضر الإسلام وقدرته:" التي تحدد...أيضا ميله نحو الطبيعة وأسلوبه العلمي، ذلك الذي يتمثل في أن يفكر في إطار إنساني شامل والاعتراف للفرد بوجوده الذاتي وطبيعته المتفردة... بالإضافة الى الاستعداد للإقرار بحرية أصحاب العقائد الأخرى واختيار عقيدتهم بأنفسهم بغض النظر عن وجهة النظر الذاتية"(إبل على بلاط قيصر ص 129)​
 
الرخاء في إسبانيا المسلمة، ومن ثم الريادة.
في الوقت الذي كانت حواضر الإسلام تسعي لتنوير أوروبا، كانت الحروب الصليبية المقدسة ، تتلاعب بالخيال الغربي ، في محاولة بائسة لمقاومة العلم الكوني الإسلامي.
تقوم زيجريد هونكه بدحض (الخرافة المبجلة)-في الفصل الثالث- عن بطولة شارل مارتل الذي أُعطي لقب منقذ الغرب إذ جعلوه قديسا لسبب انتصاره، في معركة بواتيه، على اصحاب الحضارة ،التي ستستعين بها أوروبا في تطوير كافة مجالات الحياة، وقد ترك العرب وراءهم، وهم منهزمون عسكريا، روح السماحة والعلم، وخلاصات القوانين العلمية والنتائج المعملية والمختبرية، والأدوية والكتب، تركوا جواهر وظلال لتنير أوروبا كلها ، تقول عن طرد الحضارة على يد سفاك دماء:" وبعد! فإن شارل مارتل ذاك-الذي شاءت دعايات الحروب الصليبية فيما بعد أن تخلع عليه هالات التمجيد والتعظيم وأنه بطل النصرانية- استولى على الممتلكات الكنسية من كنائس وأديرة وضياع وأوقاف؛ ونهب كنوزها"(الله ليس كذلك ص 50)
انها الريادة التي قاومت فتنتها الحرب المقدسة ، لكنها انتقلت عبر الكتب التنويرية الإسلامية ومن خلال التعايش السلمي وحتى مابعد طرد المسلمين في القرن الحادي عشر الميلادي، فقد أخذت مؤلفات العرب وأعمالهم:" تتدفق على أوروبا منذ القرن الحادي عشر الميلادي، وازداد تدفقها خاصة في القرن الثاني عشر، قد كان... ذا شقين: فقد صادف أعظم ترحيب لدى الدوائر أو الواحات التي احتفلت بالدراسات الطبيعية مثل المدارس العليا في فرنسان وألمانيا وإنجلترا، مثل شاتريه وريميس وأوجسبورج وكولونيا ورايشنو وأكسفورد ،حيث كانت علوم العرب تلك تُدرس بنهم شديد... ومن ناحية أخرى اصطدمت منجزات أعداء الدين حينا من الدهر بالرفض الفظ المحتدم، والشك المتهم"(الله ليس كذلك ص87)!!، تدفق، هطول!!:" كل ذلك هطل على أوروبا كالغيث على الأرض الميتة فأحياها قرونا، وخصبها إبان ذلك من نواحي متعددة، ودفعها دفعا قويا لكي تباشر بحوثها الخاصة بها. ذلك هو العطاء الثاني، وهو أسخى بكثير من سواه، ولايمكن أن يقاص فضله، والذي يدين به الغرب بل العالم كله للعرب "(الله ليس كذلك ص 82)،
فماذا ياتُري يمكن أن تكون حالة أوروبا لو لم يصل الإسلام إليها؟، وأهله :" وطئوا القارة الأوروبية في إسبانيا وصقلية حيث عاش في كنفهم الإسبان والطليان قرونا، بلغت في صقلية قرنين ونصف، وفي إسبانيا قرونا ثمانية من عام 711 حتى عام1492.."(الله ليس كذلك ص 12)
تقول هونكه:" ولو تساءلنا ماذا تُرى لو أن مسار التاريخ كان غير الذي حدث كما عهدنا ؟ أفكنا نرى أوروبا أفضل أو أسوأ ؟ أسعد أو أشقى من أوروبا التي نعرف؟ فإننا لانستطيع القطع برد يقيني! اللهم إلا القطع بأنه لو كان مسار الأحداث قد تغير، لكانت أوروبا اليوم قارة أخرى غير التي نعرف"(كتابها الله ليس كذلك ص 50،51) ولمشاركتها القلق المعرفي تدعو هونكه المؤرخين الذين أجابوا على السؤال بشكل متحيز، أن يعيدوا النظر في مواقفهم مع مقاربة تاريخية لاتعزل حقائق التاريخ الإسلامي ومنجزاته الإنسانية والحضارية.
إن الجملة الفائتة تعتبر أهم جملة يمكن تسليطها على نار الأحقاد العلمانية العربية، ومنها الحقد الذي دفع شاكر النابلسي أن يكتب كتابه (لو لم يظهر الإسلام) متهما إياه أن ظهوره نكسة تاريخية، ومثله صادق جلال العظم الذي كتب في كتابه (نقد الفكر الديني) بعد هزيمة67، مرجعا إياها إلى انتشار الإسلام في بلاد العرب، ولاغرو فكلاهما شرب حتى الثمالة من خمر العلمانية الإستشراقية والفلسفية.
تُبرز زيجريد هونكه الفرقان المبين وهي تسجل بأناملها اللطيفة سماحة المسلمين!، في ثمانية قرون أوروبية!، فتقول:" إن سماحة النفس العربية وتسامحها الآسر الغامر الذي نما وترعرع تحت الحضارة العربية الفريدة كان له أبلغ الأثر في ازدهار إسبانيا العربية-على العكس من اضطهاد "إيزيدروس" لليهود والمارقين إبان عصر القوط الغربيين"(الله ليس كذلك ص53) لقد انهي الفتح الإسلامي ظلم القوت لأهل الأندلس فصار الأمر اإنساني والعقد الإجتماعي :" لا فرق بين العرب والقوط، والبربر والمصريين، واليهود والسوريون، وسكان إيبيريا والفرس ،و...غيرهم من اليهود ومن النصارى"(نفس الصفحة)
وعم الرخاء بلاد الفقر والخراب والاستعباد.
تمتع اليهود وغيرهم بالرخاء والحرية الإسلامية ،وتميزت حواضر الإسلام بإرتفاع مستوى معيشة كل طبقات الشعب:" يبين مثال إسبانيا هذا أن تلك البلاد التي كانت قبل الحكم العربي تتسم بالفقر والخراب والاستعباد، قد استحالت بعد قرنين فحسب من الحكم العربي الى إسبانيا أخرى، رفرف الرخاء والثراء على كل ساكنيها؛ وتميزت بإرتفاع مستوى كل طبقات الشعب وإذدهار الحضارة والتمدن فيها وتقدمها في كافة العلوم والفنون، فصار لها السبق والريادة في أوروبا؛ وذلك بسبب موقف الكنيسة المعادي للفكر؛ وأمست إسبانيا العربية أسوة بها تُقتدى، ومنارا به في شتى المجالات يهتدى؛ واستمر ذلك خمسمائة عام ، كما هو ثابت تاريخيا بلا جدال؛ إلى أن زخفت إسبانيا النصرانية من الخارج فقوضت كل ذلك وحطمته حطما"(الله ليس كذلك ص53)
لولا الإسلام....
فالإسلام جاء للتحرير والتمدين للعرب وغيرهم، رحمة للعالمين، ولتحقيق إنجازات هذا الدين العظيم في واقع الناس، والوقائع التاريخية تثبت تحقق ذلك كله، أما أوروبا التي وصل الإسلام إليها، ووقف يطرق بابها بالعلم والنظافة والسماحة ، فقد استفادت منه، في تكوين كثير من أسس عقدها الإجتماعي بعد أن كانت الوحشية والحروب الأهلية والجماعية والمسيحية تحكمها، ماأحدث مجاوز وحشية في كافة ارجاء اوروبة، الأخ المسيحي ضد أخوه!!، فقتلت مئات الأولوف من النساء والرجال والأطفال، تقول هونكه عن ذلك التاريخ المر، الذي كان تدور حلقاته حتى أيام فولتير وديدرو وروسو وجريم وغيرهم ، فلاسفة التنوير(الذين شارك كثير منهم في الموافقة على مجازر)، منبهة أذهان المؤرخين إلى فضائل حضارة العرب والمسلمين، وماجلبته لأوروبا من صور التمرد، العلمية والعقلية، المنهحية والنقدية، على السلطات التي كانت تستبيح الدماء والأموال ، والأعراض والنساء ، ومن ثم التخلص منها وإحلال علوم المسلمين مكانها:" مَن مِن أولئك المؤرخين الذين احتفوا واحتفلوا بإنتصار "القيم النصرانية وكرامة الإنسان" في الصراع المفترض أنه تم بين العالمين الإسلامي والغربي النصراني ، تراه يدري كم دمعة ذرفتها المرأة كل يوم مستذلة مستضعفة وقد حملتها النصرانية وزر الخطيئة الأولى وجعلتها أم المعصية ، وألزمتها الخضوع للرجل سيدها؛ فصارت هدفا لصفعاته على امتداد خمسة عشر قرنا من الدموع؟ من منهم يدري كم ألفا من النساء حرقتهم الكنيسة أحياء على أعين الملأ فوق كومة الخشب المنصوبة للحرق بزعم أنهن ساحرات؟ بل من يستطيع حتى يومنا هذا أن يحدس عدد المؤمنين والمؤمنات ممن تعمقوا البحث في الدين، وانتهوا إلى ماإطمأنوا إليه من يقين؛ فطُردوا وأوذوا أو قُتلوا؟ وقل مثل ذلك فيمن قتل من الدارسين والعلماء الذين نبهوا إلى مافي الإنجيل من اختلاف وتناقض ؛ وكم عدد أولئك الذين ذبحوا وسفكت دماؤهم في الحروب الدينية لكونهم يدينون بدين مخالف؟"(الله ليس كذلك ص 51،52) وقد دافعت زيجريد عن حرية اليهود ، وفضحت الاضطهاد الأوروبي تجاههم ، مُذكرة بفضل الإسلام على اليهود، وهو ماينفي أن النازية كانت تتلبسها حين كتابتها تحفتها التاريخية عن الإسلام وحضارته، أولا عام1960، وثانيا عام1974، وثالثا فيما بعد ، في كتابها(الله ليس كذلك ) وفيه بعد الجملة السابقة مباشرة قولها:" وأي مدى للكره والتأليب(!) الذي جعل النصارى يعتقدون أن اضطهادهم لليهود إنما هو أخذ بالثأر لصلب المسيح"!
وتقدم زيجريد حقيقة الفرقان عن واقع الإسلام في حواضر أوروبا الإسبانية وهو ماينطبق على غيرها مثل صقلية، فتقول انه بينما:" كانت أوروبا الكاثوليكية دون جبال البرانس تقضي قضاءا مبرما على كل دين آخر يجرؤ على الظهور إلى جانب دينها الكاثوليكي ...نرى أن النصرانية لم تُستأصل ولم تضع تحت حكم العرب لإسبانيا والذي دام ثمانمئة عام ، ومثال إسبانيا يبين في الوقت نفسه كذلك أن اليهودية –والتي ...تتعرض من قبل النصارى بلا انقطاع لأقسى صنوف الاضطهاد-تمتعت في ظلال الحكم العربي-بصفة اليهود ذميين من أهل الكتاب- لأول مرة بعد الشتات بمطلق الحرية؛ إلى أن إستعادت النصرانية الحكم في إسبانيا فطردت اليهود منها"(ص53)
ثم زالت الصورة المادية للحضارة الإسلامية من أوروبا وبقيت انجازاتها، مع " الإجهاز على السماحة والتسامح نهائيا في إسبانيا"(بتعبير زيغريد هونكه ص45)، ومضيفة:" وما أن دالت دولة العرب في إسبانيا حتى إندثرت معهم أزهى وأخصب حضارة ملكتها أوروبا في العصور الوسطى، وغرقت في بحر من الرعب، وأتت فيه أمواج التعصب الديني على كل شيء وابتلعته ابتلاعا. ولم تلغ محاكم التفتيش إلا في 1834"(الله ليس كذلك ص 45)
الإستشهاد المسيحي، محاولة جاهلة.
لقد كان التسامح في الأندلس كما تقول هونكه:" أبلغ الأثر في ازدهار إسبانيا العربية...إن تلك السماحة التي يراها الإسلام شيئا مفهوما بداهة؛ جعلته يرتضي ويتقبل وجود النصرانية مطلقا؛ الأمر الذي بدا لبعض النصارى غريبا، وبالتالي استثارهم للإتيان بأفعال دافعها التعصب طلبا للإستشهاد: هكذا يسجل التاريخ قصة شاب نصراني من هؤلاء، كان يعمل كاتبا في بلاط الخليفة في قرطبة، ثم قرر أن يلتحق بأحد الأديرة ،ثم طلب إلى قاضي القضاة أن يأذن له بالمثول بين يديه، زاعما أنه راهب يبغي الدخول في الإسلام؛ فأذن له، وبدون تمهيد؛ ابتدر ذلك الراهب الشاب قاضي القضاة بالنيل من الإسلام سابا إياه سبا قبيحا؛ ناعتا نبيه بأنه كذاب لئيم وأنه في الجحيم؛ وعبثا حاول قاضي القضاة السليم الطوية أن ينقذ ذلك الشاب المتعصب بصرفه عن المضي في سبه وتجديفه حتى لايعاقب بالقتل؛ ولم يكن الشاب النصراني ليتخيل اطلاقا أن قاضيا مسلما يسعى لإنقاذ حياة غير المسلم. أما الخليفة فقد دعا إلى عقد مؤتمر للأساقفة النصارى طالبا إليه أن يصدر قراره بأن تعتبر أمثال تلك الإستفزازات والتحديات المتعمدة طلبا للقتل كأنه شهادة طبقا لبدعة شاعت آنذاك-مجرد تحمس طائش لايعاقب عليه"(الله ليس كذلك ص 54)
العلم الإسلامي يتقدم والكنيسة تقمع التلاميذ الجدد.
في الوقت الذي تحدث فيه تلك الأحداث الجاهلة والمؤسفة معا، كان التأثير الإسلامي يجري على قدم وساق، فيؤثر أيما تأثير على البنية العقلية والنفسية لعلماء غربيون جدد خلقهم العلم العربي والإسلامي وابتعثهم العلم الإسلامي للتغيير،(والسؤال ماهو مصدر هذا العلم؟).

"استقى الغرب معلوماته مباشرة من مصادر مثل بطرس فون ماري"، تحكي هونكه للنابهين.
فعلى الرغم من أن بطرس فون ماري الملقب بالحاج والذي عاد من المشرق إلى أوروبا برا، ومرورا بصقلية، على الرغم من أنه :" لم يلق أذى من قبل المراقبة الكنسية على نقيض تلميذه الشهير الإنجليزي الشاب روجر بيكون من سمرست، الذي ساقه شغفه بكل ماهو عربي إلى كارثة مفجعة، تكاد تقترب من الفجيعة الفادحة التي لقيها جوردانو برونو""(ص83) إلا أن بطرس هذا:" سنحت له الفرصة أن يستمد معرفتها لفنية الدقيقة بآلات الحصار العربية، حيث درس حصارهم لحصن لوكيرا وسجله، كما ألف إلى جانب ذلك رسالته الصغيرة المشهورة حول المغنطة، وهي أول رسالة علمية في الغرب عن المغنطة والبوصلة الممغنطة التي بحثها وعالجها علميا جابر بن حيان"(ص83)، وفي مؤلفه (رسالة في المغنطة) أورد بطرس رسما لبوصلة ذات أرقام عربية"(ص 88)
تؤكد هونكه أن "الثابت أن جابر بن حيان أجرى تجاربه على البوصلة في القرن الثامن، وأن البحارة العرب-وفقا لما تبقى لدينا من مصادر قديمة- قد اتخذوا البوصلة عام 854 في رحلاتهم البحرية الكبرى، واهتدوا بها في تحديد مساراتهم ، أي منذ خمسمائة عام قبل الإيطالي(تقصد الإيطالي فلافيوس جوبا من أمالفي، الذي نسب له الغرب زورا أنه اخترع البوصلة عام 1302 ؛ على أن احدا لم يشأ إدراك ذلك، فكان الأحب أن ينسب البعض اختراعها إلى الصينيين بدلال من العرب"(الله ليس كذلك ص 87)
لاشك أن فلافيوس تعرف على البوصلة قبل بطرس فون ماري، من خلال العلاقة التجارية الهامة مع العرب عن طريق الميناء الموجود في مسقط رأسه، وهو أول ميناء بحري إلى جانب البندقية:" وأغلب الظن أنه قاد بإدخالها إلى الغرب لتعم في الرحلات البحرية...إلى الملاحة البحرية في أوروبا"(الله ليس كذلك ص 88)

الإسلام ومعركة تحرير جامعة اكسفورد ،روجر بيكون نموذجا.
فالإستاذ وتلميذه روجر تأثرا وأفادا الغرب كما ترى، :" كان روجر بيكون (1211-1294) موسوعة علمية بمقياس عصره،ىوحين أهمله بنو عصره الذي ساده التعصب العقائدي، وركوع السلكة الكنسية الأعمى على أعتاب أرسطو...اعتزلهم مرتدا إلى اكسفورد المنفتحى عالميا؛ حيث تنتقل مؤلفات العرب من عالم إلأى عالم، فتملؤه حماسا الرؤية الحرة للواقع، ومسه مسا مباشرا للأمور الحقيقية ، والتوسل اليدوي الفعلي بالآلات والأشياء مادة البحث، وفحصها وتجريبها معمليا. وجماع الأمر، والذي عليه المعول، إنما هو التجريب بصفته طريقة البحث المثلى لاستخلاص القوانين، كما اتعاد علماء العرب أن يعملوا، مثل ابن الهيثم والكندي، وينسحب هذا أيضا على الرياضيات، وذلك بوضع المعادلات والقوانين وتنفيذها عمليا للإفادة منها.
هكذا أبدع روجر بيكون مستغلا قدرة الفكر على التخيل، ممهدا لظهور مخترعات وتطورات جديدة، وذلك بمواصلة تنفيذ ماأمده به التصور الفني العربي ومخيلته الشخصية"(الله ليس كذلك ص 84)
لكن هل تركته الكنيسة يتأثر بالعلم الإسلامي ويؤثر به :"لاعجب اذن أن يرتاب فيه رؤساؤه من طائفة الفرنسيسكان ويتهمونه بأنه يتدخل بأفعاله المتعمدة قصدا في تبديل خلق الله. وزاد من خطورة الأمر أنه لم يكتف إبان اشتعال الحروب الصليبية بشجبه وتنديده بالمعاملة غير الإنسانية تجاه العرب الذين كان يعتز بهم، بل لاستشهاده دائما وعلنا بعمدته من العرب والمسلمين، ولم يكن يلهج لسانه بذكرهم من علماء المسلمين بأقل من ثلاثين....وكان رد رؤسائه أن طردوا ذلك الحائد عن الطريق، المزدري كل المقدسات والسلطات الدينية سنوات عشرا من اكسفورد.
أما ذلك المنفى المطرود فقد رحل إلى باريس، حيث شاء قدره أن يعلو نجم سعده قبل أن يأفل لاحقا ويهوى في قرار سحيق"(ص84)
رحل بيكون إلى باريس ثم عاد بعد انقضاء مدة النفي(عشر سنوات) إلى اكسفورد ، لكنه ما ان عاد حتى تلقى رسالة سرية من صديقه الفرنسي الذي كان يعمل مستشارا قضائيا للملك لودفيج التاسع، وقد صار في تلك الأثناء أسقف نربون، واسمه (جي لي جروس فولكس) ، يطلب فيها هذا الأخير أن يرسل إليه مؤلفاته بأسرع مايمكنه، خشى بيكون ان لايستطيع إتمام مؤلفه الرئيسي في وقت مبكر، وهو في حالة حصار من الكنيسة وزبائنتها المتربصون، فإختصرها في موجز ومتن، وبالفعل لم يكد مؤلفه يصل إلى روما حتى عاجلته المنية ،:" هنا ثار تنظيم الرهبان الفرنسيسكان؛ إذ تخطاهم في اتصاله مباشرة بالكرسي الرسولي(البابا)، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة إلا أنه بعد خمسة عشر عاما في الحبس وافته المنية، لكنه ترك لهم انتاجه العلمي وفيه آثار العلم الإسلامي، رغما عنهم، وزينها بكلمة كان قد قالها رجل غربي(أدلهرد فون باث 1090-1160) وكان هذا الأخير قد طوف بلاد العرب، وحذق العربية ودرس-تقول هونكه- في عاصمة عربية علوم الطبيعة بالعربية، وفيها يقول أدلهرد:"إن البهائم وحدها تتبع الزمام الذي يوثقها، كذلك فإن سلطة "المؤلفات" تقود عددا ليس باليسير منكم، فأنتم أسراها المكبلون، منقادين لها بسرعة تصديقكم الحيوانية"(انظر كتاب الله ليس كذلك ص 86)
أستاذ روجر بيكون(أدلهرد) يؤكد تلمذته للعرب
فبعد أن يعود-تقول هونكه- من السعة والحرية السائدين في عالم الفكر العربي، يغدو ذاهلا مكتئبا ...ويعلن غضبه في رسالته"أسئلة إلى الطبيعة"...:" إننا إن تهاونا وقصرنا في تفهم أسرار هذا الكون الرائعة ، وجماله وجلاله البديع الحكيم، ونحن نعيش فيه، فإننا نستحق كل الاستحقاق أن نطرد منه طردا؛ لأننا نكون أشبه بالضيف الجاهل حرمة البيت وكرامته، الذي أحله اياه المضيف. لقد أتيح لي أن أتعلم شيئا من الأشاتذة العرب الحكماء عن الانقياد للعقل: أما أنت فإنك تتبع صورة فرضتها عليك هيمنة مستبدة، كأنك مقيد إلى رسن، مأخوذ بمقودك...ألا فلتعلمن أن الماشية التي يؤخذ بأزمتها إلى أية جهة، إنما لاتستطيع أن تتميز أو تستبين إلى أين ولماذا تقاد، ولاتملك إلا أن تتبع الزمام الذي يوثقها ، كذلك فإن " سلطة المؤلفات" تقود عددا ليس باليسير منكم، فأنتم أسراها المكبلون، منقادين لها كالدواب بسرعة تصديقكم الحيوانية"(الله ليس كذلك ص 86،87)
والآن ماذا فعل البعض تجاه بعض منجزات هذا العلم العريق؟
نقلة تراث الإغريق فحسب
تكتب هونكه داحضة فكرة ان العرب هم نقلة علم لا مبدعو علم بقولها:" أن تلك الحضارة الزاهرة التي غمرت بأشعتها أوروبا عدة قرون تجعلنا نعجب أشد العجب؛ إذ هي لم تكن امتدادا حضاريا لبقايا حضارات غابرة أو لهياكل حضارة محلية على قدر من الأهمية، أو أخذا لنمط حضاري موجود، أو تقليدا ينسج على مثاله المعهود؛ كما نعرف في الأقطار الأخرى مهد حضارات الشرق...إن العرب هم الذين أبدعوا إبداعا ، يكاد يكون من العدم، هذه الروعة الحضارية الشامخة في إسبانيا تلك الجنة الفريدة الجمال لأساتذة فن المعمار..والشعراء والشاعرات، والعلماء؛ بل جنة المرأة، التي نسج الغرب حولها صورا خيالية شيطانية غاية في الوحشية؛ دون أن يكون له أدنى معرفة أو حتى إلهام طفيف ضحل بها. إن هذا الازدهار الراقي لفن المعمار في قرطبة وطليطلة وغرناطة وإشبيلية، قد طورته الطاقة الخلاقة لذلك الشعب العربي فأتت بأفضل الثمار في جميع حقول الأندلس...التربة القاحلة الجدباء، والهضاب الصلدة العارية من الزرع، فقد استصلحها العرب بفضل خبرتهم الطويلة على مر القرون في حفر الآبار وأنظمة الري بالنواعير أو السواقي الضخمة، وإقامة السدود العملاقة، وتجهيزات رش الحقول بالرذاذ وقنوات الري ،حتى اخضرت الأرض سهولا ومصاطب وهضاب، وأقاموا عليها جنات وحدائق، فيها من كل الثمرات، في وفرة جاوزت احتياجاتهم، تحوطها كذلك حقول القمح التي كانت تغل في الحول ثلاثة محاصيل أو أربعة. ثم إنهم حملوا كذلك من المشرق خبرتهم في الرعي وتربية الماشية والخيل والبغال والبقر ،بل إنهم كذلك أول من استعمل التلقيح لتحسين السلالات. ومدوا طرقهم التجارية في المشرق عن طريق بغداد أو الإسكندرية، ثم إلى المشرق الأقصى. ولقد كانت تلك الطرق شبكة قوافل التجارة التي حملت العطور والتوابل والبخور والمواد الاستهلاكية الكمالية ، والمواد الخام والوفود الرسمية وغير الرسمية والبريد وغير ذلك، كما شهدت مبعوثي أمير الأندلس الجكم الواسع الثقافة، حيث جدوا بتكليف منه في طلب مؤلفات المشاهير وأحدث مخطوطاتهم في أهم مراكز العلوم وعواصم الثقافة، حريصين على اقتنائها ودفع ثمنها حتى قبل أن يفرغ مؤلفوها من إتمامها؛ وكانت تلك المؤلفات تحمل بعد ذلك إلى قرطبة حيق يقوم النساخ بنسخ العدد المطلوب منها؛ فيوضع بعضه في أرفف المساجد والمدارس، ويودع البعض في المكتبات العامة-وكان في قرطبة وحدها أكثر من عشرين مكتبة عامة – ويعرض البعض للبيع لدى الوراقين في سوق الكتب, والجدير بالذكر أن الكتب آنذاك كانت نادرة الوجود شمالي جبال البرانس حتى إنها كانت في الأديرة تثبت آنذاك بالسلاسل، بينما ذهب رجال الدين النصارى آنذاك إلى أن طلب العلم والمعرفة بعدما أنزل الإنجيل تجديف وكفر بالله؛:" مثلما زعم من قبل ترتوليان وأغسطين لعنا حب الإستطلاع أو الفضول المريض" واصفين إياه بأنه " واحدة من أخطر صور الوسوسة والضلال" مما يسلم الفضولي إلى الملاحقة والتعذيب.
أما ذيوع جامعات إسبانيا العربية وعلو كعبها ، فقد جذب إليها صفوة الباحثين المبرزين في العلوم والفنون والمعارف والآداب؛فالتقوا جميعا في رحاب جامعات الأندلس، وتكشف الترجمات اللاتينية المتأخرة لمؤلفات بعضهم، والتي أنجزتها مدرسة طليطلة للترجمة، والشهيرة على الصعيد العالمي ذلك الثراء الفكري العريض، المرتبط بأسماء الأعلام العالميين في مختلف الميادين؛ منهم أبو القاسم وابن زهر وابن رشد وابن طفيل وأبو مروان وابن الخطيب والبطرجي وابن البيطار وابن فرناس وابن خلدون وعلى الرجال وجابر بن أفلح وغيرهم من الإعلام الذين أثروا الغرب الذي أعوزه آنذاك مثل هؤلاء العلماء ونفخوا فيه من روحهم وأمدوه بطاقات دفعته قدما"(الله ليس كذلك ص55،56)


وهكذا تتخذ هونكه التاريخ سندا لها في بيان الحقيقة، كما انها فهمت مغزى الدعوات النبوية ، المستمرة، لطلب العلم بصورة فقهية كونية كالتي كانت عند علماؤنا الكبار، تفعل ذلك وهي ترد أكذوبة أن العرب نقلة للعلم والسلام! ، فتقول انطلق العربي المسلم فاهما دينه،"يطلب العلم من المهد إلى اللحد" وسعى سعيا حثيثا يجمع شتات المخطوطات التي حوت علم الإغريق مما أفلت من الحرق... فجد العرب في التنقيب والبحث وجمع ماتبقى وترجمته وتهذيبه وشرحه ومراجعته والتعليق عليه، ومواصلة البناء على الأسس القديمة، مدفوعين إلى ذلك بالمقتضيات المستجدة في أمور العقيدة والأمة والدولة. تلك هي المأثرة الحضارية الخالدة، التي يدين العالم للعرب بالفضل فيها، وللعرب فحسب: فلا الروم ولا البيزنطيين ولا فرق النصارى سواء الأقباط والنساطرة، أو القائلون بالطبيعة الواحدة للمسيح هم الذين سعوا إلى إنقاذ حضارة إغريقية هلينية، كان قد أبيد إبادة تامة على أيدي متحمسي النصارى النشطين في مهاجمة العلوم، وكان بعضها الآخر قد أمسى فريسة الإهمال، موشكا على الإندثار إلى الأبد والزوال، كما زالت من قبل بالمعنى الحرفي للكلمة حضارات المايا والإنكا وإندفنت تحت الأنقاض، فالعرب هم الذين نقبوا عن تلك الكنوز وبحثوا عنها واستخرجوها من بطون الأقبية المنهارة أو الآيلة للسقوط، بعد أن لبثت قرونا حبيسة أبنية لاعلاقة لها بالحضارة، خلف جدران من خلفها جدران، فكان تخليصهم لها بمثابة تعويضات قدموها سواء في اتفاقيات السلام(عهود الأمان) أو بالطرق السلمية الدبلوماسية"(الله ليس كذلك ص 78،79)
بهذا العمق المنهجي والموضوعي دخلت زيغريد إلى هذا الموضوع الشائك ، فتجدها تقوم ،أيضا، بنقد الأكذوبة التي سطرها مؤلف منشور عام (1959) وصاحبه هو(آرثور كوستلر)، والواقع في550 صفحة، بعنوان (قصة نشوء معرفتنا العالمية-السراة في نعاسهم!):" حيث يورد في مؤلفه النظرة السائدة القديمة، في هذه الجمل الأربع اليتيمة:" لم يكن العرب سوى وسطاء ، حفظة نقلة رواة تراث، ولم يمتلكوا سوى قدر ضئيل من الأصالة العلمية والقدرة الإبداعية.وعندما كانوا حُراس ذلك الكنز، لم يقوموا بجهد يذكر للإفادة منه... وهم كذلك لم يشجعوا العلم النظري. وإنها لحقيقة جديرة بالملاحظة أن ذلك الإحتكار العربي-اليهودي الذي دام قرنين أو ثلاثة قرون ، ظل عقيما"؟(ص 79)
وتتوجع هذه السيدة الألمانية من مظالم قومها فتقول ان هذه الحضارة الإسلامية :" لاتحظى بالتفات مؤرخي الحضارات، بل تتناوشها الأحكام الظالمة، دون أن ينتبهوا إلى ذلك، كما هي الحال هنا، وإدراك كيفية وأسباب استمرارية ازدهار حضارة ما أو بقاءها"عقيما". فالحضارة ليست منتجَا يصاغ بالنحت أو بالصب وفق قوالب أو نماذج مُقلَبة، فلئن أخذت أية حضارة من سواها أخذا خلاقا مبدعا- وينسحب ذلك على الإغريق أنفسهم إذا أخذوا من تراث مصر الفرعونية والشرق الأدنى-فإنما تلتمس ماتستطيع تشكيله وتمثله، مما يلبي متطلباتها واهتماماتها ، على أن توافق هذه طبائعها في النظر والتفكير، أو أن تقترب منها إلى حد كبير. هكذا نجد كل أمة تشكل هذا وفق طبيعتها ، فتصبح خلقا من صنعها حاملا بصماتها. لهذا فإنه لخطأ ذريع أن يؤخذ على العرب أنهم لم يأخذوا خصائص معينة تميز بها قدامى اليونان-نعنى فلسفتهم أو ملاحمهم المأسوية الكبرى حيث قامت هذه على أبنية وأنماط معينة في الفكر اليوناني- فلايؤاخذ العرب بأنهم لم يواصلوا على الطريقة اليونانية، ثم إن العرب على العكس من ذلك قد أبدعوا حضارة متميزة الملامح، أصيلة لايمكن أن تلتبس بغيرها، ففيها علم أصيل لايرضى أن يواصل هكذا ببساطة، فقد انشعب أمامه مساران فكريان ثنائيان:الإغريقي والهندي، فكان أميل إلى اتخاذ طريق آخر ميزه عن الفكر الإغريقي وعن الفكر الهندي تمييزا ذا سمات وخصائص فارقة. يتضح لك هذا في تباين الأمم الثلاث منهجا وموقفا إزاء الكون والعالم الخارجي، وإزاء مواضيع البحوث ذاتها. وإيجازا نقول: إن الأمر هنا يتطلب الإحاطة علما بنفسية الشعوب أو الأمم"(الله ليس كذلك ص 79،80) ومعلوم أن هونكه ذكرت كما تقدم ، أن المسلمين ماتقدموا خطوة واحدة تجاه الكون إلا:" مدفوعين إلى ذلك بالمقتضيات المستجدة في أمور العقيدة والأمة والدولة" فالعقيدة شكلت النفسية والعقلية وتحركت بها تجاه الإنسان والأمة والدولة، والحياة والكون والعلم.
ومن المعلوم أن العلم في الإسلام يمضي على سنن معروضة بدقة في الآيات القرآنية، وهم مايجعل للأمة خصائص ليست في غيرها،:" وكما قيل حقا فإن إنجازات علماء العرب من أطباء وكيميائيين ورياضيين وفلكيين ومخترعاتهم الفنية، التي وصلت إلى أوروبا إبان إحكام آباء الكنيسة قبضتهم عليها ليزداد تخلفها من سيء إلى أسوأ؛ كل ذلك هطل على أوروبا كالغيث على الأرض الميتة فأحياها قرونا، وخصبها إبان ذلك من نواحي متعددة، ودفعها دفعا قويا لكي تباشر بحوثها الخاصة بها. ذلك هو العطاء الثاني، وهو أسخى بكثير من سواه، ولايمكن أن يقاص فضله، والذي يدين به الغرب بل العالم كله للعرب: لقد قدم العرب مع نتائج بحوثهم الغنية وبطرق بحوثهم العلمية البواعث التي أشعلت الشرارة الأولى لإطلاق البحث العلمي الذي كان منذ القرن التاسع عشر الميلادي مشلولا، يكاد يموت خنقا، وذلك بسبب عدم السماحة الكنسي الذي فاق كل حد، والمنع والتحريم والملاحقة، فأذكت النيران التي بددت الانقياد الأعمى للمسلمات والحقائق الإنجيلية والإغريقية وقضت على الخضوع لهيمنة اللاهوت الكنسي وساعدت البحوث الطبيعية على تفتحها الذاتي وانطلاقها القوي"(الله ليس كذلك ص 82)،


العرب يخضوع العلوم لمعايير نقدية علمية
أن إحتفاء عالم الإسلام بأسباب الكون وقوانينه جريا على مفاهيم قرآنية علمية مبثوثة في أغلب السور القرآنية ، جعل الفارق كبير جدا بين عالم الهنود والإغريق وعالم الإسلام النابض العريق، تقول زيغريد هونكه:" ولحسن الحظ نجد الفكر العربي يحتفل بالواقع، بينما ترى الفكر الهندي يحتفل بالناحية الذاتية كل احتفال، خلافا للفكر اليوناني الذي ينتقل من الجزئي إلى الكلي، من الحقائق المفردة ألى الفكرة المجردة؛ فالفكر الإغريقي لم يكن همه الحقائق الملموسة المحسوسة، وإنما وقف بحوثه على مُثله العليا ، وتحركت دراساته النظرية حرة طليقة من إسار التأثيرات المادية في مجال الفكر البحت...على العكس من ذلك تميزت خُطا العرب بثباتها اليقيني العلمي، فقد سلكوا نهجا وعرا، صعودا من أسفل الدرج في تسلسل تدريجي يتغلغل دنيا الحقائق العلمية كل منها على حدة: المنهج التجريبي القائم على الرصد والملاحظة دون كل أم ملل، والقياس ، والمعادلات والحلول الرياضية، والترقي في صبر وكبد من الخاص إلى العام، ولئن كان اليوناني في جوهره من فلاسفة الطبيعة (مع وجود استثناءات فإن العربي قد غدا عالم الطبيعة بالمعنى الحرفي للكلمة ومخترع علم الطبيعة التجريبي، ولقد عبد-تقصد من التعبيد- العربي بآلاته حقول العلوم البكر الوعرة تعبيدا، ومهد طرق البحث تمهيدا"(الله ليس كذلك ص 80،81)
بعد أن ذكرت هونكه أن:" العالم العربي قد صار بلا ريب-كما أفضنا القول في كتابنا "شمس الله تسطع على الغرب" مؤسس علم الكيمياء العضوية" قالت أن العرب غربلوا النظريات اليونانية قوموها وأعلنوا الأخطاء التي فيها وأضافوا حقائق علمية كثيرة وجديدة، واكتشفوا حقائق تخص جسد الإنسان وحقائق كونية ثمينة:" هذا ولم يتردد العرب بحال من الأحوال في امتحان الفروض اليونانية وإخضاعها لمعايير النقد العربية التجريبية-وكان معظم تلك الفروض لاأساس لها سوى التخمين-لعديد من الاختبارات والتجارب، وصوبوا مئات ومئات من تلك الفروض العلمية الخاطئة"(ص 81)
وضربت لنا هونكه ثلاث أمثلة على هذه الحقيقة الحضارية فقالت:" لابد أن نكتفي هنا بثلاثة منها
- خطئى جالينوس الذين بينهما المُشرح العربي الطبيب عبد اللطيف أحد أطباء صلاح الدين الأيوبي، وقد صوبهما.
- فساد نظرية جالينوس حول وجود ثقوب في الحجاب الحاجز بالقلب، وبيان أنها خيال محض، على يد ابن النفيس الذي خلف عبد اللطيف في رئاسة المستشفى بالقاهرة، وتصويبه إياها بإكتشاف للدورة الدموية الصغيرة.
- خطأ نظريتي إقليد وبطليموس الزاعمة أن العين تسلط نورها على المرئيات، بالتصويب العبقري لعالم البصريات ابن الهيثم مؤسس علم البصريات التجريبي، والذي وضع نظريات وقوانين عديدة في علم البصريات، مقدما لأوروبا نظرية تكاد تكون متكاملة حول الأشعة، بما في ذلك الأسس التي عليها يقوم استخدام العدسات والمجاهر، وكافة أنواع المرايا وآلة التصوير بالتعتيم الشمسي وكشافات الضوء الكهربية وغير ذلك" (الله ليس كذلك ص 81،82).

السرقات العلمية
تقول زيغريد هونكه:" بينما كل ذلك كذلك، يسطو الغرب سطوا على إنجازاتهم العلمية، خاصة مبتكراتهم ومخترعاتهم، فيدعيها لنفسه، ناسبا إياها لغير أصحابها من الأوروبيين فإذا أعوزته الشخصية الأوروبية راح يلتمس شخصية وهمية يخترعها، ويلفق لها الأساطير.. ولاينجو من هذا التجني على العرب والمسلمين بعض أعلام الغرب النابهين المشهورين في عصرنا الحديث. فقد راح بعضهم حتى نهاية الخمسينات من القرن العشرين يرمي العقلية العربية بأنها عقيمة كل العقم، وأن العرب مقلدون فحسب لايملكون موهبة الإبداع والخلق والإبتكار، وأن كنوز المعرفة القديمة التي وقعت في أيديهم، ونجت من الإبادة والحرق البربري العربي لها، تحولت إلى الغرب عن طريقهم، فكان دروهم دور الببغاء في تكرار بعض مايسمع دون فقه لما يردد، أو دور ساعي البريد الذي يقتصر دوره على أداء الرسائل إلأى ذويها ومستحقيها"(الله ليس كذلك ص 9) الإنتحال
تقول هونكه:" أما الإغراء الذي لم يصمد له الغرب في نحله بنيه مبتكرات العرب ومنجزاتهم العيمة فقد تغلغل في الطب"(ص 89)
يقول فون نتسهايم (من كولونيا) ،عام1500،في مؤلفه "في العلاج والطب":" لقد أصبح العرب على درجة من الشهرة جعلت الرأي يشيع أنهم مخترعوا هذا الفن؛ ...لهذا فقد حظيت مؤلفات ابن سينا والرازي وابن رشد بالموثوقية نفسها التي قوبلت بها أعمال هيبوقراط وجالين، وصار لها من ثقل الوزن والصيت ما إن الطبيب الذي يتصدى للعلاج دون الرجوع إلأيها، ليسهل اتهامه بأنه يخرب الصالح العام تخريبا"(والنص أوردته هونكه ص 90)
ولكن هناك أمور نُسبت لغربيين وكأنهم مكتشفوها مثل الزعم أن الجراح الفرنسي أمبرواز باري هو أول من قام بإيقاف نزف الأوعلية الدموية الكبرى،في حين أن صاحب الحق في هذا السبق-تقول هونكه- الطبيب العربي أبو القاسم قبل ستمائة عام خلت قبل الفرنسي!، وقد توفي أبو القاسم(عام1013) وكان مشتهرا يومذاك بكونه استاذ أطباء أوروبا ومعلمهم، :" وكثيرا ماانتحل الغرب عديدا من إنجازاته الطبية،منها
-وضع التدلي أثناء التوليد ...والذي ينسب منذ عام 1900 إلى الألماني فالخر(1856-1935) اختصاصي أمراض النساء، حتى صار يعرف باسم التدلي الفالخري!

-الوضع الذي نصح به أبو القاسم في إجراء الجراحة في التجويف أسفل السرة حيث يرفع الحوض والعجيزة والقدمان، نحلوه للجراح الألماني فريدرش ترند لبرج(1844-1924) يشتهر بالوضع الترندلبرجي!
-تشخيصه لمرض الفقر والمفاصل، والذي صار يُنسب إلى برسيفال بوت(1713-1788) وخلده تاريخ الطب باسمه: البلاء البوتي أو البلية البوتية!
-أما اكتشاف الدورة الدموية فقد راح الفضل فيه للإسباني ميكائيل سرفت(1553) والإنجليزي ويليام هارفي(1616) ، وكلاهما تزييف منتحل"(الله ليس كذلك ص 90،91)
وقد بينت زيغريد هونكه أن ابن النفيس نفسه ، رئيس أطباء مستشفى الناصر بالقاهرة (من عام 1260-1288) أول من دحض خطأ اليوناني(جالن) الذي عاش في المئة الثانية الميلادية في روما، ويُعد أعلى سلطة طبية موثوق بها في العصور الوسطى، وقد زعم جالن :" أن الدم النقي يتدفق من بُطين القلب الأيمن من خلال مسام موجودة في الحجاب الحاجز بالقلب إلى البطين الأيسر" فقد كان ابن النفيس أول من فحص الدورة الدموية وشخص تشخيصا مفصلا ما"يشبه تشريح الجثة" حتى أدق التفاصيل، وكلمات ابن النفيس ذاتها يتخذها الإسباني ميكائيل سرفت(1511-1553) بعد ابن النفيس بثلاثمئة سنة، في مؤلفه النقدي الضخم"إصلاح النصرانية" وقد راح يصور من وجهة نظر بحتة دورة الدم في الجسد وكون الدم مَكَبة الروح في دورته...أفهذا من توارد الخواطر؟ أم أن هذا انتحال ساط على أفكار الآخرين؟
ونظن أنه-وهو الإسباني الذي اطلع على المؤلفات العربية بما في ذلك مجال الطب- قد أتيح له أن يتعرف إلى حاشية ابن النفيس على مؤلف ابن سينا" القانون" في التشريح، والذي لايزال حتى يومنا هذا محفوظ في "إسكوريال" بمدريد..."(الله ليس كذلك ص 91)
وتسم زيغريد هونكه فعلة مؤلف إصلاح النصرانية ب " روح الزندقة".
فالرجل ابتسر معلومات ابن النفيس، ولم يشر إلى مصادره التي رجع إليها، كما أنه لم يكن يعلم شيء عن نقد ابن النفيس لجالينوس.
النصراني قسطنطين الإفريقي
تقول هونكه:" ومن كبار المنتحلين الذين سطوا بانتظام على تراث العرب وكان لهم في ذلك باع طويل: النصراني قسطنطين الإفريقي، الذي ولد في قرطاجة، والذي احترف بيع الأعشاب والعقاقير الطبية، وطوف بالبلدان المحيطة بالبحر الأبيض المتوسط ، حيث أتيح له أن يختلف إلى مدرسة الأطباء في سالرنو، وكانت هيئة التدريس فيها من أعراق وأجناس متباينة: هنا عنت له فكرة التوفيق بين التناقض الهائل في مستوى معرفة الفرنجة بالطب، والبون الشاسع لمعرفة العرب المتمثلة في القلاع العربية الشامخة في علوم الطب والتطبيب، وبعد أن احتشد للأمر متخذا مايلزمه من تدابير، غادر سالرنو ليعود إليها بعد حين وتحت إبطيه مجلدات ومجلدات...ثم أكب على عمله الخصيب في همة ونشاط عجيب، وبينما توالت المؤلفات التي سطرتها ريشته سيالة، يعقب بعضا دون هوادة، غير مهملة مجالا واحدا من مجالات الطب؛ حيث تدفق مافيها من علم قيم كأنه شلال من التنوير والتجلي، ينصب فياضا من منابعه على هيئة تدريس الطب في سالرنو-راحت منزلته تعلو، فاشتهر بعلو الكعب،(انظر التعريف بكتاب )،بوصفه أستاذا علامة في الطب، وأحاطته هالة من المجد والتوقير، فياله من عقل فذ منقطع النظير!، على أنه بعد انصرام أربعين عاما، آن أن تتكشف حقيقة حكيم مونت كاسينو العظيم، فلم يكن سوى تاجر محتال، محنك دجال: فسرعان ماسقط خبير هنا وخبير هناك، على مؤلف لهذا أو ذاك من مشاهير أساطين الطب العربي، مما انتحله التاجر الجوال من قرطاجة، الذي ظن أنه قد ضمن لاسمه المجد والخلود.
لقد شق على الغرب دائما أن يعترف بالأحقية العربية في الوضع والتأليف والابتكار، وظل حتى عهد ليس ببعيد يبذل كل طاقاته لدفع ذلك وتفنيده"(الله ليس كذلك ص 92،93)
 
الغربيون التاريخيون المحدثون،وأحكام جاهلة، توينبي نموذجا
تستغرب هونكه من سطحية المعرفة الغربية عن العرب والمسلمين على الرغم من وجود الإسلام في صقلية والأندلس قرونا طوالا، وعلى الرغم من الحروب الصليبية التي جعلت الغرب قريبا من الشرق والعرب والمسلمين،:" وإنه لمخجل أن نرى هذا النقص المخزي يتسلل إلى كتابات أعلام الغرب، حتى لنجده من كبار مؤرخي الحضارة المعاصرين، ألا وهو "جي توينبي" ، حيث يبرهن على ذلك حكمه القاسي على العرب،إذ وصفهم بأنهم" غير متحضرين" وأنهم " خلق غريب مستعبد من العالم الهليني أو المتطفلين على الحضارة الهللينية الإغريقية" وأنهم " أولئك المحمديون البدائيون أقصى القول فيهم أنهم تقليد بربري جاهل زائف لديانة السريان الغريبة عنهم" وقد جعلتهم تلك البدائة الجاهلة"لايسعون إلى اعتناق النصرانية"لقصورهم. كما أكد وليام من سالسبري أن هؤلاء العرب المسلمين يعبدون الدرك الأسفل من الشياطين"(الله ليس كذلك ص 13)
وقالت ايضا:" .. ولاينجو من هذا التجني على العرب والمسلمين بعض أعلام الغرب النابهين المشهورين في عصرنا الحديث. فقد راح بعضهم حتى نهاية الخمسينات من القرن العشرين يرمي العقلية العربية بأنها عقيمة كل العقم، وأن العرب مقلدون فحسب لايملكون موهبة الإبداع والخلق والإبتكار، وأن كنوز المعرفة القديمة التي وقعت في أيديهم، ونجت من الإبادة والحرق البربري العربي لها، تحولت إلى الغرب عن طريقهم، فكان دروهم دور الببغاء في تكرار بعض مايسمع دون فقه لما يردد، أو دور ساعي البريد الذي يقتصر دوره على أداء الرسائل إلى ذويها ومستحقيها"(الله ليس كذلك ص 9)

الفليلسوف الألماني الكبير"ليبتنز" والجهل التام بالإسلام
وهكذا فدائما مانصطدم :" بأحكام مسبقة ظالمة شد ماشوهت وجه الإسلام ، ولاتزال حتى اليوم تتناوله بالتجريح في موقفها المعادي له أشد العداء، ولا أدل على هذا من كلمة الفليلسوف الألماني الكبير"ليبتنز"(1646-1716) وهي كلمة تدل على الجهل التام بالإسلام، حيث زعم أن "القدر المقدور بالجبر"، والذي يتيح للإنسان أن يرجع البصر فيما يصيبه من قضاء،إنما يسبغ عليه السكينة، وهكذا يصور القدر النصراني"الذي ينبغي أن يذعن له ويتقبله النصراني بالصبر، راضيا من الرب الرحيم مصرف الأمور" ،على النقيض من القدر المحمدي"الخانع المتشائم كل التشائم جملة وتفصيلا، حتى إن الإنسان لاتتاح له الفرصة مرة واحدة لتجنب الأخطار التي تهدده أبدا، وإنما عليه أن يرمي بنفسه في خضمها أعمى البصر والبصيرة"..إن هذا محض إفتراء على الحق!، بل إننا هنا نصطدم –ولكن على مستوى فكري أعلى-بالغلو المفرط المنحاز في تصويره للخصم، وهو نفسه الغلو الذي عهدناه من قبل مستهل القرون الوسطى.والحق أن هذا الحكم المسبق المفترى والذي لايفتأ مغذوه يلحون على إنمائه زاعمين أن التوكل المذعن خصيصة تسيطر على المسلمين،إنما يتعارض مع روح القرآن، وتنفيه الأحاديث النبوية نفيا قاطعا، بل إن كليهما يدعوان الإنسان إلى الاحتكام إلى إرادته الحرة للبت في الأمور، ويهيبان به أن يتبصر –انطلاقا من كونه مسؤولا- ويتفحص الإمكانات المختلفة، والأهواء والمشارب المتعارضة، ليميز بينها وليختار إختيارا حرا بين الفضيلة والرزيلة...إن القرار الحر يشترط أول مايشترط وعي المسلم وإداراكه، فهو نفسه يستطيع أن يغير نفسه، كما تنص سورة الشمس مثلا" قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها"(الآيتين 9،10) ...كما تؤكد الآية الحادية عشرة من سورة الرعد"إن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"فالإنسان في واقع الأمر هو صانع قدره، فيما يخصه هو نفسه"(الله ليس كذلك ص39،40)

خيال شعراء البلاط الجامح
تقول هونكه:" وتطفح بالمقت الضاري الأعمى للإسلام قصائد شعراء البلاط العظام في "دير ريجنز بورج" وينسحب ذلك ايضا على شاعر الكنيسة في "ريجنز بورج" كونراد، كما في قصيدته" نشيد رولاند" التي نظمها عام 1300 ميلادية، والتي وصف فيها المسلمين بأنهم" الشعب الذي لايُروى تعطشه لسفك الدماء، والذي لعنه رب السماء" وأنهم " كفرة وكلاب، وخنازير فجرة" وأنهم –وهم عبدة الأصنام التي لاحول لها ولاقوة- -" لايستحقون إلا أن يقتلوا وتطرح رممهم في الخلاء، فهم إلى جهنم بلا مراء " ويطفح" نشيد رولاند" لذلك القسيس الشاعر بأشد البغضاء، فيتوجه بخطابه إلى الخصم المسلم قائلا:" إن مخمت-ولاننسى هنا أن نشير إلى هذا التحريف المشوه للنبي محمد عمدا واستخفافا، كما نعرف من الكتابات التي تصوره صنما ذهبيا- قد ارسلني إليك، لأطيح رأسك عن كتفيك، وأطرح للجوارح جثتك، وامتشق برمحي هامتك، ولتعلم أن القيصر قد أمر كل من يأبى أن تعمده الكنيسة" ليس له إلا الموت شنقا، أو ضربا، أو حرقا". إن أولئك جميعا دون استثناء حزب الشيطان اللؤماء، خسروا الدنيا والآخرة حل عليهم غضب الله، فبطش بهم روحا وجسدا، وكتب لهم الخلود في جهنم أبدا"(الله ليس كذلك ص 44)
وقد شارك الإنجليزي" وليمام" من مدينة سالسبري،قبل سبعمئة عام، في ترويج الخرافات عن المسلمين:" لقد عرف الغرب، عن طريق ذلك الإنجليزي، قصصاً بشعة تقشعر لها الأبدان، عن أولئك الناس الذين استقروا خلف جبال البرانس في قرطبة، التي زعم أنها كانت مقر عبدة الشيطان، ومحضري أرواح الموتى والسحرة وأصحاب التعاويذ وأعمال السحر الأسود، والذين حذقوا هذا الفن واستحوذ عليهم الشيطان، تحرسهم فيالق من زبانيته من الشياطين، وقد تربع على عرش قرطبة الصنم الذهبي"لماهومد" وأحيانا يطلق عليه " مخيميد"، وقد ركعت تحت أقدامه قرابين بشرية ، يذبحها أتباعه قربانا وتزلفا إليه"(الله ليس كذلك ص 11)

صرخات إبليس
هذا هو الواقع كما كان فماذا فعل الرهبان والقساوسة الذين كانوا يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله،تقول زيغريد هونكه:" لقد ساء ذلك الآباء الروحيين النصارى، فقد كانوا شهود عيان في الأندلس لقوة جذب المد الروحي والفكري، الذي سقط ضحيته رعاياهم النصارى طوعا وعن طيب خاطر، يشهد بذلك أسقف قرطبة(ألقارو) الذي راح يجأر بشكواه بكلمات مؤثرة تصور بلواه:" إن كثيرين من أبناء ديني يقرؤون أساطير العرب ويتدارسون كتابات المسلمين من الفلاسفة وعلماء الدين، ليس ليدحضوها وإنما ليتقنوا اللغة العربية ويحسنوا التوسل بها حسب التعبير القويم والذوق السليم، وأين نقع اليوم على النصراني- من غير المتخصصين- الذي يقرأ التفاسير اللاتينية للإنجيل؟ بل من ذا الذي يدرس منهم حتى الأناجيل الأربعة، والأنبياء ورسائل الرسل؟.. واحسرتاه إن الشبان النصارى جميعهم اليوم، الذين لمعوا وبذوا أقرانهم بمواهبهم لايعرفون سوى لغة العرب والأدب العربي! إنهم يتعمقون دراسة المراجع العربية باذلين في قراءتها ودراستها كل ماوسعهم من طاقة، منفقين المبالغ الطائلة في اقتناء الكتب العربية وإنشاء مكتبات ضخمة ، ويذيعون جهرا في كل مكان أن ذلك الأدب العربي جدير بالإكبار وبالإعجاب! ولئن حاول أحد إقناعهم بالإحتجاج بكتب النصارى فإنهم يردون بإستخفتف، ذاكرين أن تلك الكتب لاتحظى بإهتمامهم!... وامصيبتاه! إن النصارى قد نسوا حتى لغتهم الأم، فلاتكاد تجد اليوم واحد في الألف يستطيع أن يدبج رسالة بسيطة باللاتينية السليمة، بينما العكس تعبيرا وكتابة وتحبيرا، بل إن منهم من يقرضون الشعر بالعربية، حتى لقد حذقوه وبذوا في ذلك العرب أنفسهم"(الله ليس كذلك ص 41،42)
لقد جذب الفكر الإسلامي وعلومه التطبيقية والتجريبية وطريقة المعيشة المرتبطة بهذا الفكر، الشباب الأوروبي وسحرهم، وبينما كان العرب يعرفون مصدره الأصيل، كانت النصارى تعرف وتنكر،أو تُخفي وتُدبر، او تكتم وتقتل، لكن الشباب الأوروبي، على الرغم من ذلك كله، صار مفتون بالعلم وتقنياته، والسحر الشرقي من الكرم والسماحة والعلاقات الجميلة،والأخلاق الرفيعة، والنظافة والنظام، وفي ذلك تقول زيغريد:" إن سحر أسلوب المعيشة العربي ذاك قد اجتذب إلى فلكه الصليبيين إبان وقت قصير، كما تؤكد شهادة الفارس الفرنسي" فولشير الشارتي" وهانحن الذين كنا أبناء الغرب قد صرنا شرقيين!، ثم راح يصور أحاسيسه وقد تملكه الإعجاب بالسحر الغريب لذلك العالم العجيب بما يعبق به من عطر وألوان، تبعث النشوة في الوجدان، ثم يتسائل بعد ذلك مستنكرا:" أفبعد كل هذا ننقلب إلى الغرب الكئيب؟!، بعدما أفاء الله علينا وبدل الغرب إلى الشرق"(الله ليس كذلك ص 42،43).

البابا مهيج فتن
لقد كان هذا البابا-تقول زيغريد- يعرف كيف ينتقي أشد الكلمات تأثيرا...:" ولست أنا الذي أنذركم وإنما الرب يطلب إليكم ويحذركم، بصفتكم حملة لواء المسيح والمبشرين الداعين إليه، أن تطهروا الأرض المقدسة التي يعيش فيها إخوانكم المسيحيون، من أولئك الرعاع"(الله ليس كذلك ص17)
وتقول:" إنطلقت كلمات البابا العارية عن كل صواب واعتدال، المغرقة في الإستهزاء تستنفر الفرسان للقتال،فقال:" أي خزي يجللنا، وأي عار ، لو أن هذا الجنس من الكفار ، الذي لايليق به إلا كل إحتقار، والذي سقط في هاوية التعري عن كرامة الإنسان جاعلا نفسه عبدا للشيطان، قد قدر له الإنتصار على شعب الله المختار"(الله ليس كذلك ص 23)
ماذا حدث في النهاية من استفزازات وتحريضات البابا وغيره، تقول زيغريد هونكه:" وفي النهاية حلت الهزيمة الكاملة بالصليبيين ، واستقرت الصدمة في كيان الغرب، وراح البعض يتسائل: أليس قضاء الله وحكمه الذي أنزل العقاب بالنصارى؟..ألأم يكتب الله النصر لأتباع محمد على الدين النصراني؟..ألم يكن ذلك هو الخزي والهوان الذي حاق بهم والذي كان البابا أخشى مايخشاه، واصفا إياه بأنه العار الذي لاعار بعده؟..ألم يكتب الله" إنتقاما منه وغضبا" النصر لمحمد على المسيح؟.. ألم يحكم بأنه أولئك المحتقرين"عبدة الشيطان""الكفرة الفجرة" بأنهم على حق؟.. ويمضي ريكولدوس دي مونت كروكس متسائلا:ألم تهزم بركات محمد وهديه بلا مراء هدى المسيح؟.. ويتمادى شاعر الفروسية"آستورك" في شعره الإستنكاري متسائلا:أما آن لنا أن نؤمن بمحمد بعد؟! أجل تلك كانت العاقبة الوخيمة التي عصفت بالعالم على مدة قرون باهظة تكاليفها من بشر احتشدوا لها احتشادا...لقد عاد خمس الفرسان فقط إلى ديارهم! الخمس من فرسان الحملات الصليبية الست الكبيرة والحملات الأخرى الصغيرة التي لاتحصى، والتي أبيدت فيها آلاف مؤلفة من المشاة البسطاء، لايكاد تعداد يسرف إحسائهم عدا، فضلا عن الصغار والمراهقين بين ثلاثين وخمسين ألفا حصدوا حصدا...ومن ذا الذي يستطيع أن يقدر مبلغ الخزي والعار اللذين أحاطا بالصليبيين بعد مالمسوا حقيقة خصومهم، الذين كانوا يتصورونهم(كما وصفوا لهم) أخساء محتقرين يتخبطهم مس الشياطين"(الله ليس كذلك24،25)
لقد كانت الدعايات كاذبة عن عدم سماحة المسلمين، والصليبيون وقعوا :" في شراك الأكاذيب والشائعات التي روجت لها الكنيسة للإنتقام، لكن تكذب هذه الدعاوى رسالة تلقاها الإسقف أجتاتيوس في بيزنطة من أخيه الروحي البطريرك تيودوسيوس من بيت المقدس" إن العرب هنا هم رؤساؤنا الحكام، وهم لايحاربون النصرانية بل على العكس من ذلك يحمونها، ويذودون عنها، ويوقرون قساوستنا ورهباننا ويجلون قديسينا". تُعقب زيغرد هونكه على هذه الرسالة بقولها:" ولايكاد المرء يصدق هذا الذي يسمع، إذ كان ذلك إيان الأفق المعتم الذي يتربص فيه الموت بالمسلمين في كل مكان.، كانت السماحة حبلى بالحروب الصليبية. والحق أن المسلمين...قد إلتزموا منذ عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بضمان سلامة النصارى"(الله ليس كذلك ص21)

الخيال يواجه الحقيقة
تقول هونكه:" .ومن ذا الذي يستطيع أن يقدر مبلغ الخزي والعار اللذين أحاطا بالصليبيين بعد مالمسوا حقيقة خصومهم، الذين كانوا يتصورونهم(كما وصفوا لهم) أخساء محتقرين يتخبطهم مس الشياطين؟! لقد تفتحت أعينهم أول ماتفتحت في الشرق، فوجدوا أن أولئك الذين قد وصفوا لهم بأنهم أوغاد سفلة، إنما هم بشر مثلهم، بل إنهم أرقى منهم وأرجح فكرا، ليس في فن الحروب فحسب، وليس في تفوقهم في تسلحهم واتخاذهم الصلب أو الفولاذ الدمشقي في صناعة أسلحتهم وتنظيمهم وصفوفهم مشاة وفرسانا، وفي بنائهم حصونهم وقلاعهم وآلاتهم المعروفة... وأنما قبل كل شيء في إستماتتهم في الدفاع عن الحمى دفاعا جادا، والتزامهم الخلقي ضبطا وربطا أفضل مما ليدهم، فقد كان الصليبيون على العكس من ذلك"(الله ليس كذلك ص 24،25)

الألمان والعلاقة بالإسلام والعلم الإسلامي والمسلمين
تتكلم زيغريد هونكه على أن الألمان لما إستقر عزمهم على شن الحرب الهجومية لم ينطلقوا من دوافع أو غايات دينية، وإنما صدروا في ذلك في أغلب الأحيان عن مطامع سياسية، لكن الباباوات كانوا يريدون إضعاف أولئك القياصرة الألمان وتحطيم سلطانهم ، مؤكدين حقهم المقدس في حكم الممالك الألمانية مستثمرين الضرائب التي جبيت لشن الحروب الصليبية في صراعهم الشخصي ضد الأباطرة الألمان من سلالة شتاوفر العظام، بل إنهم دعوا من فوق منابر الكنسية إلى شن حرب صليبية على الأباطرة الألمان والإمبراطورية الألمانية"(الله ليس كذلك ص27)
ولماذ اشترك الألمان في الحرب على الشرق، تقول نولدكه:" إنما فعلوا ذلك عن إدراك ووعي تام مضاد للإرادة الباباوية ، لكي ينتزعوا من يد البابا السلاح السياسي الذي شهره في وجوههم فيتولوا هم أنفسهم زمام المبادرة"(الله ليس كذلك ص28)

العلاقة تتطور والباباوية تتعقب!
:" لقد توشجت أواصر الصداقة وعراها بين ثلاثة من أولئك القياصرة الألمان وبين بعض السلاطين المسلمين، وذلك في مأمن من رياح التعصب الديني الذي دأب مؤججوه على إضرامه منذ أجيال خلت من قبل.. ولابد لنا هنا أن نتسائل عن السر في بخل التاريخ بأنباء أولئك العظام وضنه بالإفاضة في ذكر الظروف والملابسات التي عايشوها، اللهم إذا إستثنينا منهم القيصر فريدريك الثاني؟!
ومن ذا الذي يدري حقيقة الوقائع العجيبة ، والأحداث الغريبة ، التي جرت من قبل بين جده القيصر فريدريك الأول وبين السلطان صلاح الدين الأيوبي، الذي يعرفه الغرب بإسم"سلادين" ، فقد ساد علاقات العاهلين الدبلوماسية روح الوئام والسلام، إبان زمان عصفت به حمى الحروب الصليبية، حتى إن التاريخ ليسجل عام1173 ميلادية وصول وفد السلطان صلاح الدين إلى بلاط القيصر في آخن بألمانيا، قادما من القاهرة حاملا رسالته التي يطلب فيها يد إبنة قيصر لإبنه، على أن يتم تتويج إبن صلاح الدين هذا ملكا على النصارى. فياله من عرض! وياله من حلم للربط بين الشرق والغرب! لاغرو إذن أن يفكر القيصر في الأمر مليا، فاستبقى الوفد العربي في بلاطه ضيوفا نصف عام. وإبان ذلك هيأ لهم زيارة عديد من مدن مملكته، وبعد عام أرسل مبعوثه القيم على شؤون الأديرة والكنائس"بوركهاردفون ستراسبرج" بهدية إلى السلطان بالقاهرة، كتلطف في الإعتذار"(الله ليس كذلك ص 28)
ومع أن الفرنجة انهزموا في حطين، بعد ذلك، عام1178م، إلا أن علاقة الألمان بصلاح الدين لم تتغير، غير أن القيصر ، وتحت تأثير مبعوثو البابا ، الذين ذهبوا إليه ثلاث مرات، إتخذ القرار بالحرب ضد المسلمين، وقد ارسل القيصر رسالة بذلك إلى صلاح الدين!، بل يطلب القيصر مبارزة صلاح الدين نفسه عام1189، وذلك في رسالة له،لكن صلاح الدين تجنب الرد المباشر لكنه إقترح على القيصر أن يقوم بإطلاق سراح أسرى الفرنجة كافة، وضمان حرية العبادة النصرانية في القدس، مقابل إعادة المحتلين الفرنجة لكافة القلاع والحصون التي في حوزتهم، الأمر الذي-تقول هونكه- لم يكن في نطاق سلطة القيصر!(انظر ص 30) ولم يخض القيصر الحرب لأنه مات بالسكتى القلبية نتيجة تبرده في المياه الثلجية لنهر السالب المنحدة مكن الجبال جنوب الأناضول.
وبعد سنوات نرى القيصر هايزسن السادس، إبن القيصر الراحل، يقتفي خطوات ابيه في عقد أواصر الصداقة بحملته السلمية دون إراقة دماء.
فريدريك الثاني ومؤثرات موروثة تتعمق وغيرة الباباوية وأحقاد موروثة!
أما إبنه فريدريك الثاني فقد ورث ذلك الميل من جده فردريك الأول ووالده هايزسن السادس، فقد حقق بحملته الصليبية:"التي لم يرفع فيها سلاحا، ولم يهرق نقطة دم، أربعة أضعاف ماكان عرضه من قبل صلاح الدين، حيث كلفت المعاهدة التي عقدها مع السلطان الكامل إبن أخ صلاح الدين، المساواة التامة بين المسلمين وغير المسلمين والاحترام المتبادل والحرية الكاملة لليهود والنصارى والمسلمين في إقامة شعائرهم الدينية في كافة أنحاء الأرض المقدسة كما شاءوا"(الله ليس كذلك ص 30)

وقد كان للتأثير العربي أكبر الأثر-تقول هونكه-في تكوين شخصيته:" ارتسمت في عقل الفتى الصغير صورة الحياة العربية الجميلة ممتزجة بخرير مياه النافورات، وحددت أوقات يومه أصوات المؤذنين من فوق مآذن المساجد"(شمس العرب تسطع على الغرب ص 432) ، وتقصد في صقلية ، اصبح الفتى يجيد العربية، ويؤوي إليه علوم المسلمين..
لم يرق البابا هذا الصنيع، وتلك العلاقة، وذلك الأمن للجميع، فقدم باكيا للمجمع المقدس اعتراضاته الجامحة :" فكان ذلك بالذات ما أضرم نار المقت على أعلى مستويات الكنيسة للقيصر الألماني أشد مايكون المقت إضراما. ولقد أنزل البابا بالقيصر وحده لعنة الطرد من رحمة الكنيسة وأعلن موت القيصر بالنسبة له، وأمر قواته الخاصة المعروفة بإسم (حملة المفاتيح) بالهجوم على صقلية-المملكة التي كانت تحت حكم القيصر، وإجبار مواطنيها على خلع القيصر والتحلل من يمين الولاء التي كانوا حلفوها لبيعته وطاعته؛ بل إن البابا ذهب إلى أبعد من ذلك حيث طلب إلى عدوه اللدود:سلطان "الكفار" أن لا يعطى القيصر القبر المقدس، وبلغ الإنحطاط والتعري عن الكرامة الرسولية الذروة في تدبيره مع"فرسان المعبد" خطة لإغتيال القيصر، عند توجهه إلى نهر الأدرن ليتعمد في مياهه؛ وكان السلطان المسلم بشخصه هو الذي أنقذ حياة قيصر الإمبراطورية الألمانية المقدسة" فقد استاء لتلك الخيانة الوضيعة أشد الإستياء" وأرسل إلى القيصر الوثيقة التي تثبت الخيانة ممهورة بختم رئيس فرسان المعبد"(الله ليس كذلك ص 30،31)
فضلا على ذلك لم يرد البابا أن ترجع حملة ألمانيا من الشرق سالمة، :" عندما أخذ القيصر وجيشه بالعودة أمطرهم رجال الكنيسة بوابل من الروث والبراز، قذفا بالمقاليع.. وتصور رسالة الوداع التي كتبها القيصر وهو مبحر على متن سفينته،إلى الأمير فخر الدين-الذي كان ضيفا في بلاطه في صقلية موفدا من قبل السلطان... وليس من قبيل الصدفة أن تلك الرسالة التي كتبها القيصر بنفسه باللغة العربية التي تعلمها منذ صغره في موطنه صقلية إلى جانب لغته اللاتينية-وقد تعلم بعضها من العرب الذين كانوا يعيشون في صقلية-إلى صديقه العربي، أعظم رسالة مؤثرة أبدعتها ريشة القيصر، لأنها وثيقة شخصية فاضت بها نفسه بعد الفراق، فأملت عليه البوح بمكنون العلائق البشرية، مما اعتاد أمثاله كتمانه: "بسم الله الرحمن الرحيم" أزف الترحال بيد أن قلوبنا أبت الرحيل ففارقت أجسادنا وهوت إلى كنف الصداقة عندكم مأسورة، ثم إستقرت عندنا"وبقية الرسالة فيها معان جميلة، ومنها:" حينما فارقتني كنت في حالة ، لو أن أحدا من البشر خيرني فيها بين البعد عنك أو الموت، لكنت أجبته ضارعا: لبيك! جُد علي بهذه المكرمة" (الله ليس كذلك ص 31،32) ولايخفى مافي هذا المقطع الأخير من الرسالة أن القيصر ألف الإسلام والمسلمين، وهو يعلم أن سيذهب إلى أهل الهوى والضياع، والله أعلم.
ايضا كتب عالم الفلسفة اللاهوتية "أوليفروس" من كولونيا ، نهر الراين ،ألمانيا،وهو الذي شارك في الحروب الصليبية، عن المرؤءة والفروسية العربية، التي أثبتها في شخصية السلطان الكامل،كتب عام1221،:" منذ تقادم العهود، لم يسمع المرء بمثل هذا الترفق والجود،خاصة إزاء أسرى العدو اللدود، ولما شاء الله أن نكون أسراك، لم نعرفك طاغية، ولاسيدا داهية، وإنما عرفناك أبا رحيما شملنا بالإحسان والطيبات، وعونا منقذا في كل النوائب والملمات. ومن ذا الذي يمكن أن يشك لحظة واحدة في أن مثل هذا الجود والتسامح والرحمة من عند الله..إن الرجال الذين قتلنا آباءهم وأبناءهم وبناتهم وأخواتهم وأذقناهم مر العذاب، لما غدونا أسراهم وكدنا نموت جوعا، راحوا يؤثروننا على أنفسهم على مابهم من خصاصة، وأسدوا إلينا كل مااستطاعوا من إحسان، بينما كنا تحت رحمتهم لاحول لنا ولاسلطان"انتهترسالة الفيلسوف، إن الإنسان ليبكي لمثل هذا النموذج العجيب من المسلمين، وواحد من فلاسفة الغرب، يمدح النموذج الأخلاقي البارز ، تعلق زيغريد هونكه على رسالة "أوليفروس، :" هنا كان ينبغي أن يقرع ناقوس، وأن تتجاوب لرنينه نواقيس أخرى..وإذا كان عربي قد قدم مثل هذا البرهان على السمو الإنساني والمروءة المتناهية، فإن ذلك ليس بدعا أو حدثا مفردا، فثمة شواهد أخرى في هذا الصدد، ونذكر هذا الملك الإنجليزي ريتشارد قلب الأسد، الذي نشأ في الغرب تنشئة الملوك الشرفاء، فقد مرغ تلك السمعة الطيبة في العار، ودأب على تلويثها بشكل مخز دائما أبدا، فبينما أقسم بشرفه لثلاثة آلاف أسير عربي أن حياته آمنة.إذا هو فجأة منقلب المزاج فيأمر بذبحهم جميعا، ويحذوا قائد الجيش الفرنسي حذوه سريعا، وهكذا لطخ بفعلته النكراء، وسفكه تلك الدماء سمعته إلى الأبد، وضيع ثمرة إنتصاره في أذيال الخزي والهوان..وعلى العكس من هذا عرفنا صلاح الدين، الذي أخزى قواد الجيوش النصارى، فلم ينتقم قط من أسراهم الذي كانوا تحت رحمته، ردا على خيانتهم وغدرهم، وفظاعتهم الوحشية التي ليس لها حد"(الله ليس كذلك ص34) هذه هي فروسية الإسلام الحقيقية التي غابت عن كثير من مشاهد عالم اليوم، وشوهت حقيقتها بنماذج شائهة، تشبه في بعض صورها النماذج النصرانية لا الإسلامية، تضيف هونكه فتقول:" على العكس من المسلمين لم تعرف الفروسية النصرانية أي التزام خلقي يفرض عليها أن تسمح لأولئك" الكفار" بممارسة حقوقهم الطبيعية الأمر الذي يمليه على الأقل حق الجوار ومحبته، كما شعرت تلك الفروسية النصرانية بأنه ليس لزاما عليها أن تلتزم بكلمة الشرف التي تعطيها لغير النصراني. وحينما سفك فرسان الحملة الصليبية عام1204 حتى دم إخوانهم من النصارى في بيزنطة، أخذ نيكتاس أكوميناتوس يبكي مصارعهم قائلا:" بل إن محاربي المسلمين الأعداء أنفسهم، رحماء طيبون، قياسا إلى أولئك القوم، الذين يحملون صليب المسيح على أكتافهم"(الله ليس كذلك ص 35)
يقول توماس أرنولد عن تأثير ذلك في جنود النصارى:"يظهر أن أخلاق صلاح الدين الأيوبي وحياته التي انطوت على البطولة، قد أحدثت في أذهان المسيحيين في عصره تأثيرا سحريا خاصا، حتى إن نفرا من الفرسان المسيحيين قد بلغ من قوة انجذابهم إليه أن هجروا ديانتهم المسيحية، وهجروا قومهم وانضموا إلى المسلمين" ( الدعوة إلى الإسلام، توماس آرنولد،ترجمة حسن ابراهيم حسن وعبد المجيد عابدين واسماعيل النحراوي، مكتبة النهضة المصرية،1970م، ص111) وقد دعم كلامه عن ذلك بوثائق تاريخية منها كلام المؤرخ الذي رافق ريتشارد الأول في الحروب الصليبية:"...تراهم يتركون بني جلدتهم ويفرون للأتراك فلم يترددوا في أن يصبحوا في زمرة المرتدين"(الدعوة إلى الإسلام ص112) يعلق توماس على ذلك بقوله :" منذ ذلك الحين لا نعدم أخبارا عن المرتدين عن المسيحية "
خجل مابعده خجل
تقول هونكه:"تحت عنوان( الفروسية العربية تجعل القساوة المسيحية خجلا) من كتابها الإبل على بلاط قيصر:" لم يعد الانتماء إلى العقيدة وإنما روح الفروسية هي التي أصبحت تحدد الآن (من جديد) طبيعة الجبهات في ذلك اللقاء بين الشرق والغرب، تلك الروح تتناقض بشكل واضح مع الروح المسيحية التي تتسم بالتعصب والأفق الضيق" ثم تذكر هونكه ماحدث بعد حصار بيلاجيوس لقلعة دمياط أن السلطان الكامل:" قام بعدها، وبغض النظر عن ذلك الحدث بإنقاذ الجيش المسيحي بعد أن هزمه أمام القاهرة حيث بقى عدة أيام يعاني من الجوع الشديد وذلك أن استمر يرسل إليه وطوال أربعة أيام ب3000 رغيف كل يوم وغير ذلك من المواد الغذائية، وبذلك أبقى على ألد أعدائه وأعداء بلاده حين وقعوا بين يديه ومنعهم من التضور جوعا وذلك بدلا من أن يرد على الشئ بمثله. وقد كان لتلك السماحة صدى ملحوظ يتسم بالعرفان في كولون، ذلك أن دوملير أو ليفروس المكلف بالدعوة للحملة الصليبية كتب خطابا في عام1221 إلى السلطان يقول فيه:"منذ العصور القديمة لم يسمع المرء عن مثال بذلك الكرم من جانب أعداء تجاه أسراهم، ومنذ أن وضعنا الله بين يديك، لم نعرفك كطاغية أو حاكم، ولكن كأب لايفعل إلا كل ماهو طيب، أخذ بيدنا ونحن نواجه الأخطار، كذلك فإن ذلك العمل الشهم كان يصعب إداركه بالنسبة إلى رهبان كنيسة الروم في كولون:إذ من ذا الذي يمكنه أن يتشكك في أن ذلك الكرم والود وطبيعة القلب مسامدة من الله، ذلك أن الرجال الذين قتلنا آباءهم وأبناءهم وبناتهم وأشقاءهم بعد أن أذقناهم مر العذاب، قد قاموا هم أنفسهم بإمدادنا بطعامهم الخاص بهم ونحن مشرفون على الموت جوعا وعاملونا بمختتلف أنواع الكرم على الرغم من أننا كنا نخضع لسيطرتهم وسطوتهم".إلا أن ذلك العمل-والكلام لزيغرد هونكه- من أعمال الفروسية لم يكن استثناء فريدا، ذلك أن الشهامة العربية كانت تسبب المرة تلو الأخرى الخجل للمسيحيين الذين يعكرون السلام دون هوادة، مثلا كما فعل أوائل الفرسان الصليبيين في أنطاكية المحتلة، حيث يقرر أحد شهود العيان المسيحيين:" أنهم غطوا كافة أنحاء المدينة بالجثث.إلى درجة أنه لم يكن في وسع أي شخص أن يتوقف هناك بسبب الرائحة العفنة المتصاعدة منها"،ولم يكن في وسع المرء أن يعبر الشوارع إلا إذا وطأت قدماه رؤوس القتلى" وقد تمثلت الذروة المؤلمة لتلك القسوة المتناهية حين وقع في القدس التي تم الإستيلاء عليها فيما بعد" حمام دم آخر حيث إن رجالنا كانوا يخوضون في الدماء حتى الكاحل، كما حدث أيضا عندما حاول ميخائيل السوري في وصفه للفرسان الغارقين في الدماء من قمة رأسهم إلى أخمص أقدامهم عندما حاول أن يجعل صورة بطريرك القدس ترسخ في ذاكرة الأجيال التالية، حيث كان البطريك يجوس الشوارع قاتلا كل المسلمين ودخل كنيسة القبر ويداه ملخطتان بالدماء وقام بغسل يديه وهو يردد العبارة التالية من الإصحاح 58"سوف يفرح العادل عندما يرى ذلك الانتقام وسوف يغسل رجليه في الماء الكافرة". وحين حرر صلاح الدين القدس-ومازال الكلام لزيغرد هونكه-من جديد عام 1187 بعد أن ظلت 88 عاما تحت سيطرة الفرنجة، فإنه أبقى-على النقيض من تلك التصرفات المشار إليها تماما- على حياة السكان المسيحيين عن طريق إصدار أوامر صريحة بذلك إلى فرسانه، كما منحهم حرية الإنسحاب والحماية المسلحة أثناء ذلك، كما منح الموسرين مهلة أربعين يوما لتقديم الفدية، ومنح الأقل غنى حريتهم مقابل مبالغ بسيطة، وحين طلب منه أخوه أن يطلق سراح ألأف شخص دون آية مبالغ فإنه وافق كما فعل نفس الشيء بالنسبة إلى خمسة آلاف من كبار السن، وحين طلب شيخان من الذين شاركوا في عملية الاستيلاء على القدس، من صلاح الدين-وفقا لما يرويه أحد المؤرخين المسيحيين-أن يسمح لهما بالبقاء وقضاء بقية عمرهما في القدس، فإنه لبى هذه الرغبة وأمر بإعطائهما مايحتاجانه طالما كان يطلبانه، وهكذا أمضيا حياتهما هناك". وفوق ذلك فإنه منح عدوه الكبير، البطريرك الروماني، وقائد عملية الدفاع عن القدس وغيرهما من المدافعين، منحهم حريتهم بناء على رجائهم، وقد جعل حراسة يرافقونهم حتى حدود أراضي الفرنجة، حيق قام أحد فرسان الفرنجة ، بعمل يهزأ بالشهامة الإسلامية يمليه عليه تكوينه الدنيء حيث نهب وقتل كثيرين ممن أكلق سراجهم.
كذلك كانت السماحة والفظاعة تقفان على طرفي نقيض ممثلتان في ذلك الأسلوب الذي كان يتم التعامل به مع الأسرى،ذلك أنه حين وقع ملك القدس، جاي لوزيجنان في الأسر خلال المعركة السالفة بالقرب من حطين فإن صلاح الدين عامله بكرم وأطلق سراحه بناء على العهد الذي قطعه على نفسه أمامه بألا يشهر السيف في وجهه بعد الآن.إلا أن ذلك لم يمنع جاي دي لوزيجان من أن يخرق وعده على الفور، ذلك أن عقدة التفوق المسيحية كانت تسيطر على أمثاله وتجعلهم يقنعون ان المرء ليس في حاجة إلى أن يلتزم بالاتفاقيات التي يعقدها مع الكفار، كذلك فإن الملك الإنجليزي ريتشارد قلب الأسد الذي كان يعد مثالا للفروسية لشجاعته وانتصاراته ، قد لوث شهرته تلك بعمل يتسم ببشاعة لايمكن تصورها. ذلك أنه بعد الاستيلاء على عكا الذي نسبه ريتشارد لنفسه فقط، عاد الملك الفرنسي مع جزء من جيشه إلى وطنه، وأصبح الجزء المتبقي من الفرنسيين تحت إمرة دوق فون بورجوند."انتهي

وكان تفاوض بشأن تبادل الأسرى، وتضيف زيغرد هونكه:" وفي اليوم الذي كان مقررا أن يتم فيه تسليم الصليب...أعطى الملك ريتشارد بعد أن استشار أصحابه، أوامره بشنق كافة الأسرة المسلمين أمام أنظار المفاوضين العرب بكل بساطة كان عددهم يقدر بما لايقل عن3000 عربي، وقد حذا قائد الجيش الفرنسي حذوه!، وكان مافاق تلك المذبحة في بشاعتها بالإضافة إلى ذلك أن هؤلاء الجشعين أخذوا يبحثون في أحشاء الموتى عن الذهب الذي ابتلعوه."(انتهي كلام زيغرد هونكه من كتابها الإبل على بلاط قيصر(ص97-100)
أكذوبة نشر الإسلام بالحرق والحديد والنار
أما أقصى الأحكام الاليمة المسبقة الراسخة ضد الإسلام، فترد عليها زيغريد بقولها:" يثبت التاريخ لنا أن الدور الحاسم في انتشار الإسلام يرجع إلى التسامح العربي. ولم يكن الآباء الروحيون للكنيسة فحسب هم الذين لم يتوقعوا ذلك. واليوم وبعد إنصرام ألف ومائتي عام لايزال الغرب النصراني متمسكا بالحكايات المختلقة الخرافية التي كانت الجدات يروينها، حيث زعم مختلقوها أن الجيوش العربية بعد موت محمد نشرت الإسلام"بالنار وبحد السيف البتار" من الهند إلى المحيط الأطلنطي، ويلح الغرب على ذلك بكافة السبل: بالكلمة منطوقة أو مكتوبة، وفي الجرائد والمنشورات، وفي الرأي العام، بل في أحداث حملات الدعاية ضد الإسلام"(الله ليس كذلك ص 40،41) وتؤكد زيغريد على أن ذلك الشعار المنتشر في الغرب، هو:" كذب لا اساس له من الصحة التاريخية او الحقيقة الواقعية، لاإكراه في الدين" تلك هي كلمة القرآن الملزمة كما ترد في الآية السادسة والخمسين بعد المائتين من سورة البقرة، فلم يكن الهدف أو المغزىللفتوحات العربية نشر الدين الإسلامي وإنما بسط سلطان الله في أرضه، فكان للنصراني أن يظل نصراني، ولليهودي أن يظل يهودي كما كانوا من قبل، ولم يمنعهم أحد أن يؤدوا شعائر دينهم ، وماكان الإسلام يبيح لأحد أن يفعل ذلك. ولم يكن أحد لينزل أذى أو ضررا بأحبارهم أو قساوستهم ومراجعهم، وبيعهم وصوامعهم وكنائسهم...لقد كان أتباع الملل الأخرى –بطبيعة الحال من اليهود والنصارى- هم الذين سعوا سعيا لاعتناق الإسلام والأخذ بحضارة الفاتحين، ولقد ألحوا في ذلك شغفا وافتتانا، أكثر مما أحب العرب أنفسهم، فإتخذوا أسماءا عربية وثيابا عربية، وعادات وتقاليد عربية، واللسان العربي، وتزوجوا على الطريقة العربية ونطقوا بالشهادتين. لقد كانت الروعة الكامنة في أسلوب الحياة العربية، والتمدن العربي، والسمو والمروءة والجمال –وبإختصار:السحر الأصيل الذي تتميز به الحضارة العربية عن الكرم العربي والتسامح وسماحة النفس- كانت هذه كلها قوة جذب لاتقاوم"(الله ليس كذلك ص 41،42)
هذا الشيء المدهش الغريب، والمثير والعظيم، من دخول الشعوب طوعا في الإسلام، استحال على الكنيسة المتربصة قبوله، و"أقض مضاجعها"، كما تقول هونكه، انه تأبي على فهم الكنيسة :" دخول شعوب الأقطار المفتوحة في الإسلام أفواجا بمحض إرادتها، دون مساعي إرساليات التبشير، ودون الإكراه في الدين، أجل! لقد كانت السماحة العربية والروح العربي وأسلوب الحياة العربي، مما إستحوذ على نصارى إسبانيا وليس كما زعم المبطلون زورا عيما، وهتانا أثيما- بأنهم أرغموا على الإسلام خشية السيف البتار ، والحريق بالنار"(الله ليس كذلك ص44)

مكتبة الإسكندرية والزعم بحرقها بأمر عمر بن الخطاب
ترد هونكه ايضا فرية حرق الفتح الإسلامي لمكتبة الإسكندرية ، وتؤكد أن النصارى هم من كانوا يقومون بحرق المكتبات،قبل الإسلام، فالقيصر كاراكلا اغلق الأكاديمية وذبح علماءها، والبطريق النصراني عام272 يغلق المجمع ويحرق مؤلفاته فيبيدها المشتعلون حماسا من النصارى، كذلك يحول القيصر فالنس"السيزار يوم" إلى كنيسة وينهب مكتبته ويحرق كتبها.. وفي عام391 يفلح البطريرك ثيوفيلوس في الحصول على إذن القيصر ثيودوزيوس لهدم " السرابيوم" كبرى الأكاديميات وأخرها ويترك الحريق يلتهم 300 ألف مخطوط ويشيد ديرا وكنسية على الأنقاض!، ويستمر هذا الحال حتى ينهي النصارى على مراكز الثقافة في الإسكندرية، ثم تؤكد هونكه بعد ان ذكرت تاريخ إفناء المكتبات على يد النصارى:" هكذا نرى أن المكتبات القديمة في مصر جميعا لم يكن لها أي وجود أيام دخول العرب الإسكندرية عام642(انظر ص74)، ثم تسخر هونكه من الزعم الغربي القائل ان العرب استخدموا الكتب في ايقاد حماماتهم لمدة ستة أشهر(اسطورة ايضا من أساطير الغرب) فتقول:" إن ذلك الرماد قد ذرته ريح الشمال قبل ذلك بستة قرون في الصحراء" ويثير ذلك غضبا كامنا متقدا في وجدان هونكه فتقول:" إن هذا الإنحطاط الفكري السادر يبين مدى إلحاح الغرب على إلصاق الأحكام المسبقة الظالمة بالعرب، ومدى استمتاعه غيا بتزييفه لحقائق التاريخ...سخيا بتفاصيل لا أساس لها سوى الخيال"(الله ليس كذلك ص 75) يالها من إمرأة تعلمت من جاوزت مكتبة أبيها ، وجدها، وغلبت رجالا كثر وانتصرت بكلمات تاريخية خالدة، هي من العمق بمكان، فلله درها.
دفاع زيجريد عن عمر رضي الله عنه
انها لاتسكت عن سرد الحقيقة كاملة، فتدافع عن عمرو ابن العاص فاتح مصر والإسكندرية، وتدافع عن عمر ابن الخطاب، الخليفة المسلم آنذاك، فتقول:" ولايخجل القوم هنا من إفتئاتهم على خليفة المسلمين عمر بن الخطاب المشهود له بأنه من أعظم مؤسسي الدول، وأجلهم قدرا وكفاءة، وعبقرية، يتهمونه بالسذاجة وضيق الأفق، واجهل الذي لاجهل بعده"(الله ليس كذلك ص 75) وقالت إن عمر نفسه هو من أملى نص المعاهدة أو العهد مع كافة البلدان المفتوحة بألا يخرب جنوده الأرض والزرع، وأن لايستبيحوا المال والعرض :" وهو عهد تتضاءل إلى جانب عظمته وحكمته كل عهود الأمان وإتفاقيات السلاح قبله وبعده وتتوارى في ظله خجلا" (ص76) ثم تذكر نص العهد القديم من المنسوب لوصايا موسى، سفر التثنية الإصحاح السابع، من الأعداد5-16، :" ولكن هكذا تفعلون بهم: تهدمون مذابحهم وتكسرون أصنامهم، وتقطعون سواريهم وتحرقون تماثيلهم بالنار.. وتأكل كل الشعوب الذين يهوه إلهك يدفع إليك، لاتشفق عيناك عليهم" وهنا نحب أن نسجل مالم تكتبه هونكه من سفر التثنية وفيه قتل النساء والرجال والأطفال وكل نسمة حية ، بلا اشفاق ولا رحمة، وعلى كل حال فإننا نجد هونكه تعرض نص معاهدة عمر بن الخطاب مع بطريرك الإسكندرية:"يسري هذا العهد على جميع الرعايا النصارى وقسسهم ورهبانهم وراهباتهم، ويعطيهم الأمان لأنفسهم حيث كانوا، ولكنائسهم وأماكن حجهم، والسماح لهم بزيارتها..."

دفاع عن علم القرآن وتعليمه
كما أنها لاتقف عند الدفاع عن التاريخ الإسلامي ورجالاته العظام، لكنها تذهب للمصادر الأولى في تكوين العقل المسلم فتقول:" أمر الإسلام بتدوين القرآن"، كما وطلب العلم، وهذا مايفهمه عمر بن الخطاب من دينه، :" كان عمر على معرفة تامة بحرص الرسول وحثه على طلب العلم....إزاء هذه السماحة والانفتاح العالمي للغرف من المعرفة، مهما كان مصدرها، تتضح بلاهة الإدعاء المخترع للأمر بحرق الكتب... وعى المسلمون طلب النبي إليهم مسارعين في طلب العلم إخلاصا وشغفا، وقد جاء في القرآن" وقل ربي زدني علما" سورة طه الآية أربع عشرة ومئة. والإسلام يشكل الحياة منذ النشأة حتى المنتهى في كافة المجالات، غير غافل عن أي من تفاصيلها، وهو نفسه الذي أصدر أولى تعالميه إلى كل إنسان للسعي إلى طلب العلم...وأن"الساعي في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع" و" أن مداد طالب العلم يعدل عند الله دم الشهيد".إن هذه الطريقة التي شقها محمد والإسلام، والمباينة تماما لطريق النصرانية، إنما مكنت العرب من ارتياد المسالك والممالك وتقحمها، فحققوا سبقا أكيدا مابين خمسة قرون إلى ستة، مخلفين أوروبا تلهثت آنذاك وراءهم..وأنى لها غير ذلك وقد اقتدت بقول بوس" لأن حكمة هذا العالم هي جهالة عند الله"، ألم تكن هي التي أدانت الرغبة في طلب المزيد من العلم حتى إن آباء الكنيسة حاربوا العلم بحجة أن ذلك" يجعلهم يتردون في الخطيئة " ، مرددين بذلك ماأكده لهم تولليان حيث زعم أنه"بعد مجئ المسيح لايحق لهم" أن يكونوا محبي استطلاع أو أن يبحثوا في العلوم...-تعلق هونكه- فلا عجب إذن أن تحتم على الغرب الإنتظار طويلا(الله ليس كذلك ص 75-77)
تقول هونكه في كتابها شمس الله ، ان إقبال العرب على الكتب واقتناءها كان يشبه شغف الناس اليوم باقتناء السيارات واجهزة التلفزيون، :" نمت دور الكتب في كل مكان نمو العشب في الأرض.ففي عام 891م يحصي مسافر عدد دور الكتب العامة في بغداد بأكثر من مئة، وبدأت كل مدينة تبني لها دار للكتب..وان يجلس في قاعات المطالعة.ليقرأ مايريد، كما ويجتمع فيها المترجمون والمؤلفون في قاعات خصصت لهم...فمكتبة صغيرة كمكتبة النجف في العراق، كانت تحوي في القرن العاشر أربعين ألف مجلد، بينما لم تحو أديرة الغرب سوى إثني عشر كتابا ربطت بالسلاسل ، خشية ضياعها"(شمس العرب تسطع على الغرب ص 386)
وتذكر هونكه ابن طبيب صلاح الدين نفسه كان يملك ثلاثون ألأفا من الكتب، وهو ابن المطران، طبعا، هذا مسيحي في بلاد الإسلام، تأثر بالجو العام اما المسيحي الغربي ، وفي عالمه الأثير فكان يعيش جفاع العلم وفقدان الكتاب(شمس العرب ص387)
وتذكر أنه بينما كان شارل الأكبر يجهد نفسه لتعلم القراءة والكتابة ، وبينما كان أمراء الغرب يعترفون بعجزهم عن الكتابة أو القراءة، وفي الأديرة يندر أن تجد من رهبانها من يعرف قراءة الخط أو يمسك بالقلم، كما كان الحال في دير القديس جالينوس عام1291م،:" بينما كان هذا كله يحدث في الغرب ، كانت آلاف مؤلفة من المدارس في القرى والمدن تستقبل ملايين البنين والبنات، .. يتقدمون خطوة تلو الأخرى في المبادئ لقواعد اللغة...عن رغبة وإيمان، لأن من واجب كل مسلم أن يقرأ القرآن ، وهنا تتسع الهوة بين الشرق والغرب أيضا، فالكتاب المقدس لايجد الناس إليه سبيلا إذا استثنينا الكهنة ورجال الدين ..على خلاف ذك كانت الحال في العالم الإسلامي، لقد اهتمت الدولة بتعليم الرعية... لقد قدم العرب بجامعاتهم التي بدأت تزدهر منذ القرن التاسع ، والتي جذبت إليها منذ عهد البابا سلفستروس الثاني عددا من الغربيين من جانبي جبال البرانس ظل يتزايد حتى صار تيارا فكريا دائما، فقدم العرب بها للغرب نموذجا لأعداد المعلمين لمهن الحياة العامة وللبحث العلمي "(شمس العرب ص393-398)، فليس لمثل هذه الأمة أن تقوم بحرق المكتبات، ولا بالإعراض عن اقتناء الكتب وفحصها، كما أنه:" فلم يكن العربي يرضى ان يحرق فمه بأفكار سرقها عن غيره،فمن يرغب من المعلمين ان يحاضر عن كتاب يغيره ، وجب عليه أن يحصل أولا على إجازة من مؤلف هذا الكتاب"(ص398)

دفاع زيجريد عن المرأة المسلمة..والقرآن المجيد
تحت عنوان (المرأة مضطهدة تنال الخسف في الإسلام)،في الفصل عرضت هونكه بعض الصور المتخيلة في الغرب عن المرأة المسلمة، مثل انها إحدى زوجات أربع قابعة خلف جدران(الحرملك) ،لم تُخلق إلا لإشباع رغبات الرجل،إلخ..وقالت:" والحق أن الإسلام برئ من كل هذا" ثم قالت:" إن القرآن الكريم بصفته الدستور الإلهي الذي ينص على التشريعات والحدود المنظمة لكافة المجالات الدينية والدنيوية، الشخصية والعامة؛ إنما يؤكد أنه لافرق بين الذكر والأنثى، لا في الجوهر ولا في التكريم، وساوى بينهما مساواة تامة في كافة العبادات وأمور العقيدة، وفي الناحية الخلقية الإنسانية البحتة كما في الأمور المادية والإجتماعية، بل إن أجر المرأة مساو لأجر الرجل"..ولهن مثل الذي عليهم بالمعروف.."(البقرة:228)، على أن تتمة الآية(228 من سورة البقرة) تبدو لنا وكأنها نقضت كل مايقال عن المساواة بين الذكر والأنثى:" وللرجال عليهن درجة"؛ فعلى المرأة إذن أن تطيع الرجل... ولاشك أن العربي لايجد أي تناقض أو تعارض هنا؛ ذلك أن هذه الدرجة لاتعني بحال تفضيلا خلقيا، بمعنى سمو الرجل مكانة عن المرأة، الأمر المغاير لمعنى الطاعة ومبررها يجى"يهو" وبولس الرسول والقديس توماس ومارتن لوثر؛ إذ إن طاعة المرأة لديهم جميعا تعني العقاب الإلهي للمرأة لاتكابها الخطيئة الأصلية الأولى، لأن حواء لديهم غوت وأغوت آدم، وإنما وسوست لهما كليهما، ولم يجعل الإسلام تلك الخطيئة وراثية. وإن الجنسين متكافئان خلقا نفخ الله فيهما الروح، والروح لاتموت... وكلمة الإسلام تعني لغة الامتثال لقضاء الله في خضوع واستسلام، والسلام ايضا صفة تميز السلوك بين الجنسين، ففي تعاملهما فيما بينهما تخضع هذه العلاقة للإمتثال القائم على الثقة والخضوع والولاء ولاتعني الطاعة" عبئا ينوء المرء تحته معانيا؛ بل إن المرء ليتمتع بخضوعه هنا، دون الحط من قدره، بل إنه ليبلغ بخضوعه أسمى الدرجات ، سواء في عبودية لله، أو في حبه لمن يحب... وساوى بينهم وبين الذكور في التربية، وبين ضرورة تعلم الجنسين"طلب العلم فريضة على كل مسلم"،"النساء شقائق الرجال"(الله ليس كذلك ص 61-64)
تكلمت هونكه ايضا على "تصور آخر خاطئ بشغل بال الأوروبي ويستبد به مجاوزا كل حد وقصد، على استثارته للطعن في خلفيات الإسلام؛ ذلك هو إباجة تعدد الزوجات "فتؤكد على أن الإقتصار على زوجة واحدة هو الصورة المثلى عند المسلمين والتعدد استثناء، وللتعدد ظروفه مشروط بشروطها"فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً "، تقول:" وفي هذا تنبيه كاف للمسلم قبل الإقدام على الأخذ بتلك الرخصة"( ص 65)
وتضيف انه كما للرجل حق الطلاق فللمرأة حق الخلع، وللمرأة حق التصرف في صداقهاـ وماتبقى إذا حدث طلاق، يدفعه الرد لتأمين وضعها ماديا، و:" ان يوفر لها نفقتها وكسوتها وكل ماتقتضيه الحياة الزوجية"واستخلصت:" وذلك يقودنا إلى جوهر العلاقة بينهما"(ص65)، وراحت هونكه تذكر فعل المرأة المسلمة في التاريخ بدء من خديجة رضي الله عنها ومرورا على نساء الأندلس :" لقد أدهشتنا المرأة الأندلسية بحضورها المشارك في الحياة العامة واعتداد عظيم بالنفس"(ص68)، عرجت ايضا على وضع المرأة في العصر الحديث وطالبت المرأة المسلمة بالحفاظ على أصالتها وحجابها وأن لاتتخذ المرأة الغربية قدوة لها(ص71)
فالمرأة ممجدة في الإسلام كما قالت هونكه، وتمجيدها ورفعتها برزت في مجالات كثيرة في الحياة كما أنها صارت حاضرة في الأدب والشعر، بإعتبارها إنسانة لها تأثيرها الإنساني الفريد على الرجل والأجيال كلها(انظر ص58)
تقول هونكه انه على العكس من موقف الأوروبي القديم فإن الرجل المسلم يتزلف إلى المرأة وهو يخطب ودها ويقدسها(تقصد أن يعلي من شأنها لدرجة احترام كبيرة)، ففي الغرب كـأن العملية تعاقدية، أما عند العرب فهناك عدم تزلف من جنس لجنس واعتداد بالنفس يفضي إلى عدم بذل الجهد في إرضاء المرأة، تقول هونكه إن هذا التصور يخالف ماهو شائع عن المرأة عند العرب من أنها ظلمت في الإسلام، وفي ظل حضارته الكبرى، تذكر هونكه أنه التاريخ الإسلامي لايحتفظ لنا فقط بدور خديجة في التجارة، ولكن فيما بعد الإسلام بدور نساء كن يدرسن العلوم الشرعية والطبيعية للرجال:" وشاهد الناس يدات يدرسن القانون والشرع ويلقين المحاضرات في المساجد ويفسرن أحكام الدين، فكانت السيدة تنهي دراستها على يد كبار العلماء ثم تنال منهم تصريحا لتدرس هي بنفسها ماتعلمته ،فتصبح الأستاذة الشيخة، كما لمعت من بينهن اديبات وشاعرات، والناس لاترى في ذلك غضاضة او خروجا على التقاليد. إن النساء في صدر الإسلام لم يكن مظلومات او مقيدات"(شمس العرب تسطع على الغرب ص 470) غير أن امور حدثت في عالم الإسلام غيرت وبدلت، حتى في الأندلس وقصور العباسيين:" والإسلام بريء من كل ماحدث، والرسول لم يأمر قط بحجب النساء عن المجتمع"(شمس العرب ص470) ورغم كل شيء فقي بقيت المرأة العربية في صدر الإسلام متعزة بنفسها وكرامتها..حتى إن البدوية نفسها في القرون الإسلامية الأولى كانت اكثر حرية وكرامة من سيدات الطبقة الراقية في قصور دمشق(انظر شمس العرب ص472)
موقف الإسلام من براءة ولادة الإنسان
تحت عنوان الصورة السائدة عن الإنسان المسلم، كتبت هونكه أن نقص المعرفة الغربية عن الإنسان المسلم يسبب التصورات الخاطئة.
فأولا:" فالإسلام لايقول أساسا بوارث الخطيئة الأصلية" ولا بأن أول إنسان كان أثيما، بمعنى أن الخطيئة أو الإثم ليس أصل الفطرة التي فطر الإنسان عليها، بل إن الإثم قد يغتفر إذا تاب الإنسان توبة نصوحا، حيث يغفر التواب الرحيم الذنوب"(الله ليس كذلك ص 37)، فالإنسان كما عبرت هونكه:" يحمل في ذاته مانفخه الله فيه من روحه، وهو في الوقت نفسه عبد لله، كفء لحمل التكليف، خليفة في الأرض"(ص38)
ثانيا..الخلاص،فعلى عكس ماتستند إليه النصرانية من فهمها للعهد القديم وركونها إلى رسائل بولس عن خلاص الإنسان بموت المسيح:" على العكس من ذلك يرى الإسلام شموله للعالم أجمع بوصفه"دين الفطرة التي فطر الله الناس عليها منذ بدء الخلق"(الله ليس كذلك ص38)​
 
من الملاحظ أن هذه المؤلفة كانت قريبة من سياسة النازيين في الثلاثينيات في القرن الماضي ورأت أن المسيحية غريبة على الطابع الأوروبي ، بل هي ، كما تقول ، (شرقية ) و(يهودية) أصلا . أما زوجها فلم يكن (مستشرقا كبيرا) كما يزعم هنا ، بل كان ديبلوماسيا في طنجة بالمغرب بلا علاقة بالاستشراق الأكاديمي . الرجاء : كشف الخلفيات الفكرية لهذه المؤلفة وعرضها بعدم الانحياز كما هو مطلوب على الصفحات للملتقى العلمي هذا .
 
الاستشراق والاستشراق الاكاديمي قسمة خرافية. هناك دراسات شرقية واستشراق. الرجل كان مستشرق، أما المؤلفة آمسيحية هي أم نازية أم من شياطين الإنس لا يهمنا في شيء ولا أعتقد أن الموضوع في سيرتها الذاتية. اذن: اذا هناك مشاركة استاذ موراني فلتكن في الموضوع هل تتفق أم لا و ما حججك وقرائنك، بينها. بلاش تشتيت كل موضوع حول الاستشراق بخرافة التمييز بين هذا استشراق اكاديمي و الآخر دبلوماسي والثالث نازي والعاشر من الحقبة الحجرية.

تابع استاذ طارق الله يخليك بدون الالتفات الى الشرق الاكاديمي والشرق الدبلوماسي. الله يعينك.
 
أتمنى أن يتعوض المشارك شايب على الأساليب المأدبة في هذا الملتقى العلمي وعلى الحفظ بالعبارات المسلم بها في فهذه الدائرة .
 
كما أتمنى عدم تشتيت كل موضوع في الإستشراق بالقسمة الخرافية بين شرق دبلوماسي وإستشراق أكاديمي.
هذا موضوع يتطرق إلى كتاب: يعني ليس الحديث هنا عن موضوع الإستشراق، و لا عن السيرة الذاتية للمؤلفة، ولا المستشرق الطنجوي. عندما تتوقف محاولات تشتيت المواضيع وإحترام محتوياتها بتعليقات علمية متصلة بهدف تلك المواضيع، سوف أغض الطرف عن القسمة الخرافية والذاتية في مادة ش ر ق.
 
يتبع -بقية
وان شاء الله نعرض هنا جواهر علم المؤلفة عن الاسلام وتاريخ حضارته
هناك فيلم من إنتاج قناة تلفزية ألمانية حول التراث العلمي الحضاري الإسلامي المسروق.
أعتقد أن الفلم نقل إلى العربية بنص مكتوب. وربما تمحور الفلم حول إنتاج تم إخفاءه كما تم ويتم إخفاء كثير من الأبحاث الأثرية من طرف علماء آثار توجههم إلحادي إيديولوجي إلى يومنا هذا، ولم يتعرض الفلم لما تم تخريبه وتدميره نهائيا.
هذا الفلم مثل تلك الكتب إن لم تكشف عن شيء فإنها تكشف عن وجود قليل يسير مما تبقى من التراث يجب دراسته والتنقيب عنه، وطرح أسئلة عملية حوله سواء ذاك الذي في العالم الإسلامي التي يتعرض وللأسف للتهميش وللتعامل اللاعلمي أم غيره خارج العالم الإسلامي والذي يجب أن نعامله بأسئلة من نوع آخر تماما. الهولندي Jan P. Hogendijk متخصص في تاريخ علوم الرياضيات كشف عن وجود مخطوطات (أنظر الصورة المرفقة) تبين أن علماء في الحضارة الإسلامية توصلوا إلى حل معادلات رياضية من الدرجات المتقدمة. أين هي، لم لم تصنف وينشر التصنيف؟ أسئلة كثيرة يجب أن تطرح، والكتب التي ألفت من هذا النوع أراها كتب تطرح نفس الأسئلة لكن بشكل غير مباشر و من زوايا أخرى.


ملاحظة: المرجو من المشرفين نقل المداخلات في تعريف، تصنيف وتقسيم الإستشراق إلى موضوع "حوار حول الإستشراق المعاصر".
 
من الملاحظ أن هذه المؤلفة كانت قريبة من سياسة النازيين في الثلاثينيات في القرن الماضي ورأت أن المسيحية غريبة على الطابع الأوروبي ، بل هي ، كما تقول ، (شرقية ) و(يهودية) أصلا . أما زوجها فلم يكن (مستشرقا كبيرا) كما يزعم هنا ، بل كان ديبلوماسيا في طنجة بالمغرب بلا علاقة بالاستشراق الأكاديمي . الرجاء : كشف الخلفيات الفكرية لهذه المؤلفة وعرضها بعدم الانحياز كما هو مطلوب على الصفحات للملتقى العلمي هذا .
زوجها كان دبلوماسيا، هذا أروق لي يادكتور موراني، إمرأة تحررت من المركزية الأوروبية !، أو كان مستشرقا فإمرأة جادة ، عالمة، هدمت المنظومة الإستشراقية من داخلها وخلخلتها ، ولامانع من تصحيح المعلومة،ان كان زوجها دبلوماسيا لااستشراقيا، فمثله وهو مراد هوفمان كان أيضا دبلوماسيا (ألمانيا)في الجزائر والمغرب وأسلم (وأسلمت زوجته)وكتب كتبا في الرد على الفلاسفة ،والمسيحيين وعقائدهم ،بمختلف لاهوتياتها، وكذلك رد على المستشرقين، وقال في حضارتنا الإسلامية قولا جميلا جليلا، وأرجع مصدرها إلى الوحي وتخليقه للحضاريين المسلمين الذي تشكلوا بنصوص الوحي الذي تنكر أنت مصدره لموقفك العلماني لو قلنا بالتجرد.
لامانع أن يكون دبلوماسيا فالدبلوماسيون يُسلمون ، وزوجاتهم يتعرضن لأنوار مشكاة الإسلام وبعضهن يصبحن نور على نور، وكذلك الأطباء الغربيون يُسلمون، وملايين من الأوروبيين يُسلمون.
اما كلام حضرتك عن هونكه فهات دليل حضرتك التاريخي!، وأنها بقيت علي موقفها من القرب من النازية ساعة كتابتها كتابها الاول عن حضارة الاسلام وفضله على اوروبا(وهل يجتمع مدح النازية مع مدح الحضارة الإسلامية والقول بأنها أفادت الغرب كله، وهذا كلام يعلو على الفكر النازي العنصري بل الفكر الغربي السائد، هات من كلامها وتاريخها انها بقيت على موقف النازية او قريب منها حتى أثر ذلك على كتاباتها وبراهينها في استفادة أوروبا من الإسلام وعلومه المختلفة، وحتى لو آتيتنا بالدليل على أنها كانت قريبة من النازية في شبابها او حتى في كهولتها فهو حجة عليك لا لك، لأننا لو أسقطنا المؤلفة لسبب قربها من النازيين، فإن علينا في جملة واحدة، وبحجة أنت اهديتنا اياها أن نسقط علماء وفلاسفة علمانيون(مقتنع حضرتك ببعض افكارهم في علوم الإجتماع والإنسان والفلسفة العلمانية) كانوا يدعمون النازية وغيرها من الحركات والأفكار الفاشية والإيديولوجيات المحتقرة للشعوب المتدينة والأديان، وقد أفسدت تطبيقات نظرياتهم في الأرض ومنها أفكار دوركاييم ومنها الداروينية التي استعملها علماء غربيون المان وغيرهم في اقامة نظريات عنصرية وإتخاذ موقف من الأجناس البشرية، ومنهم من لهم تأثير داخل النظريات العلمانية التي تؤمن حضرتك بها، ومن المعلوم ان كثير من النظريات التي تؤمن بها من علوم الإنسان والمجتمع وماهو مركوم في بينات نظرياتها وايديولوجياتها هو من بنات قرائح علماء وفلاسفة ومستشرقيين أيدوا النازية!، والفاشية، والأنظمة التي استعمرت وقتلت.
وهناك فلاسفة ألمان وعلماء اجتماع وانسان ساندوا النازية ، هل تريد أسماء، هل تريد أن اكتب لك عن دور علماء اجتماع وفلاسفة أسسوا أفكارا وعلوما واخترعوا مباديء ونظريات انت تستند إليها ،في علمانيتك الإستشراقية بل علمانيتك الحياتية، وهم أساتذتك في النظر إلى الوحي والغيب والأديان والروح والكتب والنصوص والمخطوطات، والشرق والغرب؟!
فلماذا تُحاسب زيجريد هونكه على قربها من النازية في الثلاثينات من القرن الفائت وقد كانت شابة صغيرة وقتذاك ، هذا لو صح قولك، ولاتحاسب علماء، غربيون شاخوا في علومهم، لهم قواعد ومباديء وعلوم واستنتاجات محترمة عندك د. موراني أحرام عليها(وهي الغربية!) حلال عليكم!؟ فإذا أسقطها وتريدنا إسقاطها فلتُسقط البنيان الممتد في نفسك، والمكون من وشائح وعناصر شارك في تأسيسها وتشغيلها في النفسية والعقل الغربي فلاسفة ايدوا النازية والفاشية والبروسية واللينينية وغيرها
وهل من المقبول اسقاط دفاع مؤلفة غربية عن الإسلام، او التهوين من اطروحتها وبراهينها ، وقد جاءت بالأدلة القاصمة، لأنها كانت قريبة من النازية، وهي طفلة(الطفل هو الأقل من 18 سنة)ومتى كانت قريبة من النازية في الثلاثينات، وقد ولدت في 1913، اي كان عمرها عشرون عاما، او اقل أو أكثر (معذرة فلقد كنتُ بليدا في الحساب)فلما تحجب عنا تطورها النفسي والفكري(الخلفية الفكرية التي تطالبنا بها) الذي كونته فيما بعد اي تطورها الفكري فيما يزيد عن نصف قرن، هل نصف قرن لاتساوي شيئا عندكم معاشر المستشرقين العلمانيين؟
يبدو ذلك د. موراني، فحضارة (المدة الطويلة)، أي 800 سنة، لاتساوي عند بعضكم شيئا، وهي على كل حال حضارة لم تخرج من القطب الشمالي او الجنوبي او من بلاد الصقيع أو من بلاد الواق واق، وإنما تنشأت وتكونت وتحركت وتقدمت وصدرت وولدت وابتعثت وتصنعت وتربت وتخلقت وتعلمت وقرأت ودرست، وفهمت وانطلقت، من مكة، من عند سيدها البشري الأول رسول الله المحمود والمبعوث لرحمة العالمين، وقد وصلت الرحمة أوروبا، وأنصفتها إمرأة ألمانية ولدت في العقد الثاني من القرن الفائت ، أنصفتها إمرأة ، وأجحفتها وزيفتها وحجبتها وكتمتها رجالات وفلاسفة، وعلماء ومستشرقون .
إمرأة غلبت آلاف الفلاسفة فإنتصرت عليهم كما انتصر الإسلام على أمثالهم من القدماء،فهل تحاسبها على موقفها في العشرينات من عمرها وتحجب موقفها في الستينات والسبعينات والثمانينات، وهي التي مدحت رؤءساء (ألمانيا مابعد النازية ) في كتبها الثلاثة المشهورة وذكرت انهم على مآدب أو موائد الطعام الدبلوماسية، التي تقيمها الأمة الألمانية، يشيدون دائما أمام الضيوف العرب بأن للعرب والإسلام فضل على الغرب كله، فهل هذه نازية تجري في عروقها؟
ومارأيك في المستشرقين-اساتذتك في الفن سيد موراني- الذين كانوا خدما للإستعمار الغربي-وانت تبجلهم وتستعين بهم وتتلمذت على مواقفهم وأفكارهم- ومنهم الهولنديون والأوروبيون من كل شكل ولون!، فهل عملهم هذا لم يكن قريب من أعمال النازية والفاشية والصليبية والإستعمار؟
فهل يمكن أن تسقطهم من عملية التبجيل المستمرة التي تتلبس روحك ، ونفسك الكريمة، ومن ثم تسقط كل البناء العلمي الذي اقمت عليه صرح موقفك الإستشراقي..لأنهم كانوا قريبون بل يخدمون الوحشية الأوروبية القديمة في استعمار الشعوب وقتل كثير من ابناءها؟
انا ياسيدي ضد النازية، ولكن هل للنازية تأثير في اطروحة هونكه عن الحضارة الإسلامية، مع العلم أن وزارة الخارجية الهولندية اصدرت كتابا تذكر فيه أغلب نتائج زيغريد هونكه، وهم ، كما أنا، ضد النازية كما تعلم؟
هل حجج السيدة العظيمة زيجريد ، عن تاريخ الحضارة الإسلامية وتأثيرها على الغرب كله، حجج نازية لانها وهي طفلة لاتتجاوز الثامنة عشر كانت (قريبة!) من النازية..؟
وهل يمكن ان تحضر نازية مع زوجها الدبلوماسي في بلاد العرب، في الستينات والسبعينات- كل موائد دبلوماسية مابعد النازية؟
وهل يتزوج الدبلوماسيون عندكم نازيات من نوع السيدة هونكه؟
وسؤالي الأخير هل لم تشارك انت في موقف من مواقف النازية وأنت شاب في عمرها العشريني؟
ثم هل يمكن التعليق على مادة علمية عن حضارة وبراهين علمية وتاريخية (للتنفير منها ربما) بالإشارة أن كاتبها كان نازي في مرحلة الشباب من عمره؟
اين موقفك من موضوعها لا ذاتها، أنحن نتكلم عن مواضيع أم ذوات؟
نعم انا معك يمكننا أن نتكلم عن الأشخاص وتكوينهم النفسي والعلمي، ولكن هذه واحدة من المسائل التي يمكن الكلام عليها، ولامانع من التحاور حولها ، ولكن هل ستقف عند هذا الحد ام ستتناول الموضوع ايضا، فتكمل نقدك العلمي مشتملا على أدلة ؟
ومرة أخرى الرجاء توثيق كلام حضرتكم عن نازية هونكه وان لنازيتها القديمة، في الثلاثينيات من القرن الماضي-كان عمرها20 عاما او25 عاما، تأثير على كتاباتها الستينية والسبعينية ومابعد ذلك، عاشت من 1913 إلى نهاية القرن!!!؟
 
السيد طارق منينة :
أنا أترك مشاركتك الأخيرة أعلاها جانبا لأن الحماسة مسيطرة عليها بغير علم . الأسئلة المتكررة من جانبك : ربما تجد إجابة عليها في المصادر في الشبكة وفي المجلات العلمية الاستشراقية الأروبية العلمية . فللعلم : هي انضمت إلى فرقة دينية معينة يمكنك البحث عنها في سيرتها . فأقول: البحث أولا وبعده العرض الدقيق العلمي وبالأساليب العلمية وبعبارة مؤدبة .
 
اذن لتعلق على موقفها العلمي والحضاري من الإسلام وحضارته، فهذا هو موضوعنا، اليس كذلك؟
 
شكرا للأستاذ طارق هذا التعريف وننتظر اكماله لمزيد الفائدة ..
كما أشكر المعلقين، وإن كنت اتحفظ على نبرة غير مستحسنة في نقاشنا العلمي في هذا الملتقى، وسأعلق عليها بإيجاز لأتيح المساحة الأوفر لصاحب الموضوع لإكماله .

- في عبارة د. موراني هذه :
الرجاء : كشف الخلفيات الفكرية لهذه المؤلفة وعرضها بعدم الانحياز كما هو مطلوب على الصفحات للملتقى العلمي هذا
قد يفهم منها قارئٌ أن الأخ طارق منينة قد يتعمد إخفاء معلومة مؤثرة في إبراز فكر الكاتبة، وهذا غير صحيح؛ نعم قد يتجاهل معلومة قصداً إذا رأى أنها غير مؤثرة أو ليس مجال الإسهاب فيها . ومن حق د. موراني أن يبرز النقطة التي يراها مؤثرة دون الإشارة ولو تلميحاً لانحياز الكاتب لفكرة دون أخرى .

- كما أني لا أتفق مع أ. شايب زواشثتي في نبرته هذه ضد د. موراني
تابع استاذ طارق الله يخليك بدون الالتفات الى الشرق الاكاديمي والشرق الدبلوماسي
وأعرف أن نقاشكم في موضوع الإستشراق المعاصر هو الدافع لهذه النبرة، ولكن يمكنك التعليق على ما كتبه د. موراني دون القصد إلى تهميش كلامه، فإن فيه ما فيه . وتبقى الدائرة مفتوحة للطرح العلمي والبرهنة على ما نعتقد، وإن كان أعجبني أنك طلبت نقل الحديث في الإستشراق المعاصر إلى موضعه في ذاك الموضوع المفتوح سابقاً.

- وتفاعل د. موراني مع الموقف السابق بأسلوب غير جيد _ ويتناقض مع ما أشار له من أدب للملتقى _ وأحسب أنه يمكن تجنبه لما هو أمثل لإيصال رسالته وتحقيق ما ينشده :
أتمنى أن يتعود المشارك شايب على الأساليب المأدبة في هذا الملتقى العلمي وعلى الحفظ بالعبارات المسلم بها في فهذه الدائرة .

- ثم يا د. موراني إن أ.طارق يتحدث في الموضوع بما يراه من أدلة وبراهين، وإن كنت يا د. موراني ترى أن أسلوبه عاطفي وغير علمي كما ذكرت هنا :
السيد طارق منينة :
أنا أترك مشاركتك الأخيرة أعلاها جانبا لأن الحماسة مسيطرة عليها بغير علم
فكان الحري بك كمتخصص وأكاديمي كشف الأسلوب الحماسي والبعيد عن العلمية في كلام طارق! دون التهويل بعبارات يمكن أيُّ أحد أن يطلقها على من خالفه.

وما سبق هي مجرد تعليقات سريعة، وأكرر فتح باب المحاورة العلمية في هذا الموضوع لنخرج بفوائده .
 
حاتم القرشي :
نعم : يتعود على شيء .
وبعد : لا أتفق على ما يقول الشباب (؟) في هذا الأمر. بل أرى في قولهم قلة البحث التي ربما تعود إلى الحاجز اللغوي من ناحية وإلى قلة العلم في الخلفيات التارخية التي لمستها أعلاه موجزا .
 
يادكتور موراني هل النتائج التي استخلصتها الدكتورة زيجريد غير صحيحة علميا، دعنا نتعرف على فكرتك وطرحك حفظك الله.
 
النازية = إيديولوجية إلحادية مبنية على الماركسية العلمية (وهي إلحادية) في جانبها الإشتراكي + القومية.
فهل هذه النازية أثرت في النتائج التي إستخلصتها زيجريد بما أدى إلى الأخطاء في تلك النتائج؟ نعم: كيف، بين وحاجج.
ضع مكان النازية أي حركة أو إيديولوجية أخرى سياسية أم سياسية دينية كانت.
المهم هو أن نفهم علاقة السيرة الذاتية والنشاط الحركي بهذا البحث في جانب من جوانب الحضارة الإسلامية.
و د. موراني: إن أردت مواصلة إطلاق الأحكام دون تبرير حجاجي فأمامك حرية وضع الروابط باللغات الآتية: الإنجليزية، الألمانية، الهولندية أو الفرنسية. بشرط واحد وهو أن يرتبط النص بهذا الموضوع: تأثير فكر/إنتماء الدكتورة زيجريد في أبحاثها بالحجج والبراهين. أما ما عدا ذلك من الإفتراضات والـتأريخات لسيرتها الذاتية، فلا فائدة فيها ولا علاقة لها بالموضوع.

أشكر الجميع وخاصة شيخنا الدكتور حاتم، كما أقدم إعتذاري لملتقى الإنتصار ولشخص د. موراني إن صدرت مني أي إساءة من أي نوع.
 
رحم الله زيقريد هونكه وأسأله عزوجل لنا ولأخينا مراد هوفمان التسديد والثبات على الحق ، ولقد سعدت بلقاء هاتين الشخصيتين .
ومع مكنون النفس الممتلئة بالتقدير لهاتين الشخصيتين وغيرهما كثير ، إلا أنني أدعو إلى عدم ترجمة أكثر أعمال المستشرقين بمن فيهم من أسلم منهم ، وأستثني كتبهم التي يروون فيها قصص دخولهم في الإسلام !
لماذا هذه الدعوة ؟
السبب هو أنني لمست - في مناسبات عديدة - من بعضهم شططا وأحيانا كثيرة خطأ في فهمهم لبعض جوانب شريعة الإسلام وقراءة مختلة مرتبكة لتاريخ المسلمين وجهلا بمصادر التشريع وحجية الأدلة !
رأيت بعضم وقد دعوا لإلقاء محاضرات في موضوعات فكرية - زعموا - فإذابهم عقيب كلمات الثناء والإطراء عليهم من بعض المسلمين المشاركين الذين لسان حالهم يكاد يقول كيف لهذاالدين أن يؤمن به أمثال هؤلاء المفكرين !!! - عياذا بالله - فإذا بنا ندفعهم بمثل هذا الإطراء إلى أن تزل بهم القدم ليبدؤا في إصدار الفتاوى في عويص المسائل الشرعية ، لا بل يشرعون في محاكمة أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، لا بل حتى الخلفاء الراشدين منهم ، فيجهلون ويحملون على من يشاؤون منهم ويبرؤون من يشاؤون !
لهذا فلتبق مؤلفاتهم حبيسة اللغات التي كتبت بها ، وليقصر توجيه خطابهم على أهل لسانهم ، ذلك أدعى لاستجابة مواطني بلدانهم ، وأحفظ لدين المسلمين من شطحا تهم ..
 
النازية = إيديولوجية إلحادية مبنية على الماركسية العلمية (وهي إلحادية) في جانبها الإشتراكي + القومية.
هل أنت بخير؟ المؤلفة انضمت إلي حزب النازيين تحت الحكم
Hitler
هل فهمت الرسالة ، أم لا ؟ ولذلك: البحث حول الخلفيات الفكرية لهذه المؤلفة وسيرتها بعد ١٩٤٥ في ألمانيا من الضروريات العلمية ....


 
أنت تعيد نفسك وتدور في نفس الدائرة يا أستاذ موراني. أنا بخير وأنا لست مهتما بسيرتها، إذن أنا لن أناقش معك هذا الإدعاء ولا سؤال (من كان يجرؤ على اللاإنتماء للحزب الحاكم إبان الحكم النازي الهتليري ولا من كان يجرؤ على اللاإنتماء إلى الحزب الحاكم إبان الحكم الشيوعي اللينيني) ولن أناقش معك إدعاء علمية البحث في خلفيات الباحث (هذا صحيح في الإسلام والإسلام فقط وليس في كل الإسلام كالإجتهاد والفكر بل في الدين فقط أي في نقل الدين)..
الذي يهمني هو أن تبين الأخطاء في النتائج التي توصلت إليها. بمعنى آخر هل خلفيتها النازية أو الـXية أثّرت في بحثها بما أدى إلى إستخلاص نتائج وأحكام خاطئة؟ إذا أجبت بالإثبات، فبين وحاجج.
 
هل يمكن ان ندخل في حوار بهذه الطريقة؟
يادكتور إن كان لايهمك التواصل فالرجاء إهمال الموضوع، وإن كان يهمك فعليك أن لاتحيلنا على لغات أجنبية لنستقي منها معلوماتنا، فالقراء هنا يتواصلون بالعربية، وأنت تُعقب على موضوع بالعربية ، فبهذه الطريقة أنت تُغلق الأفهام عن التواصل معك، بل والأكثر من ذلك أن تصنع لك شخصية في منتيدات الحوار الرفيعة المستوى تعطي انطباعا أنك تنسحب دائما ولاتقدم معلومة مكتوبة واضحة، وكذلك تفعلون..هنا
ف إن اردت ممارسة طريقة المدرس والطالب.. على الطريقة الإنترنتية، بمعني أن المدرس يجلس خلف الكمبيوتر وكلما سأله التلميذ لماذا تقول هذا، فإنه لايجيبه مباشرة، وإنما يحيله إلى العم جوجل السامي!
ومع ذلك وأياكانت طرقتك فنحن كطلاب علم نرجو للإنسانية أن تهتدي إلى ديننا العظيم وحضارتنا وقيمها ,اصولها ومصدرها الفريد، او ان تفهم مقاصدنا على الاقل، ولذلك لانمل من الحديث معك كأستاذ له مكانته في موقع كرسيه الجامعي، مع اني إلى الآن لاأعرف منهجك الخاص ونظرياتك المنتخبة التي تقوم بها بتحليل...أي شيء..الإسلام..المسيحية.. اليهودية... النازية.. الإستعمار الأوروبي.. الرأسمالية أو الإشتراكية... مذاهب ساقطة في علوم الاجتماع والإنسان واللغة!
نصبر على كل حال حتى يأتينا اليقين، فالإنسان هو التواصل.. وكذلك فعلنا، كما شرحت هونكه، لو كنتم تعلمون؟
 
- الإستشراق الأكاديمي والشرق الدبلوماسي.
- السيرة الذاتية بما لا علاقة له بالموضوع المطروح.
محاولتين إن نحن إستمررنا على هذا المنوال فحتما سوف نشتت موضوع صاحب "سلسلة إنهيار شرفات الإستشراق"، الأستاذ طارق منينة.
ادعاء ؟
ربما يفهم أحدكم هذه السطور ويقدمها إلى القرّاء المهتمين :
Personen - Google Books
أنا لست مشرفا في هذا الملتقى غير أنني أنصح لك عدم الدخول في أمور سياسية لا علاقة لها بالقضية المطورحة هنا . ربما تجد منتديات أخرى قد يرحب المشاركون فيها مشكورا بوضعك الرابط أعلاه .

المصدر: http://vb.tafsir.net/198557-post14.html

ما قلته لي بالأمس ينطبق عليك اليوم د. موراني. أليس كذلك؟
معاداة السامية مصطلح سياسي وكل الكلام في المجلد الثاني من ذاك الكتاب سياسة! ولا علاقة له بالموضوع.
ليس لأنك تستطيع وضع الروابط معناه أن تضع الروابط بالشكل الذي تريد ويحلو لك.
الذي يهمنا في هذا الموضوع هو أن تبين الأخطاء في النتائج التي توصلت إليها المؤلفة. بمعنى آخر هل خلفيتها النازية أو الــXيـة أثّرت في بحثها بما أدى إلى إستخلاص نتائج وأحكام خاطئة؟ إذا أجبت بالإثبات، فبين وحاجج.
أما الجانب الحركي والإنتمائي من سيرتها الذاتية فعديم الأهمية هنا. ونفس الشيء يقال في مؤلفات مئات الشخصيات الأخرى التي ضمنها ذاك الكتاب.
 
كتب هونكه من صنْف (العلم المبسَّط) ولا علاقة لها بالاستشراق بالمفهوم الصحيح لهذه العبارة . أليس غريبا عدم وجود أي مقال أو دراسة في المجلات الاستشراقية العلمية في ألمانيا وخارجها ؟ ومن هنا وباعتباري مستشرقا لا أرى فائدة في التحليلات لما كتبت هذه الباحثة خارج الميدان الأكاديمي الاستشراقي لا قبل الحرب العالمية باعتبارها عضوا في الحزب النازي ولا بعد عودتها إلى ألمانيا عام ١٩٤٤ من المغرب .
 
العبارة الأولى محاولة أخرى في الجنوح نحو نقاش مفهوم الإستشراق (موضوع 'حوار في مفهوم الإستشراق المعاصر').
العبارة الثانية تحمل في طياتها إشارة إلى جعل "المجلات" "الإستشراقية" معيارا للحكم بغض النظر عن طبيعة الحكم (آالبحث ضمن الإسشتراق؟ أي إستشراق؟، قيمة البحث وعمليته/علميته .. الخـ.)، وهذا ما لا نسلم به إطلاقا، أما أنا شخصيا فلا أرى فائدة في الإستشراق جملة وتفصيلا إلا ما وافق الواقع أو الحق، وإن وافق الواقع أو الحق فهو عندي شيء يتجاوز الإستشراق واللاإستشراق إلى ما هو أعلى مكانة وقيمة من الإستشراق واللاإستشراق ألا وهو: موافقة الواقع أو الحق.
العبارة الثالثة رأي ذاتي "أناوي" ولا مجال لمناقشة الآراء الذاتية ويكفي أن أرد برأيي الذاتي "الأناوي" وهو: أنا لا أرى فائدة في الإستشراق جملة وتفصيلا.

بعيدا عن المفهوميات، الإصطلاحيات، المعيارية الجانبية والتأطيرية الكلية: هناك مجال لمناقشة جزئيات البحث مناقشة علمية من وجهة نظر حضارية تاريخية، فهل وقفت يا د. موراني على أخطاء في الإستنتاجات؟ ما هي؟ وضح وبين (إن أردت حقا المشاركة في نقاش علمي نخرج منه بفوائد).
 
الرخاء في إسبانيا المسلمة، ومن ثم الريادة.
في الوقت الذي كانت حواضر الإسلام تسعي لتنوير أوروبا، كانت الحروب الصليبية المقدسة ، تتلاعب بالخيال الغربي ، في محاولة بائسة لمقاومة العلم الكوني الإسلامي.
تقوم زيجريد هونكه بدحض (الخرافة المبجلة)-في الفصل الثالث- عن بطولة شارل مارتل الذي أُعطي لقب منقذ الغرب إذ جعلوه قديسا لسبب انتصاره، في معركة بواتيه، على اصحاب الحضارة ،التي ستستعين بها أوروبا في تطوير كافة مجالات الحياة، وقد ترك العرب وراءهم، وهم منهزمون عسكريا، روح السماحة والعلم، وخلاصات القوانين العلمية والنتائج المعملية والمختبرية، والأدوية والكتب، تركوا جواهر وظلال لتنير أوروبا كلها ، تقول عن طرد الحضارة على يد سفاك دماء:" وبعد! فإن شارل مارتل ذاك-الذي شاءت دعايات الحروب الصليبية فيما بعد أن تخلع عليه هالات التمجيد والتعظيم وأنه بطل النصرانية- استولى على الممتلكات الكنسية من كنائس وأديرة وضياع وأوقاف؛ ونهب كنوزها"(الله ليس كذلك ص 50)
انها الريادة التي قاومت فتنتها الحرب المقدسة ، لكنها انتقلت عبر الكتب التنويرية الإسلامية ومن خلال التعايش السلمي وحتى مابعد طرد المسلمين في القرن الحادي عشر الميلادي، فقد أخذت مؤلفات العرب وأعمالهم:" تتدفق على أوروبا منذ القرن الحادي عشر الميلادي، وازداد تدفقها خاصة في القرن الثاني عشر، قد كان... ذا شقين: فقد صادف أعظم ترحيب لدى الدوائر أو الواحات التي احتفلت بالدراسات الطبيعية مثل المدارس العليا في فرنسان وألمانيا وإنجلترا، مثل شاتريه وريميس وأوجسبورج وكولونيا ورايشنو وأكسفورد ،حيث كانت علوم العرب تلك تُدرس بنهم شديد... ومن ناحية أخرى اصطدمت منجزات أعداء الدين حينا من الدهر بالرفض الفظ المحتدم، والشك المتهم"(الله ليس كذلك ص87)!!، تدفق، هطول!!:" كل ذلك هطل على أوروبا كالغيث على الأرض الميتة فأحياها قرونا، وخصبها إبان ذلك من نواحي متعددة، ودفعها دفعا قويا لكي تباشر بحوثها الخاصة بها. ذلك هو العطاء الثاني، وهو أسخى بكثير من سواه، ولايمكن أن يقاص فضله، والذي يدين به الغرب بل العالم كله للعرب "(الله ليس كذلك ص 82)،
فماذا ياتُري يمكن أن تكون حالة أوروبا لو لم يصل الإسلام إليها؟، وأهله :" وطئوا القارة الأوروبية في إسبانيا وصقلية حيث عاش في كنفهم الإسبان والطليان قرونا، بلغت في صقلية قرنين ونصف، وفي إسبانيا قرونا ثمانية من عام 711 حتى عام1492.."(الله ليس كذلك ص 12)
تقول هونكه:" ولو تساءلنا ماذا تُرى لو أن مسار التاريخ كان غير الذي حدث كما عهدنا ؟ أفكنا نرى أوروبا أفضل أو أسوأ ؟ أسعد أو أشقى من أوروبا التي نعرف؟ فإننا لانستطيع القطع برد يقيني! اللهم إلا القطع بأنه لو كان مسار الأحداث قد تغير، لكانت أوروبا اليوم قارة أخرى غير التي نعرف"(كتابها الله ليس كذلك ص 50،51) ولمشاركتها القلق المعرفي تدعو هونكه المؤرخين الذين أجابوا على السؤال بشكل متحيز، أن يعيدوا النظر في مواقفهم مع مقاربة تاريخية لاتعزل حقائق التاريخ الإسلامي ومنجزاته الإنسانية والحضارية.
إن الجملة الفائتة تعتبر أهم جملة يمكن تسليطها على نار الأحقاد العلمانية العربية، ومنها الحقد الذي دفع شاكر النابلسي أن يكتب كتابه (لو لم يظهر الإسلام) متهما إياه أن ظهوره نكسة تاريخية، ومثله صادق جلال العظم الذي كتب في كتابه (نقد الفكر الديني) بعد هزيمة67، مرجعا إياها إلى انتشار الإسلام في بلاد العرب، ولاغرو فكلاهما شرب حتى الثمالة من خمر العلمانية الإستشراقية والفلسفية.
تُبرز زيجريد هونكه الفرقان المبين وهي تسجل بأناملها اللطيفة سماحة المسلمين!، في ثمانية قرون أوروبية!، فتقول:" إن سماحة النفس العربية وتسامحها الآسر الغامر الذي نما وترعرع تحت الحضارة العربية الفريدة كان له أبلغ الأثر في ازدهار إسبانيا العربية-على العكس من اضطهاد "إيزيدروس" لليهود والمارقين إبان عصر القوط الغربيين"(الله ليس كذلك ص53) لقد انهي الفتح الإسلامي ظلم القوت لأهل الأندلس فصار الأمر اإنساني والعقد الإجتماعي :" لا فرق بين العرب والقوط، والبربر والمصريين، واليهود والسوريون، وسكان إيبيريا والفرس ،و...غيرهم من اليهود ومن النصارى"(نفس الصفحة)
وعم الرخاء بلاد الفقر والخراب والاستعباد.
تمتع اليهود وغيرهم بالرخاء والحرية الإسلامية ،وتميزت حواضر الإسلام بإرتفاع مستوى معيشة كل طبقات الشعب:" يبين مثال إسبانيا هذا أن تلك البلاد التي كانت قبل الحكم العربي تتسم بالفقر والخراب والاستعباد، قد استحالت بعد قرنين فحسب من الحكم العربي الى إسبانيا أخرى، رفرف الرخاء والثراء على كل ساكنيها؛ وتميزت بإرتفاع مستوى كل طبقات الشعب وإذدهار الحضارة والتمدن فيها وتقدمها في كافة العلوم والفنون، فصار لها السبق والريادة في أوروبا؛ وذلك بسبب موقف الكنيسة المعادي للفكر؛ وأمست إسبانيا العربية أسوة بها تُقتدى، ومنارا به في شتى المجالات يهتدى؛ واستمر ذلك خمسمائة عام ، كما هو ثابت تاريخيا بلا جدال؛ إلى أن زخفت إسبانيا النصرانية من الخارج فقوضت كل ذلك وحطمته حطما"(الله ليس كذلك ص53)
لولا الإسلام....
فالإسلام جاء للتحرير والتمدين للعرب وغيرهم، رحمة للعالمين، ولتحقيق إنجازات هذا الدين العظيم في واقع الناس، والوقائع التاريخية تثبت تحقق ذلك كله، أما أوروبا التي وصل الإسلام إليها، ووقف يطرق بابها بالعلم والنظافة والسماحة ، فقد استفادت منه، في تكوين كثير من أسس عقدها الإجتماعي بعد أن كانت الوحشية والحروب الأهلية والجماعية والمسيحية تحكمها، ماأحدث مجاوز وحشية في كافة ارجاء اوروبة، الأخ المسيحي ضد أخوه!!، فقتلت مئات الأولوف من النساء والرجال والأطفال، تقول هونكه عن ذلك التاريخ المر، الذي كان تدور حلقاته حتى أيام فولتير وديدرو وروسو وجريم وغيرهم ، فلاسفة التنوير(الذين شارك كثير منهم في الموافقة على مجازر)، منبهة أذهان المؤرخين إلى فضائل حضارة العرب والمسلمين، وماجلبته لأوروبا من صور التمرد، العلمية والعقلية، المنهحية والنقدية، على السلطات التي كانت تستبيح الدماء والأموال ، والأعراض والنساء ، ومن ثم التخلص منها وإحلال علوم المسلمين مكانها:" مَن مِن أولئك المؤرخين الذين احتفوا واحتفلوا بإنتصار "القيم النصرانية وكرامة الإنسان" في الصراع المفترض أنه تم بين العالمين الإسلامي والغربي النصراني ، تراه يدري كم دمعة ذرفتها المرأة كل يوم مستذلة مستضعفة وقد حملتها النصرانية وزر الخطيئة الأولى وجعلتها أم المعصية ، وألزمتها الخضوع للرجل سيدها؛ فصارت هدفا لصفعاته على امتداد خمسة عشر قرنا من الدموع؟ من منهم يدري كم ألفا من النساء حرقتهم الكنيسة أحياء على أعين الملأ فوق كومة الخشب المنصوبة للحرق بزعم أنهن ساحرات؟ بل من يستطيع حتى يومنا هذا أن يحدس عدد المؤمنين والمؤمنات ممن تعمقوا البحث في الدين، وانتهوا إلى ماإطمأنوا إليه من يقين؛ فطُردوا وأوذوا أو قُتلوا؟ وقل مثل ذلك فيمن قتل من الدارسين والعلماء الذين نبهوا إلى مافي الإنجيل من اختلاف وتناقض ؛ وكم عدد أولئك الذين ذبحوا وسفكت دماؤهم في الحروب الدينية لكونهم يدينون بدين مخالف؟"(الله ليس كذلك ص 51،52) وقد دافعت زيجريد عن حرية اليهود ، وفضحت الاضطهاد الأوروبي تجاههم ، مُذكرة بفضل الإسلام على اليهود، وهو ماينفي أن النازية كانت تتلبسها حين كتابتها تحفتها التاريخية عن الإسلام وحضارته، أولا عام1960، وثانيا عام1974، وثالثا فيما بعد ، في كتابها(الله ليس كذلك ) وفيه بعد الجملة السابقة مباشرة قولها:" وأي مدى للكره والتأليب(!) الذي جعل النصارى يعتقدون أن اضطهادهم لليهود إنما هو أخذ بالثأر لصلب المسيح"!
وتقدم زيجريد حقيقة الفرقان عن واقع الإسلام في حواضر أوروبا الإسبانية وهو ماينطبق على غيرها مثل صقلية، فتقول انه بينما:" كانت أوروبا الكاثوليكية دون جبال البرانس تقضي قضاءا مبرما على كل دين آخر يجرؤ على الظهور إلى جانب دينها الكاثوليكي ...نرى أن النصرانية لم تُستأصل ولم تضع تحت حكم العرب لإسبانيا والذي دام ثمانمئة عام ، ومثال إسبانيا يبين في الوقت نفسه كذلك أن اليهودية –والتي ...تتعرض من قبل النصارى بلا انقطاع لأقسى صنوف الاضطهاد-تمتعت في ظلال الحكم العربي-بصفة اليهود ذميين من أهل الكتاب- لأول مرة بعد الشتات بمطلق الحرية؛ إلى أن إستعادت النصرانية الحكم في إسبانيا فطردت اليهود منها"(ص53)
ثم زالت الصورة المادية للحضارة الإسلامية من أوروبا وبقيت انجازاتها، مع " الإجهاز على السماحة والتسامح نهائيا في إسبانيا"(بتعبير زيغريد هونكه ص45)، ومضيفة:" وما أن دالت دولة العرب في إسبانيا حتى إندثرت معهم أزهى وأخصب حضارة ملكتها أوروبا في العصور الوسطى، وغرقت في بحر من الرعب، وأتت فيه أمواج التعصب الديني على كل شيء وابتلعته ابتلاعا. ولم تلغ محاكم التفتيش إلا في 1834"(الله ليس كذلك ص 45)
الإستشهاد المسيحي، محاولة جاهلة.
لقد كان التسامح في الأندلس كما تقول هونكه:" أبلغ الأثر في ازدهار إسبانيا العربية...إن تلك السماحة التي يراها الإسلام شيئا مفهوما بداهة؛ جعلته يرتضي ويتقبل وجود النصرانية مطلقا؛ الأمر الذي بدا لبعض النصارى غريبا، وبالتالي استثارهم للإتيان بأفعال دافعها التعصب طلبا للإستشهاد: هكذا يسجل التاريخ قصة شاب نصراني من هؤلاء، كان يعمل كاتبا في بلاط الخليفة في قرطبة، ثم قرر أن يلتحق بأحد الأديرة ،ثم طلب إلى قاضي القضاة أن يأذن له بالمثول بين يديه، زاعما أنه راهب يبغي الدخول في الإسلام؛ فأذن له، وبدون تمهيد؛ ابتدر ذلك الراهب الشاب قاضي القضاة بالنيل من الإسلام سابا إياه سبا قبيحا؛ ناعتا نبيه بأنه كذاب لئيم وأنه في الجحيم؛ وعبثا حاول قاضي القضاة السليم الطوية أن ينقذ ذلك الشاب المتعصب بصرفه عن المضي في سبه وتجديفه حتى لايعاقب بالقتل؛ ولم يكن الشاب النصراني ليتخيل اطلاقا أن قاضيا مسلما يسعى لإنقاذ حياة غير المسلم. أما الخليفة فقد دعا إلى عقد مؤتمر للأساقفة النصارى طالبا إليه أن يصدر قراره بأن تعتبر أمثال تلك الإستفزازات والتحديات المتعمدة طلبا للقتل كأنه شهادة طبقا لبدعة شاعت آنذاك-مجرد تحمس طائش لايعاقب عليه"(الله ليس كذلك ص 54)
العلم الإسلامي يتقدم والكنيسة تقمع التلاميذ الجدد.
في الوقت الذي تحدث فيه تلك الأحداث الجاهلة والمؤسفة معا، كان التأثير الإسلامي يجري على قدم وساق، فيؤثر أيما تأثير على البنية العقلية والنفسية لعلماء غربيون جدد خلقهم العلم العربي والإسلامي وابتعثهم العلم الإسلامي للتغيير،(والسؤال ماهو مصدر هذا العلم؟).
"استقى الغرب معلوماته مباشرة من مصادر مثل بطرس فون ماري"، تحكي هونكه للنابهين.
فعلى الرغم من أن بطرس فون ماري الملقب بالحاج والذي عاد من المشرق إلى أوروبا برا، ومرورا بصقلية، على الرغم من أنه :" لم يلق أذى من قبل المراقبة الكنسية على نقيض تلميذه الشهير الإنجليزي الشاب روجر بيكون من سمرست، الذي ساقه شغفه بكل ماهو عربي إلى كارثة مفجعة، تكاد تقترب من الفجيعة الفادحة التي لقيها جوردانو برونو""(ص83)الا أن بطرس هذا:" سنحت له الفرصة أن يستمد معرفته الفنية الدقيقة بآلات الحصار العربية، حيث درس حصارهم لحصن لوكيرا وسجله، كما ألف إلى جانب ذلك رسالته الصغيرة المشهورة حول المغنطة، وهي أول رسالة علمية في الغرب عن المغنطة والبوصلة الممغنطة التي بحثها وعالجها علميا جابر بن حيان"(ص83)، وفي مؤلفه (رسالة في المغنطة) أورد بطرس رسما لبوصلة ذات أرقام عربية"(ص 88)
تؤكد هونكه أن "الثابت أن جابر بن حيان أجرى تجاربه على البوصلة في القرن الثامن، وأن البحارة العرب-وفقا لما تبقى لدينا من مصادر قديمة- قد اتخذوا البوصلة عام 854 في رحلاتهم البحرية الكبرى، واهتدوا بها في تحديد مساراتهم ، أي منذ خمسمائة عام قبل الإيطالي(تقصد الإيطالي فلافيوس جوبا من أمالفي، الذي نسب له الغرب زورا أنه اخترع البوصلة عام 1302 ؛ على أن احدا لم يشأ إدراك ذلك، فكان الأحب أن ينسب البعض اختراعها إلى الصينيين بدلال من العرب"(الله ليس كذلك ص 87)
لاشك أن فلافيوس تعرف على البوصلة قبل بطرس فون ماري، من خلال العلاقة التجارية الهامة مع العرب عن طريق الميناء الموجود في مسقط رأسه، وهو أول ميناء بحري إلى جانب البندقية:" وأغلب الظن أنه قاد بإدخالها إلى الغرب لتعم في الرحلات البحرية...إلى الملاحة البحرية في أوروبا"(الله ليس كذلك ص 88)

الإسلام ومعركة تحرير جامعة اكسفورد ،روجر بيكون نموذجا.
فالإستاذ وتلميذه روجر تأثرا وأفادا الغرب كما ترى، :" كان روجر بيكون (1211-1294) موسوعة علمية بمقياس عصره،ىوحين أهمله بنو عصره الذي ساده التعصب العقائدي، وركوع السلكة الكنسية الأعمى على أعتاب أرسطو...اعتزلهم مرتدا إلى اكسفورد المنفتحى عالميا؛ حيث تنتقل مؤلفات العرب من عالم إلأى عالم، فتملؤه حماسا الرؤية الحرة للواقع، ومسه مسا مباشرا للأمور الحقيقية ، والتوسل اليدوي الفعلي بالآلات والأشياء مادة البحث، وفحصها وتجريبها معمليا. وجماع الأمر، والذي عليه المعول، إنما هو التجريب بصفته طريقة البحث المثلى لاستخلاص القوانين، كما اتعاد علماء العرب أن يعملوا، مثل ابن الهيثم والكندي، وينسحب هذا أيضا على الرياضيات، وذلك بوضع المعادلات والقوانين وتنفيذها عمليا للإفادة منها.
هكذا أبدع روجر بيكون مستغلا قدرة الفكر على التخيل، ممهدا لظهور مخترعات وتطورات جديدة، وذلك بمواصلة تنفيذ ماأمده به التصور الفني العربي ومخيلته الشخصية"(الله ليس كذلك ص 84)
لكن هل تركته الكنيسة يتأثر بالعلم الإسلامي ويؤثر به :"لاعجب اذن أن يرتاب فيه رؤساؤه من طائفة الفرنسيسكان ويتهمونه بأنه يتدخل بأفعاله المتعمدة قصدا في تبديل خلق الله. وزاد من خطورة الأمر أنه لم يكتف إبان اشتعال الحروب الصليبية بشجبه وتنديده بالمعاملة غير الإنسانية تجاه العرب الذين كان يعتز بهم، بل لاستشهاده دائما وعلنا بعمدته من العرب والمسلمين، ولم يكن يلهج لسانه بذكرهم من علماء المسلمين بأقل من ثلاثين....وكان رد رؤسائه أن طردوا ذلك الحائد عن الطريق، المزدري كل المقدسات والسلطات الدينية سنوات عشرا من اكسفورد.
أما ذلك المنفى المطرود فقد رحل إلى باريس، حيث شاء قدره أن يعلو نجم سعده قبل أن يأفل لاحقا ويهوى في قرار سحيق"(ص84)
رحل بيكون إلى باريس ثم عاد بعد انقضاء مدة النفي(عشر سنوات) إلى اكسفورد ، لكنه ما ان عاد حتى تلقى رسالة سرية من صديقه الفرنسي الذي كان يعمل مستشارا قضائيا للملك لودفيج التاسع، وقد صار في تلك الأثناء أسقف نربون، واسمه (جي لي جروس فولكس) ، يطلب فيها هذا الأخير أن يرسل إليه مؤلفاته بأسرع مايمكنه، خشى بيكون ان لايستطيع إتمام مؤلفه الرئيسي في وقت مبكر، وهو في حالة حصار من الكنيسة وزبائنتها المتربصون، فإختصرها في موجز ومتن، وبالفعل لم يكد مؤلفه يصل إلى روما حتى عاجلته المنية ،:" هنا ثار تنظيم الرهبان الفرنسيسكان؛ إذ تخطاهم في اتصاله مباشرة بالكرسي الرسولي(البابا)، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة إلا أنه بعد خمسة عشر عاما في الحبس وافته المنية، لكنه ترك لهم انتاجه العلمي وفيه آثار العلم الإسلامي، رغما عنهم، وزينها بكلمة كان قد قالها رجل غربي(أدلهرد فون باث 1090-1160) وكان هذا الأخير قد طوف بلاد العرب، وحذق العربية ودرس-تقول هونكه- في عاصمة عربية علوم الطبيعة بالعربية، وفيها يقول أدلهرد:"إن البهائم وحدها تتبع الزمام الذي يوثقها، كذلك فإن سلطة "المؤلفات" تقود عددا ليس باليسير منكم، فأنتم أسراها المكبلون، منقادين لها بسرعة تصديقكم الحيوانية"(انظر كتاب الله ليس كذلك ص 86)
أستاذ روجر بيكون(أدلهرد) يؤكد تلمذته للعرب
فبعد أن يعود-تقول هونكه- من السعة والحرية السائدين في عالم الفكر العربي، يغدو ذاهلا مكتئبا ...ويعلن غضبه في رسالته"أسئلة إلى الطبيعة"...:" إننا إن تهاونا وقصرنا في تفهم أسرار هذا الكون الرائعة ، وجماله وجلاله البديع الحكيم، ونحن نعيش فيه، فإننا نستحق كل الاستحقاق أن نطرد منه طردا؛ لأننا نكون أشبه بالضيف الجاهل حرمة البيت وكرامته، الذي أحله اياه المضيف. لقد أتيح لي أن أتعلم شيئا من الأشاتذة العرب الحكماء عن الانقياد للعقل: أما أنت فإنك تتبع صورة فرضتها عليك هيمنة مستبدة، كأنك مقيد إلى رسن، مأخوذ بمقودك...ألا فلتعلمن أن الماشية التي يؤخذ بأزمتها إلى أية جهة، إنما لاتستطيع أن تتميز أو تستبين إلى أين ولماذا تقاد، ولاتملك إلا أن تتبع الزمام الذي يوثقها ، كذلك فإن " سلطة المؤلفات" تقود عددا ليس باليسير منكم، فأنتم أسراها المكبلون، منقادين لها كالدواب بسرعة تصديقكم الحيوانية"(الله ليس كذلك ص 86،87)
والآن ماذا فعل البعض تجاه بعض منجزات هذا العلم العريق؟
 
على مهلك ، يا صاحب الدراسات العليا في هندسة البرمجيات . لكي تكون مطمئنا : هناك استشراق أكاديمي على المستويات الجامعية وعليك التعمق بقراءة منشوراته في عديد من المجلات المتخصصة في هذا الميدان . وما هو (الواقع) وما هو (الحق) - كذا ! - فربما يتبين لك ذلك من خلال الاستقراء . العلم المبسَّط شيء (هونكه وغيرها) والاستشراق الكلاسيكي الأكادميي شيء آخر تماما. ربما ستفهم هذا بتقدم السنّ فستكون موفقا .
 
نقلة تراث الإغريق فحسب
تكتب هونكه داحضة فكرة ان العرب هم نقلة علم لا مبدعو علم بقولها:" أن تلك الحضارة الزاهرة التي غمرت بأشعتها أوروبا عدة قرون تجعلنا نعجب أشد العجب؛ إذ هي لم تكن امتدادا حضاريا لبقايا حضارات غابرة أو لهياكل حضارة محلية على قدر من الأهمية، أو أخذا لنمط حضاري موجود، أو تقليدا ينسج على مثاله المعهود؛ كما نعرف في الأقطار الأخرى مهد حضارات الشرق...إن العرب هم الذين أبدعوا إبداعا ، يكاد يكون من العدم، هذه الروعة الحضارية الشامخة في إسبانيا تلك الجنة الفريدة الجمال لأساتذة فن المعمار..والشعراء والشاعرات، والعلماء؛ بل جنة المرأة، التي نسج الغرب حولها صورا خيالية شيطانية غاية في الوحشية؛ دون أن يكون له أدنى معرفة أو حتى إلهام طفيف ضحل بها. إن هذا الازدهار الراقي لفن المعمار في قرطبة وطليطلة وغرناطة وإشبيلية، قد طورته الطاقة الخلاقة لذلك الشعب العربي فأتت بأفضل الثمار في جميع حقول الأندلس...التربة القاحلة الجدباء، والهضاب الصلدة العارية من الزرع، فقد استصلحها العرب بفضل خبرتهم الطويلة على مر القرون في حفر الآبار وأنظمة الري بالنواعير أو السواقي الضخمة، وإقامة السدود العملاقة، وتجهيزات رش الحقول بالرذاذ وقنوات الري ،حتى اخضرت الأرض سهولا ومصاطب وهضاب، وأقاموا عليها جنات وحدائق، فيها من كل الثمرات، في وفرة جاوزت احتياجاتهم، تحوطها كذلك حقول القمح التي كانت تغل في الحول ثلاثة محاصيل أو أربعة. ثم إنهم حملوا كذلك من المشرق خبرتهم في الرعي وتربية الماشية والخيل والبغال والبقر ،بل إنهم كذلك أول من استعمل التلقيح لتحسين السلالات. ومدوا طرقهم التجارية في المشرق عن طريق بغداد أو الإسكندرية، ثم إلى المشرق الأقصى. ولقد كانت تلك الطرق شبكة قوافل التجارة التي حملت العطور والتوابل والبخور والمواد الاستهلاكية الكمالية ، والمواد الخام والوفود الرسمية وغير الرسمية والبريد وغير ذلك، كما شهدت مبعوثي أمير الأندلس الجكم الواسع الثقافة، حيث جدوا بتكليف منه في طلب مؤلفات المشاهير وأحدث مخطوطاتهم في أهم مراكز العلوم وعواصم الثقافة، حريصين على اقتنائها ودفع ثمنها حتى قبل أن يفرغ مؤلفوها من إتمامها؛ وكانت تلك المؤلفات تحمل بعد ذلك إلى قرطبة حيق يقوم النساخ بنسخ العدد المطلوب منها؛ فيوضع بعضه في أرفف المساجد والمدارس، ويودع البعض في المكتبات العامة-وكان في قرطبة وحدها أكثر من عشرين مكتبة عامة – ويعرض البعض للبيع لدى الوراقين في سوق الكتب, والجدير بالذكر أن الكتب آنذاك كانت نادرة الوجود شمالي جبال البرانس حتى إنها كانت في الأديرة تثبت آنذاك بالسلاسل، بينما ذهب رجال الدين النصارى آنذاك إلى أن طلب العلم والمعرفة بعدما أنزل الإنجيل تجديف وكفر بالله؛:" مثلما زعم من قبل ترتوليان وأغسطين لعنا حب الإستطلاع أو الفضول المريض" واصفين إياه بأنه " واحدة من أخطر صور الوسوسة والضلال" مما يسلم الفضولي إلى الملاحقة والتعذيب.
أما ذيوع جامعات إسبانيا العربية وعلو كعبها ، فقد جذب إليها صفوة الباحثين المبرزين في العلوم والفنون والمعارف والآداب؛فالتقوا جميعا في رحاب جامعات الأندلس، وتكشف الترجمات اللاتينية المتأخرة لمؤلفات بعضهم، والتي أنجزتها مدرسة طليطلة للترجمة، والشهيرة على الصعيد العالمي ذلك الثراء الفكري العريض، المرتبط بأسماء الأعلام العالميين في مختلف الميادين؛ منهم أبو القاسم وابن زهر وابن رشد وابن طفيل وأبو مروان وابن الخطيب والبطرجي وابن البيطار وابن فرناس وابن خلدون وعلى الرجال وجابر بن أفلح وغيرهم من الإعلام الذين أثروا الغرب الذي أعوزه آنذاك مثل هؤلاء العلماء ونفخوا فيه من روحهم وأمدوه بطاقات دفعته قدما"(الله ليس كذلك ص55،56)​

وهكذا تتخذ هونكه التاريخ سندا لها في بيان الحقيقة، كما انها فهمت مغزى الدعوات النبوية ، المستمرة، لطلب العلم بصورة فقهية كونية كالتي كانت عند علماؤنا الكبار، تفعل ذلك وهي ترد أكذوبة أن العرب نقلة للعلم والسلام! ، فتقول انطلق العربي المسلم فاهما دينه،"يطلب العلم من المهد إلى اللحد" وسعى سعيا حثيثا يجمع شتات المخطوطات التي حوت علم الإغريق مما أفلت من الحرق... فجد العرب في التنقيب والبحث وجمع ماتبقى وترجمته وتهذيبه وشرحه ومراجعته والتعليق عليه، ومواصلة البناء على الأسس القديمة، مدفوعين إلى ذلك بالمقتضيات المستجدة في أمور العقيدة والأمة والدولة. تلك هي المأثرة الحضارية الخالدة، التي يدين العالم للعرب بالفضل فيها، وللعرب فحسب: فلا الروم ولا البيزنطيين ولا فرق النصارى سواء الأقباط والنساطرة، أو القائلون بالطبيعة الواحدة للمسيح هم الذين سعوا إلى إنقاذ حضارة إغريقية هلينية، كان قد أبيد إبادة تامة على أيدي متحمسي النصارى النشطين في مهاجمة العلوم، وكان بعضها الآخر قد أمسى فريسة الإهمال، موشكا على الإندثار إلى الأبد والزوال، كما زالت من قبل بالمعنى الحرفي للكلمة حضارات المايا والإنكا وإندفنت تحت الأنقاض، فالعرب هم الذين نقبوا عن تلك الكنوز وبحثوا عنها واستخرجوها من بطون الأقبية المنهارة أو الآيلة للسقوط، بعد أن لبثت قرونا حبيسة أبنية لاعلاقة لها بالحضارة، خلف جدران من خلفها جدران، فكان تخليصهم لها بمثابة تعويضات قدموها سواء في اتفاقيات السلام(عهود الأمان) أو بالطرق السلمية الدبلوماسية"(الله ليس كذلك ص 78،79)
بهذا العمق المنهجي والموضوعي دخلت زيغريد إلى هذا الموضوع الشائك ، فتجدها تقوم ،أيضا، بنقد الأكذوبة التي سطرها مؤلف منشور عام (1959) وصاحبه هو(آرثور كوستلر)، والواقع في550 صفحة، بعنوان (قصة نشوء معرفتنا العالمية-السراة في نعاسهم!):" حيث يورد في مؤلفه النظرة السائدة القديمة، في هذه الجمل الأربع اليتيمة:" لم يكن العرب سوى وسطاء ، حفظة نقلة رواة تراث، ولم يمتلكوا سوى قدر ضئيل من الأصالة العلمية والقدرة الإبداعية.وعندما كانوا حُراس ذلك الكنز، لم يقوموا بجهد يذكر للإفادة منه... وهم كذلك لم يشجعوا العلم النظري. وإنها لحقيقة جديرة بالملاحظة أن ذلك الإحتكار العربي-اليهودي الذي دام قرنين أو ثلاثة قرون ، ظل عقيما"؟(ص 79)
وتتوجع هذه السيدة الألمانية من مظالم قومها فتقول ان هذه الحضارة الإسلامية :" لاتحظى بالتفات مؤرخي الحضارات، بل تتناوشها الأحكام الظالمة، دون أن ينتبهوا إلى ذلك، كما هي الحال هنا، وإدراك كيفية وأسباب استمرارية ازدهار حضارة ما أو بقاءها"عقيما". فالحضارة ليست منتجَا يصاغ بالنحت أو بالصب وفق قوالب أو نماذج مُقلَبة، فلئن أخذت أية حضارة من سواها أخذا خلاقا مبدعا- وينسحب ذلك على الإغريق أنفسهم إذا أخذوا من تراث مصر الفرعونية والشرق الأدنى-فإنما تلتمس ماتستطيع تشكيله وتمثله، مما يلبي متطلباتها واهتماماتها ، على أن توافق هذه طبائعها في النظر والتفكير، أو أن تقترب منها إلى حد كبير. هكذا نجد كل أمة تشكل هذا وفق طبيعتها ، فتصبح خلقا من صنعها حاملا بصماتها. لهذا فإنه لخطأ ذريع أن يؤخذ على العرب أنهم لم يأخذوا خصائص معينة تميز بها قدامى اليونان-نعنى فلسفتهم أو ملاحمهم المأسوية الكبرى حيث قامت هذه على أبنية وأنماط معينة في الفكر اليوناني- فلايؤاخذ العرب بأنهم لم يواصلوا على الطريقة اليونانية، ثم إن العرب على العكس من ذلك قد أبدعوا حضارة متميزة الملامح، أصيلة لايمكن أن تلتبس بغيرها، ففيها علم أصيل لايرضى أن يواصل هكذا ببساطة، فقد انشعب أمامه مساران فكريان ثنائيان:الإغريقي والهندي، فكان أميل إلى اتخاذ طريق آخر ميزه عن الفكر الإغريقي وعن الفكر الهندي تمييزا ذا سمات وخصائص فارقة. يتضح لك هذا في تباين الأمم الثلاث منهجا وموقفا إزاء الكون والعالم الخارجي، وإزاء مواضيع البحوث ذاتها. وإيجازا نقول: إن الأمر هنا يتطلب الإحاطة علما بنفسية الشعوب أو الأمم"(الله ليس كذلك ص 79،80) ومعلوم أن هونكه ذكرت كما تقدم ، أن المسلمين ماتقدموا خطوة واحدة تجاه الكون إلا:" مدفوعين إلى ذلك بالمقتضيات المستجدة في أمور العقيدة والأمة والدولة" فالعقيدة شكلت النفسية والعقلية وتحركت بها تجاه الإنسان والأمة والدولة، والحياة والكون والعلم.
ومن المعلوم أن العلم في الإسلام يمضي على سنن معروضة بدقة في الآيات القرآنية، وهم مايجعل للأمة خصائص ليست في غيرها،:" وكما قيل حقا فإن إنجازات علماء العرب من أطباء وكيميائيين ورياضيين وفلكيين ومخترعاتهم الفنية، التي وصلت إلى أوروبا إبان إحكام آباء الكنيسة قبضتهم عليها ليزداد تخلفها من سيء إلى أسوأ؛ كل ذلك هطل على أوروبا كالغيث على الأرض الميتة فأحياها قرونا، وخصبها إبان ذلك من نواحي متعددة، ودفعها دفعا قويا لكي تباشر بحوثها الخاصة بها. ذلك هو العطاء الثاني، وهو أسخى بكثير من سواه، ولايمكن أن يقاص فضله، والذي يدين به الغرب بل العالم كله للعرب: لقد قدم العرب مع نتائج بحوثهم الغنية وبطرق بحوثهم العلمية البواعث التي أشعلت الشرارة الأولى لإطلاق البحث العلمي الذي كان منذ القرن التاسع عشر الميلادي مشلولا، يكاد يموت خنقا، وذلك بسبب عدم السماحة الكنسي الذي فاق كل حد، والمنع والتحريم والملاحقة، فأذكت النيران التي بددت الانقياد الأعمى للمسلمات والحقائق الإنجيلية والإغريقية وقضت على الخضوع لهيمنة اللاهوت الكنسي وساعدت البحوث الطبيعية على تفتحها الذاتي وانطلاقها القوي"(الله ليس كذلك ص 82)،​

العرب يخضوع العلوم لمعايير نقدية علمية
أن إحتفاء عالم الإسلام بأسباب الكون وقوانينه جريا على مفاهيم قرآنية علمية مبثوثة في أغلب السور القرآنية ، جعل الفارق كبير جدا بين عالم الهنود والإغريق وعالم الإسلام النابض العريق، تقول زيغريد هونكه:" ولحسن الحظ نجد الفكر العربي يحتفل بالواقع، بينما ترى الفكر الهندي يحتفل بالناحية الذاتية كل احتفال، خلافا للفكر اليوناني الذي ينتقل من الجزئي إلى الكلي، من الحقائق المفردة ألى الفكرة المجردة؛ فالفكر الإغريقي لم يكن همه الحقائق الملموسة المحسوسة، وإنما وقف بحوثه على مُثله العليا ، وتحركت دراساته النظرية حرة طليقة من إسار التأثيرات المادية في مجال الفكر البحت...على العكس من ذلك تميزت خُطا العرب بثباتها اليقيني العلمي، فقد سلكوا نهجا وعرا، صعودا من أسفل الدرج في تسلسل تدريجي يتغلغل دنيا الحقائق العلمية كل منها على حدة: المنهج التجريبي القائم على الرصد والملاحظة دون كل أم ملل، والقياس ، والمعادلات والحلول الرياضية، والترقي في صبر وكبد من الخاص إلى العام، ولئن كان اليوناني في جوهره من فلاسفة الطبيعة (مع وجود استثناءات فإن العربي قد غدا عالم الطبيعة بالمعنى الحرفي للكلمة ومخترع علم الطبيعة التجريبي، ولقد عبد-تقصد من التعبيد- العربي بآلاته حقول العلوم البكر الوعرة تعبيدا، ومهد طرق البحث تمهيدا"(الله ليس كذلك ص 80،81)
بعد أن ذكرت هونكه أن:" العالم العربي قد صار بلا ريب-كما أفضنا القول في كتابنا "شمس الله تسطع على الغرب" مؤسس علم الكيمياء العضوية" قالت أن العرب غربلوا النظريات اليونانية قوموها وأعلنوا الأخطاء التي فيها وأضافوا حقائق علمية كثيرة وجديدة، واكتشفوا حقائق تخص جسد الإنسان وحقائق كونية ثمينة:" هذا ولم يتردد العرب بحال من الأحوال في امتحان الفروض اليونانية وإخضاعها لمعايير النقد العربية التجريبية-وكان معظم تلك الفروض لاأساس لها سوى التخمين-لعديد من الاختبارات والتجارب، وصوبوا مئات ومئات من تلك الفروض العلمية الخاطئة"(ص 81)
وضربت لنا هونكه ثلاث أمثلة على هذه الحقيقة الحضارية فقالت:" لابد أن نكتفي هنا بثلاثة منها
- خطئى جالينوس الذين بينهما المُشرح العربي الطبيب عبد اللطيف أحد أطباء صلاح الدين الأيوبي، وقد صوبهما.
- فساد نظرية جالينوس حول وجود ثقوب في الحجاب الحاجز بالقلب، وبيان أنها خيال محض، على يد ابن النفيس الذي خلف عبد اللطيف في رئاسة المستشفى بالقاهرة، وتصويبه إياها بإكتشاف للدورة الدموية الصغيرة.
- خطأ نظريتي إقليد وبطليموس الزاعمة أن العين تسلط نورها على المرئيات، بالتصويب العبقري لعالم البصريات ابن الهيثم مؤسس علم البصريات التجريبي، والذي وضع نظريات وقوانين عديدة في علم البصريات، مقدما لأوروبا نظرية تكاد تكون متكاملة حول الأشعة، بما في ذلك الأسس التي عليها يقوم استخدام العدسات والمجاهر، وكافة أنواع المرايا وآلة التصوير بالتعتيم الشمسي وكشافات الضوء الكهربية وغير ذلك" (الله ليس كذلك ص 81،82).
السرقات العلمية
تقول زيغريد هونكه:" بينما كل ذلك كذلك، يسطو الغرب سطوا على إنجازاتهم العلمية، خاصة مبتكراتهم ومخترعاتهم، فيدعيها لنفسه، ناسبا إياها لغير أصحابها من الأوروبيين فإذا أعوزته الشخصية الأوروبية راح يلتمس شخصية وهمية يخترعها، ويلفق لها الأساطير.. ولاينجو من هذا التجني على العرب والمسلمين بعض أعلام الغرب النابهين المشهورين في عصرنا الحديث. فقد راح بعضهم حتى نهاية الخمسينات من القرن العشرين يرمي العقلية العربية بأنها عقيمة كل العقم، وأن العرب مقلدون فحسب لايملكون موهبة الإبداع والخلق والإبتكار، وأن كنوز المعرفة القديمة التي وقعت في أيديهم، ونجت من الإبادة والحرق البربري العربي لها، تحولت إلى الغرب عن طريقهم، فكان دروهم دور الببغاء في تكرار بعض مايسمع دون فقه لما يردد، أو دور ساعي البريد الذي يقتصر دوره على أداء الرسائل إلأى ذويها ومستحقيها"(الله ليس كذلك ص 9) الإنتحال
تقول هونكه:" أما الإغراء الذي لم يصمد له الغرب في نحله بنيه مبتكرات العرب ومنجزاتهم العيمة فقد تغلغل في الطب"(ص 89)
يقول فون نتسهايم (من كولونيا) ،عام1500،في مؤلفه "في العلاج والطب":" لقد أصبح العرب على درجة من الشهرة جعلت الرأي يشيع أنهم مخترعوا هذا الفن؛ ...لهذا فقد حظيت مؤلفات ابن سينا والرازي وابن رشد بالموثوقية نفسها التي قوبلت بها أعمال هيبوقراط وجالين، وصار لها من ثقل الوزن والصيت ما إن الطبيب الذي يتصدى للعلاج دون الرجوع إلأيها، ليسهل اتهامه بأنه يخرب الصالح العام تخريبا"(والنص أوردته هونكه ص 90)
ولكن هناك أمور نُسبت لغربيين وكأنهم مكتشفوها مثل الزعم أن الجراح الفرنسي أمبرواز باري هو أول من قام بإيقاف نزف الأوعلية الدموية الكبرى،في حين أن صاحب الحق في هذا السبق-تقول هونكه- الطبيب العربي أبو القاسم قبل ستمائة عام خلت قبل الفرنسي!، وقد توفي أبو القاسم(عام1013) وكان مشتهرا يومذاك بكونه استاذ أطباء أوروبا ومعلمهم، :" وكثيرا ماانتحل الغرب عديدا من إنجازاته الطبية،منها​
-وضع التدلي أثناء التوليد ...والذي ينسب منذ عام 1900 إلى الألماني فالخر(1856-1935) اختصاصي أمراض النساء، حتى صار يعرف باسم التدلي الفالخري!
-الوضع الذي نصح به أبو القاسم في إجراء الجراحة في التجويف أسفل السرة حيث يرفع الحوض والعجيزة والقدمان، نحلوه للجراح الألماني فريدرش ترند لبرج(1844-1924) يشتهر بالوضع الترندلبرجي!
-تشخيصه لمرض الفقر والمفاصل، والذي صار يُنسب إلى برسيفال بوت(1713-1788) وخلده تاريخ الطب باسمه: البلاء البوتي أو البلية البوتية!
-أما اكتشاف الدورة الدموية فقد راح الفضل فيه للإسباني ميكائيل سرفت(1553) والإنجليزي ويليام هارفي(1616) ، وكلاهما تزييف منتحل"(الله ليس كذلك ص 90،91)
وقد بينت زيغريد هونكه أن ابن النفيس نفسه ، رئيس أطباء مستشفى الناصر بالقاهرة (من عام 1260-1288) أول من دحض خطأ اليوناني(جالن) الذي عاش في المئة الثانية الميلادية في روما، ويُعد أعلى سلطة طبية موثوق بها في العصور الوسطى، وقد زعم جالن :" أن الدم النقي يتدفق من بُطين القلب الأيمن من خلال مسام موجودة في الحجاب الحاجز بالقلب إلى البطين الأيسر" فقد كان ابن النفيس أول من فحص الدورة الدموية وشخص تشخيصا مفصلا ما"يشبه تشريح الجثة" حتى أدق التفاصيل، وكلمات ابن النفيس ذاتها يتخذها الإسباني ميكائيل سرفت(1511-1553) بعد ابن النفيس بثلاثمئة سنة، في مؤلفه النقدي الضخم"إصلاح النصرانية" وقد راح يصور من وجهة نظر بحتة دورة الدم في الجسد وكون الدم مَكَبة الروح في دورته...أفهذا من توارد الخواطر؟ أم أن هذا انتحال ساط على أفكار الآخرين؟
ونظن أنه-وهو الإسباني الذي اطلع على المؤلفات العربية بما في ذلك مجال الطب- قد أتيح له أن يتعرف إلى حاشية ابن النفيس على مؤلف ابن سينا" القانون" في التشريح، والذي لايزال حتى يومنا هذا محفوظ في "إسكوريال" بمدريد..."(الله ليس كذلك ص 91)
وتسم زيغريد هونكه فعلة مؤلف إصلاح النصرانية ب " روح الزندقة".
فالرجل ابتسر معلومات ابن النفيس، ولم يشر إلى مصادره التي رجع إليها، كما أنه لم يكن يعلم شيء عن نقد ابن النفيس لجالينوس.
النصراني قسطنطين الإفريقي
تقول هونكه:" ومن كبار المنتحلين الذين سطوا بانتظام على تراث العرب وكان لهم في ذلك باع طويل: النصراني قسطنطين الإفريقي، الذي ولد في قرطاجة، والذي احترف بيع الأعشاب والعقاقير الطبية، وطوف بالبلدان المحيطة بالبحر الأبيض المتوسط ، حيث أتيح له أن يختلف إلى مدرسة الأطباء في سالرنو، وكانت هيئة التدريس فيها من أعراق وأجناس متباينة: هنا عنت له فكرة التوفيق بين التناقض الهائل في مستوى معرفة الفرنجة بالطب، والبون الشاسع لمعرفة العرب المتمثلة في القلاع العربية الشامخة في علوم الطب والتطبيب، وبعد أن احتشد للأمر متخذا مايلزمه من تدابير، غادر سالرنو ليعود إليها بعد حين وتحت إبطيه مجلدات ومجلدات...ثم أكب على عمله الخصيب في همة ونشاط عجيب، وبينما توالت المؤلفات التي سطرتها ريشته سيالة، يعقب بعضا دون هوادة، غير مهملة مجالا واحدا من مجالات الطب؛ حيث تدفق مافيها من علم قيم كأنه شلال من التنوير والتجلي، ينصب فياضا من منابعه على هيئة تدريس الطب في سالرنو-راحت منزلته تعلو، فاشتهر بعلو الكعب،(انظر التعريف بكتاب )،بوصفه أستاذا علامة في الطب، وأحاطته هالة من المجد والتوقير، فياله من عقل فذ منقطع النظير!، على أنه بعد انصرام أربعين عاما، آن أن تتكشف حقيقة حكيم مونت كاسينو العظيم، فلم يكن سوى تاجر محتال، محنك دجال: فسرعان ماسقط خبير هنا وخبير هناك، على مؤلف لهذا أو ذاك من مشاهير أساطين الطب العربي، مما انتحله التاجر الجوال من قرطاجة، الذي ظن أنه قد ضمن لاسمه المجد والخلود.
لقد شق على الغرب دائما أن يعترف بالأحقية العربية في الوضع والتأليف والابتكار، وظل حتى عهد ليس ببعيد يبذل كل طاقاته لدفع ذلك وتفنيده"(الله ليس كذلك ص 92،93)
 
على مهلك ، يا صاحب الدراسات العليا في هندسة البرمجيات . لكي تكون مطمئنا : هناك استشراق أكاديمي على المستويات الجامعية وعليك التعمق بقراءة منشوراته في عديد من المجلات المتخصصة في هذا الميدان . وما هو (الواقع) وما هو (الحق) - كذا ! - فربما يتبين لك ذلك من خلال الاستقراء . العلم المبسَّط شيء (هونكه وغيرها) والاستشراق الكلاسيكي الأكادميي شيء آخر تماما. ربما ستفهم هذا بتقدم السنّ فستكون موفقا .
المحترم د. موراني،،
أولا إسمي (شايب) وليس صاحب دراسات العليا في هندسة البرمجيات (بالمناسبة هذا آخر دبلوم، قبل هذه الدراسة دراسات أخرى مختلفة).. وثانيا، لست هنا لاحكي معك سيرتي الذاتية، ولا لمناقشة سيرة هونكه ولا "الاستشراق" بمفهومك، ولا بالمفهوم الرسمي هنا وهناك، ولا بمفهوم التداول الإسلامي. المهم أن تعرف إسمي لتناديني به، وتعرف مضمون هذا الموضوع لتلتزم به إن أحببت الإنخراط في نقاش علمي نخرج منه بفائدة.

هذا "علم مبسط" وهذا ارينتاليزموس كلاسيكو، ومثل تلك المحاولات، لا تفيد في المطروح هنا، بل كلها محاولات من جنس الـ argumentum ad ignorantiam. تختلق قضية وتريد أن تحوم حولها، بينما المطروح في حمى التعريف بكتاب.

أما التقدم في السن فأرجوا أن لا تتطرف فيه كيلا يختل ميزان الدائرة (تقدم السن : طفلنة المخ) بمعنى أن cortex praefrontalis تروح تنخفض وتؤدي إلى نتيجة معاكسة لقولك "فستكون موفقا".

هذا آخر رد إن لم أرى إلتزاما بالموضوع وبالأسئلة التي طرحتها وطرحها أستاذي منينة وشيخي حاتم.

تحياتي
 
التعديل الأخير:
أريد أن أبيّن للقراء الكرام الخطأ الذي وقع فيه هذا الشاب (شايب) وهو يتعلق بالمصطلح :
يقول : ارينتاليزموس كلاسيكو أي : Orientalismus فهو ليس العبارة على لسان آدورد سعيد :
Orientalism
وهو يقصد بها الاستشراق.
ارينتاليزموس هو شيء آخر تماما وليس موضوعا هنا . وهو اتجاه فنّي وتشكيلي في تأريخ الفن في القرن التاسع عشر وهو محاكاة الأساليب الفنية الشرقية (عربية كانت أو تركية أو عثمانية أو صينية أو... وهلم جرا) وتقليدها في مزايا اللباس والعرض التشكيلي وأدوات الديار إلخ .
من يعود إلى العبارات والمصطلحات من اللغات الغربية فعليه أن يضعها إلى موضعها فليتنبه لكي لا يضل الناس بأخذه بعبارات لا علاقة لها بالاستشراق ولا بكتب هونكه .الاستشراق ، شيء والعلم المبسط حول قضايا الشرق (وحول أمور أخرى كذلك) شيء آخر . . وهذا الأخير الوصف العام والمتداول والمسلم به على المستويات الأكاديمية لكتابات هونكه هذه ولغيرها أيضا . وارينتاليزموس كذلك .
 
لقد استعجلت انا في عرض نصوص لي ،في عرض كتاب هونكه ،في النص رقم24،26، حتى يمكن للدكتور المحترم موراني اقتباس الدلالة من كلام هونكه على مااسماه العلم المبسط ولكن يبدو أنه يخشى الدخول في التفاصيل وسرد الأدلة،ذلك انه يطلق الاشاعة فقط، اما الحقيقة فهو أن نوع من الحجب الخفي، والكتمان ، ومحاولة التغطية، تتم بكلمات هي تماما كموضات فكرية تحاول التغطية على الحقيقة الأبدية او الموضوعية او العلمية او التاريخية!
وللبحث بقية وتكملة حتى يرى السيد موراني فقه هونكه البسيط ويدلنا على فقهه المُركب، نريد أن نتعلم معه ماهو البسيط وماهو المركب، على أن لايحيلنا ،حفظه الله لليلة هداية جميلة،على روابط وروابط ثم روابط
 
لا أعتقد أن د. موراني عنده ما يفيد به الموضوع فبعد محاولاته الخمسة: 1) دبلوماسي لا مستشرق، 2) الاستشراق والاستشراق الأكاديمي، 3) هونكه والنازية، 4) العلم المبسط و 5) المجلات "الإستشراقية" راح يربط "ارينتاليزموس كلاسيكو" بمصطلح آخر تماما إستخدمته في موضوع (حوار في مفهوم الإستشراق المعاصر) فبدأ يتخيل قراءتها كـ "كلاسيشى ارينتاليزموس"، وللمرة الثانية بالـ argumentum ad hominem متتابعة.
يا أستاذ موراني، سـأبين هذه حتى يرتفع اللبس وسوء فهمك للشاب (شايب). السين في ارينتاليزموس تقوم مقام الابسيلون ولا تنطق، وأنا كتبت ارينتاليزموس كلاسيكو بالمقلوب لأن في اللغة الأصلية تنطق بإدغام وكأنها كلمة واحدة "كلاسيكيورينتاليزموس". وردي هذا على قولك السابق ( العلم المبسَّط شيء والاستشراق الكلاسيكي شيء آخر تماما) حيث جئت بمقابلة (فيرتيري أو علم مبسط فيرسوس استشراق كلاسيكي) وكمان أكاديمي - وبشكل عجيب وغريب، لذا كان ردي بإستخدام لفظ غريب عن الجاري به العمل في هذا الموضوع، هذا القسم، هذا الملتقى.. لأنبه على مزيد من التدهور والبعد عن روح الموضوع، فبعد هذه المحاولة السادسة أرجو أن لا تأتي بالسابعة.

أستاذنا طارق،
هل لاحظت شيء في عنوان الكتاب؟ تذكّر المؤسسة اللندنية ألف اختراع واختراع.
لماذا هذه الإشارة؟
 
لم افهم اشارتك اخي الشاب شايب-ابتسامة
 
لم افهم اشارتك اخي الشاب شايب-ابتسامة
لأن عنوان الكتاب لم يعرب كاملا على ما يبدو لي.
كان الافضل: الله ليس كذلك البتة: إزاحة اللبس (أو الستار) عن 1001 حكم مسبق حول العرب؟
 
عنوان الكتاب انا وضحت مسلك زيجريد فيه وقلت ان فقه الكتاب كله في العنوان، وبقي لي مداخلتان عزيزتان ، ستظهر فيهما ملامح غرض العنوان بصورة اكبر مما عرضته من قبل ، فما سيأتي -باق اظن ثلاثون صفحة- فيه دفاع مباشر عن منزل القرآن(الله عز وجل) وفي مواضيع مختلفة، ومن كلامها.
فالعنوان لغز ، وسر (هونكه) تجد تفسيره في المتن!
 
الغربيون التاريخيون المحدثون،وأحكام جاهلة، توينبي نموذجا
تستغرب هونكه من سطحية المعرفة الغربية عن العرب والمسلمين على الرغم من وجود الإسلام في صقلية والأندلس قرونا طوالا، وعلى الرغم من الحروب الصليبية التي جعلت الغرب قريبا من الشرق والعرب والمسلمين،:" وإنه لمخجل أن نرى هذا النقص المخزي يتسلل إلى كتابات أعلام الغرب، حتى لنجده من كبار مؤرخي الحضارة المعاصرين، ألا وهو "جي توينبي" ، حيث يبرهن على ذلك حكمه القاسي على العرب،إذ وصفهم بأنهم" غير متحضرين" وأنهم " خلق غريب مستعبد من العالم الهليني أو المتطفلين على الحضارة الهللينية الإغريقية" وأنهم " أولئك المحمديون البدائيون أقصى القول فيهم أنهم تقليد بربري جاهل زائف لديانة السريان الغريبة عنهم" وقد جعلتهم تلك البدائة الجاهلة"لايسعون إلى اعتناق النصرانية"لقصورهم. كما أكد وليام من سالسبري أن هؤلاء العرب المسلمين يعبدون الدرك الأسفل من الشياطين"(الله ليس كذلك ص 13)
وقالت ايضا:" .. ولاينجو من هذا التجني على العرب والمسلمين بعض أعلام الغرب النابهين المشهورين في عصرنا الحديث. فقد راح بعضهم حتى نهاية الخمسينات من القرن العشرين يرمي العقلية العربية بأنها عقيمة كل العقم، وأن العرب مقلدون فحسب لايملكون موهبة الإبداع والخلق والإبتكار، وأن كنوز المعرفة القديمة التي وقعت في أيديهم، ونجت من الإبادة والحرق البربري العربي لها، تحولت إلى الغرب عن طريقهم، فكان دروهم دور الببغاء في تكرار بعض مايسمع دون فقه لما يردد، أو دور ساعي البريد الذي يقتصر دوره على أداء الرسائل إلى ذويها ومستحقيها"(الله ليس كذلك ص 9)​

الفليلسوف الألماني الكبير"ليبتنز" والجهل التام بالإسلام
وهكذا فدائما مانصطدم :" بأحكام مسبقة ظالمة شد ماشوهت وجه الإسلام ، ولاتزال حتى اليوم تتناوله بالتجريح في موقفها المعادي له أشد العداء، ولا أدل على هذا من كلمة الفليلسوف الألماني الكبير"ليبتنز"(1646-1716) وهي كلمة تدل على الجهل التام بالإسلام، حيث زعم أن "القدر المقدور بالجبر"، والذي يتيح للإنسان أن يرجع البصر فيما يصيبه من قضاء،إنما يسبغ عليه السكينة، وهكذا يصور القدر النصراني"الذي ينبغي أن يذعن له ويتقبله النصراني بالصبر، راضيا من الرب الرحيم مصرف الأمور" ،على النقيض من القدر المحمدي"الخانع المتشائم كل التشائم جملة وتفصيلا، حتى إن الإنسان لاتتاح له الفرصة مرة واحدة لتجنب الأخطار التي تهدده أبدا، وإنما عليه أن يرمي بنفسه في خضمها أعمى البصر والبصيرة"..إن هذا محض إفتراء على الحق!، بل إننا هنا نصطدم –ولكن على مستوى فكري أعلى-بالغلو المفرط المنحاز في تصويره للخصم، وهو نفسه الغلو الذي عهدناه من قبل مستهل القرون الوسطى.والحق أن هذا الحكم المسبق المفترى والذي لايفتأ مغذوه يلحون على إنمائه زاعمين أن التوكل المذعن خصيصة تسيطر على المسلمين،إنما يتعارض مع روح القرآن، وتنفيه الأحاديث النبوية نفيا قاطعا، بل إن كليهما يدعوان الإنسان إلى الاحتكام إلى إرادته الحرة للبت في الأمور، ويهيبان به أن يتبصر –انطلاقا من كونه مسؤولا- ويتفحص الإمكانات المختلفة، والأهواء والمشارب المتعارضة، ليميز بينها وليختار إختيارا حرا بين الفضيلة والرزيلة...إن القرار الحر يشترط أول مايشترط وعي المسلم وإداراكه، فهو نفسه يستطيع أن يغير نفسه، كما تنص سورة الشمس مثلا" قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها"(الآيتين 9،10) ...كما تؤكد الآية الحادية عشرة من سورة الرعد"إن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"فالإنسان في واقع الأمر هو صانع قدره، فيما يخصه هو نفسه"(الله ليس كذلك ص39،40)​

خيال شعراء البلاط الجامح
تقول هونكه:" وتطفح بالمقت الضاري الأعمى للإسلام قصائد شعراء البلاط العظام في "دير ريجنز بورج" وينسحب ذلك ايضا على شاعر الكنيسة في "ريجنز بورج" كونراد، كما في قصيدته" نشيد رولاند" التي نظمها عام 1300 ميلادية، والتي وصف فيها المسلمين بأنهم" الشعب الذي لايُروى تعطشه لسفك الدماء، والذي لعنه رب السماء" وأنهم " كفرة وكلاب، وخنازير فجرة" وأنهم –وهم عبدة الأصنام التي لاحول لها ولاقوة- -" لايستحقون إلا أن يقتلوا وتطرح رممهم في الخلاء، فهم إلى جهنم بلا مراء " ويطفح" نشيد رولاند" لذلك القسيس الشاعر بأشد البغضاء، فيتوجه بخطابه إلى الخصم المسلم قائلا:" إن مخمت-ولاننسى هنا أن نشير إلى هذا التحريف المشوه للنبي محمد عمدا واستخفافا، كما نعرف من الكتابات التي تصوره صنما ذهبيا- قد ارسلني إليك، لأطيح رأسك عن كتفيك، وأطرح للجوارح جثتك، وامتشق برمحي هامتك، ولتعلم أن القيصر قد أمر كل من يأبى أن تعمده الكنيسة" ليس له إلا الموت شنقا، أو ضربا، أو حرقا". إن أولئك جميعا دون استثناء حزب الشيطان اللؤماء، خسروا الدنيا والآخرة حل عليهم غضب الله، فبطش بهم روحا وجسدا، وكتب لهم الخلود في جهنم أبدا"(الله ليس كذلك ص 44)
وقد شارك الإنجليزي" وليمام" من مدينة سالسبري،قبل سبعمئة عام، في ترويج الخرافات عن المسلمين:" لقد عرف الغرب، عن طريق ذلك الإنجليزي، قصصاً بشعة تقشعر لها الأبدان، عن أولئك الناس الذين استقروا خلف جبال البرانس في قرطبة، التي زعم أنها كانت مقر عبدة الشيطان، ومحضري أرواح الموتى والسحرة وأصحاب التعاويذ وأعمال السحر الأسود، والذين حذقوا هذا الفن واستحوذ عليهم الشيطان، تحرسهم فيالق من زبانيته من الشياطين، وقد تربع على عرش قرطبة الصنم الذهبي"لماهومد" وأحيانا يطلق عليه " مخيميد"، وقد ركعت تحت أقدامه قرابين بشرية ، يذبحها أتباعه قربانا وتزلفا إليه"(الله ليس كذلك ص 11)​

صرخات إبليس
هذا هو الواقع كما كان فماذا فعل الرهبان والقساوسة الذين كانوا يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله،تقول زيغريد هونكه:" لقد ساء ذلك الآباء الروحيين النصارى، فقد كانوا شهود عيان في الأندلس لقوة جذب المد الروحي والفكري، الذي سقط ضحيته رعاياهم النصارى طوعا وعن طيب خاطر، يشهد بذلك أسقف قرطبة(ألقارو) الذي راح يجأر بشكواه بكلمات مؤثرة تصور بلواه:" إن كثيرين من أبناء ديني يقرؤون أساطير العرب ويتدارسون كتابات المسلمين من الفلاسفة وعلماء الدين، ليس ليدحضوها وإنما ليتقنوا اللغة العربية ويحسنوا التوسل بها حسب التعبير القويم والذوق السليم، وأين نقع اليوم على النصراني- من غير المتخصصين- الذي يقرأ التفاسير اللاتينية للإنجيل؟ بل من ذا الذي يدرس منهم حتى الأناجيل الأربعة، والأنبياء ورسائل الرسل؟.. واحسرتاه إن الشبان النصارى جميعهم اليوم، الذين لمعوا وبذوا أقرانهم بمواهبهم لايعرفون سوى لغة العرب والأدب العربي! إنهم يتعمقون دراسة المراجع العربية باذلين في قراءتها ودراستها كل ماوسعهم من طاقة، منفقين المبالغ الطائلة في اقتناء الكتب العربية وإنشاء مكتبات ضخمة ، ويذيعون جهرا في كل مكان أن ذلك الأدب العربي جدير بالإكبار وبالإعجاب! ولئن حاول أحد إقناعهم بالإحتجاج بكتب النصارى فإنهم يردون بإستخفتف، ذاكرين أن تلك الكتب لاتحظى بإهتمامهم!... وامصيبتاه! إن النصارى قد نسوا حتى لغتهم الأم، فلاتكاد تجد اليوم واحد في الألف يستطيع أن يدبج رسالة بسيطة باللاتينية السليمة، بينما العكس تعبيرا وكتابة وتحبيرا، بل إن منهم من يقرضون الشعر بالعربية، حتى لقد حذقوه وبذوا في ذلك العرب أنفسهم"(الله ليس كذلك ص 41،42)
لقد جذب الفكر الإسلامي وعلومه التطبيقية والتجريبية وطريقة المعيشة المرتبطة بهذا الفكر، الشباب الأوروبي وسحرهم، وبينما كان العرب يعرفون مصدره الأصيل، كانت النصارى تعرف وتنكر،أو تُخفي وتُدبر، او تكتم وتقتل، لكن الشباب الأوروبي، على الرغم من ذلك كله، صار مفتون بالعلم وتقنياته، والسحر الشرقي من الكرم والسماحة والعلاقات الجميلة،والأخلاق الرفيعة، والنظافة والنظام، وفي ذلك تقول زيغريد:" إن سحر أسلوب المعيشة العربي ذاك قد اجتذب إلى فلكه الصليبيين إبان وقت قصير، كما تؤكد شهادة الفارس الفرنسي" فولشير الشارتي" وهانحن الذين كنا أبناء الغرب قد صرنا شرقيين!، ثم راح يصور أحاسيسه وقد تملكه الإعجاب بالسحر الغريب لذلك العالم العجيب بما يعبق به من عطر وألوان، تبعث النشوة في الوجدان، ثم يتسائل بعد ذلك مستنكرا:" أفبعد كل هذا ننقلب إلى الغرب الكئيب؟!، بعدما أفاء الله علينا وبدل الغرب إلى الشرق"(الله ليس كذلك ص 42،43).

البابا مهيج فتن
لقد كان هذا البابا-تقول زيغريد- يعرف كيف ينتقي أشد الكلمات تأثيرا...:" ولست أنا الذي أنذركم وإنما الرب يطلب إليكم ويحذركم، بصفتكم حملة لواء المسيح والمبشرين الداعين إليه، أن تطهروا الأرض المقدسة التي يعيش فيها إخوانكم المسيحيون، من أولئك الرعاع"(الله ليس كذلك ص17)
وتقول:" إنطلقت كلمات البابا العارية عن كل صواب واعتدال، المغرقة في الإستهزاء تستنفر الفرسان للقتال،فقال:" أي خزي يجللنا، وأي عار ، لو أن هذا الجنس من الكفار ، الذي لايليق به إلا كل إحتقار، والذي سقط في هاوية التعري عن كرامة الإنسان جاعلا نفسه عبدا للشيطان، قد قدر له الإنتصار على شعب الله المختار"(الله ليس كذلك ص 23)
ماذا حدث في النهاية من استفزازات وتحريضات البابا وغيره، تقول زيغريد هونكه:" وفي النهاية حلت الهزيمة الكاملة بالصليبيين ، واستقرت الصدمة في كيان الغرب، وراح البعض يتسائل: أليس قضاء الله وحكمه الذي أنزل العقاب بالنصارى؟..ألأم يكتب الله النصر لأتباع محمد على الدين النصراني؟..ألم يكن ذلك هو الخزي والهوان الذي حاق بهم والذي كان البابا أخشى مايخشاه، واصفا إياه بأنه العار الذي لاعار بعده؟..ألم يكتب الله" إنتقاما منه وغضبا" النصر لمحمد على المسيح؟.. ألم يحكم بأنه أولئك المحتقرين"عبدة الشيطان""الكفرة الفجرة" بأنهم على حق؟.. ويمضي ريكولدوس دي مونت كروكس متسائلا:ألم تهزم بركات محمد وهديه بلا مراء هدى المسيح؟.. ويتمادى شاعر الفروسية"آستورك" في شعره الإستنكاري متسائلا:أما آن لنا أن نؤمن بمحمد بعد؟! أجل تلك كانت العاقبة الوخيمة التي عصفت بالعالم على مدة قرون باهظة تكاليفها من بشر احتشدوا لها احتشادا...لقد عاد خمس الفرسان فقط إلى ديارهم! الخمس من فرسان الحملات الصليبية الست الكبيرة والحملات الأخرى الصغيرة التي لاتحصى، والتي أبيدت فيها آلاف مؤلفة من المشاة البسطاء، لايكاد تعداد يسرف إحسائهم عدا، فضلا عن الصغار والمراهقين بين ثلاثين وخمسين ألفا حصدوا حصدا...ومن ذا الذي يستطيع أن يقدر مبلغ الخزي والعار اللذين أحاطا بالصليبيين بعد مالمسوا حقيقة خصومهم، الذين كانوا يتصورونهم(كما وصفوا لهم) أخساء محتقرين يتخبطهم مس الشياطين"(الله ليس كذلك24،25)
لقد كانت الدعايات كاذبة عن عدم سماحة المسلمين، والصليبيون وقعوا :" في شراك الأكاذيب والشائعات التي روجت لها الكنيسة للإنتقام، لكن تكذب هذه الدعاوى رسالة تلقاها الإسقف أجتاتيوس في بيزنطة من أخيه الروحي البطريرك تيودوسيوس من بيت المقدس" إن العرب هنا هم رؤساؤنا الحكام، وهم لايحاربون النصرانية بل على العكس من ذلك يحمونها، ويذودون عنها، ويوقرون قساوستنا ورهباننا ويجلون قديسينا". تُعقب زيغرد هونكه على هذه الرسالة بقولها:" ولايكاد المرء يصدق هذا الذي يسمع، إذ كان ذلك إيان الأفق المعتم الذي يتربص فيه الموت بالمسلمين في كل مكان.، كانت السماحة حبلى بالحروب الصليبية. والحق أن المسلمين...قد إلتزموا منذ عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بضمان سلامة النصارى"(الله ليس كذلك ص21)​

الخيال يواجه الحقيقة
تقول هونكه:" .ومن ذا الذي يستطيع أن يقدر مبلغ الخزي والعار اللذين أحاطا بالصليبيين بعد مالمسوا حقيقة خصومهم، الذين كانوا يتصورونهم(كما وصفوا لهم) أخساء محتقرين يتخبطهم مس الشياطين؟! لقد تفتحت أعينهم أول ماتفتحت في الشرق، فوجدوا أن أولئك الذين قد وصفوا لهم بأنهم أوغاد سفلة، إنما هم بشر مثلهم، بل إنهم أرقى منهم وأرجح فكرا، ليس في فن الحروب فحسب، وليس في تفوقهم في تسلحهم واتخاذهم الصلب أو الفولاذ الدمشقي في صناعة أسلحتهم وتنظيمهم وصفوفهم مشاة وفرسانا، وفي بنائهم حصونهم وقلاعهم وآلاتهم المعروفة... وأنما قبل كل شيء في إستماتتهم في الدفاع عن الحمى دفاعا جادا، والتزامهم الخلقي ضبطا وربطا أفضل مما ليدهم، فقد كان الصليبيون على العكس من ذلك"(الله ليس كذلك ص 24،25)​

الألمان والعلاقة بالإسلام والعلم الإسلامي والمسلمين
تتكلم زيغريد هونكه على أن الألمان لما إستقر عزمهم على شن الحرب الهجومية لم ينطلقوا من دوافع أو غايات دينية، وإنما صدروا في ذلك في أغلب الأحيان عن مطامع سياسية، لكن الباباوات كانوا يريدون إضعاف أولئك القياصرة الألمان وتحطيم سلطانهم ، مؤكدين حقهم المقدس في حكم الممالك الألمانية مستثمرين الضرائب التي جبيت لشن الحروب الصليبية في صراعهم الشخصي ضد الأباطرة الألمان من سلالة شتاوفر العظام، بل إنهم دعوا من فوق منابر الكنسية إلى شن حرب صليبية على الأباطرة الألمان والإمبراطورية الألمانية"(الله ليس كذلك ص27)
ولماذ اشترك الألمان في الحرب على الشرق، تقول نولدكه:" إنما فعلوا ذلك عن إدراك ووعي تام مضاد للإرادة الباباوية ، لكي ينتزعوا من يد البابا السلاح السياسي الذي شهره في وجوههم فيتولوا هم أنفسهم زمام المبادرة"(الله ليس كذلك ص28)​

العلاقة تتطور والباباوية تتعقب!
:" لقد توشجت أواصر الصداقة وعراها بين ثلاثة من أولئك القياصرة الألمان وبين بعض السلاطين المسلمين، وذلك في مأمن من رياح التعصب الديني الذي دأب مؤججوه على إضرامه منذ أجيال خلت من قبل.. ولابد لنا هنا أن نتسائل عن السر في بخل التاريخ بأنباء أولئك العظام وضنه بالإفاضة في ذكر الظروف والملابسات التي عايشوها، اللهم إذا إستثنينا منهم القيصر فريدريك الثاني؟!
ومن ذا الذي يدري حقيقة الوقائع العجيبة ، والأحداث الغريبة ، التي جرت من قبل بين جده القيصر فريدريك الأول وبين السلطان صلاح الدين الأيوبي، الذي يعرفه الغرب بإسم"سلادين" ، فقد ساد علاقات العاهلين الدبلوماسية روح الوئام والسلام، إبان زمان عصفت به حمى الحروب الصليبية، حتى إن التاريخ ليسجل عام1173 ميلادية وصول وفد السلطان صلاح الدين إلى بلاط القيصر في آخن بألمانيا، قادما من القاهرة حاملا رسالته التي يطلب فيها يد إبنة قيصر لإبنه، على أن يتم تتويج إبن صلاح الدين هذا ملكا على النصارى. فياله من عرض! وياله من حلم للربط بين الشرق والغرب! لاغرو إذن أن يفكر القيصر في الأمر مليا، فاستبقى الوفد العربي في بلاطه ضيوفا نصف عام. وإبان ذلك هيأ لهم زيارة عديد من مدن مملكته، وبعد عام أرسل مبعوثه القيم على شؤون الأديرة والكنائس"بوركهاردفون ستراسبرج" بهدية إلى السلطان بالقاهرة، كتلطف في الإعتذار"(الله ليس كذلك ص 28)
ومع أن الفرنجة انهزموا في حطين، بعد ذلك، عام1178م، إلا أن علاقة الألمان بصلاح الدين لم تتغير، غير أن القيصر ، وتحت تأثير مبعوثو البابا ، الذين ذهبوا إليه ثلاث مرات، إتخذ القرار بالحرب ضد المسلمين، وقد ارسل القيصر رسالة بذلك إلى صلاح الدين!، بل يطلب القيصر مبارزة صلاح الدين نفسه عام1189، وذلك في رسالة له،لكن صلاح الدين تجنب الرد المباشر لكنه إقترح على القيصر أن يقوم بإطلاق سراح أسرى الفرنجة كافة، وضمان حرية العبادة النصرانية في القدس، مقابل إعادة المحتلين الفرنجة لكافة القلاع والحصون التي في حوزتهم، الأمر الذي-تقول هونكه- لم يكن في نطاق سلطة القيصر!(انظر ص 30) ولم يخض القيصر الحرب لأنه مات بالسكتى القلبية نتيجة تبرده في المياه الثلجية لنهر السالب المنحدة مكن الجبال جنوب الأناضول.
وبعد سنوات نرى القيصر هايزسن السادس، إبن القيصر الراحل، يقتفي خطوات ابيه في عقد أواصر الصداقة بحملته السلمية دون إراقة دماء.
فريدريك الثاني ومؤثرات موروثة تتعمق وغيرة الباباوية وأحقاد موروثة!
أما إبنه فريدريك الثاني فقد ورث ذلك الميل من جده فردريك الأول ووالده هايزسن السادس، فقد حقق بحملته الصليبية:"التي لم يرفع فيها سلاحا، ولم يهرق نقطة دم، أربعة أضعاف ماكان عرضه من قبل صلاح الدين، حيث كلفت المعاهدة التي عقدها مع السلطان الكامل إبن أخ صلاح الدين، المساواة التامة بين المسلمين وغير المسلمين والاحترام المتبادل والحرية الكاملة لليهود والنصارى والمسلمين في إقامة شعائرهم الدينية في كافة أنحاء الأرض المقدسة كما شاءوا"(الله ليس كذلك ص 30)​

وقد كان للتأثير العربي أكبر الأثر-تقول هونكه-في تكوين شخصيته:" ارتسمت في عقل الفتى الصغير صورة الحياة العربية الجميلة ممتزجة بخرير مياه النافورات، وحددت أوقات يومه أصوات المؤذنين من فوق مآذن المساجد"(شمس العرب تسطع على الغرب ص 432) ، وتقصد في صقلية ، اصبح الفتى يجيد العربية، ويؤوي إليه علوم المسلمين..
لم يرق البابا هذا الصنيع، وتلك العلاقة، وذلك الأمن للجميع، فقدم باكيا للمجمع المقدس اعتراضاته الجامحة :" فكان ذلك بالذات ما أضرم نار المقت على أعلى مستويات الكنيسة للقيصر الألماني أشد مايكون المقت إضراما. ولقد أنزل البابا بالقيصر وحده لعنة الطرد من رحمة الكنيسة وأعلن موت القيصر بالنسبة له، وأمر قواته الخاصة المعروفة بإسم (حملة المفاتيح) بالهجوم على صقلية-المملكة التي كانت تحت حكم القيصر، وإجبار مواطنيها على خلع القيصر والتحلل من يمين الولاء التي كانوا حلفوها لبيعته وطاعته؛ بل إن البابا ذهب إلى أبعد من ذلك حيث طلب إلى عدوه اللدود:سلطان "الكفار" أن لا يعطى القيصر القبر المقدس، وبلغ الإنحطاط والتعري عن الكرامة الرسولية الذروة في تدبيره مع"فرسان المعبد" خطة لإغتيال القيصر، عند توجهه إلى نهر الأدرن ليتعمد في مياهه؛ وكان السلطان المسلم بشخصه هو الذي أنقذ حياة قيصر الإمبراطورية الألمانية المقدسة" فقد استاء لتلك الخيانة الوضيعة أشد الإستياء" وأرسل إلى القيصر الوثيقة التي تثبت الخيانة ممهورة بختم رئيس فرسان المعبد"(الله ليس كذلك ص 30،31)
فضلا على ذلك لم يرد البابا أن ترجع حملة ألمانيا من الشرق سالمة، :" عندما أخذ القيصر وجيشه بالعودة أمطرهم رجال الكنيسة بوابل من الروث والبراز، قذفا بالمقاليع.. وتصور رسالة الوداع التي كتبها القيصر وهو مبحر على متن سفينته،إلى الأمير فخر الدين-الذي كان ضيفا في بلاطه في صقلية موفدا من قبل السلطان... وليس من قبيل الصدفة أن تلك الرسالة التي كتبها القيصر بنفسه باللغة العربية التي تعلمها منذ صغره في موطنه صقلية إلى جانب لغته اللاتينية-وقد تعلم بعضها من العرب الذين كانوا يعيشون في صقلية-إلى صديقه العربي، أعظم رسالة مؤثرة أبدعتها ريشة القيصر، لأنها وثيقة شخصية فاضت بها نفسه بعد الفراق، فأملت عليه البوح بمكنون العلائق البشرية، مما اعتاد أمثاله كتمانه: "بسم الله الرحمن الرحيم" أزف الترحال بيد أن قلوبنا أبت الرحيل ففارقت أجسادنا وهوت إلى كنف الصداقة عندكم مأسورة، ثم إستقرت عندنا"وبقية الرسالة فيها معان جميلة، ومنها:" حينما فارقتني كنت في حالة ، لو أن أحدا من البشر خيرني فيها بين البعد عنك أو الموت، لكنت أجبته ضارعا: لبيك! جُد علي بهذه المكرمة" (الله ليس كذلك ص 31،32) ولايخفى مافي هذا المقطع الأخير من الرسالة أن القيصر ألف الإسلام والمسلمين، وهو يعلم أن سيذهب إلى أهل الهوى والضياع، والله أعلم.
ايضا كتب عالم الفلسفة اللاهوتية "أوليفروس" من كولونيا ، نهر الراين ،ألمانيا،وهو الذي شارك في الحروب الصليبية، عن المرؤءة والفروسية العربية، التي أثبتها في شخصية السلطان الكامل،كتب عام1221،:" منذ تقادم العهود، لم يسمع المرء بمثل هذا الترفق والجود،خاصة إزاء أسرى العدو اللدود، ولما شاء الله أن نكون أسراك، لم نعرفك طاغية، ولاسيدا داهية، وإنما عرفناك أبا رحيما شملنا بالإحسان والطيبات، وعونا منقذا في كل النوائب والملمات. ومن ذا الذي يمكن أن يشك لحظة واحدة في أن مثل هذا الجود والتسامح والرحمة من عند الله..إن الرجال الذين قتلنا آباءهم وأبناءهم وبناتهم وأخواتهم وأذقناهم مر العذاب، لما غدونا أسراهم وكدنا نموت جوعا، راحوا يؤثروننا على أنفسهم على مابهم من خصاصة، وأسدوا إلينا كل مااستطاعوا من إحسان، بينما كنا تحت رحمتهم لاحول لنا ولاسلطان"انتهترسالة الفيلسوف، إن الإنسان ليبكي لمثل هذا النموذج العجيب من المسلمين، وواحد من فلاسفة الغرب، يمدح النموذج الأخلاقي البارز ، تعلق زيغريد هونكه على رسالة "أوليفروس، :" هنا كان ينبغي أن يقرع ناقوس، وأن تتجاوب لرنينه نواقيس أخرى..وإذا كان عربي قد قدم مثل هذا البرهان على السمو الإنساني والمروءة المتناهية، فإن ذلك ليس بدعا أو حدثا مفردا، فثمة شواهد أخرى في هذا الصدد، ونذكر هذا الملك الإنجليزي ريتشارد قلب الأسد، الذي نشأ في الغرب تنشئة الملوك الشرفاء، فقد مرغ تلك السمعة الطيبة في العار، ودأب على تلويثها بشكل مخز دائما أبدا، فبينما أقسم بشرفه لثلاثة آلاف أسير عربي أن حياته آمنة.إذا هو فجأة منقلب المزاج فيأمر بذبحهم جميعا، ويحذوا قائد الجيش الفرنسي حذوه سريعا، وهكذا لطخ بفعلته النكراء، وسفكه تلك الدماء سمعته إلى الأبد، وضيع ثمرة إنتصاره في أذيال الخزي والهوان..وعلى العكس من هذا عرفنا صلاح الدين، الذي أخزى قواد الجيوش النصارى، فلم ينتقم قط من أسراهم الذي كانوا تحت رحمته، ردا على خيانتهم وغدرهم، وفظاعتهم الوحشية التي ليس لها حد"(الله ليس كذلك ص34) هذه هي فروسية الإسلام الحقيقية التي غابت عن كثير من مشاهد عالم اليوم، وشوهت حقيقتها بنماذج شائهة، تشبه في بعض صورها النماذج النصرانية لا الإسلامية، تضيف هونكه فتقول:" على العكس من المسلمين لم تعرف الفروسية النصرانية أي التزام خلقي يفرض عليها أن تسمح لأولئك" الكفار" بممارسة حقوقهم الطبيعية الأمر الذي يمليه على الأقل حق الجوار ومحبته، كما شعرت تلك الفروسية النصرانية بأنه ليس لزاما عليها أن تلتزم بكلمة الشرف التي تعطيها لغير النصراني. وحينما سفك فرسان الحملة الصليبية عام1204 حتى دم إخوانهم من النصارى في بيزنطة، أخذ نيكتاس أكوميناتوس يبكي مصارعهم قائلا:" بل إن محاربي المسلمين الأعداء أنفسهم، رحماء طيبون، قياسا إلى أولئك القوم، الذين يحملون صليب المسيح على أكتافهم"(الله ليس كذلك ص 35)
يقول توماس أرنولد عن تأثير ذلك في جنود النصارى:"يظهر أن أخلاق صلاح الدين الأيوبي وحياته التي انطوت على البطولة، قد أحدثت في أذهان المسيحيين في عصره تأثيرا سحريا خاصا، حتى إن نفرا من الفرسان المسيحيين قد بلغ من قوة انجذابهم إليه أن هجروا ديانتهم المسيحية، وهجروا قومهم وانضموا إلى المسلمين" ( الدعوة إلى الإسلام، توماس آرنولد،ترجمة حسن ابراهيم حسن وعبد المجيد عابدين واسماعيل النحراوي، مكتبة النهضة المصرية،1970م، ص111) وقد دعم كلامه عن ذلك بوثائق تاريخية منها كلام المؤرخ الذي رافق ريتشارد الأول في الحروب الصليبية:"...تراهم يتركون بني جلدتهم ويفرون للأتراك فلم يترددوا في أن يصبحوا في زمرة المرتدين"(الدعوة إلى الإسلام ص112) يعلق توماس على ذلك بقوله :" منذ ذلك الحين لا نعدم أخبارا عن المرتدين عن المسيحية "
خجل مابعده خجل
تقول هونكه:"تحت عنوان( الفروسية العربية تجعل القساوة المسيحية خجلا) من كتابها الإبل على بلاط قيصر:" لم يعد الانتماء إلى العقيدة وإنما روح الفروسية هي التي أصبحت تحدد الآن (من جديد) طبيعة الجبهات في ذلك اللقاء بين الشرق والغرب، تلك الروح تتناقض بشكل واضح مع الروح المسيحية التي تتسم بالتعصب والأفق الضيق" ثم تذكر هونكه ماحدث بعد حصار بيلاجيوس لقلعة دمياط أن السلطان الكامل:" قام بعدها، وبغض النظر عن ذلك الحدث بإنقاذ الجيش المسيحي بعد أن هزمه أمام القاهرة حيث بقى عدة أيام يعاني من الجوع الشديد وذلك أن استمر يرسل إليه وطوال أربعة أيام ب3000 رغيف كل يوم وغير ذلك من المواد الغذائية، وبذلك أبقى على ألد أعدائه وأعداء بلاده حين وقعوا بين يديه ومنعهم من التضور جوعا وذلك بدلا من أن يرد على الشئ بمثله. وقد كان لتلك السماحة صدى ملحوظ يتسم بالعرفان في كولون، ذلك أن دوملير أو ليفروس المكلف بالدعوة للحملة الصليبية كتب خطابا في عام1221 إلى السلطان يقول فيه:"منذ العصور القديمة لم يسمع المرء عن مثال بذلك الكرم من جانب أعداء تجاه أسراهم، ومنذ أن وضعنا الله بين يديك، لم نعرفك كطاغية أو حاكم، ولكن كأب لايفعل إلا كل ماهو طيب، أخذ بيدنا ونحن نواجه الأخطار، كذلك فإن ذلك العمل الشهم كان يصعب إداركه بالنسبة إلى رهبان كنيسة الروم في كولون:إذ من ذا الذي يمكنه أن يتشكك في أن ذلك الكرم والود وطبيعة القلب مسامدة من الله، ذلك أن الرجال الذين قتلنا آباءهم وأبناءهم وبناتهم وأشقاءهم بعد أن أذقناهم مر العذاب، قد قاموا هم أنفسهم بإمدادنا بطعامهم الخاص بهم ونحن مشرفون على الموت جوعا وعاملونا بمختتلف أنواع الكرم على الرغم من أننا كنا نخضع لسيطرتهم وسطوتهم".إلا أن ذلك العمل-والكلام لزيغرد هونكه- من أعمال الفروسية لم يكن استثناء فريدا، ذلك أن الشهامة العربية كانت تسبب المرة تلو الأخرى الخجل للمسيحيين الذين يعكرون السلام دون هوادة، مثلا كما فعل أوائل الفرسان الصليبيين في أنطاكية المحتلة، حيث يقرر أحد شهود العيان المسيحيين:" أنهم غطوا كافة أنحاء المدينة بالجثث.إلى درجة أنه لم يكن في وسع أي شخص أن يتوقف هناك بسبب الرائحة العفنة المتصاعدة منها"،ولم يكن في وسع المرء أن يعبر الشوارع إلا إذا وطأت قدماه رؤوس القتلى" وقد تمثلت الذروة المؤلمة لتلك القسوة المتناهية حين وقع في القدس التي تم الإستيلاء عليها فيما بعد" حمام دم آخر حيث إن رجالنا كانوا يخوضون في الدماء حتى الكاحل، كما حدث أيضا عندما حاول ميخائيل السوري في وصفه للفرسان الغارقين في الدماء من قمة رأسهم إلى أخمص أقدامهم عندما حاول أن يجعل صورة بطريرك القدس ترسخ في ذاكرة الأجيال التالية، حيث كان البطريك يجوس الشوارع قاتلا كل المسلمين ودخل كنيسة القبر ويداه ملخطتان بالدماء وقام بغسل يديه وهو يردد العبارة التالية من الإصحاح 58"سوف يفرح العادل عندما يرى ذلك الانتقام وسوف يغسل رجليه في الماء الكافرة". وحين حرر صلاح الدين القدس-ومازال الكلام لزيغرد هونكه-من جديد عام 1187 بعد أن ظلت 88 عاما تحت سيطرة الفرنجة، فإنه أبقى-على النقيض من تلك التصرفات المشار إليها تماما- على حياة السكان المسيحيين عن طريق إصدار أوامر صريحة بذلك إلى فرسانه، كما منحهم حرية الإنسحاب والحماية المسلحة أثناء ذلك، كما منح الموسرين مهلة أربعين يوما لتقديم الفدية، ومنح الأقل غنى حريتهم مقابل مبالغ بسيطة، وحين طلب منه أخوه أن يطلق سراح ألأف شخص دون آية مبالغ فإنه وافق كما فعل نفس الشيء بالنسبة إلى خمسة آلاف من كبار السن، وحين طلب شيخان من الذين شاركوا في عملية الاستيلاء على القدس، من صلاح الدين-وفقا لما يرويه أحد المؤرخين المسيحيين-أن يسمح لهما بالبقاء وقضاء بقية عمرهما في القدس، فإنه لبى هذه الرغبة وأمر بإعطائهما مايحتاجانه طالما كان يطلبانه، وهكذا أمضيا حياتهما هناك". وفوق ذلك فإنه منح عدوه الكبير، البطريرك الروماني، وقائد عملية الدفاع عن القدس وغيرهما من المدافعين، منحهم حريتهم بناء على رجائهم، وقد جعل حراسة يرافقونهم حتى حدود أراضي الفرنجة، حيق قام أحد فرسان الفرنجة ، بعمل يهزأ بالشهامة الإسلامية يمليه عليه تكوينه الدنيء حيث نهب وقتل كثيرين ممن أكلق سراجهم.
كذلك كانت السماحة والفظاعة تقفان على طرفي نقيض ممثلتان في ذلك الأسلوب الذي كان يتم التعامل به مع الأسرى،ذلك أنه حين وقع ملك القدس، جاي لوزيجنان في الأسر خلال المعركة السالفة بالقرب من حطين فإن صلاح الدين عامله بكرم وأطلق سراحه بناء على العهد الذي قطعه على نفسه أمامه بألا يشهر السيف في وجهه بعد الآن.إلا أن ذلك لم يمنع جاي دي لوزيجان من أن يخرق وعده على الفور، ذلك أن عقدة التفوق المسيحية كانت تسيطر على أمثاله وتجعلهم يقنعون ان المرء ليس في حاجة إلى أن يلتزم بالاتفاقيات التي يعقدها مع الكفار، كذلك فإن الملك الإنجليزي ريتشارد قلب الأسد الذي كان يعد مثالا للفروسية لشجاعته وانتصاراته ، قد لوث شهرته تلك بعمل يتسم ببشاعة لايمكن تصورها. ذلك أنه بعد الاستيلاء على عكا الذي نسبه ريتشارد لنفسه فقط، عاد الملك الفرنسي مع جزء من جيشه إلى وطنه، وأصبح الجزء المتبقي من الفرنسيين تحت إمرة دوق فون بورجوند."انتهي​

وكان تفاوض بشأن تبادل الأسرى، وتضيف زيغرد هونكه:" وفي اليوم الذي كان مقررا أن يتم فيه تسليم الصليب...أعطى الملك ريتشارد بعد أن استشار أصحابه، أوامره بشنق كافة الأسرة المسلمين أمام أنظار المفاوضين العرب بكل بساطة كان عددهم يقدر بما لايقل عن3000 عربي، وقد حذا قائد الجيش الفرنسي حذوه!، وكان مافاق تلك المذبحة في بشاعتها بالإضافة إلى ذلك أن هؤلاء الجشعين أخذوا يبحثون في أحشاء الموتى عن الذهب الذي ابتلعوه."(انتهي كلام زيغرد هونكه من كتابها الإبل على بلاط قيصر(ص97-100)
أكذوبة نشر الإسلام بالحرق والحديد والنار
أما أقصى الأحكام الاليمة المسبقة الراسخة ضد الإسلام، فترد عليها زيغريد بقولها:" يثبت التاريخ لنا أن الدور الحاسم في انتشار الإسلام يرجع إلى التسامح العربي. ولم يكن الآباء الروحيون للكنيسة فحسب هم الذين لم يتوقعوا ذلك. واليوم وبعد إنصرام ألف ومائتي عام لايزال الغرب النصراني متمسكا بالحكايات المختلقة الخرافية التي كانت الجدات يروينها، حيث زعم مختلقوها أن الجيوش العربية بعد موت محمد نشرت الإسلام"بالنار وبحد السيف البتار" من الهند إلى المحيط الأطلنطي، ويلح الغرب على ذلك بكافة السبل: بالكلمة منطوقة أو مكتوبة، وفي الجرائد والمنشورات، وفي الرأي العام، بل في أحداث حملات الدعاية ضد الإسلام"(الله ليس كذلك ص 40،41) وتؤكد زيغريد على أن ذلك الشعار المنتشر في الغرب، هو:" كذب لا اساس له من الصحة التاريخية او الحقيقة الواقعية، لاإكراه في الدين" تلك هي كلمة القرآن الملزمة كما ترد في الآية السادسة والخمسين بعد المائتين من سورة البقرة، فلم يكن الهدف أو المغزىللفتوحات العربية نشر الدين الإسلامي وإنما بسط سلطان الله في أرضه، فكان للنصراني أن يظل نصراني، ولليهودي أن يظل يهودي كما كانوا من قبل، ولم يمنعهم أحد أن يؤدوا شعائر دينهم ، وماكان الإسلام يبيح لأحد أن يفعل ذلك. ولم يكن أحد لينزل أذى أو ضررا بأحبارهم أو قساوستهم ومراجعهم، وبيعهم وصوامعهم وكنائسهم...لقد كان أتباع الملل الأخرى –بطبيعة الحال من اليهود والنصارى- هم الذين سعوا سعيا لاعتناق الإسلام والأخذ بحضارة الفاتحين، ولقد ألحوا في ذلك شغفا وافتتانا، أكثر مما أحب العرب أنفسهم، فإتخذوا أسماءا عربية وثيابا عربية، وعادات وتقاليد عربية، واللسان العربي، وتزوجوا على الطريقة العربية ونطقوا بالشهادتين. لقد كانت الروعة الكامنة في أسلوب الحياة العربية، والتمدن العربي، والسمو والمروءة والجمال –وبإختصار:السحر الأصيل الذي تتميز به الحضارة العربية عن الكرم العربي والتسامح وسماحة النفس- كانت هذه كلها قوة جذب لاتقاوم"(الله ليس كذلك ص 41،42)
هذا الشيء المدهش الغريب، والمثير والعظيم، من دخول الشعوب طوعا في الإسلام، استحال على الكنيسة المتربصة قبوله، و"أقض مضاجعها"، كما تقول هونكه، انه تأبي على فهم الكنيسة :" دخول شعوب الأقطار المفتوحة في الإسلام أفواجا بمحض إرادتها، دون مساعي إرساليات التبشير، ودون الإكراه في الدين، أجل! لقد كانت السماحة العربية والروح العربي وأسلوب الحياة العربي، مما إستحوذ على نصارى إسبانيا وليس كما زعم المبطلون زورا عيما، وهتانا أثيما- بأنهم أرغموا على الإسلام خشية السيف البتار ، والحريق بالنار"(الله ليس كذلك ص44)

مكتبة الإسكندرية والزعم بحرقها بأمر عمر بن الخطاب
ترد هونكه ايضا فرية حرق الفتح الإسلامي لمكتبة الإسكندرية ، وتؤكد أن النصارى هم من كانوا يقومون بحرق المكتبات،قبل الإسلام، فالقيصر كاراكلا اغلق الأكاديمية وذبح علماءها، والبطريق النصراني عام272 يغلق المجمع ويحرق مؤلفاته فيبيدها المشتعلون حماسا من النصارى، كذلك يحول القيصر فالنس"السيزار يوم" إلى كنيسة وينهب مكتبته ويحرق كتبها.. وفي عام391 يفلح البطريرك ثيوفيلوس في الحصول على إذن القيصر ثيودوزيوس لهدم " السرابيوم" كبرى الأكاديميات وأخرها ويترك الحريق يلتهم 300 ألف مخطوط ويشيد ديرا وكنسية على الأنقاض!، ويستمر هذا الحال حتى ينهي النصارى على مراكز الثقافة في الإسكندرية، ثم تؤكد هونكه بعد ان ذكرت تاريخ إفناء المكتبات على يد النصارى:" هكذا نرى أن المكتبات القديمة في مصر جميعا لم يكن لها أي وجود أيام دخول العرب الإسكندرية عام642(انظر ص74)، ثم تسخر هونكه من الزعم الغربي القائل ان العرب استخدموا الكتب في ايقاد حماماتهم لمدة ستة أشهر(اسطورة ايضا من أساطير الغرب) فتقول:" إن ذلك الرماد قد ذرته ريح الشمال قبل ذلك بستة قرون في الصحراء" ويثير ذلك غضبا كامنا متقدا في وجدان هونكه فتقول:" إن هذا الإنحطاط الفكري السادر يبين مدى إلحاح الغرب على إلصاق الأحكام المسبقة الظالمة بالعرب، ومدى استمتاعه غيا بتزييفه لحقائق التاريخ...سخيا بتفاصيل لا أساس لها سوى الخيال"(الله ليس كذلك ص 75) يالها من إمرأة تعلمت من جاوزت مكتبة أبيها ، وجدها، وغلبت رجالا كثر وانتصرت بكلمات تاريخية خالدة، هي من العمق بمكان، فلله درها.
دفاع زيجريد عن عمر رضي الله عنه
انها لاتسكت عن سرد الحقيقة كاملة، فتدافع عن عمرو ابن العاص فاتح مصر والإسكندرية، وتدافع عن عمر ابن الخطاب، الخليفة المسلم آنذاك، فتقول:" ولايخجل القوم هنا من إفتئاتهم على خليفة المسلمين عمر بن الخطاب المشهود له بأنه من أعظم مؤسسي الدول، وأجلهم قدرا وكفاءة، وعبقرية، يتهمونه بالسذاجة وضيق الأفق، واجهل الذي لاجهل بعده"(الله ليس كذلك ص 75) وقالت إن عمر نفسه هو من أملى نص المعاهدة أو العهد مع كافة البلدان المفتوحة بألا يخرب جنوده الأرض والزرع، وأن لايستبيحوا المال والعرض :" وهو عهد تتضاءل إلى جانب عظمته وحكمته كل عهود الأمان وإتفاقيات السلاح قبله وبعده وتتوارى في ظله خجلا" (ص76) ثم تذكر نص العهد القديم من المنسوب لوصايا موسى، سفر التثنية الإصحاح السابع، من الأعداد5-16، :" ولكن هكذا تفعلون بهم: تهدمون مذابحهم وتكسرون أصنامهم، وتقطعون سواريهم وتحرقون تماثيلهم بالنار.. وتأكل كل الشعوب الذين يهوه إلهك يدفع إليك، لاتشفق عيناك عليهم" وهنا نحب أن نسجل مالم تكتبه هونكه من سفر التثنية وفيه قتل النساء والرجال والأطفال وكل نسمة حية ، بلا اشفاق ولا رحمة، وعلى كل حال فإننا نجد هونكه تعرض نص معاهدة عمر بن الخطاب مع بطريرك الإسكندرية:"يسري هذا العهد على جميع الرعايا النصارى وقسسهم ورهبانهم وراهباتهم، ويعطيهم الأمان لأنفسهم حيث كانوا، ولكنائسهم وأماكن حجهم، والسماح لهم بزيارتها..."​

دفاع عن علم القرآن وتعليمه
كما أنها لاتقف عند الدفاع عن التاريخ الإسلامي ورجالاته العظام، لكنها تذهب للمصادر الأولى في تكوين العقل المسلم فتقول:" أمر الإسلام بتدوين القرآن"، كما وطلب العلم، وهذا مايفهمه عمر بن الخطاب من دينه، :" كان عمر على معرفة تامة بحرص الرسول وحثه على طلب العلم....إزاء هذه السماحة والانفتاح العالمي للغرف من المعرفة، مهما كان مصدرها، تتضح بلاهة الإدعاء المخترع للأمر بحرق الكتب... وعى المسلمون طلب النبي إليهم مسارعين في طلب العلم إخلاصا وشغفا، وقد جاء في القرآن" وقل ربي زدني علما" سورة طه الآية أربع عشرة ومئة. والإسلام يشكل الحياة منذ النشأة حتى المنتهى في كافة المجالات، غير غافل عن أي من تفاصيلها، وهو نفسه الذي أصدر أولى تعالميه إلى كل إنسان للسعي إلى طلب العلم...وأن"الساعي في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع" و" أن مداد طالب العلم يعدل عند الله دم الشهيد".إن هذه الطريقة التي شقها محمد والإسلام، والمباينة تماما لطريق النصرانية، إنما مكنت العرب من ارتياد المسالك والممالك وتقحمها، فحققوا سبقا أكيدا مابين خمسة قرون إلى ستة، مخلفين أوروبا تلهثت آنذاك وراءهم..وأنى لها غير ذلك وقد اقتدت بقول بوس" لأن حكمة هذا العالم هي جهالة عند الله"، ألم تكن هي التي أدانت الرغبة في طلب المزيد من العلم حتى إن آباء الكنيسة حاربوا العلم بحجة أن ذلك" يجعلهم يتردون في الخطيئة " ، مرددين بذلك ماأكده لهم تولليان حيث زعم أنه"بعد مجئ المسيح لايحق لهم" أن يكونوا محبي استطلاع أو أن يبحثوا في العلوم...-تعلق هونكه- فلا عجب إذن أن تحتم على الغرب الإنتظار طويلا(الله ليس كذلك ص 75-77)
تقول هونكه في كتابها شمس الله ، ان إقبال العرب على الكتب واقتناءها كان يشبه شغف الناس اليوم باقتناء السيارات واجهزة التلفزيون، :" نمت دور الكتب في كل مكان نمو العشب في الأرض.ففي عام 891م يحصي مسافر عدد دور الكتب العامة في بغداد بأكثر من مئة، وبدأت كل مدينة تبني لها دار للكتب..وان يجلس في قاعات المطالعة.ليقرأ مايريد، كما ويجتمع فيها المترجمون والمؤلفون في قاعات خصصت لهم...فمكتبة صغيرة كمكتبة النجف في العراق، كانت تحوي في القرن العاشر أربعين ألف مجلد، بينما لم تحو أديرة الغرب سوى إثني عشر كتابا ربطت بالسلاسل ، خشية ضياعها"(شمس العرب تسطع على الغرب ص 386)
وتذكر هونكه ابن طبيب صلاح الدين نفسه كان يملك ثلاثون ألأفا من الكتب، وهو ابن المطران، طبعا، هذا مسيحي في بلاد الإسلام، تأثر بالجو العام اما المسيحي الغربي ، وفي عالمه الأثير فكان يعيش جفاع العلم وفقدان الكتاب(شمس العرب ص387)
وتذكر أنه بينما كان شارل الأكبر يجهد نفسه لتعلم القراءة والكتابة ، وبينما كان أمراء الغرب يعترفون بعجزهم عن الكتابة أو القراءة، وفي الأديرة يندر أن تجد من رهبانها من يعرف قراءة الخط أو يمسك بالقلم، كما كان الحال في دير القديس جالينوس عام1291م،:" بينما كان هذا كله يحدث في الغرب ، كانت آلاف مؤلفة من المدارس في القرى والمدن تستقبل ملايين البنين والبنات، .. يتقدمون خطوة تلو الأخرى في المبادئ لقواعد اللغة...عن رغبة وإيمان، لأن من واجب كل مسلم أن يقرأ القرآن ، وهنا تتسع الهوة بين الشرق والغرب أيضا، فالكتاب المقدس لايجد الناس إليه سبيلا إذا استثنينا الكهنة ورجال الدين ..على خلاف ذك كانت الحال في العالم الإسلامي، لقد اهتمت الدولة بتعليم الرعية... لقد قدم العرب بجامعاتهم التي بدأت تزدهر منذ القرن التاسع ، والتي جذبت إليها منذ عهد البابا سلفستروس الثاني عددا من الغربيين من جانبي جبال البرانس ظل يتزايد حتى صار تيارا فكريا دائما، فقدم العرب بها للغرب نموذجا لأعداد المعلمين لمهن الحياة العامة وللبحث العلمي "(شمس العرب ص393-398)، فليس لمثل هذه الأمة أن تقوم بحرق المكتبات، ولا بالإعراض عن اقتناء الكتب وفحصها، كما أنه:" فلم يكن العربي يرضى ان يحرق فمه بأفكار سرقها عن غيره،فمن يرغب من المعلمين ان يحاضر عن كتاب يغيره ، وجب عليه أن يحصل أولا على إجازة من مؤلف هذا الكتاب"(ص398)​

دفاع زيجريد عن المرأة المسلمة..والقرآن المجيد
تحت عنوان (المرأة مضطهدة تنال الخسف في الإسلام)،في الفصل عرضت هونكه بعض الصور المتخيلة في الغرب عن المرأة المسلمة، مثل انها إحدى زوجات أربع قابعة خلف جدران(الحرملك) ،لم تُخلق إلا لإشباع رغبات الرجل،إلخ..وقالت:" والحق أن الإسلام برئ من كل هذا" ثم قالت:" إن القرآن الكريم بصفته الدستور الإلهي الذي ينص على التشريعات والحدود المنظمة لكافة المجالات الدينية والدنيوية، الشخصية والعامة؛ إنما يؤكد أنه لافرق بين الذكر والأنثى، لا في الجوهر ولا في التكريم، وساوى بينهما مساواة تامة في كافة العبادات وأمور العقيدة، وفي الناحية الخلقية الإنسانية البحتة كما في الأمور المادية والإجتماعية، بل إن أجر المرأة مساو لأجر الرجل"..ولهن مثل الذي عليهم بالمعروف.."(البقرة:228)، على أن تتمة الآية(228 من سورة البقرة) تبدو لنا وكأنها نقضت كل مايقال عن المساواة بين الذكر والأنثى:" وللرجال عليهن درجة"؛ فعلى المرأة إذن أن تطيع الرجل... ولاشك أن العربي لايجد أي تناقض أو تعارض هنا؛ ذلك أن هذه الدرجة لاتعني بحال تفضيلا خلقيا، بمعنى سمو الرجل مكانة عن المرأة، الأمر المغاير لمعنى الطاعة ومبررها يجى"يهو" وبولس الرسول والقديس توماس ومارتن لوثر؛ إذ إن طاعة المرأة لديهم جميعا تعني العقاب الإلهي للمرأة لاتكابها الخطيئة الأصلية الأولى، لأن حواء لديهم غوت وأغوت آدم، وإنما وسوست لهما كليهما، ولم يجعل الإسلام تلك الخطيئة وراثية. وإن الجنسين متكافئان خلقا نفخ الله فيهما الروح، والروح لاتموت... وكلمة الإسلام تعني لغة الامتثال لقضاء الله في خضوع واستسلام، والسلام ايضا صفة تميز السلوك بين الجنسين، ففي تعاملهما فيما بينهما تخضع هذه العلاقة للإمتثال القائم على الثقة والخضوع والولاء ولاتعني الطاعة" عبئا ينوء المرء تحته معانيا؛ بل إن المرء ليتمتع بخضوعه هنا، دون الحط من قدره، بل إنه ليبلغ بخضوعه أسمى الدرجات ، سواء في عبودية لله، أو في حبه لمن يحب... وساوى بينهم وبين الذكور في التربية، وبين ضرورة تعلم الجنسين"طلب العلم فريضة على كل مسلم"،"النساء شقائق الرجال"(الله ليس كذلك ص 61-64)
تكلمت هونكه ايضا على "تصور آخر خاطئ بشغل بال الأوروبي ويستبد به مجاوزا كل حد وقصد، على استثارته للطعن في خلفيات الإسلام؛ ذلك هو إباجة تعدد الزوجات "فتؤكد على أن الإقتصار على زوجة واحدة هو الصورة المثلى عند المسلمين والتعدد استثناء، وللتعدد ظروفه مشروط بشروطها"فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً "، تقول:" وفي هذا تنبيه كاف للمسلم قبل الإقدام على الأخذ بتلك الرخصة"( ص 65)
وتضيف انه كما للرجل حق الطلاق فللمرأة حق الخلع، وللمرأة حق التصرف في صداقهاـ وماتبقى إذا حدث طلاق، يدفعه الرد لتأمين وضعها ماديا، و:" ان يوفر لها نفقتها وكسوتها وكل ماتقتضيه الحياة الزوجية"واستخلصت:" وذلك يقودنا إلى جوهر العلاقة بينهما"(ص65)، وراحت هونكه تذكر فعل المرأة المسلمة في التاريخ بدء من خديجة رضي الله عنها ومرورا على نساء الأندلس :" لقد أدهشتنا المرأة الأندلسية بحضورها المشارك في الحياة العامة واعتداد عظيم بالنفس"(ص68)، عرجت ايضا على وضع المرأة في العصر الحديث وطالبت المرأة المسلمة بالحفاظ على أصالتها وحجابها وأن لاتتخذ المرأة الغربية قدوة لها(ص71)
فالمرأة ممجدة في الإسلام كما قالت هونكه، وتمجيدها ورفعتها برزت في مجالات كثيرة في الحياة كما أنها صارت حاضرة في الأدب والشعر، بإعتبارها إنسانة لها تأثيرها الإنساني الفريد على الرجل والأجيال كلها(انظر ص58)
تقول هونكه انه على العكس من موقف الأوروبي القديم فإن الرجل المسلم يتزلف إلى المرأة وهو يخطب ودها ويقدسها(تقصد أن يعلي من شأنها لدرجة احترام كبيرة)، ففي الغرب كـأن العملية تعاقدية، أما عند العرب فهناك عدم تزلف من جنس لجنس واعتداد بالنفس يفضي إلى عدم بذل الجهد في إرضاء المرأة، تقول هونكه إن هذا التصور يخالف ماهو شائع عن المرأة عند العرب من أنها ظلمت في الإسلام، وفي ظل حضارته الكبرى، تذكر هونكه أنه التاريخ الإسلامي لايحتفظ لنا فقط بدور خديجة في التجارة، ولكن فيما بعد الإسلام بدور نساء كن يدرسن العلوم الشرعية والطبيعية للرجال:" وشاهد الناس يدات يدرسن القانون والشرع ويلقين المحاضرات في المساجد ويفسرن أحكام الدين، فكانت السيدة تنهي دراستها على يد كبار العلماء ثم تنال منهم تصريحا لتدرس هي بنفسها ماتعلمته ،فتصبح الأستاذة الشيخة، كما لمعت من بينهن اديبات وشاعرات، والناس لاترى في ذلك غضاضة او خروجا على التقاليد. إن النساء في صدر الإسلام لم يكن مظلومات او مقيدات"(شمس العرب تسطع على الغرب ص 470) غير أن امور حدثت في عالم الإسلام غيرت وبدلت، حتى في الأندلس وقصور العباسيين:" والإسلام بريء من كل ماحدث، والرسول لم يأمر قط بحجب النساء عن المجتمع"(شمس العرب ص470) ورغم كل شيء فقي بقيت المرأة العربية في صدر الإسلام متعزة بنفسها وكرامتها..حتى إن البدوية نفسها في القرون الإسلامية الأولى كانت اكثر حرية وكرامة من سيدات الطبقة الراقية في قصور دمشق(انظر شمس العرب ص472)
موقف الإسلام من براءة ولادة الإنسان
تحت عنوان الصورة السائدة عن الإنسان المسلم، كتبت هونكه أن نقص المعرفة الغربية عن الإنسان المسلم يسبب التصورات الخاطئة.
فأولا:" فالإسلام لايقول أساسا بوارث الخطيئة الأصلية" ولا بأن أول إنسان كان أثيما، بمعنى أن الخطيئة أو الإثم ليس أصل الفطرة التي فطر الإنسان عليها، بل إن الإثم قد يغتفر إذا تاب الإنسان توبة نصوحا، حيث يغفر التواب الرحيم الذنوب"(الله ليس كذلك ص 37)، فالإنسان كما عبرت هونكه:" يحمل في ذاته مانفخه الله فيه من روحه، وهو في الوقت نفسه عبد لله، كفء لحمل التكليف، خليفة في الأرض"(ص38)
ثانيا..الخلاص،فعلى عكس ماتستند إليه النصرانية من فهمها للعهد القديم وركونها إلى رسائل بولس عن خلاص الإنسان بموت المسيح:" على العكس من ذلك يرى الإسلام شموله للعالم أجمع بوصفه"دين الفطرة التي فطر الله الناس عليها منذ بدء الخلق"(الله ليس كذلك ص38)​
 
دخول النازية في الفلسفة..هايدغر نموذجا.
ليست الفلاسفة كما يحاول احد المؤلفين العرب، في كتاباته، وهو محمد اركون ، كائنات خارقة، بما يوحي أن كلامهم الأخير انه مقدس ومطلق ، انهم كائنات من لحم ودم ، وميول وقلب، وعقيدة وعقل يقرر احدهم ،ويختم أقواله بختم خاص تنتمي اليه أعماله وأقواله التي سيحاسبه عليها الله تعالى.
فلاسفة اوروبا عاشوا ظروفهم وعوالمهم ونظروا لها بفسفات أُريد لها أن تكون مقدسة أو أبدية أو مطلقة أو مكونة مؤثرة.
كما أن بعضهم ساعد الإستعمار، وبعضهم أيد النازية وكان داعما كبيرا لها، وبعضهم دعم مجازر ستالين للمسلمين، إلخ.
أما هايدغر الفيلسوف الألماني فقد دعم الفكرة النازية ودعم هتلر والرايخ الثالث.
لننظر في مؤلف مُعاصر، مُترجم، صدر عام2012 بالعربية.
والمؤلَف هو كتاب (اساطين الفكر،عشرون فيلسوفا صنعوا القرن العشرين) والمؤلِف جان بول دروا، من خريجي المدرسة العليا للمعلمين التي خرجت كبار مفكري فرنسا، ومسؤول عن الصفحة الثقافية في جريدة لوموند، وهو الباحث في المركز الوطني للبحوث العلمية ، قال في كتابه هذا ،عن هايدغر ،أن:" كثيرا من الأدلة التي لاتدحض من محفوظات وشهود من معاصريه، وأعمال مؤرخين –لاتدع أي مجال للشك في حقيقة إلتزامه القطعي مع السلطات النازية، ومع مؤسسات الرايخ الثالث"(اساطين الفكر ،روجيه-بول دورا، ترجمه وقدم له د.على نجيب ابراهيم، دار الكتاب العربي،2012م، ص98)
فمعلوم حماس هايدغر للصليب المعقوف، والتحية النازية، وتمجيد الفوهرر، هتلر والقيادات النازية
البعض ممن يعتبرونه واحدا من أكبر المفكرين في الأزمنة الحديثة، يزعجهم ،في الوقت نفسه، :" أنه كان نازيا عميقا وشديدا" (اساطين الفكر ص 98)!، بعض تلاميذه قال تأثر لسنوات قليلة!​
وقد عرض جان بول دروا في كتابه هذا ، بجانب عرضه لموقف هايدغر، فكر مجموعة من الفلاسفة الذين أثروا على القرن العشرين ،، وهم أقطاب العلمانية المعاصرة (الذين بحسب المؤلف:تتكلل كتبهم الصعبة بهالة من الحماسة التي تقترب من العبادة، مقدمة المؤلف ص 15)، منهم فرويد، ألتوسير، ويفي ستروس، ديدروا، فوكو، هابرماس، ويلفيناس، دولوز، وغيرهم، وتوجد بينهم كما قال المترجم اشتراكهم في المساهمة في الفكر المعاصر المنطلق من البنيوية المبكرة إلى مابعد الحداثة ، مرورا بالنبيوية، ومابعد البنيوية، وماتخلل ذلك من تيارات ومدارس ونظريات كالماركسية ومابعد الماركسية، ونظريات العلامة، والحركة النسوية"(مقدمة المترجم لكتاب ساطين الفكر ،روجيه-بول دورا، ترجمه وقدم له د.على نجيب ابراهيم، دار الكتاب العربي،2012م،ص 8)
لاشك ان افكار هؤلاء جميعا شكلت وعي العلمانية الحديثة، في حداثتها المعاصرة، ومابعد الحداثة، ولاشك أن الإستشراق حاول الغرف من نتف هذه المذاهب والفلسفات ليجد له مكانا في العالم الأكاديمي، فالوقوف عند الأطروحات القديمة يعتبر عمل انتحاري، ولذلك لجأ الإستشراق، إلى الإستعانة، قليلة أو كثيرة، بالأفكار الفلسفية العلمانية التي انتجها هؤلاء وغيرهم، ومنهم هايدغر.
التعريف المبسط بهايدغر
تحت عنوان(حيث نُذكر بأن مارتن هايدغر كان يجد يدي هتلر جميلتين):" قال تربى مارتن هايدغر في الريف، في نهاية القرن التاسع عشر، في قرية كاثوليكية وفلاحية في جنوب ألمانيا. كان أبوه صانع براميل وخادما في الكنيسة الرعوية، وأمة ربة منزل...دخل المدرسة ، وباشر دراسة اللاهوت، وفي العشرين من عمره توقف عنها ، وإختار الفلسفة، في نهاية أزمة شخصية لانعرف عنها إلا أنها سجلت قطيعته مع الكاثوليكية.نشر في عام1927، وهو في الثامنة والثلاثين من عمره ، كتابا عاد عليه بشهرة صارخة جعلت اسمه ذائعا خارج الحدود الألمانية .كان دوي الكتاب مُباشرا، مع أنه صاغ عنوانه الذي هو "الوجود والزمن" صياغة ردئية، وكتبه بلغة غريبة تصعب قراءتها حتى على قراء اللغة الألمانية"(اساطين الفكر، ،ص91،92)
على الرغم من منافع التقنية العلمية فقد:" بدت له السيطرة التقنية على الأرض مرعبة ، فتسخير الطبيعة يُساوي في نظره، انتهاكا جنائيا، وبهذا يُعلن عن ملامح بعض تيارات حماية البيئة الراهنة"(اساطين الفكر،ص91) ولا اعرف كيف يؤمن فيلسوف بهذا وقد دمر حليفه العسكري(هتلر) الأخضر واليابس!
وقبل الحرب العالمية الثانية ومحرقات هتلر بإلقاء الدمار على دول أوروبا ، كان هايدغر يشعر-وايضا من جراء الحرب العالمية الأولى-ان " شيء عندنا في غاية التقهقر، ومثير للسخرية، وغير منتظم، ومُفعم بالجهل"هذه فكرة هايدغر كما يعرضها المؤلف(ص93)، راح هايدغر يهرب الى افلاطون ليجعل منه شيئا معاصرا كبيرا، أبا للعلم الحديث! :" إذا ليس الهروب من الحاضر على الإطلاق سببا لإستعادة هذا الجوهر الأول. ولايتعلق الأمر بالاحتماء بدراسة عقيمة لماض تليد. بل يتعلق على العكس ، بأن نجد، في سير " الخطوة إلى الوراء" في اتجاه الأصل المخفي، الوسيلة الجذرية التي تسمح بتخطي مآزق زمننا"(اساطين الفكر ص 94)، (وماأخفاه أو خفي عليه هو ماأظهرته زيغريد هونكه الألمانية، من الأصل المخفي في كتبها(شمس الله تسطع على الغرب) و(إبل على بلاط قيصر) و(الله ليس كذلك) وقد أفردت لموضوع الكتاب الثالث بابا في ملتقى الإنتصار للقرآن الكريم تحت عنوان(التعريف بكتاب(الله ليس كذلك) فليراجع.

لكن على الجانب الآخر راح هايدغر يساند هتلر والنازية، فتحت عنوان(الوجه المظلم) كتب صاحب كتاب اساطين الفكر:" من الستينات حتى الثمانينات . فحتى تلك الفترة، لم يكن ذُكر فعلا التزامه بالمؤسسات النازية، وإعجابه بهتلر، وأحكامه المعادية للسامية، وصمته المطبق عن المحرقة. في ذلك الزمن، لم يكن لهاديغر من جانب مظلم. ولكنه لم يعد كذلك الآن"(اساطين الفكر ص 95)
يذكر المؤلف أن هايدغر لم ينخدع-كما يقول بعض تلاميذه- لشهور بالنازية وهتلر لكنه كان في صميم الجهاز ، يؤمن بخلفيته الفكرية، أو على الأقل ببعض ركائزه، فالآن هناك عدة مؤلفات تتكلم عن هذا الأمر كشواهد تاريخية،:" تجسد هذا الواقع عام1910، في أول نص نشره هايدغر في الملاحظات العامة...، وهي مجلة ذات نزعة مُعادية للحرية والسامية.يُمجد فيه وجه المُبشر الأوغسطيني أبرهام إي سانتا كلارا..، المعروف بتعصبه القومي العنيف وبدعوته إلى المذابح ضد اليهود. فقد بحث هذا الرأس العبقري، في رأي هايدغر الشاب، عن "صحة الشعب روحا وجسدا". ولن يكف هايدغر بعد زمن طويل، في عام 1964، حيث صار مشهورا ، ‘ن أن يرى في هذا الذي قتل اليهود والأتراك "معلما كبيرا في حياتنا""(اساطين الفكر ص 96)
فبعد ستة أعوام من كتابة هايدغر للنص السابق في المجلة المعادية للحرية والسامية، كتب لزوجته،1916، بتاريخ(18 تشرين الأول-اكتوبر:" كتب إلى زوجته إيلفريد يقول:" إن تهويد ثقافتنا والجماعات مرعب فعلا، وأعتقد أن على العرق الألماني أن يجد مايكفي من القدرات الداخلية كي يصل إلى القمة ". وفي عام1918، بتاريخ 17 تشرين –اكتوبر، أسر إليها القول:" أُقر إقرارا مُلحا أكثر من أي وقت مضى بضرورة الفوهرر". وفي عام1920، بتاريخ 12 آب-أغسطس، ختم بالقول:" لقد أغرق اليهود والإنتهازيون كل شيء"(اساطين الفكر ص 96)

هايدغر عن هتلر: أرى هذا الرجل، الألماني الخالص، يغريزته الأكثر أصالة، الذي يدرك الضرورة القصوى لقدراتنا
بعد أكثر من عقد أعطى هايدغر صوته للحزب النازي:" لقد صوت هايدغر في عام 1932، كما أكد ابنه هرمان مؤخرا، لصالح الحزب النازي، وفي عام 1933، بتاريخ 12 آذار- مارس، كتب إلى إيلفريد أيضا بخصوص الفيلسوف كارل ياسبرس، وهو من أصدقائه المقربين،:" يُزعزع كياني أن أرى هذا الرجل، الألماني الخالص، يغريزته الأكثر أصالة، الذي يدرك الضرورة القصوى لقدراتنا(...) يبقى مرتبطا بزوجته". ينبغي التدقيق هنا ، فهذه الزوجة يهودية. ولقد أجاب على سؤال صديقه ياسبرس الذي سأله كيف يمكن أن يحمل رجل مثقف مثله ذرة إعجاب واحدة بشخصية تافهة وفظة كهتلر، بالقول:" يداه جميلتان جدا"(اساطين الفكر ص 96)

هايدغر رئيس جامعة في المانيا الرايخ الثالث،.. وتسهيل طباعة كتبه بأمر من وزير نازي
قال جان بول دروا:" حين صار هايدغر رئيس جامعة في المانيا الرايخ الثالث، دأب على تثوير الجامعة كي تكون على مستوى القدر المفترض للشعب الألماني. ولم ينتج عاره المزعوم، بعد استقالته، عن"مقاومته" بل نتج عن صراعات داخلية بين الإيديولوجيين النازيين، وعلى العكس، صار خطاب استلامه لرئاسة الجامعة تقليدا نازيا ، غالبا ماتستشهد به المنظمات الطلابية المعادية للسامية، وقد نُشرت آلاف النسخ حتى...1943، وبعد ليلة السكاكين الطويلة، في30 حزيران-يونيو، عام1934، شارك هايدغر في مشروع أكاديمية أساتذة الرايخ، حيث اقترح أن "يُعيد التفكير في العلم التقليدي انطلاقا من تساؤلات الحزب الوطني الاشتراكي".كذلك في عام 1943، حين كانت أزمة نقص الورق في أوجها، وجدت دار منشورات كلوسترمان أن الوزير وافق على تزويدها بشحنة ورق خاصة كي... تطبع مؤلفات هايدغر، فهل تعرض حقا للاضطهاد"(اساطين الفكر ص97)
وأضاف جان بول دروا:" الحقيقة أن هايدغر شهِد عام1933 في جامعة فيبورغ توقيف النقابيين، وإزعاج اليهود، وتكسير واجهات المخازن"غير الآرية". لكنه لم يأخذ طريق الأدغال أو سبيل النفي ، بل أخذ بطاقة انتسابه إلى الحزب النازي.فإذا سلمنا بأن فكره لم يدفعه إلى ذلك، لانجد شئيا من فلسفته يمنعه عنه-لاشيء يوقفه، ولا رادع يردعه"(اساطين الفكر ص98).
المنع من التعليم بعد الحرب، قال جان بول دروا :" بعد الحرب، وبحكم أن السلطات المتحالفة منعت هايدغر من التعليم طيلة الحياة، ولم تسمح له باستئناف التعليم، إلا في سنة1951، لم يُدن النازية إدانة علنية على الإطلاق. مثلما أنه لم يتخذ أي موقف من قتل ملايين اليهود. يُضاف إلى هذا الصمت، الذي يحتفظ به حتى عندما يزوره الشاعر بول سيلان لهذا الغرض،" التحيات الودية التي وجهها بمناسبة عيدي الميلاد ورأس السنة" عام1960 إلى عالِم الإعراق أوجين فيشر، الذي أسس وأدار معهد التطهير العِرقي، وألهم تجارب الدكتور مانجيل"(اساطين الفكر ص97)
مغزى العنوان
العنوان التي افتتحتُ به هذا الفصل اي (دخول النازية في الفلسفة) هو عنوان كتاب كتبه إيمانويل فاي ابن الفيلسوف" جان –بيير فاي(1925-) وقد نقد الأب "جان –بيير فاي" ل هايدغر:" ولاسيما أن فرنسا مفتونة بهذا الفيلسوف.لذلك قامت الأرض ولم تقعد سنة2007 حين أصدر ابنه إيمانويل فاي كتابه"(مقدمة مترجم كتاب اساطين الفكر ،روجيه-بول دورا، ترجمه وقدم له د.على نجيب ابراهيم، دار الكتاب العربي،2012م )
يقول الأبن إيمانويل في مقابلة مع مترجم كتاب اساطين الفكر،وهو الدكتور علي نجيب ابراهيم في مجلة الآخر التي يصدرها أدونيس، دار السلقي، بيروت، شتاء2012، في رده على سؤال لماذا يتكرر نقده لهايدغر:" ففي مؤلفاته الكاملة التي أعدها بنفسه قبل موته، نصوص شنيعة وشريرة للغاية تُعادل قسوتها أسوأ خطابات الفوهرر.إن هاهنا لُغزا فلسفيا غربيا، لغز العقل البشري؛ لأن هايدغر عقل قوي طبعا ونراه يُعنى بقسوته مثلما يعنى طباخ بمطبخه"(مقدمة المترجم لكتاب اساطين الفكر ص 11) ويقول الإبن ايضا:" إن تاريخ أوروبا غير قابل للسبر. ولشرح هذا الأمر يلزم مليون كتاب"(نفس الصفحة)​



المصدر: http://vb.tafsir.net/tafsir36100/#post201546#ixzz2Rw2qv6oG
 
إلا أنني أدعو إلى عدم ترجمة أكثر أعمال المستشرقين بمن فيهم من أسلم منهم ، وأستثني كتبهم التي يروون فيها قصص دخولهم في الإسلام !...فلتبق مؤلفاتهم حبيسة اللغات التي كتبت بها ، وليقصر توجيه خطابهم على أهل لسانهم ،..
حفظ الله فهمك وجزاك على نصيحتك للإسلام خيرا..
 
نعم ولكن ..
سأحاول اليوم أن أقدم مداخلة في الموضوع فقك كتبتها الا أن الكمبيوتر هنج وراحت المداخلة كاملة
 
عودة
أعلى