جمال ياسين
New member
- إنضم
- 31/07/2010
- المشاركات
- 177
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
- العمر
- 43
- الإقامة
- اليمن
- الموقع الالكتروني
- scholar.google.com
تحفة الزمن في تراجم قراء اليمن (10)
د. جمال نعمان ياسين
المقرئ بَدر الدِّين حَسَن الشَّظَبِي (ت834هـ)
- من قراء مدينة عَمرَان -
اسمه ونسبه وكنيته ولقبه
المقرئ الفقيه بَدر الدِّين حسن بن محمد بن سعيد الشَّظَبِي، الحارثي، المحرزي، أبو محمد وأبو علي، اليمني، الشافعي.
الشَّظَبِي: نسبة لأصل بلاده وهي (سَوْدَة شَظَب) - بفتح الشين والظاء المعجمتين وآخره باء موحدة -، وهي بلدة مشهورة في الشمال الغربي للعاصمة صنعاء، ويقال لها (السَّودة)، أو (سَودَةُ شَظَب) للفرق بينها وبين قرى أخرى تسمَّى (السَّودَة).
وسَودَةُ شَظَب مديرية من مديريات محافظة عمران.
ولادته ونشأته وحياته العلمية
ولد المقرئ بَدر الدِّين الشَّظَبي سنة (٧٨٩هـ) تسع وثمانين وسبعمائة في (بلدة سَوْدَة شَظَب)، ونشأ بها، ثُمَّ انتقل إلى مدينة صنعاء، وتتلمذ على يد كبار العلماء فيها، فقرأ القراءات السبع جمعًا وأتقنها على بعض القراء، وقرأ النحو واللغة على الأئمَّة المجوِّدين بهذا الفن؛ فلمَّا فرغ بذلك، اشتغل بعلم الحديث، وكان قبل ذلك ينتحل مذهب الزيدية، فانتقل إلى مذهب الشافعية، ثُمَّ نزل إلى مدينة تعز، فقرأ بها على علمائها، وحَصَّل كتبًا جمَّة، وأقام ببعض مدراسها يُدرِّس ويفيد، ثُمَّ سافر إلى مكة المشرفة فحجَّ وزار، وقرأ على جماعة من أئمة الحرمين الشريفين، فأجازوا له، ثُمَّ رجع إلى بلده، فأقام بها أيامًا ثُمَّ رجع إلى صنعاء، ودرَّس في النحو واللغة، واشتهر بهما.
مكانته العلمية وثناء العلماء عليه
قال عنه البريهي في تاريخه الكبير:
" كان إمامًا أنارت به بدور العلوم وشموسها ... وكان في النحو واللغة في مدينة تعز وحيد عصره، وفريد دهره، لا يمتري فيه اثنان، ولا يجهل قدره من عرفه من الأعيان، وله في علم الحديث عناية ومحبَّة، قرأ وأكثر وأخذ عن مشايخ عدَّة".
ووصفه العفيف الناشري بقوله:
" كان فقيهًا، مقرئًا، نحويًا".
وقال فيه العلامة السخاوي:
"أقام ببعض المدارس يدرس ويفيد ... وكان فقيهًا، نحويًا، مقرئًا، محدثًا".
وقال عنه ابن أبي الرجال:
"العلامة، النحوي، شيخ أهل الأدب".
وقال عنه الحسين الأهدل في تحفته:
"وهو ثاني محمد بن الخياط في معرفة الحديث".
وقال فيه المؤرخ الأكوع:
"عالمٌ، محققٌ في اللغة والنحو، شاعرٌ، أديبٌ ... وكان قد نبذ التقليد وعمل بما صحَّ لديه من الأحاديث النبوية".
شيوخه وتلاميذه
تتلمَذ المقرئ بَدر الدِّين الشَّظَبِي على يد كبار علماء عصره، تلقَّى عنهم، وسمع منهم، وأجازوه، منهم:
1. جمال الدين علي بن محمد، ابن هطيل، الملقب بـ (سيبويه اليمن).
2. السيِّد جمال الدين محمد بن إبراهيم ابن الوزير الحسيني
3. العلامة الإمام نفيس الدين سليمان بن إبراهيم العلوي.
4. العلامة المحدث جمال الدين محمد بن أبي بكر بن الخياط.
5. القاضي رضي الدين أبي بكر بن الحسين العثماني.
6. الحافظ تقي الدين محمد بن أحمد بن علي العباسي.
7. الإمام محمد بن محمد بن محمد بن الجزري.
وقد زاول المقرئ الفقيه بَدر الدِّين الشَّظَبِي التدريس في عدة مدارس في مدينة تعز، وله تلاميذ كثر، منهم:
1. العلامة الفقيه تقي الدين عمر بن محمد بن معيبد الأشعري.
2. العلامة شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن علي العقيلي الجبرتي.
3. ولده الفقيه العالم جمال الدين محمد بن حسن الشظبي.
4. السيد العلامة عبد الله بن الهادي بن إبراهيم. شارح التسهيل.
بين المقرئ بَدر الدِّين الشَّظَبي والإمام ابن الجزري
قَدِمَ الإمام ابن الجزري إلى اليمن في شهر جمادى من سنة (828هـ)، وكان من التجار كما كان أبوه تاجرًا، فدخلها للتجارة وللالتقاء بعلمائها. فدخل عدَّة مدن يمنية، وهي: الحديدة، وزبيد، وتعز، وعدن.
ولـمَّا وَصَلَ الإمام ابن الجزري مدينة تعز، عَلِمَ المقرئ بَدر الدِّين الشَّظَبي بوصوله، فذهب إليه، وقرأ عليه شيئًا من كتب الحديث، ثُمَّ قرأ عليه كتاب "النَّشر في القراءات العشر"، واستجاز منه فأجازه.
وكان الإمام ابن الجزري آنذاك له من العمر نحو ثمانين سنة، وقد ثَقُلَ سمعه، فلا يسمع إلَّا ممَّن رفع صوته.
وحينما كان المقرئ بَدر الدِّين الشَّظَبي يقرأ على الإمام ابن الجزري كتابه "النشر في القراءات العشر" كان يمُرُّ أحيانًا على مواضع مما كان يستشهد به ابن الجزري في كتابه من شواهد العرب وغيرها ممَّا يتعلق بعلم النحو واللغة، فيعترض عليه، فيردُّ عليه الإمام ابن الجزري ويقيم الحجَّة.
وفي إحدى المرات اعترض المقرئ بَدر الدِّين الشَّظَبي على موضعٍ، فلم يجد الإمام ابن الجزري حجَّة فيه يقيمها، فقال للمقرئ بَدر الدِّين الشَّظَبي: اعلم يا شيخ بَدر الدِّين أنِّي لا أُغَيِّرُ ما في كتابي بقولك؛ لأنِّي صنَّفت هذا الكتاب وأنا كامل الآلة، قادرٌ على إقامة الحجَّة والمناظرة، أَمَّا الآن فإنِّي ناقص غيرُ كامل الآلة، ولا أكذبك بما تقول، فما وجدت في كتابي من شيءٍ أنت تعرف أنَّ الصواب خلافه فشَكِّل على كلامي، واكتب عليه حاشية، وانسب التصويب إلى نفسك، فقد يأتي مَنْ بعدنا فيُميِّز بين كلامي وكلامك، فيصوِّب أحدهما كما جرت عادة العلماء".
ثُمَّ إنَّ الإمام الجزري اجتمع بالسلطان المنصور بن الناصر (ت830هـ)، فأخذ السلطان يسأل الإمام ابن الجزري عن علماء اليمن، فقال له ابن الجزري:
"أَمَّا النحو واللغة، فإمامهما في بلدكم الشيخ بَدر الدِّين الشَّظَبي. وشيخ الحديث بمدينة تعز جمال الدين ابن الخيَّاط".
ثُمَّ إنَّ الإمام ابن الجزري سأل من السلطان أن يُمِدَّ الفقيه بَدر الدِّين الشَّظَبي بشيءٍ من الأسباب بتعز، فأمر السلطان بشيءٍ من الأسباب على يد الإمام ابن الجزري.
مؤلفاته ونظمه وآثاره العلمية
ألف المقرئ بَدر الدِّين الشَّظَبِي مصنفات عديدة، قال البريهي في وصفها:
"كان إمامًا أنارت به بدور العلوم وشموسها، فألَّف وصَنَّف كتبًا قرط بها آذان البيان وشَنَّف، وله نظم هو السحر الحلال، والعذب السلسال".
فمن مؤلفاته:
1. تبصرة أولي الألباب في ضوابط الإعراب.
قال فيه البريهي في تاريخه:
"وصنَّف فيها – أي اللغة - مصنَّفًا مختصرًا جامعًا سمَّاه "أولي الألباب في ضوابط الإعراب" استحسنه علماء النحو بمدينة صنعاء وغيرها، حتَّى قال فيه السيِّد الشريف محمد بن الناصر شعرًا:
ماكنت أحب أن النحو يَنْظِمُهُ
في سلك كرَّاسةٍ شخصٌ من الناس
حتَّى وقفت على عِقدٍ جواهرهُ
منظومة كلُّها في بطن كرَّاسِ
فإنْ عجبت فأحرى في تعجُّبها
مَنْ يبيها وهي بحرٌ موجه راسي
لله درُّ مُوَشِّيها فإنَّ له
فكرًا يلين به المستعصب القاسي
ما (سيبويهِ) ولا (عمروٌ) وإن عَظُما
قدرًا وجلا لمنشيها بمقياس
2. الدَّرَارِي الـمُسْفِرَة.
وهي منظومة في القراءات الثلاث المتممة للعشرة، ضمنها المؤلف معنى ما في الدرة المضيئة، وتقع في (402) بيتًا، ابتدأها المؤلف بقوله:
الحمد لله الذي بشكره
يستوجب الشاكر فيض بره
وبعد فالله إليه الرغبة
فما لديه يوجب المحبة
ومنه أستمد تذييلًا على
حرز الأماني بالأماني كفلا
مضمنًا معنى الذي في الدرة
للجزري يا رب طيب عمره
شارحة قراءة الشيوخ
أولهم يزيد ذو الرسوخ
وكتب في آخرها:
تمت بحمد الله في الخلائقِ
مختومة السلك بِحَسْيٍ زاد في
بعدها فهي الدراري المسفرة
مع القصيد عن حروف العشرة
وزد صلاة الله والتسليمُ
يُحْيَى بها نبيه الكريمُ
محمدٌ أعلى الأنام رُتْبَهْ
تعُمُّ طيبًا آله وصَحْبَهْ
ولما ألف المؤلف منظومته هذه أرسل بنسخة منها إلى زبيد، وكتب معها أبياتًا، أولها:
أهديتها تمرًا إلى خيبرِ
يقبلها ذو الحسب الطاهرِ
فمشى المقرئ عثمان الناشري عليها وأصلح له فيها كثيرًا.
وهذه المنظومة يقوم أحد الطلبة بتحقيقها ودراستها وشرحها في رسالة دكتوراه.
شعره وأدبه
للمقرئ الفقيه بَدر الدِّين الشَّظَبِي في الحديث وأهله أشعار طريفة، منها:
قوله- وقد لامه بعض فقهاء الزيدية على انتقاله إلى مذهب السُّنَّة -:
حُبُّ النَّبيِّ وأصحاب النبيِّ وأهل الـ
ـــبيت أرجو به تخفيف أوزاري
ومذهبي هو ما صحَّ الحديثُ به
ولا أبالي بلاحٍ فيه أوزاري
وله في وفيات أئمَّة الحديث الخمسة: البخاري، ومسلم، وأبي داود، والترمذي، والنسائي، معروف ذلك بحساب الجُمَّلِ:
وللبخاري (نور/256) في الوفاة ومسلم
(سري/270) وأبو داود فيه (رعه/275)
والترمذي له (عطر / 279) وللنِّسائي
(حش/303) للذي ارتكبته منه مبتدعه
ومن نظمه – رحمـه الله -:
قال رسول الله خير الورى
لا يدخل الجنة قتَّاتُ
وإنَّ شرَّ الناس طرًّا لَمَن
أضحى لِلَحْمِ الخلق يَقْتَاتُ
ولمَّا ختم المقرئ بَدر الدِّين الشَّظَبِي (صحيح مسلم) عند الإمام الجزري بمدينة تعز، أنشأ قصيدة طويلة تتضَمَّن مدح النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومدح الحديث النبوي، ومدح الإمام ابن الجزري، ونَظَمَ سَنَدَه فيها. من أبيات هذه القصيدة:
تَنَعَّم بذكر المصطفى فهو أنعمُ
يلذُّ به عيش المحبِّ وينعمُ
وصلِّ عليه فهو أشرفُ مرسلٍ
وكرِّر فما هذا المكرَّرُ يُسأمُ
وماذا عسى أن تبلغ الأفواه الذي
تبادره الأقوال أو تتكلَّمُ
وهذا كتاب الله أعظم مُنزَلٍ
ومقداره عند المهيمن أعظمُ
وقد رقى السبعَ الطباق معظَّمًا
ألا بأبي والخلق ذاك المكرَّمُ
وحلَّ مقامًا ليس يبلغه غيره
مقام علاءٍ غيره عنه يحجمُ
له الموقف المحمود والحوض واللوى
تفيء إليه الأنبياء وآدمُ
تتيَّم فيه بالهوى كلُّ مسلم
ولا شكَّ أنَّ الحرَّ ذاك المتيَّمُ
إلى أن قال:
أسانيد جاءت بالعلوِّ صحيحةً
كما زانت السمك السماويُّ أنجمُ
أتانا بها شمس الأئمَّة والهدى
مقوَّمةً في لفظه وهو قيِّمُ
فألحق منَّا بالأكابر جملة الـ
أصاغرِ بل أمسى الأخير المقدَّمُ
وباسم النبيِّ المصطفى شَرَفُ اسمه
ووالده والجدُّ وهو المكرَّمُ
أبو الخير شمس الدين حافظ عصره
ومقرئُهُ قاضي القضاة المحكَّمُ
مناقبه غرَّاءُ واضحةٌ بها
يهيمُ في الدنيا فصيح وأعجمُ
له ما وراء النهر نشر مُطَيَّبٌ
وفي الرومِ دُرٌّ بالثناء منظَّمُ
وفي مصر آثارٌ وفي الشام سيرةٌ
مباركة يُهدى بها المتوسِّمُ
وفي الحرمين الطيِّبَين مكانةٌ
رفيع به يثرى ويرتاح معدمُ
فإن كان بالإحسان ما زال مالكًا
فمسعاه للخيرات طرًّا منمنمُ
رأيناه بحرًا والجزيرة عنده
كذاك الفرات المستطاب الغَطَمْطَمُ
حوى اليَمَنُ اليُمْنَ الكبير إذا ارتوى
به فهو روضٌ بالنبات مُعَمَّمُ
.... إلى آخر القصيدة.
وفاته – رحمـه الله -
انتقل المقرئ الفقيه بَدر الدِّين الشَّظَبِي إلى جوار ربه في أول جمادى الآخر سنة أربع وثلاثين وثمان مائة. وقيل: سنة خمس وثلاثين. توفي شهيدًا بعد إصابته بمرض الطاعون. ودفن بالأجيناد في مدينة تعز.
رحمـة الله تعالى عليه وعلينا وعلى المؤمنين.. اللهم آمين.
من مصادر الترجمة
- تاريخ البريهي الكبير (1/ 192- 205).
- تحفة الزمن، الأهدل (2/ 404-405).
- الضوء اللامع، السخاوي (3/124-125).
- هجر العلم، الأكوع (3/1377-1378).
- أعلام المؤلفين الزيدية، الوجيه (ص346).
معجم قراء اليمن
من عصر صدر الإسلام إلى القرن الرابع عشر
د. جمال نعمان ياسين