أبومجاهدالعبيدي1
New member
- إنضم
- 02/04/2003
- المشاركات
- 1,760
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 36
- الإقامة
- السعودية
- الموقع الالكتروني
- www.tafsir.org
قال ابن عبدالبر في كتابه جامع بيان العلم وفضله : ( باب : ما تكره فيه المناظرة والجدال والمراء : قال أبو عمر : الآثار كلها في هذا الباب المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم إنَّما وردت في النهي عن الجدال والمراء في القرآن .
وروى سعيد بن المسيب وأبو سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : { المراء في القرآن كفر }( 1) ... والمعنى : أن يتمارى اثنان في آية ، يجحدها أحدهما ويدفعها ويصير فيها إلى الشك ، فذلك هو المراء الذي هو كفر .
وأمَّا التنازع في أحكام القرآن ومعانيه فقد تنازع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في كثير من ذلك ، وهذا يبيّن لك أن المراء الذي هو الكفر هو الجحود والشك كما قال الله عزوجل : { وَلاَ يَزَالُ ا؟لَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مّـِنْهُ } [ الحج : 55 ] .
والمراء والملاحاة غير جائز شيء منهما ، وهما مذمومان بكل لسان ، ونهى السلف - رضي الله عنهم - عن الجدال في الله جل ثناؤه وفي صفاته وأسمائه ... .
عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ما ضلّ قوم بعد هدى إلاَّ لُقِّنُوا الجدل } ، ثُمَّ قرأ : { مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ+ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ }( 2) [ الزخرف : 58 ] )(3 ) .
المراء والامتراء والمماراة : المحاجّة فيما فيه مرية .
والمرية : التردد في الأمر والشك فيه ، قال تعالى : { وَلاَ يَزَالُ ا؟لَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مّـِنْهُ } [ الحج : 55 ] ، وقال تعالى : { فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مّـِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاَءِ } [ هود : 109 ] ، وقال سبحانه : { فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مّـِن لّـِقَآئِهِ } [ السجدة : 23 ] ، وقال جل وعلا : { أَلاَ إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مّـِن لّـِقَآءِ رَبِّهِمْ } [ فصلت : 54 ] .
ومن ذلك قوله تعالى : { فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِرًا } [ الكهف : 18 ] أي : لاتجادل وتحاجج .
وقوله سبحانه : { أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى } [ النجم : 53 ] أي : أفتجادلونه مجادلة الشاكين المتحيِّرين لا الكائنين على بصيرةٍ فيما تخاصمون فيه .
وقرئ : { أفَتَمْرُونَه }( 4) وفُسِّرَت بالجحود ، أي : أفتجحدونه ؟ )(5 ) .
وقد اختلف العلماء في تأويل حديث : { المراء في القرآن كفر } على أقوال :
القول الأول : أن معنى المراء في القرآن : الشك فيه والجحود ، وهذا ما عبّر عنه ابن عبدالبر بقوله : ( والمعنى أن يتمارى اثنان في آية يجحدها أحدهما ويدفعها ويصير فيها إلى الشك ، فذلك المراء الذي هو الكفر ... وهذا يبين لك أن المراء الذي هو الكفر هو الجحود والشك كما قال عز وجل : { وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مّـِنْهُ } [ الحج : 55 ] )( 6) ا هـ .
ويدخل في هذا الجدال المشكِّك ؛ وذلك أنه إذا جادل في القرآن أدّاه إلى أن يرتاب في الآي المتشابهة منه ، فيؤديه ذلك إلى الجحود ، فسمّاه كفراً باسم ما يُخشى من عاقبته إلاَّ من عصمه الله(7 ) .
القول الثاني : أن المراد المراءُ في قراءته دون تأويله ومعانيه ، مثل أن يقول قائل : هذا قرآن أنزله الله تبارك وتعالى ، ويقول الآخر : لم ينزله الله هكذا ، فيكفر به من أنكره ، وقد أنزل الله سبحانه كتابه على سبعة أحرف كلها شافٍ وكافٍ ، فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن إنكار القراءة التي يسمع بعضهم بعضاً يقرؤها ، وتوعدهم بالكفر عليها لينتهوا عن المراء فيه والتكذيب به ؛ إذ كان القرآن منزلاً على سبعة أحرف ، وكلها قرآن منزل يجوز قراءته ويجب علينا الإيمان به( 8) .
ويؤيد هذا القول سبب ورود الحديث وهو ما رواه الإمام أحمد عن أبي جهيم الأنصاري أن رجلين اختلفا في آية من القرآن ؛ قال هذا : تقليتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال هذا تلقيتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألا النبي صلى الله عليه وسلم فقال : { القرآن يقرأ على سبعة أحرف ، فلاتماروا في القرآن فإن مراءً في القرآن كفر }(9 ) .
وهذا ما اختاره الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام حيث قال : ( وجه الحديث عندنا ليس على الاختلاف في التأويل ولكنه عندنا على الاختلاف في اللفظ ، على أن يقرأ الرجل القراءة على حرف ، فيقول له الآخر : ليس هكذا ولكنه كذا على خلافه .
وقد أنزلهما الله جميعاً ... فإذا جحد هذان الرجلان كل واحد منهما ما قرأ صاحبه لم يؤمن - أو قال : يَقْمَن - أن يكون ذلك قد أخرجه إلى الكفر لهذا المعنى )(10 ) .
ثُمَّ ذكر بسنده عن أبي العالية الرياحي أنه كان إذا قرأ عنده إنسان لم يقل : ليس هو كذا ، ولكن يقول : أمَّا أنا فاقرأ هكذا ؛ فلما ذُكر ذلك لإبراهيم(11 ) ، قال : أراه قد سمع أنه من كفر يحرف فقد كفر به كله .
القول الثالث : أن المراد الجدالُ بالقرآن في الآي التي فيها ذكر القدر والوعيد ، وما كان في معناهما على مذهب أهل الكلام والجدل ، وما يجري بينهم من الخوض في تلك المسائل التي مبناها على الاعتقاد والتسليم .
وأمَّا آيات الأحكام والحلال والحرام فلاتدخل في معنى الحديث ؛ لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تنازعوها فيما بينهم ، وتحاجُّوا بها عند اختلافهم في الأحكام ، ولم يتحرجوا عن التناظر بها وفيها ، وقد قال الله سبحانه وتعالى : { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ } ، فعُلم أن النهي منصرف إلى غير هذا الوجه ، والله أعلم(12 ) .
قال ابن عبدالبر - رحمه الله - : ( وأمَّا التنازع في أحكام القرآن ومعانيه فقد تنازع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في كثير من ذلك )(13 ) .
وقال : ( وأمَّا الفقه فأجمعوا على الجدال فيه والتناظر ؛ لأنه علم يُحتاج فيه إلى رد الفروع على الأصول للحاجة إلى ذلك ، وليس الاعتقادات كذلك ؛ لأن الله عز وجل لا يوصف عند الجماعة أهل السنة إلاَّ بما وصف به نفسه أو وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو أجمعت الأمة عليه ، وليس كمثله شيء فيدرك بقياس أو بإمعان نظر )( 14) .
وقال - رحمه الله - : ( وقد أجمع أهل العلم بالسنن والفقه - وهم أهل السنة - على الكف عن الجدال والمناظرة فيما سبيله الاعتقاد مِمَّا ليس تحته عمل ، وعلى الإيمان بمتشابه القرآن والتسليم له ، ولما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث الصفات كلها وما كان في معناها ، وإنَّما يبيحون المناظرة في الحلال والحرام ومسائل الأحكام )( 15) .
ومِمَّا سبق يعلم أن آيات العقائد - كآيات القدر والوعيد والأسماء والصفات - لايجوز المراء والجدال فيها لأمرين :
أحدهما : أن هذه الآيات سبيلها التسليم والاعتقاد .
الثاني : أن الجدال والمراء فيها يؤدي إلى الانسلاخ من الدين ، بسبب الدخول في مباحث لا يدركها العقل ، والخوض في ذات الله ووصفه بما لا يليق به تعالى .
قال ابن عبدالبر - رحمه الله - : ( قال أبو عمر : وتناظر القوم وتجادلوا في الفقه ونهوا عن الجدال في الاعتقاد ؛ لأنه يؤول إلى الانسلاخ من الدين ، بسبب الدخول في مباحث لا يدركها العقل ، والخوض في ذات الله ووصفه بما لا يليق به تعالى(16 ) .
قال ابن عبد البر - رحمه الله - : ( قال أبو عمر : وتناظر القوم وتجادلوا في الفقه ونهوا عن الجدال في الاعتقاد ، لأنه يؤول إلى الانسلاخ من الدين ، ألا ترى مناظرة بشر(17 ) في قول الله تعالى : { مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ } [ المجادلة : 7 ] قال : هو بذاته في كل مكان ، فقال له خصمه : فهو في قلنسوتك وفي حشك وفي جوف حمارك - تعالى الله عما يقول - حكى ذلك وكيع( 18) ، وأنا - والله - أكره أن أحكي كلامهم قبحهم الله ، فعن هذا وشبهه نهى العلماء ، وأمَّا الفقه فلا يوصل إليه ولا ينال أبداً دون مناظرة فيه وتفهم له )( 19) .
أخرج الإمام أحمد في مسنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، قال : لقد جلست أنا وأخي( 20) مجلساً ما أحب أنّ لي به حُمْرَ النَّعَم ، أقبلت أنا وأخي ، وإذا مَشْيَخَةٌ من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوسٌ عند باب من أبوابه ، فكرهنا أن نفرق بينهم ، فجلسنا حَجْرَةً(21 ) ، إذ ذكروا آية من القرآن ، فتماروا فيها ، حتى ارتفعت أصواتهم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مُغْضَباً ، قد احمرّ وجهه ، يرميهم بالتراب ، ويقول : { مهلاً يا قوم ، بهذا أهلكت الأمم من قبلكم ، باختلافهم على أنبيائهم ، وضربِهم الكتب بعضها ببعض ، إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضاً ، بل يُصَدِّق بعضه بعضاً ، فما عرفتم منه فاعملوا به ، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه }( 22) .
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم يتنازعون في القدر ، هذا يَنْزِعُ آية وهذا ينزعُ آية ، ثُمَّ ذكر معنى الحديث( 23) .
وهناك قول رابع في معنى الحديث ، وهو : أن المرادَ المراءُ والجدال في القرآن : هل هو خالق أو مخلوق ؟ .
فالخوض في هذه المسألة والمراء والجدال فيها من البدع المحدثة التي لم تكن موجودة عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان ، حتى ظهرت البدع وانتشرت وكثُر أهل الكلام والجدال الذين لا همّ لهم إلاَّ الخوض في مثل هذه المسائل التي تشبه السؤال والبحث في مسألة الاسم والمسمى هل هما شيء واحد ؟ أو أن الإسم غير المسمى ؟ ! .
ذكر ابن عبد البر بسنده عن الشافعي أنه قال : إذا سمعت الرجل يقول : الإسم غير المسمى أو الاسم المسمّى فاشهد عليه أنه من أهل الكلام ولا دين له(24 ) .
وذكر بسنده أيضاً عن سليم بن منصور بن عمّار(25 ) قال : كتب بشر المريسي إلى أبي - رحمه الله - : أخبرني عن القرآن أخالق أم مخلوق ؟ فكتب إليه أبي : بسم الله الرحمن الرحيم : عافانا الله وإياك من كل فتنة ، وجعلنا وإياك من أهل السنة ، وممن لايرغب بدينه عن الجماعة ، فإنه إن يفعل فأولى بها نعمة ، وإلاَّ يفعل فهي الهلكة ، وليس لأحد على الله بعد المرسلين حجة .
ونحن نرى أن الكلام في القرآن بدعة تشارك فيها السائل والمجيب ، تعاطى السائل ما ليس له ، وتكلّف المجيب ما ليس عليه ، ولا أعلم خالقاً إلاَّ الله ، والقرآن كلام الله ، فانْتَهِ أنت والمختلفون فيه إلى ما سماه الله به تكن من المهتدين ، ولاتسم القرآن باسم من عندك ، فتكون من الهالكين ، جعلنا الله وإياك من الذين يخشونه بالغيب ، وهم من الساعة مشفقون(26 ) . ا هـ .
قال الإمام الطحاوي - رحمه الله - : ( ولا نجادل في القرآن ، ونشهد أنه كلام رب العالمين ، نزل به الروح الأمين ، فعلّمه سيد المرسلين محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وهو كلام الله تعالى لا يساويه شيء من كلام المخلوقين ولا نقول بخلقه ، ولا نخالف جماعة المسلمين )( 27) ا هـ . ..
قال ابن عبد البر : ( قال أبو عمر : ماجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من نقل الثقات وجاء عن الصحابة وصحّ عنهم فهو علم يدان به ، وما أُحدث بعدهم ولم يكن له أصل فيما جاء عنهم فبدعة وضلالة ، وما جاء في أسماء الله وصفاته عنهم سُلِّمَ له ولم يُناظر فيه كما لم يناظروا .
قال أبو عمر : رواها السلف وسكتوا عنها وهم كانوا أعمق الناس علماً وأوسعهم فهماً وأقلهم تكلفاً ، ولم يكن سكوتهم عن عيّ ، فمن لم يسعه ما وسعهم فقد خاب وخسر )( 28) ا هـ .
فهذا مجموع ما وجدته من أقوال للعلماء في معنى حديث { المراء في القرآن كفر } وهي كلها صحيحة ، ولفظ الحديث يحتملها جميعاً ، ولا تعارض بينها ، بل هي أقوال متفقة غير مختلفة ، فالمراء في القرآن كفرٌ على كل قول من الأقوال السابقة .
ومن المراء في القرآن الذي هو كفرٌ أيضاً المراءُ في تنزيله ، وذلك بأن يمتري أحدٌ ويشك في كون القرآن منزلاً من الله رب العالمين ، فهذا كفرٌ أيضاً ؛ لأنه شكٌّ فيما أخبر الله به كما قال سبحانه : { تَنزِيلُ الْـكِـــتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِيـنَ } [ السجدة : 2 ] .
ومن المراء المحرم في القرآن أن يحمل الآية على معنى ضعيف يخالف الحق ، ويناظر على ذلك مع ظهورها له في خلاف ما يقول .
قال النووي في التبيان : ( يحرم المراء في القرآن والجدالُ فيه بغير حق ؛ ومن ذلك أن تظهر له دلالة الآية على شيء يخالف مذهبه ، ويحتمل احتمالاً ضعيفاً موافقة مذهبه ، فيحملها على مذهبه ، ويناظر على ذلك مع ظهورها له في خلاف ما يقول ، وأمَّا من لا يظهر له ذلك فهو معذور ، وقد صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { المراء في القرآن كفر } )( 29) ا هـ .
الحواشي السفلية
( 1) أخرجه أبو داود في كتاب السنة ، باب : النهي عن الجدال في القرآن رقم [4603] 5/9 ، والحاكم في المستدرك رقم [2937] 2/595 بلفظ { مراءٌ في القرآن كفر } وهو عند الإمام أحمد أيضاً بلفظ : { جدالٌ في القرآن كفر } رقم [7499] 13/249 وقال أحمد شاكر في تعليقه عليه : إسناده صحيح ، على بحث فيه .
والحديث حسن صحيح كما قال الألباني في صحيح سنن أبي داود رقم [3847] 3/870 ، وهو في صحيح الجامع رقم [6687] .
( 2) أخرجه الترمذي رقم [3253] 5/353 في كتاب التفسير ، باب : ومن سورة الزخرف ، وقال : هذا حديث حسن صحيح ، وابن ماجة في المقدمة ، باب : اجتناب البدع والجدل رقم [48] . انظر : = =
= = صحيح سنن ابن ماجة رقم [45] 1/14 ، وأخرجه الحاكم في المستدرك رقم [3726] في كتاب التفسير 3/240 وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
والحديث قال عنه الألباني في صحيح الجامع رقم [5633] : حسن . وانظر : صحيح الترغيب والترهيب رقم [136] ص 133 .
( 3) جامع بيان العلم وفضله 2/928 - 948 باختصار .
( 4) قال في إتحاف فضلاء البشر : ( واختُلف في { أفتمارونه } فحمزة والكسائي ويعقوب وخلف بفتح التاء ، وسكون الميم بلا ألف من { مَرَيْتَه } إذا علمته وجحدته ... والباقون بضم التاء ، وفتح الميم وألف بعدها من { ماراه يماريه مراء } جادله ) ا هـ . إتحاف فضلاء البشر بالقراءات الأربعة عشر للعلامة الشيخ أحمد بن محمد البنا 2/500 ، 501 .
(5 ) انظر : عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ للسمين الكلبي 4/97 ، 98 ، ومفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني ص 766 .
( 6) جامع بيان العلم وفضله 2/928 .
(7) انظر : شرح السنة للبغوي 1/261 .
(8) انظر : معالم السنن للخطابي مع سنن أبي داود 5/9 .
( 9) سبق تخريجه ص 180 ، وانظر : روايات هذا الحديث وما يؤخذ منه من فوائد في كتاب الأحرف السبعة للدكتور حسن ضياء الدين عتر ص 97 - 101 .
( 10) غريب الحديث لأبي عبيد 1/214 باختصار .
( 11) هو : إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود ، النَّخَعِيّ ، أبو عمران ، الكوفي الفقيه ، كان مفتي أهل الكوفة ، وكان رجلاً صالحاً فقيهاً ، قال الشعبي : ما ترك أحداً أعلم منه ، مات سنة 96 هـ . انظر : تهذيب التهذيب 1/92 - 93 ، وسير أعلام النبلاء 4/520 - 529 .
( 12) انظر : معالم السنن للخطابي مع سنن أبي داود 5/10 .
( 13) جامع بيان العلم وفضله 2/928 .
(14) المرجع السابق 2/929 .
( 15) الاستذكار 8/118 .
( 16) انظر : عقيدة ابن عبد البر في التوحيد والإيمان للدكتور سليمان الغصن ص 95 .
( 17) هو : بشر بن غياث البغدادي المريسي ، المتكلم المناظر ، كان من كبار الفقهاء ، ونظر في الكلام فغلب عليه وانسلخ من الورع والتقوى ، ودعا إلى القول بخلق القرآن ، فمقته أهل العلم وكفّره بعضهم ، توفي سنة 218 هـ . انظر : سير أعلام النبلاء 10/199 - 202 .
( 18) هو : وكيع بن الجراح بن مَلِيح الرُّؤَاسي ، أبو سفيان الكوفي الحافظ ، قال عبد البر بن أحمد ، عن أبيه : ما رأيت أوعى للعلم من وكيع ولا أحفظ منه . وقال ابن سعد : كان ثقة مأموناً ، عالياً ، رفيع القدر ، كثير الحديث ، حُجّة . مات سنة 197 هـ ، وقيل : 196 هـ . انظر : تهذيب التهذيب 4/311 - 314 ، وسير أعلام النبلاء 9/140 - 168 .
( 19) جامع بيان العلم وفضله 2/948 .
( 20) المتحدث : عبد الله بن عمرو بن العاص ، وأخوه هو محمد بن عمرو بن العاص ، ذكر ذلك أحمد شاكر في تعليقه على الحديث في المسند 10/175 .
( 21) حَجْرَةً : أي ناحية ، قعد حَجْرَةً وحَجْراً أي ناحية . لسان العرب 3/258 .
( 23) أخرجه الإمام أحمد في المسند رقم [6700] 10/174 ، 175 ، بتحقيق : أحمد شاكر ، وقال : إسناده صحيح .
وروى الإمام مسلم نحوه مختصراً في أول كتاب العلم ، باب : النهي عن اتباع متشابه القرآن والتحذير من متبعيه والنهي عن الاختلاف في القرآن رقم [2666] ص 1070 ( ط : بيت الأفكار الدولية ) .
( 23) مسند الإمام أحمد رقم [6845] ، [6846] 11/83 ، 78 ، وسنن ابن ماجة رقم [85] . انظر : صحيح سنن ابن ماجة 1/21 رقم [69] .
(24) انظر : جامع بيان العلم وفضله 2/941 .
( 25) هو : سليم بن منصور بن عمّار بن كثير ، وأبوه منصور بن عمَّار الواعظ ، البليغ الصالح ، أبو السَّرِيِّ السُّلَمي الخرساني ، وقيل : البصري ، كان عديم النظير في الموعظة والتذكير ، وعظ بالعراق والشام ومصر ، وبَعُدَ صيته ، وتزاحم عليه الخلق ، وكان لوعظه وقع وتأثير في النفوس ، مات في حدود المائتين . انظر : سير أعلام النبلاء 9/93 - 98 .
( 26) أورد هذه الرسالة بسنده في التمهيد 9/233 ، وفي الاستذكار 8/119 ، وقد أوردها البيهقي في الأسماء والصفات 1/620 - 621 ، وقال محققه عبيد الحاشدي : إسناده حسن .
( 27) العقيدة الطحاوية مع شرحها لابن أبي العز الحنفي 2/428 .
( 28) جامع بيان العلم وفضله 2/946 .
( 29) التبيان في آداب حملة القرآن للنووي ص 140 .
وروى سعيد بن المسيب وأبو سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : { المراء في القرآن كفر }( 1) ... والمعنى : أن يتمارى اثنان في آية ، يجحدها أحدهما ويدفعها ويصير فيها إلى الشك ، فذلك هو المراء الذي هو كفر .
وأمَّا التنازع في أحكام القرآن ومعانيه فقد تنازع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في كثير من ذلك ، وهذا يبيّن لك أن المراء الذي هو الكفر هو الجحود والشك كما قال الله عزوجل : { وَلاَ يَزَالُ ا؟لَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مّـِنْهُ } [ الحج : 55 ] .
والمراء والملاحاة غير جائز شيء منهما ، وهما مذمومان بكل لسان ، ونهى السلف - رضي الله عنهم - عن الجدال في الله جل ثناؤه وفي صفاته وأسمائه ... .
عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ما ضلّ قوم بعد هدى إلاَّ لُقِّنُوا الجدل } ، ثُمَّ قرأ : { مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ+ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ }( 2) [ الزخرف : 58 ] )(3 ) .
المراء والامتراء والمماراة : المحاجّة فيما فيه مرية .
والمرية : التردد في الأمر والشك فيه ، قال تعالى : { وَلاَ يَزَالُ ا؟لَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مّـِنْهُ } [ الحج : 55 ] ، وقال تعالى : { فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مّـِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاَءِ } [ هود : 109 ] ، وقال سبحانه : { فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مّـِن لّـِقَآئِهِ } [ السجدة : 23 ] ، وقال جل وعلا : { أَلاَ إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مّـِن لّـِقَآءِ رَبِّهِمْ } [ فصلت : 54 ] .
ومن ذلك قوله تعالى : { فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِرًا } [ الكهف : 18 ] أي : لاتجادل وتحاجج .
وقوله سبحانه : { أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى } [ النجم : 53 ] أي : أفتجادلونه مجادلة الشاكين المتحيِّرين لا الكائنين على بصيرةٍ فيما تخاصمون فيه .
وقرئ : { أفَتَمْرُونَه }( 4) وفُسِّرَت بالجحود ، أي : أفتجحدونه ؟ )(5 ) .
وقد اختلف العلماء في تأويل حديث : { المراء في القرآن كفر } على أقوال :
القول الأول : أن معنى المراء في القرآن : الشك فيه والجحود ، وهذا ما عبّر عنه ابن عبدالبر بقوله : ( والمعنى أن يتمارى اثنان في آية يجحدها أحدهما ويدفعها ويصير فيها إلى الشك ، فذلك المراء الذي هو الكفر ... وهذا يبين لك أن المراء الذي هو الكفر هو الجحود والشك كما قال عز وجل : { وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مّـِنْهُ } [ الحج : 55 ] )( 6) ا هـ .
ويدخل في هذا الجدال المشكِّك ؛ وذلك أنه إذا جادل في القرآن أدّاه إلى أن يرتاب في الآي المتشابهة منه ، فيؤديه ذلك إلى الجحود ، فسمّاه كفراً باسم ما يُخشى من عاقبته إلاَّ من عصمه الله(7 ) .
القول الثاني : أن المراد المراءُ في قراءته دون تأويله ومعانيه ، مثل أن يقول قائل : هذا قرآن أنزله الله تبارك وتعالى ، ويقول الآخر : لم ينزله الله هكذا ، فيكفر به من أنكره ، وقد أنزل الله سبحانه كتابه على سبعة أحرف كلها شافٍ وكافٍ ، فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن إنكار القراءة التي يسمع بعضهم بعضاً يقرؤها ، وتوعدهم بالكفر عليها لينتهوا عن المراء فيه والتكذيب به ؛ إذ كان القرآن منزلاً على سبعة أحرف ، وكلها قرآن منزل يجوز قراءته ويجب علينا الإيمان به( 8) .
ويؤيد هذا القول سبب ورود الحديث وهو ما رواه الإمام أحمد عن أبي جهيم الأنصاري أن رجلين اختلفا في آية من القرآن ؛ قال هذا : تقليتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال هذا تلقيتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألا النبي صلى الله عليه وسلم فقال : { القرآن يقرأ على سبعة أحرف ، فلاتماروا في القرآن فإن مراءً في القرآن كفر }(9 ) .
وهذا ما اختاره الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام حيث قال : ( وجه الحديث عندنا ليس على الاختلاف في التأويل ولكنه عندنا على الاختلاف في اللفظ ، على أن يقرأ الرجل القراءة على حرف ، فيقول له الآخر : ليس هكذا ولكنه كذا على خلافه .
وقد أنزلهما الله جميعاً ... فإذا جحد هذان الرجلان كل واحد منهما ما قرأ صاحبه لم يؤمن - أو قال : يَقْمَن - أن يكون ذلك قد أخرجه إلى الكفر لهذا المعنى )(10 ) .
ثُمَّ ذكر بسنده عن أبي العالية الرياحي أنه كان إذا قرأ عنده إنسان لم يقل : ليس هو كذا ، ولكن يقول : أمَّا أنا فاقرأ هكذا ؛ فلما ذُكر ذلك لإبراهيم(11 ) ، قال : أراه قد سمع أنه من كفر يحرف فقد كفر به كله .
القول الثالث : أن المراد الجدالُ بالقرآن في الآي التي فيها ذكر القدر والوعيد ، وما كان في معناهما على مذهب أهل الكلام والجدل ، وما يجري بينهم من الخوض في تلك المسائل التي مبناها على الاعتقاد والتسليم .
وأمَّا آيات الأحكام والحلال والحرام فلاتدخل في معنى الحديث ؛ لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تنازعوها فيما بينهم ، وتحاجُّوا بها عند اختلافهم في الأحكام ، ولم يتحرجوا عن التناظر بها وفيها ، وقد قال الله سبحانه وتعالى : { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ } ، فعُلم أن النهي منصرف إلى غير هذا الوجه ، والله أعلم(12 ) .
قال ابن عبدالبر - رحمه الله - : ( وأمَّا التنازع في أحكام القرآن ومعانيه فقد تنازع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في كثير من ذلك )(13 ) .
وقال : ( وأمَّا الفقه فأجمعوا على الجدال فيه والتناظر ؛ لأنه علم يُحتاج فيه إلى رد الفروع على الأصول للحاجة إلى ذلك ، وليس الاعتقادات كذلك ؛ لأن الله عز وجل لا يوصف عند الجماعة أهل السنة إلاَّ بما وصف به نفسه أو وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو أجمعت الأمة عليه ، وليس كمثله شيء فيدرك بقياس أو بإمعان نظر )( 14) .
وقال - رحمه الله - : ( وقد أجمع أهل العلم بالسنن والفقه - وهم أهل السنة - على الكف عن الجدال والمناظرة فيما سبيله الاعتقاد مِمَّا ليس تحته عمل ، وعلى الإيمان بمتشابه القرآن والتسليم له ، ولما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث الصفات كلها وما كان في معناها ، وإنَّما يبيحون المناظرة في الحلال والحرام ومسائل الأحكام )( 15) .
ومِمَّا سبق يعلم أن آيات العقائد - كآيات القدر والوعيد والأسماء والصفات - لايجوز المراء والجدال فيها لأمرين :
أحدهما : أن هذه الآيات سبيلها التسليم والاعتقاد .
الثاني : أن الجدال والمراء فيها يؤدي إلى الانسلاخ من الدين ، بسبب الدخول في مباحث لا يدركها العقل ، والخوض في ذات الله ووصفه بما لا يليق به تعالى .
قال ابن عبدالبر - رحمه الله - : ( قال أبو عمر : وتناظر القوم وتجادلوا في الفقه ونهوا عن الجدال في الاعتقاد ؛ لأنه يؤول إلى الانسلاخ من الدين ، بسبب الدخول في مباحث لا يدركها العقل ، والخوض في ذات الله ووصفه بما لا يليق به تعالى(16 ) .
قال ابن عبد البر - رحمه الله - : ( قال أبو عمر : وتناظر القوم وتجادلوا في الفقه ونهوا عن الجدال في الاعتقاد ، لأنه يؤول إلى الانسلاخ من الدين ، ألا ترى مناظرة بشر(17 ) في قول الله تعالى : { مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ } [ المجادلة : 7 ] قال : هو بذاته في كل مكان ، فقال له خصمه : فهو في قلنسوتك وفي حشك وفي جوف حمارك - تعالى الله عما يقول - حكى ذلك وكيع( 18) ، وأنا - والله - أكره أن أحكي كلامهم قبحهم الله ، فعن هذا وشبهه نهى العلماء ، وأمَّا الفقه فلا يوصل إليه ولا ينال أبداً دون مناظرة فيه وتفهم له )( 19) .
أخرج الإمام أحمد في مسنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، قال : لقد جلست أنا وأخي( 20) مجلساً ما أحب أنّ لي به حُمْرَ النَّعَم ، أقبلت أنا وأخي ، وإذا مَشْيَخَةٌ من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوسٌ عند باب من أبوابه ، فكرهنا أن نفرق بينهم ، فجلسنا حَجْرَةً(21 ) ، إذ ذكروا آية من القرآن ، فتماروا فيها ، حتى ارتفعت أصواتهم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مُغْضَباً ، قد احمرّ وجهه ، يرميهم بالتراب ، ويقول : { مهلاً يا قوم ، بهذا أهلكت الأمم من قبلكم ، باختلافهم على أنبيائهم ، وضربِهم الكتب بعضها ببعض ، إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضاً ، بل يُصَدِّق بعضه بعضاً ، فما عرفتم منه فاعملوا به ، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه }( 22) .
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم يتنازعون في القدر ، هذا يَنْزِعُ آية وهذا ينزعُ آية ، ثُمَّ ذكر معنى الحديث( 23) .
وهناك قول رابع في معنى الحديث ، وهو : أن المرادَ المراءُ والجدال في القرآن : هل هو خالق أو مخلوق ؟ .
فالخوض في هذه المسألة والمراء والجدال فيها من البدع المحدثة التي لم تكن موجودة عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان ، حتى ظهرت البدع وانتشرت وكثُر أهل الكلام والجدال الذين لا همّ لهم إلاَّ الخوض في مثل هذه المسائل التي تشبه السؤال والبحث في مسألة الاسم والمسمى هل هما شيء واحد ؟ أو أن الإسم غير المسمى ؟ ! .
ذكر ابن عبد البر بسنده عن الشافعي أنه قال : إذا سمعت الرجل يقول : الإسم غير المسمى أو الاسم المسمّى فاشهد عليه أنه من أهل الكلام ولا دين له(24 ) .
وذكر بسنده أيضاً عن سليم بن منصور بن عمّار(25 ) قال : كتب بشر المريسي إلى أبي - رحمه الله - : أخبرني عن القرآن أخالق أم مخلوق ؟ فكتب إليه أبي : بسم الله الرحمن الرحيم : عافانا الله وإياك من كل فتنة ، وجعلنا وإياك من أهل السنة ، وممن لايرغب بدينه عن الجماعة ، فإنه إن يفعل فأولى بها نعمة ، وإلاَّ يفعل فهي الهلكة ، وليس لأحد على الله بعد المرسلين حجة .
ونحن نرى أن الكلام في القرآن بدعة تشارك فيها السائل والمجيب ، تعاطى السائل ما ليس له ، وتكلّف المجيب ما ليس عليه ، ولا أعلم خالقاً إلاَّ الله ، والقرآن كلام الله ، فانْتَهِ أنت والمختلفون فيه إلى ما سماه الله به تكن من المهتدين ، ولاتسم القرآن باسم من عندك ، فتكون من الهالكين ، جعلنا الله وإياك من الذين يخشونه بالغيب ، وهم من الساعة مشفقون(26 ) . ا هـ .
قال الإمام الطحاوي - رحمه الله - : ( ولا نجادل في القرآن ، ونشهد أنه كلام رب العالمين ، نزل به الروح الأمين ، فعلّمه سيد المرسلين محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وهو كلام الله تعالى لا يساويه شيء من كلام المخلوقين ولا نقول بخلقه ، ولا نخالف جماعة المسلمين )( 27) ا هـ . ..
قال ابن عبد البر : ( قال أبو عمر : ماجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من نقل الثقات وجاء عن الصحابة وصحّ عنهم فهو علم يدان به ، وما أُحدث بعدهم ولم يكن له أصل فيما جاء عنهم فبدعة وضلالة ، وما جاء في أسماء الله وصفاته عنهم سُلِّمَ له ولم يُناظر فيه كما لم يناظروا .
قال أبو عمر : رواها السلف وسكتوا عنها وهم كانوا أعمق الناس علماً وأوسعهم فهماً وأقلهم تكلفاً ، ولم يكن سكوتهم عن عيّ ، فمن لم يسعه ما وسعهم فقد خاب وخسر )( 28) ا هـ .
فهذا مجموع ما وجدته من أقوال للعلماء في معنى حديث { المراء في القرآن كفر } وهي كلها صحيحة ، ولفظ الحديث يحتملها جميعاً ، ولا تعارض بينها ، بل هي أقوال متفقة غير مختلفة ، فالمراء في القرآن كفرٌ على كل قول من الأقوال السابقة .
ومن المراء في القرآن الذي هو كفرٌ أيضاً المراءُ في تنزيله ، وذلك بأن يمتري أحدٌ ويشك في كون القرآن منزلاً من الله رب العالمين ، فهذا كفرٌ أيضاً ؛ لأنه شكٌّ فيما أخبر الله به كما قال سبحانه : { تَنزِيلُ الْـكِـــتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِيـنَ } [ السجدة : 2 ] .
ومن المراء المحرم في القرآن أن يحمل الآية على معنى ضعيف يخالف الحق ، ويناظر على ذلك مع ظهورها له في خلاف ما يقول .
قال النووي في التبيان : ( يحرم المراء في القرآن والجدالُ فيه بغير حق ؛ ومن ذلك أن تظهر له دلالة الآية على شيء يخالف مذهبه ، ويحتمل احتمالاً ضعيفاً موافقة مذهبه ، فيحملها على مذهبه ، ويناظر على ذلك مع ظهورها له في خلاف ما يقول ، وأمَّا من لا يظهر له ذلك فهو معذور ، وقد صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { المراء في القرآن كفر } )( 29) ا هـ .
الحواشي السفلية
( 1) أخرجه أبو داود في كتاب السنة ، باب : النهي عن الجدال في القرآن رقم [4603] 5/9 ، والحاكم في المستدرك رقم [2937] 2/595 بلفظ { مراءٌ في القرآن كفر } وهو عند الإمام أحمد أيضاً بلفظ : { جدالٌ في القرآن كفر } رقم [7499] 13/249 وقال أحمد شاكر في تعليقه عليه : إسناده صحيح ، على بحث فيه .
والحديث حسن صحيح كما قال الألباني في صحيح سنن أبي داود رقم [3847] 3/870 ، وهو في صحيح الجامع رقم [6687] .
( 2) أخرجه الترمذي رقم [3253] 5/353 في كتاب التفسير ، باب : ومن سورة الزخرف ، وقال : هذا حديث حسن صحيح ، وابن ماجة في المقدمة ، باب : اجتناب البدع والجدل رقم [48] . انظر : = =
= = صحيح سنن ابن ماجة رقم [45] 1/14 ، وأخرجه الحاكم في المستدرك رقم [3726] في كتاب التفسير 3/240 وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
والحديث قال عنه الألباني في صحيح الجامع رقم [5633] : حسن . وانظر : صحيح الترغيب والترهيب رقم [136] ص 133 .
( 3) جامع بيان العلم وفضله 2/928 - 948 باختصار .
( 4) قال في إتحاف فضلاء البشر : ( واختُلف في { أفتمارونه } فحمزة والكسائي ويعقوب وخلف بفتح التاء ، وسكون الميم بلا ألف من { مَرَيْتَه } إذا علمته وجحدته ... والباقون بضم التاء ، وفتح الميم وألف بعدها من { ماراه يماريه مراء } جادله ) ا هـ . إتحاف فضلاء البشر بالقراءات الأربعة عشر للعلامة الشيخ أحمد بن محمد البنا 2/500 ، 501 .
(5 ) انظر : عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ للسمين الكلبي 4/97 ، 98 ، ومفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني ص 766 .
( 6) جامع بيان العلم وفضله 2/928 .
(7) انظر : شرح السنة للبغوي 1/261 .
(8) انظر : معالم السنن للخطابي مع سنن أبي داود 5/9 .
( 9) سبق تخريجه ص 180 ، وانظر : روايات هذا الحديث وما يؤخذ منه من فوائد في كتاب الأحرف السبعة للدكتور حسن ضياء الدين عتر ص 97 - 101 .
( 10) غريب الحديث لأبي عبيد 1/214 باختصار .
( 11) هو : إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود ، النَّخَعِيّ ، أبو عمران ، الكوفي الفقيه ، كان مفتي أهل الكوفة ، وكان رجلاً صالحاً فقيهاً ، قال الشعبي : ما ترك أحداً أعلم منه ، مات سنة 96 هـ . انظر : تهذيب التهذيب 1/92 - 93 ، وسير أعلام النبلاء 4/520 - 529 .
( 12) انظر : معالم السنن للخطابي مع سنن أبي داود 5/10 .
( 13) جامع بيان العلم وفضله 2/928 .
(14) المرجع السابق 2/929 .
( 15) الاستذكار 8/118 .
( 16) انظر : عقيدة ابن عبد البر في التوحيد والإيمان للدكتور سليمان الغصن ص 95 .
( 17) هو : بشر بن غياث البغدادي المريسي ، المتكلم المناظر ، كان من كبار الفقهاء ، ونظر في الكلام فغلب عليه وانسلخ من الورع والتقوى ، ودعا إلى القول بخلق القرآن ، فمقته أهل العلم وكفّره بعضهم ، توفي سنة 218 هـ . انظر : سير أعلام النبلاء 10/199 - 202 .
( 18) هو : وكيع بن الجراح بن مَلِيح الرُّؤَاسي ، أبو سفيان الكوفي الحافظ ، قال عبد البر بن أحمد ، عن أبيه : ما رأيت أوعى للعلم من وكيع ولا أحفظ منه . وقال ابن سعد : كان ثقة مأموناً ، عالياً ، رفيع القدر ، كثير الحديث ، حُجّة . مات سنة 197 هـ ، وقيل : 196 هـ . انظر : تهذيب التهذيب 4/311 - 314 ، وسير أعلام النبلاء 9/140 - 168 .
( 19) جامع بيان العلم وفضله 2/948 .
( 20) المتحدث : عبد الله بن عمرو بن العاص ، وأخوه هو محمد بن عمرو بن العاص ، ذكر ذلك أحمد شاكر في تعليقه على الحديث في المسند 10/175 .
( 21) حَجْرَةً : أي ناحية ، قعد حَجْرَةً وحَجْراً أي ناحية . لسان العرب 3/258 .
( 23) أخرجه الإمام أحمد في المسند رقم [6700] 10/174 ، 175 ، بتحقيق : أحمد شاكر ، وقال : إسناده صحيح .
وروى الإمام مسلم نحوه مختصراً في أول كتاب العلم ، باب : النهي عن اتباع متشابه القرآن والتحذير من متبعيه والنهي عن الاختلاف في القرآن رقم [2666] ص 1070 ( ط : بيت الأفكار الدولية ) .
( 23) مسند الإمام أحمد رقم [6845] ، [6846] 11/83 ، 78 ، وسنن ابن ماجة رقم [85] . انظر : صحيح سنن ابن ماجة 1/21 رقم [69] .
(24) انظر : جامع بيان العلم وفضله 2/941 .
( 25) هو : سليم بن منصور بن عمّار بن كثير ، وأبوه منصور بن عمَّار الواعظ ، البليغ الصالح ، أبو السَّرِيِّ السُّلَمي الخرساني ، وقيل : البصري ، كان عديم النظير في الموعظة والتذكير ، وعظ بالعراق والشام ومصر ، وبَعُدَ صيته ، وتزاحم عليه الخلق ، وكان لوعظه وقع وتأثير في النفوس ، مات في حدود المائتين . انظر : سير أعلام النبلاء 9/93 - 98 .
( 26) أورد هذه الرسالة بسنده في التمهيد 9/233 ، وفي الاستذكار 8/119 ، وقد أوردها البيهقي في الأسماء والصفات 1/620 - 621 ، وقال محققه عبيد الحاشدي : إسناده حسن .
( 27) العقيدة الطحاوية مع شرحها لابن أبي العز الحنفي 2/428 .
( 28) جامع بيان العلم وفضله 2/946 .
( 29) التبيان في آداب حملة القرآن للنووي ص 140 .