السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
فضيلة الشيخ الفقيه أبي عبد الله محمد مصطفى أثابكم الله و رفع قدركم
فضيلة الشيخ الدكتور مساعد الطيار فضيلة الشيخ الدكتور فهد الوهيبي . جزاكم الله خيراً أنتم ممن نحبه و سنستفيد من ملاحظاتكم.
و بالنسبة للهذه الرسالة فقد اشتملت على تخريج الآثار عن ابن عباس رضي الله عنه وعمن قال بمثل قوله في معنى الآية كسعيد بن جبير و عكرمة والشعبي في رواية صحيحة عنه والسدي و ابن زيد والربيع بن أنس .
مع بيان كلام العلماء في معنى الآيات المتعلقة بذلك ثم الإشارة لبعض ما استنبطوه اجتهادا في الحكمة في ذلك . و بيان أمور تتعلق بمسألة نزول القرآن جملة و منها تخريج الحديث الوارد في المسند للإمام أحمد وغيره عن واثلة بن الأسقع رضي الله عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال:(نزلت صُحُف إبراهيم أَوّلَ ليلة من شهر رمضان، وأُنزلت التوراةُ لست مَضَين من رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاثَ عَشرة خلت، وأنزل القرآن لأربع وعشرين من رمضان). لأن كثيراً من المفسّرين وغيرهم استدلوا به على تقوية الخبر المذكور عن ابن عباس في نزول القرآن جملة وكان من دواعي ذلك ما سمعته من بعض أهل العلم في رمضان هذا العام عام 1428هـ من إنكار صحة الخبر المذكور عن ابن عباس رضي الله عنه و الإنكار على من قال به و غير ذلك مما لا داعي لذكره . فأشار علي بعض أهل العلم بكتابة بحث في هذا في آخر شهر رمضان المبارك من هذا العام فكان هذا البحث الوجيز. وطلب مني فضيلة الشيخ الفقيه أبي عبد الله محمد مصطفى أن أنشره في الانترنت فشغلت عنه فتكرم بنشره .
جزاك الله خيرا أخي الكريم، فعددٌ من المشتغلين بعلوم القرآن يصلون إلى مبحث نزول القرآن فينكرون النزول الجُملي استنادا على أمور أبرزها تضعيف أثر ابن عباس، وبهذا كانت الحاجة إلى بحث هذا الأثر وتخريجه.
وقد ذكر أحد الأساتذة في أحد الجامعات أن إنكار النزول الجُملي هو رأي الشيخ ابن عثيمين، فرجعت بهذا لأحد تلاميذه وأخبرني أن الشيخ لم يجزم بهذا، بل قال: لو صح أثر ابن عباس لقلنا به وهو لا يتناقض مع إثبات سماع جبريل مباشرة من الله تعالى، لأن هذا من أمور الغيب التي لا تؤخذ بالعقل والقياس.
وقد ذكر الشيخ مساعد في المحرر كلاما جميلا حول هذه النقطة فليراجع.
أضم صوتي لصوت الاخ الوهبي في وضع هذا البحث مباشرة هنا ،لانني حملت الملف عدة مرات ولم يفتح ؟؟ وأنا بحاجة الى الاطلاع على هذا التخريج لهذه المسألة الان ،فهل يتكرم الدكتورعبدالله ،أومن نقل الخبر بذلك مشكورا، لان لي تعليقا حول هذه المسألة ولكني انتظر أن أطلع هذا بحث فضيلة الدكتور.........
مع شكري سلفا للدكتورالميموني،والشيخ أبي عبدالله مصطفى
وقد ذكر أحد الأساتذة في أحد الجامعات أن إنكار النزول الجُملي هو رأي الشيخ ابن عثيمين، فرجعت بهذا لأحد تلاميذه وأخبرني أن الشيخ لم يجزم بهذا، بل قال: لو صح أثر ابن عباس لقلنا به وهو لا يتناقض مع إثبات سماع جبريل مباشرة من الله تعالى، لأن هذا من أمور الغيب التي لا تؤخذ بالعقل والقياس.
.
سئل الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله تعالى : ينسب إليكم أنكم ضعفتم قول ابن عباس - رضي الله عنهما - بأن القرآن أنزله الله في رمضان جملة واحدة إلى السماء الدنيا ، فهل هذا صحيح ؟ وهل من دليل على خلافه ؟ .
فأجاب بقوله : ( نعم ، الأدلة على خلافه أن الله سبحانه وتعالى يتكلم بالقرآن حين إنزاله على محمد صلى الله عليه وسلم ، والدليل على أنه يتكلم به حين إنزاله أنه يتكلم سبحانه وتعالى عن حوادث وقعت مثل قوله تعالى : { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ ا؟لْمُؤْمِنِيـنَ مَقَــ!ــعِدَ لِلْقِتَالِ) } [ آل عمران : 121 ] و { إذ } ظرف لما مضى يتحدث الله عزوجل عن شيء مضى من الرسول عليه الصلاة والسلام ، وقوله : { قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَــــدِلُكَ فِي زَوْجِهَا } [ المجادلة : 1 ] هل يصح أن يقال : قد سمع بشيء لم يخلق صاحبه بعد ؟ لايكون سمعٌ إلاَّ بعد صوت ، وهذا يدل على أن الله تكلم بهذه الآية بعد أن تكلمت التي تجادل .
{ لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ } [ آل عمران : 181 ] لقد سمع ، واللام مؤكدة ، وقد مؤكدة ، والقسم المحذوف مؤكد أنه سمع قول الذين قالوا : إن الله فقير ونحن أغنياء ، فتكون هذه الآية نزلت بعد قولهم ، وأمثال ذلك من السياقات الدالة على أن الله تعالى تكلم بالقرآن حين إنزاله على محمد صلى الله عليه وسلم .
فهذا هو الذي يجعلني أشك في صحة الحديث المروي عن ابن عباس رضي الله عنه وعن أبيه أن القرآن نزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا في بيت العزة ، وهذا يحتاج إلى أحاديث صحيحة لانشك فيها حتى نضطر إلى تأويل الآيات التي تدل على أن القرآن نزل بعد حدوث الحوادث التي يتكلم الله عنها )
من كتاب اللقاء الشهري مع فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رقم [3] ص 30 ، 31 .
الأخ أبو الحسنات الدمشقي حفظك الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته القول بأن أثر ابن عباس يخالف الأدلة قول فيه نظر لأنه لا يوجد دليل منطوق يخالفه ، وقد بلغني أن الشيخ محمد صالح بن عثيمين رحمه الله رجع إلى القول به في آخر عمره مع أن العبرة بالأدلة لا بكلام العلماء لأن كلام العلماء رحمهم الله يستدل له لا يستدل به ، ولاشك أن أفضل ما يفسر به القرآن هو القرآن ثم السنة ثم أقوال الصحابة ، وكيفية إنزال القرآن جاءت مجملة في القرآن وقد صح عن ابن عباس حبر هذه الأمة رضي الله عنه تفصيل ذلك الإجمال في قوله نزل جملة واحدة لسماء الدنيا ولم نجد مخالفاً له من الصحابة ومثل هذا لا مجال فيه للرأي فهو في حكم المرفوع ، وابن عباس رضي الله عنه محل القدوة والتأسي وقد قال بقوله هذا جمهور العلماء بل حكى البعض عليه الإجماع كما ذكره القرطبي والسيوطي وإن كان فيه نظر وقد فصل ذلك الشيخ الدكتور عبد الله الميموني جزاه الله خيراً ، وإليك أقوال بعض العلماء في تفسير الصحابي وأنه في حكم المرفوع إذا تعلق بسبب النزول قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي : " والمقرر في علوم الحديث أن تفسير الصحابي الذي له تعلق بسبب النزول له حكم الرفع كما عقده صاحب طلعة الأنوار بقوله الرجز:
تفسير صاحب له تعلق ** بالسبب الرفع له محقق .
أضواء البيان ج1/ص92
وقال العراقي في ألفيته :
وعد ما فسره الصحابي ** رفعاً فمحمول على الأسباب
وقال الحاكم ليعلم طالب هذا العلم أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل عند الشيخين حديث مسند . المستدرك على الصحيحين رقم ( 3021 ) 2/283.
وقال ابن حجر في النكت على ابن الصلاح : ما يعد مسندا من تفسير الصحابي قوله ص ما قيل من أن تفسير الصحابي رضي الله عنه مسند إنما هو في تفسير يتعلق بسبب نزول آية أو نحو ذلك قلت تبع المصنف في ذلك الخطيب وكذا قال الأستاذ أبو منصور البغدادي إذا أخبر الصحابي رضي الله عنه عن سبب وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أو أخبر عن نزول آية له بذلك مسند لكن أطلق الحاكم النقل عن البخاري ومسلم أن تفسير الصحابي رضي الله عنه الذي شهد الوحي والتنزيل حديث مسند ، والحق أن ضابط ما يفسره الصحابي رضي الله عنه إن كان مما لا مجال للاجتهاد فيه ولا منقولا عن لسان العرب فحكمه الرفع وإلا فلا كالاخبار عن الأمور الماضية من بدء الخلق وقصص الأنبياء وعن الأمور الآتية
كالملاحم والفتن والبعث وصفة الجنة والنار والاخبار عن عمل يحصل به ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص فهذه الأشياء لا مجال للاجتهاد فيها فيحكم لها بالرفع ، قال أبو عمرو الداني : قد يحكي الصحابي رضي الله عنه قولا يوقفه فيخرجه أهل الحديث في المسند لامتناع أن يكون الصحابي رضي الله عنه قاله إلا بتوقيف كما روى أبو صالح السمان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يجدن عرف الجنة الحديث لأن مثل هذا لا يقال بالرأي فيكون من جملة المسند .
النكت على ابن الصلاح ج2/ص530.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
نفع الله بك يا أبا عبد الله وكتب لك الأجر , وبارك في الشيخ د/ عبد الله بن علي الميموني المطيري على هذا البحث الثمين
لمن أراد فتح الملف بعد حفظه أن يحوله إلى مجلد بالضغط على الزر الأيمن من الفأرة( الماوس) .
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
بالنسبة للملف فهو يعمل لكن إذا لم يكن الجهاز المحمل عليه ليس فيه وورد 2007 فسيكون فيه مشكلة عند فتحه
وعندي رجاء ممن لديه ملاحظة أن يناقش ذلك من خلال المنتدى أو يراسلني و طلب آخر وهو ممن استفاد من البحث المذكور أن لا ينسى الدعاء بظهر الغيب ، و لا يترك نسبة ما استفاده منه و الله المستعان.
وبالنسبة للاعتراضات التي أوردها فضيلة شيخنا الإمام ابن عثيمين رحمه الله فقد أجبت عليها في الرسالة إجابة موجزة كافية.
و لسنا نلزم أحدا بترجيح قول يحتمل اللفظ غيره ولو كان احتمالا مرجوحاً ولكن قول ابن عباس اشتهر بلا مخالف و تابعه فيه جلة من علماء التابعين ثم تتابع على نقله الأئمة موافقين له فهو لهذا أقوى من غيره مع احتمال اللفظ القرآني له ولغيره. و المقصود أنا لاننكر على من لم يقل بها مالم يضعفه سنداً لثبوته ثبوتا بينا أو يطعن في معناه طعنا يفضي للتثريب على من قال به ...و فيما سوى ذلك ففي الأمر نوع سعة.
رزقنا الله جميعا العلم الذي نساق به لمرضاة ربنا.
استأذن الأخ الكريم أبا عبد الله في وضع البحث هنا ...
[align=center]تخريج الأخبار الواردة في نزول القرآن جملة إلى السماء الدنيا
وبيان أقوال المفسرين في معنى الآيات المخبرة بنزول القرآن
في شهر رمضان[/align]
أعده
د/ عبد الله بن علي الميموني المطيري
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
الحمد لله علّم القرآن و خلق الإنسان و علّمه البيان والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للإنس والجان وعلى آله و أصحابه و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمّا بعد فإنّ من الأخبار المشتهرة عند أهل العلم قول ابن عباس رضي الله عنهما : (أُنزِلَ القرآن جملةً واحدة في ليلة القدر إلى السماء الدّنيا و كان بمواقع النُّجوم و كان الله ينزّله على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضه في أثر بعض )اهـ. وقد أردتُ أن أخرّجه وأذكر طرقه لتتجلى صحته عن ترجمان القرآن وحبر الأمة و أبين من وافق ابن عباس رضي الله عنهما في نقله نزول القرآن جملة إلى السماء الدنيا من علماء التابعين وأتباعهم.
وأضيف إلى ذلك تخريج الحديث الوارد في المسند للإمام أحمد وغيره عن واثلة بن الأسقع رضي الله عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال:(نزلت صُحُف إبراهيم أَوّلَ ليلة من شهر رمضان، وأُنزلت التوراةُ لست مَضَين من رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاثَ عَشرة خلت، وأنزل القرآن لأربع وعشرين من رمضان). لأن كثيراً من المفسّرين وغيرهم استدلوا به على تقوية الخبر المذكور عن ابن عباس في نزول القرآن جملة، و سأذكر مع ذلك نبذة مما ذكره العلماء حول بيان الحكمة من نزول القرآن جملة.
وبالله أستعين و أستهدي و عليه تعالى أتّكل لا حول ولا قوة إلا به .
فصل
هذا الخبر مرويٌّ عن حبر الأمة و ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما من طريق سعيد بن جبير و عكرمة ومِقسم وقد صح ذلك عنهم جميعاً -كما سيتبين عند تخريجه و بيان طرقه- و ممن صحح الرواية بذلك عن ابن عباس رضي الله عنه من العلماء المشهورين أبو جعفر أحمد بن النحاس (ت: 338هـ) في معاني القرآن و الحافظ أبو شامة المقدسي و الحافظ ابن كثير والحافظ ابن حجر والسيوطي .
ومن طرقه المشهورة طريق جرير عن منصور عن سعيد بن جبير عن ابن عباس .
ورواه جماعة من الثقات منهم يزيد بن هارون و يزيد بن زريع وغيرهما عن داود بن أبي هند الإمام المتفق على توثيقه عن عكرمة عن ابن عباس، و من طرقه عن عكرمة أيضا طريق الإمام حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن عكرمة عن ابن عباس. و ثبت مثل ذلك أيضاً عن جماعة من علماء التابعين ومفسِّريهم منهم الشعبي في رواية صحيحة عنه و سعيد بن جبير ثم عن ابن جريج و عن عبد الرحمن بن زيد و السدّي الكبير ، ورُوي أيضا عن إبراهيم النخعي .
وذكره بلا نكير أئمة التفسير من أهل السّنة كالطبري وابن أبي حاتم وغيرهم ممن يطول تعدادهم ولا نحتاج إلى سرد أسمائهم لشهرة هذا في كتب التفاسير قاطبة لأهل السنة و لغيرهم . وكذلك ذكروه في كتب علوم القرآن واعتمدوه و في كثير من التصانيف في الحديث وغيره و قد حكى الإمام القرطبي في تفسيره إجماع العلماء على نزول القرآن على الصفة التي ذكرها ابن عباس فإنه قال : (ولا خلاف أن القرآن أنزل من اللوح المحفوظ ليلة القدر - على ما بيناه جملة واحدة، فوضع في بيت العزة في سماء الدنيا، ثم كان جبريل صلى الله عليه وسلم ينزل به نجماً نجماً في الأوامر والنواهي والأسباب )اهـ. (1)
ثم ذكر القرطبي قول مقاتل في قوله تعالى: " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن " قال أنزل من اللوح المحفوظ كل عام في ليلة القدر إلى سماء الدنيا، ثم نزل إلى السفرة من اللوح المحفوظ في عشرين شهرا، ونزل به جبريل في عشرين سنة)اهـ. وقال : (قول مقاتل هذا خلاف ما نقل من الإجماع " أن القرآن أنزل جملة واحدة " والله أعلم)اهـ.
وهذا الذي صحّ عن ابن عباس رضي الله عنهما و عن جماعة من التابعين و أتباعهم يقويه أنه الظاهر من قوله تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) (الدخان- 3) وقوله جل وعلا :( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) [سورة القدر: 1] و من قوله تعالى : (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ ).(البقرة- 185)وهذا أشهر التفسيرين الواردين عن السلف في تفسير قوله تعالى: "إنا أنزلناه في ليلة القدر"( 1-القدر )، وقوله: "إنا أنزلناه في ليلة مباركة"( 3-الدخان ) وقوله : (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القرآن) فإنّ المراد بقوله تعالى : ( أنزلناه ) لا يخلو في ظاهره من أحد احتمالين الأوّل أنْ يكونَ المراد بذلك الخبر عن نزول القرآن كلّه أو الخبر عن نزول بعضه و على القول بأنّ المراد الإخبار عن نزول بعضه فيكون المراد بذلك الإخبار عن ابتداء نزوله في شهر رمضان في ليلة القدر منه وأكثر المفسرين من السلف على القول المروي عن ابن عباس من أنّ الله تعالى أنزل القرآن جملة في ليلة القَدْر إلى السماء الدّنيا ثم نزل مفرّقا بعد ذلك على النبي صلى الله عليه و سلم . وممن قال به في معنى الآية سعيد بن جبير و عكرمة والشعبي في رواية صحيحة عنه والسدي و ابن زيد والربيع بن أنس وسيأتي تخريجها .
وأما القول بأن معنى الآية أنه ابتدأ نزول القرآن في شهر رمضان فقول مروي عن الشعبي و هو ظاهر كلام ابن إسحاق في السيرة له و في تهذيبها لابن هشام (1/ 257 ). و نسبه ابن الجوزي ( 1/ 187 ) إلى ابن إسحاق وأبي سليمان الدمشقي و لم ينسبه للشعبي وهذا من دقة الإمام ابن الجوزي في كتابه زاد المسير فإنه من أدقّ كتب التفسير عزواً للأقوال وتصنيفاً لها وحصراً وتعديدا (2 ) فإن القول الأول أصح سنداً عن الشعبي وهو الموافق للرواية عن ابن عباس وغيره قال الطبري (حدثنا يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن داود، عن الشعبي قال: بلغنا أن القرآن نزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا)اهـ. رواه في موضعين (3 ) وهذا سند متفق على ثقة رجاله. وأما القول الآخر المروي عنه أن المقصود ابتداء نزول القرآن في شهر رمضان ففي سنده مقال و لا يقاوم هذا فقد رواه الطبري من طريق عمران أبي العوام ثنا داود بن أبي هند، عن الشعبيّ، أنه قال في قول الله:( إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) قال: (نزل أول القرآن في ليلة القدر)اهـ. (4 ) وعمران القطان أبو العوّام في روايته ضعفٌ فقد ضعفه يحيى و النسائي ،وفي التقريب صدوق يَهِم ورمي برأي الخوارج (5154). وسيرد تفصيل أقوالهم في تعديله و تجريحه عند تخريج حديث واثلة قريباً.
وقد خالفه اسماعيل بن عليّه وهو أحفظ منه بدرجات فرواه عن داود بن أبي هند باللفظ المتقدم الموافق لقول ابن عباس و غيره. واسماعيل بن عليه ثقة ثبت.و على هذا فمعنى الإنزال هنا هو على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون القرآن مما عبر بكله عن بعضه ، والمعنى بدئ بإنزاله فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم (5 ) .
فهذان هما القولان المشهوران الأقرب حظّاً من ظاهر ألفاظ الكتاب العزيز وقد حكى جماعة من المفسرين مع هذين القولين أقوالاً في بعضها غرابة فذكر بعضهم قول من قال إن معناه أُنزِل في فضله القرآن هدى للناس نقله القشيري ( 465هـ )في التفسير الكبير – ولم يطبع بعد (6 ) – و الواحدي (ت: 468هـ) في البسيط (7 ) والرازي في تفسيره: 5/85و أبو حيان في البحر :2/ 39 قال الواحدي في البسيط : (قال سفيان بن عيينة : { أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } معناه: أنزل في فضله القرآن. وهذا اختيار الحسين بن الفضل (8 ) ، قال: ومثله: أن تقول: أنزل في الصديق كذا آية، تريد في فضله )اهـ.
وقيل في الآية أيضا قول آخر وهو أن معناه أنه أنزل القرآن بفرض صيامه و يعزى لمجاهد و الضحاك و ابن الأنباري(ت: 328هـ) فقد نقله الماوردي: 1/ 240 وعزاه لمجاهد وحده وعزاه الواحدي في البسيط لابن الأنباري و عزاه ابن الجوزي: 1/187 وأبو حيان: 2/ 39 لمجاهد والضحاك (9 ) . وذكره أبو المظفر السمعاني في تفسيره ولم يعزُه: 1/ 183 وقول الضحاك رواه ابن أبي حاتم : 1/311 في تفسيره .
لكنّ هذين القولين فيهما خروج عن الظاهر و لم يذكرهما الإمام الطبري في تفسيره وليعلم أن هذا القول الأخير وهو أن المراد أنزل في فرض صومه لا يتأتى القول به في آية سورة الدخان ولا سورة القدر فهو صالح فقط في آية سورة البقرة وحدها هذا مع كونه مرجوحاً، و أما القول الآخر وهو أن المراد أنزل في فضله القرآن فقد ذكر ابن عطية في المحرر الوجيز: أنّ جماعة من المتأوّلين قالوا: ( إن المعنى إنا أنزلنا هذه السورة في شأن ليلة القدر وفي فضلها)اهـ.
وقال أبو جعفر بن النحاس: ( في معنى هذه الآية ثلاثة أقوال: أ - فمن أصحها ما رواه حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال: أنزل القرآن في ليلة القدر إلى السماء الدنيا جملة واحدة ثم نزل به جبرائيل في عشرين سنة. وهذا إسناد لا يدفع.
ب - وقيل المعنى إنا أنزلناه قرآنا في تفضيل ليلة القدر وهو قوله تعالى (ليلة القدر خير من ألف شهر) فهذان قولان.
ج - وقيل المعنى إنّا ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر كما تقول أنا أخرج إلى مكة غدا أي أنا ابتدأ الخروج )اهـ. معاني القرآن: 6/ 395
ومن الواضح لمن تدبّر أننا لو رجحنا أن المراد بالآيات بيان ابتداء نزول القرآن لأنه نزل أول ما نزل في هذا الشهر الكريم في ليلة القدر منه فلا يمكن إنكار القول الآخر ولا دفعه لأن له حظاً من اللفظ و لجلالة و شهرة القائلين به، ثم لا يلزم من القول بأن المراد بالآيات بيان ابتداء نزول القرآن القدحَ في خبر ابن عباس وغيره لأنه خبرٌ مستقل بنفسه يخبر عن نزول القرآن إلى السماء الدنيا جملة واحدة ثم نزوله مفرقاً.
و المقصود أنّ أصحّ التفاسير للآيات وأشهرها هما القولان المتقدِّم ذكرُهما وأرجحهما رواية و نظراً القول المروي عن ابن عباس وأئمة التفسير من تلاميذه و غيرهم و لذا قال الحافظ أبو شامة: ( إن تفسير الآية بذلك – يعني بالقول بأن المراد ابتداء نزول القرآن – بعيد مع ما قد صح من الآثار عن ابن عباس : أنه نزل جملة إلى السماء الدنيا)اهـ. صـ 20.
وبعض المفسرين يستدلُّ على ترجيح القول الأول بأنه لا يحتاج إلى تقدير محذوف. فيقول إننا إذا قلنا إن معنى قوله تعالى: { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } ابتدأنا إنزاله. فلابدّ من تقدير محذوف وهو ابتدأنا، قال: وهو يقتضي حمل القرآن على أن المراد به بعض أجزائه وأقسامه فقوله تعالى: { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } أي أنزلنا بعضه.( التفسير الكبير للرازي (5 / 85).
تنبيه:
للقائلين بأن القرآن نزل جملة إلى السماء الدنيا قولان:
فالقول أنه نزل إلى السماء الدنيا في ثلاث وعشرين ليلة قدر ينزل في كل ليلة ما يقدّر الله إنزاله في كل السنة قاله مقاتل و تقدم ردّه وأصح منه القول الأول بأنه نزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا كما هو مروي عن ابن عباس و غيره و هو الصحيح المعتمد كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: 9 / 4 . قال الزركشي: (والقول الأول أشهر وأصح وإليه ذهب الأكثرون)اهـ. البرهان: 1 /228
تنبيه آخر:
والليلة المباركة هي ليلة القدر بلا تردّد وهو قول جمهور العلماء، وأما القول بأن المراد بالليلة المباركة في سورة الدخان ليلة النصف من شعبان فهو قول ضعيف لقوله تعالى (إنا أنزلناه في ليلة القدر) مع قوله (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) و ممن أبطله ودفعه الإمام أبو بكر ابن العربي في أحكام القرآن عند سورة الدخان: 4/ 1690و الإمام أبو شامة في المرشد الوجيز: صـ 9 والإمام الشوكاني في تفسيره وغيرهم.
فصل
و كل محذورٍ يُدّعَى على هذا القول المشهور عند السلف و العلماء فليس بصحيح لأن أهل السنة والاتباع يؤمنون أنّ جبريل عليه السلام تلقّاه من الله تعالى وحياً سمعه من رب الأرباب و نؤمن بحمد الله بذلك و نصدّق أيضاً أنه أنزله إلى بيت العزة في السماء الدنيا، ثم أنزله بعد ذلك مفرقًا بحسب الحوادث وكذلك نؤمن أنه مكتوب في اللوح المحفوظ قبل نزوله، كما قال تعالى : { بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ } [ البروج : 21،22 ] وقال تعالى : { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ } [ الواقعة : 77، 87 ] ، وقال تعالى : { كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء ذَكَرَهُ فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ } [ عبس : 11ـ 16 ] وقال تعالى : { وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } [ الزخرف : 4 ] ولا تنافي بين ذلك فإذا كان مشكلا علينا أن نتخيل إنزاله مجموعاً إلى بيت العزة قبل وقوع أسباب تنزّله البشرية من وقعة أحد و ما فيها أو سماع محاورة المجادلة لزوجها أو قصة زينب أو غير ذلك فكذلك يمكن أن نستشكِل كونه مكتوباً في الذكر الحكيم قبل وقوع تلك الأحداث و الوقائع التي بسببها نزلت الآيات و إنما ينفع في مثل هذا التسليم للنصوص والأخبار الصحيحة ما لم يعارضها ما خبر هو أصح منها ، فإن قدرة ربنا تعالى مما نعجز عن إدراكه وهذا كما نقول في المشكل من مسائل القدر فنقطع أن الله تعالى لم يظلم أحداً فالنصوص قد دلت على ذلك بكثرة و دلت على أنه تعالى يجازي كلاّ بعمله و يعفو تفضلا إذا شاء وأنه تعالى لا يُسأل عما يفعل و هم يسألون وأنّ له الأمر كلَّه وهو تعالى يختار ما يشاء بحكمة بالغة تقصر دونها الأفهام وتحار فيها العقول كما قال تعالى : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) ( القصص: آية :68) .
و نعلم أن العلم قد أحاط بأهل الجنة قبل خلقهم وبأهل النار قبل خلقهم فسيعودون جميعا إلى سابق علمه و تقديره تعالى كما قال : (وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ) قال أبو العالية: { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } رُدُّوا إلى علمه فيهم.يعني إلى سابق علمه و هذا على أحدِ الأقوال في معنى الآية. و المقصود أن التسليم و الإيمان والخضوع هو المنجاة للمسلم مما يشكل عليه من ذلك مما صحت به الأخبار فالقدر سر الله أخفاه عن عباده و بين لهم أنه لا يظلمهم كما قال سليمان التيمي التابعي -فيما صح عنه- لو كشف الحجاب لعلمت القدرية أن الله لم يظلم أحداً. رواه الفريابي في القدر و غيره . وذكر ابن عبد البر في التمهيد قول وهب بن منبه : ( نظرت في القدر فتحيرت ثم نظرت فيه فتحيرت ووجدت أعلم الناس بالقدر أكفهم عنه وأجهل الناس به أنطقهم فيه)اهـ. 6/ 67
و للإمام البيهقي كلام حسن حول دفع بعض الاستشكالات في الخبر فإنه قال: (وقوله عز وجل : {بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ} فأخبر أن القرآن كان في اللوح المحفوظ يريد مكتوبا فيه ، وذلك قبل الحاجة إليه ، وفيه ما فيه من الأمر والنهي والوعد والوعيد ، والخبر والاستخبار) اهـ. ثم قال أيضا( وقوله تعالى : {إنا أنزلناه في ليلة القدر} يريد به- والله أعلم- إنا أسمعناه الملك وأفهمناه إياه وأنزلناه بما سمع فيكون الملك منتقلا به من علو إلى سفل)اهـ. الأسماء والصفات: 1/ 561
فصل
تخريج الأخبار و بيان طرقها بإيجاز
تخريج حديث واثلة رضي الله عنه المرفوع في نزول القرآن في رمضان:
وليعلم أنه ورد في الباب حديث مرفوع استدل به جمع من المفسرين و من العلماء على ما تضمنه خبر ابن عباس المتقدّم ولكن في سنده ضعفاً.
فقد روى عمران أبو العوام القطان عن قتادة، عن أبي المليح، عن واثلة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"نزلت صُحُف إبراهيم أَوّلَ ليلة من شهر رمضان، وأُنزلت التوراةُ لست مَضَين من رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاثَ عَشرة خَلت، وأنزل القرآن لأربع وعشرين من رمضان). رواه الإمام أحمد 28/ 191 و الطبري: 3/189 و ابن أبي حاتم في مواضع من تفسيره منها عند آية سورة البقرة : 1/ 310 و الطبراني في الكبير:22/75 و البيهقي في شعب الإيمان (2248 ) وقد صححه الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه للطبري : 3/ 446 وذكره الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (1575) و حسن سنده . وذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري و سكت عليه: 9/ 5 و ذكره الهيثمي وقال: ( رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط وفيه عمران بن داود القطان ضعفه يحيى،ووثقه ابن حبان وقال أحمد: أرجو أن يكون صالح الحديث. وبقية رجاله ثقات)اهـ.مجمع الزوائد:1/ 465ولكن عِمران بن داور - بفتح الدال والواو وبعدها راء - أبو العوام القطّان فيه ضعف وتفرده بمثل هذا عن مثل قتادة غير مقبول. وقد اختلفوا فيه فضعفه يحيى والنسائي و قال الإمامُ أحمد بن حنبل: أرجو أن يكون صالح الحديث، وقال ابن عدي : يكتب حديثه وقال عمرو بن على الفلاس: كان عبد الرحمن بن مهدى يحدث عنه ، و كان يحيى لا يحدث عنه. و يحيى وعبد الرحمن بن مهدي إمامي أهل زمانهما في معرفة الحديث وهما شيخا علي بن المديني و أحمد وابن معين و غيرهما و تحديث عبد الرحمن بن مهدي عنه مما يقوي أمره ولذا قوى أمره الإمام أحمد وقال ابن عدي هو ممن يكتب حديثه.
و ترجمته في الكامل في الضعفاء لابن عدي: 5/ 88 تهذيب الكمال : 22 / 328 وسير أعلام النبلاء:7 /280 وفي التقريب صدوق يَهِم ورمي برأي الخوارج (5154). ولكن ورد ما يشهد له فذكر له الحافظ ابن كثير شاهدا من حديث جابر بن عبد الله وفيه: أن الزبور أنزل لثنتَي عشرة [ليلة] خلت من رمضان، والإنجيل لثماني عشرة، والباقي كما في حديث واثلة. وعزاه لابن مردويه وحديث جابر هذا رواه أبو يعلى:4/ 135 وفيه سفيان بن وكيع وهو ضعيف. وبه ضعفه البوصيري في اتحاف الخيرة : 1/68 والهيثمي:1/ 465 وفيه علة أخرى وهي أن راويه عن أبي المليح هو عبيد الله بن أبي حميد وهو متروك.و ليعلم أن حديث جابر موقوف عليه عند أبي يعلى كما أن مخرجه عن أبي المليح من طريق قتادة أصحّ و يخشى أن عبيد الله هذا وهم فيه فجعله عن جابر. و عليه فقد عاد الحديث إلى طريق قتادة وفيها ما تقدم.
وله طريق أخرى فقد روى أبو عبيد في فضائل القرآن: صـ 368 من طريق نعيم عن بقية عن عتبة بن أبي حكيم قال حدثنا شيخ منا عن واثلة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره. وزاد أن الزبور أنزلت في اثنتي عشرة من شهر رمضان. وفيه علل منها جهالة الراوي عن الصحابي وتدليس بقية.
وثبت معناه عن قتادة عند الطبري: 21 / 6 في تفسير سورة الدخان . و روى ابن الضريس في فضائل القرآن : صـ 129 بسنده عن يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة حدثنا صاحب لنا عن أبي الجلد : فذكر نحوه . فالحديث ضعيف لما في عمران من الكلام و لتفرده به .
وثبت بعضه عن أبي قلابة التابعي الجليل فقد روى ابن أبي شيبة في المصنف: (حدثنا الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة قال : نزلت التوراة لست خلون من رمضان ، وأنزل القرآن لأربع وعشرين)اهـ.7/191 وهذا سند صحيح
تخريج خبر ابن عباس رضي الله عنه
ثبت عن داود بن أبي هند الإمام الثقة الزاهد (10 ) عن عكرمة عن ابن عبّاس قال: (أُنزِلَ الله القرآن إلى السّماءِ الدُّنيا في ليلة القَدَرِ، فكانَ الله إذا أراد أنْ يُوحِيَ منه شيئًا أوحاه، فهو قوله:( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) [سورة القدر: 1].
و في لفظ: « نزل القرآن جملة إلى السماء الدنيا ، ثم نزل بعد ذلك في عشرين سنة وقال عز وجل : ( ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا) ) قال : ( وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا » )اهـ. وله طرق صحيحة عن داود بن أبي هند منها طريق يزيد بن هارون رواها أبو عبيد: في فضائل القرآن صـ368 و النسائي في الكبرى:6/ 421 و الحاكم: 2/ 222 وصححه وابن منده في كتاب الإيمان:2/704 و البيهقي في الأسماء و الصفات: (ح 497 )جميعهم من طريق الإمام يزيد بن هارون به قال ابن كثير هذا إسناد صحيح: 1/17. وتابع يزيد بن هارون عن داود جماعة آخرين منهم محمد بن إبراهيم بن أبى عدى من رجال الشيخين رواه من طريقه النسائي في الكبرى: (ح 7989 ) و الطبري : 3/ 190 وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف عند ابن الضريس في فضائل القرآن :ص 125 والطبري:3/ 477 و الحاكم:2/ 222 وقال : ((هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه )) ووافقه الذهبي.
وعبد الوهاب الخفاف حسن الحديث روى له مسلم و أصحاب السنن و قد وثقه ابن معين وقال البخارى : ليس بالقوى عندهم ، و هو يحتمل .و قال النسائى : ليس بالقوى . و رواه أيضا يزيد بن زريع الإمام ذكر روايته ابن منده في كتاب الإيمان ( برقم:( 713 ) وله طرق أخرى عن داود بن أبي هند عند ابن الضريس والطبري و البيهقي وغيرهم تركتها اختصاراً.
و لم يتفرد به داود عن عكرمة بل تابعه أيوب فذكر ابن النحاس طريق حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس: ( قال أنزل القرآن في ليلة القدر إلى السماء الدنيا جملة واحدة ثم نزل به جبرائيل في عشرين سنة) ثم قال ابن النحاس : ( وهذا إسناد لا يدفع )اهـ. :6/ 395
و رواه عن ابن عباس أيضا سعيد بن جبير:
فقد روى ابن الضريس : صـ 125 و النسائي في الكبرى : ( 11689 ) و من طريقه ابن عبد البر في التمهيد: 17/ 50 والطبري: 24/ 543 -544 والحاكم في المستدرك:2/ 242 و البيهقي في دلائل النبوة: 4/ 172 بالسند الصحيح من طريق أبي بكر بن أبي شيبة و عثمان بن أبي شيبة و قتيبة وغيرهم قالوا حدثنا جرير عن منصور عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : ـ { إنا أنزلناه في ليلة القدر } قال : أنزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر إلى السماء الدنيا وكان بموقع النجوم و كان الله ينزله على رسول الله صلى الله عليه و سلم بعضه في أثر بعض قال : و قالوا : { لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك و رتلناه ترتيلا } قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرطهما و لم يخرجاه ووافقه الذهبي. قلت :وهذا سند على شرط الشيخين. ورواية قتيبة عند الواحدي في الوسيط: 5/ 533
وله طريق أخرى أيضا عن سعيد بن جبير عن ابن عباس من طريق الأعمش عن حسان بن أبي الأشرس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس :عند ابن أبي شيبة: 10/ 533 و ابن الضريس: صـ 126، 127 والنسائي : ( 7991 ) والطبري: 3/ 189 و الحاكم: 1/ 223. و له طرق أخرى عن سعيد بن جبير عند ابن الضريس و الطبري و الحاكم لا أطيل بسردها فبعض ما تقدم كاف.
وورد من طريق مقسم أيضا عن ابن عباس فقد روى الطبري : 3/191 – 192 و ابن أبي حاتم: 1/ 310 و البيهقي في الأسماء و الصفات ( 501 ) جميعهم من طريق عبيد الله بن موسى – وهو من رجال الشيخين المعروفين ، عن إسرائيل –ثقة مشهور من رجال الشيخين فيه كلام يسير-، عن السدي الكبير وهو اسماعيل بن عبد الرحمن وهو ثقة، عن محمد بن أبي المجالد وهو ثقة، عن مقسم، عن ابن عباس، قال له رجل: إنه قد وقع في قلبي الشك من قوله:"شهرُ رَمضان الذي أنزل فيه القرآن"، وقوله:( إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ) وقوله( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ، وقد أنزل الله في شوّال وذي القعدة وغيره! قال: إنما أنزل في رمضان في ليلة القدر وليلة مباركة جملة واحدةً، ثم أنزل على مَواقع النجوم رَسَلا في الشهور والأيام)اهـ. و رواه الواحدي في الوسيط: 1/ 280 - 281 من طريق يحي بن أبي زائدة عن إسرائيل به . وزاد ابن كثير عزوه لابن مردويه: 1/501 و ينظر: الدر: 1/ 189
ومعنى: رَسَلا: أي فِرَقا متقطّعة يتبع بعضهم بعضا ( النهاية: 2/ 222)
وروى الطبري: 3/ 190 عن السدي الكبير أيضا أن ابن عباس قال ذلك. وهو منقطع لكن الطريق الماضية تعضده و يعضدها فإن السدي معروف بالتفسير و يرسل كثيراً.
ورواه من المتروكين الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: رواه من طريقه يحيى بن سلام كما في مختصره لابن أبي زمينين: 4/ 198. وممن ذكر أن خبر ابن عباس ثابت عنه الحافظ ابن حجر :فتح الباري في كتاب بدء الوحي (1 / 31). و ذكر جملة من هذه الأخبار عن ابن عباس السيوطي في الإتقان:1/ 131 وقال كلها صحيحة.
وممن ذكر مثل الذي ذكره ابن عباس رضي الله عنهما من السلف الشعبي و سعيد بن جبير وابن جريج وابن زيد و الربيع بن أنس:
أما الشعبي فقد تقدم تخريج قوله و بيان صحته في أول هذه الرسالة عند ذكر الأقوال .
وأما الرواية عن سعيد بن جبير فقد روى الطبري: 24/532 حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن مسلم، عن سعيد بن جُبير: أنزل القرآن جملة واحدة، ثم أنزل ربنا في ليلة القدر:( فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) .
و تقدم أن الطبري: 3/ 190 روى عن السدي الكبير أن ابن عباس قال ذلك. ومعنى ذلك أن السدي يقول به و إلا لم يقتصر عليه.
و أما قول قول عبد الرحمن بن زيد فرواه الطبري: بسنده المعروف عنه قال حدثني يونس أخبرنا عبد الله بن وهب قال: قال ابن زيد، في قوله عزّ وجلّ(إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) قال: تلك الليلة ليلة القدر، أنزل الله هذا القرآن من أمّ الكتاب في ليلة القدر، ثم أنزله على نبيه في الليالي والأيام، وفي غير ليلة القدر)اهـ.21/ 6وهذا سند معلوم صحته عن ابن زيد.
و أما الرواية عن ابن جريج فهي عند الطبري: 3/ 190 وابن عبد البر في التمهيد: 17/ 50
وذكر السيوطي في الدر :(أن عبد بن حميد أخرج عن الربيع بن أنس { إنا أنزلناه في ليلة القدر } قال : أنزل الله القرآن جملة في ليلة القدر كله { ليلة القدر خير من ألف شهر })اهـ.8/ 567
الحكمة من نزوله جملة
تلمس العلماء حكمة لنزول القرآن جملة إلى السماء الدّنيا فذكروا أموراً منها ما ذكره الإمام أبو الحسن السخاوي: (ت: 64هـ) في (جمال القرآن): 1/ 20.
فإنه قال (في نزول القرآن إلى السماء جملة تكريم بني آدم وتعظيم شأنهم عند الملائكة وتعريفهم عناية الله بهم ورحمته لهم...وزاد سبحانه في هذا المعنى بأن أمر جبريل بإملائه على السفرة الكرام البررة وإنساخهم إياه وتلاوتهم له.
قال: وفيه أيضا إعلام عباده من الملائكة أنه علام الغيوب إذ كان في هذا الكتاب ذكر الأشياء قبل وقوعها.
و فيه أيضا التسوية بين نبينا وبين موسى في إنزال كتابه جملة، والتفضيل لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم في إنزاله عليه منجما ليحفظه. و فيه أيضا ما يوقع في النفس تعظيم شأن الربوبية)اهـ. بنوع اختصار يسير. و نقله عنه الصالحي في سبيل الهدى و الرشاد: 2/252
و ذكر الحافظ أبو شامة المقدسي بعض ما ذكره شيخه السخاوي و مما قاله: (إن فيه تفخيم شأن المنزل وهو القرآن الكريم، وتعظيم قدر من سوف ينزل عليه وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، وتكريم من سوف ينزل إليهم وهم المسلمون. وذلك بإعلام سكان السماوات بأن هذا القرآن آخر الكتب المنزلة على خاتم الرسل لأشرف الأمم)اهـ. المرشد الوجيز: صـ24
قال الزركشي: (فإن قيل ما السر في إنزاله جملة إلى السماء قيل فيه تفخيم لأمره وأمر من نزل عليه وذلك بإعلان سكان السموات السبع أن هذا آخر الكتب المنزلة على خاتم الرسل لأشرف الأمم)1/ 230
ــــــــــــــــــ
حواشي :
(1 ) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 2/ 297
(2 ) استفاد ابن الجوزي من تفسير الثعلبي ومن الماوردي وغيرهما ما يتعلق بنسبة الأقوال وزاد عليهما فهو من جهة حصر الأقوال في الآية و نسبتها لقائليها من أحسن التفاسير .
(3 )تفسير الطبري: 3/ 191 و 24/ 543
(4 ) الطبري: 24 / 543
(5 ) البحر: 2/ 39
(6 ) من أوله إلى نهاية سورة البقرة كان رسالة علمية تقدمت بها لدرجة– الدكتوراه - و قد انتهيت – ولله الحمد -من تحقيق أكثر ما بقي منه مما عثر عليه. وهو إلى أوائل سورة الأنعام .
(7 ) مخطوط وهو محقق رسائل علمية و لم يطبع بعد ذكر ذلك عند (الآية- 185)من سورة البقرة.
(8 ) الحسين بن الفضل بن عُمير البجلي النيسابوري : ( 176 - 282هـ ) إمام جليل ومفسر مشهور وواعظ معمَّر ، قال الذهبي في العبر : (وكان آية في معاني القرآن، صاحب فنون وتعبد، قيل إنه كان يصلي في اليوم والليلة ستمائة ركعة، وعاش مائة وأربع سنين، روى عن يزيد بن هارون والكبار)اهـ.و نقل الذهبي في السير قول الحاكم في تاريخ نيسابور: (إمام عصره في معاني القرآن)اهـ. ترجمته في: الأنساب للسمعاني: ( في البجلي ) : 1/ 285 مختصراً ،=
= و سير النبلاء: 13 / 414 و العبر للذهبي: 2 / 406 و لسان الميزان : 2 / 307 ذكره ليدافع عنه لقول الذهبي المتقدّم و طبقات المفسرين للسيوطي : ترجمة: ( 33 ): 1 / 156 و شذرات الذهب: 2 / 178 و الأعلام للزركلي: 2/ 251
(9 )ذكر ابن عطية في المحرر: 1/ 254 قول الضحاك.
(10 )دواد هو ابن أبي هند وقع مصرحا به مرارا في الروايات و ليس هو بداود بن الحصين فذاك راو آخر في روايته عن عكرمة مقال .
لكن ما الجواب عى هذا الكلام ؟ .
قال الدكتور فضل عباس في (إتقان البرهان في علوم القرآن) : " لكي يتبين لنا هذا الأمر تبيناً تاماً ينبغي أن نقف أمام هذه الآيات الكريمة:
1- قال تعالى (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) (سورة البقرة/ 185).
2- قال سبحانه (حم والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين...) (سورة الدخان/ 1-3).
3- قال سبحانه (إنا أنزلناه في ليلة القدر).
هذه الآيات الكريمة تبين أن القرآن الكريم أنزل في رمضان، وأنه أنزل في ليلة مباركة، وأن هذه الليلة المباركة هي ليلة القدر.
ولكن ما معنى نزول القرآن في ليلة القدر؟ اختلف العلماء في ذلك على أقوال:
القول الأولى: ذهب بعض العلماء إلى أن القرآن الكريم نزل كلُّه دفعة واحدة في ليلة القدر، من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا.
ثم نزل من سماء الدنيا على قلب النبي صلى الله عليه وسلم منجماً في بضع وعشرين سنة. وقد استدلوا على ما ذهبوا إليه بآثار موقوفة عن ابن عباس رضي الله عنهما وبعض الأحاديث المرفوعة التي لم تصح.
القول الثاني: إن هناك تنزلاً واحداً للقرآن الكريم، وهو نزوله على النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر، في شهر رمضان، ولكن الذي نزل على النبي صلى الله عليه وسلم إنما هي الآيات الأولى من سورة اقرأ، فكيف تفسر قوله؟ قالوا إن الأمور العظيمة والشؤون الخطيرة يؤرخ دائماً ببدئها فمعنى قوله سبحانه (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) أي الذي ابتُدِئَ فيه نزول القرآن عليك أيها النبي.
وكذلك يقال في قوله سبحانه (إنا أنزلناه في ليلة القدر) و(إنا أنزلناه في ليلة مباركة) أي ابتدأنا إنزاله.
القول الثالث: يجمع العلماء على أن القرآن الكريم كما يطلق على القرآن كله فإنه يطلق على الآية والآيتين، وعلى هذا المعنى قوله سبحانه (إنا أنزلناه في ليلة القدر) أي أنزلنا الآيات الأولى وهي الآيات الخمس من سورة العلق. الموازنة بين هذه الأقوال:
ونحن إذ نوازن بين هذه الأقوال يبدو لنا والله أعلم بالصواب أننا نختار القولين الأخيرين فهما متقاربان بل يكادان يكونان قولاً واحداً. فإن ابتداء الإنزال في الشهر الكريم والليلة المباركة معناه أنزل الآيات وإنما اخترت هذا القول لما يلي:
أولاً: لأن القول بأن القرآن الكريم أنزل من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا في ليلة القدر في رمضان، لم يصل إلينا من كتاب أو سنة صحيحة وإنما وردت آثار موقوفة عن ابن عباس رضي الله عنهما وهي تحتاج إلى تمحيص من حيث أسانيدها. والقول بأن مثل هذا لا يمكن أن يكون رأياً لابن عبّاس غير مسلمّ، فقد يكون ابن عباس فهم الآية هذا الفهم إن صحت هذه الأقوال عنه.
ثانياً: يلزم على القول الأول وهو أن القرآن الكريم أُنزل في شهر رمضان دفعة واحدة إلى السماء الدنيا، عدم نزوله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، في رمضان لأنهم يرون أن الذي ذكرته الآيات في حديثها عن نزول القرآن في رمضان هو نزوله دفعة واحدة إلى السماء الدنيا.
وهذا غير مُسلم به فإن الذي أجمعت عليه الأمة إجماعاً مستنداً إلى السنة الصحيحة وإلى الكتاب الكريم هو أن القرآن نزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في رمضان.
ثالثاً: إن المتدبر للآية الكريمة يجزم بما لا يحتمل شكاً بأنها تتحدث عن نزول القرآن على النبي عليه وآله الصلاة والسلام، فلنتدبر هذه الآية الكريمة: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) فلو كان المقصود نزوله إلى سماء الدنيا لم يكن هناك كبير فائدة في قوله تعالى (هدى للناس) إنما الأمر الذي يطمئن إليه القلب وتستريح إليه النفس هو أن القرآن نزل على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هدى للناس.
رابعاً: إن الله تبارك وتعالى يمّن علينا بالهداية بأن كرّمنا بهذا القرآن الكريم "بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان". وهذه المنّة إنما تتحقق بإنزال القرآن لنتعظ منه ونعتبر وهذا أمر غير متحقق بنزوله إلى سماء الدنيا، يقول السيد محمد رشيد رضا رحمه الله:
"وأما معنى إنزال القرآن في رمضان مع أن المعروف باليقين أن القرآن نزل منجماً متفرقاً في مدة البعثة كلها فهو أن ابتداء نزوله كان في رمضان وذلك في ليلة منه سميت ليلة القدر، أي الشرف، والليلة المباركة، كما في آيات أخرى، وهذا المعنى ظاهر لا إشكال فيه، على أن لفظ القرآن يطلق على هذا الكتاب كله. ويطلق على بعضه. وقد ظن الذين تصدوا للتفسير منذ عصر الرواية أن الآية مشكلة ورأوا في حل الإشكال أن القرآن نزل ليلة القدر من رمضان إلى سماء الدنيا، وكان في اللوح المحفوظ فوق سبع سماوات ثم نزل على النبي صلى الله عليه وسلم منجماً بالتدريج وظاهر قولهم هذا أنه لم ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان منه شيء خلافاً لظاهر الآيات، ولا تظهر المنة علينا ولا الحكمة في جعل رمضان شهر الصوم على قولهم هذا لأن وجود القرآن في سماء الدنيا كوجوده في غيرها من السماوات أو اللوح المحفوظ من حيث إنه لم يكن هداية لنا، ولا تظهر لنا فائدة في هذا الإنزال ولا في الإخبار به، وقد زادوا على هذا روايات في كون جميع الكتب السماوية أنزلت في رمضان. كما قالوا إن الأمم السابقة كلفت صيام رمضان [تفسير المنار ج2 ص161.]
وأياً ما كان الأمر فإنه لا يتعلق بهذه القضية أمرّ ذو بال فلا يضير المسلم أي المسلكين سلكه وإنما أحببت أن أنبه على هذا لأن كثيراً من المسلمين يحسبون أن كون القرآن الكريم له عدة تنزلات أمر لا يجوز مخالفته " .
الأخ أبو الحسنات الدمشقي حفظك الله المسألة لا تحتاج إلى إطالة وقد صح أثر ابن عباس رضي الله عنه كما ذكره الدكتور عبد الله الميموني في بحثه جزاه الله خيراً ولا يوجد له مخالف من الصحابة ، ولا يخفاك أن تفسير الصحابي الذي ليس له مخالف من الصحابة معتبر ، قال البهوتي : " يلزم الرجوع إلى تفسير الصحابي لأنهم شاهدوا التنزيل وحضروا التأويل . كشاف القناع للبهوتي 1 / 434 .
وقال الحاكم ليعلم طالب هذا العلم أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل عند الشيخين حديث مسند . المستدرك على الصحيحين رقم ( 3021 ) 2/283 ، وقد سبق هذا في المشاركة السابقة .
وقال الزركشي : " اعلم أن القرآن قسمان احدهما ورد تفسيره بالنقل عمن يعتبر تفسيره وقسم لم يرد والأول ثلاثة أنواع أما أن يرد التفسير عن النبي صلى الله عيه وسلم أو عن الصحابة أو عن رءوس التابعين فالأول يبحث في عن صحة السند والثاني ينظر في تفسير الصحابي فإن فسره من حيث اللغة فهم أهل اللسان فلا شك في اعتمادهم وإن فسره بما شاهده من الأسباب والقرائن فلا شك فيه وحينئذ إن تعارضت أقوال جماعة من الصحابة فإن أمكن الجمع فذاك وإن تعذر قدم ابن عباس لأن النبي صلى الله عليه وسلم بشره بذلك حيث قال اللهم علمه التأويل .
البرهان في علوم القرآن للزركشي 2 / 172، وانظر : الإتقان في علوم القرآن للسيوطي 2 / 483.
أولا أشكر سعادة الدكتور الشيخ فهد الوهيبي على تكرمه بوضع البحث لإخواننا أثابكم الله يا دكتور فهد وقد كنت أريد ذلك فتأخرت فيه لأجل الحواشي
لكون البحث منسوخا من ملف وورد.
وأما فيما يتعلق بما نقله الشيخ أبو الحسنات ففيه ملاحظات منها:
1- ما هو الفرق بين القولين الثاني و الثالث الذين ذكرهما الشيخ فضل عباس لقد كرر القولين وجعلهما قولا واحداً ؟
2- قوله : ( وإنما وردت آثار موقوفة عن ابن عباس رضي الله عنهما وهي تحتاج إلى تمحيص من حيث أسانيدها). قلت أسانيدها صحيحة بينة الصحة فقد نظرنا فيها في الرسالة الموجودة بالمنتدى.
3- ابن عباس وافقه جماعة من كبار التابعين المعروفين بأنهم من أعلم مفسري السلف بمعاني القرآن. وتتابع الأئمة على نقله من غير نكير.
4-هذا أمر غيبي لا مدخل للاجتهاد فيه.
5- قوله : ( يلزم على القول الأول وهو أن القرآن الكريم أُنزل في شهر رمضان دفعة واحدة إلى السماء الدنيا، عدم نزوله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، في رمضان ..) انتهى. هذا غير صحيح بل لا يلزم من قولهم أن الق{آن نزل جملة إلى السماء الدنيا أنه لم ينزل أول ما نزل في شهر رمضان ومن قال من الأئمة المشهورين فضلا عن ابن عباس و غيره من السلف القائلين بنزول القرآن جملة إن القرآن لم ينزل في شهر رمضان و إنما هناك قول ضعيف متروك رده العلماء المححقون أن القرآن نزل أول ما نزل في شعبان وفسروا به الليلة البماركة و ذكرت في الرسالة بعض من رده وليس هو قول ابن عباس رضي الله عنه .
وأما بقية كلامه فمن نظر في الحكم التي قالها العلماء اجتهادا يتبين له بعض الحكمة الإلهية في ذلك وفي الرسالة بعض عباراتهم. ولست ممن يحبذ الإطالة في الردود لضيق وقتي ووقت المشايخ المتابعين للموضوعات المنشورة بالمنتدى.
من القائلين بقول ابن عباس أن القرآن نزل جملة إلى السماء الدنيا ثم نزل مفرقا بحسب الوقاع شيخ الإسلام ابن تيمية و من القائلين بذلك في العصر الحاضر الإمام الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي البلاد السعودية في عصره في رسالته التي نقد بها القول الذي ذكره السيوطي في الإتقان من أن جبريل أخذ القرآن من اللوح المحفوظ ولم يسمعه من الله.وجاء به إلى محمد صلى الله عليه و سلم ومما جاء فيها رسالة الشيخ محمد بن إبراهيم :
( أَما بعد: فقد سأَلني من تعينت إجابته عن ما وقع في ((كتاب الاتقان للسيوطي)) في بحث كيفية إنزال القرآن الكريم حاكيًا له في جملة أَقوال من غير رد له ولا إنكار من أَن جبريل عليه السلام أَخذه من اللوح المحفوظ وجاءَ به إلى محمد صلى الله عليه وسلم: هل هذا من أَقوال أَهل السنة والجماعة، ومما ثبت عن سلف هذه الأُمة وأَئمتها، أَو هو من أَقوال أَهل البدع، وما حقيقة ذلك، وأَي شيء ترجع إليه هذه المقالة. فأقول ومن الله أَستمد الصواب، وهو حسبي ونعم الوكيل:
هذه ((المقالة)) اغتر بها كثير من الجهلة وراجت عليهم. والسيوطي رحمه الله مع طول باعه وسعة اطلاعه وكثرة مؤلفاته ليس ممن يعتمد عليه في مثل هذه الأصول العظيمة. وهذه ((المقالة)) مبنية على أَصل فاسد، وهو القول بخلق القرآن، وهذه هي مقالة الجهمية والمعتزلة ومن نحى نحوهم. وهذه المقالة الخاطئة حقيقتها إنكار أَن يكون الله متكلمًا حقيقة ...)اهـ. ثم ذكر في الرسالة بعد ذلك قول شيخ الإسلام ابن تيمة
مقرا بما فيه ونصه : ( وهذا لا ينافي ما جاءَ عن ابن عباس وغيره من السلف في تفسير قوله تعالى: (. إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) أنه أَنزله إلى بيت العزة من السماء الدنيا، ثم أَنزله بعد ذلك منجمًا مفرقًا بحسب الحوادث. ولا ينافي أَنه مكتوب في اللوح المحفوظ قبل نزوله، كما قال تعالى: (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ) الآية وقال: (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) الآية وقال (إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ) الآية (261) وقال (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ) الآية (262) . وكونه مكتوبًا في اللوح المحفوظ وفي صحف مطهرة بأيدي الملائكة لا ينافي أَن يكون جبريل نزل به من الله، سواء كتبه الله قبل أَن يرسل به جبريل وغير ذلك، وإذا كان قد أَنزله مكتوبًا إلى بيت العزة جملة واحدة في ليلة القدر فقد كتبه كله قبل أَن ينزله، والله تعالى يعلم ما كان وما لا يكون أَن لو كان كيف كان يكون..) اهـ.
ينظر: رسالة الشيخ الجواب الواضح المستقيم في التحقيق في كيفية إنزال القرآن الكريم . موجودة ضمن فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم.
وإنما أوضحت هذا لئلا يتوهم أحد أن الشيخ ابن إبراهيم ينكر القول المروي عن ابن عباس و غيره من السلف.
وقد قلت سابقاً
( كل محذورٍ يُدّعَى على هذا القول المشهور عند السلف و العلماء فليس بصحيح لأن أهل السنة والاتباع يؤمنون أنّ جبريل عليه السلام تلقّاه من الله تعالى وحياً سمعه من رب الأرباب و نؤمن بحمد الله بذلك و نصدّق أيضاً أنه أنزله إلى بيت العزة في السماء الدنيا، ثم أنزله بعد ذلك مفرقًا بحسب الحوادث وكذلك نؤمن أنه مكتوب في اللوح المحفوظ قبل نزوله، كما قال تعالى : { بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ } [ البروج : 21،22 ] وقال تعالى : { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ } [ الواقعة : 77، 87 ] ، وقال تعالى : { كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء ذَكَرَهُ فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ } [ عبس : 11ـ 16 ] وقال تعالى : { وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } [ الزخرف : 4 ] ولا تنافي بين ذلك فإذا كان مشكلا علينا أن نتخيل إنزاله مجموعاً إلى بيت العزة قبل وقوع أسباب تنزّله البشرية من وقعة أحد و ما فيها أو سماع محاورة المجادلة لزوجها أو قصة زينب أو غير ذلك فكذلك يمكن أن نستشكِل كونه مكتوباً في الذكر الحكيم قبل وقوع تلك الأحداث و الوقائع التي بسببها نزلت الآيات و إنما ينفع في مثل هذا التسليم للنصوص والأخبار الصحيحة ما لم يعارضها ما خبر هو أصح منها ، فإن قدرة ربنا تعالى مما نعجز عن إدراكه)اهـ
جزاكم الله خيرا
(وذكره بلا نكير أئمة التفسير من أهل السّنة كالطبري وابن أبي حاتم وغيرهم ممن يطول تعدادهم ولا نحتاج إلى سرد أسمائهم لشهرة هذا في كتب التفاسير قاطبة لأهل السنة و لغيرهم . وكذلك ذكروه في كتب علوم القرآن واعتمدوه و في كثير من التصانيف في الحديث وغيره و قد حكى الإمام القرطبي في تفسيره إجماع العلماء على نزول القرآن على الصفة التي ذكرها ابن عباس فإنه قال : (ولا خلاف أن القرآن أنزل من اللوح المحفوظ ليلة القدر - على ما بيناه جملة واحدة، فوضع في بيت العزة في سماء الدنيا، ثم كان جبريل صلى الله عليه وسلم ينزل به نجماً نجماً في الأوامر والنواهي والأسباب )اهـ. (1))
----------------------------
فائدة
قال الآجري
((اعلم رحمك الله أنه ينبغي لك أن تعلم أن القرآن نزل جملة في ليلة القدر في شهر رمضان إلى سماء الدنيا إلى بيت العزة ، ثم نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في نيف وعشرين سنة ،))
جزاكم الله خيرا يا شيخ ابن وهب أنتم من درر هذا المنتدى و ذلكم المنتدى.
و من العجائب أن بعض الشيوخ في عصرنا يلمح إلى ذم إمام المفسرين الطبري لروايته ذلك كأنه قد انفرد برواية هذا الخبر عن ابن عباس و عن غيره من التابعين وهو موجود في كتب أئمة المسلمين وحفاظ الحديث كالنسائي و ابن عبد البرو البيهقي ومن قبلهم و من لا يكاد يحصرهم عد.....
وهو يعمل - إن شاء الله - على أي إصدار من Word .. وقد فتح عندي والحمد لله على XP
فلا علاقة لمشكلة فتحه بإصدار الأوفيس .
----
ولكن مشكلة التحميل سببها أن اسمه باللغة العربية في المرفقات ، لذا أنصح إخواني بجعل اسم المرفقات باللغة الإنجليزية بضعة أحرف قليلة .. لأنه إذا كان بالعربية وخاصة إذا كان طويلا .. قد لا يمكن تحميله من قبل عامة الإخوة الأفاضل ..
فضيلة الشيخ د/عبد الله بن علي المطيري(أبو محمد الميموني)
ـ أحسبه ولاأزكي على الله أحدا ـ
من أهل التفسير القلائل المعتنين بعلم الحديث وما يتعلق به من مصطلح ورجال وجرح وتعديل وطبقات وكذا علم التاريخ والسير وما يتبع ذلك.
أسأل أن ينفعني وإخواني في الملتقى بعلومه وإفاداته
وأن يجزيه خير الجزاء وأوفاه.
ولم يثبت عن صحابي أو تابعي ما يخالف هذا القول في تفسير الآيات التي تخبر بنزول القرآن.
بل فسروها على أن المراد نزوله جملة إلى السماء الدنيا . و أما القول المروي عن الشعبي أنه فسر الآية بأن المراد ابتداء نزول القرآن ففيه علة و في سنده ضعف وقد بينت العلة وأنها بسبب مخالفة رواية أصح عن الشعبي من نفس الطريق إليه و بينت أيضا سبب ضعف سندها .
فلم أجد عن تابعي قولا صحيحا فضلا عن صحابي أنه فسر الآيات بغير المروي عن ابن عباس و غيره و من وجده بسند لم نذكره فليفدنا مشكوراً.
( وقد قلت سابقا: (قال الطبري (حدثنا يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن داود، عن الشعبي قال: بلغنا أن القرآن نزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا)اهـ. رواه في موضعين (3 ) وهذا سند متفق على ثقة رجاله. وأما القول الآخر المروي عنه أن المقصود ابتداء نزول القرآن في شهر رمضان ففي سنده مقال و لا يقاوم هذا فقد رواه الطبري من طريق عمران أبي العوام ثنا داود بن أبي هند، عن الشعبيّ، أنه قال في قول الله:( إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) قال: (نزل أول القرآن في ليلة القدر)اهـ. (4 ) وعمران القطان أبو العوّام في روايته ضعفٌ فقد ضعفه يحيى و النسائي ،وفي التقريب صدوق يَهِم ورمي برأي الخوارج (5154). وسيرد تفصيل أقوالهم في تعديله و تجريحه عند تخريج حديث واثلة قريباً.
وقد خالفه اسماعيل بن عليّه وهو أحفظ منه بدرجات فرواه عن داود بن أبي هند باللفظ المتقدم الموافق لقول ابن عباس و غيره. واسماعيل بن عليه ثقة ثبت)اهـ.
حياكم الله وجزاكم الله خيرا يا شيخ : عبد السلام شيث
بالنيابة عن أخي د/ عبد الرحمن الشهري وغيره من المشرفين أرحب بكم و إذا كان لديكم إضافة أو ملاحظ تفيد في الموضوع فتفضلوا مشكورين