تدبر القرآن ثم العمل به

إنضم
22/08/2003
المشاركات
8
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد بن عبد الله وبعد:
فقد اطلعت على موقعكم اليوم من خلال أحد الروابط وقد سرني ذلك وسرني تلك اللهجة العلمية التي تتحدثةن بها فجزاكم الله خيراً، فكم هي حاجتنا إلى العلم لو يعلم الكثيرون!
ولذلك فقد اشتركت مباشرة في هذا الملتقى سائلاً الله تعالى لي ولكم التوفيق إنه سميع قريب.
وسوف تكون مشاركتي الأولى بإذن الله حول تدبر القرآن والتفقه فيه والعمل به وأرجو أن يمدني الله تعالى بعون منه حتى أكتب بالتفصيل في هذا الموضوع.
أيها الإخوة لا يخفى عليكم حاجتنا للقرآن العظيم وليست حاجتنا من القرآن هي قراءته وحسب وليست حفظه وحسب كذلك! إن حاجتنا هي فقه القرآن العظيم أي فهمه كما أراد الله تعالى فإن الله تعالى قد أنزله ليكون هادياً لنا للتي هي أقوم ولن تقوم للحياة قائمة إلا بالقرآن وذلك بالعمل به وليس بمجرد قراءته أو حفظه.
إن جمعيات ومراكز تحفيظ القرآن لا تحصى في بلاد المسلمين والحمد لله وهذا من أدلة حفظ الله تعالى لدينه مصداقاً لقوله تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) ولكنني أصر على أن هذا لا يكفي فلماذا لا نجد مثلاً زيادة في أسماء هذه المراكز هي (وتفقيهه) فيصبح الاسم مثلاً: (مركز (كذا) لتحفيظ القرآن وتفقيهه)؟!
لقد سيطرت هذه التسمية المنتشرة (تحفيظ القرآن) وأصبحت هي الواقع الفعلي لمخرجات هذه المراكز والجمعيات أي أننا أصبحنا نرى حفاظاً ولكننا لا نرى فقهاء! حتى إن كثيرين ممن يقرؤون القرآن ويحرصون كل الحرص على إخراج الحروف من مخارجها وإعطائها ما تستحقه من صفات تراهم لا يفقهون آية يقرؤونها! وهذا شيء خطير! والأخطر منه -وهذا ما أود التركيز عليه- هو أنك تجد من يفهم الآيات على غير وجهها ويحرف معناها ويعتمد على أنه قرأ ذلك في بعض كتب التفسير أو أن شيخاً له قال له ذلك وتسأله عن هذا الشيخ فإذا به شيخ مجاز في القراءة وأمضى عمره في إتقانها ولكنه لم يتفرغ قليلاً لفهم ما قرأ وحفظ!
وأنا هنا لا أتحدث عن موضوع بعينه فالموضوعات هنا كثيرة كتحريف كثيرين لمعاني صفات الله تعالى وغير ذلك مما هو مشهور وغير مشهور من المسائل!
ولذلك فإنني أطلق صرخة هنا بأن الأمر خطير وليس هيناً كما يظن البعض، فقد حرك القرآن قبلنا أناساً -هم السلف الصالح- وجعلهم هداة يهدون بأمر الله تعالى، فما باله لم يحرك فينا ساكناً؟!
الجواب سهل ويسير وهو أن القرآن ما عاد مفهوماً لدى كثيرين بل فهمه كثيرون على غير وجهه بل أصبح تحريف معانيه شيئاً طبيعياً مع وجود الأهواء ولا حول ولا قوة إلا بالله فالخطير في الأمر أن القرآن أصبح يفهم عند البعض كما يريدون بل هم يتبعونه لما يخترعون من أصول أو لما تمليه عليهم أهواؤهم ولكنه ليس متبوعاً عندهم البتة.
وقد أصبح القرآن -كما قال بعضهم- بالنسبة للعربي والأعجمي بل وللكافر والمسلم سواء من حيث الفهم، حتى إن الكفار اطمأنوا إلى عدم فهم المسلمين للقرآن وعدم تحريكه لهم فأصبحت بعض الإذاعات اليهودية والصليبية تذيع آيات من القرآن بل ربما أخطؤوا من حيث لا يشعرون فبثوا آيات يقول سادتهم وكبراؤهم إنها تدعو لما يقولولون عنه الإرهاب من مثل قوله تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) ومن مثل قوله تعالى(اتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة) وغير ذلك من الآيات الكريمة العظيمة التي نسيناها أو تناسيناها! وكأن هؤلاء الذين يبثون هذه الآيات قد اطمأنوا إلى أن المسلمين لا يسمعون القرآن ولو سمعوا ما تدبروا ولو حاولوا التدبر فإنهم لن يفهموه فهماً صحيحاً لانقطاعهم عن لغته وعن منهج السلف الذي كان خير تفسير للقرآن.
فكيف نفهم القرآن فهماً صحيحاً؟! الجواب يسير على من يسره الله تعالى عليه.
وقد قلت في دروس وخطب وفي أكثر من مناسبة إن فهم القرآن لن يكون إلا بالتجرد عن الهوى أولاً وقبل كل شيء ثم إن التجرد عن الهوى لا يكفي وإن كان مهماً بل لا بد من فعل إيجابي وهو فهم معنى الدين الذي ارتضاه الله تعالى لنا ولا يكون ذلك إلا بفهم الكلمة الطيبة التي هي خير كلمة قالها المسلم وهي أفضل الذكر (لا إله إلا الله) والتي وإن كان كثيرون يرددون معناها (لا معبود بحق إلا الله تعالى) إلا أنهم يرسبون في أول امتحان فتجدهم لا يؤمنون بذلك حقيقة لأن الإيمان قول وعمل وليس مجرد قول وليس مجرد تصديق! ولذلك فإنك تجدهم يفسرون القرآن بما يوحي بأنهم لا يعلمون أنه لا إله إلا الله بل بما يوحي بأنهم لا يؤمنون بذلك! وبالمثال يتضح ما نقول:
فهناك من يفسر القرآن العظيم ويشار إليه بأنه مفسر وقد عرض له قوله تعالى في سورة الفرقان(إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً) فقال ما معناه إن المقصود بالآية أن الله تعالى يهيء للتائب أن يعمل من الحسنات بقدر السيئات التي فعلها أولاً فيعطيه أجراً على قدرها فيكون بذلك قد بدل سيئاته حسنات! وأنا أسالكم بالله هل تحتمل هذه الآية هذا المعنى؟! وتدرون لماذ قال بذلك لأنه يرى أن الله تعالى يستحيل أن يجرئ الناس على معصيته! وكأن هذا الذي لا يعرف قدر نفسه أعلم من الله تعالى بنفسه حتى إنه يقرر كيف يعطي الله تعالى الحسنات وكيف يضع السيئات!
إن هذا (المفسر) لو كان يعلم أنه لا إله إلى الله لعلم أن الأمر كله لله وأن الله يحكم ما يريد فكل شيء له وكل أمر فيرجع إليه فلا إله إلا هو العزيز الحكيم ولذلك فقد كان عليه أن يسلم لله تعالى فإن الدين عند الله الإسلام والإسلام هنا هو الإسلام المطلق لله رب العالمين! وبما أن كل شيء لله تعالى أفليس له سبحانه أن يعطي من شاء ما شاء من الحسنات لأي سبب بل وبدون سبب؟! أفليس له سبحانه أن يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ويضاعف لمن يشاء؟!وإلا فما هو معنى لا إله إلا الله؟! أليس كل شيء لله وخاضع له ولمشيئته؟!
وقد ذكرني هذا باستشكال طرح في مجلس كنا فيه حول حديثين يذكران امرأتين اختلف تعاملهما مع حيوانين أولهما قول النبي صلى الله عليه وسلم: "دخلت امرأة النار في هرة حبستها فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض" والآخر ان امرأة بغياً من بني إسرائيل سقت كلباً فغفر الله تعالى لها" فكيف يعذب من أجل هرة ويغفر من أجل إسقاء كلب؟! ووالله إن هذا الاستشكال لا يصدر عمن يعلم أنه لا إله إلا الله!
أليس الأمر لله تعالى؟! أليس الله يحكم ما يريد؟! لقد رتب الله تعالى أجراً على الإحسان غلى كل ذي كبد رطبة ورتب وزراً على من عذبه فهل لك ان تسأل الله تعالى لم فعل ذلك؟! لا أستبعد أن يصل الأمر بهؤلاء إلى أن يسألوا كيف يرتب الله تعالى هذا الأجر على الصلاة؟! وهذا الوزر على الزنا وهكذا ولن ننتهي من استشكالات من لا يعلمون أنه لا إله إلا الله!
وقد جمعنا مجلس مع أحدهم فتطرق إلى قصة الخضر وموسى عليهما السلام وكان مما استشكله كيف يقتل الخضر عليه السلام الغلام وهو لم يفعل شيئاً وهل نقتل كل من نخشى أن يرهق والديه طغياناً وكفراً ولماذا لم يرسل الله تعالى حية لتقرص الغلام فيموت بدلاً من أن يقتله الخضر؟!
وقد بدأت بالحديث معه أولاً عن لا إله إلا الله حتى يسهل فهم كل ذلك وقلت له إنك وما تملك وكل شيء في الوجود هو لله تعالى وليس لك فيه شيء ولا يحق لك أن تتصرف فيه إلا بإذن من الله تعالى ولو أمرك سبحانه بشيء يتعلق به حتى لو كان خلاف ما ترى أنه مصلحتك وحتى لو كان يضرك وحتى لو كان فيه خلاف ما ترى أنه مصلحتك فإن من مصلحتك أن تفعل ما أمرك الله تعالى به لأن الأمر كله لله وليس لك من الأمر شيء ومن مصلحتك ألا تناقش في أي امر من اوامر الله تعالى حتى لا تقع فيما وقع فيه إبليس عندما عصى الله تعالى الذي امره بالسجود لآدم وتعلل بذرائع فارغة لا تقدم ولا تؤخر. وقلت لهذا الذي استشكل قصة الخضر مع الغلام إن الخضر فعل ما فيه مصلحته وليس من مصلحته أن يعارض أمر الله تعالى فكان حكيماً عندما سارع بتنفيذ الأمر. وقلت له لو كنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلاً وأوحى الله تعالى إليه بأن يقتلك دون أن تفعل شيئاً فهل كان صلى الله عليه وسلم يستطيع إلا أن ينفذ أمر الله تعالى فيك؟! بل لو أمرك الله تعالى عن طريق نبيه أن تقتلني فهل لك أن تتأخر عن ذلك؟! إن من مصلحتك أن تبادر بتنفيذ الأمر لأن الله تعالى له كل شيء وكل شيئ يخضع لإرادته ومشيئته وله أن يحكم فيه سبحانه بما يريد لا راد لحكمه ولا معقب له، ولا يسال عما يفعل.
ثم قلت لهذا المستشكل إن الغلام والخضر كلاهما ملك لله تعالى وله أن يسلط شيئاً من ملكه على شيء آخر وإنني أتعجب وأرد على استشكالك باستشكال له! فأقول لك ما الذي يمنع من أن يرسل الله تعالى الخضر على الغلام فيقتله بدلاً من أن يسلط حية عليه فتقتله؟!
ثم بينت له أنه لا يجوز أن يخرج أحد على أمر الله تعالى فالله تعالى قد أمر الخضر بأن يقتل هذا الغلام ولكنه لم يأذن لنا نحن الذين شرفنا باتباع شريعة محمد صلى الله عليه وسلم بأن نقتل أي غلام إذا خشينا ان يرهق والديه طغياناً وكفراً! وليس في وسع أحد أن يخرج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن أرسله الله تعالى!
والخلاصة أننا لن نعود إلى ما كنا عليه إلا بفهم القرآن وتدبره والعمل به ووالله إننا لن نفهم القرآن ولن نفهم السنة ولن نفهم الشرع بل لن نفهم شيئاً في هذه الحياة فهماً حقيقياً حتى نفهم الكلمة الطيبة لا إله إلا الله فإذا فهمنا أن كل شيء لله تعالى وأن كل شيء يخضع لمشيئته سبحانه فإنه سيسهل علينا فهم كل شيء بعد ذلك.
أسأل الله تعالى ان يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا والحمد لله رب العالمين.
 
عودة
أعلى