تدبر قوله تعالى :(أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)

إنضم
24/06/2006
المشاركات
4
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
الإقامة
مكة المكرمة
قال تعالى :(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) [يونس : 99] .
فيه فوائد :
1- تسمية الأشياء بما يشابهها من وجه قوي ، فالذي وقع من النبي صلى الله عليه وسلم ليس إكراهاً، بل هو حرص شديد على الهداية ، وحزن بالغ على عدمها، ومع ذلك سماه الله تعالى إكراهاً؛ لأنه يتفق مع الإكراه في عدم قبول وجود مخالف معرض عن الهداية .

2- أن عدم قبول وجود مخالفين ، مع تعارضه مع السنة القدرية فهو يعارض السنة الشرعية أيضاً؛ لأنه لا يقع إلا ممن يريد الإكراه على الدين ، والإكراه عليه محرَّم ، ولذلك افتحت الآية بقوله تعالى :(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآَمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا) لتقرر أن الخلاف قدري ، ولا يقدر على عدمه إلا الذي قدره سبحانه .

3- بيان أن الإكراه على الدين من قطعيات المنهيات ، حتى أصبح مجرد القرب منه والشبه به سبباً للعتاب ولمثل هذا السؤال الاستنكاري .

4- يقول ابن عاشور :(وهذا تعريض بالثناء على النبي صلى الله عليه وسلم وعذرة له على عدم استجابتهم له ، ومن بلغ المجهود حق له العذر) ، وهو مأخوذ من الحرص الشديد على الهداية الذي اقتضى تسميته بالإكراه .
 
أحسن الله إليك يا دكتور، على هذه النقاط المفيدة.
وأنتهز الفرصة لتحيتك، وأنا ممن يقرؤون باهتمام ما يتوفر من كتاباتك.
بارك الله في علمك ووقتك.

وموضوع (اللا إكراه) من أكثر المواضيع الغائبة في ثقافتنا العملية، وإن كنا الجميع يتفق نظريا عليها.

ولست أدري إن كان يحق اعتباره مقصدا من مقاصد الشريعة.
 
أولاً: نرحب بالشيخ المحقق الدكتور الشريف حاتم، ونسأل الله أن ينفع به وبعلمه.

ثانياً: تتمة للفائدة:
قال العلامة سفر الحوالي في شرح العقيدة الطحاوية :
( نجد أن كثيراً من المهزومين أو المخدوعين يقولون: إن هذا الدين دين دعوة فقط لا جهاد ولا قتال فيه، وإنما يدعو النَّاس إِلَى أن يؤمنوا به بطواعيتهم وباختيارهم، ويستدلون بقوله تعالى: أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ويقول: قال تَعَالَى: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ [البقرة:256].
إذاً: ليس في الإسلام قتال من أجل الدين ولا جهاد، فإن قلنا: فهذه الفتوحات الإسلامية، والغزوات النبوية قرابة ثلاثين غزوة وقرابة المائة سرية، والصحابة من بعده وصلوا إِلَى نهاية العالم من جهة الغرب إِلَى المحيط الأطلسي ، ولم يكن معروفاً في ذلك الوقت أن وراء هذا المحيط عالماً آخر.

وتوغلوا من جهة الشرق حتى وقَّع لهم ملك الصين على دفع الجزية، ولم يبق شيء من العالم إلا أوروبا وهي قبائل همجية في الشمال وأجزاء قليلة في الجنوب، كيف يكون هذا المجد وهذا الكسب؟ قالوا: هذه حروب دفاعية فقط، فقريش أرادت أن تعتدي عَلَى النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقاومها وحاربها ويستدلون بقوله تعالى:وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [البقرة:190].
فيأخذون هذه الآية مع الآيتين السابقتين ويشكلون منها قواعد وأحكام يقررونها، وهي أن هذا الدين لا جهاد فيه فيُقَالُ لهم: إن معنى قوله تعالى:لَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أنه قد كتب أزلاً وقدراً أن أناساً سيموتون عَلَى الكفر، وستمتلئ منهم جهنم، أما قوله:أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ فمعناها: أنهم لن يؤمنوا مهما بذلت وحاولت، وقد اختاروا الكفر بإرادتهم واختيارهم، وهذا مطابق لما قد كتب عليهم كوناً وقدراً.
وليس المقصود من هذا أنك لا تجاهدهم، بل معناها: حتى وإن جاهدتهم فلن يؤمنوا، سواء دعوتهم سراً أو جهراً بالحكمة أو السيف؛ لأنك لا تستطيع أن تكره النَّاس حتى يكونوا مؤمنين، فقد اختاروا ذلك اختياراً، ولن يرجعوا عن ذلك، ولا يمكن واقعاً أن يتحول النَّاس إِلَى أمة واحدة، فاقتضت حكمة الله تعالى وتمت بذلك كلمته أن يكون النَّاس أمة خير وأمة ضلال، وقد جعل الله لكل نبي عدواً من المجرمين لحكمة .
إذاً: لا تستغرب أيها النبي لأن لك أعداءً، وأنت تحرص عَلَى هدايتهم ومع ذلك لن يهتدي أحد أبداً.

ولاعلاقة لهم في كونك تجاهدهم أو لا تجاهدهم، فأمر الآية يتحدث عن أوامر كونية أزلية، وليس عن أوامر أو أحكام شرعية تعبدية؛ فحتى مع الجهاد -وهو مشروع بلا ريب لكي يدخلوا في الدين- لن يؤمن إلا من كتب الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى له الإيمان، لكن يجب عليك أن تقاتل كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ [التوبة:73] أي: جاهدهم، لكن ليس في حولك ولا في قوتك أن تدخل الإيمان إِلَى قلوبهم، ولم يكلفك الله به، ولكن كلفك أن تدعوهم وأن تجاهدهم، إذاً لا تعارض ولا تناقض بين هذا وذاك.)
 
حياكم الله يادكتور حاتم ..
ونفع بعلمكم ووفقكم لكل خير..
 
بسم الله الرحمن الرحيم

1ـ جمع من المفسرين المعتبرين حمل الآية على التسلية للرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم.. فهل يستقيم ذلك مع حملها على الاستنكار؟ أي هل يتوصل بالسؤال الاستنكاري إلى التسلية؟

2ـ استعارة الإكراه للتعبير عن الحرص الشديد على الهداية في هذا المقام مجاز، فأي نوع من أنواع الاستعارات هو؟ فهل يمكن ذكر أي نوع هذا من الاستعارات ككونها ترشيحية أو تبعية أو تخيلية أو غير ذلك مع بيان الوجه الذي ينتقل منه العقل من حقيقة الإرشاد بنصب أعلام الهداية إلى مفهوم الإكراه الذي هو الإلجاء والقصر.

3 ـ إذا كان المراد بالإكراه الحرص الشديد على الهداية، كما فسّر أعلاه، فكيف يقال بأن الإكراه محرّم؟؟ إذ يعني ذلك ان الحرص على الهداية والحزن على عدمها محرّم، فكيف يستقيم ذلك؟؟

4 ـ هل وقع الإكراه فعلا من النبي صلى الله عليه وسلم حتى يكون ـ حاشاه ـ معارضا للسنة القدرية والسنة الشرعية، أم لم يقع منه ذلك صلى الله عليه وسلم؟ وعلى فرض وقوعه فكيف يغفل صلى الله عليه وسلم عن أمر علمه من قسم اليوم المشيئة إلى قدرية وإلى شرعية حتى استنبط بفهمه أن الأولى لا يجوز وقوع خلافها بخلاف الثانية؟؟

5 ـ حمل المشيئة في الآية الكريمة على الإلجاء، بمعنى أنه تعالى لو شاء لألجأهم إلى الإيمان، هو اصالة قول المعتزلة الذين قالوا بأن المشيئة المنفية هي إلجاء الناس للإيمان، وهذا مردود عليهم من طرف أهل السنة، وحتى من فسرها بذلك منهم فقد تابع الكشاف من حيث لم يشعر، وهو خطأ.

6 ـ أليست هذه الآية منسوخة؟؟

ولا يخفى أن الآية من أدق الايات معنى، والله الموفق لتدبر معاني كلامه المجيد..
 
[align=center]بالنسبة للسؤال الأول فالتسلية بإنكار الحال وطلب زواله مشهورة في كلام العرب وهي في شعرالرثاء و التعزية كثيرة ومنه مطلع عينية أبي ذؤيب = ومنه في القرآن -وقد نص بعض المفسرين على أنه تسلية بالاستنكار- قوله تعالى: { فلعلك باخع نفسك..} الآية.[/align]
 
عودة
أعلى