تداخل الآيات المكية والمدنية في السور

إنضم
08/02/2009
المشاركات
174
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
لا شك أن تحديد مكية الآية أو مدنيتها يؤثر تأثيرا مباشرا في تفسيرها ؛ إذ يختلف المعنى عند ربطه بالأحداث التي وقعت بمكة عن ذلك المعنى الذي يربط بأحداث المدينة ، ولهذا حدد العلماء أمكنة نزول السور والآيات.
لكن هنالك سؤال بسيط : هل يمكن أن تنزل سورة كاملة بمكة إلا آيات قليلة منها تنزل بعد سنوات طويلة في المدينة فتضاف إلى السورة وربما تكون تلك الآيات في وسط هذه السورة ؟
وهل يمكن أن تنزل آيات قليلة منفصلة ومنعزلة عن سورها بمكة ثم تضاف إلى سورها بعد نزول تلك السور بالمدينة لتبقى هذه الآيات منعزلة عن سورها تلك المدة الطويلة ؟
الإجابة عند الباحث: أنه لا يستطيع تصور ذلك إطلاقا ، إلا أن العلماء قالوا بإمكان ذلك ، والعلماء لا يتكلمون من فراغ بل لهم أدلتهم
ولهذا لا يمكن أن يكون كلام الباحث مقبولا إلا إذا فحص الأدلة التي استند عليها العلماء ، فتبين له أن الأمر خلاف ما يقولون، ولم يقل أحد باتباع العلماء في كل الأحوال ، أما إذا تبين للباحث أن الأدلة تؤكد أقوال العلماء تأكيدا لا يمكن معه القول بخلاف تلك الأقوال كان ملزما بإتباع تلك الأدلة
ولهذا فإن هذا البحث يهدف إلى فحص آراء العلماء الذين ذهبوا إلى وجود آيات مدنية في السور المكية أو وجود آيات مكية في السور المدنية
 
توطئة :
ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم إذا قالوا إن هذه الآية نزلت في كذا فإنهم يريدون به تارة أنه السبب المباشر للنزول ويريدون به تارة أن هذا داخل في معنى الآية وإن لم يكن هو السبب ، وإذا كان الأمر كذلك فقد كان من الأهمية بمكان تمييز السبب المباشر الذي نزلت بعض الآيات لأجله من السبب الذي هو المعنى دون أن تكون الآية نازلة لأجله بصورة مباشرة ، وقد كان هذا عند الصحابة من جنس الاستدلال على الحكم بالآية لا من جنس النقل ، وما كان ذلك عند الصحابة كذلك إلا لأن أسباب النزول عندهم لا ترتبط بالأشخاص ولا بالأعيان وإنما بالصفات والأنواع ؛ ولهذا قال ابن عاشور (وكثيراً ما حملوا نزول الآية على مُثل تنطبق عليها معانيها فعبروا عنها بأسباب نزول) ، فإذا عرف ذلك كان كل حدث تناولته الآية ودخل فيها سببا عندهم ، ومن هنا جاءت مقولة العلماء (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب) أي إذا ثبت أن الآية قد نزلت في سبب معين فإن الآية لا تقتصر على هذا السبب فحسب بل تتعداه لتشمل كل الأحداث التي هي من جنس السبب
وبذلك يمكن أن يفهم تعدد الأسباب عند الصحابة ؛ فالأحداث التي ذهبوا إلى أنها أسباب قد تكون في بعض المواضع – وإن تكاثرت - كلها صحيحة مناسبة وإن اختلفت القصص والأحداث ، ما دامت هذه القصص تجتمع في علة واحدة يتناولها الحكم أو الصفة التي في تلك الآية المعنية .
وإذا كان الأمر كما سبق فإنه يمكن تصور آية واحدة لها ستة أسباب مختلفة للنزول كما سيأتي ، وهذه الأسباب إنما هي قصص متباينة وأحداث متفرقة تناولتها تلك الآية دون أن يقصد بذلك أنها نزلت بصورة جديدة عند كل حدث.
وليس ذلك فحسب بل ذهب ابن عاشور أيضا إلى أن بعض الصحابة أحيانا قد تشتبه التّلاوة عندهم بالنزول ، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد يقرأ بعض الآيات متذكّراً لها فيظنّها أحدهم نازلة ساعتئذ حيث لم يكن سمعها قبلُ ، فيطلق النزول على التلاوة ؛ يقول ابن عاشور : (ولهذا نظائر كثيرة في المرويات في أسباب النزول كما علمته غير مرة)
وكل الذي ذكر يوثر تأثيرا مباشرة في تحديد مدنية الآية أو مكيتها عند العلماء هذا فضلا على الاعتماد على بعض الآراء التي انفرد بها أصحابها أو الاعتماد على الروايات الضعيفة الواهية مع وجود تلك الروايات الصحيحة التي هي أولى بالقبول كما أن تحديد مكية الآية أو مدنيتها قد يعتمد على تفسير معين للآية أو ربط هذه الآية بحدث معين رغم وجود أحداث أخرى أشد ثبوتا وأكثر صحة ، أو قد تنزل الآية في أمر مستقبلي فيكون وقوع ذلك بعد نزول الآية داخلا في هذا السبب
وليس ذلك فحسب بل قد يتم الاعتماد على الاعتبار المكاني في تحديد المكي والمدني دون الاعتبار المكاني وربما حكت الآية حدث ماضيا في مكان مختلف فيتم التعويل على ذلك دون سواه ، أو قد يقع حدث مكي فلا ينزل فيه شيء إلا بالمدينة فتعتبر الآية عند بعضهم مكية رغم أنها قد نزلت بعد الهجرة أو قد يكون ذلك بسبب الاعتداد الشديد بخصائص المكي والمدني المعروفة عند العلماء وهي قواعد قد جاءت على الغالب وهي غير مطردة
لكل هذه الأسباب فقد ذهب بعض العلماء إلى وجود آيات مدنية في السور المكية أو وجود آيات مكية في السور المدنية ؛ وهذا يدل على أن بعض السور قد تنزل كاملة بمكة إلا آيات قليلة منها تنزل بعد سنوات في المدينة فتضاف إلى السورة ، أو قد تنزل آيات منفصلة ومنعزلة عن سورها بمكة ثم تضاف إلى سورها بعد نزول تلك السور بالمدينة ؛ إلا أن هذه النتيجة تحتاج إلى دراسة مدققة لفحص تلك الأدلة بصورة دقيقة ؛ وتفصيل ذلك كالآتي :
 
الآيات المختلف فيها بالسور المكية:


في سورة الأنعام:
ذهب السيوطي إلى أن سورة الأنعام نزلت بمكة جملة واحدة ، وهي مكية إلا ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة وهي قوله تعالى : (قُُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شيئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) وقد عُزي هذا القول لابن عباس ، وهذا فيه نظر للآتي :
- ارتكز السيوطي على قول أبي جعفر النحاس في كتابه الناسخ والمنسوخ ، وقد أورد النحاس ذلك وهو يناقش وجود الناسخ في سورة الأنعام ثم قال : (وإذا كانت السورة مكية فلا تكاد تكون فيها آية ناسخة)
- لم يرد عن ابن عباس في كتب الحديث أنه قال إن هذه الآيات الثلاث مدنية: وإنما قال إن قوله تعالى (مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ) هي التي في الأنعام (قُُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ.....) إلى آخر الثلاث الآيات
- روى البيهقي في شعب الإيمان والطبراني في المعجم الكبير والصغير أن الأنعام نزلت جملة بمكة ، وإذا كان ذلك كذلك لم يصح أن تتجزأ السورة فينزل بعضها في المدينة
- الآيات المشار إليها نفسها في سورة الأنعام فيها نهي واضح عن ما كان يحدث بمكة من الكبائر نحو الشرك وقتل الأولاد أو وأد البنات وقتل النفس ، ومن المناسب جدا أن تكون مكية كسائر سورتها .



سورة الأعراف:
نقل السيوطي وغيره عن قتادة أن الأعراف مكية إلا قوله تعالى: (واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ) ، وهذا فيه نظر للآتي :
- قال الألوسي وأخرج غير واحد عن ابن عباس وابن الزبير أنها مكية ولم يستثنيا شيئا
- الذين قالوا إن تلك الآيات مدنية غرّهم أن الله يأمر فيها رسوله صلى الله عليه وسلم أن يسأل اليهود عن هذه الواقعة المعلومة لهم في تاريخ أسلافهم ، لكن مثل ذلك قد ورد أيضا في آيات مكية كثيرة مما ينفي مدنية هذه الآيات ؛ وقد ورد ذلك في سورة يونس المكية في قوله تعالى : (فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ) ولم يقل أحد بمدنيته ، وفي النحل المكية في قوله : (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) ولم يقل أحد بمدنيته ، وفي الزخرف المكية قوله (وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) ولم يقل بمدنيته أحد


في سورة هود :-
في سورة هود المكية قوله : (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) الذي ذهب بعض العلماء إلى إنه مدني النزول، واستدلوا بما روى الترمذي وابن ماجة والبخاري من أن رجلاً بالمدينة أصاب قُبلة من امرأة وسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن كفارتها ؛ فأنزل الله هذه الآية ، لكن عند مراجعة هذه الأدلة يبدو أن في هذا الرأي نظر ؛ وذلك للآتي :
- الإشكال داخل استدلال أولئك العلماء يكمن في لفظ ( فأنزل الله) ولكن جاء في صحيح مسلم بعد أن ذكر القصة : (فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ شَيْئًا ؛ فَقَامَ الرَّجُلُ فَانْطَلَقَ ؛ فَأَتْبَعَهُ النَّبِيُّ رَجُلًا دَعَاهُ ، وَتَلَا عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةَ "أَقِمْ الصَّلَاةَ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) وفي الترمذي مثل ذلك ، وفي مسند أحمد (فَقَالَ رُدُّوهُ عَلَيَّ فَرَدُّوهُ عَلَيْهِ فَقَرَأَ عَلَيْهِ : "وَأَقِمْ الصَّلَاةَ" ....)
- يقول ابن عاشور : (إنّ الآية نزلت في الأمر بإقامة الصّلوات وإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بها الذي سأله عن "القُبلة" الحرام وقد جاء تائباً ليعلمه بقوله : "إن الحسنات يذهبن السيّئات" ، فيؤوّل قولُ الراوي : فـ"أنزلت عليه" ، أنّه أنزل عليه شمول عموم الحسنات والسيئات لقضيّة السائل ولجميع ما يماثلها من إصابة الذنوب غير الفواحش ، ويؤيّد ذلك ما في رواية الترمذي عن علقمة والأسود عن ابن مسعود قوله : فتلا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم "وأقم الصّلاة" ولم يقولا : (فَأنْزل عليه) ؛ أي أن ابن عاشور قد جعل الإنزال للحكم لا للآية حتى يوفّق بين الروايات .
- قرأ النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية في أحداث كثيرة مختلفة بالمدينة ؛ حين قبّل رجل امرأة في بستان ، وحين قبّل آخر امرأة جاءت تبتاع تمراً ، وحين جاء رجل ثالث وقال "يا رسول الله أقم فيّ حد الله" ، وحين أتى رجل رابع كل شي في امرأة غير أنه لم يجامعها ، و حين وجد رجل خامس امرأة على غدير ماء تغتسل ، و حين كان رجل سادس مع امرأة جاءت تشتري الدقيق ، و حين ضرب رجل سابع على كفل امرأة "وهذه القصص يروى فيها كلها أنها نزلت تلك الآية ، وقد طالع الباحث ذلك في كتب الحديث فوجد أنها أنزلت نحو سبع مرات في قصص مختلفة ، مما يؤكد أن الروايات التي جاء فيها لفظ "فقرأ" أرجح ؛ إذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قد استشهد في هذه المواقف كلها بهذه الآية استشهاداً ؛ ولهذا يقول ابن حجر : (ظاهر سياق هذه القصص يدل على أنها متأخرة عن نزول الآية)


في سورة النحل :-
في سورة النحل المكية ذهب بعض العلماء إلى أن قوله تعالى: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ) قد نزل بالمدينة عند أحد ، ثم نزل أيضا يوم الفتح ، ولكن ذلك أيضاً فيه نظر الآتي :
- هذه الآية مكية كسورتها إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد استشهد بها في أحداث مدنية ، وقد ارتبط ما حدث يوم الفتح مع ما حدث يوم أحد ، وما حلف الأنصار وأقسموا على الانتقام إلا لما حدث في أحد ؛ فلما كان يوم الفتح حان وقت التنفيذ ، وقد جاءت روايات كثيرة تثبت هذا الارتباط ، وقد نادى يوم الفتح بالانتقام "رجل لا يُعرَف" وقال : "لا قريش بعد اليوم "كما جاء في مسند الإمام أحمد وشعب الإيمان للبيهقي وسنن النسائي والمستدرك للحاكم فتم النهي عن الانتقام في الحال ،مما ينفي نزولها عند ذلك ، ولكن يبدو أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكّر المسلمين بالآية في الحالين .
- أما نزولها بعد أحد فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قرأها وهو واقف لم يبرح مكانه وبين يديه حمزة رضي الله عنه وهو مقتول وقد مثّل الكفار به ؛ فقال : (والله لأمثلنّ بسبعين منهم مكانك) والحديث في المستدرك والبزار والطبراني في الكبير والبيهقي والواحدي في أسباب النزول، وجميعهم من طريق صالح بن بشير المري و هو ضعيف ورواه كذلك الدارقطني وفيه عبد العزيز بن عمران وهو أيضاً ضعيف، وقد عدّ الغساني والألباني هذا الحديث من الأحاديث الضعاف .
- الذي أقسم على الانتقام فقال عند ما أصيب بعض المسلمين ومنهم حمزة : "لئن أصبناهم يوماً مثل هذا لنربينّ عليهم" هم الأنصار وليس النبي صلى الله عليه وسلم ، بل يبدو أن النبي صلى الله عليه وسلم - رغم حزنه الشديد - قد ذكّرهم بالآية.
- ذكر ابن عباس ما يدل على أن الآية قد نزلت في الاعتداءات الفردية التي كانت تقع بمكة حيث لا نظام للمجتمع ولا قانون ، وقد تغير ذلك الوضع بالمدينة ؛ يقول ابن عباس - في قوله : (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) وقوله : (وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ) وقوله : (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ) وقوله : (وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا) - فهذا ونحوه نزل بمكة والمسلمون يومئذ قليل ليس لهم سلطان يقهر المشركين ، وكان المشركون يتعاطونهم بالشتم والأذى ؛ فأمر الله المسلمين من يجازى منهم أن يجازوا بمثل الذي أتى إليه أو يصبروا ويعفوا ؛ فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وأعز الله سلطانه - أمر المسلمين أن ينتهوا في مظالمهم إلى سلطانهم ، ولا يعدو بعضهم على بعض كأهل الجاهلية ؛ ومن انتصر لنفسه دون السلطان فهو عاص مسرف قد عمل بحمية الجاهلية ولم يرض بحكم الله ، وقد كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الآفاق : أن لا تقتلوا أحداً إلا بإذني
- هذه الآية بعموم لفظها يدخل فيها كل ظلم سواء كان في النفوس أو الأموال أو غيرها ، وقد أورد البخاري الآية مع أحاديث في "باب قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه" ، وحكى الطبري عن قوم أنهم قالوا : إنما نزلت هذه الآية فيمن أصيب بظلامة ألا ينال من ظالمه إذا تمكن إلا مثل ظلامته لا يتعداه إلى غيره وجاء في تفسير ابن أبي حاتم أن محمد بن سيرين فسر الآية بقوله: (إِن أخذ منك رجل شيئاً، فخذ منه مثله) ، ولهذا ذهب بعض المفسرين إلى أن الآية عامة ، وما ذِكر حمزة بأُحُد إلا على وجه المثال ؛ وبهذا تكون الآية مكية كسائر السورة
- ذهب النحاس وابن عطية وفخر الدين الرازي وابن عاشور إلى أن هذه الآية متّصلة بما قبلها ومرتبطة به أشد الارتباط ، وحسبك في ذلك وجود العاطف فيها ، وهذا تدرّج في رتب المعاملة من معاملة الذين يُدعَون ويوعظون : (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَة) إلى معاملة الذين يجادلون :(وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ثم إلى معاملة الذين يجازون على أفعالهم : (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ) ، وبذلك حصل حسن الترتيب في أسلوب الكلام
- يمكن أن يكون في هذه الآية إيماء وإشارة إلى أن الله سوف يُظهر المسلمين على المشركين ويجعلهم تحت رحمتهم ، ولعلّ بعض الذين فتنهم المشركون سوف يبعثه الحنق على الإفراط في العقاب ، ولذلك رغّبهم الله في الصبر على الأذى والمعنى : إن أظفركم الله – كما سيحدث مستقبلاً عند فتح مكة – فاعدلوا أو أحسنوا لأن الله - كما ذكر في هذه السورة – (يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ) والعدل هو المعاقبة بالمثل والإحسان هو الصبر والعفو ، وكل هذه كانت أموراً مستقبلية في الغيب عند نزول الآية ، ولهذا كان قوله : (عُوقِبْتُم) إشارة إلى ما وقع في أحد ، وقوله (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ...) إشارة إلى تخييرهم عند الفتح ، وقد اختار النبي صلى الله عليه وسلم الإحسان بدلا عن العدل ، وبهذا يمكن أن تتضمن الآية معنى ما حدث بأحد وما حدث يوم الفتح ، وليس بالضرورة أن تكون مدنية أو نزلت مرتين أو ثلاث .


في سورة الإسراء :-
في سورة الإسراء المكية ذهب بعض العلماء إلى أن قوله: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) مدني النزول استناداً على بعض الأدلة كما سيأتي؛ إلا أن هذا فيه نظر ؛ وذلك للآتي:
- هذه الآية مكية ، ومن الممكن أن يستدل النبي صلى الله عليه وسلم على اليهود بقوله تعالى : (الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) في المدينة بعد أن نزلت الآية في مكة وفي سورة مكية ، ومن الممكن أيضاً أن يُسأل مرتين ، والسؤال صادر عن اليهود في الحالين ؛ فيجيب دون حاجة إلى أن تنزل الآية مرة أخرى ، وقد جاء في سنن الترمذي والمستدرك للحاكم وصحيح ابن حبان ومسند أحمد : (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَتْ قُرَيْشٌ لِيَهُودَ : أَعْطُونَا شَيْئًا نَسْأَلُ هَذَا الرَّجُلَ ، فَقَالوا : سَلُوهُ عَنْ الرُّوحِ ، قَالَ : فَسَأَلُوهُ عَنْ الرُّوحِ ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) وصحيح أن ابن عباس قد سمع ذلك الأمر سماعاً ؛ فهو لم يشهد النبي صلى الله عليه وسلم في مكة ؛ إذ هاجر النبي صلى الله عليه وسلم وعمره ثلاث سنوات ولكن يمكن أن يسأل من شهدوا ذلك ويتأكد، ومراسيل الصحابة حجة ، وهي في حكم الموصول المسند لأن روايتهم عن بعضهم ، وكلهم عدول رضي الله تعالى عنهم.
- الذين قالوا بمدنية الآية ظهر لهم دليل قوي يؤكد مكيتها ولا يعزلها عن سورتها المكية ولهذا قالوا بتكرار نزولها في المدينة واستدلوا بما جاء في البخاري : عن عبد اللَّه بن مسعود قال : (بَيْنَا أَنَا أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي خَرِبِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَسِيبٍ مَعَهُ فَمَرَّ بِنَفَرٍ مِنْ الْيَهُودِ ؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : سَلُوهُ عَنْ الرُّوحِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا تَسْأَلُوهُ لَا يَجِيءُ فِيهِ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَنَسْأَلَنَّهُ ؛ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ : يَا أَبَا الْقَاسِمِ ، مَا الرُّوحُ؟ فَسَكَتَ ؛ فَقُلْتُ : إِنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ ؛ فَقُمْتُ فَلَمَّا انْجَلَى عَنْهُ ؛ قَالَ : "وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ( وكلام الراوي – أي عبد الله بن مسعود - في هذا الحديث غير جازم "فَقُلْتُ : إِنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ " وأطلق "القول" هنا على ما يقع في النفس ثم قال ابن مسعود أيضاً : (قَالَ) ولم يقل : (فنزل) ، وجاء في البخاري أيضاً ما يشير إلى أن ابن مسعود كان يخمّن تخميناً ؛ وهو قوله : (فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ شَيْئًا فَعَلِمْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ ( أي : أنه ظن ذلك من خلال سكوته وعدم رده ؛ ويمكن أن يكون سكوته على توقع مزيد بيان كما ذكر ابن حجر ، وقد ذكر ابن مسعود في روايات أخرى بصورة صريحة أنه ظن هذا النزول ظناً ولم يتيقن ؛ فقد جاء في صحيح البخاري أيضاً وفي مسند البزار ومسند الإمام أحمد بن حنبل في الواقعة نفسها أن ابن مسعود رضي الله عنه قال : "فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ" وقد جاء في مسند أحمد ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم تلاها تلاوة ولم تنزل :(فَسَكَتَ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ عَلَيْهِمْ(
- لما رأى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم – عندما سئل - قد قام وسكت وحنى من رأسه قال "فظننت أنه يوحى إليه" قال فتأخرت عنه أي أدباً معه لئلا يتشوش بقربي منه ، فرواية ابن مسعود تدل على أنه رأى هيئة النبي صلى الله عليه وسلم هكذا فتأخر عنه ولم يرد نص يشير إلى أنه تأكد بسؤاله للنبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك .
- يبدو أن اليهود يعرفون إجابته صلى الله عليه وسلم التي وقعت بمكة من قبل ؛ ولذلك قال بعضهم لبعض : " لَا تَسْأَلُوهُ ، لَا يَجِيءُ فِيهِ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ" وهم يكرهون سماع قوله تعالى : (وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ) في آخر آية الروح هذه ؛ ولذلك قال بعضهم بعد إجابة النبي صلى الله عليه وسلم التي يكرهون سماعها - كما روى أحمد - "قَدْ قُلْنَا لَا تَسْأَلُوهُ " وذهب ابن كثير أن قوله { وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا } قد نزل بمكة فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، أتاه أحبار يهود. وقالوا يا محمد، ألم يبلغنا عنك أنك تقول: { وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا } أفَعَنَيْتَنَا أم عنيت قومك؟ فقال: "كلا قد عنيت". قالوا: إنك تتلو أنا أوتينا التوراة، وفيها تبيان كل شيء؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "هي في علم الله قليل، وقد آتاكم ما إن عملتم به استقمتم"
- إن رد فعل اليهود على قوله تعالى : (وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) قد كان سبباً لنزول آية مكية أخرى ؛ إذ روى الترمذي عن ابن عباس قال : (قَالَتْ قُرَيْشٌ لِيَهُودَ : أَعْطُونَا شَيْئًا نَسْأَلُ هَذَا الرَّجُلَ ؛ فَقَالوا : سَلُوهُ عَنْ الرُّوحِ ، قَالَ : فَسَأَلُوهُ عَنْ الرُّوحِ ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : "وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا" قَالُوا : أُوتِينَا عِلْمًا كَثِيرًا، أُوتِينَا التَّوْرَاةَ ، وَمَنْ أُوتِيَ التَّوْرَاةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ؛ فَأُنْزِلَتْ : "قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ) ويبدو واضحا أن أهل مكة - الذين لم يكونوا أهل علم - قد استعانوا باليهود أهل العلم ؛ فلما ردّ الله على سؤال أهل مكة جهّل من حرضوهم على السؤال أيضاً ، وهو ردّ مناسب لهذه القضية المركبة ؛ إذ فيه إفحام للطرفين ، ومعلوم أن سورة الكهف التي نزل فيها الرد على رد اليهود قد نزلت بمكة ؛ فلا يتصوَّر أن تكون آية الروح وما صاحبها من أحداث بالمدينة قد كانت سبباً في نزول آية مكية .
وبذلك يتضح أن رواية سؤال اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم عن الروح في المدينة بحضور ابن مسعود رواية صحيحة ؛ ولكنها لم تكن سبباً لنزول هذه الآية المكية بحال .


سورة مريم:
ذهب السيوطي إلى أن سورة مريم المكية استثني منها آية السجدة أي : أن آية السجدة في سورة مريم مدنية ، وهذا فيه نظر للآتي :
- كون آية السجدة في سورة مريم مدنية هو قول مقاتل وآية السجدة المقصودة هي : (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) وقد بدأت الآية باسم الإشارة " أُوْلَئِكَ" وهي إشارة إلى الأنبياء المذكورين في السورة ، ولا يمكن أن يكون الله قد أشار إليهم بالمدينة بعد ذكرهم بمكة ؛ ولهذا يقول ابن عاشور عن قول مقاتل : (ولا يستقيم هذا القول لاتصال تلك الآية بالآيات قبلها إلا أن تكون ألحقت بها في النزول وهو بعيد) .
- ذكر أبو حيان والألوسي أن مقاتل قد ذهب إلى أن آية السجدة مدنية لأنها نزلت بعد عودة مهاجرة المؤمنين إلى الحبشة وقول مقاتل لا دليل عليه ، ولا معنى له ولو صح فرضا ؛ إذ من المعلوم أن المهاجرين قد عادوا إلى الحبشة مرتين كليهما في الفترة المكية قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، ومعلوم أن جعفر بن أبي طالب قد قرأ على النجاشي هذه السورة كما هو ثابت ، وقد راجع الباحث تفسير مقاتل ولم يجده ذكر هذا السبب في تفسيره للآية وإنما قال : (نزلت في مؤمني أهل التوراة عبد الله بن سلام وأصحابه) وهذا أيضا فيه نظر لأن الآية مكية نزلت قبل إسلام عبد الله بن سلام من ناحية ثم إن هذا الوصف كان للأنبياء المذكورين لا لغيرهم من ناحية أخرى .


سورة طه:
ذهب السيوطي إلى أن سورة طه استثني منها (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ) ويقصد أن سورة طه مكية إلا هذه الآية فهي مدنية ، وهذا فيه نظر للآتي :
- لعل الذي حمل الذين قالوا بمدنية هذه الآية على هذا القول - هو بقية الآية : (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى) وهي الصلوات المفروضة ؛ ويدل على ذلك السياق : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ ) ، والصلوات المذكورة هي : الصبح قبل طلوع الشمس والعصر قبل غروبها وآناء الليل العشاء وصلاة الظهر والمغرب أطراف النهار .
- صحيح أنه بالمعراج - أي قبل الهجرة بسنة - فرض الله على الأمة خمسين صلاة ثم خففت كما جاء في الروايات الصحيحة ؛ لكن ذلك لم يكن ابتداء للصلاة وإلا لزم منه أن النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين لم يكونوا يصلون ؛ وهذا غير صحيح ، وقد جاء في سورة هود المكية (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) وجاء في الإسراء المكية (أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) وفي النمل المكية وصف المؤمنين بأنهم (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) وفي العنكبوت المكية : (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) وفي الروم المكية : (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ، وسورة المزمل التي هي من أوائل السور نزولا فيها قوله (فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) بل وفي سورة العلق التي هي أول سورة نزلت قوله (عَبْدًا إِذَا صَلَّى) ، ولهذا كان حديث المعراج لبيان رحمة الله على الأمة وليس لفرض الصلاة ابتداء ، وفي هذا الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم استحى عندما بلغت الصلوات خمسا ، وكأنه استحى أن ينقص مما فرض عليه سابقا كما روى البخاري ومسلم والبيهقي وابن ماجة وأحمد وابن حبان (هي خمسٌ وهي خمسون لا يبدل القول لدي) كأنما قال : لا أنسخ ما افترضته أولا ومعنى الحديث خمس بثواب خمسين ، وقد ورد في حديث المعراج أيضا أنه صلى بالأنبياء وذلك قبل فرض الصلاة في هذا المعراج فبأي صفة أوكيفية صلى؟! إذا لم يكن يعرف الصلاة .


سورة الأنبياء :
ذهب السيوطي إلى أن سورة الأنبياء قد استثني منها : (أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُون) ويقصد السيوطي -كما ذهب كثير من المفسرين - أن المراد بالأرض أرض قريش ؛ وذلك لما غلبهم المسلمون ونقصوا من أرضهم التي كانت في تصرفهم ، والأطراف هي مكة والمدينة فإنهما طرفا بلاد العرب ، وهذا لم يحدث قبل الهجرة إطلاقا ، ولكن ذلك فيه نظر للآتي:
- هذه الآية جاءت للإنذار بأنهم صائرون إلى زوال وأنهم مغلوبون زائلون والرؤية هنا كالرؤية في قوله : (أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ) وقوله : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ) أي فلينظروا إلى غيرهم من الأمم فيتعظوا .
- سياق آية الأنبياء هذه يدل على أن نقص الأرض هي خراب القرى وموت أهلها ، وقوله تعالى -في هذا السياق - (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون) مع قوله : (بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاء وَآبَاءهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ) أي مهما طال عليهم العمر فهم زائلون ؛ فقد نقصنا أطراف الأرض بموت أهلها وفنائهم، شيئا فشيئا، حتى يرث الله الأرض ومن عليها ، فلو رأوا هذه الحالة لم يغتروا ويستمروا على ما هم عليه وهذا قول ابن عباس رضي الله عنهما
- هذه الآية المكية كقوله تعالى - في سورة الرعد المكية - (أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا)


سورة المؤمنين:
ذهب السيوطي إلى أن سورة المؤمنون استثني منها : (حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ) إلى قوله (حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) والسبب الذي جعل به السيوطي هذه الآية مدنية ما ذكره في "لباب النقول في أسباب النزول" من أنها نزلت يوم بدر وهذا فيه نظر وذلك للآتي :
- رد السيوطي على نفسه وضعف هذا القول فقال روى الطبراني في الأوسط بسند ضعيف
- سبب نزول الآية هو ما قال ابن عباس والضحاك من أنه يعني به الجوع الذي أصاب أهل مكة حين قال النبي صلى الله عليه وسلم : (اللهم أشدد وطأتك على مضر اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف)فابتلاهم الله بالقحط والجوع حتى أكلوا العظام والميتة والكلاب والجيف ، وهلك الأموال والأولاد وهذا الجوع قد حلّ بقريش بُعيد الهجرة
- رواية الطبراني التي استند عليها السيوطي – على ضعفها – ليس فيها ما يدل أن الآية مدنية ؛ إذ جعلت الرواية المذكور في الآية من الأمور المستقبلية ؛ فهذا العذاب رغم ذكره بمكة إلا أنه وقع في بدر ، وقد وردت في هذه الرواية آيات مكية مستقبلية أخرى كقوله (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) وقوله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا)


سورة الفرقان :
ذهب السيوطي إلى أن سورة الفرقان استثني منها (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) إلى قوله تعالى (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) أي أن هذه الآيات مدنية رغم أن سورتها مكية ، ويقصد السيوطي بمدنية هذه الآية ما رواه البيهقي في الدلائل من أن وحشي قاتل حمزة : سأل هل لي من توبة وقد أشركت وقتلت وزنيت ؟ فلم يجبه النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله فيه هذه الآية وقد ضعف السيوطي نفسه هذه الرواية ووصف سندها بأنه (سند لين) وزعم مقاتل أنها نزلت بعد سنتين من سؤال وحشي، وهذه القصة ليست كما رواها البيهقي أو كما زعم مقاتل بل إنها نزلت بمكة ، وتعلقها بقصة وحشي إنما هو مجرد ذكر لها بالمدينة فحسب ؛ إذ روى الطبراني هذا الحديث أيضا وبسند ضعيف أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى وحشي قاتل حمزة يدعوه إلى الإسلام فأرسل إليه : يا محمد كيف تدعوني إلى دينك وأنت تزعم أن من قتل أو أشرك أو زنا يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا وأنا قد صنعت ذلك ؟) وتلك الروايات الضعيفة يرد بعضها بعضا ، إلا أن الروايات الصحيحة تؤكد أن الآية مكية كسورتها ؛ فقد روى البخاري أنها نزلت في أهل الشرك وروي البخاري أيضا أن أناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا وأكثروا وزنوا وأكثروا فأتوا محمدا صلى الله عليه وسلم فقالوا إن الذين تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فنزل (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ........)


سورة الشعراء:
ذهب السيوطي إلى أن سورة الشعراء استثنى ابن عباس منها : (وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ) إلى آخر السورة ويقصد السيوطي ما في الآية من استثناء لبعض الشعراء وهم شعراء رسول الله صلى الله عليه وسلم حسّان بن ثابت وابن رَواحة وكعب بن مالك ولكن ذلك لا يدل على مدنية الآية للآتي :
- كان شعراء المدينة قد أسلموا قبل الهجرة ، وكان في مكة شعراء مسلمون من الذين هاجروا إلى الحبشة أيضا كما ذكر ابن عاشور
-أما ما روى الحاكم من أن عبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكيان حين نزلت (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمَ الْغَاوُونَ) فنزلت (إلاَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) ؛ فالحق أن هولاء قد شكوا ذم القرآن للشعراء وهم منهم ؛ فأرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الدليل السياقي في الآيات ليثبت لهم إخراجهم من دائرة الذم ، وليس بالضرورة أن تكون الآيات قد نزلت آنذاك بالمدينة ؛ وتؤيد رواية ابن أبي شيبة لهذا الحديث ما ذهبنا إليه :(عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْبَرَّادِ ، قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمَ الْغَاوُونَ) جَاءَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ يَبْكُونَ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّا شُعَرَاءُ ، فَقَالَ : اقَرَؤُوا مَا بَعْدَهَا : (إلاَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) أَنْتُمْ (وَانْتَصَرُوا) أَنْتُمْ)


سورة لقمان :
ذهب السيوطي إلى أن سورة لقمان استثنى منها ابن عباس :(وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) ويقصد السيوطي أن هذه الآية كقوله تعالى لليهود (وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) ؛ إذ قد وردت الآيتان في الرد على اليهود ،وروي أن سبب الآية أن اليهود قالوا : قد أوتينا التوراة وفيها العلم كله فنزلت الآية؛ لتدل أن ما عندهم قليل من كثير ، والمشهور أن الآية مكية كما أن آية الإسراء السابقة أيضا مكية كسورتها ، وروي أن سبب نزول آية لقمان هذه أن قريشاً قالوا إن القرآن سينفد فنزلت الآية الأمر الذي يدل على مكيتها .


في سورة الزمر :-
في سورة الزمر المكية قوله تعالى : (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) قيل أنها نزلت في وحشي قاتل حمزة بأحد عندما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم مسلما في المدينة ، وقد استدل من قال ذلك بما رواه الطبراني في المعجم الكبير ، وذلك فيه نظر للآتي :
- من الممكن أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد تلاها تلاوة عند إسلام وحشي ، أما أن تكون قد نزلت – وهي في سورة مكية - في هذه الحادثة فهو أمر مستبعد ؛ خاصة وأن البخاري قد أورد في سبب نزولها قصة أخرى وقعت بمكة ولم يذكر فيها وحشي ؛ ومعلوم أن وحشي قد أسلم بعد الهجرة بزمان ؛ ورواية البخاري هي : (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ كَانُوا قَدْ قَتَلُوا وَأَكْثَرُوا وَزَنَوْا وَأَكْثَرُوا فَأَتَوْا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا إِنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو إِلَيْهِ لَحَسَنٌ لَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً فَنَزَلَ : (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ) وَنَزَلَتْ : (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ) - يقول ابن عاشور : (ما نشأ القول بأنها مدنيّة إلا لما روي فيها من القصص الضعيفة)


في سورة الجاثية :-
في سورة الجاثية المكية قوله تعالى : (قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِما كَانُوا يَكْسِبُونَ) الذي قيل إنه آية مدنية ونزلت في فنحاص اليهودي أو عبد الله بن أبي المنافق ؛ وذلك فيه نظر للآتي:
- هاتان الروايتان رغم ورودهما في التفاسير كثيراً إلا إنهما لم تردا في كتب الحديث .
- سورة الجاثية التي وردت فيها هذه الآية مكية ؛ فكيف تنزل الآية بمكة قبل أسبابها التي وقعت بالمدينة
- أقرب الأسباب لنزول هذه الآية هي أن رجلاً من المشركين بمكة شتم عمر بن الخطاب فَهَمّ أن يبطش به ، رغم أن هذه الرواية الأرجح نفسها- كما ذهب بعض العلماء- غير صحيحة
 
الآيات المختلف فيها بالسور المدنية:
هنالك بعض الآيات التي ذهب بعض العلماء إلى أنها مكية رغم كونها في سور مدنية ؛ ومن ذلك الآتي:


في سورة البقرة :
ذهب الماوردي إلى أن قوله تعالى : (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) آية مكية ، رغم كونها في سورة البقرة ؛ فهي قد نزلت يوم النحر في حجة الوداع وهذا يدل على إعادة الترتيب ، ولكن ذلك فيه نظر ؛ إذ أخذ الماوردي بالاعتبار المكاني فحسب ، وذلك غير صحيح ؛ لأن المدني هو ما نزل بعد الهجرة ، ونزول هذه الآية بمكة لا يخرجها عن القرآن المدني إطلاقا وما ذهب إليه الماوردي شاذ والعلماء على خلافه .


في سورة النساء :
ذهب الماوردي أيضاً إلى أن قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) آية مكية ؛ رغم ورودها في سورة النساء المدنية ؛ إذ نزلت عندما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذ مفاتيح الكعبة من عثمان بن طلحة ويعطيها العباس فنزلت و لهذا شذ النحاس فذهب إلى أن هذه السورة كلها مكية ونزول هذه الآية المتأخرة بمكة لا يخرجها عن القرآن المدني .


سورة الأنفال:
ذهب السيوطي إلى أن قوله تعالى في الأنفال المدنية : (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) يعني به أهل مكة ، وأنه لا يعذبهم حتى يخرجوا النبي صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم ، ولذلك فالآية عنده مكية ورغم أن الجزء الأول من كلام السيوطي صحيح ؛ إلا أن قوله أن "الآية مكية" فيه نظر ؛ وذلك للآتي :
- من الواضح جدا أن الآيات تحكي ما وقع في الماضي في مكة ؛ وهي تبدأ بـ"إذ" التي تعني : واذكر إذ حدث كذا وكذا من كيد الكفار بمكة .
- هذه الآية فيها تذكّر نية الكفار في الماضي لإخراج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة ، ولم يكن آنذاك قد خرج بعد : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَـذَا إِنْ هَـذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ )
- سورة الأنفال هذه نزلت في شأن بدر وهي تحرّض المؤمنين على قتال الكافرين مذكّرة بما حدث منهم في الماضي .
- القائل : (اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) هو أبو جهل كما روى البخاري ومسلم وأبو جهل قد قُتل في بدر قبل نزول هذه السورة التي تذكر أفعاله القبيحة وأقواله الشنيعة
- قوله تعالى (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) هو رد على قول أبي جهل قبل الهجرة ؛ ووجود النبي صلى الله عليه وسلم بينهم بمكة كان أمانا لهم ، وقد عذبهم بعد ذلك.


سورة التوبة
ذكر السيوطي أن سورة التوبة مدنية غير آيتين: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) أي أن هاتين الآيتين مكيتين بخلاف سائر السورة ، وهذا فيه نظر للآتي :
- هذا القول الذي نقله السيوطي هو قول ابن الغرس وابن الغرس استند فيه على قول مقاتل وهو قول شاذ وفيه نظر للآتي :
- دليل مقاتل على مكية الآيتين واه جدا ؛ إذ ذهب إلى أن قوله "من أنفسكم" المخاطب به أهل مكة والحق أن الخطاب لكل الناس ولا يقتصر على أهل مكة أو العرب ، والمعنى : من جنسكم أي البشر لتفهموا عنه وتأتموا به ، ويفسر ذلك قوله : (ولو جعلناه رجلا) أي إنساناً يقول ابن كثير : (أنه يبعث إليهم الرسول من جنسهم، ليفقهوا عنه ويفهموا منه، لتمكنهم من مخاطبته ومكالمته، ولو بعث إلى البشر رسولا من الملائكة لما استطاعوا مواجهته ولا الأخذ عنه) ولهذا علق القرطبي على قول مقاتل وقال إن فيه بعداً
- وردت أحاديث كثيرة تثبت أن هذه الآيات مدنية وأنها آخر آية نزلت إلى تلك الدرجة التي لم يكتبها كتاب الوحي الذين كانوا يكتبون للنبي ، إذ لم يجدها زيد – بشروط لجنته – إلا مع خزيمة بن ثابت كما روى البخاري وابن حبان والترمذي والبيهقي
- من الأدلة التي تؤكد أنها مدنية وأنها آخر الآيات نزولا أن عددا قليلا من الصحابة كانوا يحفظونها عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم نحو خزيمة بن ثابت السابق ذكره وزيد بن ثابت كما روى البخاري ومسلم والترمذي وأحمد وابن حبان وأبي بن كعب كما روى أحمد وعمر بن الخطاب كما روى أحمد فلو كانت الآيتان مكيتين لكان كثير من الناس يحفظونها ويكتبونها ولما أجهد خزيمة بن ثابت نفسه في البحث عن شاهد
وذهب الواحدي والسيوطي وغيرهما إلى أن قوله تعالى : (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) في سورة التوبة المدنية قد نزل في أبي طالب وقد مات كافراً بمكة أي أن هذه مكية مما يدل على إعادة الترتيب ، ولكن باستقصاء الراويات المتعددة في آية التوبة يمكن أن يقال :
- كون هذه الآية مكية أمر مستبعد لتباعد الفترة بين نزولها وموت أبي طالب ؛ يقول الحسن بن الفضل : (هذا بعيد ؛ لأن السورة من آخر ما نزل من القرآن ، ومات أبو طالب في عنفوان الإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم بمكة) لكن من الممكن أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم وهو الوفي الذي لا ينسى المعروف قد ذكر عمه وإحسانه إليه فاستغفر له بالمدينة فنزلت الآية بهذا السبب .
- يبدو من خلال حديث البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بالاستغفار لعمه في مكة حتى نهي عن ذلك بالمدينة ؛ ونص الحديث هو: ( َلمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؛ فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي طَالِبٍ : يَا عَمِّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ ؛ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ : يَا أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ! فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ وَيَعُودَانِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ هُوَ : عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَأَبَى أَنْ يَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَمَا وَاللَّهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ : مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ.... )
- جاء في سنن الترمذي ومسند أحمد سبب آخر : (عَنْ عَلِيٍّ قَالَ سَمِعْتُ رَجُلًا يَسْتَغْفِرُ لِأَبَوَيْهِ وَهُمَا مُشْرِكَانِ فَقُلْتُ لَهُ أَتَسْتَغْفِرُ لِأَبَوَيْكَ وَهُمَا مُشْرِكَانِ فَقَالَ أَوَلَيْسَ اسْتَغْفَرَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَهُوَ مُشْرِكٌ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلَتْ : مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ( ويبدو أن هذا السبب أكثر انسجاماً مع نص الآية لجمعه بين نهي النبي صلى الله عليه وسلم ونهي المؤمنين كما جمعتهما الآية (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا)
- يقول ابن حجر (نُزُول هذه الْآيَة الْمُتَعَلِّقَة بِالِاسْتِغْفَارِ فِي أَبِي طَالِب فِيهِ نَظَر ويَظْهَر أَنَّ الْمُرَاد أَنَّها نَزَلَتْ بَعْده بِمُدَّةٍ ، وَلكنها عَامَّة فِي حَقّه وَفِي حَقّ غَيْره)
- هنالك سبب ثالث يعضد السبب السابق ويؤكد أن هذه الآية مدنية ؛ فقد روى الحاكم والطبراني أن النبي صلى الله عليه وسلم قد استأذن ربه في زيارة أمه والاستغفار لها ؛ فأذن له بالزيارة ولم يأذن له بالاستغفار ؛ فنزلت هذه الآية، وفي رواية الطبراني : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَقْبَلَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكٍ وَاعْتَمَرَ، فَلَمَّا هَبَطَ مِنْ ثَنِيَّةِ عُسْفَانَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَسْتَنِدُوا إِلَى الْعَقَبَةِ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْكُمْ، فَذَهَبَ فَنَزَلَ عَلَى قَبْرِ أُمِّهِ......) وفي رواية للطبراني : (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن زَيْدِ بن الْخَطَّابِ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ نَحْوَ الْمَقَابِرِ فَقَعَدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى قَبْرٍ......) وغزوة تبوك كانت سنة تسع من الهجرة وفتح مكة كان في السنة الثامنة وعلى الروايتين فالآية مدنية كسورتها ، ثم إن رواية الطبراني عن ابن عباس ورواية البيهقي عن أبي هريرة وقد كان عمر ابن عباس عند الهجرة ثلاث سنوات وأبو هريرة أسلم سنة سبع للهجرة وهذا من الأمور المعضدة لكون الآية مدنية ، ومعلوم أن قبر أم النبي صلى الله عليه وسلم بـ"الأبواء" في الطريق بين مكة والمدينة ، يقول ابن حجر : (يحتمل أن يكون نزول الآية تأخر وإن كان سببها تقدم ويكون لنزولها سببان متقدم وهو أمر أبي طالب ومتأخر وهو أمر آمنة)
- يقول ابن عثيمين عن هذه الآية : ( هي في سورة التوبة، وهي متأخرة مدنية، وقصة أبي طالب مكية، وهذا يدل على تأخر النهي عن الاستغفار للمشركين، ولهذا استأذن النبي صلى الله عليه وسلم للاستغفار لأمه وهو ذاهب للعمرة ، ولا يمكن أن يستأذن بعد نزول النهي؛ فدل على تأخر الآية ، وليس المعنى أنها نزلت في ذلك الوقت)


في سورة الحجرات :
ذهب بعض العلماء إلى أن قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى) مكي استنادا على أن الخطاب فيه كان بـ(يَا أَيُّهَا النَّاسُ) ، وذلك فيه نظر للآتي :
- السور المدنية قد يأتي فيها الخطاب بـ(يَا أَيُّهَا النَّاسُ) وقد وقع مثل ذلك في نحو سبع آيات مدنية .
- هذه السورة كلها مدنية نزلت بعد الهجرة باتفاق أهل التفسير
- القول بأنها مكية قول شاذ ولا يعرف قائله
- إن صح ما أورده الواحدي فإن نزول الآية بمكة يوم الفتح بعد الهجرة لا يخرجها من القرآن المدني ، ولكن نزولها يوم الفتح نفسه فيه نظر ؛ إذ جاء في سنن الترمذي وصحيح ابن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تلا هذه الآية تلاوة في خطبته يوم الفتح واستشهد بها استشهادا مما يدل على أن هذه الآية نزلت قبل ذلك ؛ وعلى ذلك فليس هنالك من دليل على نزولها في ذلك اليوم .
- أقرب أسباب نزول هذه الآية إلى الصحة ما جاء في مراسيل أبي داود من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر بني بياضة أن يزوجوا أبا هند امرأة منهم ، فقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : نزوج بناتنا موالينا ؟! فأنزل الله عز وجل هذه الآية وبنو بياضة بطن من الأنصار لا من أهل مكة ، وحرة بني بياضة تبعد نحو ميل من المدينة.


في سورة المجادلة:
ذهب السيوطي إلى أن سورة المجادلة استثني منها (مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ) وقد حكى ذلك ابن الغرس وغيره وهذا القول في أصله هو قول محمد بن السائب الكلبي ولم يستدل الكلبي على ذلك بشيء ثم إن الكلبي في نفسه مجروح لا يعتد بقوله ، وملاحظ أن هذه الآية شديدة الارتباط بما قبلها وما بعدها ولو انفصمت من السياق لاختل النظم ؛ قال تعالى (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاؤُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ)


سورة المزمل :
ذهب السيوطي إلى أن سورة المزمل استثني منها : (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ......) إلى آخر السورة وقد نقل السيوطي ذلك من ابن الغرس ويؤيد قول ابن الغرس ما رواه الطبراني في مسند الشاميين عن ابن عباس أنه نزل قوله : (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا) فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة نسختها هذه الآية (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ) لكن ذلك فيه نظر للآتي :
- الطريف أن السيوطي الذي أورد مسألة مدنية هذه الآية قد رد بنفسه على ذلك فقال (ويرده ما أخرجه الحاكم عن عائشة أنه نزل بعد نزول صدر السورة بسنة ؛ وذلك حين فرض قيام الليل في أول الإسلام )
- لعل هنالك خلطا قد حدث ؛ إذ ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان يقوم الليل في رمضان بالمدينة فاجتمع إليه الناس فصلى بهم ثم أبى ذلك وقال (خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها)كما روى مسلم وابن حبان وابن خزيمة وهذه الرواية لا تتعرض لنزول تلك الآيات ،وقد روى النسائي وأبو يعلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل بالمدينة كما ذكرت عائشة ، وقد ظل قيام الليل فرضا للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة لم ينسخ ؛ وإن كان قد نسخ بالنسبة لأمته أو صار مندوبا كما ذكر العلماء أي أن المسلمين لما أرادوا الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك نهاهم وتؤيد تلك الآية بطبيعة الحال هذا النهي ولكن ذلك لا يعني أنها نزلت عند هذا النهي .
 
خلاصة :
يتبين لي بما سبق أمران هما :
الأول : لا تتداخل الآيات المكية والمدنية في سورة واحدة ، وقول العلماء "إن سورة كذا مكية أو مدنية إلا قوله تعالى ..." فيه نظر وينبغي أن يفحص فحصا جيدا كما سبق
الثاني: النزول لا يتكرر ، والآية لا تنزل مرتين أو ثلاث ، وإنما تنزل في سورتها مرة واحدة
 
الآيات المختلف فيها بالسور المدنية:
هنالك بعض الآيات التي ذهب بعض العلماء إلى أنها مكية رغم كونها في سور مدنية ؛ ومن ذلك الآتي:


سورة التوبة
ذكر السيوطي أن سورة التوبة مدنية غير آيتين: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) أي أن هاتين الآيتين مكيتين بخلاف سائر السورة ، وهذا فيه نظر للآتي :
- هذا القول الذي نقله السيوطي هو قول ابن الغرس وابن الغرس استند فيه على قول مقاتل وهو قول شاذ وفيه نظر للآتي :
- دليل مقاتل على مكية الآيتين واه جدا ؛ إذ ذهب إلى أن قوله "من أنفسكم" المخاطب به أهل مكة والحق أن الخطاب لكل الناس ولا يقتصر على أهل مكة أو العرب ، والمعنى : من جنسكم أي البشر لتفهموا عنه وتأتموا به ، ويفسر ذلك قوله : (ولو جعلناه رجلا) أي إنساناً يقول ابن كثير : (أنه يبعث إليهم الرسول من جنسهم، ليفقهوا عنه ويفهموا منه، لتمكنهم من مخاطبته ومكالمته، ولو بعث إلى البشر رسولا من الملائكة لما استطاعوا مواجهته ولا الأخذ عنه) ولهذا علق القرطبي على قول مقاتل وقال إن فيه بعداً
- وردت أحاديث كثيرة تثبت أن هذه الآيات مدنية وأنها آخر آية نزلت إلى تلك الدرجة التي لم يكتبها كتاب الوحي الذين كانوا يكتبون للنبي ، إذ لم يجدها زيد – بشروط لجنته – إلا مع خزيمة بن ثابت كما روى البخاري وابن حبان والترمذي والبيهقي
- من الأدلة التي تؤكد أنها مدنية وأنها آخر الآيات نزولا أن عددا قليلا من الصحابة كانوا يحفظونها عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم نحو خزيمة بن ثابت السابق ذكره وزيد بن ثابت كما روى البخاري ومسلم والترمذي وأحمد وابن حبان وأبي بن كعب كما روى أحمد وعمر بن الخطاب كما روى أحمد فلو كانت الآيتان مكيتين لكان كثير من الناس يحفظونها ويكتبونها ولما أجهد خزيمة بن ثابت نفسه في البحث عن شاهد
.

أولاً: شكر الله لك يا دكتور جمال على هذا الموضوع القيم.
ثانياً: أظنك تقصد زيد بن ثابت وليس خزيمة فيما هو باللون الأحمر.
ثالثاً:لماذا لا تستقصي البحث في هذا الموضوع وتخرج فيه بنتيجة قطعية وتخرجه في كتاب.
رابعاً:وفقنا الله وإياك إلى كل خير وإلى مزيد من المواضيع النافعة.
 
قد حرر شيخنا العلامة فضل عباس هذه المسالة تحريرا جيدا في كتابه القيم اتقان البرهان في علوم القران فلينظر اليه تكرما لتحرر المسالة
 
هذا جزء من كتابي جهود الشيخ ابن عثيمين وآراؤه في التفسير وعلوم القرآن متعلق بالموضوع لعل فيه ما يضيف جديداً على ما قاله الأخوة:
تَقدَّمَ تِقْسِيمُ السُّوَرِ إلى مكِّيَّةٍ ومدنيَّةٍ ، وكَوْنُ السورةِ كُلِّها مكِّيَّةٍ أو مدنيَّةٍ إنّما هو الأغْلَبُ الأعَمُّ في سُوَرِ القرآن ، ذلكَ أنّه قد وَرَدَتْ آياتٌ مدنيَّةٌ في سُوَرٍ مَكِّيَّةٍ والعكْسُ على وجه القِلَّةِ ، وسبب ذلكَ ما تقرَّرَ بأنّ ترتيبَ الآياتِ تَوقِيفيٌّ بالإجماعِ كما تقدّمَ ، قال ابن حجرٍ رحمه الله :" قد اعتنى بعضُ الأئمّةِ ببيانِ ما نَزَلَ مِن الآياتِ بالمدينةِ في السُّوَرِ المكِّيَّةِ " ...إلى أنْ قال :" وأمّا عَكْـسُ ذلكَ وهو نُزولُ شيءٍ مِن سُـورَةٍ بِمَكَّةَ ، تأخَّرَ نُزولُ تلكَ
السُّورةِ إلى المدينةِ فلَمْ أَرَهُ إلاّ نادرًا ".( )
والاسْتِثْنَاءُ المذكورُ مَشْهُـورٌ في كُتُبِ القُرَّاءِ ومُثْبَتٌ في المصاحِف ، وثُبُوتُ وُقُوعِه دلَّتْ عليه الأدلَّةُ ، لكنْ هل يُقْبَل كُلُّ ما يُذكر مِن الاستثناءِ ؛ أمْ لا بُدَّ مِن النظرِ فيه ؟
يَرَى الشيخُ ابن عثيمين رحمه الله أنّ الاستثناءَ لا يَصِحُّ إلاّ بدليلٍ لأنّه خِلافُ الأصْلِ؛ وعليه فقد قالَ عند تفسيره لقوله تعالى :{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ} (البقرة:من الآية21) :"{يَا أَيُّهَا النَّاسُ}النداءُ هُنَا وُجِّهَ لعمومُ الناسِ مع أنّ السُّورَةَ مَدنِيَّةٌ ؛ والغالبُ في السُّوَرِ المدنيَّةِ أنّ النداءَ فيها يكونُ مُوَجَّهًا للمؤمنين . والله أعلم بما أرادَ في كِتَابِهِ ؛ ولو قالَ قائلٌ : لعلَّ هذهِ آيةٌ مَكِّيَّةٌ جُعِلَتْ في السُّورَةِ المدنيَّةِ ؟
فالجوابُ : أنّ الأَصْلَ عدمُ ذلكَ - أيْ عدمُ إدْخَالِ الآيةِ المكِّيَّةِ في السُّوَرِ المدنيَّةِ ، أو العكْس ؛ ولا يجوزُ العُدُولُ عن هذا الأَصْلِ إلا بدليلٍ صَحِيحٍ صَرِيحٍ ؛ وعلى هذا فما نَرَاهُ في عناوينِ بعضِ السُّوَرِ أنّها مَدَنِيَّةٌ إلاّ آيةَ كَذَا ، أو مَكِّيَّةٌ إلاّ آيةَ كَذَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ حتّى يَثْبُتَ ذلكَ بدليلٍ صَحِيحٍ صَرِيحٍ ؛ وإلاّ فالأَصْلُ أنّ السُّورَةَ المدنيَّةَ جميعُ آياتِها مدنيَّةٌ ، وأنّ السُّوَرَ المكِّيَّةَ جميعُ آياتِها مَكِّيَّةٌ إلا ّبدليلٍ ثابتْ ".( )
وقالَ في تفسيره لسورة الكهف : " سورةُ الكهفِ مَدَنِيَّةٌ ، واستَثْنَى بعضُ المفسِّرينَ بعضَ الآياتِ : أَوَّلُهَا ( 1 – 8 ) ، وآية رقم ( 28 ) ، ومِن ( 107 – 110 ) على أنّها مَكِّيَّةٌ ( ) ، ولكن هذا الاستثناءَ يحتاجُ إلى دليلٍ ؛ لأنّ الأصْلَ أنّ السُّوَرَ المكِّيَّةَ مكِّيَّةٌ كُلُّهَا ، وأنّ المدنيَّةَ مدنيَّةٌ كُلُّهَا ، فإذا رأيْتَ استثناءً فلا بُدَّ مِن دليلٍ ".( )
ولِذا فينبغي تَتَبُّعُ المواضِع التي ذكَرَها المفسِّرُونَ فما دلَّ الدليلُ على الاستثناءِ يُثْبَتْ وما لَمْ يَدُلَّ دليلٌ عليه فالأَصْلُ عَدَمُهُ ، وقد بيّنَ الشيخُ رحمه الله سبَبَ كَثْرةِ الاستثناءِ عند
المفسِّرِينَ فقال :" فبعضُ العلماءِ إذا نَظَرَ إلى أنّ المعنى يَلِيقُ بالسُّوَرِ المدنيَّةِ ، أو بالأحْكـامِ المدنيَّةِ ذَهَبَ يَسْتَثْنِي ويقول :" إلاّ آيةَ كَذَا ، إلاّ آيةَ كَذَا " وهذا غَيْرُ مُسَلَّمٍ ".
قالَ ابنُ الحَصَّارِ في نَظْمِه للسُّوَرِ المكِّيَّةِ والمدنيَّةِ :"
وذا الذي اخْتَلَفَتْ فيهِ الرُّوَاةُ لَه وَرُبَّمَـا اسْتُثْنِيَتْ آيٌ مِن السُّـوَر
وما سِـوَى ذاكَ مَكِّيٌّ تنـزله فلا تَكُنْ مِن خِلافِ الناسِ في حَصَرِ
فليسَ كُلُّ خِلافٍ جاءِ مُعْتَبَرًا إلاّ خـلافٌ لَهُ حـظٌّ مِن النَّظَرِ
وقد تَتَبَّعَ السيوطيُّ رحمه الله ما قِيلَ باستثنائِه وذكَرَ الأدلَّةَ على ذلكَ مُختصرًا في كتابه : الإتقان .( )
وقد ذَكَرَ الشيخُ عبدُ الله الجديع أنّه قامَ بِتَتَبُّعِ أسانِيدِ ما قِيلَ فيه بالاستثناءِ وخَلُصَ إلى أنّ الذي ثَبَتَتْ به الرِّوايةُ مِن المدنيِّ في المكِّيِّ في تِسْعِ سُوَرٍ هي: سُورَةُ هُودٍ والنحْل والإسْرَاء والحَجّ (في ثلاثة مَواضِع) ويس والزمر (في مَوْضِعَين) والشورى والأحقاف والتغابن ، ومَوْضِعُ مَجِيء المكِّيِّ في المدنيِّ في سُورَةِ الحديد فقط .( )
وإعْمالاً لِمَا ذَكَرَهُ الشيخُ ابن عثيمين رحمه الله مِن أنّه لا بُدَّ لِصِحَّةِ الاستثناءِ مِن دليلٍ صَحِيحٍ صَرِيحٍ فإنّي سأذْكُرُ مَوْضِعَين نَبَّهَ الشيخُ على عَدَمِ صِحَّةِ الاستثناءِ ؛ إلاّ أنّ الدليلَ دَلَّ على صِحَّتِهِ :
المَوْضِعُ الأول : ما ذَكَرَهُ عند تفسيره لسورةِ يس حيثُ ذكَرَ الخلافَ في نُزولِها ثُمَّ قال :"
والذي يَظْهَرُ أنّها مَكِّيَّةٌ ؛ لأنّ أُسْلُوبَها أُسْلُوبٌ مَكِّيٌّ "... إلى أنْ قالَ :" وإذا جعَلْنَاها مَكِّيَّةً فإنّنا لا نَقُولُ باستثناءِ شيءٍ مِنها ؛ لأنّ الأَصْلَ أنّ السُّوَرَ المكِّيَّةَ كُلُّهـا مَكِّيَّةٌ ، وأنّ السُّوَرَ المدنيَّةَ كُلُّها مدنيَّةٌ ، فمِن ادَّعى استثناءَ آيةٍ ، أو آيتينِ ، أو أكثرَ فَعَلَيْهِ الدليل
قُلْتُ : قد دَلَّ الدليلُ على نُزولِ آيةٍ مِنها في المدينةِ ، فلقد روَى الترمذيُّ مِن حديث أبي سعيدٍ الخدريِّ  قال :" كانت بنو سلمةَ في ناحيةِ المدينةِ فأرادوا النُّقْلَةَ إلى قُرْبِ المسجدِ ، فنَزَلَتْ هذهِ الآيةُ{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ }(يّس:من الآية12) فقالَ رسولُ الله  : [ إنَّ آثَاركُم تُكْتَبُ ] فَلَمْ ينتقلوا ".( )
وقد أَوْرَدَ ابنُ كثيرٍ رحمه الله هذا الحديثَ ثُمَّ قالَ :" وفيه غَرابةٌ مِن حيثُ ذِكْرُ نُزولِ هذه الآيةِ ، والسُّورَةُ بِكَمالِهَا مَكِّيَّةٌ ".( )
قُلْتُ : ولعلَّ الشيخَ رحمه الله يَرَى هذا الرأْيَ في عدمِ الاستثناءِ ، والله أعلم .
المَوْضِعُ الثاني : عند تفسيره لسورةِ الزُّمَر قـالَ :" قولهُ [ مَكِّيَّةٌ إلاّ آيةَ {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ }]( ) " علَّقَ عليه ابن عثيمين بقولهِ :" وهذا الاستثناءُ يحتاجُ إلى دليلٍ" ...إلى أنْ قالَ :" ولا أعلمُ لهذا الاستثناءِ الذي ذَكَرَهُ المؤلِّفُ دليلاً بل ظاهِرُهُ مِن حيثُ المعنى يَقْتضِي أنْ يكونَ مِن المَكِّيَّاتِ فَقَوْلُهُ {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ}يتعلَّقُ بالتوحيدِ والتوبةِ ".( )
قُلْتُ :لقد دَلَّ الدليلُ على كَوْنِها نَزَلَتْ في المدينةِ ولِذا فاعتبارُ المعنى الذي ذَكَرَهُ الشيخُ رحمه الله إنّما هو إعْمَالٌ لطريقةِ بعضِ المفسِّرينَ ؛ والتي نَبَّهَ الشيخُ على عَدَمِ صِحَّتِهَا كما تقدّم .
ودليلُ نُزولِهَا في المدينةِ حديث ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما:" أنّ نَاسًا مِن أهلِ الشِّرْكِ كانوا قد قَتَلوا وأَكْثَرُوا ، وزَنَوْا وأَكْثَرُوا ، فَأَتَوْا محمّدًا  فقالوا : إنّ الذي تقولُ وتدعوا إليه لَحَسَنٌ ، لو تُخبرنا أنّ لِمَا عَمِلْنَا كفّارةٌ فَنَزَل :{وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ}(الفرقان:من الآية68) ونَزَلَتْ{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}(الزمر:من الآية53) .( )
وهذه الروايةُ وإنْ كانت لا تَدُلُّ صَرَاحةً على نُزولِهَا في المدينةِ ؛ إلاّ أنّ ابنَ حجرٍ رحمه الله بيّنَ أنّ السـائلَ عن ذلكَ وحْشيُّ بن حَرْبٍ قَاتِلُ حمزةَ بن عبد المطّلب كما عندَ الطبرانيِّ ( ) في بعضِ رواياتِ الحديث . ( ) ( )
 
تعقيبا على ما أورده الدكتور أحمد أقول:
الأمثلة التي أوردتها ـ مع أن رواية البخاري حول سبب نزول آية الزمر ليست صريحة ، وكذلك استغراب بن كثير رحمه الله حول سبب نزول آية سورة يس ـ ما الذي يترتب على إثبات صحة كون الآية مكية أو مدنية؟

هذا ما نريد أن نصل إليه من خلال تحقيق الروايات في هذا الباب وهذا ما جعلني أتمن على الدكتور جمال أن يقدم فيه دراسة وافية.
 
أخي الكريم حجازي الهوى عندما نظرت إلى سياقي حسب تنبيهك وجدته كأنما يشير إلى أنني قصدت زيد بن ثابت ؛ إذ قلت " السابق ذكره " ولم أذكره سابقا ، وهو خطأ في الكتابة ، ولكني أقصد تحديدا خزيمة بن ثابت لا زيد بن ثابت ، وهو خزيمة بن ثابت بن الفاكه الأوسي البدري وهو المعروف بذي الشهادتين ، وهو نفسه الذي جاء بآخر التوبة إلى لجنة زيد بن ثابت كما جاء في البخاري ومسلم وابن حبان والبيهقي وغيرهم
 
جزاك الله أخي د. جمال أبو حسان فقد سمعت بكتاب العلامة عباس فضل وعلمت من الأخوة في هذا الملتقى إنه من أجمل وأفضل ما أؤلف في علوم القرآن في هذا العصر ، وبحثت عنه عاما كاملا ولم أجده ، فأرجو من الأخوة إيداع نسخة الكترونية منه في هذا الملتقى حتى نستفيد منه وجزاكم الله خيرا
 
أخي الدكتور أحمد البريدي : جزاك الله تعالى خيرا على تعليقك القيم ، وأنت من المهتمين بل من المتخصصين في جهود العلامة ابن عثيمين رحمه الله ، وأذكر أنني قد قرأت لك في هذا الملتقى المبارك تعليقا قريبا من هذا التعليق الذي أوردته هنا ، وذكرت ما ذكرته هنا من قول ابن عثيمين "أن استثناء بعض الآيات في السور يحتاج إلى دليل صحيح صريح " ، ثم خالفته بقاعدته نفسها في آية سورة يس وآية سورة الزمر ؛ إذ جئت بالأدلة على ثبوت الاستثناء في هذين الموضعين ، ولكن لدي بعض التعليقات في هذين الموضعين أرجو النظر فيها حتى نصل إلى نقطة اتفاق فيها ، والتعليقات هي:
أولا: آية سورة يس
* روى ابن ماجة في سبب نزول قوله تعالى (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : (كانت الأنصار بعيدة منازلهم من المسجد . فأرادوا أن يقتربوا فنزلت - ونكتب ما قدموا وآثارهم - قال فثبتوا)
ورواية ابن ماجة هذه ضعيفة ؛ وفيها سماك بن حرب قال عنه أحمد: (مضطرب الحديث) وقال ابن حبان (كان يخطىء كثيرا) وقال يحيى بن معين (أسند أحاديث لم يسندها غيره) وقال عبد الرحمن ين يوسف بن خراش (في حديثه لين) وقال أحمد بن عبد الله العجلي الحافظ (كان في حديثه عن عكرمة ربما وصل الشيء عن ابن عباس وربما قال ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وقال يعقوب بن شيبة: (روايته عن عكرمة- خاصة- مضطربة، وروايته عن غيره صالحة).وهذا الحديث المعني بالدراسة هنا رواه عن عكرمة
* والحديث روى مثله الترمذي بإسناد آخر (عن أبي سعيد الخدري)
وحديث الترمذي هذا إسناده ضعيف ؛ لضعف أبي سفيان وهو طريف بن شهاب السعدي قال عنه عبد الله بن أحمد بن حنبل : (السعدى ليس بشئ لا يكتب عنه) وقال يحيى بن معين (ضعيف الحديث) وقال النسائي (متروك الحديث) وقال الدارقطني (ضعيف) وقال ابن حبان (كان مغفلا يهم في الأخبار حتى يقلبها ؛ يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات) وقال الذهبي (تركوه) وقال ابن المثنى : (كان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عنه بشيء) وقال أبو داود (واهي الحديث).
* وروى مثل ذلك الحديث الطبراني أيضا ورواية الطبراني هذه في المعجم الكبير عن شيخه عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم وهو ضعيف قال عنه ابن عدي (إنه يحدث عن الفريابي وغيره بالأباطيل فإما ان يكون مغفلا لا يدري ما يخرج من رأسه أو متعمدا فإني رأيت له غير حديث غير محفوظ)
- أما الروايات الصحيحة في القصة نحو رواية البخاري ومسلم وابن حبان والبيهقي وابن خزيمة وأحمد ومالك وأبي يعلى وأبي عوانة - فليس فيها ذكر للآية إطلاقا ، والملاحظ أن قول النبي صلى الله عليه وسلم في كل هذه الروايات يشبه الآية في بيان كتابة الآثار ، ففي البخاري قوله صلى الله عليه وسلم ( ألا تحتسبون آثاركم ) وفي مسلم وابن حبان والبيهقي وابن خزيمة ومسند أحمد وموطأ مالك وأبي يعلى وأبي عوانة والطبراني في المعجم الأوسط ( يَا بَنِى سَلِمَةَ دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ )
- لابن ماجة رواية أخرى صحيحة غير التي ذكرنا (عن حميد عن أنس بن مالك) وليس فيها ذكر الآية بل فيها قوله صلى الله عليه وسلم ( يا بني سلمة ألا تحتسبون آثاركم ؟ ) فأقاموا).
- الآية عامة في كل الآثار سواء كانت في الخير أو الشر ، وربطها بالمعنى الوارد في الحديث الضعيف مقيد للمعنى جدا ، ومما يدل على عموم المعنى ما جاء فِي قوله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيءٌ . وَمَنْ سَنَّ سُنةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ وَلاَ يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيءٌ .ثُمَّ تَلاَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الآيَةَ : وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ " ) . ( رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ) .
- معنى الآية " ما قدموا وآثارهم" : أي ما عملوه من خير وشر لنحاسبهم، وآثارهم أي وما تركوا من أثر كالولد الصالح، والعلم النافع، والصدقة الجارية، ومن ذلك أيضا خطاهم إلى المساجد كما جاء في الحديث وسياق الآية لا يحتمل إلا المعنى العام غير المقيد بآثار الخطى إلى المساجد .
- رد أبو حيان على من استدل بحديث ابن ماجة أو الترمذي على أن الآية مدنية .وقال: ليس ذلك زعماً صحيحاً وانتصر له الخفاجي بأن الحديث الدال معارض بما في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ لهم هذه الآية ولم يذكر أنها نزلت فيهم وقراءته عليه الصلاة والسلام لا تنافي تقدم النزول
- رفض ابن كثير وابن عاشور الربط بين هذه الآية وحديث الترمذي ؛ يقول ابن عاشور وتوهَّم راوي الحديث عن الترمذي أن هذه الآية نزلت في ذلك وسياق الآية يخالفه ومكيتها تنافيه ، ويقول ابن كثير (وفيه غرابة من حيث ذكْرُ نزول هذه الآية، والسورة بكمالها مكية.)
ثانياً : آية سورة الزمر
- جاء في البخاري في سبب نزول قوله(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) - (أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ كَانُوا قَدْ قَتَلُوا وَأَكْثَرُوا وَزَنَوْا وَأَكْثَرُوا فَأَتَوْا مُحَمَّدًا(r)) فـ"المشركون" فيها دلالة على أنهم أهل مكة لا أهل المدينة بل جاءت روايات تبين أنهم مكة صراحة ثم إن الآية في حديث البخاري قد ربطت بآيات مكية أخرى ، وهذه أمور تؤكد مكية الآية
- هذه الآية فيها روايات عديدة تروى كل واحدة منها باعتبارها سببا للنزول ؛ فقيل أنها نزلت في الآتي :
- في بعض المشركين ولم يعينوا
- في مشركي أهل مكة
- في أقوام أسلموا ثم تركوا دينهم بعذاب عذبوه
- في وحشي قاتل حمزة
- في عياش بن أبي ربيعة
وهذا يدل على أن حكم الآية قد أنزل في هذه الوقائع جميعا ، وإنزال حكم الآية لا يعني إنزالها من السماء في كل مرة ، وقد بينت في بداية البحث أن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم إذا قالوا إن هذه الآية نزلت في كذا فإنهم يريدون به تارة أنه السبب المباشر للنزول ويريدون به تارة أن هذا داخل في معنى الآية وإن لم يكن هو السبب كما ذكر ابن تيمية ، وهو من جنس الاستدلال على الحكم عندهم كما ذكر السيوطي ؛ ولهذا يقول ابن عاشور عن الأسباب الواردة في الآية (وقد رويت أحاديث عدة في سبب نزول هذه الآية غير حديث البخاري وهي بين ضعيف ومجهول ويستخلص من مجموعها أنها جزئيات لعموم الآية)
- يقول ابن عاشور عن سورة الزمر (هي مكية كلّها عند الجمهور وعن ابن عباس أن قوله تعالى : ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ( الزمر : 53 ) الآيات الثلاث . وقيل : إلى سبع آيات نزلت بالمدينة في قصة وحشيّ قاتل حمزة ، وسنده ضعيف ، وقصته عليها مخائل القصص وعن عمر بن الخطاب أن تلك الآيات نزلت بالمدينة في هشام بن العاصي بن وائل إذ تأخر عن الهجرة إلى المدينة بعد أن استعد لها . وفي رواية : أن معه عياش بن أبي ربيعة وكانا تواعدا على الهجرة إلى المدينة ففُتِنا فافتتنا ، والأصحّ أنها نزلت في المشركين كما سيأتي عند تفسيرها ، وما نشأ القول بأنها مدنيّة إلا لما روي فيها من القصص الضعيفة)
- ذهب ابن حجر كما ذكرت أخي د. أحمد البريدي إلى أنّ السائلَ عن ذلكَ وحْشيُّ بن حَرْبٍ قَاتِلُ حمزةَ بن عبد المطّلب كما عندَ الطبرانيِّ ، ورواية الطبراني ضعيفة كما ذكر السيوطي ، وقد بينت ذلك في أصل البحث ، وقد قيد ابن حجر في "فتح الباري" المشركين في حديث البخاري بوحشي في حديث الطبراني لكن هل هذا الكلام مقنع ؟ خاصة وأن السائلين في الآية وحديث البخاري جماعة ، وفي رواية الطبراني الضعيفة السائل فرد وهو وحشي
- إذا كانت آية الزمر مدنية لزم من ذلك أن آية الفرقان كذلك أيضا ، لأنهما ذكر معا في الحديث الصحيح الذي يبين أن السائل هم المشركون
لكن هنالك حول الموضوع أمور شديدة الأهمية لا يمكن إغفالها؛وهي :
- جاء في شعب الإيمان للبيهقي ما يشير صراحة إلى أن الآية أنزلت فيمن أنزلت فيهم بالمدينة ؛ فعن عبد الله بن عمر قال : كنا نقول : ما لمفتتن توبة وما الله بقابل منه شيئا فلما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة أنزل فيهم (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) فإما أن يكون الإنزال في الحديث بالمعنى الأول عند الصحابة أو بالمعنى الثاني وأميل لهذا الأخير لحديث البخاري
ولكن جاء هذا الحديث في المستدرك بسياق غريب جدا ؛ فعن عمر : قال : كنا نقول ما لمفتتن توبة و ما الله بقابل منه شيئا فلما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة أنزل فيهم (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم) و الآيات التي بعدها ، قال عمر : فكتبتها فجلست على بعيري ثم طفت المدينة ثم أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة ينتظر أن يأذن الله له في الهجرة و أصحابه من المهاجرين و قد أقام أبو بكر رضي الله عنه ينتظر أن يؤذن لرسول الله صلى الله عليه و سلم فيخرج معه)
وسياق حديث الحاكم هذا لا أستطيع فهمه (فلما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة أنزل فيهم "يا عبادي الذين أسرفوا"........ ثم أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة ينتظر أن يأذن الله له في الهجرة) فأول الكلام يشير صراحة إلى مدنية الآية "قدومه المدينة " وآخره يدل دلالة واضحة على مكيتها "إقامته بمكة" ولا أستطيع أن أفهم ذلك إلا أن يكون الإنزال إنزال على الواقعة وما يماثلها ، وكثرة الروايات والوقائع في هذه الآية تدل على المعنى الثاني للنزول عند الصحابة ، ولكن حتى لو كان الأمر كما ذكرت فما هو معنى الحديث ؟! خاصة وأن "ثم" تفيد - في اللغة - الترتيب بمهلة ، ولكن النبي صلى الله عليه و سلم كما هو معلوم قد أقام بمكة أولا ثم قدم المدينة . وبهذا يفيد الحديث معنى لا أستطيع فهمه ، اللهم إلا إذا كانت "ثم " كما قال الفراء يقصد بها ترتيب الإخبار، لا ترتيب الشيء في نفسه ،فيكون المعنى : فلما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة أنزل فيهم وقد أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة ينتظر أن يأذن الله له في الهجرة
هذا وقد ذكر أصحاب السير أن عمر بن الخطاب هاجر في عشرين رجلا بعد بلال وعمار بن ياسر ، وذكر ابن سعد في الطبقات أنه عند هجرة النبي صلى الله عليه وسلم لم يبق من المسلمين بمكة إلا مفتون أو مريض أو ضعيف عدا أبو بكر وعلي رضي الله عنهما ، وإذا صح ذلك فمن الممكن أن تكون آية الزمر هذه قد نزلت وعمر بالمدينة والنبي صلى الله عليه وسلم بمكة ، وبهذا تكون مكية
 
أخي الكريم حجازي الهوى عندما نظرت إلى سياقي حسب تنبيهك وجدته كأنما يشير إلى أنني قصدت زيد بن ثابت ؛ إذ قلت " السابق ذكره " ولم أذكره سابقا ، وهو خطأ في الكتابة ، ولكني أقصد تحديدا خزيمة بن ثابت لا زيد بن ثابت ، وهو خزيمة بن ثابت بن الفاكه الأوسي البدري وهو المعروف بذي الشهادتين ، وهو نفسه الذي جاء بآخر التوبة إلى لجنة زيد بن ثابت كما جاء في البخاري ومسلم وابن حبان والبيهقي وغيرهم

شيخنا الفاضل
أرجو التكرم بقراءة العبارة مرة أخرى، فالذي كان يبحث عن الشهود هو زيد بن ثابت وليس خزيمة بن ثابت.
 
أشكر الإخوة الأفاضل على هذه المدارسة النافعة..

وأشكر على الخصوص "فارس الميدان" الدكتور جمال حفظه الله، فما ينقصُ هذه المسألة من البحث كان في تتبّع الروايات واحدة واحدة؛ كما فعل - أدام الله نعمته عليه وعلى جميع المسلمين -، فسدّ بذلك الثغرة .

ومن باب الكلام النظري البعيد عن التطبيق والتتبع أقول :

قد طال تفكيري حيناً من الزمان في هذه المسألة، وكنت أتساءل فأقول :

إن من المعقول المعهود أن تنزل سورةٌ في مكّة، ثم يهاجر النبيّ صلى الله عليه وسلم ولمّا تكتمل؛ فتكتمل في المدينة .

وهذا - وإن كان خلاف الأصل - إلا أنه معقول المعنى، ويفتقر في إثباته إلى دليلٍ صحيح صريح - كما تفضّل الأساتذة سابقاً .


لكن الاستشكال الحقيقيّ :

في أن تنزل آياتٌ في مكة، فتبقى هذه الآيات من غير سورة ولا اسم، ثم يهاجر النبيّ صلى الله عليه وسلم وهي كذلك، حتى تنزل السورة في المدينة؛ فتُضم الآيات إليها !!

هل يعتبر مثل هذا معهوداً في تاريخ القرآن ؟

وهل يدلّ على وجود مثل هذه الصورة روايات تنهض للاحتجاج - باستثناء ما ورد في أصل الصورة المستَشكلة - ؟
 
أخي الكريم الدكتور جمال :
شكر الله هذا النقاش العلمي والتتبع الجاد , وجوابي هو :
الموضع الأول : وهو حديث أبي سعيدٍ الخدريِّ  قال :" كانت بنو سلمةَ في ناحيةِ المدينةِ فأرادوا النُّقْلَةَ إلى قُرْبِ المسجدِ ، فنَزَلَتْ هذهِ الآيةُ{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ }(يّس:من الآية12) فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : [ إنَّ آثَاركُم تُكْتَبُ ] فَلَمْ ينتقلوا " رواه الترمذي في سننه كتاب : تفسير القرآن / باب : ومِن سورةِ يس ( 5 / 363 ) برقم ( 3226 ) وقالَ :" هذا حديثٌ حَسَنٌ غريب مِن حديث الثوري " . ورواه ابن جريرٍ في تفسيره ( 22 / 154 ) ، والحاكم في المستدرك في كتاب : التفسير / باب : تفسير سورة يس ( 2 / 465 ) .
والحديثُ صحَّحهُ الألبانيُّ في صحيح سنن الترمذي برقم ( 2578 ) ، وذكر ابنُ جريرٍ لَهُ شاهدًا مِن حديثِ ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما في المَوْضِعِ المتقدّم .
ولذا فمن صحح الحديث اعتبره كذلك .
أما الموضع الثاني :فهو عندالمعجم الكبير للطبراني ( 11 / 197 ) برقم ( 11480 ) . قال الهيثميُّ :" رواه الطبرانيُّ في الأوسطِ ، وفيه أَبْيَنُ بن سفين ضعّفهُ الذهبيُّ " ( مجمع الزوائد 7 / 101 ) ، قُلْتُ : لم أجده في الأوسط ؛ وإنّما وجدته في الكبير كما تقدّم وفي سنده أَبْيَنُ بن سفين .
وله شاهدٌ مِن حديث ابن عمر رضي الله عنهما رواهُ ابنُ جريرٍ في تفسيره ( 24 / 15 ) قال الهيثميُّ :" فيه ابن إسحاق وهو ثقةٌ لكنّه مُدلِّسٌ "( مجمع الزوائد 7 / 101 ) .
ومِمَّنْ صرَّحَ باستثناءها أيضًا عطاءُ بن يسار رحمه الله ، رواه ابنُ جريرٍ في تفسيره ( 24 / 14 ) .
فكُلُّ هذهِ الأمور مِمَّا يُرجِّحُ نُزولَهَا في المدينةِ وصِحّةَ الاستثناء والله اعلم .
 
أخي حجازي الهوى
المطلوب منه الإتيان بالشاهد هو خزيمة بن ثابت ، لأن الشاهد على القرآن يلزمه الإتيان بشاهد يشهد معه كما دل على ذلك حديث عمر بن الخطاب حيث قال للحارث بن خزمة (هل معك أحد يشهد على هذا ) كما روى الإمام أحمد
ومن الممكن أيضا - حسب كلامك - أن يبحث زيد بن ثابت نفسه عن شاهد ليعضد شهادة أخرى
وما أردته من كلامي السابق قد بينته لك سابقا ، وقد ظننت أنني لم أذكر خزيمة بن ثابت أولا وعندما رجعت إلى كلامي وجدت أنني قد ذكرته
وجزاك الله خيرا على تنبيهك
 
أخي الفاضل رأفت المصري
في قولك
:(لكن الاستشكال الحقيقيّ : في أن تنزل آياتٌ في مكة، فتبقى هذه الآيات من غير سورة ولا اسم، ثم يهاجر النبيّ صلى الله عليه وسلم وهي كذلك، حتى تنزل السورة في المدينة؛ فتُضم الآيات إليها !! هل يعتبر مثل هذا معهوداً في تاريخ القرآن ؟ وهل يدلّ على وجود مثل هذه الصورة روايات تنهض للاحتجاج - باستثناء ما ورد في أصل الصورة المستَشكلة - ؟)
أقول :

- هذا ما دفعنا إلى البحث في هذا الموضوع وجزاك الله خيرا على هذه الملاحظة القيمة
- ما ذكرته أنا هنا في هذا البحث أظن أنه معظم الروايات إلا أن هنالك روايات أغفلتها عمدا في وجود المدني داخل المكي وعكسه ، وسبب هذا الإغفال أن بعض العلماء الذي استدلوا بتلك الروايات قد حولوا السورة بكاملها من كونها مكية إلى كونها مدنية أو العكس بذلك الاستدلال فوقع الاختلاف في بعض تلك السور هل هي مدنية أم مكية ، وقد أغفلت ذلك لأعالجه في موضوع آخر وهو "السور المختلف فيها "
 
أخي الحبيب الدكتور أحمد البريدي
جزاك الله على تعليقاتك العلمية المفيدة
وقد فهمت من كلامك السابق أن الاستثناء جائز عند يقول بصحة الحديثين ، وأن لا أقول بذلك ، ولكن حتى لو قلت بصحتهما فإنني حسب ما ذكرته في أصل البحث أقول بأن سبب النزول قد يأتي أحيانا عند الصحابة للتمثيل فحسب كما ذكر ابن تيمية وابن عاشور وغيرهما ، ولكني دعني أنظر إلى الحديثين في ضوء تعليقاتي الآتية :
- قال الألباني في السلسلة الصحيحة - بعد أن ذكر من ضعفوا حديث ابن ماجة والترمذي بسبب طريف وسماك - (فالحديث بمجموع الطريقين صحيح ، لا سيما وله شواهد أخرى مختصرة دون ذكر الآية ) والشواهد التي لم تذكر فيها الآية نحو حديث البخاري وابن ماجه والبيهقي في «شعب الإيمان» وأحمد ومسلم وأبي عوانة وابن حبان
- ولكن الآية هي الموضع الذي نبحث فيه ها هنا ، وما أظن الألباني قد صحح الروايتين إلا لوجود الشواهد الصحيحة لهما ، وهذه الشواهد لا أثر فيها للآية إطلاقا
- وذكر الألباني قول الترمذي في الحديث:«حديث حسن غريب» ثم فسر الغرابة بما ذكره ابن كثير وهي أن السورة بكمالها مكية .
- الحديثان عندي ليسا صحيحين في نفسهما ، بل صحيحان لغيرهما ، ولكن هب أن الحديثين صحيحان تماما ولا إشكال فيهما ماذا يترتب على ذلك ؟
وهل يمكنني أن أفسر الآثار في الآية الكريمة بـ(آثار الخطا) إلى المسجد فحسب دون غيرها؟
إذا فعلت ذلك خالفت الآتي :
- الأصل الذي جرت عليه السور
- السياق القرآني الذي هو أكبر الأدلة على المعنى .
- إطلاق المعنى الذي لا يمكن أن يقيد إلا بدليل واضح (وكل شيء أحصيناه في إمام مبين)
فالذي أفهمه من الحديث – إن صح – هو إنزال معنى الآية على تلك الحادثة لتشمل آثار الخطا إلى المساجد مع غيرها من الآثار ، وآثار الخطا هي أسرع الآثار محوا ، وهذا دليل على أن الله لا يغفل شيئا ؛ ولذلك قال قتادة وعمر بن عبد العزيز (لو كان الله مغفلا شيئا لأغفل ما تعفي الرياح من أثر قدم ابن آدم)
وبذلك يبدو لي واضحا أن معنى الحديث يدخل في الآية لا أن معنى يدخل في الحديث وقد علق القرطبي علي ذلك بأنه احتجاج بالآية
وفرق كبير بين دخول معنى الحديث في الآية ودخول معنى الآية في الحديث فالأول يفيد أن ما ذكره الحديث يندرج تحت الآية ويعدّ معنى من معانيها والثاني يفيد تقييد معنى الآية بالحديث ،ولهذا وجب التفريق في قول الصحابة (هذه الآية نزلت في كذا )كما ذكر ابن تيمية ، لأن عدم التفريق يُدِخل في الإشكالات ، وقد وقع مثل ذلك لبعض العلماء أيضا حيث لم يفرقوا بين كون الحديث مفصل لبعض جزئيات المعنى المجمل في الآية (أي مثال ) وبين كونه مقيد للمعنى المطلق في الآية ؛ ففي قوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى) في سورة الأعلى المكية ذهب هولاء العلماء إلى أنها قد نزلت في زكاة الفطر ولم يكن في مكة من زكاة ولا عيد فقيدوا معنى الآية بالحديث
وسبب الربط بين هذه الآية وبين زكاة الفطر أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقدمون زكاتهم بين يدي صلاة العيد ؛ إذ إن من السنة أن تخرج صدقة الفطر قبل الصلاة وكانوا يستدلون بهذه الآية، والملاحظ أنه ليس هنالك من آية تقدمت فيها الزكاة على الصلاة حتى يستدلوا بها في مثل هذا الموضع إلا هذه ؛ فكانت تزكية النفس بإخراج زكاة الفطر مثالاً من أمثلة تزكية النفس ؛ إذ هي تزكى بإخراج المال وغيره من الطاعات ، ومثل ذلك عند الصحابة كثير أما قصر معنى الآية على زكاة الفطر ففيه نظر للآتي :
- وردت ثلاث آيات مكية أخرى وهي تحمل هذا اللفظ " تزكى" أي : تتطهر من دنس الكفر ، ولم يقل أحد أنها بالمعنى الشرعي للزكاة التي هي دفع مال مخصوص ؛ ومن ذلك قوله تعالى :(جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّى) وقوله : (وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) ، وجاء على لسان موسى لفرعون : (فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى) وسورة الأعلى التي فيها الآية المعنية سبقت في النزول السور المكية الأخرى التي فيها لفظ " تزكى" وهي : فاطر وطه والنازعات .ولهذا ذهب الطبري لهذا المعنى الذي هو التطهر من دنس الكفر؛ يقول في معنى هذه الآية : ( قد نجح وأدرك طلبته من تطهَّر من الكفر ومعاصي الله، وعمل بما أمره الله به، فأدّى فرائضه ، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل)
- من الأدلة التي تؤكد أن الزكاة هنا هي زكاة النفس لا المال أن قوله : (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى) كقوله عن النفس في سورة مكية أخرى :(قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) والتزكي في الآيتين واقع على النفس لا المال ، ولهذا قال قتادة: " تزكى " أي :بعمل صالح
- إذا كانت الزكاة هنا هي زكاة المال لا النفس ، فليس هذا دليلاً على أن المقصود زكاة الفطر التي جاءت بالمدينة ، وقد جاء في مصنف عبد الرزاق عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : أرأيت قوله : (قد أفلح من تزكى) للفطر ؟ قال : هي في الصدقة كلها( ويبدو واضحا أن الزكاة – وإن لم تحدد بالشكل المعلوم – قد كانت معروفة بمكة قبل الهجرة ؛ وليس ذلك فحسب بل قد وردت في سورة المزمل ؛ وهي من أوائل السور نزولاً ؛ وذلك في قوله : (فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) ، ولما كان الأمر كذلك فليس هنالك من مبرر لادعاء مدنية سبب تلك الآية التي يمكن أن يصرف فيها معنى التزكي بسهولة إلى تزكية النفس من ناحية ، ثم إن ذكر الزكاة المتعلق بالمال لم يقتصر في السور المكية على المزمل فحسب من ناحية أخرى ؛ بل وردت زكاة المال في آيات مكية كثيرة ؛ وذلك نحو قوله : (فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ ) في سورة الأعراف ، وقوله : (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ) في سورة المؤمنون وقوله : (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) في سورة النمل وقوله : (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) في سورة لقمان ، وقوله : (وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) في سورة فصلت ، فلا يُتصوَّر أن تكون كل هذه الآيات آيات مدنية أو ذات أسباب مدنية وهي في سور مكية.
وأريد بهذه الأمثلة أن أقول أن تلك الأحاديث – رغم ما فيها – لا تدل على مدنية الآيات وإن صحت ، وإنما تدل على أن الخطا إلى المساجد من الآثار التي تكتب وأن وحشي وإن - كان من الذي أسرفوا على أنفسهم - فينبغي أن لا يقنط من رحمة الله ؛ فالآيات تنزل معانيها على هذه الحوادث وليس معنى ذلك أنها تنزل من السماء لأجلها مباشرة والفرق كبير .
أما الحديث الذي يروى فيه نزول آية الزمر بسبب وحشي فقد رواه البيهقي في شعب الإيمان والطبراني في المعجم الكبير ، وحديث الطبراني ضعَّفه الذهبي وفيه أبْينُ بن سفيان كما ذكرت أخي د. أحمد البريدي ، وقد قال البخاري عن أبين (لا يكتب حديثه) وقال ابن عدي (كل ما يرويه منكر) وقال ابن حبان (يجب تنكب أخباره) . وحديث البيهقي فيه عبد الملك بن جريج وكان مشهورا بالتدليس مكثرا منه
ولكن حتى لو صح الحديث فرضا فإن قصة وحشي هي مجرد معنى تشمله الآية كما سبق ، وقد أنزل معناها على هذه القصة التي هي إحدى الأمثلة التي يستدل بها على معنى الآية

ومعلوم أن آية يس وآية الزمر لا تختصان بأفراد معينين وإن صحت تلك الروايات فيها - وهي عندي غير صحيحة كما ذكرت - ومعلوم أن كثيرا من الحوادث التي تكثر أمثالها ولا تختص بشخص واحد تنزل في معناها الآية فيحدد الصحابي إحدى الحوادث التي يشتمل عليها معنى الآية فيقول "هذه الآية نزلت في كذا" ويقول صحابي آخر "نزلت في كذا" مما يشتمل عليه معنى الآية أيضا ، يريدون بذلك أن من الأحوال التي تشير إليها تلك الآية تلك الحالة الخاصة فكأنهم يريدون التمثيل .
وقد تقع ثلاث قصص مختلفة فتكون سبباً لنزول آية واحدة ؛ حيث تكون هذه القصص - رغم اختلافها - مشتركة في معنى واحد وصفة متفقة هي التي نزل فيها القرآن ؛ وذلك نحو قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) في سورة النور ، وقد جاء في البخاري ومسلم أنها نزلت في هلال بن أمية وقد قذف امرأته بشريك بن سحماء وروى الشيخان أيضاً أن عويمر سأل عما إذا وجد رجلاً على امرأته وروى البزار عن أبي بكر الصديق أنه سأل مثل ذلك سؤالاً افتراضياً فهذه الأمثلة جميعا نزلت فيها تلك الآية حسب تعبير الصحابة
ومثال ذلك أيضا ما جاء في صحيح البخاري في باب قول الله تعالى (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا) وقد روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ( من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ هو عليها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان ) . فأنزل الله تعالى (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ) . الآية فجاء الأشعث فقال ما حدثكم أبو عبد الرحمن ؟ فيّ أنزلت هذه الآية كانت لي بئر في أرض ابن عم لي فقال لي ( شهودك ) . قلت ما لي شهود قال ( فيمينه ) . قلت يا رسول الله إذا يحلف فذكر النبي صلى الله عليه و سلم هذا الحديث فأنزل الله ذلك تصديقا له
وكلا الأمرين صحيح حسب مفهوم الصحابة لأسباب النزول
فآية يس نزلت لبيان أحوال الموتى المنذرين عند إحيائهم ومحاسبتهم على أعمالهم وآثارهم ، ومن ذلك أعمال وآثار الكافرين الذين لا يؤثر فيهم الإنذار (وَسَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ) وأعمال وآثار المؤمنين الذين اختصوا بتأثير الإنذار (إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) ومن آثار المؤمنين الخطا إلى المساجد كما في الحديث
فلماذا نقيد المعنى بحديث معين خاصة وأن هنالك حديثا فيه المعنى المطلق؟
فالأولى الجمع بين الحدثين بدلا من تقييد المعنى
أما آية الزمر فنزلت في مشركي أهل مكة وفي وحشي قاتل حمزة وفي عياش بن أبي ربيعة وفي هشام بن العاص ، ولا إشكال عندي في الجمع بين هذه الحوادث ما دام الصحابة يستخدمون عبارة (نزلت في كذا) للتمثيل ، أما اعتراضي فعلى تقييد الآيات بحوادث معينة لتخرج من سياقها ومعناها العام ولتكون آية مدنية في سورة مكية .
 
أخي الدكتور جمال :
شكر الله ما تفضلت به , وأنا متفق معك في أن الأصل عدد التداخل في السور إلا بدليل ولذا قلت :ولِذا فينبغي تَتَبُّعُ المواضِع التي ذكَرَها المفسِّرُونَ فما دلَّ الدليلُ على الاستثناءِ يُثْبَتْ وما لَمْ يَدُلَّ دليلٌ عليه فالأَصْلُ عَدَمُهُ .
ولذا فخلافي معك ليس في الأصل وإنما في عدم الدليل من عدمه الدال على الاستثناء والأمر في ذلك واسع إن شاء الله , خاصة أنه لا يوجد ما يمنع ذلك في نظري إذا دل عليه الدليل, لكن ما أنكره هو المبالغة في ذلك بلا دليل بل بمجرد القياس وتناسب الآيات مع نظم السور المكية ومواضيعها أو العكس .
 
بارك الله فيكم جميعاً أحبتي الأفاضل، وأوّد منكم إفادتي حول هذا الموضوع إن كان قد كتب فيه رسالة علمية أو لم يكتب، في أسرع وقت، ولكم جزيل الشكر
 
عودة
أعلى