محمد بن عبد الستار الفيديمينى
New member
الحمد لله الذي شرَّف العلم وأهله، ورفع بالقرآن أقوامًا وجعلهم به أئمةً وهداة، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ إمام المفسِّرين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
فإنَّ تاريخ الأمة الإسلامية زاخرٌ بأعلامٍ نذروا أعمارهم لخدمة كتاب الله تعالى فهمًا وتفسيرًا وبيانًا، وكان من أبرز هؤلاء الأعلام الإمامُ العلَّامة، شيخُ النحاة والمفسِّرين، أبو حيّان الأندلسي رحمه الله تعالى، الذي جمع بين سَعة العلم، ودقَّة النظر، ورسوخ القدم في علوم العربية والقرآن.
وقد تميَّز أبو حيّان بمنهجٍ فريد في التفسير، تجلَّى في كتابه العظيم البحر المحيط، حيث أظهر براعةً نادرة في توظيف علوم النحو واللغة والقراءات في خدمة المعنى القرآني، مع تحرٍّ دقيق للأقوال، ونقدٍ علميٍّ منصف، مما جعله مرجعًا لا غنى عنه لطالب التفسير واللغة على السواء.
وإنَّ الوقوف على ترجمة هذا الإمام ليس مجرد استعراضٍ لسيرته، بل هو إطلالة على مدرسة علمية متكاملة، أسهمت في ترسيخ المنهج اللغوي في التفسير، وربطت بين علوم الآلة ومقاصد الوحي، فكان أبو حيّان مثالًا للعالِم الموسوعي الذي جمع بين الأصالة والتجديد، وبين التحقيق والنظر.
ومن هنا جاءت هذه الترجمة؛ إسهامًا في إبراز مكانة هذا العَلَم الجليل، وتعريفًا بسيرته العلمية، ومنهجه التفسيري، وآثاره التي لا يزال صداها ممتدًا في الدرس القرآني إلى يومنا هذا، رجاءَ أن تكون معينًا للباحثين وطلاب العلم، ودافعًا للاقتداء بسير العلماء العاملين.
أولًا: التعريف بالإمام أبي حيان:-
المصري([8])، النحوي المقرىء([9])، الظاهري([10])، الشافعي([11]) ، المالكي([12])، الأثري.
الغرناطي: نسبة إلى غرناطة، وهي من أقدم مدن الأندلس وأعظمها وأحسنها وأحصنها يشقّها النهر المعروف بنهر قلزم في القديم، وهو النهر المشهور الذي يلفظ من مجراه برادة الذهب الخالص .
ومعنى غرناطة رمّانة بلسان عجم الأندلس سمّي البلد لحسنه بذلك. ([13])
الأندلسي: نسبة إلى الأندلس فردوس المسلمين، وفسطاط المجاهدين، هي جزيرة كبيرة ذات ثلاثة أركان مثل شكل المثلّث قد أحاط بها البحران، المحيط والمتوسط، وبها مدن كثيرة وقرى وأنهار وأشجار، وبها معادن الذهب والفضة والرصاص والحديد في كل ناحية.
كلمة الأندلس عجمية لم تستعملها العرب في القديم وإنما عرفتها العرب في الإسلام.([14])
المغربي: نسبة إلى المغرب باعتبار المغرب لفظ عام يحتوى المغرب العربي والأندلس .
المصري: نسبة إليها أنه قد نزل بها وأقام حتى توفي بالقاهرة .
النحوي: نسبة إلى علم النحو، حيث أن أبو حيان رحمه كان شيخ النحاة وأستاذهم في عصره .
المقرىء: نسبة إلى قرأت القرآن وإقرائه، حيث قرأ القرآن بالروايات، وحصل الإجازات من الشام والعراق وغير ذلك، وأقرأ في حيات شيوخه.، ذكره «ابن الجزري» ضمن علماء القراءات.
الظاهري: نسبة إلى المذهب الظاهري المنسوب لداود بن علي، وقد كان هذا المذهب سائد ومنتشر بالأندلس.
الشافعي: ذلك لتمذهبه بالمذهب الشافعي بعد نزوله مصر، وقد ترجمه تاج الدين السبكي ضمن طبقات الشافعية .
المالكي: ولعل من نسبه إلى المذهب المالكي لكون المذهب المالكي كان هو المشهور في المغرب، إلا أن هذه النسبة لأبي حيان فيها نظر.
الأثري: نسبة إلي الحديث والأثر وقد سمع الكتب الستة .
وقد لد أبي حيان في مدينة بمطخشارش، من حَضْرَة غرناطة بالأندلس كما ذكره المؤرخون وذكره هو في كتابه البحر المحيط، فقال: « قد قرأت القرآن بقراءة السبعة، بجزيرة الأندلس ... بمطحشارش، من حضرة غرناطة ... » ([15]).
وكون مطحشارش من ظواحى غرناطة وتابعة لها، جعل ذلك جماعة من المؤرخين ينسبونه إلى غرناطة نفسها لأنه كانت أكبر وأشهر.
ولد بها في آخر شوال سنة أربع وخمسين وستمائة، كما ذكره هو بنفسه في إجازته التي أرسل بها للصفدي([16])، وذكره أيضًا تلميذه تاج الدين السبكي في معجم شيوخه. ([17])
إلا أن ابن الخطيب أخطأ في مولده فذكر أنه ولد: عام اثنين وخمسين وستمائة.([18])، والصحيح هو الأول لأنه ذكره بنفسه وهو أعلم به من غيره.
وقد نشأ أبو حيان في مدينة غرناطة أكبر مدن الأندلس في أواسط القرن السابع الهجري، والتي كانت حاضرة العلوم والفنون، حيث نشأ بها في هذا الوقت جماعة من العلماء والأدباء.
وقد بدأ حياته بدراسة القرآن الكريم فقرأ القرآن بقراءة السبعة، على الخطيب أبي جعفر أحمد بن علي بن محمد الرعيني، عرف بابن الطباع، بغرناطة، وعلى الخطيب أبي محمد عبد الحق بن علي بن عبد الله الأنصاري
الوادي تشبتي، بمطحشارش ... ([19])
وقرأ ببلده أيضًا على الأستاذ أبي جعفر بن الزّبير ولازمه، وانتسب إليه، وانتفع به. ([20])
ولما كانت الأندلس آنذاك موئل العلماء والفقهاء ومقصد الأدباء والشعراء، يلتقون فيها للدروس والمحاضرة، ويعقدون بها البحث والمناظرة، فكانت لهذه البيئة الخصبة أبلغ الأثر على حياة أبي حيان ونشأته، حيث لازم العلماء فأخذ عنهم في شتوى الفنون والمعارف .
يقول رحمه الله في ذلك : « ولم ألق في هذا الفن من يقارب أهل قطرنا الأندلسي فضلا عن المماثلة، ولا من يناضلهم فيداني في المناضلة، وما زلت من لدن ميزت أتلمذ للعلماء، وأنحاز للفهماء، وأرغب في مجالسهم، وأنافس في نفائسهم، وأسلك طريقهم، وأتبع فريقهم، فلا أنتقل إلا من إمام إلى إمام، ولا أتوقل إلا ذروة علام، فكم صدر أودعت علمه صدري، وحبر أفنيت في فوائده حبري، وإمام أكثرت به الإلمام، وعلام أطلت معه الاستعلام ... »([21]).
في هذا الجو العلمي نشأ أبو حيان وتلقى عن علماء غرناطة كافة العلوم من القراءات والتفسير والفقه وأصوله، والنحو واللغة، والبلاغة والشعر، إلى أن اضطرت الأحداث أبا حيان إلى الرحلة عن الأندلس وعمره قرابة الخمس وعشرون سنة .
وقد ذكر المؤرخون أن خروج أبو حيان من الأندلس إلى الشرق كان لأحد الأسباب التالية:
1 - أنه حملته حدة الشبيبة على التعرض لشيخه الأستاذ أبي جعفر بن الطباع، وقد وقعت بينه وبين أستاذه أبي جعفر بن الزبير واقعة، فنال منه وتصدى لتأليف في الرد عليه وتكذيب روايته، فرفع أمره إلى السلطان، فأمر بإحضاره وتنكيله فاختفى، ثم ركب البحر، ولحق بالمشرق إلى أن نزل الديار المصرية. ([24])
2 – ما ذكره السيوطي من أنه قرأ في كتابه النضار الذي ألفه في ذكر مبدئه واشتغاله وشيوخه ورحلته أن مما قوى عزمه على الرحلة عن غرناطة أن يعض العلماء بالمنطق والفلسفة والرياضي والطبيعي قال للسلطان: إني قد كبرت وأخاف أن أموت، فأرى أن ترتب لي طلبة أعلمهم هذه العلوم، لينفعوا السلطان من بعدي. قال أبو حيان: فأشير إلي أن أكون من أولئك، ويرتب لي راتب جيد وكسا وإحسان، فتمنعت ورحلت مخافة أن أكره على ذلك.([25])
3 – الجري على عادة أهل العلم في الأندلس من الترحال إلى المشرق العربي للالتقاء بعلمائه والأخذ عنهم.
ولعل الأسباب الثلاثة اجتمعت لأبي حيان وكانت دافعًا في رحلة والخروج من الأندلس.
رحلة أبي حيان:
تقدم أن المؤرخين ذكروا خروج أبي حيان من الأندلس سنة 679 هـ، وقد ذكر السبكي أن دخول أبي حيان إلى القاهرة كان سنة 680 هـ أي بعد خروجه بسنة.
وقد سلك أبو حيَّان في رحلته من الأندلس إلى الشرق الطريق البحريَّ الممتدَّ على ساحل الشَّمال الإفريقي على ما جرت به عادةُ المغاربة والأندلسيِّين، والتقى في رحلته عددًا من الأعلام، وذكر أنه نزل فاس لم يقم إلاّ ثلاثة أيام، وأدرك فيها أبا القاسم الزياتي.([26])
وقد ذكر المؤرخون « أنه سمعت بغرناطة، ومالقة([27])، وبلش([28])، والمرية، وبجاية([29])، وتونس،
والإسكندرية، ومصر، والقاهرة، ودمياط، والمحلة، وطهرمس([30])، والجيزة، ومنية بني خصيب([31])، ودشنا([32])، وقنا، وقوص([33])، وبلبيس، وبعيذاب من بلاد السودان([34])، وبينبع، ومكة شرّفها الله تعالى، وجدة، وأيلة »([35]). كما رحل سبتة وديار إفريقية والعراق والشام.([36])
وها هو أبو حيان يحكي عن حاله وترحاله فيقول: « جعلت العلم بالنهار سحيري، وبالليل سميري، زمان غيري يقصر ساريه على الصبا، ويهب للهو ولا كهبوب الصبا، ويرفل في مطارف اللهو، ويتقمص أردية الزهو، ويؤثر مسرات الأشباح، على لذات الأرواح، ويقطع نفائس الأوقات، في خسائس الشهوات، من مطعم شهي، ومشرب روي، وملبس بهي، ومركب خطي، ومفرش وطي، ومنصب سني، وأنا أتوسد أبواب العلماء، وأتقصد أماثل الفهماء، وأسهر في حنادس الظلام، وأصبر على شظف الأيام، وأوثر العلم على الأهل والمال والولد، وأرتحل من بلد إلى بلد ...
ثم يتكلم عن استقراره بمصر فيقول: حتى ألقيت بمصر عصا التسيار، وقلت ما بعد عبادان من دار، هذه مشارق الأرض ومغاربها، وبها طوالع شموسها وغواربها، بيضة الإسلام، ومستقر الأعلام، فأقمت بها لمعرفة أبديها، وعارفة علم أسديها، وثأي أرأبه، وفاضل أصحبه، وبها صنفت تصانيفي، وألفت تآليفي، ومن بركاتها علي تصنيفي لهذا الكتاب، المقرب من رب الأرباب ...» ([37]).
والناظر في تفسير الإمام أبي حيان لا يكاد يشك في أشعريته، وميله إلى تأويل الصفات وفق مذهب الإمام أبي الحسن الأشعري، وربما جنح في بعض الصفات إلى مذهب أهل الأثر من السلف الصالح من إمرار الصفات وعدم تأويلها .
ومثال ما ذكرناه من ترجيح جانب التأويل على التفويض ما ذكره في قول الله تعالى : ﴿ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ...﴾([39]) . فيقول رحمه الله: « معتقد أهل الحق أن الله تعالى ليس بجسم ولا جارحة له، ولا يشبه بشيء من خلقه، ولا يكيف، ولا يتحيز، ولا تحله الحوادث، وكل هذا مقرر في علم أصول الدين. والجمهور على أن هذا استعارة عن جوده وإنعامه السابغ، وأضاف ذلك إلى اليدين جاريا على طريقة العرب في قولهم: فلان ينفق بكلتا يديه... وما ورد مما يوهم التجسيم كهذا. وقوله: {لما خلقت بيدي}{ومما عملت أيدينا}{ويد الله فوق أيديهم}{ولتصنع على عيني} {وتجري بأعيننا} {وهالك إلا وجهه}ونحوها. فجمهور الأمة أنها تفسر على قوانين اللغة ومجاز الاستعارة وغير ذلك من أفانين الكلام.
وقال قوم منهم القاضي أبو بكر بن الطيب: هذه كلها صفات زائدة على الذات، ثابتة لله تعالى من غير تشبيه ولا تجديد. وقال قوم منهم الشعبي، وابن المسيب، والثوري: نؤمن بها ونقر كما نصت، ولا نعين تفسيرها، ولا يسبق النظر فيه. وهذان القولان حديث من لم يمعن النظر في لسان العرب، وهذه المسألة حججها في علم أصول الدين»اهـ([40]).
وكانت وفاته بعد العصر يوم السبت الثامن والعشرين من صفر سنة 745 هـ .، بمنزله بظاهر القاهرة خارج باب البحر، ودفن بمقابر الصوفية خلف باب النصر.، وكانت جنازته حافلة، وكان له من العمر تسعون
سنة وخمسة أشهر. ([41])
وهذا التاريخ ما ذهب إليه أكثر من ترجم له، إلا أن كثير من المغاربة قد ذكروا أن وفاته كانت سنة 743 هـ .، وقد رد المقري ذلك بقوله: « وما وقع في كلام كثير من أهل المغرب أن أبا حيان توفي سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة غير ظاهر، لأن أهل المشرق أعرف بذلك، إذ توفي عندهم، وقد تقدم أنه توفي سنة خمس وأربعين وسبعمائة، فعلى كلام أهل المشرق في هذا المعوّل»([42]).
ثانيًا: الآثار العلمية للإمام أبي حيان:-
إن الناظر إلى حياة أبي حيان الأندلسي يجد نفسه أمام عالم كبير، وإمام من أئمة المسلمين، متعدد الجوانب العلمية، فهو العالم بالتفسير والفقه والحديث، الإمام في اللغة والنحو والصرف، الشاعر الأديب.
ولم يكن ذلك بالسهل اليسير فقد اجتهد أبو حيان في طلب العلم غاية الاجتهاد، وبذل في سبيله الوقت والعمر وزهرة الشباب، حتى قطف ثمره، وحاز العلوم والفنون، وبلغ المناصب العلمية العالية في زمانه، وشهد له القاصي والداني .
وقد ذكر في موضع آخر: «وجملة من سمعت منه خمسمائة، والمجيزون أكثر من ألف»([44]).
وقال تلميذه الصفدي: «أكْثر من سَماع الحَدِيث حَتَّى بلغت عدَّة شُيُوخه أَرْبَعمِائَة، وَأَجَازَ لَهُ جمع جم، وَقد
جمعهم فِي (كتاب الْبَيَان فِي شُيُوخ أبي حَيَّان) فبلغوا ألفا وَخَمْسمِائة»([45]).
وقد ذكر أبو حيان عددًا من شيوخه في إجازته التي أرسل بها للصفدي بلغ عددهم نحوًا من خمسين شيخ.([46])
يقول الحافظ ابن حجر: «وأقرأ الناس قديمًا وحديثًا حتى ألحق الصغار بالكبار وصارت تلامذته أئمةً وأشياخًا في حياته»([47]).
ونستطيع أن نجمل أسباب كثرة عدد تلاميذ الإمام أبي حيان في عدة نقاط:
1 – شهرته وذيوع صيته في عصره، إلى جانب إلمامه بالفنون .
2 – أنه قد طال عمره فزاد انتفاع الناس به وكثر عدد تلاميذه.
3 – أنه كان يدرس في أكبر مساجد القاهرة.
4 – أنه كان يسلك منهجًا قويًا في التدريس، إلى جانب عنايته بطلابه وإقباله عليهم.
5 – علاقته الطيبة بعلماء عصره، مع كثرة شيوخه.
وقد ذكر أبو حيان في إجارته للصفدي مصنفاته والتي قاربت الخمسين مصنف أو زادت على ذلك، يقول الصفدي: «وله التصانيف التي سارت وطارت وانتشرت وما انتثرت، وقرئت ودُريت، ونُسخت وما فسخت، أخملت كتب الأقدمين، وألهمت المقيمين بمصر والقادمين، وقرأ الناس عليه، وصاروا أئمة وأشياخًا في حياته»([49]).
وقال الرعيني: «وتصانيف أبي حيان تزيد على خمسين ما بين طويل وقصير»([50]).
وقد ذكرت بعض الدراسات أن عدد ما صنفه الإمام أبي حيان الأندلسي يربوا على ستة وستون كتابًا ما بين مطبوع ومخطوط ومفقود([51]).
1 - أنه عيّن مدرسا للنحو في جامع الحاكم سنة 704 هـ. وفي سنة 710 هـ.
2 - عين مدرسا للتفسير في قبة السلطان الملك المنصور في عهد السلطان القاهر الملك الناصر.
3 - تولى منصب الإقراء بجامع الأقمر، ودرّس التفسير بالجامع الطولوني .
4 - أضيف إليه مشيخة الحديث بالقبة المنصورية، فباشر هذه الوظائف كلها حتى مات.
قال عنه الإمام الذهبي: «الإمام العلامة ذو الفنون حجة العرب أبو حيان الأندلسي الجياني ثم الغرناطي
الشافعي عالم الديار المصرية وصاحب التصانيف البديعة»([53]).
وقال أيضًا: «له يد طولى في الفقه والآثار، والقراءات، وله مصنفات في القراءات والنحو، وهو مفخر أهل مصر في وقتنا في العلم، تخرج به عدة أئمة مد الله في عمره وختم له بالحسنى، وكفاه شر نفسه.
وودي لو أنه نظر في هذا الكتاب وأصلح فيه، وزاد فيه تراجم جماعة من الكبار، فإنه إمام في هذا المعنى أيضا»([54]).
وقال تلميذه الصفدي: «الإمام الحافظ العلامة فريد العصر وشيخ الزمان وإمام النحاة أثير الدين أبو حيان الغرناطي قرأ القرآن بالروايات وسمع الحديث بجزيرة الأندلس وبلاد إفريقية وثغر الاسكندرية وديار مصر والحجاز وحصل الإجازات من الشام والعراق وغي ذلك واجتهد وطلب وحصل وكتب وقيد ولم أر في أشياخي أكثر اشتغالا منه لأني لم أره إلا يسمع أو يشتغل أو يكتب ولم يكتب ولم أره على غير ذلك وله إقبال على الطلبة الأذكياء وعنده تعظيم لهم نظم ونثر وله الموشحات البديعة وهو ثبت فيما ينقله محرر لما يقوله عارف باللغة ضابط لألفاظها وأما النحو والتصريف فهو إمام الدنيا فيهما لم يذكر معه في أقطار الأرض غيره في العربية وله اليد الطولى في التفسير والحديث والشروط والفروع وتراجم الناس وطبقاتهم وتواريخهم وحوادثهم خصوصا المغاربة وتقييد أسمائهم على ما يتلفظون به من إمالة وترخيم وترقيق وتفخيم لأنهم مجاورو بلاد الفرنج وأسماؤهم قريبة وألقابهم كذلك كل ذلك قد جوده وقيده وحرره والشيخ شمس الدين الذهبي له سؤالات سأله عنها فيما يتعلق بالمغاربة وأجابه عنها وله التصانيف التي سارت وطارت وانتشرت وما انتثرت وقرئت ودريت ونسخت وما فسخت أخملت كتب الأقدمين وألهت المقيمين بمصر والقادمين وقرأ الناس عليه وصاروا أئمة وأشياخا في حياته ...» ([55]).
وقال أيضًا: «الشيخ الإمام العالم العلامة الفريد الكامل، حجة العرب، مالك أزمّة الأدب ... كان أمير المؤمنين في النحو، والشمس السافرة شتاءً في يوم الصحو، والمتصرّف في هذا العلم، فإليه الإثبات والمحو، لو عاصر أئمة البصرة لبَصرهم، وأهل الكوفة لكفَّ عنهم اتّباعهم الشواذ وحذّرهم، نزل منه كتاب سيبويه في وطنه بعد أن كان طريدًا، وأصبح به التسهيل بعد تعقيده مفيدًا، وجعل سرحة شرحه وجْنة راقت النواظر توريدا. ملأ الزمان تصانيف، وأمال عُنق الأيام بالتواليف. تخرّج به أئمة هذا الفن، وروّق لهم في عصره منه سُلافة الدن ... وعلى الجملة فكان إمام النحاة في عصره شرقًا وغربًا، وفريدَ هذا الفن الفذّ بُعدًا وقربًا، وفيه قلت:
سلطان علم النحو أستاذنا ... الشيخ أثير الدين حبرُ الأنام
فلا تقل زيد وعمرو فما ... في النحو معه لسواه كلام
خدم هذا العلم مدة تقارب الثمانين، وسلك من غرائبه وغوامضه طُرقًا متشعبة الأفنانين»([56]).
وقال تاج الدين السبكي: «شيخ النحاة، العلم الفرد، والبحر الذي لم يعرف الجزر بل المد، سيبويه الزمان والمبرد إذا حمي الوطيس بتشاجر الأقران، وإمام النحو الذي لقاصده منه ما يشاء، ولسان العرب الذي لكل سمع لديه الإصغاء، كعبة علم تحج ولا تحج ويقصد من كل فج، تضرب إليه الإبل آباطها وتفد عليه كل طائفة سفرا، لا يعرف إلا نمارق البيد بساطها ... أخذ عنه غالب مشيختنا وأقراننا منهم الشيخ الإمام الوالد وناهيك بها لأبي حيان منقبة وكان يعظمه كثيرا وتصانيفه مشحونة بالنقل عنه .... وكان الشيخ أبو حيان إمامًا منتفعًا به، اتفق أهل العصر على تقديمه وإمامته، ونشأت أولادهم على حفظ مختصراته، وآباؤهم على النظر في مبسوطاته، وضربت الأمثال باسمه مع صدق اللهجة وكثرة الإتقان والتحري»([57]).
وقال لسان الدين ابن الخطيب: «كان نسيج وحده في ثقوب الذهن، وصحّة الإدراك والحفظ، والاضطلاع بعلم العربية، والتفسير وطريق الرواية، إمام النّحاة في زمانه غير مدافع ..»([58]).
وقال ابن مرزوق الخطيب في حقّه: «هو شيخ النحاة بالديار المصرية، انتهت إليه رئاسه التبريز في علم العربية واللّغة والحديث ..» ([59]).
وقال الفيروزآبادي: «شيخ البلاد المصرية والشامية ورئيسها في علم العربية، قصده الطلاب من الأقطار. ووضع في الفنون المصنفات السامية الباهرة، وهي تنيف على خمسين مصنفا»([60]).
وقال ابن الجزري : «الإمام الحافظ الأستاذ شيخ العربية والأدب والقراءات مع العدالة والثقة ..» ([61]).
وقال الأسنوي: «كان إمام زمانه في علم النحو إماما في اللغة عارفا بالقراءات والحديث شاعرا مجيدا صادق اللهجة كثير الإتقان والاستحضار»([62]).
وقال السيوطي: «نحوي عصره ولغويه ومفسره ومحدثه ومقرئه ومؤرخه وأديبه... أكب على طلب الحديث وأتقنه وبرع فيه، وفي التفسير، والعربية، والقراءات، والأدب، والتاريخ؛ واشتهر اسمه، وطار صيته، وأخذ عنه أكابر عصره، وتقدموا في حياته»([63]).
يعد تفسير البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي من التفاسير المهمة، وأجلها وأعلاها شأنًا بشهادة العلماء له، وإفادة الناس منه.
وقد بذل مؤلفه فيه كل جهد، واعتكف على تصنيفه طويلًا من العمر، قال رحمه الله: « عكفت على تصنيف هذا الكتاب وانتخاب الصفو واللباب، أجيل الفكر فيما وضع الناس في تصانيفهم، وأمعن النظر فيما اقترحوه من تآليفهم، فألخص مطولها وأحل مشكلها، وأقيد مطلقها، وأفتح مغلقها، واجمع مبددها ... وأضيف إلى ذلك ما استخرجته من لطائف علم البيان المطلع على إعجاز القرآن، العروة الوثقى والحبل المتين والصراط المستقيم».
ونحن في هذا المبحث سنتكلم عن هذا الكتاب الجليل ومنهج الإمام أبي حيان فيه.
أولًا: التعريف بكتاب البحر المحيط :-
وكان ذلك في أواخر سنة عشر وسبعمائة، وهي أوائل سنة سبع وخمسين من عمري، فعكفت على تصنيف هذا الكتاب ... »([64]).
وقد بين قصده رحمه الله من تأليف هذا الكتاب فقال: « وبها – أي: مصر - صنفت تصانيفي، وألفت تآليفي، ومن بركاتها علي تصنيفي لهذا الكتاب، المقرب من رب الأرباب، المرجو أن يكون نورا يسعى بين يدي، وسترا من النار يضفو علي. فما لمخلوق بتأليفه قصدت، ولا غير وجه الله به أردت. جعلت كتاب الله والتدبير لمعانيه أنيسي، إذ هو أفضل مؤانس ...» ([65]).
مما سبق يتبين لنا أبو حيان قد ألف كتابه «البحر المحيط» في الديار المصرية بعدما تقلد تدريس التفسير بقبة السلطان الملك المنصور أواخر سنة 710 هـ ، وكان عمره آنذاك 57 سنة.
فذكر معاني المفردات وإعراب الكلمات وتعريف المشتقات، مع ذكر لهجات القبائل، وبخاصة عند القراءات التي اختلفت فيها أقوال المفسرين والنحويين واللغويين قبولًا أو ردًا.
ولقد كان لتفسير أبي حيان النصيب الأوفر في هذا المضمار عن بقية التفاسير، ولا عجب في ذلك فمؤلفه نحوي كبير، ولغوي بارع، فله وقفات متأنية عند آيات القرآن الكريم تصريفًا وإعرابًا، مع ذكر المسائل الخلافية النحوية والتصريفية، واختيار ما يراه صوابًا في معظم ما تكلم عنه.
وقد كتب أبي حيان رحمه الله في مقدمة تفسيره مادة كتابه وما ضمنها من فوائد ومسائل وموضوعات مختلفة، وما يحتاج إليه علم التفسير من علوم، فقال:
الوجه الأول- علم اللغة اسما وفعلا وحرفا: الحروف لقلتها تكلم على معانيها النحاة، فيؤخذ ذلك من كتبهم، وأما الأسماء والأفعال فيؤخذ ذلك من كتب اللغة.
الوجه الثاني- معرفة الأحكام التي للكلم العربية من جهة إفرادها ومن جهة تركيبها: ويؤخذ ذلك من علم النحو ...([66])
الوجه الثالث- كون اللفظ أو التركيب أحسن وأفصح: ويؤخذ ذلك من علم البيان والبديع...
الوجه الرابع- تعيين مبهم، وتبيين مجمل، وسبب نزول ونسخ: ويؤخذ ذلك من النقل الصحيح عن رسول الله (ﷺ)، وذلك من علم الحديث ...
الوجه الخامس- معرفة الإجمال، والتبيين، والعموم، والخصوص، والإطلاق، والتقييد، ودلالة الأمر والنهي، وما أشبه هذا: ويختص أكثر هذا الوجه بجزء الأحكام من القرآن، ويؤخذ هنا من أصول الفقه، ومعظمه هو في الحقيقة راجع لعلم اللغة، إذ هو شيء يتكلم فيه على أوضاع العرب، ولكن تكلم فيه غير اللغويين أو النحويين ومزجوه بأشياء من حجج العقول...
الوجه السادس- الكلام فيما يجوز على الله تعالى، وما يجب له، وما يستحيل عليه، والنظر في النبوة: ويختص هذا الوجه بالآيات التي تضمنت النظر في الباري تعالى، وفي الأنبياء، وإعجاز القرآن، ويؤخذ هذا من علم الكلام...
الوجه السابع- اختلاف الألفاظ بزيادة أو نقص، أو تغيير حركة، أو إتيان بلفظ بدل لفظ،
وذلك بتواتر وآحاد: ويؤخذ هذا الوجه من علم القراءات... ([67])وفي كتاب البحر المحيط جوانب كبيرة من الأحكام الفقهية، والكلام على الأحاديث وأسانيدها من حيث الصحة والضعف، والمغازي وسيرة الرسول (ﷺ)، وبيان أوجه الأعجاز، وصور البيان، والتناسب بين الآيات والسور.
ثانيًا: منهج أبو حيان في تفسيره :-
قد وضح أبي حيان منهجه في تفسيره، وأبان طريقته والترتيب الذي سلكه، وذكر ذلك في مقدمته على تفسيره، حيث يقول: « وترتيبي في هذا الكتاب، أني أبتدىء أولًا بالكلام على مفردات الآية التي أفسرها، لفظة لفظة، فيما يحتاج إليه من اللغة والأحكام النحوية التي لتلك اللفظة قبل التركيب.
وإذا كان للكلمة معنيان أو معان، ذكرت ذلك في أول موضع فيه تلك الكلمة، لينظر ما يناسب لها من تلك المعاني في كل موضع تقع فيه، فيحمل عليه.
ثم أشرع في تفسير الآية، ذاكرا سبب نزولها، إذا كان لها سبب، ونسخها ومناسبتها وارتباطها بما قبلها، حاشدا فيها القراءات، شاذها ومستعملها، ذاكرا توجيه ذلك في علم العربية، ناقلا أقاويل السلف والخلف في فهم معانيها، متكلما على جليها وخفيها، بحيث إني لا أغادر منها كلمة، وإن اشتهرت، حتى أتكلم عليها، مبديا ما فيها من غوامض الإعراب ودقائق الآداب من بديع وبيان، مجتهدا أني لا أكرر الكلام في لفظ سبق، ولا في جملة تقدم الكلام عليها، ولا في آية فسرت، بل أذكر في كثير منها الحوالة على الموضع الذي تكلم فيه على تلك اللفظة أو الجملة أو الآية، وإن عرض تكرير فبمزيد فائدة.
ناقلا أقاويل الفقهاء الأربعة، وغيرهم في الأحكام الشرعية مما فيه تعلق باللفظ القرآني، محيلا على الدلائل التي في كتب الفقه، وكذلك ما نذكره من القواعد النحوية أحيل في تقررها والاستدلال عليها على كتب النحو، وربما أذكر الدليل إذا كان الحكم غريبا، أو خلاف مشهور ما قال معظم الناس، بادئا بمقتضى الدليل وما دل عليه ظاهر اللفظ من حجا له لذلك ما لم يصد عن الظاهر ما يجب إخراجه به عنه، منكبا في الإعراب عن الوجوه التي تنزه القرآن عنها، مبينا أنها مما يجب أن يعدل عنه، وأنه ينبغي أن يحمل على أحسن إعراب وأحسن تركيب، إذ كلام الله تعالى أفصح الكلام، فلا يجوز فيه جميع ما يجوزه النحاة في شعر الشماخ والطرماح وغيرهما من سلوك التقادير البعيدة والتراكيب القلقة والمجازات المعقدة.
ثم أختتم الكلام في جملة من الآيات التي فسرتها إفرادا وتركيبا بما ذكروا فيها من علم البيان والبديع، ملخصا، ثم أتبع آخر الآيات بكلام منثور أشرح به مضمون تلك الآيات على ما أختاره من تلك المعاني، ملخصا جملها في أحسن تلخيص، وقد ينجر معها ذكر معان لم تتقدم في التفسير، وصار ذلك أنموذجا لمن يريد أن يسلك ذلك فيما بقي من سائر القرآن.
وستقف على هذا المنهج الذي سلكته، إن شاء الله تعالى، وربما ألممت بشيء من كلام الصوفية مما فيه بعض مناسبة لمدلول اللفظ، وتجنبت كثيرا من أقاويلهم ومعانيهم التي يحملونها الألفاظ، وتركت أقوال الملحدين الباطنية المخرجين الألفاظ القريبة عن مدلولاتها في اللغة إلى هذيان افتروه على الله تعالى وعلى علي كرم الله وجهه وعلى ذريته، ويسمونه علم التأويل...
وكثيرا ما يشحن المفسرون تفاسيرهم من ذلك الإعراب، بعلل النحو ودلائل أصول الفقه ودلائل أصول الدين، وكل هذا مقرر في تآليف هذه العلوم، وإنما يؤخذ ذلك مسلما في علم التفسير دون استدلال عليه.
وكذلك أيضا ذكروا ما لا يصح من أسباب نزول وأحاديث في الفضائل وحكايات لا تناسب وتواريخ إسرائيلية، ولا ينبغي ذكر هذا في علم التفسير»([68]).
ونستطيع أن نجمل منهج أبي حيان في كتابه البحر المحيط على شكل نقاط:
1 – يبدأ الكلام على مفردات الآية لفظة لفظة قبل التركيب، مبينًا المعنى المناسب لها.
2 – الشروع في تفسير الآية وبيان أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ.
3 – بيان وجه مناسبة الآية وربطها بما قبلها.
4 – يذكر القراءات في الآية، شاذها ومستعملها، مع ذكر وجه تلك القراءات في اللغة العربية.
5 – ينقل أقوال أهل العلم من السلف والخلف على فهم معاني الآية.
6 – لا يترك الآية حتى يبين غوامض الإعراب، ودقائق الآداب والبيان فيها.
7 – ينقل أقوال الفقهاء الأربعة، وغيرهم في الأحكام الشرعية مما فيه تعلق باللفظ القرآني.
هذا ما تم استخلاصه من كلامه في مقدمته، أما بالنظر إلى كتاب البحر المحيط واستقراء مادته، نستطيع أن نضيف الآتي:
1 – أن أبي حيان جمع في تفسيره بين المأثور والرأي، وإن غلب عليه الرأي لأنه يوضح الخفي من دقائق المعاني إلى حيز الوضوح والجلاء.
2 - استقلال أبي حيان بحيث أنه لم يكن يرجح مذهبًا بعينه، بل كان حرًا يرجح بين المذاهب في كل فن بل يظهر له وفق القواعد والأصول لهذا الفن.
3 – تناول أبي حيان كلام ابن عطية والزمخشري بالشرح والتحليل تارة، وبالنقد والمناقشة تارة أخرى، لكنه كثيرًا ما يحمل على الزمخشري لاتجاهه الاعتزالي.
4 – وقد تعقب تفسيرات الصوفية والباطنية الملاحدة بالرد والنقد، وحذر منهم .
5 – التنبيه على كثير من الإسرائيليات، ونقدها وبيان عدم صحتها، وتحذير القارىء من الاغترار بها، مشيرًا إلى بطلانها وتزييفها، إلا أنه لم يسلم من ذكر بعض الإسرائيليات.
وقال الإمام ابن الجزري عنه: «وله التفسير الذي لم يسبق إلى مثله سماه «البحر المحيط» في عشر مجلدات كبار واختصره في ثلاث مجلدات سماه النهر».([70])
يقول الحسيني رحمه الله: ومن عيون تصانيفه « البحر المحيط في التفسير».([71])
وقال صاحب طبقات المفسرين: «وصنف التصانيف السائرة وله «البحر المحيط في التفسير» وذكر في أسامي الكتب وهو كتاب عظيم القدر في أسفار عديدة».([72])
وقال حاجي خليفة: «البحر المحيط في التفسير»، وهو كتاب عظيم في مجلدات، ثم اختصره في مجلدين».([73])
ويقول الشيخ محمد حسين الذهبي: «مطبوع ومتداول بين أهل العلم. ومعتبر عندهم المرجع الأول والأهم لمن يريد أن يقف على وجوه الإعراب الألفاظ القرآن الكريم ..». ([74])
وقال الدكتور/ محمد أبو شهبة: « هو من التفاسير التي يقل فيها ذكر الإسرائيليات، والموضوعات وقد عني بالتنبيه إلى الكثير منها، وبيان عدم صحتها، وتحذير القارئ من الاغترار بها ...». ([75])
وقال الدكتور/رزق الطويل : « يعد هذا الكتاب المرجع الأول للوقوف على وجوه إعراب ألفاظ القرآن الكريم، وقد أكثر من الوجوه النحوية، وذكر الخلافات بين النحاة، وأكثر من ذكر وجوه القراءات، وأسباب النزول والناسخ والمنسوخ، وذكر وجوه البلاغة. وهو في حقيقته تفسير جامع ويغلب عليه الناحية النحوية ...».([76])
([1]) مطخشارش: هي القرية التي ولد بها كما سيأتي ذكره .
([2]) نسبة إلى نفزة: بكسر النون وسكون الفاء ، وهى قبيلة من قباء البربر بالمغرب تنسب إلى نفزاو بن لوي.
[ انظر: الدرر الكامنة 6/62 - طبقات المفسرين للداوودي 2/287 - تاريخ المغرب الكبير 2/ 35 ].
([3]) نسبة إلى جيان: بالفتح ثم التشديد، وآخره نون: مدينة لها كورة واسعة بالأندلس مائلة إلى ناحية الجوف في شرقي قرطبة، بينها وبين قرطبة سبعة عشر فرسخا، وهي كورة كبيرة تجمع قرى كثيرة. [انظر: معجم البلدان 2/195]
([4]) وهذا الاسم واللقب مما اتفق عليه المؤرخون.، وقد اشتهر بين جمهور المؤرخين إلى أن كنيته « أبو حيان »، ولم يشذ عن ذلك إلا ابن القاضي فكناه «بأبي عبد الله الشهير بأبي حيان». ولعل ما دفع ابن القاضي لذلك هو ما ذكر في خطبة «تفسير البحر المحيط لأبي حيان»: « قال الشيخ الإمام .... الأستاذ أبو عبد الله محمد بن يوسف بن علي بن حيان الأندلسي الجياني، رحمه الله تعالى ».
لكن جاء أبو حيان في طيات تفسيره وأنكر هذه الكنية وأكد ما ذهب إليه الجمهور من أن كنيته «أبو حيان»، وهو الذي غلب عليه واشتهر به، والذي كان يتوخى الاشتهار به لكونها غريبة ولم يتكنى بها الكثير، فقال: « لا سيما إذا كانت الكنية غريبة، لا يكاد يشترك فيها أحد مع من تكنى بها في عصره، فإنه يطير بها ذكره في الآفاق، وتتهادى أخباره الرفاق، كما جرى في كنيتي بأبي حيان، واسمي محمد. فلو كانت كنيتي أبا عبد الله أو أبا بكر، مما يقع فيه الاشتراك، لم أشتهر تلك الشهرة».
[انظر: فوات الوفيات لابن شاكر( 4/74 ) ط1/ دار صادر - بيروت، الوافي بالوفيات للصفدي ( 5/175 ) ط/ دار إحياء التراث - بيروت، معجم الشيوخ للسبكي ( 1/472 ) ط1/دار الغرب الإسلامي، ذيل التقييد للفاسي ( 1/283 )، الدرر الكامنة لابن حجر( 6/58 ) ط2/ دائرة المعارف العثمانية - صيدر اباد/ الهند، بغية الوعاة للسيوطي ( 1/280 ) ط/المكتبة العصرية - لبنان / صيدا ، سلم الوصول إلى طبقات الفحول ( 3/292 )، الأعلام للزركلى ( 7/152 )، درة الحجال لابن القاضي( 2/122) ط1/ دار التراث (القاهرة)- 1391 هـ - 1971 م.، البحر المحيط لأبي حيان ( 1/9 ) دار الفكر – بيروت، 1420 هـ] .
([5]) الوافي بالوفيات ( 5/175 ).
([6]) طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ( 9/276 ) ط2/ دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع، 1413هـ
([7]) تتمة المختصر في أخبار البشر ( 2/482 ) ط1/ المطبعة الحسينية المصرية.
([8]) ذيل تذكرة الحفاظ للحسيني( ص13 ) ط/ دار الكتب العلمية – بيروت، 1419هـ - 1998م.
([9]) ذيل التقييد ( 1/283 ).
([10]) الرد الوافر لابن ناصر الدين ( ص63 ) ط/ المكتب الإسلامي – بيروت، 1393 هـ.
([11]) سلم الوصول ( 3/292 ).
([12]) النجوم الزاهرة لابن تغري بردي ( 13/214 ) ط/ وزارة الثقافة - دار الكتب بمصر.
([13]) انظر: معجم البلدان لياقوت الحموي ( 4/195 ) ط2/ دار صادر، بيروت- 1995 م، آثار البلاد في أخبار العباد للقزويني ( ص547 ) ط/ دار صادر - بيروت.
([14]) انظر: المرجعين السابقين .
([15]) البحر المحيط ( 1/16 ).
([16]) الوافي بالوفيات ( 5/185 ).
([17]) معجم الشيوخ ( 1/475 ).
([18]) الإحاطة في أخبار غرناطة لابن الخطيب ( 3/43 ) ط/دار الكتب العلمية، بيروت، 1424 هـ.
([19]) انظر: البحر المحيط ( 1/16 ).
([20]) الإحاطة في أخبار غرناطة ( 3/27 ).
([21]) انظر: البحر المحيط ( 1/11 ).
([22]) انظر: ذيل تذكرة الحفاظ (ص14 ).
([23]) انظر: الدرر الكامنة ( 6/59 ).
([24]) انظر: الاحاطة في أخبار غرناطة ( 3/30 )، طبقات المفسرين للداوودي ( 2/289 ).
([25]) بغية الوعاة ( 1/281 ).
([26]) انظر: نفح الطيب للتلمساني ( 2/584 ) ط/ دار صادر- بيروت، 1997م.
([27]) مدينة كبيرة من بلاد الأندلس تقع على بعد 400 كليو متر شمال العاصمة الأسبانية مدريد .
([28]) بلدة بالأندلس قريبة من البحر تقع على بعد 30 كيلو متر شرقي مدينة مالقة.
([29]) مدينة كبيرة على ساحل البحر المتوسط بالجزائر، وبها ميناء كبير .
([30]) هى الآن قرية من قرى محافظة الجيزة بالديار المصرية .
([31]) محافظة المنيا الآن بمصر .
([32]) مدينة بصعيد مصر .
([33]) مدينة كبيرة بمحافظة قنا بصعيد مصر .
([34]) هى الآن مدينة سواكن على ضفة البحر الأحمر بالسودان وبها ميناء صغير .
([35]) المرجع السابق ( 2/560 )، وانظر: معجم الشيوخ للسبكي ( 1/474 ) .
وأيلة : هي مدينة ساحلية على البحر الأحمر، وتسمى الآن إيلات تقع في جنوب فلسطين بالقرب من مدينة العقبة.
([36]) الوافي بالوفيات ( 5/184 ).
([37]) البحر المحيط ( 1/11 ).
([38]) انظر: أعيان العصر ( 5/333 )، الدرر الكامنة ( 6/62 )، بغية الوعاة ( 1/282 ).
([39]) سورة المائدة : الآية ( 64 ).
([40]) البحر المحيط ( 4/315 - 316 ).
([41]) انظر: الوافى بالوفيات ( 5/185 )، ذيل تذكرة الحفاظ ( ص15 )، طبقات الشافعية ( 9/279 )، الإحاطة ( 3/43 )، البلغة ( ص252 )، ذيل التقييد ( 1/283 )، المقفى ( 7/273 )، الدرر الكامنة ( 6/65 ).
([42]) نفح الطيب ( 2/559 ).
([43]) الوافي بالوفيات ( 5/184 )، نفح الطيب ( 2/552 ).
([44]) نفح الطيب ( 2/560 ).
([45]) الدرر الكامنة ( 6/64 )، نفح الطيب ( 2/560 ).
([46]) انظر: الوافي بالوفيات ( 5/182 )، نفح الطيب ( 2/549 ).
([47]) الدرر الكامنة ( 6/59 ).
([48]) انظر في ذلك: «أبو حيان النحوي» للدكتورة خديجه الحديثي رسالة دكتوراة ، مقدمة «أبو حيان وتفسيره البحر المحيط» للدكتور/بدر بن ناصر البدر، الوافي بالوفيات للصفدي ( 5/182)، مقدمة «تقريب المقرب» للدليمي، نفح الطيب ( 2/541 )، نوادر المخطوطات العربية في مكتبات تركيا، دائرة المعارف الإسلامية.
([49]) أعيان العصر ( 5/331 )، نفح الطيب ( 2/541 ).
([50]) نفح الطيب ( 2/563 ).
([51]) أبو حيان النحوي ( ص74 ) نقلًا عن: أبو حيان الأندلسي ومنهجه في البحر المحيط وفي إيراد القراءات فيه ( ص92 ) د . أحمد خالد شكري – ط/دار عمار - عمان الأردن .
([52]) انظر: المراجع السابقة .
([53]) المعجم المختص بالمحدثين للذهبي( ص267 ) ط/مكتبة الصديق – الطائف، 1408 هـ - 1988 م.
([54]) معرفة القراء الكبار للذهبي ( ص387 ) ط/الكتب العلمية – بيروت، 1417 هـ- 1997م.
([55]) الوافى بالوفيات ( 5/175 ).
([56]) أعيان العصر ( 5/325 – 326 ).
([57]) طبقات الشافعية الكبرى ( 9/276 وما بعدها ).
([58]) الإحاطة في تاريخ غرناطة ( 3/28 ).
([59]) نفح الطيب ( 2/536 ).
([60]) البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة ( ص250 ).
([61]) غاية النهاية في طبقات القراء ( 2/285 ).
([62]) الدرر الكامنة ( 6/65 ).
([63]) بغية الوعاة ( 1/280 ).
([64]) البحر المحيط ( 1/10).
([65]) المصدر السابق ( 1/11).
([66]) البحر المحيط ( 1/14).
([67]) المصدر السابق ( 1/15 - 16).
([68]) البحر المحيط ( 1/12 - 13).
([69]) أعيان العصر ( 5/329 ).
([70]) غاية النهاية في طبقات القراء ( 2/286 ).
([71]) ذيل التذكرة (ص15 ).
([72]) طبقات المفسرين ( ص279 ) أحمد بن محمد الأدنه وي – ط/ العلوم والحكم – السعودية.
([73]) كشف الظنون لحاجي خليفة ( 1/226 ) ط/مكتبة المثنى – بغداد، 1941م .
([74]) التفسير والمفسرون ( 1/226 ) د. محمد حسين الذهبي، ط/مكتبة وهبة – القاهرة .
([75]) الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير ( ص140 ) لمحمد أبو شهبة، ط4/مكتبة السنة.
([76]) مقدمة في أصول البحث العلمي ( ص57 ) د. السيد رزق الطويل، ط2/المكتبة الأزهرية للتراث – القاهرة .
فإنَّ تاريخ الأمة الإسلامية زاخرٌ بأعلامٍ نذروا أعمارهم لخدمة كتاب الله تعالى فهمًا وتفسيرًا وبيانًا، وكان من أبرز هؤلاء الأعلام الإمامُ العلَّامة، شيخُ النحاة والمفسِّرين، أبو حيّان الأندلسي رحمه الله تعالى، الذي جمع بين سَعة العلم، ودقَّة النظر، ورسوخ القدم في علوم العربية والقرآن.
وقد تميَّز أبو حيّان بمنهجٍ فريد في التفسير، تجلَّى في كتابه العظيم البحر المحيط، حيث أظهر براعةً نادرة في توظيف علوم النحو واللغة والقراءات في خدمة المعنى القرآني، مع تحرٍّ دقيق للأقوال، ونقدٍ علميٍّ منصف، مما جعله مرجعًا لا غنى عنه لطالب التفسير واللغة على السواء.
وإنَّ الوقوف على ترجمة هذا الإمام ليس مجرد استعراضٍ لسيرته، بل هو إطلالة على مدرسة علمية متكاملة، أسهمت في ترسيخ المنهج اللغوي في التفسير، وربطت بين علوم الآلة ومقاصد الوحي، فكان أبو حيّان مثالًا للعالِم الموسوعي الذي جمع بين الأصالة والتجديد، وبين التحقيق والنظر.
ومن هنا جاءت هذه الترجمة؛ إسهامًا في إبراز مكانة هذا العَلَم الجليل، وتعريفًا بسيرته العلمية، ومنهجه التفسيري، وآثاره التي لا يزال صداها ممتدًا في الدرس القرآني إلى يومنا هذا، رجاءَ أن تكون معينًا للباحثين وطلاب العلم، ودافعًا للاقتداء بسير العلماء العاملين.
أولًا: التعريف بالإمام أبي حيان:-
- اسمه ولقبه وكنيته:
- نسبته:
المصري([8])، النحوي المقرىء([9])، الظاهري([10])، الشافعي([11]) ، المالكي([12])، الأثري.
الغرناطي: نسبة إلى غرناطة، وهي من أقدم مدن الأندلس وأعظمها وأحسنها وأحصنها يشقّها النهر المعروف بنهر قلزم في القديم، وهو النهر المشهور الذي يلفظ من مجراه برادة الذهب الخالص .
ومعنى غرناطة رمّانة بلسان عجم الأندلس سمّي البلد لحسنه بذلك. ([13])
الأندلسي: نسبة إلى الأندلس فردوس المسلمين، وفسطاط المجاهدين، هي جزيرة كبيرة ذات ثلاثة أركان مثل شكل المثلّث قد أحاط بها البحران، المحيط والمتوسط، وبها مدن كثيرة وقرى وأنهار وأشجار، وبها معادن الذهب والفضة والرصاص والحديد في كل ناحية.
كلمة الأندلس عجمية لم تستعملها العرب في القديم وإنما عرفتها العرب في الإسلام.([14])
المغربي: نسبة إلى المغرب باعتبار المغرب لفظ عام يحتوى المغرب العربي والأندلس .
المصري: نسبة إليها أنه قد نزل بها وأقام حتى توفي بالقاهرة .
النحوي: نسبة إلى علم النحو، حيث أن أبو حيان رحمه كان شيخ النحاة وأستاذهم في عصره .
المقرىء: نسبة إلى قرأت القرآن وإقرائه، حيث قرأ القرآن بالروايات، وحصل الإجازات من الشام والعراق وغير ذلك، وأقرأ في حيات شيوخه.، ذكره «ابن الجزري» ضمن علماء القراءات.
الظاهري: نسبة إلى المذهب الظاهري المنسوب لداود بن علي، وقد كان هذا المذهب سائد ومنتشر بالأندلس.
الشافعي: ذلك لتمذهبه بالمذهب الشافعي بعد نزوله مصر، وقد ترجمه تاج الدين السبكي ضمن طبقات الشافعية .
المالكي: ولعل من نسبه إلى المذهب المالكي لكون المذهب المالكي كان هو المشهور في المغرب، إلا أن هذه النسبة لأبي حيان فيها نظر.
الأثري: نسبة إلي الحديث والأثر وقد سمع الكتب الستة .
- مولده ونشأته:
وقد لد أبي حيان في مدينة بمطخشارش، من حَضْرَة غرناطة بالأندلس كما ذكره المؤرخون وذكره هو في كتابه البحر المحيط، فقال: « قد قرأت القرآن بقراءة السبعة، بجزيرة الأندلس ... بمطحشارش، من حضرة غرناطة ... » ([15]).
وكون مطحشارش من ظواحى غرناطة وتابعة لها، جعل ذلك جماعة من المؤرخين ينسبونه إلى غرناطة نفسها لأنه كانت أكبر وأشهر.
ولد بها في آخر شوال سنة أربع وخمسين وستمائة، كما ذكره هو بنفسه في إجازته التي أرسل بها للصفدي([16])، وذكره أيضًا تلميذه تاج الدين السبكي في معجم شيوخه. ([17])
إلا أن ابن الخطيب أخطأ في مولده فذكر أنه ولد: عام اثنين وخمسين وستمائة.([18])، والصحيح هو الأول لأنه ذكره بنفسه وهو أعلم به من غيره.
وقد نشأ أبو حيان في مدينة غرناطة أكبر مدن الأندلس في أواسط القرن السابع الهجري، والتي كانت حاضرة العلوم والفنون، حيث نشأ بها في هذا الوقت جماعة من العلماء والأدباء.
وقد بدأ حياته بدراسة القرآن الكريم فقرأ القرآن بقراءة السبعة، على الخطيب أبي جعفر أحمد بن علي بن محمد الرعيني، عرف بابن الطباع، بغرناطة، وعلى الخطيب أبي محمد عبد الحق بن علي بن عبد الله الأنصاري
الوادي تشبتي، بمطحشارش ... ([19])
وقرأ ببلده أيضًا على الأستاذ أبي جعفر بن الزّبير ولازمه، وانتسب إليه، وانتفع به. ([20])
ولما كانت الأندلس آنذاك موئل العلماء والفقهاء ومقصد الأدباء والشعراء، يلتقون فيها للدروس والمحاضرة، ويعقدون بها البحث والمناظرة، فكانت لهذه البيئة الخصبة أبلغ الأثر على حياة أبي حيان ونشأته، حيث لازم العلماء فأخذ عنهم في شتوى الفنون والمعارف .
يقول رحمه الله في ذلك : « ولم ألق في هذا الفن من يقارب أهل قطرنا الأندلسي فضلا عن المماثلة، ولا من يناضلهم فيداني في المناضلة، وما زلت من لدن ميزت أتلمذ للعلماء، وأنحاز للفهماء، وأرغب في مجالسهم، وأنافس في نفائسهم، وأسلك طريقهم، وأتبع فريقهم، فلا أنتقل إلا من إمام إلى إمام، ولا أتوقل إلا ذروة علام، فكم صدر أودعت علمه صدري، وحبر أفنيت في فوائده حبري، وإمام أكثرت به الإلمام، وعلام أطلت معه الاستعلام ... »([21]).
في هذا الجو العلمي نشأ أبو حيان وتلقى عن علماء غرناطة كافة العلوم من القراءات والتفسير والفقه وأصوله، والنحو واللغة، والبلاغة والشعر، إلى أن اضطرت الأحداث أبا حيان إلى الرحلة عن الأندلس وعمره قرابة الخمس وعشرون سنة .
- رحلته العلمية:
وقد ذكر المؤرخون أن خروج أبو حيان من الأندلس إلى الشرق كان لأحد الأسباب التالية:
1 - أنه حملته حدة الشبيبة على التعرض لشيخه الأستاذ أبي جعفر بن الطباع، وقد وقعت بينه وبين أستاذه أبي جعفر بن الزبير واقعة، فنال منه وتصدى لتأليف في الرد عليه وتكذيب روايته، فرفع أمره إلى السلطان، فأمر بإحضاره وتنكيله فاختفى، ثم ركب البحر، ولحق بالمشرق إلى أن نزل الديار المصرية. ([24])
2 – ما ذكره السيوطي من أنه قرأ في كتابه النضار الذي ألفه في ذكر مبدئه واشتغاله وشيوخه ورحلته أن مما قوى عزمه على الرحلة عن غرناطة أن يعض العلماء بالمنطق والفلسفة والرياضي والطبيعي قال للسلطان: إني قد كبرت وأخاف أن أموت، فأرى أن ترتب لي طلبة أعلمهم هذه العلوم، لينفعوا السلطان من بعدي. قال أبو حيان: فأشير إلي أن أكون من أولئك، ويرتب لي راتب جيد وكسا وإحسان، فتمنعت ورحلت مخافة أن أكره على ذلك.([25])
3 – الجري على عادة أهل العلم في الأندلس من الترحال إلى المشرق العربي للالتقاء بعلمائه والأخذ عنهم.
ولعل الأسباب الثلاثة اجتمعت لأبي حيان وكانت دافعًا في رحلة والخروج من الأندلس.
رحلة أبي حيان:
تقدم أن المؤرخين ذكروا خروج أبي حيان من الأندلس سنة 679 هـ، وقد ذكر السبكي أن دخول أبي حيان إلى القاهرة كان سنة 680 هـ أي بعد خروجه بسنة.
وقد سلك أبو حيَّان في رحلته من الأندلس إلى الشرق الطريق البحريَّ الممتدَّ على ساحل الشَّمال الإفريقي على ما جرت به عادةُ المغاربة والأندلسيِّين، والتقى في رحلته عددًا من الأعلام، وذكر أنه نزل فاس لم يقم إلاّ ثلاثة أيام، وأدرك فيها أبا القاسم الزياتي.([26])
وقد ذكر المؤرخون « أنه سمعت بغرناطة، ومالقة([27])، وبلش([28])، والمرية، وبجاية([29])، وتونس،
والإسكندرية، ومصر، والقاهرة، ودمياط، والمحلة، وطهرمس([30])، والجيزة، ومنية بني خصيب([31])، ودشنا([32])، وقنا، وقوص([33])، وبلبيس، وبعيذاب من بلاد السودان([34])، وبينبع، ومكة شرّفها الله تعالى، وجدة، وأيلة »([35]). كما رحل سبتة وديار إفريقية والعراق والشام.([36])
وها هو أبو حيان يحكي عن حاله وترحاله فيقول: « جعلت العلم بالنهار سحيري، وبالليل سميري، زمان غيري يقصر ساريه على الصبا، ويهب للهو ولا كهبوب الصبا، ويرفل في مطارف اللهو، ويتقمص أردية الزهو، ويؤثر مسرات الأشباح، على لذات الأرواح، ويقطع نفائس الأوقات، في خسائس الشهوات، من مطعم شهي، ومشرب روي، وملبس بهي، ومركب خطي، ومفرش وطي، ومنصب سني، وأنا أتوسد أبواب العلماء، وأتقصد أماثل الفهماء، وأسهر في حنادس الظلام، وأصبر على شظف الأيام، وأوثر العلم على الأهل والمال والولد، وأرتحل من بلد إلى بلد ...
ثم يتكلم عن استقراره بمصر فيقول: حتى ألقيت بمصر عصا التسيار، وقلت ما بعد عبادان من دار، هذه مشارق الأرض ومغاربها، وبها طوالع شموسها وغواربها، بيضة الإسلام، ومستقر الأعلام، فأقمت بها لمعرفة أبديها، وعارفة علم أسديها، وثأي أرأبه، وفاضل أصحبه، وبها صنفت تصانيفي، وألفت تآليفي، ومن بركاتها علي تصنيفي لهذا الكتاب، المقرب من رب الأرباب ...» ([37]).
- عقيدته، ومذهبه:
والناظر في تفسير الإمام أبي حيان لا يكاد يشك في أشعريته، وميله إلى تأويل الصفات وفق مذهب الإمام أبي الحسن الأشعري، وربما جنح في بعض الصفات إلى مذهب أهل الأثر من السلف الصالح من إمرار الصفات وعدم تأويلها .
ومثال ما ذكرناه من ترجيح جانب التأويل على التفويض ما ذكره في قول الله تعالى : ﴿ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ...﴾([39]) . فيقول رحمه الله: « معتقد أهل الحق أن الله تعالى ليس بجسم ولا جارحة له، ولا يشبه بشيء من خلقه، ولا يكيف، ولا يتحيز، ولا تحله الحوادث، وكل هذا مقرر في علم أصول الدين. والجمهور على أن هذا استعارة عن جوده وإنعامه السابغ، وأضاف ذلك إلى اليدين جاريا على طريقة العرب في قولهم: فلان ينفق بكلتا يديه... وما ورد مما يوهم التجسيم كهذا. وقوله: {لما خلقت بيدي}{ومما عملت أيدينا}{ويد الله فوق أيديهم}{ولتصنع على عيني} {وتجري بأعيننا} {وهالك إلا وجهه}ونحوها. فجمهور الأمة أنها تفسر على قوانين اللغة ومجاز الاستعارة وغير ذلك من أفانين الكلام.
وقال قوم منهم القاضي أبو بكر بن الطيب: هذه كلها صفات زائدة على الذات، ثابتة لله تعالى من غير تشبيه ولا تجديد. وقال قوم منهم الشعبي، وابن المسيب، والثوري: نؤمن بها ونقر كما نصت، ولا نعين تفسيرها، ولا يسبق النظر فيه. وهذان القولان حديث من لم يمعن النظر في لسان العرب، وهذه المسألة حججها في علم أصول الدين»اهـ([40]).
- وفاته :
وكانت وفاته بعد العصر يوم السبت الثامن والعشرين من صفر سنة 745 هـ .، بمنزله بظاهر القاهرة خارج باب البحر، ودفن بمقابر الصوفية خلف باب النصر.، وكانت جنازته حافلة، وكان له من العمر تسعون
سنة وخمسة أشهر. ([41])
وهذا التاريخ ما ذهب إليه أكثر من ترجم له، إلا أن كثير من المغاربة قد ذكروا أن وفاته كانت سنة 743 هـ .، وقد رد المقري ذلك بقوله: « وما وقع في كلام كثير من أهل المغرب أن أبا حيان توفي سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة غير ظاهر، لأن أهل المشرق أعرف بذلك، إذ توفي عندهم، وقد تقدم أنه توفي سنة خمس وأربعين وسبعمائة، فعلى كلام أهل المشرق في هذا المعوّل»([42]).
ثانيًا: الآثار العلمية للإمام أبي حيان:-
إن الناظر إلى حياة أبي حيان الأندلسي يجد نفسه أمام عالم كبير، وإمام من أئمة المسلمين، متعدد الجوانب العلمية، فهو العالم بالتفسير والفقه والحديث، الإمام في اللغة والنحو والصرف، الشاعر الأديب.
ولم يكن ذلك بالسهل اليسير فقد اجتهد أبو حيان في طلب العلم غاية الاجتهاد، وبذل في سبيله الوقت والعمر وزهرة الشباب، حتى قطف ثمره، وحاز العلوم والفنون، وبلغ المناصب العلمية العالية في زمانه، وشهد له القاصي والداني .
- شيــــوخه :
وقد ذكر في موضع آخر: «وجملة من سمعت منه خمسمائة، والمجيزون أكثر من ألف»([44]).
وقال تلميذه الصفدي: «أكْثر من سَماع الحَدِيث حَتَّى بلغت عدَّة شُيُوخه أَرْبَعمِائَة، وَأَجَازَ لَهُ جمع جم، وَقد
جمعهم فِي (كتاب الْبَيَان فِي شُيُوخ أبي حَيَّان) فبلغوا ألفا وَخَمْسمِائة»([45]).
وقد ذكر أبو حيان عددًا من شيوخه في إجازته التي أرسل بها للصفدي بلغ عددهم نحوًا من خمسين شيخ.([46])
- تلاميـــــــذه :
يقول الحافظ ابن حجر: «وأقرأ الناس قديمًا وحديثًا حتى ألحق الصغار بالكبار وصارت تلامذته أئمةً وأشياخًا في حياته»([47]).
ونستطيع أن نجمل أسباب كثرة عدد تلاميذ الإمام أبي حيان في عدة نقاط:
1 – شهرته وذيوع صيته في عصره، إلى جانب إلمامه بالفنون .
2 – أنه قد طال عمره فزاد انتفاع الناس به وكثر عدد تلاميذه.
3 – أنه كان يدرس في أكبر مساجد القاهرة.
4 – أنه كان يسلك منهجًا قويًا في التدريس، إلى جانب عنايته بطلابه وإقباله عليهم.
5 – علاقته الطيبة بعلماء عصره، مع كثرة شيوخه.
- مؤلفات أبي حيان([48]):
وقد ذكر أبو حيان في إجارته للصفدي مصنفاته والتي قاربت الخمسين مصنف أو زادت على ذلك، يقول الصفدي: «وله التصانيف التي سارت وطارت وانتشرت وما انتثرت، وقرئت ودُريت، ونُسخت وما فسخت، أخملت كتب الأقدمين، وألهمت المقيمين بمصر والقادمين، وقرأ الناس عليه، وصاروا أئمة وأشياخًا في حياته»([49]).
وقال الرعيني: «وتصانيف أبي حيان تزيد على خمسين ما بين طويل وقصير»([50]).
وقد ذكرت بعض الدراسات أن عدد ما صنفه الإمام أبي حيان الأندلسي يربوا على ستة وستون كتابًا ما بين مطبوع ومخطوط ومفقود([51]).
- مناصبه العلمية([52]):
1 - أنه عيّن مدرسا للنحو في جامع الحاكم سنة 704 هـ. وفي سنة 710 هـ.
2 - عين مدرسا للتفسير في قبة السلطان الملك المنصور في عهد السلطان القاهر الملك الناصر.
3 - تولى منصب الإقراء بجامع الأقمر، ودرّس التفسير بالجامع الطولوني .
4 - أضيف إليه مشيخة الحديث بالقبة المنصورية، فباشر هذه الوظائف كلها حتى مات.
- ثناء العلماء عليه :
قال عنه الإمام الذهبي: «الإمام العلامة ذو الفنون حجة العرب أبو حيان الأندلسي الجياني ثم الغرناطي
الشافعي عالم الديار المصرية وصاحب التصانيف البديعة»([53]).
وقال أيضًا: «له يد طولى في الفقه والآثار، والقراءات، وله مصنفات في القراءات والنحو، وهو مفخر أهل مصر في وقتنا في العلم، تخرج به عدة أئمة مد الله في عمره وختم له بالحسنى، وكفاه شر نفسه.
وودي لو أنه نظر في هذا الكتاب وأصلح فيه، وزاد فيه تراجم جماعة من الكبار، فإنه إمام في هذا المعنى أيضا»([54]).
وقال تلميذه الصفدي: «الإمام الحافظ العلامة فريد العصر وشيخ الزمان وإمام النحاة أثير الدين أبو حيان الغرناطي قرأ القرآن بالروايات وسمع الحديث بجزيرة الأندلس وبلاد إفريقية وثغر الاسكندرية وديار مصر والحجاز وحصل الإجازات من الشام والعراق وغي ذلك واجتهد وطلب وحصل وكتب وقيد ولم أر في أشياخي أكثر اشتغالا منه لأني لم أره إلا يسمع أو يشتغل أو يكتب ولم يكتب ولم أره على غير ذلك وله إقبال على الطلبة الأذكياء وعنده تعظيم لهم نظم ونثر وله الموشحات البديعة وهو ثبت فيما ينقله محرر لما يقوله عارف باللغة ضابط لألفاظها وأما النحو والتصريف فهو إمام الدنيا فيهما لم يذكر معه في أقطار الأرض غيره في العربية وله اليد الطولى في التفسير والحديث والشروط والفروع وتراجم الناس وطبقاتهم وتواريخهم وحوادثهم خصوصا المغاربة وتقييد أسمائهم على ما يتلفظون به من إمالة وترخيم وترقيق وتفخيم لأنهم مجاورو بلاد الفرنج وأسماؤهم قريبة وألقابهم كذلك كل ذلك قد جوده وقيده وحرره والشيخ شمس الدين الذهبي له سؤالات سأله عنها فيما يتعلق بالمغاربة وأجابه عنها وله التصانيف التي سارت وطارت وانتشرت وما انتثرت وقرئت ودريت ونسخت وما فسخت أخملت كتب الأقدمين وألهت المقيمين بمصر والقادمين وقرأ الناس عليه وصاروا أئمة وأشياخا في حياته ...» ([55]).
وقال أيضًا: «الشيخ الإمام العالم العلامة الفريد الكامل، حجة العرب، مالك أزمّة الأدب ... كان أمير المؤمنين في النحو، والشمس السافرة شتاءً في يوم الصحو، والمتصرّف في هذا العلم، فإليه الإثبات والمحو، لو عاصر أئمة البصرة لبَصرهم، وأهل الكوفة لكفَّ عنهم اتّباعهم الشواذ وحذّرهم، نزل منه كتاب سيبويه في وطنه بعد أن كان طريدًا، وأصبح به التسهيل بعد تعقيده مفيدًا، وجعل سرحة شرحه وجْنة راقت النواظر توريدا. ملأ الزمان تصانيف، وأمال عُنق الأيام بالتواليف. تخرّج به أئمة هذا الفن، وروّق لهم في عصره منه سُلافة الدن ... وعلى الجملة فكان إمام النحاة في عصره شرقًا وغربًا، وفريدَ هذا الفن الفذّ بُعدًا وقربًا، وفيه قلت:
سلطان علم النحو أستاذنا ... الشيخ أثير الدين حبرُ الأنام
فلا تقل زيد وعمرو فما ... في النحو معه لسواه كلام
خدم هذا العلم مدة تقارب الثمانين، وسلك من غرائبه وغوامضه طُرقًا متشعبة الأفنانين»([56]).
وقال تاج الدين السبكي: «شيخ النحاة، العلم الفرد، والبحر الذي لم يعرف الجزر بل المد، سيبويه الزمان والمبرد إذا حمي الوطيس بتشاجر الأقران، وإمام النحو الذي لقاصده منه ما يشاء، ولسان العرب الذي لكل سمع لديه الإصغاء، كعبة علم تحج ولا تحج ويقصد من كل فج، تضرب إليه الإبل آباطها وتفد عليه كل طائفة سفرا، لا يعرف إلا نمارق البيد بساطها ... أخذ عنه غالب مشيختنا وأقراننا منهم الشيخ الإمام الوالد وناهيك بها لأبي حيان منقبة وكان يعظمه كثيرا وتصانيفه مشحونة بالنقل عنه .... وكان الشيخ أبو حيان إمامًا منتفعًا به، اتفق أهل العصر على تقديمه وإمامته، ونشأت أولادهم على حفظ مختصراته، وآباؤهم على النظر في مبسوطاته، وضربت الأمثال باسمه مع صدق اللهجة وكثرة الإتقان والتحري»([57]).
وقال لسان الدين ابن الخطيب: «كان نسيج وحده في ثقوب الذهن، وصحّة الإدراك والحفظ، والاضطلاع بعلم العربية، والتفسير وطريق الرواية، إمام النّحاة في زمانه غير مدافع ..»([58]).
وقال ابن مرزوق الخطيب في حقّه: «هو شيخ النحاة بالديار المصرية، انتهت إليه رئاسه التبريز في علم العربية واللّغة والحديث ..» ([59]).
وقال الفيروزآبادي: «شيخ البلاد المصرية والشامية ورئيسها في علم العربية، قصده الطلاب من الأقطار. ووضع في الفنون المصنفات السامية الباهرة، وهي تنيف على خمسين مصنفا»([60]).
وقال ابن الجزري : «الإمام الحافظ الأستاذ شيخ العربية والأدب والقراءات مع العدالة والثقة ..» ([61]).
وقال الأسنوي: «كان إمام زمانه في علم النحو إماما في اللغة عارفا بالقراءات والحديث شاعرا مجيدا صادق اللهجة كثير الإتقان والاستحضار»([62]).
وقال السيوطي: «نحوي عصره ولغويه ومفسره ومحدثه ومقرئه ومؤرخه وأديبه... أكب على طلب الحديث وأتقنه وبرع فيه، وفي التفسير، والعربية، والقراءات، والأدب، والتاريخ؛ واشتهر اسمه، وطار صيته، وأخذ عنه أكابر عصره، وتقدموا في حياته»([63]).
التعريف بتفسير أبي حيان
يعد تفسير البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي من التفاسير المهمة، وأجلها وأعلاها شأنًا بشهادة العلماء له، وإفادة الناس منه.
وقد بذل مؤلفه فيه كل جهد، واعتكف على تصنيفه طويلًا من العمر، قال رحمه الله: « عكفت على تصنيف هذا الكتاب وانتخاب الصفو واللباب، أجيل الفكر فيما وضع الناس في تصانيفهم، وأمعن النظر فيما اقترحوه من تآليفهم، فألخص مطولها وأحل مشكلها، وأقيد مطلقها، وأفتح مغلقها، واجمع مبددها ... وأضيف إلى ذلك ما استخرجته من لطائف علم البيان المطلع على إعجاز القرآن، العروة الوثقى والحبل المتين والصراط المستقيم».
ونحن في هذا المبحث سنتكلم عن هذا الكتاب الجليل ومنهج الإمام أبي حيان فيه.
أولًا: التعريف بكتاب البحر المحيط :-
- زمن تأليف الكتاب ومكانه :
وكان ذلك في أواخر سنة عشر وسبعمائة، وهي أوائل سنة سبع وخمسين من عمري، فعكفت على تصنيف هذا الكتاب ... »([64]).
وقد بين قصده رحمه الله من تأليف هذا الكتاب فقال: « وبها – أي: مصر - صنفت تصانيفي، وألفت تآليفي، ومن بركاتها علي تصنيفي لهذا الكتاب، المقرب من رب الأرباب، المرجو أن يكون نورا يسعى بين يدي، وسترا من النار يضفو علي. فما لمخلوق بتأليفه قصدت، ولا غير وجه الله به أردت. جعلت كتاب الله والتدبير لمعانيه أنيسي، إذ هو أفضل مؤانس ...» ([65]).
مما سبق يتبين لنا أبو حيان قد ألف كتابه «البحر المحيط» في الديار المصرية بعدما تقلد تدريس التفسير بقبة السلطان الملك المنصور أواخر سنة 710 هـ ، وكان عمره آنذاك 57 سنة.
- مادة الكتاب العلمية:
فذكر معاني المفردات وإعراب الكلمات وتعريف المشتقات، مع ذكر لهجات القبائل، وبخاصة عند القراءات التي اختلفت فيها أقوال المفسرين والنحويين واللغويين قبولًا أو ردًا.
ولقد كان لتفسير أبي حيان النصيب الأوفر في هذا المضمار عن بقية التفاسير، ولا عجب في ذلك فمؤلفه نحوي كبير، ولغوي بارع، فله وقفات متأنية عند آيات القرآن الكريم تصريفًا وإعرابًا، مع ذكر المسائل الخلافية النحوية والتصريفية، واختيار ما يراه صوابًا في معظم ما تكلم عنه.
وقد كتب أبي حيان رحمه الله في مقدمة تفسيره مادة كتابه وما ضمنها من فوائد ومسائل وموضوعات مختلفة، وما يحتاج إليه علم التفسير من علوم، فقال:
الوجه الأول- علم اللغة اسما وفعلا وحرفا: الحروف لقلتها تكلم على معانيها النحاة، فيؤخذ ذلك من كتبهم، وأما الأسماء والأفعال فيؤخذ ذلك من كتب اللغة.
الوجه الثاني- معرفة الأحكام التي للكلم العربية من جهة إفرادها ومن جهة تركيبها: ويؤخذ ذلك من علم النحو ...([66])
الوجه الثالث- كون اللفظ أو التركيب أحسن وأفصح: ويؤخذ ذلك من علم البيان والبديع...
الوجه الرابع- تعيين مبهم، وتبيين مجمل، وسبب نزول ونسخ: ويؤخذ ذلك من النقل الصحيح عن رسول الله (ﷺ)، وذلك من علم الحديث ...
الوجه الخامس- معرفة الإجمال، والتبيين، والعموم، والخصوص، والإطلاق، والتقييد، ودلالة الأمر والنهي، وما أشبه هذا: ويختص أكثر هذا الوجه بجزء الأحكام من القرآن، ويؤخذ هنا من أصول الفقه، ومعظمه هو في الحقيقة راجع لعلم اللغة، إذ هو شيء يتكلم فيه على أوضاع العرب، ولكن تكلم فيه غير اللغويين أو النحويين ومزجوه بأشياء من حجج العقول...
الوجه السادس- الكلام فيما يجوز على الله تعالى، وما يجب له، وما يستحيل عليه، والنظر في النبوة: ويختص هذا الوجه بالآيات التي تضمنت النظر في الباري تعالى، وفي الأنبياء، وإعجاز القرآن، ويؤخذ هذا من علم الكلام...
الوجه السابع- اختلاف الألفاظ بزيادة أو نقص، أو تغيير حركة، أو إتيان بلفظ بدل لفظ،
وذلك بتواتر وآحاد: ويؤخذ هذا الوجه من علم القراءات... ([67])وفي كتاب البحر المحيط جوانب كبيرة من الأحكام الفقهية، والكلام على الأحاديث وأسانيدها من حيث الصحة والضعف، والمغازي وسيرة الرسول (ﷺ)، وبيان أوجه الأعجاز، وصور البيان، والتناسب بين الآيات والسور.
ثانيًا: منهج أبو حيان في تفسيره :-
قد وضح أبي حيان منهجه في تفسيره، وأبان طريقته والترتيب الذي سلكه، وذكر ذلك في مقدمته على تفسيره، حيث يقول: « وترتيبي في هذا الكتاب، أني أبتدىء أولًا بالكلام على مفردات الآية التي أفسرها، لفظة لفظة، فيما يحتاج إليه من اللغة والأحكام النحوية التي لتلك اللفظة قبل التركيب.
وإذا كان للكلمة معنيان أو معان، ذكرت ذلك في أول موضع فيه تلك الكلمة، لينظر ما يناسب لها من تلك المعاني في كل موضع تقع فيه، فيحمل عليه.
ثم أشرع في تفسير الآية، ذاكرا سبب نزولها، إذا كان لها سبب، ونسخها ومناسبتها وارتباطها بما قبلها، حاشدا فيها القراءات، شاذها ومستعملها، ذاكرا توجيه ذلك في علم العربية، ناقلا أقاويل السلف والخلف في فهم معانيها، متكلما على جليها وخفيها، بحيث إني لا أغادر منها كلمة، وإن اشتهرت، حتى أتكلم عليها، مبديا ما فيها من غوامض الإعراب ودقائق الآداب من بديع وبيان، مجتهدا أني لا أكرر الكلام في لفظ سبق، ولا في جملة تقدم الكلام عليها، ولا في آية فسرت، بل أذكر في كثير منها الحوالة على الموضع الذي تكلم فيه على تلك اللفظة أو الجملة أو الآية، وإن عرض تكرير فبمزيد فائدة.
ناقلا أقاويل الفقهاء الأربعة، وغيرهم في الأحكام الشرعية مما فيه تعلق باللفظ القرآني، محيلا على الدلائل التي في كتب الفقه، وكذلك ما نذكره من القواعد النحوية أحيل في تقررها والاستدلال عليها على كتب النحو، وربما أذكر الدليل إذا كان الحكم غريبا، أو خلاف مشهور ما قال معظم الناس، بادئا بمقتضى الدليل وما دل عليه ظاهر اللفظ من حجا له لذلك ما لم يصد عن الظاهر ما يجب إخراجه به عنه، منكبا في الإعراب عن الوجوه التي تنزه القرآن عنها، مبينا أنها مما يجب أن يعدل عنه، وأنه ينبغي أن يحمل على أحسن إعراب وأحسن تركيب، إذ كلام الله تعالى أفصح الكلام، فلا يجوز فيه جميع ما يجوزه النحاة في شعر الشماخ والطرماح وغيرهما من سلوك التقادير البعيدة والتراكيب القلقة والمجازات المعقدة.
ثم أختتم الكلام في جملة من الآيات التي فسرتها إفرادا وتركيبا بما ذكروا فيها من علم البيان والبديع، ملخصا، ثم أتبع آخر الآيات بكلام منثور أشرح به مضمون تلك الآيات على ما أختاره من تلك المعاني، ملخصا جملها في أحسن تلخيص، وقد ينجر معها ذكر معان لم تتقدم في التفسير، وصار ذلك أنموذجا لمن يريد أن يسلك ذلك فيما بقي من سائر القرآن.
وستقف على هذا المنهج الذي سلكته، إن شاء الله تعالى، وربما ألممت بشيء من كلام الصوفية مما فيه بعض مناسبة لمدلول اللفظ، وتجنبت كثيرا من أقاويلهم ومعانيهم التي يحملونها الألفاظ، وتركت أقوال الملحدين الباطنية المخرجين الألفاظ القريبة عن مدلولاتها في اللغة إلى هذيان افتروه على الله تعالى وعلى علي كرم الله وجهه وعلى ذريته، ويسمونه علم التأويل...
وكثيرا ما يشحن المفسرون تفاسيرهم من ذلك الإعراب، بعلل النحو ودلائل أصول الفقه ودلائل أصول الدين، وكل هذا مقرر في تآليف هذه العلوم، وإنما يؤخذ ذلك مسلما في علم التفسير دون استدلال عليه.
وكذلك أيضا ذكروا ما لا يصح من أسباب نزول وأحاديث في الفضائل وحكايات لا تناسب وتواريخ إسرائيلية، ولا ينبغي ذكر هذا في علم التفسير»([68]).
ونستطيع أن نجمل منهج أبي حيان في كتابه البحر المحيط على شكل نقاط:
1 – يبدأ الكلام على مفردات الآية لفظة لفظة قبل التركيب، مبينًا المعنى المناسب لها.
2 – الشروع في تفسير الآية وبيان أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ.
3 – بيان وجه مناسبة الآية وربطها بما قبلها.
4 – يذكر القراءات في الآية، شاذها ومستعملها، مع ذكر وجه تلك القراءات في اللغة العربية.
5 – ينقل أقوال أهل العلم من السلف والخلف على فهم معاني الآية.
6 – لا يترك الآية حتى يبين غوامض الإعراب، ودقائق الآداب والبيان فيها.
7 – ينقل أقوال الفقهاء الأربعة، وغيرهم في الأحكام الشرعية مما فيه تعلق باللفظ القرآني.
هذا ما تم استخلاصه من كلامه في مقدمته، أما بالنظر إلى كتاب البحر المحيط واستقراء مادته، نستطيع أن نضيف الآتي:
1 – أن أبي حيان جمع في تفسيره بين المأثور والرأي، وإن غلب عليه الرأي لأنه يوضح الخفي من دقائق المعاني إلى حيز الوضوح والجلاء.
2 - استقلال أبي حيان بحيث أنه لم يكن يرجح مذهبًا بعينه، بل كان حرًا يرجح بين المذاهب في كل فن بل يظهر له وفق القواعد والأصول لهذا الفن.
3 – تناول أبي حيان كلام ابن عطية والزمخشري بالشرح والتحليل تارة، وبالنقد والمناقشة تارة أخرى، لكنه كثيرًا ما يحمل على الزمخشري لاتجاهه الاعتزالي.
4 – وقد تعقب تفسيرات الصوفية والباطنية الملاحدة بالرد والنقد، وحذر منهم .
5 – التنبيه على كثير من الإسرائيليات، ونقدها وبيان عدم صحتها، وتحذير القارىء من الاغترار بها، مشيرًا إلى بطلانها وتزييفها، إلا أنه لم يسلم من ذكر بعض الإسرائيليات.
- الثناء على تفسير البحر المحيط :
تفسيره «البحر المحيط» الذي ... يُهدي إلى ورّاده الجوهرا
فوائد من فضله جمّة ... عليه فيها نعقد الخنصرا([69])
فوائد من فضله جمّة ... عليه فيها نعقد الخنصرا([69])
وقال الإمام ابن الجزري عنه: «وله التفسير الذي لم يسبق إلى مثله سماه «البحر المحيط» في عشر مجلدات كبار واختصره في ثلاث مجلدات سماه النهر».([70])
يقول الحسيني رحمه الله: ومن عيون تصانيفه « البحر المحيط في التفسير».([71])
وقال صاحب طبقات المفسرين: «وصنف التصانيف السائرة وله «البحر المحيط في التفسير» وذكر في أسامي الكتب وهو كتاب عظيم القدر في أسفار عديدة».([72])
وقال حاجي خليفة: «البحر المحيط في التفسير»، وهو كتاب عظيم في مجلدات، ثم اختصره في مجلدين».([73])
ويقول الشيخ محمد حسين الذهبي: «مطبوع ومتداول بين أهل العلم. ومعتبر عندهم المرجع الأول والأهم لمن يريد أن يقف على وجوه الإعراب الألفاظ القرآن الكريم ..». ([74])
وقال الدكتور/ محمد أبو شهبة: « هو من التفاسير التي يقل فيها ذكر الإسرائيليات، والموضوعات وقد عني بالتنبيه إلى الكثير منها، وبيان عدم صحتها، وتحذير القارئ من الاغترار بها ...». ([75])
وقال الدكتور/رزق الطويل : « يعد هذا الكتاب المرجع الأول للوقوف على وجوه إعراب ألفاظ القرآن الكريم، وقد أكثر من الوجوه النحوية، وذكر الخلافات بين النحاة، وأكثر من ذكر وجوه القراءات، وأسباب النزول والناسخ والمنسوخ، وذكر وجوه البلاغة. وهو في حقيقته تفسير جامع ويغلب عليه الناحية النحوية ...».([76])
^^^
([1]) مطخشارش: هي القرية التي ولد بها كما سيأتي ذكره .
([2]) نسبة إلى نفزة: بكسر النون وسكون الفاء ، وهى قبيلة من قباء البربر بالمغرب تنسب إلى نفزاو بن لوي.
[ انظر: الدرر الكامنة 6/62 - طبقات المفسرين للداوودي 2/287 - تاريخ المغرب الكبير 2/ 35 ].
([3]) نسبة إلى جيان: بالفتح ثم التشديد، وآخره نون: مدينة لها كورة واسعة بالأندلس مائلة إلى ناحية الجوف في شرقي قرطبة، بينها وبين قرطبة سبعة عشر فرسخا، وهي كورة كبيرة تجمع قرى كثيرة. [انظر: معجم البلدان 2/195]
([4]) وهذا الاسم واللقب مما اتفق عليه المؤرخون.، وقد اشتهر بين جمهور المؤرخين إلى أن كنيته « أبو حيان »، ولم يشذ عن ذلك إلا ابن القاضي فكناه «بأبي عبد الله الشهير بأبي حيان». ولعل ما دفع ابن القاضي لذلك هو ما ذكر في خطبة «تفسير البحر المحيط لأبي حيان»: « قال الشيخ الإمام .... الأستاذ أبو عبد الله محمد بن يوسف بن علي بن حيان الأندلسي الجياني، رحمه الله تعالى ».
لكن جاء أبو حيان في طيات تفسيره وأنكر هذه الكنية وأكد ما ذهب إليه الجمهور من أن كنيته «أبو حيان»، وهو الذي غلب عليه واشتهر به، والذي كان يتوخى الاشتهار به لكونها غريبة ولم يتكنى بها الكثير، فقال: « لا سيما إذا كانت الكنية غريبة، لا يكاد يشترك فيها أحد مع من تكنى بها في عصره، فإنه يطير بها ذكره في الآفاق، وتتهادى أخباره الرفاق، كما جرى في كنيتي بأبي حيان، واسمي محمد. فلو كانت كنيتي أبا عبد الله أو أبا بكر، مما يقع فيه الاشتراك، لم أشتهر تلك الشهرة».
[انظر: فوات الوفيات لابن شاكر( 4/74 ) ط1/ دار صادر - بيروت، الوافي بالوفيات للصفدي ( 5/175 ) ط/ دار إحياء التراث - بيروت، معجم الشيوخ للسبكي ( 1/472 ) ط1/دار الغرب الإسلامي، ذيل التقييد للفاسي ( 1/283 )، الدرر الكامنة لابن حجر( 6/58 ) ط2/ دائرة المعارف العثمانية - صيدر اباد/ الهند، بغية الوعاة للسيوطي ( 1/280 ) ط/المكتبة العصرية - لبنان / صيدا ، سلم الوصول إلى طبقات الفحول ( 3/292 )، الأعلام للزركلى ( 7/152 )، درة الحجال لابن القاضي( 2/122) ط1/ دار التراث (القاهرة)- 1391 هـ - 1971 م.، البحر المحيط لأبي حيان ( 1/9 ) دار الفكر – بيروت، 1420 هـ] .
([5]) الوافي بالوفيات ( 5/175 ).
([6]) طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ( 9/276 ) ط2/ دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع، 1413هـ
([7]) تتمة المختصر في أخبار البشر ( 2/482 ) ط1/ المطبعة الحسينية المصرية.
([8]) ذيل تذكرة الحفاظ للحسيني( ص13 ) ط/ دار الكتب العلمية – بيروت، 1419هـ - 1998م.
([9]) ذيل التقييد ( 1/283 ).
([10]) الرد الوافر لابن ناصر الدين ( ص63 ) ط/ المكتب الإسلامي – بيروت، 1393 هـ.
([11]) سلم الوصول ( 3/292 ).
([12]) النجوم الزاهرة لابن تغري بردي ( 13/214 ) ط/ وزارة الثقافة - دار الكتب بمصر.
([13]) انظر: معجم البلدان لياقوت الحموي ( 4/195 ) ط2/ دار صادر، بيروت- 1995 م، آثار البلاد في أخبار العباد للقزويني ( ص547 ) ط/ دار صادر - بيروت.
([14]) انظر: المرجعين السابقين .
([15]) البحر المحيط ( 1/16 ).
([16]) الوافي بالوفيات ( 5/185 ).
([17]) معجم الشيوخ ( 1/475 ).
([18]) الإحاطة في أخبار غرناطة لابن الخطيب ( 3/43 ) ط/دار الكتب العلمية، بيروت، 1424 هـ.
([19]) انظر: البحر المحيط ( 1/16 ).
([20]) الإحاطة في أخبار غرناطة ( 3/27 ).
([21]) انظر: البحر المحيط ( 1/11 ).
([22]) انظر: ذيل تذكرة الحفاظ (ص14 ).
([23]) انظر: الدرر الكامنة ( 6/59 ).
([24]) انظر: الاحاطة في أخبار غرناطة ( 3/30 )، طبقات المفسرين للداوودي ( 2/289 ).
([25]) بغية الوعاة ( 1/281 ).
([26]) انظر: نفح الطيب للتلمساني ( 2/584 ) ط/ دار صادر- بيروت، 1997م.
([27]) مدينة كبيرة من بلاد الأندلس تقع على بعد 400 كليو متر شمال العاصمة الأسبانية مدريد .
([28]) بلدة بالأندلس قريبة من البحر تقع على بعد 30 كيلو متر شرقي مدينة مالقة.
([29]) مدينة كبيرة على ساحل البحر المتوسط بالجزائر، وبها ميناء كبير .
([30]) هى الآن قرية من قرى محافظة الجيزة بالديار المصرية .
([31]) محافظة المنيا الآن بمصر .
([32]) مدينة بصعيد مصر .
([33]) مدينة كبيرة بمحافظة قنا بصعيد مصر .
([34]) هى الآن مدينة سواكن على ضفة البحر الأحمر بالسودان وبها ميناء صغير .
([35]) المرجع السابق ( 2/560 )، وانظر: معجم الشيوخ للسبكي ( 1/474 ) .
وأيلة : هي مدينة ساحلية على البحر الأحمر، وتسمى الآن إيلات تقع في جنوب فلسطين بالقرب من مدينة العقبة.
([36]) الوافي بالوفيات ( 5/184 ).
([37]) البحر المحيط ( 1/11 ).
([38]) انظر: أعيان العصر ( 5/333 )، الدرر الكامنة ( 6/62 )، بغية الوعاة ( 1/282 ).
([39]) سورة المائدة : الآية ( 64 ).
([40]) البحر المحيط ( 4/315 - 316 ).
([41]) انظر: الوافى بالوفيات ( 5/185 )، ذيل تذكرة الحفاظ ( ص15 )، طبقات الشافعية ( 9/279 )، الإحاطة ( 3/43 )، البلغة ( ص252 )، ذيل التقييد ( 1/283 )، المقفى ( 7/273 )، الدرر الكامنة ( 6/65 ).
([42]) نفح الطيب ( 2/559 ).
([43]) الوافي بالوفيات ( 5/184 )، نفح الطيب ( 2/552 ).
([44]) نفح الطيب ( 2/560 ).
([45]) الدرر الكامنة ( 6/64 )، نفح الطيب ( 2/560 ).
([46]) انظر: الوافي بالوفيات ( 5/182 )، نفح الطيب ( 2/549 ).
([47]) الدرر الكامنة ( 6/59 ).
([48]) انظر في ذلك: «أبو حيان النحوي» للدكتورة خديجه الحديثي رسالة دكتوراة ، مقدمة «أبو حيان وتفسيره البحر المحيط» للدكتور/بدر بن ناصر البدر، الوافي بالوفيات للصفدي ( 5/182)، مقدمة «تقريب المقرب» للدليمي، نفح الطيب ( 2/541 )، نوادر المخطوطات العربية في مكتبات تركيا، دائرة المعارف الإسلامية.
([49]) أعيان العصر ( 5/331 )، نفح الطيب ( 2/541 ).
([50]) نفح الطيب ( 2/563 ).
([51]) أبو حيان النحوي ( ص74 ) نقلًا عن: أبو حيان الأندلسي ومنهجه في البحر المحيط وفي إيراد القراءات فيه ( ص92 ) د . أحمد خالد شكري – ط/دار عمار - عمان الأردن .
([52]) انظر: المراجع السابقة .
([53]) المعجم المختص بالمحدثين للذهبي( ص267 ) ط/مكتبة الصديق – الطائف، 1408 هـ - 1988 م.
([54]) معرفة القراء الكبار للذهبي ( ص387 ) ط/الكتب العلمية – بيروت، 1417 هـ- 1997م.
([55]) الوافى بالوفيات ( 5/175 ).
([56]) أعيان العصر ( 5/325 – 326 ).
([57]) طبقات الشافعية الكبرى ( 9/276 وما بعدها ).
([58]) الإحاطة في تاريخ غرناطة ( 3/28 ).
([59]) نفح الطيب ( 2/536 ).
([60]) البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة ( ص250 ).
([61]) غاية النهاية في طبقات القراء ( 2/285 ).
([62]) الدرر الكامنة ( 6/65 ).
([63]) بغية الوعاة ( 1/280 ).
([64]) البحر المحيط ( 1/10).
([65]) المصدر السابق ( 1/11).
([66]) البحر المحيط ( 1/14).
([67]) المصدر السابق ( 1/15 - 16).
([68]) البحر المحيط ( 1/12 - 13).
([69]) أعيان العصر ( 5/329 ).
([70]) غاية النهاية في طبقات القراء ( 2/286 ).
([71]) ذيل التذكرة (ص15 ).
([72]) طبقات المفسرين ( ص279 ) أحمد بن محمد الأدنه وي – ط/ العلوم والحكم – السعودية.
([73]) كشف الظنون لحاجي خليفة ( 1/226 ) ط/مكتبة المثنى – بغداد، 1941م .
([74]) التفسير والمفسرون ( 1/226 ) د. محمد حسين الذهبي، ط/مكتبة وهبة – القاهرة .
([75]) الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير ( ص140 ) لمحمد أبو شهبة، ط4/مكتبة السنة.
([76]) مقدمة في أصول البحث العلمي ( ص57 ) د. السيد رزق الطويل، ط2/المكتبة الأزهرية للتراث – القاهرة .