تحريم المراء في القرآن الكريم

إنضم
02/04/2003
المشاركات
1,760
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
السعودية
الموقع الالكتروني
www.tafsir.org
قال ابن عبدالبر في كتابه جامع بيان العلم وفضله : ( باب : ما تكره فيه المناظرة والجدال والمراء : قال أبو عمر : الآثار كلها في هذا الباب المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم إنَّما وردت في النهي عن الجدال والمراء في القرآن .
وروى سعيد بن المسيب وأبو سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : { المراء في القرآن كفر }( 1) ... والمعنى : أن يتمارى اثنان في آية ، يجحدها أحدهما ويدفعها ويصير فيها إلى الشك ، فذلك هو المراء الذي هو كفر .
وأمَّا التنازع في أحكام القرآن ومعانيه فقد تنازع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في كثير من ذلك ، وهذا يبيّن لك أن المراء الذي هو الكفر هو الجحود والشك كما قال الله عزوجل : { وَلاَ يَزَالُ ا؟لَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مّـِنْهُ } [ الحج : 55 ] .
والمراء والملاحاة غير جائز شيء منهما ، وهما مذمومان بكل لسان ، ونهى السلف - رضي الله عنهم - عن الجدال في الله جل ثناؤه وفي صفاته وأسمائه ... .
عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ما ضلّ قوم بعد هدى إلاَّ لُقِّنُوا الجدل } ، ثُمَّ قرأ : { مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ+ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ }( 2) [ الزخرف : 58 ] )(3 ) .

المراء والامتراء والمماراة : المحاجّة فيما فيه مرية .
والمرية : التردد في الأمر والشك فيه ، قال تعالى : { وَلاَ يَزَالُ ا؟لَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مّـِنْهُ } [ الحج : 55 ] ، وقال تعالى : { فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مّـِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاَءِ } [ هود : 109 ] ، وقال سبحانه : { فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مّـِن لّـِقَآئِهِ } [ السجدة : 23 ] ، وقال جل وعلا : { أَلاَ إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مّـِن لّـِقَآءِ رَبِّهِمْ } [ فصلت : 54 ] .
ومن ذلك قوله تعالى : { فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِرًا } [ الكهف : 18 ] أي : لاتجادل وتحاجج .
وقوله سبحانه : { أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى } [ النجم : 53 ] أي : أفتجادلونه مجادلة الشاكين المتحيِّرين لا الكائنين على بصيرةٍ فيما تخاصمون فيه .
وقرئ : { أفَتَمْرُونَه }( 4) وفُسِّرَت بالجحود ، أي : أفتجحدونه ؟ )(5 ) .

وقد اختلف العلماء في تأويل حديث : { المراء في القرآن كفر } على أقوال :
القول الأول : أن معنى المراء في القرآن : الشك فيه والجحود ، وهذا ما عبّر عنه ابن عبدالبر بقوله : ( والمعنى أن يتمارى اثنان في آية يجحدها أحدهما ويدفعها ويصير فيها إلى الشك ، فذلك المراء الذي هو الكفر ... وهذا يبين لك أن المراء الذي هو الكفر هو الجحود والشك كما قال عز وجل : { وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مّـِنْهُ } [ الحج : 55 ] )( 6) ا هـ .
ويدخل في هذا الجدال المشكِّك ؛ وذلك أنه إذا جادل في القرآن أدّاه إلى أن يرتاب في الآي المتشابهة منه ، فيؤديه ذلك إلى الجحود ، فسمّاه كفراً باسم ما يُخشى من عاقبته إلاَّ من عصمه الله(7 ) .

القول الثاني : أن المراد المراءُ في قراءته دون تأويله ومعانيه ، مثل أن يقول قائل : هذا قرآن أنزله الله تبارك وتعالى ، ويقول الآخر : لم ينزله الله هكذا ، فيكفر به من أنكره ، وقد أنزل الله سبحانه كتابه على سبعة أحرف كلها شافٍ وكافٍ ، فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن إنكار القراءة التي يسمع بعضهم بعضاً يقرؤها ، وتوعدهم بالكفر عليها لينتهوا عن المراء فيه والتكذيب به ؛ إذ كان القرآن منزلاً على سبعة أحرف ، وكلها قرآن منزل يجوز قراءته ويجب علينا الإيمان به( 8) .
ويؤيد هذا القول سبب ورود الحديث وهو ما رواه الإمام أحمد عن أبي جهيم الأنصاري أن رجلين اختلفا في آية من القرآن ؛ قال هذا : تقليتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال هذا تلقيتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألا النبي صلى الله عليه وسلم فقال : { القرآن يقرأ على سبعة أحرف ، فلاتماروا في القرآن فإن مراءً في القرآن كفر }(9 ) .
وهذا ما اختاره الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام حيث قال : ( وجه الحديث عندنا ليس على الاختلاف في التأويل ولكنه عندنا على الاختلاف في اللفظ ، على أن يقرأ الرجل القراءة على حرف ، فيقول له الآخر : ليس هكذا ولكنه كذا على خلافه .
وقد أنزلهما الله جميعاً ... فإذا جحد هذان الرجلان كل واحد منهما ما قرأ صاحبه لم يؤمن - أو قال : يَقْمَن - أن يكون ذلك قد أخرجه إلى الكفر لهذا المعنى )(10 ) .
ثُمَّ ذكر بسنده عن أبي العالية الرياحي أنه كان إذا قرأ عنده إنسان لم يقل : ليس هو كذا ، ولكن يقول : أمَّا أنا فاقرأ هكذا ؛ فلما ذُكر ذلك لإبراهيم(11 ) ، قال : أراه قد سمع أنه من كفر يحرف فقد كفر به كله .

القول الثالث : أن المراد الجدالُ بالقرآن في الآي التي فيها ذكر القدر والوعيد ، وما كان في معناهما على مذهب أهل الكلام والجدل ، وما يجري بينهم من الخوض في تلك المسائل التي مبناها على الاعتقاد والتسليم .
وأمَّا آيات الأحكام والحلال والحرام فلاتدخل في معنى الحديث ؛ لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تنازعوها فيما بينهم ، وتحاجُّوا بها عند اختلافهم في الأحكام ، ولم يتحرجوا عن التناظر بها وفيها ، وقد قال الله سبحانه وتعالى : { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ } ، فعُلم أن النهي منصرف إلى غير هذا الوجه ، والله أعلم(12 ) .
قال ابن عبدالبر - رحمه الله - : ( وأمَّا التنازع في أحكام القرآن ومعانيه فقد تنازع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في كثير من ذلك )(13 ) .
وقال : ( وأمَّا الفقه فأجمعوا على الجدال فيه والتناظر ؛ لأنه علم يُحتاج فيه إلى رد الفروع على الأصول للحاجة إلى ذلك ، وليس الاعتقادات كذلك ؛ لأن الله عز وجل لا يوصف عند الجماعة أهل السنة إلاَّ بما وصف به نفسه أو وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو أجمعت الأمة عليه ، وليس كمثله شيء فيدرك بقياس أو بإمعان نظر )( 14) .
وقال - رحمه الله - : ( وقد أجمع أهل العلم بالسنن والفقه - وهم أهل السنة - على الكف عن الجدال والمناظرة فيما سبيله الاعتقاد مِمَّا ليس تحته عمل ، وعلى الإيمان بمتشابه القرآن والتسليم له ، ولما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث الصفات كلها وما كان في معناها ، وإنَّما يبيحون المناظرة في الحلال والحرام ومسائل الأحكام )( 15) .
ومِمَّا سبق يعلم أن آيات العقائد - كآيات القدر والوعيد والأسماء والصفات - لايجوز المراء والجدال فيها لأمرين :
أحدهما : أن هذه الآيات سبيلها التسليم والاعتقاد .
الثاني : أن الجدال والمراء فيها يؤدي إلى الانسلاخ من الدين ، بسبب الدخول في مباحث لا يدركها العقل ، والخوض في ذات الله ووصفه بما لا يليق به تعالى .
قال ابن عبدالبر - رحمه الله - : ( قال أبو عمر : وتناظر القوم وتجادلوا في الفقه ونهوا عن الجدال في الاعتقاد ؛ لأنه يؤول إلى الانسلاخ من الدين ، بسبب الدخول في مباحث لا يدركها العقل ، والخوض في ذات الله ووصفه بما لا يليق به تعالى(16 ) .
قال ابن عبد البر - رحمه الله - : ( قال أبو عمر : وتناظر القوم وتجادلوا في الفقه ونهوا عن الجدال في الاعتقاد ، لأنه يؤول إلى الانسلاخ من الدين ، ألا ترى مناظرة بشر(17 ) في قول الله تعالى : { مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ } [ المجادلة : 7 ] قال : هو بذاته في كل مكان ، فقال له خصمه : فهو في قلنسوتك وفي حشك وفي جوف حمارك - تعالى الله عما يقول - حكى ذلك وكيع( 18) ، وأنا - والله - أكره أن أحكي كلامهم قبحهم الله ، فعن هذا وشبهه نهى العلماء ، وأمَّا الفقه فلا يوصل إليه ولا ينال أبداً دون مناظرة فيه وتفهم له )( 19) .
أخرج الإمام أحمد في مسنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، قال : لقد جلست أنا وأخي( 20) مجلساً ما أحب أنّ لي به حُمْرَ النَّعَم ، أقبلت أنا وأخي ، وإذا مَشْيَخَةٌ من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوسٌ عند باب من أبوابه ، فكرهنا أن نفرق بينهم ، فجلسنا حَجْرَةً(21 ) ، إذ ذكروا آية من القرآن ، فتماروا فيها ، حتى ارتفعت أصواتهم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مُغْضَباً ، قد احمرّ وجهه ، يرميهم بالتراب ، ويقول : { مهلاً يا قوم ، بهذا أهلكت الأمم من قبلكم ، باختلافهم على أنبيائهم ، وضربِهم الكتب بعضها ببعض ، إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضاً ، بل يُصَدِّق بعضه بعضاً ، فما عرفتم منه فاعملوا به ، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه }( 22) .
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم يتنازعون في القدر ، هذا يَنْزِعُ آية وهذا ينزعُ آية ، ثُمَّ ذكر معنى الحديث( 23) .
وهناك قول رابع في معنى الحديث ، وهو : أن المرادَ المراءُ والجدال في القرآن : هل هو خالق أو مخلوق ؟ .
فالخوض في هذه المسألة والمراء والجدال فيها من البدع المحدثة التي لم تكن موجودة عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان ، حتى ظهرت البدع وانتشرت وكثُر أهل الكلام والجدال الذين لا همّ لهم إلاَّ الخوض في مثل هذه المسائل التي تشبه السؤال والبحث في مسألة الاسم والمسمى هل هما شيء واحد ؟ أو أن الإسم غير المسمى ؟ ! .
ذكر ابن عبد البر بسنده عن الشافعي أنه قال : إذا سمعت الرجل يقول : الإسم غير المسمى أو الاسم المسمّى فاشهد عليه أنه من أهل الكلام ولا دين له(24 ) .
وذكر بسنده أيضاً عن سليم بن منصور بن عمّار(25 ) قال : كتب بشر المريسي إلى أبي - رحمه الله - : أخبرني عن القرآن أخالق أم مخلوق ؟ فكتب إليه أبي : بسم الله الرحمن الرحيم : عافانا الله وإياك من كل فتنة ، وجعلنا وإياك من أهل السنة ، وممن لايرغب بدينه عن الجماعة ، فإنه إن يفعل فأولى بها نعمة ، وإلاَّ يفعل فهي الهلكة ، وليس لأحد على الله بعد المرسلين حجة .
ونحن نرى أن الكلام في القرآن بدعة تشارك فيها السائل والمجيب ، تعاطى السائل ما ليس له ، وتكلّف المجيب ما ليس عليه ، ولا أعلم خالقاً إلاَّ الله ، والقرآن كلام الله ، فانْتَهِ أنت والمختلفون فيه إلى ما سماه الله به تكن من المهتدين ، ولاتسم القرآن باسم من عندك ، فتكون من الهالكين ، جعلنا الله وإياك من الذين يخشونه بالغيب ، وهم من الساعة مشفقون(26 ) . ا هـ .
قال الإمام الطحاوي - رحمه الله - : ( ولا نجادل في القرآن ، ونشهد أنه كلام رب العالمين ، نزل به الروح الأمين ، فعلّمه سيد المرسلين محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وهو كلام الله تعالى لا يساويه شيء من كلام المخلوقين ولا نقول بخلقه ، ولا نخالف جماعة المسلمين )( 27) ا هـ . ..

قال ابن عبد البر : ( قال أبو عمر : ماجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من نقل الثقات وجاء عن الصحابة وصحّ عنهم فهو علم يدان به ، وما أُحدث بعدهم ولم يكن له أصل فيما جاء عنهم فبدعة وضلالة ، وما جاء في أسماء الله وصفاته عنهم سُلِّمَ له ولم يُناظر فيه كما لم يناظروا .
قال أبو عمر : رواها السلف وسكتوا عنها وهم كانوا أعمق الناس علماً وأوسعهم فهماً وأقلهم تكلفاً ، ولم يكن سكوتهم عن عيّ ، فمن لم يسعه ما وسعهم فقد خاب وخسر )( 28) ا هـ .

فهذا مجموع ما وجدته من أقوال للعلماء في معنى حديث { المراء في القرآن كفر } وهي كلها صحيحة ، ولفظ الحديث يحتملها جميعاً ، ولا تعارض بينها ، بل هي أقوال متفقة غير مختلفة ، فالمراء في القرآن كفرٌ على كل قول من الأقوال السابقة .
ومن المراء في القرآن الذي هو كفرٌ أيضاً المراءُ في تنزيله ، وذلك بأن يمتري أحدٌ ويشك في كون القرآن منزلاً من الله رب العالمين ، فهذا كفرٌ أيضاً ؛ لأنه شكٌّ فيما أخبر الله به كما قال سبحانه : { تَنزِيلُ الْـكِـــتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِيـنَ } [ السجدة : 2 ] .
ومن المراء المحرم في القرآن أن يحمل الآية على معنى ضعيف يخالف الحق ، ويناظر على ذلك مع ظهورها له في خلاف ما يقول .
قال النووي في التبيان : ( يحرم المراء في القرآن والجدالُ فيه بغير حق ؛ ومن ذلك أن تظهر له دلالة الآية على شيء يخالف مذهبه ، ويحتمل احتمالاً ضعيفاً موافقة مذهبه ، فيحملها على مذهبه ، ويناظر على ذلك مع ظهورها له في خلاف ما يقول ، وأمَّا من لا يظهر له ذلك فهو معذور ، وقد صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { المراء في القرآن كفر } )( 29) ا هـ .

الحواشي السفلية
( 1) أخرجه أبو داود في كتاب السنة ، باب : النهي عن الجدال في القرآن رقم [4603] 5/9 ، والحاكم في المستدرك رقم [2937] 2/595 بلفظ { مراءٌ في القرآن كفر } وهو عند الإمام أحمد أيضاً بلفظ : { جدالٌ في القرآن كفر } رقم [7499] 13/249 وقال أحمد شاكر في تعليقه عليه : إسناده صحيح ، على بحث فيه .
والحديث حسن صحيح كما قال الألباني في صحيح سنن أبي داود رقم [3847] 3/870 ، وهو في صحيح الجامع رقم [6687] .
( 2) أخرجه الترمذي رقم [3253] 5/353 في كتاب التفسير ، باب : ومن سورة الزخرف ، وقال : هذا حديث حسن صحيح ، وابن ماجة في المقدمة ، باب : اجتناب البدع والجدل رقم [48] . انظر : = =
= = صحيح سنن ابن ماجة رقم [45] 1/14 ، وأخرجه الحاكم في المستدرك رقم [3726] في كتاب التفسير 3/240 وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
والحديث قال عنه الألباني في صحيح الجامع رقم [5633] : حسن . وانظر : صحيح الترغيب والترهيب رقم [136] ص 133 .
( 3) جامع بيان العلم وفضله 2/928 - 948 باختصار .
( 4) قال في إتحاف فضلاء البشر : ( واختُلف في { أفتمارونه } فحمزة والكسائي ويعقوب وخلف بفتح التاء ، وسكون الميم بلا ألف من { مَرَيْتَه } إذا علمته وجحدته ... والباقون بضم التاء ، وفتح الميم وألف بعدها من { ماراه يماريه مراء } جادله ) ا هـ . إتحاف فضلاء البشر بالقراءات الأربعة عشر للعلامة الشيخ أحمد بن محمد البنا 2/500 ، 501 .
(5 ) انظر : عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ للسمين الكلبي 4/97 ، 98 ، ومفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني ص 766 .
( 6) جامع بيان العلم وفضله 2/928 .
(7) انظر : شرح السنة للبغوي 1/261 .
(8) انظر : معالم السنن للخطابي مع سنن أبي داود 5/9 .
( 9) سبق تخريجه ص 180 ، وانظر : روايات هذا الحديث وما يؤخذ منه من فوائد في كتاب الأحرف السبعة للدكتور حسن ضياء الدين عتر ص 97 - 101 .
( 10) غريب الحديث لأبي عبيد 1/214 باختصار .
( 11) هو : إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود ، النَّخَعِيّ ، أبو عمران ، الكوفي الفقيه ، كان مفتي أهل الكوفة ، وكان رجلاً صالحاً فقيهاً ، قال الشعبي : ما ترك أحداً أعلم منه ، مات سنة 96 هـ . انظر : تهذيب التهذيب 1/92 - 93 ، وسير أعلام النبلاء 4/520 - 529 .
( 12) انظر : معالم السنن للخطابي مع سنن أبي داود 5/10 .
( 13) جامع بيان العلم وفضله 2/928 .
(14) المرجع السابق 2/929 .
( 15) الاستذكار 8/118 .
( 16) انظر : عقيدة ابن عبد البر في التوحيد والإيمان للدكتور سليمان الغصن ص 95 .
( 17) هو : بشر بن غياث البغدادي المريسي ، المتكلم المناظر ، كان من كبار الفقهاء ، ونظر في الكلام فغلب عليه وانسلخ من الورع والتقوى ، ودعا إلى القول بخلق القرآن ، فمقته أهل العلم وكفّره بعضهم ، توفي سنة 218 هـ . انظر : سير أعلام النبلاء 10/199 - 202 .
( 18) هو : وكيع بن الجراح بن مَلِيح الرُّؤَاسي ، أبو سفيان الكوفي الحافظ ، قال عبد البر بن أحمد ، عن أبيه : ما رأيت أوعى للعلم من وكيع ولا أحفظ منه . وقال ابن سعد : كان ثقة مأموناً ، عالياً ، رفيع القدر ، كثير الحديث ، حُجّة . مات سنة 197 هـ ، وقيل : 196 هـ . انظر : تهذيب التهذيب 4/311 - 314 ، وسير أعلام النبلاء 9/140 - 168 .
( 19) جامع بيان العلم وفضله 2/948 .
( 20) المتحدث : عبد الله بن عمرو بن العاص ، وأخوه هو محمد بن عمرو بن العاص ، ذكر ذلك أحمد شاكر في تعليقه على الحديث في المسند 10/175 .
( 21) حَجْرَةً : أي ناحية ، قعد حَجْرَةً وحَجْراً أي ناحية . لسان العرب 3/258 .
( 23) أخرجه الإمام أحمد في المسند رقم [6700] 10/174 ، 175 ، بتحقيق : أحمد شاكر ، وقال : إسناده صحيح .
وروى الإمام مسلم نحوه مختصراً في أول كتاب العلم ، باب : النهي عن اتباع متشابه القرآن والتحذير من متبعيه والنهي عن الاختلاف في القرآن رقم [2666] ص 1070 ( ط : بيت الأفكار الدولية ) .
( 23) مسند الإمام أحمد رقم [6845] ، [6846] 11/83 ، 78 ، وسنن ابن ماجة رقم [85] . انظر : صحيح سنن ابن ماجة 1/21 رقم [69] .
(24) انظر : جامع بيان العلم وفضله 2/941 .
( 25) هو : سليم بن منصور بن عمّار بن كثير ، وأبوه منصور بن عمَّار الواعظ ، البليغ الصالح ، أبو السَّرِيِّ السُّلَمي الخرساني ، وقيل : البصري ، كان عديم النظير في الموعظة والتذكير ، وعظ بالعراق والشام ومصر ، وبَعُدَ صيته ، وتزاحم عليه الخلق ، وكان لوعظه وقع وتأثير في النفوس ، مات في حدود المائتين . انظر : سير أعلام النبلاء 9/93 - 98 .
( 26) أورد هذه الرسالة بسنده في التمهيد 9/233 ، وفي الاستذكار 8/119 ، وقد أوردها البيهقي في الأسماء والصفات 1/620 - 621 ، وقال محققه عبيد الحاشدي : إسناده حسن .
( 27) العقيدة الطحاوية مع شرحها لابن أبي العز الحنفي 2/428 .
( 28) جامع بيان العلم وفضله 2/946 .
( 29) التبيان في آداب حملة القرآن للنووي ص 140 .
 
تتمة

تتمة

بسم الله الرحمن الرحيم

ذكر محمد بن الحسين الآجري في كتابه الشريعة باباً في النهي عن المراء في القرآن ، ومما قاله فيه :

( قال محمد بن الحسين : فإن قال قائل : عرفنا هذا المراء الذي هو كفر، ما هو ؟
قيل له : نزل هذا القران على رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبعة أحرف ، ومعناها : على سبع لغات ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقن كل قبيلة من العرب على حسب ما يحتمل من لغتهم ، تخفيفاً من الله عز وجل ورحمة بأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فكانوا ربما إذا التقوا ، يقول بعضهم لبعض : ليس هكذا القرآن ، وليس هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويعيب بعضهم قراءة بعض ، فنهوا عن هذا ، وقيل لهم : اقرؤوا كما علمتم ، ولا يجحد بعضكم قراءة بعض ، واحذروا الجدال والمراء فيما قد تعلمتم .
والحجة فيما قلنا:
حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا أبو هشام محمد بن يزيد الرفاعي قال : حدثنا أبو بكر بن عياش قال : حدئنا عاصم عن زر ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قلت لرجل : أقرئني من الأحقاف ثلاثين آية ، فأقرأني خلاف ما أقرأني رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ، وقلت لآخر أقرئني ثلاثين آية من الأحقاف فأقرأني خلاف ما أقرأني الأول ، فأتيت بهما النبي صلى الله عليه وسلم ، فغضب ، و علي بن أبي طالب رضي الله عنه جالس عنده ، فقال علي رضي الله عنه : قال عليه الصلاة والسلام لكم : اقرؤوا كما علمتم .
و حدثنا أيضاً أبو محمد يحيي بن صاعد قال : حدثنا أحمد بن شعبان القطان قال : حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا شريك ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال : أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة ، فدخلت المسجد فقلت : أفيكم من قرأ ؟ فقال رجل من القوم : أنا ، فقرأ السورة التي أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا هو يقرأ بخلاف ما أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فانطلقنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والرجل ، وإذا عنده علي رضي الله عنه ، فقلنا : يا رسول الله ، اختلفنا في قراءتنا ، فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال علي رضي الله عنه : ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنما هلك من كان قبلكم بالأختلاف ، فليقرأ كل رجل منكم ما أقرىء .
و حدثنا إبراهيم بن موسى الجوزقي قال : حدثنا إبراهيم بن يعقوب الدورقي قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال : أخبرنا مالك بن أنس ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عبد الرحمن عبد القاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : سمعت هشام بن حكيم رضي الله عنه يقرأ سورة الفرقان في الصلاة على خلاف ما أقرؤها ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها ، فأخذت بثوبه ، فذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يارسول الله ، إني سمعت هذا يقرأ الفرقان على غير ما أقرأتنيها ، فقال عليه الصلاة والسلام : اقرأ ، فقرأ القراءة التي سمعتها منه ، فقال صلوات الله وسلامه عليه : هكذا أنزلت ، إن هذا القرآن نزل على سبعة أحرف ، فاقرؤوا ما تيسر منه .
قال محمد بن الحسين : فصار المراء في القرآن كفراً بهذا المعنى ، يقول هذا : قراءتي أفضل من قراءتك ، ويقول الآخر : بل قراءتي أفضل من قراءتك ، ويكذب بعضهم بعضاً ، فقيل لهم : ليقرأ كل إنسان كما علم ، ولا يعب بعضكم قراءة غيره ، واتقوا الله ، واعملوا بمحكمه ، وآمنوا بمتشابهه ، واعتبروا بأمثاله ، واحلوا حلاله ، وحرموا حرامه .
وقد ذكرت في تأليف كتاب المصحف : مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه ، الذي اجتمعت علبه الأمة ، والصحابة رضي الله عنهم ، ومن بعدهم من التابعين ، وأئمة المسلمين رحمة الله تعالى عليهم في كل بلد، وقول السبعة الأئمة في القرآن ما فيه كفاية ، ولم أحب ترداده هاهنا ، وإنما مرادي ههنا ترك الجدال والمراء في القرآن ، فإنا قد نهينا عنه ، ولا يقول إنسان في القران برأيه ، ولا يفسر القرآن إلا بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو عن أحد من صحابته رضي الله عنهم ، أو عن أحد من التابعين رحمة الله تعالى عليهم ، أو عن إمام من أئمة المسلمين ، ولا يماري ولا يجادل .
فإن قال قائل : فإنا قد نرى الفقهاء يتناظرون في الفقه ، فيقول أحدهم : قال الله عز وجل كذا ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا ، فهل يكون هذا من المراء ؟
قيل : معاذ الله ، ليس هذا مراء ، ولكن الفقيه ربما ناظره الرجل في مسألة ، فيقول له ، على جهة البيان والنصيحة : حجتنا فيه : قال الله عز وجل كذا ،وقال النبي صلى الله عليه وسلم كذا ، على جهة النصيحة والبيان ، لا على جهة المماراة ، فمن كان هكذا ، ولم يرد المغالبة ، ولا أن يخطىء خصمه ويستظهر عليه سلم ، وقبل إن شاء الله تعالى كما ذكرنا في هذا الباب والذي قبله .
قال الحسن : المؤمن لا يداري ولا يماري ، ينشر حكمة الله عز وجل ، فإن قبلت حمد الله عز وجل وإن ردت حمد الله عز وجل وعلا .
وبعد هذا فأكره الجدال والمراء ورفع الصوت في المناظرة في الفقه إلا على الوقار والسكينة الحسنة .
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : تعلموا العلم ، وتعلموا للعلم السكينة والحلم ، وتواضعوا لمن تتعلمون منه ، وليتواضع لكم من تعلمونه ، ولا تكونوا جبابرة العلماء ، فلا يقوم علمكم بجهلكم .)
 
تتمة

تتمة

سمعت من أحد العلماء [ لا يحضرني اسمه ] وهو يعلق على معنى حديث الباب ما ملخصه :
المراد بالمراء : المجادلة ؛ فإن جادل في آيات الله على وجه التعنت والعناد والإنكار لما دلت عليه فهو كفر أكبر .
وإن كان الجدال مع الإيمان بالقرآن ، وكان فيما لا يجوز الجدال فيه فهو كفر دون كفر ( كفر أصغر ) . انتهى
 
تتمة

تتمة

ومما له صلة بهذا الموضوع : ما أورده ابن بطة في كتابه الإبانة الكبرى في باب :النهي عن المراء في القرآن ؛ فقد ذكر روايات حديث الباب ، ثم قال :
( قَالَ الشَّيْخُ : فَالْمِرَاءُ فِي الْقُرْآنِ الْمَكْرُوهُ الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَيَتَخَوَّفُ عَلَى صَاحِبِهِ الْكُفْرَ وَالْمُرُوقَ عَنِ الدِّينِ يَنْصَرِفُ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا قَدْ كَانَ , وَزَالَ وَكَفَى الْمُؤْمِنِينَ مَئُونَتَهُ , وَذَلِكَ بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ , ثُمَّ بِجَمْعِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ النَّاسَ كُلَّهُمْ عَلَى إِمَامٍ وَاحِدٍ بِاللُّغَاتِ الْمَشْهُورَةِ الْمَعْرُوفَةِ , وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ سَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ فَقَالَ لَهُ : " أَقْرِئْ أُمَّتَكَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ , وَكُلُّهَا سِيَّانِ , يَعْنِي عَلَى سَبْعِ لُغَاتِ الْعَرَبِ , كُلُّهَا صَحِيحَةٌ وَفَصِيحَةٌ , إِنِ اخْتَلَفَ لَفْظُهَا اتَّفَقَتْ مَعَانِيهَا , فَكَانَ يُقْرِئُ كُلَّ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ بِحَرْفٍ يُوَافِقُ لُغَتَهُ , وَبِلِسَانِ قَوْمِهِ الَّذِي يَعْرِفُونَهُ , فَكَانَ إِذَا الْتَقَى الرَّجُلَانِ فَسَمِعَ أَحَدُهُمَا يَقْرَأُ بِحَرْفٍ لَا يَعْرِفُهُ , وَقَدْ قَرَأَ هُوَ ذَلِكَ الْحَرْفَ بِغَيْرِ تِلْكِ اللُّغَةِ أَنْكَرَ عَلَى صَاحِبِهِ , وَرُبَّمَا قَالَ لَهُ : حَرْفِي خَيْرٌ مِنْ حَرْفِكَ , وَلُغَتِي أَفْصَحُ مِنْ لُغَتِكَ , وَقِرَاءَتِي خَيْرٌ مِنْ قِرَاءَتِكَ , فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ وَقِيلَ لَهُمْ : لِيَقْرَأْ كُلٌّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ كَمَا عَلِمَ , وَلَا تَمَارَوْا فِي الْقُرْآنِ , فَيَقُولُ بَعْضُكُمْ : حَرْفِي خَيْرٌ مِنْ حَرْفِكَ , وَلَا قِرَاءَتِي صَوَابٌ وَقِرَاءَتُكَ خَطَأٌ , فَإِنَّ كُلًّا صَوَابٌ , وَكَلَامُ اللَّهِ فَلَا تُنْكِرُوهُ , وَلَا يَرُدُّ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ , فَيُكَذِّبُ بِالْحَقِّ , وَيَرُدُّ الصَّوَابَ الَّذِي جَاءَ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , فَإِنَّ رَدَّ كِتَابِ اللَّهِ وَالتَّكْذِيبَ بِحَرْفٍ مِنْهُ كُفْرٌ , فَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ مِنَ الْمِرَاءِ الَّذِي هُوَ كُفْرٌ قَدِ ارْتَفَعَ ذَلِكَ , وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَجَمَعَ اللَّهُ الْكَرِيمُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْإِمَامِ الَّذِي جَمَعَ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ عَلَى صِحَّتِهِ وَفَصَاحَةِ لُغَاتِهِ , وَهُوَ الْمُصْحَفُ الَّذِي جَمَعَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ , وَتَرَكَ مَا خَالَفَهُ , وَذَلِكَ بِاتِّفَاقٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ , وَأَهْلُ بَدْرٍ وَالْحُدَيْبِيَةِ الَّذِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ , وَرَضُوا عَنْهُ , وَسَأَذْكُرُ الْحُجَّةَ فِيمَا قُلْتُ , وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ *) ثم ذكر بعضاً من روايات حديث نزول القرآن على الأحرف السبعة ، والتي فيها النهي عن المراء في القرآن .

ثم قال : ( قَالَ الشَّيْخُ : فَهَذَا بَيَانُ الْمِرَاءِ فِي الْقُرْآنِ الَّذِي يُخَافُ عَلَى صَاحِبِهِ الْكُفْرُ , وَقَدْ كُفِيَ الْمُسْلِمُونَ بِحَمْدِ اللَّهِ الْمِرَاءَ فِي هَذَا الْوَجْهِ بِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى الْمُصْحَفِ الَّذِي مَنْ خَالَفَهُ نَدَّ وَشَرَدَ وَشَذَّ , فَلَمْ يُلْتَفَتْ إِلَيْهِ , وَلَمْ يَعْبَأِ اللَّهُ بِشُذُوذِهِ , وَقَدْ بَقِيَ الْمِرَاءُ الَّذِي يَحْذَرُهُ الْمُؤْمِنُونَ , وَيَتَوَقَّاهُ الْعَاقِلُونَ , وَهُوَ الْمِرَاءُ الَّذِي بَيْنَ أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ وَأَهْلِ الْمَذَاهِبِ , وَالْبِدَعِ , وَهُمُ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ , وَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ , وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ , يَتَأَوَّلُونَهُ بِأَهْوَائِهِمْ , وَيُفَسِّرُونَهُ بِأَهْوَائِهِمْ , وَيَحْمِلُونَهُ عَلَى مَا تَحْمِلُهُ عُقُولُهُمْ فَيَضِلُّونَ بِذَلِكَ , وَيُضِلُّونَ مَنِ اتَّبَعَهُمْ عَلَيْهِمْ *
 
لقد عثرت قبل مدة على عدة أوراق (رق) من كتاب ربما يعود الى الكتاب في البدعة ليحيى بن عمر بن يوسف الكناني صاحب سحنون بالقيروان ومن علماء افريقيا .
وبين هذه الأوراق المتفرقة وغير المنظمة ابواب فيها :

القرآن بالألحان وكراهية الجلوس اليهم
باب ما جاْ فيمن يصعق عند قراءة القرآن ويرعد ويغشى عليه اذا سمع القرآن ومن يبكي في مجالس الدعائين والقصاص
ما جاء في المرائين من هذه الأمة في الكتاب والسنة

وتنتهي هذه القطعة بالحديث التالي :
حدثني نصر بن مرزوق عن أسد ( وهو بن فرات ) قال حدثنا أبو بكر (؟) قال حدثنا سفيان عن أبي اسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تعوذوا بالله من جبّ الحزن أو وادي الحزن , فقيل : يا رسول الله , وما جب الحزن , قال : واد في جهنم نتعوذ منه كل يوم سبعين مرة , أعده الله للقراء المرائين , وان من شرّ القراء من يزور الأمراء !
( راجع أيضا سنن ابن ماجة , ج 1 , الرقم 256 وسنن الترمذي , ج 4 , الرقم 2883 .

ودمت جميعا بالخير


موراني
 
جزاك الله خيرا يا شيخ محمد

على هذا البحث الجميل وقد قرأته كله وعرفت الخلاف في حكم المراء والجدال في القران والراجح في شرح الحديث

ولعل الأخوة المشرفين يثبتون هذا الموضوع ولو لفترة معينة
 
لقد كان يحيي بن عمر الكناني المشار اليه في ملحوظاتي السابقة من أهل السنة بمدينة القيروان ومن كبار العلماء في المدرسة المالكية فيها فهاجم الانحرافات بين ابناء أهلها ونهى في رسالة له عن زيارة مسجد السبت في هذه المدينة حيث اجتمع
دوائر أهل القيروان لترتيل القرآن أيام السبت ونهى عن ذلك أشد النهي .
ويقول في كتابه البدعة المذكور أعلاه كما يلي :

ولقد بلغني عن كثير ممن لا علم لهم أنهم بالوا (بفتح اللام) في هذه الأصوات المحدثة التي جاء النهي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه رضي الله عنهم والتابعين وتابعيهم بما قد اقتصصناه عنهم في كتابنا هذا الحديث الذي جاء :
ْزينوا القرآن بأصواتكم ,
فأخطؤوا في تفسيره , والحديث كما أحدثك به .
فتأوّل من لا علم له في هذه الأحاديث على غير تأويلها وظنوا أن تفسيرها ما أحدثوا
في القرآن من أصوات الغناء والحداء حتى صاروا من فتنتهم في ذلك , يزنوا أصواتهم تلك وزنا ويعلم ذلك بعضهم بعضا كتعليم المغنيات أصوات الغناء وحتى صاروا يسمون لآي القرآن أصوات مختلفة : لآية كذا صوت كذا , ولآية كذا صوت كذا .
وهذا حدث عظيم في الاسلام .
وانما تفسير (زينوا القرآن بأصواتكم ) أن يرتل القاريء قراءته
(وقد حكينا قراءته في اول هذا الكتاب) , حرفا حرفا كما كان النبي عليه السلام يقرأ بالترتيل كما أمره الله جل ذكره .
وقد حكينا قراءته في أول هذا الكتاب , ثم فسر ذلك أصحابه من بعده .

.........................

هذا , الا ترى أن ناسخ المخطوط الذي قمت ببحثه بالقيروان قبل أعوام قد كتب الجملة :
وقد حكينا قراءته في اول هذا الكتاب
سهوا مرتين ! ومعناه أنه وقع في خطأ عند نسخ الكتاب الذي بين يدينا اليوم , وهو الخطأ الذي أشار اليه القدماء ( العبور من سطر الى سطر) في القراءة ونسخ المخطوط , منهم ابن خلكان في وفيات الأعيان , ج 4 , ص 183 .

وعلى احدى الأوراق المتفرقة يقول الناسخ أنه درس هذا الكتاب في حلقة شيخه يحيى بن عمر الكناني قائلا :
قال أحمد بن محمد بن عبد الرحمان : سمعته من يحيي بن عمر سنة احدى وسبعين ومائتين وقابلته بكتابه وصح ان شا الله ونسخت أنا كتابي هذا من كتاب يحيى وقابلته به وصح ان شاء الله
وسمعته من أبي بكر محمد بن محمد وقابلته بكتابه مرتين وصح عليه وقال : سمعته من يحيى في شوال سنة احدى وسبعين ومائتين .

وخلاصة القول انّ المخطوط الذي بين يدينا اليوم نسخة من اصل المؤلف نسخها أحمد بن محمد بن عبد الرحمان ( ت 321 رياض النفوس لابي بكر المالكي , ج2 , 197) لنفسه , وسمعه معه محمد بن محمد بن وشاح , ابن اللباد ( ت 333 ) في التاريخ المذكور .
أما نسخة ابن اللباد فهي لم تزل في حكم المفقود الى الآن الا أن ما لدينا يرجع الى اواخر القرن الثالث الهجري وأصله هو الأم , أي كتاب يحيى بن عمر الذي جمع فيه بعض الانحرافات في قراءة القرآن بالقيروان ورفضها رفضا ونهى عنه .


موراني
 
جزاكم الله خيرا على رفع الموضوع.

ورغم جمع الأقوال في موضوع المراء، إلا أن هذه الكلمة تبقى من الكلمات الغامضة والمحيّرة لدي.
فما هو الحد الفاصل بين المراء والحوار ومقارعة الحجة ؟ كيف يمكن أن نقيسه في حوار بين اثنين ؟ وهل هو حالة شعورية متعلقة بلحظة التشنج في الحوار أم ماذا ؟
وهل يمكن لاثنين أن يسترسلا في مقارعة الحجة بالحجة إلى مدى بعيد دون الوقوع في المراء ؟

وهل الأمر المنهي عنه هو المراء في القرآن فقط؟ أم المراء بصفة عامة (حديث: أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وكان محقا) ؟

وهذا الموضوع يجرني للقول بأن المراء في القرآن لعله لم يعد أكبر ساحة للمراء بين المسلمين .. وأن الساحة الكبرى للمراء بين المسلمين في عصرنا هي ساحة السنة والبدعة، والإكثار من نهي الناس عن البدع (رغم عدم إقناعهم).. أفلا يصبح تركه أو الإقلال منه نوعا من الفضائل إن لم يكن أكثر درجة؟

فما رأيكم يا أفاضل ؟

===

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : تعلموا العلم ، وتعلموا للعلم السكينة والحلم ، وتواضعوا لمن تتعلمون منه ، وليتواضع لكم من تعلمونه ، ولا تكونوا جبابرة العلماء ، فلا يقوم علمكم بجهلكم .)

أعجبتني هذه العبارة، وقد بحثت عنها في بعض المراجع الأخرى فوجدتها منسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم، رواها البخاري في الأدب المفرد (كما ذكر الموقع التالي:
http://www.3llamteen.com/index.php?Itemid=2&id=3&option=com_content&task=view)

ونسبها موقع شيعي لعلي بن أبي طالب (وإن كنت أشك كثيرا في هذه النسبة، لأن كتب الشيعة يكثر فيها نسبة أحاديث نبوية وأقوال مأثورة عن بعض الصحابة لعلي بن أبي طالب)

وقد أشكلت علي العبارة التالية: (فلا يقوم علمكم بجهلكم)، أهي (فَلاَ يَقُومَ) أم (فَلاَ يُقَوَّمَ) ؟ وما معناها ؟
 
بسم الله الرحمن الرحيم

الظاهر أن الجهل المذكور في العبارة المستشكلة هو المقابل للحِلم، وهذا المعنى معروف في اللغة وفي القرآن الكريم، فيصير المعنى - والله تعالى أعلم-: "فلا يقوم علمُ العلماء ويكون له سلطان على القلوب وتأثير في النفوس إذا صحبته غلظةٌ وفظاظةٌ". قال الله تعالى: {فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك...} الآية. (آل عمران 159).
فالحِلمُ قوامُ العِلم، ولذلك عطف فقال: "تعلموا العلم، وتعلموا للعلم السكينة والحلم".
والله تعالى أعلم بالصواب.
 
كان من ضمن ما كتبته من تعليق شيخنا صالح بن عبدالله العصيمي على هذا الحديث من كتاب ( المعتمد من المنقول ) للعلامة حيدر القاشي :

المراء كفر أكبر إذا كان على وجه الشك ، ومحرم إذا كان على وجه التنازع والاختلاف.
 
كان من ضمن ما كتبته من تعليق شيخنا صالح بن عبدالله العصيمي على هذا الحديث من كتاب ( المعتمد من المنقول ) للعلامة حيدر القاشي :

المراء كفر أكبر إذا كان على وجه الشك ، ومحرم إذا كان على وجه التنازع والاختلاف.

بارك الله فيك أخي الحبيب

وما ذكرتَه هنا هو ما ذكرتُه سابقاً بقولي: ( سمعت من أحد العلماء [ لا يحضرني اسمه ] وهو يعلق على معنى حديث الباب ما ملخصه :
المراد بالمراء : المجادلة ؛ فإن جادل في آيات الله على وجه التعنت والعناد والإنكار لما دلت عليه فهو كفر أكبر .
وإن كان الجدال مع الإيمان بالقرآن ، وكان فيما لا يجوز الجدال فيه فهو كفر دون كفر ( كفر أصغر ) . انتهى

ولكنك ذكرت اسم الشيخ، وأما أنا فقد نسيته
 
فيصير المعنى - والله تعالى أعلم-: "فلا يقوم علمُ العلماء ويكون له سلطان على القلوب وتأثير في النفوس إذا صحبته غلظةٌ وفظاظةٌ".

جزاكم الله خيرا. ولعل هذا هو المراد، لأنني وجدت في رواية أخرى لنفس العبارة: (فَيُذْهِبَ بَاطِلُكُمْ حَقَّكُمْ)
 
جزاكم الله خيرا على رفع الموضوع.

ورغم جمع الأقوال في موضوع المراء، إلا أن هذه الكلمة تبقى من الكلمات الغامضة والمحيّرة لدي.
فما هو الحد الفاصل بين المراء والحوار ومقارعة الحجة ؟ كيف يمكن أن نقيسه في حوار بين اثنين ؟ وهل هو حالة شعورية متعلقة بلحظة التشنج في الحوار أم ماذا ؟
وهل يمكن لاثنين أن يسترسلا في مقارعة الحجة بالحجة إلى مدى بعيد دون الوقوع في المراء ؟

وهل الأمر المنهي عنه هو المراء في القرآن فقط؟ أم المراء بصفة عامة (حديث: أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وكان محقا) ؟

وهذا الموضوع يجرني للقول بأن المراء في القرآن لعله لم يعد أكبر ساحة للمراء بين المسلمين .. وأن الساحة الكبرى للمراء بين المسلمين في عصرنا هي ساحة السنة والبدعة، والإكثار من نهي الناس عن البدع (رغم عدم إقناعهم).. أفلا يصبح تركه أو الإقلال منه نوعا من الفضائل إن لم يكن أكثر درجة؟

فما رأيكم يا أفاضل ؟

لعل في هذا الرابط ما يفيد في هذه المسألة:

الفرق بين المراء والجدال
 
بسم الله الرحمن الرحيم

ذكر محمد بن الحسين الآجري في كتابه الشريعة باباً في النهي عن المراء في القرآن ، ومما قاله فيه :
( ...
قال الحسن : المؤمن لا يداري ولا يماري ، ينشر حكمة الله عز وجل ، فإن قبلت حمد الله عز وجل وإن ردت حمد الله عز وجل وعلا .
وبعد هذا فأكره الجدال والمراء ورفع الصوت في المناظرة في الفقه إلا على الوقار والسكينة الحسنة .
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : تعلموا العلم ، وتعلموا للعلم السكينة والحلم ، وتواضعوا لمن تتعلمون منه ، وليتواضع لكم من تعلمونه ، ولا تكونوا جبابرة العلماء ، فلا يقوم علمكم بجهلكم .)
فوائد جميلة، شكر الله لكم.
 
عودة
أعلى