تطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات التفسير والسير والقراءات

تطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات التفسير والسير والقراءات


  • مجموع المصوتين
    6
إنضم
26/06/2011
المشاركات
40
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
مقدمة
إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله تعالى فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهدأن محمدا عبده ورسوله،أما بعد فلقد من الله تعالى على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بحفظ الدين ، فحفظ تعالى كتابه من الزيادة والنقصان ، أو أن يعتريه زور أو بهتان ، وقيض تعالى للسنة رجالا لم يعهد البشـر أمثالهم ، لله درهم ، حفظوا السنة في الصدور قبل السطور ، فعندهم الجرح والتعديل مسطور ، والتعليل منشور ، والجهد مبرور ، والاجتهاد مأجور ، من وحي القرآن استناروا ، ومن شمس السنة استضاؤا ، فجاء كلامهم نورا على نور ، فصار علم الحديث فخر المسلمين ، وسببا في تفضيلهم على غيرهم من العالمين ، ونظرا لأهمية هذا الموضوع وخطورته فقد شمرت له عن ساعد الجد ، وبحثت واجتهد ، لأسلك في هذا المضمار سبيلا رشدا ، سائلا المولى عز وجل التوفيق والسداد والرشاد ، إنه تعالى مولى ذلك والقادر عليه ، علما بأني كتبت هذا البحث لأهل التخصص ، ممن علموا قيمة علم الحديث ، وأهمية تطبيق قواعده في نقد الروايات الشرعية ، فلا يظن ظان من غير أهل هذا الفن ، أني قصدت به إقصاء تطبيقه في روايات التفسير والسير ، أو إهمال قواعد أهل الأثر ، وإنما فليمعن القارئ النظر ، ، وإني مع حرصي على إسعاد من قـرأ، وتوقِ نفسي إلى الاحتراز عن الخطأ، فإني أقـر بأن ملكتي في الكتابة غيرُ مستوفاة، وأن بضاعتي في العلم مزجاة،وإن الإنسان قد جُبل على الخطأ والنسيان ، فَحُقَ لي أن أتمثل الآن :
لو كان حفظ النفس ينفعها كان الطبيب أحق الناس بالعمرِ الداء داء لا دواء له سيان ما يوبي وما يُمرِي​
وأسأل الله عز وجلألا أكون كمن قال فيه القائل :​
فدع عنك الكتابة لست منها ولو سودت وجهك بالمداد​
ولست أقول كمن قال :
وإني وإن كنت الأخــــــــير زمانه لآت بما لم تســـــــــــــتطعه الأوائل​
بل حالي وحال أمثالي كما قال القائل :
فإنْ لامَني القومُ قلتُ اعذروا فليسَ على أعـرجٍ من حرَجْ​
وكما قال الأول – لله دره - :
وإن تجد عيبا فســــــد الخللا فجل من لا فيه عيب وعلا
والحمــــــــــــدُ لله على ما أوْلَى فَنِعمَ ما أوْلَى ونِعمَ المــولَى​
ورحم الله الثاني لما قال :
من ذا الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط​
ولا غرو " فإن الله أبى أن يتم إلا لكتابه جل وعلا" .
وما أجمل ما كتبه أستاذ العلماء البلغاء القاضي الفاضل عبد الرحيم البيسانيرحمه الله(ت: 596هـ) إلى العماد الأصفهانيرحمه الله(ت: 597 هـ ) معتذرا عن كلام استدركه عليه : " إنه قد وقع لي شـيء وما أدري أوقع لك أم لا وها أنا أخبرك به وذلك أني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتابا في يومه إلا قال في غده : لو غُير هذا لكان أحسن ولو زِيد لكان يستحسن ولو قُدم هذا لكان أفضل ولو تُرك هذا لكان أجمل،وهذا من أعظم العِبر وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشـر " .
وأخيرا فلا أجد أجمع لهذا المعنى ، وأحكم لهذا المبنى ، من كلمات الصحابي الجليل ، والحبر النبيل عبد الله بن مسعودرضي الله عنه" فَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَمِنَ اللهِ وَحْدَهُ ، لاَ شـريكَ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ خَطَأ فَمِنِّي وَمِنَ الشـيطَانِ ، وَاللهُ وَرَسُولُهُ مِنْهُ بُرَآءُ "
تنبيه
وهذا البحث طبع في هامش رسالة الماجستير في تخصص التفسير ، الخاصة بزوجتي أم محمد منى العزبي ، والتي كانت دراسة مقارنة بين تفسيري الخازن وابن كثير ، وإليكم بيانه :
البحث
ما جاء عن النبيصلى الله عليه وسلممن روايات التفسير ، أو ما جاء في معـرض التفسير عموما ، أي المرفوعات مما نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير ، فينبغي العمل فيها بقواعد المحدثين وأصولهم باتفاق .

وأما فيما جاء عن غيره ففيه تفصيل ، فللعلماء كلام منثور يقصـر عن استقصائه هذا المقام ، خلاصته أن :

فـريقا منهم لا يقبلون من الروايات سواء ما كان عنهصلى الله عليه وسلم ، أو كان عن غيره ، إلا إذا جاوزت قنطرة الثبوت صحة أو حسنا بالشـروط الخمسة المشهورة :
من اتصال السند ، والعدالة ، والضبط ، وانتفاء الشذوذ ، وانتفاء العلة القادحة ، فيجعلون الموقوفات والمقطوعات بل وما دونهما شقائق المرفوعات سواء بسواء نقلا وقبولا ، ويفصلون في حجيتها ،
فيفـرقون في الحجية والإلزام بين كل منها على الوجوه المعـروفة ، فالمرفوع (وهو ما نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلممن قول أو فعل أو تقرير أو صفة )قد رفعه الله تعالى لاتصاله برسول اللهصلى الله عليه وسلمقولا أو فعلا أو تقـريرا أو صفة ، والموقوف ( ما نسب إلى الصحابي ) يعظمونه إلا أنهم يوقفونه على منزلته ، والمقطوع ( ما نسب إلى التابعي ) مع إجلاله لا يقولون بقطعية حجته ولا إلزامه ، مع تقديم الموقوف والمقطوع على ما دونهما ، مع العلم أن الموقوفات والمقطوعات في التفسير أكثر بكثير من المرفوعات كما قال السيوطي في غير موضع في الإتقان " والمرفوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلمفي التفسير هو فِي غاية القلة "، كما قال مسـروقرحمه الله(كما في أصول التفسير صـ50) : "اتقوا التفسير فإنما هو الرواية عن الله تعالى" ، ويُذكر عن الإمام أحمد رحمه اللهأنه قال : " " ثلاثةٌ ليس لهَا إِسْنِاد: التفسير والملاحم والمغازي " وفي رواية عنه: " ثلاثةٌ لا أصل لها .." يعني أن الضعيف أكثرُ مِن الصحيح، والصحيحُ عنه مقارنة بما جاء في هذا الباب من المرفوع والموقوف لا يكاد يُذكر ، هكذا فسـره المحققون من أصحاب أحمد ، كما حكاه الزركشـي رحمه اللهفي "البرهان" بقوله: «قال المحققون من أصحابه : مُراده: أن الغالبَ أنه ليس لها أسانيدُ صِحاحٌ متصلةٌ، وإلا فقد صحّ من ذلك كثيرٌ؛ كتفسير الظلم بالشـرك في آية الأنعام، والحساب اليسير بالعـرض، والقوة بالرمي، وغيره» ، قلت وربما يعني أيضا : أن غالب رواة المرفوعات في التفسير أقل حظا في التوثيق من قِبَل الرواية من رواة المرفوعات في الأحكام وغيرها من الثقات والمقبولين ، خلاف ما يفهمُه بعضُهم من ظاهر لفظه بأنها تُروى بغير إسناد، وهذا غير صحيح؛ فإن الإمام أحمد قد أخرج جملة مِن الأحاديث في "مسنده". وقال في موضع آخر من "سؤالاته" وغيرها: "إنها ليس لها إسناد أو ليس لها أصل"، وهو أعلمُ الناس بما يروي، والأمثلة على ذلك كثيرة ، من ذلك : ما رواه في "مسنده" مِن حديث ابن عمررضي الله عنهما مرفوعاً: ((مَنِ اشترى ثوباً بعشـرة دراهم وفيه درهمٌ حرامٌ لم تُقْبل له صلاةٌ ما دام عليه))، قال فيه في رواية أبي طالب: (هذا ليس بشـيءٍ ليس له إسناد) ، ومنها: ما رواه عن أبي مِجْلَزٍ عن ابن عمر رضي الله عنهماأن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في الركعة الأولى من صلاة الظهر، فـرأى أصحابُه أنه قـرأ ( تنزيل ) السجدة، وقد قال أحمد: (ليس له إسناد) ، ومنها حديث "كنّا نَعُدُّ الاجتماع إلى أهل الميت وصَنْعَةَ الطعام مِن النياحة". رواه في "مسنده"، ونقل عنه أبو داود في "سؤالاته" قوله فيه: (لا أصل له) ، ثم كيف يُفهم ذلك عنه وقد نقل كثير من أهل العلم أن له (أي الإمام أحمد) تفسير ضخم حافل بمائة وعشـرين ألف رواية، صـرح بهذا الرقم أبو الحسين بن المنادي في تأريخه فيما رواه عنه القاضي أبو الحسين أبو يعلى حيث ذكر عبد الله وصالح ابني الإمام أحمد فقال: كان صالح قليل الكتاب عن أبيه، فأما عبد الله فلم يكن في الدنيا أحد أروى عن أبيه أكثر منه لأنه سمع المسند وهو ثلاثون ألفاً، والتفسير وهو مئة ألف وعشـرون ألفاً سمع منها ثمانين ألفاً والباقي وجادة... كما في طبقات الحنابلة(1/183) ، ونقله أيضاً الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد(9/375) ، والذهبي سير أعلام النبلاء(13/328،329) ، وأبو موسى المديني في خصائص المسند كما في مقدمة أحمد شاكر لمسند أحمد ص(23) ، وصـرح بهذا الرقم ابن الجوزي كما في "مناقب الإمام أحمد"ص(248) ، وقد ذكر هذا التفسير ابن النديم في"الفهرست"ص(285)، وشـيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوي"(6/389)،(13/355) ، ودرء تعارض العقل والنقل(4/228)، والداوودي في "طبقات المفسـرين" (2/22)، ومحمد السعدي الحنبلي(ت900 هـ) في "الجوهر المحصل في مناقب الإمام أحمد"، وحصل الروداني المغربي على إجازة روايته فذكره في ثبته ثم ساق إسناده إلى الإمام أحمد بن جعفـر القطيعي عن عبد الله بن الإمام أحمد عن أبيه كما في "صلة الخلف" ص(39) "لكن الإمام الذهبي أنكر وجود هذا التفسير، فبعد أن ذكر قول ابن المنادي قال: لكن ما رأينا أحدا أخبرنا عن وجود هذا التفسير ولا بعضه ولا كراسة منه ولو كان له وجود أو لشـيء منه لنسخوه... سير أعلام النبلاء(13/522) ،و(11/328،329)،ويبدو أن الإمام الذهبي– كما قال فضيلة الأستاذ الدكتور حكمت بن بشـير بن ياسين في مقدمة كتابه الموسوعي "الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور"(1/21)– لم يحظ بجزء أو كراسة من تفسير الإمام أحمد علما بأن جزءا من تفسير أحمد كان موجودا في زمنه حيث نقله بنصه وفصه الإمام ابن قيم الجوزية -وهو معاصـر للذهبي وتوفي ابن القيم سنة751 هـ أي بعد وفاة الذهبي بثلاث سنوات- فقال ابن القيم في بدائع الفوائد: ومن خط القاضي من جزء فيه تفسير آيات من القـرآن عن الإمام أحمد. ثم ساقه بأكمله في تسع صفحات إضافة إلى ذلك أن الحافظ ابن حجر أفاد من تفسير أحمد وصـرح بنقله منه والحق أن تفسير الإمام أحمد لم يشتهر كشهرة مسنده الذي ذاع صيته في الآفاق وكثر قصاده إلى العـراق " .
وقد أطلت في إثبات وجود هذا التفسير وصحة نسبته للإمام أحمد لبيان أن عددا كبيرا من الروايات التفسيرية قد نُقلت وقبلت عند الإمام فيُحمل كلامه السابق ذكره "ثلاثة ليس لها إسناد ....إلخ" على المحمل الصحيح ، فلا تُضعف بها الروايات التفسيرية بأنواعها المرفوعة والموقوفة والمقطوعة فما دونهما مطلقا ، كما قد يُفهم عند البعض ، ولعل الإمام الشافعي من هذا الفـريق الأول حيث ذكر أن أسانيد الروايات التفسيرية عن أحد أشهر وأكثر من نُقل عنه التفسير ألا وهو ابن عباس لا يصح عنه إلا القليل، كما ذكر البيهقي في "مناقب الشافعي"في (بابٌ ما يدل على معـرفته بصحيح الحديث)، فقال (الشافعي) : "ليس شـيء يصح عن عبد الله بن عباس في التفسير إلا شبيه مائة حديث"، فإذا كان هذا يُقال عن ابن عباس فما بالنا بمن دونه ؟! .

أما الفـريق الثاني فيوافقون الأول في ضوابط تلقي وقبول المرفوعات ، ويتسامحون أو ربما يتساهلون فيما عداها من روايات ، كما قال عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله ، وهو من هو في التثبت في الرواية : "إذا روينا في الثواب والعقاب وفضائل الأعمال، تساهلنا في الأسانيد، وتسامحنا في الرجال، وإذا روينا في الحلال والحرام والأحكام، تشدَّدنا في الأسانيد، وانتقدنا الرجال" ، ومثله ذُكر عن يحيى بن سعيد حيث قال : "تساهلوا في أخذ التفسير عن قوم لا يوثِّقونهم في الحديث - ثم ذكر ليثَ بن أبي سُلَيْم وجُوَيْبِرَ بن سعيدٍ والضَّحَّاك، ومحمد بن السائب. وقال: - هؤلاء لا يُحْمَدُ أمرُهم، ويكتب التفسيرُ عنهم" كما ذكر الخطيب البغدادي في "جامع بيان العلم" ، وذُكر عن إمام الجرح والتعديل يحيى بن معين – وهو إلى التشدد في القبول أقـرب – أنه قال :" اكتبوا عن أبي مَعْشـر حديث محمد بن كعب خاصَّة "، وذلك أن رواية أبي معشـر عن محمد بن كعب هي في التفسير خاصة، لا يكاد يكون له حديث في غيره" ،
قلت : وهذا التساهل لأسباب :
منها أن ضوابط الأحاديث إنما جُعلت في الأساس لقبول أو رد المرفوع ،
ومنها أن العلماء الذين اهتموا بجمع السنة والآثار إنما اتجهت همتهم في الأساس لجمع المرفوع بأسانيده وأما ما عداه فذكروا بعضا وضاقت أعمارهم عن سبر كل ما جاء من أسانيد الموقوف والمرفوع ، تشاغلا بالأهم وهو المرفوع ، أو تسامحا في قبول الموقوف والمقطوع فلطالما اعتنى الرواة الثقات بأمور الدين ، ومسائل الأحكام التي يحتاج إليها الناس في حياتهم، وحرصوا عليها، ونقلوها ،وتساهلوا- لقصر الأعمار - بغيرها، فقدموا الأهم ، ولَمَّا حُفظت الشـريعة ودونت، زادت العناية بعلوم التفسير والسِّير والتاريخ والفتن والمغازي وغيرها، لذا فهي في التابعين أظهرُ من الصحابة وفي أتباع التابعين أظهرُ من التابعين ، وهكذا " وربما قل اهتمام المتقدمين بتدوين التفسير نسبة لما صنفوه في الرواية والأحكام لأسباب أُخر منها أن " القـرآن نزل بلسانٍ عـربي مبين، يفهمه عامَّة الناس في القرن الأول ، وتفسير ألفاظه وبيانه عُد مِن فضول العلم عند كثيرٍ منهم، بل ربما فاق فهم الأعـرابي منهم لألفاظه ومقاصده فهم كثيرٍ مِن متأخري المفسـرين، وقد نزل القـرآن ليفهمه الناس في الغالب بلا تكلُّفٍ وبيانٍ، وهذا مقتضى التكليف بمجرد السماع وبلوغ الحُجَجِ للأسماع، كما قال تعالى: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله )، ولكن لمَّا توسَّعت بلدان المسلمين، وكثُرت الفتوحات، واختلط العـرب بالعجم، أصابت العُجْمة بعض أصحاب اللسان العـربي، فاحتاج كثير منهم للتفسير، وهذا أحد أهم أسباب قلَّة التفسير المرفوع، لأنه لا حاجةَ إليه عند أهل القرن الأول، حيث إنهم عـربٌ يُعـربون الكلام سليقةً كما قال الشاعـر:
ولَستُ بِنَحْويٍّ يَلُوكُ لِسَانَهُ ولكن سَلِيْقيٌّ أَقولُ فأُعـربُ "​
حتى أن كثيرا من مباحث اللغة في تفاسير المتأخرين لو عـرضتْ على العـرب عند نزول القـرآن لزَهدوا فيها ولعدوها عَيَّاً لا يحتاج إليه وإنما من باب إيضاح الواضحات .

لذا ينبغي التنبيه على أنه ربما ضعف سند لرواية موقوفة أو مقطوعة ، ولها من الأسانيد ما يصححها مما لم يُنقل إلينا أو فُقد، كشأن كثير من الأسانيد المسندة المفقودة كتفسير ابن أبي حاتم ، أو كتفسير ابن مردويه ، وغيرهما كثير من التفاسير المسندة ، فرد هذه الروايات مدعاة لضياع الكثير من العلم والتفسير فضلا عما جاء من موقوفات ومقطوعات في أصول العلوم وفـروعها من عقائد ، وفقه ، وسير ، ونحوها ، وهذا يفسـر أن بعض الأئمة يُطلقون ألفاظ الجرح على الراوي كالتضعيف، فيُشْكِل على الناظر في كتب الرجال والجرح والتعديل والعِلَل كيف تُصَحَّحُ له روايةٌ وقد ضعَّفه الأئمة،

ومن أسباب التساهل في قبول الروايات في هذا الباب:
- أن الروايات الموقوفة والمقطوعة وما دونها في التفسير هي أحد دعائم التفسير عموما والمأثور منه خصوصا فإن لم تصح سندا ، فلا أقل من قبولها استشهادا واستئناسا،
- ومنها أن التفسير بالآثار الذي هو أحد طرق الوصول لتفسير وفهم آي القـرآن، يقف في منزلة أعلى من منزلة التفسير باللغة، وبمعـرفة مرادفات وأصول واشتقاقات الكلمات لمعـرفة المعنى الأولى للآية، وهذا الثاني قد يأتي من رفض قبول الآثار الموقوفة والمقطوعة فضلا عما عداها، لعدم ثبوت سندها ، فيقبلها ، مع أن أسانيد اللغة التي تحوي أشعارا، وأقولا، وآثارا، قد تكون بالنسبة لما رفض من الأولى، أوهي من خيط العنكبوت ، فكيف يستقيم النقد عندئذ،
- ومنها أن كثيرا من أئمة التفسير الذين شهد لهم القادح قبل المادح بالإمامة في التفسير يُضعفون من قِبَل الرواية أو اختلف في قبول روايتهم كمقاتل بن سليمان والسدي الكبير وغيرهما كثير، فالكتابة عنهم في التفسير تُحتمل، لأنهم قد اعتَنوا بذلك، فصاروا مِن أئمة التفسير، وكذلك مِن أئمة اللغة، ويُحَّدث عن هؤلاء الضعفاء، وإن كان بعضهم لا يُعْتَمدُ عليه رواية إذ لو رددنا تفسير أمثال هؤلاء ، وروايتهم عموما وفي التفسير خصوصا ، لذهب من بين أيدينا دررا من التفسير ، وكنوزا من التأويل ، لا تتأتى من كتب اللغة ، ولا تدرك في كتب التفسير وقد أكثر بعض المفسـرين قديما من الرواية ومن الأخذ عن بعض ممن فسـروا ابتداء أو نقلوا آثارا مرفوعة وموقوفة ومقطوعة بل ومراسيل في التفسير واتهموا بالكذب والوضع ، أو ضعفت روايتهم تضعيفا شديدا كالسدي الصغير ، وكمحمد بن السائب الكلبي ، وكعطية العوفي وغيرهم كثير .

وإنما ليُعطى كلُ ذي حق حقه ، وليُنتقد كلُ علم بأصوله وضوابطه ، لا بأصول غيره وضوابطه ، وغيرها مما لا أستطيع سبر ذكره هنا ، وما أميل إليه هو التوسط بين ذلك ، فأقول ينبغي القول بأن لكل علم أصوله
- فلا ينتقد أئمة القـراء مثلا من منظور جرح وتعديل المحدثين ، إذا لرددنا إن فعلنا رواية حفص بن عمر ، بل وقـراءة عاصم بن أبي النَّجود، و مثلهما حفص بن سليمان، وغيرهما ، فالأخير قال عنه الحافظ ابن حجر في "تقـريب التهذيب" حفص بن سليمان: "متروك الحديث، وهو إمام في القـراءات"، وكذلك نافع بن أبي نُعيم المدني، وعيسى بن ميناء المدني المعـروف بقالون، وهو أحد الرواة عن نافع، روايته ضعيفةوإنما قد يُحكم على بعض الروايات الواردة في القـراءة من حيث السند للحكم على سندها ، لا للحكم عليها ، فإن للقـراءات ضوابط أخرى بجانب صحة السند ، وهي موافقة وجه نحو ، وموافقة الرسم العثماني ، إضافة لشهرتها بين القـراء الأول ، مما هو مبسوط في مظانه ، ولا تؤخذ القـراءة إلا عمن اشتهر قديما بأنه تام الإتقان ، كامل الضبط ، ويستثنى من ذلك ما أجازه بعض العلماء من جواز الاستشهاد ببعض القـراءات الشاذة في بيان بعض المعاني اللغوية فإنها لا تخلو عندهم من كونها مصدرا من مصادر اللغة المعتبرة ،

- ولا تُرد أسانيد السير بمحض قواعد الحديث ، إذا لرددنا كثيرا من سير ابن هشام ، ومغازي ابن إسحاق ، وقد يختص بعضهم في باب من الأبواب ، ويعتني به ، ويستفـرغ وُسْعه ، فيقدَّم على غيره فيه، وإن كان أوسع علماً وأكبر فضلاً منه ، فمجاهد بن جبر على سبيل المثال يُقدَّم في التفسير على غيره من كبار التابعين ، مع أنه مع جلالته ليس بأعلَمِهم في الدين ، وإنما لأنه مختصٌّ بالتفسير، كما قال هو عن نفسه : " القـرآن قد استفـرغَ علمي " فلتخصُّصه قدَّمه الأئمة على غيره ، لذا عد بعض أهل العلم من المعاصرين أن تطبيق مناهج الأئمة النقاد في الأحكام على روايات التفسير بحذافيرها من غير تفريق بينها وبين غيرها من الأخطاء المنهجية الجسيمة ،
وأن ما اشتهر عند بعض المتأخرين من تطبيق القواعد الحديثية التي نصَّ عليها العلماءُ فيما يسمى بعلوم الحديث ومصطلح الحديث على أسانيد التفسير، مخالف لمناهج الأئمة ، وهو الأمر الذي بلغ ببعضهم فـي رد مروياتِ كثيرٍ من المفسـرين مطلقاً ، كمرويات السُّدي إسماعيل بن عبد الرحمن، ومرويات محمد بن كعب ، ومرويات ليث بن أبي سليم في روايته عن مجاهد بن جبر، وغيرها باعتبار أن الأسانيد ضعيفة، وهذا – عند من أشرت إليهم - إفـراط .

ولذا يُقال والله تعالى أعلى وأعلم ، أن ضوابط وأصول علم الحديث عموما ، وعلم الجرح والتعديل حصوصا ينبغي أن تُراعى في المرفوعات من الحديث الشـريف ، وهذا مما لا خلاف فيه ، وأما ما عداها من قـراءات فإنما يُنظر للقـراءات بمنظور علم القـراءات ، وتؤخذ من مظانه في كتب القـراءات ، وما جاء في السير فتعتبر فيه قواعد المحدثين إلا أن يكون أحد المنقول عنهم قد اشتهر بحفظ السير ، وضبط المغازي ، مع كونه ضعيف الرواية في غيرها كرواية الحديث خصوصا ، فعندها لا ترد روايته بالكلية ، وإنما قد يتسامح فيها بضوابط سأذكر منها طرفا ،

وأما ما جاء في أسانيد التفسير فيعمل أيضا بقواعد المحدثين في المرفوع منها اتفاقا ، وما عداها فيؤخذ بها بضوابط سأجملها منها ،

- أن المنقول عنه ربما يكون إماما في التفسير وروايته ، وضعيفا من جهة الرواية فيما عداه ، خصوصا في الحديث فيُشار إلى ضعفه رواية ويُنبه على إمامته في التفسير ، أو جودته فيها ، كالسدي مثلا ،

- ويُفـرق بين ما ورد عنه هو ، وما نسبه هو علوا إلى غيره ، فـربما يُعتبر حينها تفسيرُه ، ولا يُصحح نقلُه ، وربما ينجبر ضعفه في رواية تفسير ما نقلا ، بكونه قد حاز تفضيلا في مضمار التفسير ،

- مع الأخذ بعين الاعتبار هذا الضعف والتنويه إليه كما سبق ، ودونكم أسانيد الطبري تبرهن ما أقول كخير مثال ، وهو الخبير بالرجال ، الخريت في العلل ، صاحب النفس الطويل في السبر والاستقصاء ، والنظر الثاقب في التعليل والانتقاء ، إلا أن يُقال إنه كتب وجمع ولم يبين كافة العلل من باب من أسند فقد أحال ،

- ومنها أن ما لم يثبت من روايات التفسير لا أقل من أن يعامل معاملة الحديث الضعيف عند من يرون بجواز الأخذ به في فضائل الأعمال والترهيب والترغيب ، من اشتراط ألا يكون شديد الضعف وأن يندرج تحت أصل صحيح ، وألا يؤخذ به في العقائد ، وألا يُعمل به إلا في فضائل الأعمال، ولا يُقال به إلا في الترهيب والترغيب، وألا يعتقد العامل به صحته، وأن ينبه القائل به على ضعفه ،

- هذا بالإضافة لكونه لا يعارض دليلا صحيحا، ولا يناقض نصا شـرعيا صـريحا ، وألا يُعارض بما صح من مرفوع، إلا أن يكون من الممكن الجمع بينهما من غير تكلف ،

- وهذا إنما يُعـرف بفعل أسلافنا فضلا عن قولهم ، وبسبر ما نقلوه من تفاسير، لم ترتق أسانيدها إلى الصحة أو الحسن مع كونهم قد سكتوا عنها ، بل وربما نقلوا المنقطعات منها، والمراسيل ، وما ذكروه بلاغا فحسب دون سند ، طالما أنها قد أتت في سياق ما جاء في الكتاب، وصح من السنة ، ولم يقدح في عصمة نبي ، ولم يشـرع أمرا ابتداء، ولم يحل حراما أو يحرم حلالا، ولم يُعن على بدعة ، وأَنْعِم بها من روايات لو شهد لها مع ضعف خفيف في سندها صـريح قـرآن ، أو مرفوع ثابت ، أو موقوفات ومقطوعات تصلح لأن تكون شواهدا ، فلا أقل من أن يُقبل من مثل هذه الأسانيد ما جاء في بيان حرف ، أو مرادف لفظ ، أو تبين لهجة قوم ، كقبول سائر العلماء لما جاء في كتب اللغة والبيان ،

بهذا نسلك سبيلا وسطا مستقيما في قبول ورد ما جاء من روايات التفسير، مع التنبيه أن قواعد المحدثين يُعمل بها اتفاقا فيما تعارض من الروايات والأسانيد عن أحد بعينه ، ويُلجأ إليها بداهة للترجيح بين الروايات حتى ولو لم يستحل الجمع بينها ، مع التمسك بأنه لا يجوز الأخذ عن كذاب أو وضاع اتفاقا في شتى علوم الشـريعة ، أسأل الله أن أكون قد وفقت في هذا المضمار تأصيلا وتطبيقا.

وكتبه الزوجان : أبو محمد أحمد التابعي ، وزوجه أم محمد منى العزبي
عفا الله عنهما
 
التعديل الأخير:
أرجو من الأخوة الأكارم كتابة ما يرونه محل انتقاد في البحث ، والموضوع قيد التدارس والنقد
وجزاكم الله تعالى خيرا
 
أخي ( الفجر الباسم ) جزاكم الله خيرا على هذه الروابط النافعة
 
إمام الجرح والتعديل يحيى بن معين – وهو إلى التشدد في القبول أقـرب –
إلا إنه يوثق أحياناً قليل الحديث ، كما وثّق أبا لبابة مروان الذي روى عن عائشة وأنس بن مالك
مذهب توثيق قليل الحديث، من ليس بالمشهور حتى لو لم يكن له إلا حديثٌ واحد. وهو مذهب ابن سعد وابن معين و
مناهج أئمة الجرح والتعديل
 
عودة
أعلى