تبرئة أبي العلاء من معارضة القرآن

إنضم
15/04/2003
المشاركات
1,144
مستوى التفاعل
4
النقاط
38
الموقع الالكتروني
www.tafsir.net
ليسَ يُعرَفُ عن أحد من أهل البيان معارضة القرآن, والمذكور من ذلك في التاريخ مُحاولتي: عبد الله ابن المقفع, وأبي العلاء المعري.
فأما ابن المُقفع فلا يوجد له كتاب يدعي مدعٍ أنه عارض فيه القرآن, وإنما يُزعَم أنه قصد إلى تأليف كتاب في ذلك, واشتغل به مُدةً ثم مزق ما جمع واستحيا لنفسه من إظهاره, قال ابن الباقلاني بعد أن أبطل هذا الزعم: (فإن كان كذلك فقد أصاب وأبصر القصد, ولا يمتنع أن يشتبه عليه الحال في الابتداء ثم يلوح له رشده, ويبين له أمله, وينكشف له عجزه, ولو كان بقي على اشتباه الحال عليه لم يَخفَ علينا موضع غفلته, ولم يشتبه لدينا وجه شبهته, ومتى أمكن أن تدعي الفرس في شيء من كتبهم أنه مُعجِز في حسن تأليفه وعجيب نظمه؟!). إعجاز القرآن (ص:61).

وأما شيخُ المعرَّة فلمَّا أَلَّفَ كتابه "الفصول والغايات" قيلَ فيه: (كأنه مُعارَضة منه للسور والآيات). ينظر: معجم الأدباء 1/305. وفي تحقيق عنوان الكتاب ينظر مقدمة محققه محمود زناتي, حيثُ سماه:
"الفصول والغايات في تمجيد الله والمواعظ" ط: دار الآفاق الجديدة.

وعن منهجه في الكتاب ينظر ما نقله ياقوت من فهرست مؤلفات أبي العلاء لأحد مستمليه, وفيه:
أن مُراده بالغايات: القوافي؛ لأن القافية غاية البيت أي: منتهاه, وهو كتابٌ موضوعٌ على حروف المعجم ..., وألف عليه كتاب: "السادن" في ذكر غريب هذا الكتاب وما فيه من اللغز, وكتاب: "إقليد الغايات" لطيفٌ مقصورٌ على تفسير اللغز. معجم الأدباء 1/327- 328. ط: إحسان عباس.

وحقيقة الأمر أن المعري قد عانى من فرط ذكاءه, وكثرة حُسَّاده ما عانى مثله عصريه وصاحبه المتنبي, وقد تعرض العلامة محمود شاكر لبعض ما نسب لأبي العلاء وأبطله في كتابه "أباطيل وأسمار" (ص:32- 80).

وقد عاش العلامة عبد العزيز الميمني الراجكوتي زمناً في بطون كتب المعري, وعاين ولم يسمع, وما راءٍ كمن سمعا, وأبطل تهمة معارضته للقرآن, وكشف كثيراً من مخفي حياة المعري, مما لا يُعلَم إلا من مسطور كتبه, كما فعل عصريه وصديقه محمود شاكر في كتابه الفذ "المتنبي".

وفي هذا النقل المختصر تبيينٌ موجز لهذا الموضوع, قال العلامة عبد العزيز الميمني:
(يقول مرغليوث: قَبِلَ أبو العلاء تحدي القرآن. ويقول نكلسن في "الآداب": كان أبو العلاء يراوده الشك فيما أن القرآن كلام الله؛ ولذا قَبِل تحدي النبي صلى الله عليه وسلم وأَعَدَّ كتاباً في معارضة القرآن الكريم. وقد أعاد هذه الفكرة الأستاذ براؤن في كتابه "التاريخ الأدبي لإيران". والحقيقة أن هذه الفكرة الخاطئة المرفوضة إنما بَثَّها في أوروبا كُلّها: جولد زيهر, بمقالة "z.d.m.g" - مجلة نمساوية -, وقد سبق أن تناولناها بالرد والتفنيد في نقالة نشرتها مجلة "معارف" في عدد فبراير سنة 25م, ولكننا ننقل هنا شهادَةً لأبي العلاء نفسه بإعجاز القرآن, ظهرت بعد فراغه من تأليف "الفصول" بنحو عشر سنين في 414هـ:
(لقد أجمعَ كُلُّ ملحدٍ ومُهتَد, وناكِبٍ عن المحجة ومُقتَد, على أن الكتاب الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الله كتابٌ بَهَرَ بالإعجاز, ولَقِيَ عَدُوَّه بالإرجاز.).
بحوث وتحقيقات 1/127.
 
بسم الله الرحمن الرحيم و الحمد لله رب العالمين ..

استكمالا للفائدة فقد قام الشيخ على حسن العمارى .. بتحقيق عن مسأله المعارضة المزعومة لأبي العلاء المعرى ...

يقول الشيخ في مجلة " رساله الإسلام " ...

" من الذين نسبت إليهم المعارضة فيلسوف الشعر أحمد بن سليمان المشهور بأبي العلاء المعرى، وقد قالوا إنه عارض القرآن بكتابه (الفصول والغايات) وقد اختار صاحب معجم الأدباء الكلمتين الآتيتين: ـ

1 ـ ((أقسم بخالق الخيل))، والريح الهابة بلَيْل، ما بين الأشراط ومطالع)) ((سهيل، إن الكافر لطويل الويل، وان العمر لمكفوف الذيل، اتق مدارج)) ((السّيْل، وطالع التوبة من قبَيْل، تنج، وما أخالك بناج)).

2 ـ ((أذلت العائذة أباها، وأصاب الوحدة وربّاها، والله بكرمه اجتباها، أولاها الشرف بما حباها، أرسل الشمال صباها، ((ولا يخاف عقباها))، وقد ذكرو أنه قيل له: ما هذا ألا جيد غير أنه ليس عليه طلاوة القرآن.

قال: حتى تصقله الألسن في المحاريب أربعمائة سنة، وعند ذلك انظروا كيف يكون.

وقبل أن نعرض لهذه المعارضات نلمع بشيء من أقوال النّاس في عقيدة أبي العلاء.

قال ياقوت في معجم الأدباء: ((وكان متهما في دينه، يرى رأي البراهمة، لا يؤمن بالرسل، والبعث والنشور، وقد أوردنا من شعره ما يستدل به على سوء معتقده )).

ويقول في موضع آخر: ((والناس في أبي العلاء مختلفون، فمنهم من يقول: إنه كان زنديقاً، وينسبون إليه أشياء مما ذكرناها، ومنهم من يقول: كان زاهداً عابداً متقللا يأخذ نفسه بالرياضه والخشونة والقناعة باليسير، والاعراض عن أعراض

وقال عبد الرحيم العباسي في معاهد التنصيص: ((والنّاس مختلفون في أمره، والأكثرون على إلحاده وإكفاره)).

ومما أورده ياقوت من الشعر قول أبي العلاء:

دين وكفر وأنباء تقال وفر(م) * * * قان يُنصّ وتوراة وانجيل

في كل جيل أباطيل ملفقة * * * فهل تفرد يوما بالهدى جيل

وقوله:

ولا تحسب مقال الرسل حقا * * * ولكن قول زور سطروه

وكان النّاس في عيس رغيد * * * فجاءوا بالمحال(2) فكدروه

وقوله:

وهيهات، البرية في ضلال * * * وقد نظر اللبيب لما اعتراها

تقدم صاحب التوراة موسى * * * وأوقع في الخسار من افتراها

فقال رجاله وحى أتاه * * * وقال الناظرون بل افتراها

وما حجّى إلى أحجار بيت * * * كؤوس الخمر تشرب في ذراها

إذا رجع الحليم إلى حجاه * * * تهاون بالشرائع وإزدراها

إلى غيرذلك مما يدل على استهانته بالنبوات، وإنكاره للحشر، واعتراضه على صنيع الله ـ تعالى علوا كبيرا ـ في الأكوان.

وذكر ياقوت أن القاضي أبايوسف عبدالسلام القزويني حدّث فقال: قال لي المعرى: لم أهج أحدا قط ، فقلت له: صدقت، إلا الأنبياء(عليهم السلام)، فتغير وجهه. "

لاحظ معى زميلى أن من نسب إلى أبى علاء تلك الفرية هو فى الأصل ياقوت فى كتابة " معجم الأدباء " ...

نستكمل تحقيق الشيخ ...

" هذا لا يقوله الناقمون على أبي العلاء، في حين يحدث بعض القضاة المعاصرين لأبي العلاء بقصص تدل ـ كما قالوا ـ على صحة دينه، وقوة يقينه ...

وللعلامة كمال الدين بن العديم رسالة نسمى (رفع التّجرى عن المعرى) ذكر فيها محاسنه، وفضائله، وحفظه الخارق للعادة، وقال فيها: إن سائر ما في ديوانه من الأشعار الموهمة فهي إما مكذوبة عليه أو هي مؤولة، وجعل المعرى من أصحاب الكرامات، وخوارق العادات.


ويؤيد قول ابن العديم ما ذكره ياقوت نفسه من أن المعرى كان يرمى من أهل الحسد له بالتعطيل وتعمل تلامذته وغيرهم على لسانه الأشعار يضمنونها أقاويل الملحدة قصد الهلاكة وإيثارا لاتلاف نفسه))

وبعبر أبوالعلاء عن هذا المعنى:

حاول أهوانىَ قوم فما * * * واجهتهم إلا بأهوان

وقوّلونى بمقالاتهم * * * فغيروا نية إخوانى

لو استطاعوا لو شَوْابى الى الْـ * * * مرّيخ في الشُّهْب وكيوان

لكل هذه الأمور تفرقت آراء النّاس في أبي العلاء فرماه قوم بكفر أصلع وجعله قوم في عداد الأبرار، وقال آخرون إنه شاعر قلق لا يكاد يثبت على رأى.

والذي عندي أن بعض الشعر الذي يدل على سوء الاعتقاد واضح بالنسبة لأبي العلاء وفيه ـ على قدر ما أدرك من طريقة الرجل ـ ملامح علانية، كهذه الأبيات التي قدمتها، والتي مطلعها (وهيهات، البرية في ضلال). فلاشك عندي أن أبا العلاء قال شيئا مما يؤخذ، ولعل ذلك كان أولا، ثم استقر أمره على الاستقامة وعمق الايمان بالله، ويبدو أن الرجل كان غير مكترث، فكان يقول كل ما يخطر له، وكثير من المعاني التي دونها، وعيتْ عليه تعرض لكثير من المفكرين فمنهم من يردها عن نفسه، ومنهم من يستجيب لها فيظهرها، وكان أبوالعلاء من هذا النوع الأخير، لاتكاد تخطر له البادرة حتى تجرى على لسانه، ويتلقفها تلامذته، ويذيعونها، ولم تُسمح من دواوينه ـ وإن كان هو الذي أملاها ـ لأنها ذهبت في أفواه النّاس فيستطيع كل من كانت عنده نسخة من اللزوميات أن يضيف إليها مما في حفظه، وبذلك وصلتنا هذه الأشعار وبهذا الفهم في حال أبي اعلاء يمكن بسهولة تعليل التناقض الذي نراه في آثار أبي العلاء.

أما تأكيدى أن أمر هذا الشاعر انتهى إلى الايمان العميق فالدليل عليه النظر في ثبت كتبه، حيث نجد أن أكثرها في تمجيد الله وتعظيمه، وفي الحكم والمواعظ، وتلك الروع التي يحسها من يقرأ آثاره تلك الروح المؤمنة العميقة الايمان، ولا أشك أيضا في أنه أضيف إليه من حساده بعض ما يؤاخذ عليه ((ولعله كان في زمان مثل زماننا)) أعنى كل من أنكر المنكر فيه يرمونه بسوء الاعتقاد ليغروا به الملوك)) ـ كما يقول بعض من نشروا اللزوميات، وعلق عليه ـ وهذا يؤيد مما نقله ياقوت.
هذا عن اعتقاده، ولكن الذي يعنينا هنا هو ما أضيف إليه من أنه عارض القرآن، وإنما قدمنا هذا لنقول أن لا يبعد أن يكون عارض، ولا يبعد أن يكون اتهم بذلك حسدا، والمرجح في ذلك في النظر في الرواية، ورواية معارضته القرآن تتضمن أمرين، الأول أنه عارض، والثاني أنه عارض بكتاب الفصول والغايات، وأخْذُ هذه الرواية جملة يدلنا على أنها مكذوبة فإذا نفينا أن يكون كتابه المشار إليه قد قصد منه المعارضة انتفى أن يكون عارض.

وأول ذلك أن المعرى ذكر في مقدمة هذا الكتاب أنه ألفه ((في الزهد والعظات)) ، وتمجيدالله سبحانه وتعالى ((وبعيد جدُّ بعيد أن يكون الغرض من الكتاب كله شاهد صدق على هذه النَية عندَ أبي العلاء، ومن هذه الفقرات ((عَلِم ربنا ما علم، أنى ألفت الكلم، آمل رضاه المسِّلم، وأتّقى سخطه المؤلم فهب لي ما أبلغ رضاك من الكلم والمعاني الغِراب )). كما أن ياقوت متحامل على أبي العلاء، ويكفى أنه صاحب هذه العبارة: (قال المؤلف: كان المعرى، حمارا، لا يفقه شيئا). وهذه عبارة لا يقولها إلا أشد المتحاملين، والمتعصبين على الرجل."

أي أن مسأله معارضة المعرى للقرآن هى فرية لا أساس لها من الصحة .... و عن اعتقادة فهو كان كما حقق سليما .. إلا أنة على أقل تقدير ضلّ ثم أنتهى به الأمر إلى الإيمان العميق ... !

و الحقيقة فإن هذا ليس قول الشيخ فقط .. و إنما يقول مصطفى صادق الرافعى أيضا .. ما يرفع ذلك الأمر عن المعرى تماما ..
يقول ...

" ردّ القول بأن أبا العلاء عارض القرآن بدليلين:

الأوّل: أن الرجل ـ يعنى المعرى ـ أبصر بنفسه، وبطبقة الكلام الذي يعارضه، وما نراه إلا أعرف النّاس باضطراب أسلوبه، وإلتواء مذهبه، وأن البلاغة لا تكون مراغمة للغة، وإغتصابا لألفاظها، وتوطينا لغرائبها كما يصنع)).

الثاني: ((على أن المصرى (رحمه الله) ، قد أثبت إعجاز القرآن فيما أنكر من رسالته علي ابن الراوندي فقال: وأجمع ملحد ومهتدى، وناكب عن المحجة ومقتدى، أن هذا الكتاب الذي جاء به محمّد صلى الله عليه وسلم (صلى الله عليه وسلم)، كتاب بهر بالأعجاز، ولقى عدوه بالأرجاز، ماحذى على مثال، ولا أشبه غريب الأمثال، ما هو من القصيد الموزون، ولا في الرجز من سهل وحزون، ولا شاكل خطابة العرب، ولا سجع الكهنة ذوى الأرباب.. وأن الآية منه أو بعض الآية لتعترض في أفصح كلم يقدر عليه المخلوقون فتكون فيه كالشهاب المتلألئ في جنح غسق والزهرة البادية في جدوب ذات نسق)).

ولا يعقل أن يكون الرجل قد أسرّ في نفسه غير ما أبدى من هذا القول، ولم يضطره شيء إليه ولا أعجله أمر عن نفسه، ولا كان خلوّ رسالته منه تضيعا ولاضعفا.

قلت: وهذا كلام واضح ومقنع، لو كانت هذه الرسالة إنما جاءت أولا أعنى قبل الزمن الذي روى الرواة أن أبا العلاء عارض فيه القرآن.

وأيا ما كان فلا حجة يمكن أن يعتمد عليها في نسبة هذا الضيع إلى أبي العلاء. "


هذا و الحمد لله رب العالمين ...
 
جزاك الله خيراً أخي العزيز أبا المها, وقد سعدت بفضيلة التوافق بين ما كتبتُهُ وبين موضوع الأخ الكريم ابن الشجري الذي لم أقرأه قبل الآن, فالحمد لله.
وفي إضافة أخي حسام جزاه الله خيراً خيرٌ كثير.
 
عودة
أعلى