ترجمة فضيلة الشيخ الدكتور أحمد بن عبد الله المقري - رحمه الله-

إنضم
08/09/2007
المشاركات
208
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
المدينة المنورة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد :
فإن من حق أهل العلم والفضل أن يُخَلَّد ذِكرهم، ويُنشر فضلهم، لا سيما بعد موتهم، فهو من أولى الواجبات على تلاميذهم ومحبيهم.
وإن من أهل العلم والفضل، الذين تشرفتُ بمعرفتهم، والتتلمذ عليهم في مقاعد الدراسة الجامعية، ثم صحبتهم في قسم القراءات في الجامعة الإسلامية: فضيلة شيخنا وأستاذنا الشيخ أحمد بن عبد الله الْمَقَري – رحمه الله- الذي فُجعنا بوفاته في شهر محرم من هذه السنة، فما إن استيقظتُ من هول هذه الصدمة، حتى دار أمام عيني شريط الذكريات الجميلة مع هذا الشيخ الجليل العالم الخَلوق البشوش العابد الزاهد، فرأيت من حقه علي أن أكتب ما أعلمه عنه من كريم الخصال، وحسن المقال، وبعض الطرائف والنوادر، ضمن ترجمة موجزة لفضيلته أجمع فيها بين المنهج العلمي والإنشاء الأدبي:
وقد جعلت هذه الترجمة على النحو التالي:
المبحث الأول: اسمه ونسبه
اسمه ونسبه: هو الشيخ أحمد بن عبد الله بن أحمد الْمَقَرِي العلوي الشنقيطي، اشتُهِر بالْمُقْري بضم الميم في الجامعة الإسلامية، والمشهور عند جماعته بفتح الميم والقاف، وسمعتُه مرةً ينطقها بقاف مفتوحة بعدها ألف: (الْمَقَاري)، وهو لقب لجد جده: أحمد المقاري بن الطالب محمد.
سماه أبوه: الشيخ أحمد تفاؤلاً ، فصار شيخاً بتوفيق الله تعالى، وسمى أخاه : السيد أحمد.
وقد أملى الشيخ أحمد المقري رحمه الله نسبه علي فقال:
الشيخ أحمد بن الطالب عبد الله بن سيدي أحمد بن عبد الرحمن الملقب (النينّه) بن أحمد الْمَقَاري بن الطالب محمد بن المختار الملقب (إِيجِيوَن) بن أَبِيجَ [ وهو لقبٌ أصله : أبي جاء] بن يحيى بن علي العلوي الشنقيطي.
نسبته العلوي: إلى قبيلة إدَاوَعْلِ : وهي كلمة باللهجة الحسانية معناها أولاد علي، وهي قبيلة أصيلة عريقة من قبائل العرب في موريتانيا ، من أشهر من ينتسب إليها من أهل العلم: الشيخ العلامة الفقيه الأصولي سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي صاحب النظم الشهير في أصول الفقه المسمى (مراقي السعود). ولصاحب المراقي كتاب في نسبهم سماه: (صحيحة النقل في علوية إداوَعْل)، يذكر فيه انتسابهم إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والله أعلم.
المبحث الثاني: مولده ونشأته:
وُلد في شنقيط سنة 1372هـ /1952 م كما أخبرني بذلك ابنه حسن ، من واقع وثائقه الشخصية، ثم قدم مع أهله إلى بلاد الحرمين الشريفين وهو ابن ثمان سنين.
ونشأ نشأة صالحة في أسرة فاضلة معروفة بالعلم والدين والطب، بين أبوين صالحين، فأنبته الله نباتاً حسناً، وبدأ بحفظ القرآن الكريم ومتون العلم في بلاد شنقيط واستمر على ذلك بعد قدومه مع والديه إلى المدينة المنورة، فحضر دروس العلماء الكبار أمثال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي وغيره.
المبحث الثالث: دراسته وطلبه للعلم وشيوخه وإجازاته
كان الشيخ أحمد المقري – رحمه الله- من الذين جمعوا بين التتلمذ على الشيوخ في حلقات العلم في المساجد وغيرها، وبين الدراسة النظامية، فالتحق بالدراسة النظامية على كِبَرٍ في السن وأتَمَّها ، ثم التحق بالجامعة الإسلامية، فكان من أوائل الطلاب الذين درسوا في كلية القرآن الكريم في الجامعة الإسلامية، وتتلمذ على الشيوخ الكبار مثل الشيخ عبدالفتاح القاضي والشيخ المرصفي والشيخ عبد الرافع والشيخ محمود جادو والشيخ محمود سيبويه البدوي وغيرهم، وحفظ فيها الشاطبية والدرة في القراءات، ومتن مورد الظمآن في رسم القرآن ، ومتن الفرائد الحسان في عد آي القرآن، وغير ذلك من العلوم التي كان يقوم بتدريسها آنذاك ثُلة من كبار العلماء من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، كانت تزخر وتفخر بهم الجامعة الإسلامية، ففي ذلك الجو العلمي درس الشيخ أحمد المقري، وتخرج في كلية القرآن الكريم وحصل على شهادة البكالوريوس، ولم يكتفِ بها، بل علت همته إلى مواصلة الدراسات العليا في الجامعة الإسلامية، فعُيِّن معيداً في كلية القرآن الكريم، ودرس الماجستير وحصل عليها في تاريخ 18/3/1405هـ ، ثم حصل على الدكتوراه في تاريخ 28/3/1409هـ.
ثم عيِّن أستاذاً مساعداً في قسم القراءات بكلية القرآن الكريم.
وفي سنواته الأخير قدَّم أربعة بحوث وتمت ترقيته إلى أستاذ مشارك، فنفع الله به قسم القراءات وقام بالإشراف والمناقشة لعدد من الرسائل.
إجازاته في القرآن والقراءات:
لم يكتف الشيخ أحمد المقري – رحمه الله- بما حصَّله من علم القراءات في مقاعد الدراسة الجامعية في كلية القرآن الكريم، حيث يعرض الطلاب على مشايخهم ختمة كاملة بالقراءات السبع من طريق الشاطبية في السنوات الثلاث الأولى ، وفي السنة الرابعة ختمة بالقراءات الثلاث من طريق الدرة، وكانت الطريقة المتبعة: أن يقرأ كل طالب آية أو آيتين يجمع فيها القراءات، ويستمع الآخرون. فيكون الطالب المواظب على الحضور قد تلقى القرآن الكريم بالقراءات عن مشايخه: قراءةً منه لبعض القرآن وسماعاً منه للبعض الآخر بقراءة زملائه.
وزيادةً في الإتقان، واتباعاً لطريقة أئمة هذا الشان، رغب الشيخ أحمد المقري في عرض القرآن الكريم كاملاً بقراءته على المشايخ المسندين في كلية القرآن الكريم.
فقرأ على فضيلة الشيخ عبد الرافع رضوان – حفظه الله- ختمةً برواية حفص من طريق الشاطبية ، وأجازه بها، بتاريخ 1/12/1411هـ.
ثم قرأ بعد ذلك على الشيخ محمود عبد الخالق جادو – رحمه الله- ختمةً بالقراءات السبع من طريق الشاطبية، وأجازه بها.
ثم قرأ عليه ختمة أخرى بالقراءات الثلاث المتممة للعشر ، وأجازه بها أيضاً.
ولبداية قراءته على الشيخ محمود جادو قصة طريفة أخبرني بها – رحمه الله- ، وهي أنه ذكر للشيخ محمود جادو رغبته في عرض القراءات العشر عليه، ولكن الشيخ أحمد تأخر قليلاً في ذلك، إلى أن لقيه الشيخ محمود عبد الخالق جادو -رحمه الله- ذات يوم فقال له : يا شيخ أحمد اقرأ علي القراءات العشر قبل ما يجي الراجل!
فقال الشيخ أحمد: من الراجل؟
قال : عزرائيل ، يعني ملك الموت.
قال الشيخ أحمد المقري: فقرأتُ عليه القراءات السبع من طريق الشاطبية، ثم القراءات الثلاث من طريق الدرة، ثم توفي الشيخ بعد ذلك – رحمه الله- وهو في مطار القاهرة ينتظر الطائرة راجعاً إلى المدينة المنورة. وكان ذلك يوم الخميس 19/8/1418هـ.
وفي ذلك دروس وعبر: منها:
- أن طالب العلم لا يمنعه عن مواصلة العلم وطلبه: كبر سن، ولا حصول على شهادة عالية، بل كلما ازداد علماً؛ أحس بحاجته إلى المزيد تحقيقاً لقول الحق تبارك وتعالى: {وقل رب زدني علماً}فمن ظن أنه عالم واكتفى بعلمه ولم يطلب المزيد فهو جاهل.
- عناية الله عز وجل بأهل القرآن حيث قيَّض للشيخ أحمد الْمَقَري أحد شيوخه المتقنين يستنهض همته للقراءة عليه، ويعطيه من وقته، ويذكّره بالمسارعة في قراءة القرآن قبل حلول الأجل.
- الحرص على إتقان القراءة أولى من الحرص على الحصول على مجرد علو الإسناد. يؤخذ من قراءة الشيخ أحمد الْمَقَري على الشيخ محمود جادو (أحد تلاميذ الشيخ الزيات) – رحم الله الجميع- مع أنه يمكنه القراءة على الشيخ أحمد الزيات مباشرة، وقد سألتُ الشيخ أحمد المقري : هل قرأتم على الشيخ الزيات القراءات؟ فقال: ((قرأتُ على أحد تلاميذه المتقنين: الشيخ محمود جادو)). وفهمتُ من كلامه أن الشيخ الزيات قد كبر وجاوز الثمانين آنذاك، وأنه يخشى أن يفوت عليه - بحكم كبر سنه- التنبيه على بعض الأوجه، أو التصحيح لبعض أخطائه في التلاوة ، ففضَّل أن يقرأ على الشيخ محمود جادو مراعاةً لإتقان التلاوة على حساب النزول في الإسناد درجة. أسأل الله أن يرفعه في الجنة درجات.
المبحث الرابع: مؤلفاته وآثاره العلمية:
ترك الشيخ أحمد المقري – رحمه الله- عدداً من المؤلفات والتحقيقات والآثار العلمية النافعة ، فمنها:
-الإمام الشوكاني وإيراده للقراءات فيتفسيره.
وهي رسالة ماجستير بإشراف الشيخ الدكتور عبد القادر شيبة الحمد، نوقشت في 2/3/1405هـ .
- الدر النثير والعذب النمير في شرح مشكلات وحلمقفلات اشتمل عليها كتاب التيسير تأليف: عبد الواحد بن محمدالمالقي (ت705هـ) ـ دراسة وتحقيق.
وهي رسالة دكتوره، بإشراف الشيخ الدكتور محمد سالم محيسن، نوقشت في 24/2/1409هـ ثم طبعت في 3 أجزاء ، اعتمد في تحقيقها على أربع نسخ خطية .

ولم يكن – رحمه الله- يأبه بالترقيات، ولعل هذا هو السبب في تأخره في كتابة بحوث الترقية ، إلى أن أشار عليه بعض الشيوخ بكتابتها لينتفع القسم منه في الإشراف والمناقشة، فكتب بحوثاً للترقية في سنواته الأخيرة، فرُقِّي إلى أستاذ مشارك فنفع الله به في الإشراف والمناقشة، رفع الله درجاته، وضاعف حسناته : وهذه البحوث الأربعة هي:
- عبد الوهاب بن السلاّر وكتابه طبقات القراء السبعة وذكر مناقبهم وقراءاتهم.
- رسالة في وقف حمزة وهشام ، من تأليف الشيخ أحمد المقري. نُشر في مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة , العدد 132 عام 1426هـ
- قرة العين في معنى قولهم تسهيل الهمزة بين بين لابن القاضي المكناسي (ت 1082هـ) دراسة وتحقيق، نشر في مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة , العدد 135 عام 1427هـ.
- دراسة لكتاب شرح طيبة النشر للنويري ، نُشر في مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة واللغة العربية - رمضان 1428هـ.
وهذه البحوث منشورة في الشبكة ويمكن تحميلها من هذا الموضوع
http://vb.tafsir.net/tafsir18033/

كما ترك الشيخ أحمد – رحمه الله- مكتبةً زاخرة بالكتب وضعها في المسجد الذي في طرف بيت والده (وهو جزء من بيت والده جُعل مسجداً تُقام فيه الصلاة، يصلي فيه الشيخ أحمد – رحمه الله- وجيرانه).
وقد رأيتُ ضمن الكتب: كتاب مفردات الراغب الأصفهاني، وقد بلي من كثرة القراءة والمطالعة فيه.
المبحث الخامس: مناقبه وصفاته ونوادره
كان الشيخ أحمد المقري – رحمه الله- فيما أحسب مِن عباد الله المخلصين، وأوليائه الصالحين.
فكان رطبَ اللسان من ذكر الله ، شديد المحبة لرسول الله r مكثراً من الصلاة عليه r، إذا ذُكر رسول الله r حن قلبه شوقاً إليه، رأيتُه مرةً وقد أخبره أحد الأشخاص بأنه رأى النبي r فأقبل عليه الشيخ أحمد يستمع إلى الرؤيا، ولم يتمالك نفسه، فذرفت عيناه محبةً وشوقاً إلى النبي r .
وكان يغرس في طلابه : الإخلاص لله ، وسلامة الصدر ، والانكسار لله ، وتدبر آيات القرآن الكريم.
فكم من آية لفت انتباهنا إلى معنى فيها كنا عنه غافلين.
وكم موعظة منه بلسان الحال أبلغ من بعض كلام الواعظين.
ومع ورعه وزهده فهو دائم البشر ، كثير الابتسامة في وجه من يلقاه ويسلم عليه.
لا يخلو مجلسه من طرائف ونوادر تعجب السامعين وتدخل عليهم السرور.
ولا أبالغ إذا قلتُ : إنك لا تكاد تجد له مبغضاً.
وكان يكثر في دروسه من اللفتات الإيمانية التي يحرص على التذكير بها ، من ذلك: استحضار الإخلاص لله لا سيما في الرسائل العلمية والبحوث ، ويقول : نحن نكتب على رسائلنا: رسالة مقدمة (لِنَيْل) درجة الماجستير والدكتوراه.
فنحن نشهد على أنفسنا بعدم الإخلاص ونكتب ذلك على رسائلنا!
ويقول: (لِنَيْل...) على وزن ومعنى (لِغَيرِ) الوارد في الحديث (من تعلم العلم لغَيْرِ الله...).
ومرةً قال لي: انظر إلى هذا الكم الهائل من الرسائل العلمية التي ملأت رفوف الجامعات، تجدها ذات خطط محكمة ومناهج ثابتة، ولكن لم يُكتب لها من القبول كما كُتب لبعض كتب سلفنا الصالح كالموطأ ورياض الصالحين وغيرهما، والسر هو شدة إخلاص أولئك الصالحين.
ومن صفاته – رحمه الله- : رباطة جأشه وصبره : خصوصاً عند غضبه، وعند مرضه يُرى في غاية الهدوء.
ومن صفاته الرفق في الأمر كله، والبعد عن التكلف .
وكان مكثراً من ذكر الموت والقبر واليوم الآخر، أخبرني أحد الإخوة عن أهل الشيخ أحمد رحمه الله أنه هب من نومه في إحدى الليالي وأغلق المكيف ووضع جنبه على الأرض، فسألته زوجته عن ذلك، فقال: تذكرت القبر حيث لا برد ولا فراش!

وكان – رحمه الله- قد سلك منهج التيسير على الطلاب ديانةً لله ، لا يريد منهم جزاءً ولا شكوراً.
ومن مواقفه الجميلة الطريفة التي لا أنساها، أنه أشرف علي في إحدى البحوث الفصلية في المرحلة الجامعية، وكان البحث آنذاك مادة مستقلة عليها 100 درجة.
فواجهتني صعوبة في البحث، وهي أني كلما كتبت شيئاً من البحث (ولم أكن عرفت الكتابة بالحاسب آنذاك) ؛ أجدني غير راضٍ عنه، فأمزق ما كتبت وأعيده مرةً أخرى، طلباً للكمال، فلما تمادى بي الحال، وضاق الوقت؛ شكوتُ إليه ما أصابني، فنزلت كلماته الأبوية الحانية علي بلسماً شافياً ومثلاً سائراً، فقال: (( لا يا ولدي، اكتب، اكتب، ولا تتوقف، نحن لا نأتي بجديد، إنما ننقل من الذين سبقونا من العلماء، الأمر أيسر مما تظن، المهم استمر في الكتابة ولا تتوقف ، حتى إذا انتهيت من كتابة البحث أعد النظر فيه، وأصلح ما يحتاج إلى إصلاح))
ثم ختم كلامه رحمه الله مستشهداً ببيت من الرجز هو :
((خُذْ مِنْ هُنا وَضَعْ هُنا وقُلْ وَاضعُه أنا ! ))
ومن الفوائد التي أفادني بها : قصيدة الشيخ عبد الله بن سيدي محمود الشنقيطي المسماة : أمنية الداعين بأسمائه التسعة والتسعين ، التي توسل فيها بأسماء الله التسعة والتسعين مستنصراً بها الله، فنصر الله الشيخ الشاعر المذكور وقبيلته على من عاداهم، فصار كثير من الناس في موريتانيا يحفظون هذه القصيدة تيمناً بما اشتملت عليه من أسماء الله الحسنى.
وقد أعطاني – رحمه الله- هذه القصيدة في ورقة . والقصيدة منشورة في هذا الموقع:
http://www.chatharat.com/vb/showthread.php?t=1123
ومن الطرائف التي أخبرني بها : قصةٌ واقعية حصلت لأحد الشناقطة – زمن الملك فيصل رحمه الله- ، حيث عُيِّن إماماً في أحد المساجد في مدينة الرياض، وقيل له : اقرأ برواية حفص، وصلِّ بالناس على مذهب الإمام أحمد، فمكث يصلي بهم مدةً بذلك، حتى إذا حضرت صلاة المغرب في أحد الأيام، لم يحضر أحد من جماعة المسجد، فأقام الصلاة ، وتقدم وصلى وحده فسدل يديه كما يفعل المالكية، وقرأ الفاتحة برواية ورش فقال: (ملك يوم الدين) ، فما إن فرع منها حتى سمع صوت بعض الناس خلفه يقولون: (آآآمين) ولم يكن شعر بحضورهم،
فقبض يديه مباشرة ووضع اليمنى على اليسرى ورفع صوته قائلاً: (مالك يوم الدين)!
وقفاته في تدبر آيات القرآن أثناء تدريسه للقراءات:
من ذلك :عندما قرأ أحد الطلاب قوله تعالى: {فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم}قال رحمه الله: {فأسرَّها} ماذا أسرّ؟
فطفق الطلاب يجيبون باجتهاداتهم ، فلما عجزوا قال لنا : اقرؤوا ما بعدها: {قال أنتم شرٌ مكاناً ...} أسرَّ هذه الكلمة ولم يبدها لهم، محالٌ أن يواجههم بهذه الكلمة، وإنما قالها في نفسه.
وأخبرني مرة أنه كان كثيراً ما يتدارس مع والدته رحمها الله معاني بعض الآيات القرآنية فيذكِّر كلٌ منهما الآخر بما يفتح الله عليه.
وأخبرني عن والده -رحمه الله -أنه كان لا يفوته قيام آخر الليل ، فإذا لم يبق عن الفجر إلا نصف ساعة أخذ يدعو الله بدعاء كثير بليغ ، حتى إنه مِن كثرة دعائه لا يكاد يعيد شيئاً منه.
وأخبرني عن والده أنه عندما حضرته الوفاة، جعل الحاضرون يلقنونه : لا إله إلا الله ، فلما أكثروا عليه، قال : لا إله إلا الله فقط! أين : محمد رسول الله؟، ثم قال: ((لا إله إلا الله محمد رسول الله)) وفاضت روحه رحمه الله.
كان الشيخ أحمد كأبيه وأهل بيته من أهل الطب الشعبي، وقد نفع الله به كثيراً من المرضى لا سيما من كان مصاباً بعِرْق النَّسا، فأهل بيته متخصصون في علاجه، وقد رأيتُ ذلك منه عِياناً حيث عالج واحداً من أهلي أُصيب بهذا المرض، فبرئ بإذن الله، فهو إلى الآن لا يذكر الشيخ أحمد المقري إلا يدعو له بكثير من الدعوات الخالصة.
المبحث السادس: وفاته – رحمه الله-
أصيب الشيخ – رحمه الله- بمرضٍ بدأ به في شهر شعبان أو رمضان سنة 1432هـ، فتدهورت صحته، وغاب أياماً عن التدريس، ثم أخذ يتجلد ويتصبر ويحضر ما استطاع من المحاضرات ومن مجالس القسم متوكئاً على عصاه، والبسمة والبشر لا يُفارق محياه، ولسانه –كعادته- رطبٌ من ذكر الله.
لا ننكر من حاله الأول شيئاً سوى نحول جسمه واصفرار لونه.
ثم اشتد به المرض فأخذ يمكث أياماً في المستشفى وأياماً في بيته.
ولا أنسى زيارتي له في بيته قبل نحو شهر من وفاته ، عندما دخلتُ عليه وهو طريح الفراش وقد أغمض عينيه من شدة المرض، وسلمتُ عليه فما إن سمع صوتي حتى فرح بي واستبشر، ورحب بي، وضمني إليه كالمودّع – رحمه الله- وقال : يا هلا يا هلا، أنت حبيبي! أُشهد الله أني أحبك فيه.
فقرأتُ عليه الفاتحة وبعض الآيات أرقيه بها فرأيت أمراً عجيباً من تأثره بالقرآن في تلك الحال وحسن ظنه بالله وقوة رجائه به، وكان كلما تفكر في آيةٍ مما أقرأ ؛ عظَّم الله قائلاً: الله أكبر، الله أكبر!
توفي رحمه الله بعد أن جاوز الستين بداء البطن (ورم سرطاني) ونحسبه في عداد الشهداء ، قال r : ((والمبطون شهيد))،
وكانت وفاته رحمه الله في صباح يوم الاثنين 17/1/1433هـ، وصلي عليه بعد عصر ذلك اليوم في المسجد النبوي الشريف، ودُفن في البقيع بالقرب من قبر أمير المؤمنين عثمان بن عفان t ، وقبره هو القبر الرابع خلف ظهر سيدنا ذي النورين عثمان t .
وتبع الجنازة وشهد الدفن جمع غفير من أقاربه وجيرانه وزملائه وتلاميذه ومحبيه، ومنهم فضيلة الشيخ الصالح أ.د عبد الله بن عمر الشنقيطي الذي ما فتئ يترحم على الشيخ أحمد المقري ويقول: ((أُشهد الله أني أعرفه منذ أن كان شاباً نشأ في طاعة الله، ولم يزل على ذلك )) .
أهله وأولاده:
توفي الشيخ أحمد المقري – رحمه الله- عن زوجتين وعدد من الأبناء والبنات.
وأبناؤه على الترتيب: عبد الرحمن ، ومحمد ، وحسن، ومصطفى، ومختار، وعبد الرشيد. وأخواتهم.
ومن أهله الذين يعاملهم كأولاده، ويعتبرونه أباً لهم:
رَبِيباه: علي وأبو بكر. وأخواتهم.
وقد سبق نعيه في هذا الموضوع
http://vb.tafsir.net/tafsir29334/

رحم الله شيخنا الشيخ أحمد المقري وغفر له، ورفع درجته في المهديين، وخلفه في أهله وأولاده بخير، وجمع بينا وبينه في مستقر رحمته ودار كرامته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
 
التعديل الأخير:
جزاكم الله خيرًا , وأثابكم , وكتب لكم الأجر والمثوبة .

الجامعة تزخر بعلماء أجلّاء -والله-, وكنت قد اقترحت على بعضهم أن تكون هناك مجلة حائطيّة تعرّف بأمثال هؤلاء , فوالله لم نعرف عنهم إلا ما كَان يجيء عرضًا في حديث بعض شيوخنا .

شكر الله لكم د. أحمد , ونفع بما كتبتم.
 
[poem=]أولئك النَّـاسُ إن عُــدُّو وإن ذُكروا = وما سواهُم فلهوٌ غيرُ معدُودِ[/poem]

اللهم آنس وحشةَ قبره بالقرآن , وبلغهُ من رحمتك به وبوالديه وبمن يحبُّ أقصى ما يرجو ويؤمل إنك سميع الدعاء.
 
تحقيق كتاب قرة العين ليس من إنجاز الشيخ أحمد المقري رحمه الله.

تحقيق كتاب قرة العين ليس من إنجاز الشيخ أحمد المقري رحمه الله.

رحم الله الشيخ الدكتور أحمد المقري رحمة واسعة ، فقد كان شيخنا في كلية القرآن الكريم بالمدينة المنورة ودرسنا عليه واستفدنا من علمه وخلقه.
لكن إحقاقا للحق فإن تحقيق كتاب قرة العين لابن القاضي بالصورة التي نشر بها في العدد 135 الصادر سنة 1427 هـ من مجلة الجامعة الإسلامية منسوبا للشيخ في أحد بحوث الترقية ليس للشيخ فيه شيء إلا الإشراف على منجزه الحقيقي وهو الطالب حسن حميتو سنة 1419 هـ / 1998 م، ومن عنده شك في ذلك فنسخة البحث كما أنجزه الطالب المذكور موجودة عنده ومنها نسخة في خزانة البحوث بكلية القرآن الكريم . قلنا هذا إحقاقا للحق وليس طعنا في الشيخ رحمه الله، غفر الله لنا وله وتغمدنا جميعا في سابغ عفوه.
 
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ/ أحمد الرويثي على هذه الترجمة, والمرء يتعلم منكم الوفاء لمشايخه الذين علمونا ودرسونا هذا العلم الجليل, ورحم الله شيخنا وأستاذنا/أحمد المقرئ, أسأل الله أن يتغمده برحمته, وأن يسكنه فسيح جناته, وقد درسني في السنة الرابعة بكلية القرآن فوجدته من خيرة المشايخ خلقا وعلما, وإن أكثر شئ تعلمته منه, هو التواضع ولين الجانب لطلبة العلم, وكذلك الخشوع والتدبر لمعاني القرآن حتى ولو كنا في مقام التعلم.
 
أثاب الله مجهودكم دكتورنا أحمد الرويثي على هذا الجهد وهذه الترجمة الوافية عرفانا بالجميل ونشرا للتعريف بهذه الكوكبة العلمية وأضم صوتي لأخي أسامة عبد الرزاق في نشر إطلالة في مجلة (( دراية )) بالتعريج على من بذلوا جهدهم في هذه الكلية المباركة وهذا حق لهم علينا فلا أقل أن ننشر سيرتهم ومجهودهم في هذه الجامعة المباركة
 
عودة
أعلى