تأمّلات وتعقيبات

إنضم
10/04/2005
المشاركات
1,122
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
الجزائر
المسألة الأولى :

هل الواو المدّيّة تابعة لما قبلها تفخيماً وترقيقاً ؟


قال المرعشيّ عليه رحمة الله تعالى عند تحدّثه عن حكم الألف تفخيماً وترقيقا : " ولعلّ الحقّ أنّ الواو المدّيّة تفخّم بعد الحرف المفخّم والله أعلم ".(جهد المقل ص154 تحقيق سالم الحمد).

من خلال هذا المقطع أقول وبالله التوفيق :

أوّلاً : إنّه استعمل لفظ (لعلّ) حرف ترجّي أي أنّه يرجو أن يكون جواز إطلاق لفظ التفخيم على الواو المدّيّة هو الحقّ. وهي عبارة يغلب عليها طابع الاحتمال والظنّ.

ثانياً : لم يسبقه إلى ذلك أحد من أهل العلم فيما اطلعت عليه.

ثالثاً : لو تساءلنا لماذا تفخّم الألف المديّة دون الواو ؟

الجواب : التفخيم هو سمن يدخل على جسم الحرف فيمتلئ الفم بصداه (قاله ابن الطحان ت 561 )، والذي يفسّر ذلك أنّ الصوت يعلوا بالألف المفخّمة فيصطدم بالحنك الأعلى فيعود صداه إلى جميع أنحاء الفم فيمتلئ ويبقى أقصى اللسان مرتفعاً لأجل ارتفاع الصوت. فارتفاع الصوت منوط بارتفاع اللسان ،وما سمّيت الحروف المستعلية بذلك إلاّ لأنّ اللسان يعلو ويرتفع ويعلو معه الصوت ويرتفع ، والتفخيم لازم لها ، وإذا لم يرتفع الصوت فلا يمتلئ الفم بصداه.

أمّا في الواو المدّية فلا يمتلئ الفم بصدى الحرف لأنّ اللسان ينخفص بمجرّد انفصاله عن الحنك قبل أن تمتدّ الواو في الجوف فينتقل الصوت من المخرج المحقق إلى المخرج المقدّر. فلو نطقنا مثلاً {قوا أنفسكم } فإنّنا ننطق أوّلاً بالقاف المضمومة المفخّمة وذلك بإلصاق أقصى اللسان بالحنك ، ثمّ بمجرّد الانتقال إلى الواو المدّية يحصل انفكاك لأقصى اللسان عن الحنك فينخفض الصوت بانخفاض اللسان وبعدها تمتدّ الواو في جوف إلى جهة الشفتين.

والفرق بين الألف والواو : أنّ في الألف المفخّمة يرتفع الصوت إلى الحنك ويبقى الصوت مرتفعاً وأقصى اللسان أثناء المدّ في نحو { طآئر} ، {ق} فيستمرّ انصدام الصوت بالحنك الأعلى فيعود الصدى إلى جميع أنحاء الفم باستمرار حتّى ينتهي المدّ ، خلافاً للواو المدّيّة فإنّ اللسان ينخفض بعد انفصاله من الحنك فينتقل الصوت إلى الجوف فيمتدّ الصوت إلى جهة الشفتين ولا يرتفع إلى جهة الحنك كما في الألف المفخّمة ، ولا يمكن أن يحصل التفخيم بذلك.

لذا فإنّ ما جنح إليه المرعشيّ عليه رحمة الله تعالى غير مستقيم ، ولله الحمد فإنّ هذا القول لم يُتلقّى بالقبول عند المعاصرين وإلاّ لأثّر ذلك في الأداء ولسمعنا الواو المدّيّة كحركة (O) باللغة الفرنسيّة ، فيصير النطق بالخاء المضمومة مثلاً (KHO) بدل (KHOU).

لذا ينبغي التنبيه مسبقاً على هذه المسألة من باب الوقاية والعلم عند الله تعالى.
 
أسأله تعالى أن ينفع بما قدمتم وإنا للبقية لمنتظرون !
 
إنصاف المرعشي

السلام عليكم
أخي الشيخ محمد يحيي
ذكرت ((ثانياً : لم يسبقه إلى ذلك أحد من أهل العلم فيما اطلعت عليه. ))

الإمام المرعشي لم يقل بأنه سُبق بهذا القول ، فقد نقل عنه صاحب " نهاية القول المفيد " بعد نقل الكلام السابق الذي نقله فضيلتكم عن المرعشي حيث ذكرتم (( ولعلّ الحقّ أنّ الواو المدّيّة تفخّم بعد الحرف المفخّم والله أعلم ". قال بعد ذلك : ... وقد رجوت أن يوجد التصريح بذلك أو الإشارة إليه في كتب هذا الفن لكن أعياني الطلب فمن وجده فليكتب هنا . وأما الياء فلا شك في أنها مرققة في كل حال . )ا.هـ ص128

وقد مثل المرعشي بكلمة " الطور والصور ونحوهما" ثم برهن للتفخيم في الواو المدية ، ويبدوا أن المرعشي نظر إلي نهاية خروج صوت الحرف المفخم ثم نطقه بحرف الواو المدية فظن أن الواو مفخم ، ولو صبر علي مدة الواو لعلم أنها مرققة .

وهذا خلاف نظري ، لأنه ليس معني قوله بتفخيم الواو المدية أنه يخالف القراء في النطق ، بل كل هذا من باب التحليل النظري ، وإلا لاشتهر عنه ذلك ولتعقبه القراء وهذا لا أصل له . والله أعلم .
والسلام عليكم
 
أخي الشيخ عبد الحكيم

أوافقك على أنّ الخلاف نظري ولفظي إلاّ أنّه يُخشي أن يتحوّل إلى خلاف أدائي ، وقد سمعنا من يفخّم الواو المدّية بعدّم إحكام ضمّ الحرف المفخّم ضماً محكماً في نحو {يقول}.

فهو من باب التنبيه والاحتياط.

أمّا كون المرعشيّ هو الأوّل من قال بذلك فهو ظاهر لأنّ ابن الجزري لم يتعرّض إلاّ للألف دون الواو والياء. والخلاف لفظيّ حتّى في الألف لأنّه لا يُتصوّر إمكان ترقيق الألف في {طال} و{وفصالا} ، {ويصّالحا} لمن قرأ لورش بوجه التغليظ.

وقد غيّر رأيه ابن الجزري في ذلك بعد أن كان يعتقد أنّ الألف مرقّقة مطلقاً ، فبعد أن قال (وحذرن تفخيم لفظ الألف ) قال في النشر والصحيح أنّها لا توصف ............

فلا يُعقل أنّه قد غيّر أداءه في ذلك ، لذا فإنّ الخلاف في الألف لفظيّ كذلك ومع هذا لم يتعرّض ابن الجزري ولا غيره للواو مطلقاً.

المهمّ في الموضوع أنّي أردتّ أن أبيّن خطأ من قال بتفخيم الواو المدّية من الناحية النظرية لا العملية. والخلاف في ذلك لا يضرّ ما دام الأداء لم يتغيّر.

والإمام المرعشيّ إمام بحق وليس مثلي من سينقص من قدره كما قيل :

على أنّه من كان شمساً مقامُهُ........فلا المدح يُعليه ولا الذمّ ضائرُ

والعلم عند الله تعالى.
 
الخلاف اللفظي قد يؤثّر على الأداء إن كان المصطلح المستعمل غير مناسب أو يحتمل.

الخلاف اللفظي قد يؤثّر على الأداء إن كان المصطلح المستعمل غير مناسب أو يحتمل.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد

ممّا أثار انتباهي في عدد من المسائل أنّ استعمال الاصطلاح الغير مناسب لهيئة أدائيّة قد يسبّب في المستقبل تغيّراً أدائياً دخيلاً على الرواية الصحيحة المسندة. وسببه أنّ ذلك الاصطلاح المحدث قد يحتوي ويقتضى ويحتمل بعض المعاني التي هي مجانبة للمراد الصحيح المعبّر عن الهيئة الصحيحة.

لا أشكّ أنّ النون المخفاة إن جاورها حرف مفخّم فإنّ غنّتها تتأثّر به ، فلا تطابق بين هيئة إخفاء النون في {من دونه } بهيئة إخفاءها في {من قبل} وهذا الفرق في الأداء حمل بعض العلماء على التفكّر والنظر فاعتبر البعض ذلك تفخيماً حقيقياً والبعض لم يعتبره كذلك ، فالأوّل اعتمد على الحسّ والثاني اعتمد على التراث إذ ليس في تراثنا ما يقتضي أنّ الغنّة تفخّم ، مع اتّفاقهم في الجملة على الأداء واختلافهم في اللفظ والتعبير في القضيّة.

إلاّ أنّ المشكلة تكمل في معاملة بعض أهل العلم المعاصرين لذلك التأثّر معاملة الحروف المفخّمة في المنزلة بحيث يرتفع صوت الغنّة إلى الحنك الأعلى فينصدم الصوت به فيعود صداه إلى حميع أنحاء الفم فيتلئ فيرتفع صوت الغنّة كارتفاعه في الحروف المفخّمة. فمثلاً لفظ {من طين } فإنّ معظم الصوت يجري من الخيشوم والقليل من الفم والدليل على ذلك أنّك لو أمسكت أنفك لجرى القليل من الهواء في الفم فيتأثّر ذلك الهواء القليل بارتفاع اللسان عند النطق بالحرف المفخّم بعده فيرتفع صوت الهواء القليل الخارج من الفم ارتفاعاً قليلاً يشبه الصوت المفخّم.

سؤال : ذلك الهواء القليل الذي خرج من الفم هل هو عنّة أم لا ؟ نحن نعلم أنّ الغنّة صوت يخرج من الخيشوم ولكن هذا الصوت القليل هل خرج من الخيشوم حقيقة ؟ فإن لم يكن كذلك فهل يصلح أن نطلق عليه لفظ تفخيم الغنّة وهو ما خرج من الخيشوم ؟

كلّ ما ذكرته من الأسئلة مجرّد رأي والخلاف في ذلك لا يضرّ ما دام الأداء لم يتغيّر ولكن للأسف تغيّر الأداء بمعاملة ذلك الصوت القليل الخارج من الفم معاملة الحروف المفخّمة. وسبب هذا التغيير عدم استعمال اصطلاح مناسب لذلك التأثّر فانجرّ الناس باتّجاه مجانب للصواب بسبب تطبيقهم أدائياً لما تضمّنه ذلك المصطلح الغير المناسب وهو التفخيم.

هذا مثال حيّ يدلّ على أنّ استعمال المصطلحات الغير المناسبة قد يؤدّي إلى تغيّر الأداء بل وحتّى في المصطلحات المناسبة كوصف القلقلة بأنّها تشبه الحركة سبّب في ظهور هيئات أدائيّة مختلفة في عصرنا وللأسف بسبب حمل معاني هذه الاصطلاحات على غير محملها الصحيح.

أقول أن ظهر تغيّر في الأداء جراء بعض المصطلحات المناسبة فما بالك بمن كانت غير مناسبة.

ومن الأمثلة أيضاً استعمال بعض أئمّة اللغة القدامى اصطلاح الإخفاء في الميم الساكنة ، فاعتمده الإمام ابن مجاهد ومن ثمّ اختلف أئمّة الأداء بين مؤيّد و رافض لهذا المصطلح حتّى تطوّر وصار خلافاً أدائياً ، وهذا الكلام أثبتته بعض الأبحاث والدراسات على ضوء ما تضمنه التراث القديم والتي – أي الدراسات- لا ينبغي استبعاد ما آلت إليه من النتائج.


نخلص ممّا سبق :
أنّ استعمال بعض المصطلحات الغير المناسبة أو حملها على غير محملها الصحيح قد يؤدّي إلى تغيّر الأداء.

والعلم عند الله تعالى.
 
الاكتفاء بتحقيق كتب التراث دون الاعتبار بالمضمون والمقتضى ظلم.

الاكتفاء بتحقيق كتب التراث دون الاعتبار بالمضمون والمقتضى ظلم.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد

إنّ العلم الشرعيّ مبنيّ على ركيزتين أساسيّتين وهما الرواية والدراية. فبالرواية يَثبت صحّة الخبر المنقول ، وبالدراية يُحصّل العلم باستنباط الأحكام والفوائد من ذلك الخبر الثابت.

وكان أصحاب المذاهب الأربعة وغيرهم من فقهاء الأمّة في حرص مستمرّ على التثبّت من الأخبار التي تُروي عن النبيّ عليه الصلاة والسلام وصحابته الطاهرين الأخيار رضي الله عنهم أجمعين من جهة ، و على دراسة الخبر المرويّ بكلّ تعقّل وتدبّر وتفكّر لاستخراج منه الفوائد والأحكام ثمّ تطبيقها على الواقع والنوازل من جهة أخرى.

ولمّا كثر الكذب على رسول الله عليه الصلاة والسلام ظهرت فئة من أهل العلم تخصّصوا في علم الرواية وتتبّعوا الأخبار والأسانيد وأحوال الرواة ، فسمّوا بالمحدّثين ، كما ظهر الفقهاء الذين نمت فيهم ملكة استنباط الأحكام من النصوص والنظر فيها ، ومنهم من وفّق للجمع بينهما وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

لذا فإنّ عمل المحدّثين والفقهاء متكامل و مترابط لا يستغني أحدهما عن الآخر وحتّى الفقيه المحدّث لا يستغني عن أقوال من تقدّمه من الفقهاء والمحدّثين ، فلا ينفع الاستنباط من نصّ غير ثابت ، ولا ثبوت النصّ من غير استنباط.

وقد سار على هذا الدرب أئمّة أهل الأداء فجمعوا بين الرواية والدراية ، فاعتنوا بجمع الروايات والقراءات بالنقل المتسلسل مع التثبّت من ثبوتها بعزو ما رووه إلى الرواة بالسند ، ثمّ قاموا بهضم جميع ما نقلوه نصاً وتلقّوه أداءً فبيّنوا ووضّحوا وجمعوا مرويّاتهم في كتب على شكل أبواب ومسائل مرتّبة فكانت بدورها سرجاً يُستنار بها ، ويُرجع إليها ويُعتمد عليها. فكان اعتناؤهم بجانب ضبط النصوص وعزو الرواية إلى مصدرها بمثابة اعتنائهم بجانب الدراية والتفقّه في مروياتهم.

أمّا الذي لاحظته في هذه السنوات الأخيرة ، اعتناء الأكادميين من المتخصصين في علم القراءات بتحقيق التراث القديم أشدّ الاعتناء وبشتّى أساليبه فصارت لديهم ملكة وتجربة في ميدان التحقيق من ضبط المتن وإثبات صحّة الكتاب إلى مصنّفه وغير ذلك. وهذا الاهتمام طغى نوعاً ما على جانب العلمي فظهر نوع من التقصير فيما قد يمكن أن يُحصد من التراث الخصب من فوائد وأحكام تُنمّي الجانب العلمي الذي من أجله وُضعت الكتب والمصنّفات ، وهذا بمثابة من يُتعب نفسه في إثبات صحّة الحديث من غير أن يتفقّه ويستفيد من مضمونه ومقتضاه بالدرجة اللائقة.

ولست أقلّل من أهمّية الجانب التحقيقي للتراث القديم حاش لله ، إذ هو أمرٌ ضروريّ لا يستغني عنه المستنبط المجتهد إذ على النصّ الثابت تُبنى المسائل والأحكام ، فلا بدّ من التثبّت من صحّة النصّ ومصدره قبل الاستفادة منه والعمل بمقتضاه لا سيما في المسائل الشرعيّة التي بها نتعبّد الله تعالى. وكلّ هذه الجهود التي بُذلت في التحقيق العلمي للتراب إنّما هو لغرض التفقّه والاستفادة منه. فالغاية هو التفقّه والعمل بالمقتضى ، والوسيلة هو التثبّت من ضبط المتن وصحّة الخبر. وليس من المعقول الاهتمام بالوسيلة أكثر من الغاية لا سيما أنّ الغاية في حدّ ذاتها تحتاج إلى ملكة ونضج في العقل وتجربة معتبرة ، إذ كان أئمّتنا ومحقّقينا من أهل الأداء على تلكم الهيئة والسيرة. فابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى سُمّي محقّقاً لا من جهة تحقيق وضبط النصوص فحسب ، وإنّما من جهة الدراية والفقه في المسائل أيضاً . فالعلم فطنة ودراية أحسن منه سماعاً ورواية كما قال الداني ومكي القيسي عليهما رحمة الله تعالى.

أتعجّب من بعض الطلبة الذين يحرصون كلّ الحرص على تتبّع طبعات الكتب المحقّقة ونقدها ، وقد تجده ناقصاً من جهة الدراية والعلم ، بل وقد تجده قام بعمل جبّار في ميدان التحقيق ويُتوّج من خلال ذلك بتاج العلم والمعرفة. وقد تجد في هؤلاء من يسلّم لكلّ ما يُقرأ به اليوم من غير تمحيص وتنقيح ، مهملا للنصوص التي كان يمرّ عليها ذهاباً وإيّاباً أثناه تحقيقه للتراث ، فهؤلاء يقال لهم لمَ التحقيق إذن.

عند مطالعتي لكتب المتقّدمين ككتب الداني ومكي القيسي وغيرها تعجّبت من كثرة الفوائد الموجودة فيها وأكاد لا أرى من يُنبّه ويعلّق عليها وفيها من الأجوبة الشافية والكافية لفكّ الخلاف الذي يتخبّط فيه قرّاؤنا وعلماؤنا اليوم في أصول المسائل وفروعها.

ولا أنفي وجود عدد من العلماء الذين ما اكتفوا باستخراج الكنوز من بطون المخازن فحسب بل استخرجوا الفوائد وأبرزوها على الساحة فجدّدوا ووضّحوا وبيّنوا بعض الحقائق التي ما كان الواحد يتجرّأ على التعرّض لها ، فصارت اليوم من المسلّمات لقوّة الأدلّة التي أبرزت وتجلّت من خلال ما حوته تلك المصادر.

وقبل يومين كانت جالساً أمام مكتبتي فلفت نظري إلى كتاب التحديد للداني فجذبني إليه وفتحته فوقع بصري على نصّ ما تفطنت له من قبل مع إنّي طالعت الكتاب عدّة مرّات. والنصّ هو : قال الداني : " وأمّا المخفى فعلى نوعين : أخفاء الحركات ، وإخفاء النون والتنوين " (التحديد ص100 تحقيق شيخنا غانم الحمد). فقلت في نفسي لمَ لم يذكر الميم المخفاة ؟ ووضعت هذا النصّ في ملفّ المسألة بنظرة واحدة في الكتاب. وقلت في نفسي أيضاً : هذه نظرة واحدة فما بالك بالنظرات والدوام على المطالعة. فإننا والله سنستفيد الكثير والكثير ما لم يكن حتّى في الحسبان فلا ينبغي أن تتطغى الوسيلة على الغاية. فالتراث له حقّ عليها وهو إخراجه بتحقيقه ثمّ الاستفادة منه والعمل بمقتضاه في الفصل بين المختلف فيه من جهة ، والاستنارة به في التأصيل العلمي الذي يفتقد إليه علم التجويد والقراءات.
 
ملاحظات حول إقلاب النون الساكنة والتنوين ميماً عند الباء.

ملاحظات حول إقلاب النون الساكنة والتنوين ميماً عند الباء.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ولّم وبعد

هذه بعض الملاحظات حول إقلاب النون الساكنة والتنوين ميماً عند الباء وبالله التوفيق.


الملاحظة الأولى :

عند مطالعتي لكتب المتّقدّمين من أهل الأداء ما وجدتّ واحداً منهم عبّر بالإخفاء في الميم المقلوبة من النون الساكنة والتنوين في نحو {عليم بذات الصدور } ، و {من بعد} بل وجدتّ أنّهم عبّروا بأنّ النون تُقلب ميماًً خالصة أو ميما ساكنة أو ميماً وما أشاروا إلى الإخفاء بعد القلب لا من قريب ولا من بعيد. وأوّل من استعمل اصطلاح الإخفاء بعد القلب ابن الجزري عليه رحمة الله تعالى بقوله في النشر : " ولابد من إظهار الغنة مع ذلك فيصير في الحقيقة إخفاء الميم المقلوبة عند الباء فلا فرق حينئذ في اللفظ بين (أن بورك، وبين: يعتصم بالله)". ولم يستعمل هذا الاصطلاح في البداية إلاّ بعد النظر والاجتهاد حيث قال في كتابه التمهيد الذي ألّفه في شبابه : "فإذا أتى بعد النون الساكنة والتنوين باء قلبت ميماً من غير إدغام ". ومن ثمّ تتابعت عبارات المتأخّرين من أهل الأداء بعد ابن الجزري في استعمالهم للفظ الإخفاء بعد القلب على ضوء ما صرّح به في النشر.


الملاحظة الثانية :

قد صرَح ابن الجزري عليه رحمة الله تعالى بالإجماع في إخفاء الميم بعد القلب بقوله : "(قلت) والوجهان صحيحان مأخوذ بهما – أي في الميم الساكنة عند الباء - إلا أن الإخفاء أولى للإجماع على إخفائها عند القلب. وعلى إخفائها في مذهب أبي عمرو حالة الإدغام في نحو: أعلم بالشاكرين." ، سؤال : ما الذي حمل ابن الجزري على التصريح بالإجماع وليس في كلام المتقدمين التصريح بالإخفاء بعد القلب ؟ الجواب : الذي حمله هو :

أوّلاً : أنّه نظر إلى جهة الأداء دون اللفظ.

ثانياً : ورود هذا الاصطلاح في الميم الساكنة في نحو { يأمركم بالسوء } وهو مذهب الفراء من أهل اللغة وابن مجاهد من أهل الأداء ومن تبعهما. فإذا أقلبت النون الساكنة والتنوين ميماً خالصة صار لها حكم الميم الساكنة كما قال ابن المرابط (ت552) في كتابه التقريب والحرش المتضمّن لروايتي قالون وورش : "وتُقلبان عند الباء ميماً خالصة من غير إدغام ، ثمّ يكون حكمها بعد القلب حكم الميم الساكنة "

ثالثاً : إطلاق لفظ الإخفاء في مذهب أبي عمرو حالة الإدغام في نحو: أعلم بالشاكرين. كما قال ابن الجزري : " إلا أن الإخفاء أولى للإجماع على إخفائها عند القلب. وعلى إخفائها في مذهب أبي عمرو حالة الإدغام في نحو: أعلم بالشاكرين." ولذلك قال الشاطبيّ : وتُسكن عنه الميم من قبل بائها.......على إثر تحريك فتخفى تنزّلا"
وكيفية الإخفاء هنا هو إظهار غنة في الميم الساكنة أي إشباعها ، فلم يحسن أن يقال هو إدغام لأنّه يلزم منه ذهاب الميم ذاتاً وصفة مع تشديد الباء وهذا ممنوع ، ولم يحسن أن يقال هو إظهار لأنّ الإظهار يستلزم عدم إشباع الغنّة وهو خلاف المراد ، فما وجدوا حلاً للهروب من العائقيْن إلاّ باستعمال لفظ الإخفاء. لأنّ الباب هو باب الإدغام الكبير ، ولو تركوا الأمر كما كان قبل استعمال لفظ الإخفاء لتُوُهِّمَ أنّه إدغام محض. وهذا ما ساعد ابن الجزري على استعمال اصطلاح الإخفاء بعد القلب مع أنّ القدامى ما استعملوه لعدم وجود ضرورة لذلك كما هو الحال في مذهب أبي عمرو.لذلك نرى أنّ الشاطبيّ استعمل لفظ الإخفاء في باب الإدغام الكبير بقوله : "فتخفى تنزّلا" خلافاً للإقلاب فما أشار إلى الإخفاء البتة بقوله : "وقلبهما ميماً لدى الباء" مع أنّ النطق واحد. وقد عبّر بعض القدامي على إخفاء أبي عمرو البصري في نحو {أعلم بالشاكرين} بالإدغام. ومن هنا ندرك أنّ القضيّة قضيّة عبارة واصطلاح بحسب المصلحة ، فاستعملوا اصطلاح الإخفاء في باب إدغام الكبير لئلا يقع التباس بين الأداء الصحيح والإدغام المحض ، والأداء الصحيح في ذلك لا يحسن أن يكون إدغاماً ولا إظهاراً ، بينما لم يستعملوا ذلك في إقلاب النون الساكنة والتنوين لانتفاء الالتباس.


الملاحظة الثالثة :

قال ابن الجزري معرّفاً الإقلاب : "وأما الحكم الثالث وهو (القلب) فعند حرف واحد وهي الباء فإن النون الساكنة والتنوين يقلبان عندها ميماً خالصة من غير إدغام وذلك نحو (أنبئهم، ومن بعد، وصم بكم)". المتأمّل لهذا التعريف يلاحظ استعمال ابن الجزري عبارة : "يقلبان عندها ميماً خالصة" والميم الخالصة هي الميم التي حافظت على مخرجها وصفاتها ولا يتحقق ذلك إلاّ بانطباق الشفتين ، وليس هو الأوّل من صرّح بأنّ الميم الساكنة تُقلب عند الباء ميماً خالصة فقد قال الداني في جامع البيان : "والحالة الثالثة : أن يُقلبا – أي النون الساكنة والتنوين- ميماً خالصة من غير إدغام وذلك عند الباء الخالصة " جامع البيان ص300. وقال أبو الأصبغ السماتي المعروف بابن الطحّان (ت561) في كتابه الإنباء في أصول الأداء ص 37 : "فالقلب هو إبدالهما عند الباء ميماً خالصة لا يبقى منهما أثرٌ". وقال ابن المرابط (ت552) في كتابه التقريب والحرش المتضمّن لروايتي قالون وورش : "وتُقلبان عند الباء ميماً خالصة من غير إدغام ، ثمّ يكون حكمها بعد القلب حكم الميم الساكنة "(ص85).
ولا ننس أنّ ابن الجزري صرّح بالإجماع في الإخفاء بعد القلب من جهة ، وصرّح بأنّ النون تقلب ميماً خالصة ، وفسّر هذا الإخفاء بإظهار الغنّة أي إشباعها فقط. وهذا يدلّ على أنّ الإخفاء لا يستلزم زوال ذات الحرف المخفى بافتراق عضوي مخرجه كما في النون المخفاة.

قد يقول أصحاب الفرجة : إنّ إقلاب النون الساكنة ميما خالصة يكون قبل الإخفاء أي بعد القلب يكون الإخفاء.

الجواب : هذا أمرٌ مستحيل إذ لا يمكن إقلاب النون الساكنة ميماً خالصة بانطباق الشفتين ثمّ التفريج عنهما لأجل الإخفاء بدليل أنّ أصحاب الفرجة لا يطبقون الشفتين إلاّ عند النطق بالباء أي بعد الإخفاء وليس قبله.
والقلب يمرّ بمرحلتين : الأولي إقلاب النون ميماً ، والثانية الإخفاء. أقول : لو تركنا فرجة بين الشفتين لعطلنا المرحة الأولي وهو القلب لأنّه لا يمكن إقلاب النون ميماً إلا بانطباق الشفتين وذلك غير ممكن مع الفرجة. بينما لو أطبقنا الشفتين حال الإخفاء لتحقق القلب والإخفاء معاً بإشباع الغنّة وإظهارها.


الملاحظة الرابعة :

إنّ وصف الإخفاء كحالة بين الإدغام والإظهار خاصّ بالنون الساكنة والتنوين لا غير لعدّة أسباب :

الأوّل : إن كان القدامى ما اعتبروا الميم المقلوبة عند الباء في نحو {أنبئهم} إخفاءً ، فإنّه يدلّ أنّهم ما اعتبروا تلك الحالة بين الإظهار والإدغام ، وقد رأينا أنّ ابن الجزريّ هو أوّل من أطلق الإخفاء بعد القلب.

ثانياً : لم ينقل القدامى تعريف الإخفاء إلاّ بعد تعرّضهم لإخفاء النون الساكنة والتنوين.

ثالثاً : قد ذكر الداني أنّ الإخفاء نوعان إخفاء النون والتنوين وإخفاء الحركة. وتعريف الإخفاء لا ينطبق مع إخفاء الحركة ، لأنّ إخفاء الحركة مرتبة بين الحركة التامّة والسكون المحض وليس بين الإدغام والإظهار. وهذا دليل أيضاً يدلّ على أنّه ليس كلّ ما يُطلق عليه لفظ الإخفاء يخضع للتعريف الذي وضعه الأئمّة وهو كونه بين الإدغام والإظهار.

رابعاً : إنّ أبا عمرو الداني صرّح بأنّ الخلاف في الميم الساكنة عند الباء خلاف عبارة لا خلاف أداء ، وصرّح بأنّ الإخفاء على ضربين إخفاء النون والتنوين وإخفاء الحركة ، ولمّ يصرّح بالإخفاء بعد القلب ، وبالتالي فإنّ تعريف الإخفاء لا يتناسب عنده إلاّ مع النون الساكنة والتنوين لأنّ إخفاء الحركات لا يتناسب أبداً مع التعريف كما سبق بيانه وأمّا الميم الساكنة فالإخفاء عنده اصطلاح لفظيّ لا أدائيّ.

والعلم عند الله تعالى.
 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد

إنّ العلم الشرعيّ مبنيّ على ركيزتين أساسيّتين وهما الرواية والدراية. فبالرواية يَثبت صحّة الخبر المنقول ، وبالدراية يُحصّل العلم باستنباط الأحكام والفوائد من ذلك الخبر الثابت.

وكان أصحاب المذاهب الأربعة وغيرهم من فقهاء الأمّة في حرص مستمرّ على التثبّت من الأخبار التي تُروي عن النبيّ عليه الصلاة والسلام وصحابته الطاهرين الأخيار رضي الله عنهم أجمعين من جهة ، و على دراسة الخبر المرويّ بكلّ تعقّل وتدبّر وتفكّر لاستخراج منه الفوائد والأحكام ثمّ تطبيقها على الواقع والنوازل من جهة أخرى.

ولمّا كثر الكذب على رسول الله عليه الصلاة والسلام ظهرت فئة من أهل العلم تخصّصوا في علم الرواية وتتبّعوا الأخبار والأسانيد وأحوال الرواة ، فسمّوا بالمحدّثين ، كما ظهر الفقهاء الذين نمت فيهم ملكة استنباط الأحكام من النصوص والنظر فيها ، ومنهم من وفّق للجمع بينهما وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

لذا فإنّ عمل المحدّثين والفقهاء متكامل و مترابط لا يستغني أحدهما عن الآخر وحتّى الفقيه المحدّث لا يستغني عن أقوال من تقدّمه من الفقهاء والمحدّثين ، فلا ينفع الاستنباط من نصّ غير ثابت ، ولا ثبوت النصّ من غير استنباط.

وقد سار على هذا الدرب أئمّة أهل الأداء فجمعوا بين الرواية والدراية ، فاعتنوا بجمع الروايات والقراءات بالنقل المتسلسل مع التثبّت من ثبوتها بعزو ما رووه إلى الرواة بالسند ، ثمّ قاموا بهضم جميع ما نقلوه نصاً وتلقّوه أداءً فبيّنوا ووضّحوا وجمعوا مرويّاتهم في كتب على شكل أبواب ومسائل مرتّبة فكانت بدورها سرجاً يُستنار بها ، ويُرجع إليها ويُعتمد عليها. فكان اعتناؤهم بجانب ضبط النصوص وعزو الرواية إلى مصدرها بمثابة اعتنائهم بجانب الدراية والتفقّه في مروياتهم.

أمّا الذي لاحظته في هذه السنوات الأخيرة ، اعتناء الأكادميين من المتخصصين في علم القراءات بتحقيق التراث القديم أشدّ الاعتناء وبشتّى أساليبه فصارت لديهم ملكة وتجربة في ميدان التحقيق من ضبط المتن وإثبات صحّة الكتاب إلى مصنّفه وغير ذلك. وهذا الاهتمام طغى نوعاً ما على جانب العلمي فظهر نوع من التقصير فيما قد يمكن أن يُحصد من التراث الخصب من فوائد وأحكام تُنمّي الجانب العلمي الذي من أجله وُضعت الكتب والمصنّفات ، وهذا بمثابة من يُتعب نفسه في إثبات صحّة الحديث من غير أن يتفقّه ويستفيد من مضمونه ومقتضاه بالدرجة اللائقة.

ولست أقلّل من أهمّية الجانب التحقيقي للتراث القديم حاش لله ، إذ هو أمرٌ ضروريّ لا يستغني عنه المستنبط المجتهد إذ على النصّ الثابت تُبنى المسائل والأحكام ، فلا بدّ من التثبّت من صحّة النصّ ومصدره قبل الاستفادة منه والعمل بمقتضاه لا سيما في المسائل الشرعيّة التي بها نتعبّد الله تعالى. وكلّ هذه الجهود التي بُذلت في التحقيق العلمي للتراب إنّما هو لغرض التفقّه والاستفادة منه. فالغاية هو التفقّه والعمل بالمقتضى ، والوسيلة هو التثبّت من ضبط المتن وصحّة الخبر. وليس من المعقول الاهتمام بالوسيلة أكثر من الغاية لا سيما أنّ الغاية في حدّ ذاتها تحتاج إلى ملكة ونضج في العقل وتجربة معتبرة ، إذ كان أئمّتنا ومحقّقينا من أهل الأداء على تلكم الهيئة والسيرة. فابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى سُمّي محقّقاً لا من جهة تحقيق وضبط النصوص فحسب ، وإنّما من جهة الدراية والفقه في المسائل أيضاً . فالعلم فطنة ودراية أحسن منه سماعاً ورواية كما قال الداني ومكي القيسي عليهما رحمة الله تعالى.

أتعجّب من بعض الطلبة الذين يحرصون كلّ الحرص على تتبّع طبعات الكتب المحقّقة ونقدها ، وقد تجده ناقصاً من جهة الدراية والعلم ، بل وقد تجده قام بعمل جبّار في ميدان التحقيق ويُتوّج من خلال ذلك بتاج العلم والمعرفة. وقد تجد في هؤلاء من يسلّم لكلّ ما يُقرأ به اليوم من غير تمحيص وتنقيح ، مهملا للنصوص التي كان يمرّ عليها ذهاباً وإيّاباً أثناه تحقيقه للتراث ، فهؤلاء يقال لهم لمَ التحقيق إذن.

عند مطالعتي لكتب المتقّدمين ككتب الداني ومكي القيسي وغيرها تعجّبت من كثرة الفوائد الموجودة فيها وأكاد لا أرى من يُنبّه ويعلّق عليها وفيها من الأجوبة الشافية والكافية لفكّ الخلاف الذي يتخبّط فيه قرّاؤنا وعلماؤنا اليوم في أصول المسائل وفروعها.

ولا أنفي وجود عدد من العلماء الذين ما اكتفوا باستخراج الكنوز من بطون المخازن فحسب بل استخرجوا الفوائد وأبرزوها على الساحة فجدّدوا ووضّحوا وبيّنوا بعض الحقائق التي ما كان الواحد يتجرّأ على التعرّض لها ، فصارت اليوم من المسلّمات لقوّة الأدلّة التي أبرزت وتجلّت من خلال ما حوته تلك المصادر.

وقبل يومين كانت جالساً أمام مكتبتي فلفت نظري إلى كتاب التحديد للداني فجذبني إليه وفتحته فوقع بصري على نصّ ما تفطنت له من قبل مع إنّي طالعت الكتاب عدّة مرّات. والنصّ هو : قال الداني : " وأمّا المخفى فعلى نوعين : أخفاء الحركات ، وإخفاء النون والتنوين " (التحديد ص100 تحقيق شيخنا غانم الحمد). فقلت في نفسي لمَ لم يذكر الميم المخفاة ؟ ووضعت هذا النصّ في ملفّ المسألة بنظرة واحدة في الكتاب. وقلت في نفسي أيضاً : هذه نظرة واحدة فما بالك بالنظرات والدوام على المطالعة. فإننا والله سنستفيد الكثير والكثير ما لم يكن حتّى في الحسبان فلا ينبغي أن تتطغى الوسيلة على الغاية. فالتراث له حقّ عليها وهو إخراجه بتحقيقه ثمّ الاستفادة منه والعمل بمقتضاه في الفصل بين المختلف فيه من جهة ، والاستنارة به في التأصيل العلمي الذي يفتقد إليه علم التجويد والقراءات.

لا فض فوك . أجدتَّ و أفدتّ شيخنا الكريم .
 
لسلام عليكم جميعا
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه وبعد :
فقد سبق وتناقش أخونا الفاضل عبد الحكيم فولي مع أخينا الكريم محمد يحي شريف في مسألة القلب والإخفاء والفرجة والإطباق وانتهى الأمر بينهما بقيام الحجة على خطأ القائلين بالإطباق وقد حاد المناقش له مرات ومرات ثم واصلت النقاش معه فحاد أكثر مما حاد مع الشيخ عبد الحكيم وانتهى النقاش إلى إقراره بصحة الفرجة في كلامه الذي خطه بيده وحسبت الأمر قد انتهى فتركت الرد عليه , فلماذا يثير الموضوع ها هنا ؟ ألم يكف ما سطر في المسألة من قبل , والأخ محمد شريف هنا يتعقب الأئمة الكبار ابن الجزري والمرعشي وغيرهما ثم يغضب إذا تعقبه متعقب ويضيق من الحوار ثم يعلق ذلك على حدة المحاور له وشدة الرد ولو تأمل في عنوانه الذي كتب تحته هذا الكلام المكرر ( تأملات وتعقبات ) فالله المستعان .أخي محمد شريف ألم تكتب ببنانك :
أمّا كيفية الفرجة فنحن ندرك كيفيّتها وقد قرأنا بها على كبار المشايخ الذين يقولون بها وأقرّونا عليها ، فليست القضيّة تقعير الفم وإنّما في التلامس والاحتكاك. فإن كان المراد من الفرجة الملامسة والاحتكاك فأنّي أقول بها من اليوم وإمّا إن كان غير ذلك فهو انفراج بين الشفتين أحببت أم كرهت. أ.هـ
ثم قال :
خذوا هذه الفرجة وكلوها ودعونا وشأننا أ.هـ
وقد أجبته هناك وهو يضطرني إلى نقله هنا :
هذا هو الإفلاس الذي أقررت به أخيرا والحيدة التي برهنت عليها كثيرا , والحيصة التي وقعت فيها أسيرا , وأكرر عليك لغزي نظما وهيهات أن تجد له جوابا عند العقلاء :

[poem=font="Simplified Arabic,6,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
عجب عجاب هل تكلم عاقل = وبمثل لغزك أين أين القائل ؟
إن رمت إظهارا فإنك مطبق = أورمت إخفاء فذلك باطـل
حكمان بينهما اختلاف شاسع = فهل التباعد عندكم متماثـل
أم ذاك تجويد جديد محـدث = هل من جواب يرتضيه العاقل [/poem]

أنسيت كلامك أم هي الحيدة المعتادة ؟
وانظر على سبيل المثال هذه الروابط بهذا المنتدى لترى العجب , وسبحان الله وبحمده .
http://vb.tafsir.net/showthread.php?t=17594

http://vb.tafsir.net/showthread.php?t=2029
 
.... والخلاف لفظيّ حتّى في الألف لأنّه لا يُتصوّر إمكان ترقيق الألف في {طال} و{وفصالا} ، {ويصّالحا} لمن قرأ لورش بوجه التغليظ.

وقد غيّر رأيه ابن الجزري في ذلك بعد أن كان يعتقد أنّ الألف مرقّقة مطلقاً ، فبعد أن قال (وحذرن تفخيم لفظ الألف ) قال في النشر والصحيح أنّها لا توصف ............

فلا يُعقل أنّه قد غيّر أداءه في ذلك ، لذا فإنّ الخلاف في الألف لفظيّ كذلك ومع هذا لم يتعرّض ابن الجزري ولا غيره للواو مطلقاً.
والعلم عند الله تعالى.

السلام عليكم
ما الغريب في أن ابن الجزري يغير أداءه في مسألة الألف ؟

فقد سقت لك من قبل نقولات غير فيها بعض أئمتنا من أدائهم ، ورجعوا عن أشياء في نهاية المطاف .
وانظر إلي قول ابن الجزري في النشر عن قضية الألف ووقتها ستعلم هل المسألة علي الحقيقة أو غير ذلك .
((، وأما الألف فالصحيح أنها لا توصف بترقيق ولا تفخيم بل بحسب ما يتقدمها فإنها تتبعه ترقيقاً وتفخيماً، وما وقع في كلام بعض أئمتنا من إطلاق ترقيقها فإنما يريدون التحذير ما يفعله بعض العجم من المبالغة في لفظها إلى أن يصيروها كالواو أو يريدون التنبيه على ما هي مرققة فيه.

وأما نص بعض المتأخرين على ترقيقها بعد الحروف المفخمة فهو شيء وهم فيه ولم يسبقه إليه أحد .

وقد رد عليه الأئمة المحققون من معاصريه، ورأيت من ذلك تأليفاً للإمام أبي عبد الله محمد بن بصخان سماه: التذكرة والتبصرة لمن نسيَ تفخيم الألف أو أنكره قال فيه:

(( إعلم أيها القارئ أن من أنكر تفخيم الألف فإنكاره صادر عن جهله أو غلظ طباعه، أو عدم اطلاعه، أو تمسكه ببعض كتب التجويد التي أهمل مصنفوها التصريح بذكر تفخيم الألف. ثم قال :
(( والدليل على جهله أنه يدعي أن الألف في قراءة ورش طالا وفصالا وما أشبههما مرققة وترقيقها غير ممكن لوقوعها بين حرفين مغلظين والدليل على غلظ طبعه أنه لا يفرق في لفظه بين ألف (قال) وألف (حال) حالة التجويد .

والدليل على عدم اطلاعه أن أكثر النحاة نصوا في كتبهم على تفخيم الألف ثم ساق نصوص أئمة اللسان في ذلك ووقف عليه أستاذ العربية والقراءات أبو حيان رحمه الله فكتب عليه: طالعته فرأيته قد حاز إلى صحة النقل كمال الدراية، وبلغ في حسنه الغاية- ))ا.هـ
تدبره ثم قل لي هل هذا خلاف لفظي ؟ ولم كلف نفسه بالرد علي بعض المتأخرين مع أنه سبق وقال (( وما وقع في كلام بعض أئمتنا من إطلاق ترقيقها فإنما يريدون التحذير ما يفعله بعض العجم من المبالغة في لفظها إلى أن يصيروها كالواو أو يريدون التنبيه على ما هي مرققة فيه. )) ؟

والله أعلم
والسلام عليكم
 
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

كيف حالك أخي الشيخ عبد الحكيم ؟ أرجو أن تكون في صحّة وعافية تامّة

قولكم :

تدبره ثم قل لي هل هذا خلاف لفظي ؟ ولم كلف نفسه بالرد علي بعض المتأخرين مع أنه سبق وقال (( وما وقع في كلام بعض أئمتنا من إطلاق ترقيقها فإنما يريدون التحذير ما يفعله بعض العجم من المبالغة في لفظها إلى أن يصيروها كالواو أو يريدون التنبيه على ما هي مرققة فيه. )) ؟

أخي الحبيب : الذي يظهر لي من خلال هذا النصّ الذي نقلته هو تأكيد بأنّ الخلاف لفظيّ بدليل قوله : "وما وقع في كلام بعض أئمتنا من إطلاق ترقيقها " أقول : ماذا يقصد من عبارة "من إطلاق ترقيقها" أليس هو اعتراض على إطلاق لفظ الترقيق على الألف وليس اعتراض على الأداء؟. إضافة إلى ذلك أنّ اعتراضه على التفخيم أداءً كان موجّهاً إلى بعض العجم وليس إلى العرب فضلاً عن أئمّة الأداء.

وانظر إلى عبارة ابن الجزري "وأما الألف فالصحيح أنها لا توصف بترقيق ولا تفخيم" فقوله "أنّها لا توصف" دلالة على أنّ الخلاف في الوصف دون الأداء.

أمّا قولكم :
ولم كلف نفسه بالرد علي بعض المتأخرين مع أنه سبق

الجواب : الخلاف الفظيّ لم يمنع العلماء يوماً من الاجتهاد والنقد ولا أحتاج أن أسرد لك الأمثلة ، ويكفي في ذلك اختلافهم في المخارج والصفات وألقاب الحروف مع اتّفاقهم جميعاً في الأداء.
 
ورد النص على إخفاء النون المقلوبة عند المتقدمين

ورد النص على إخفاء النون المقلوبة عند المتقدمين

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

أخي الفاضل محمد بن يحيى شريف
بارك الله فيكم وجزاكم خيراً على ما سطرت أيديكم من هذه التأملات والملاحظات، ورغبةً مني في الفائدة أستأذنكم في التعقيب على الملاحظة الأولى

الملاحظة الأولى :

عند مطالعتي لكتب المتّقدّمين من أهل الأداء ما وجدتّ واحداً منهم عبّر بالإخفاء في الميم المقلوبة من النون الساكنة والتنوين في نحو {عليم بذات الصدور } ، و {من بعد} بل وجدتّ أنّهم عبّروا بأنّ النون تُقلب ميماًً خالصة أو ميما ساكنة أو ميماً وما أشاروا إلى الإخفاء بعد القلب لا من قريب ولا من بعيد. وأوّل من استعمل اصطلاح الإخفاء بعد القلب ابن الجزري عليه رحمة الله تعالى بقوله في النشر : " ولابد من إظهار الغنة مع ذلك فيصير في الحقيقة إخفاء الميم المقلوبة عند الباء فلا فرق حينئذ في اللفظ بين (أن بورك، وبين: يعتصم بالله)". ولم يستعمل هذا الاصطلاح في البداية إلاّ بعد النظر والاجتهاد حيث قال في كتابه التمهيد الذي ألّفه في شبابه : "فإذا أتى بعد النون الساكنة والتنوين باء قلبت ميماً من غير إدغام ". ومن ثمّ تتابعت عبارات المتأخّرين من أهل الأداء بعد ابن الجزري في استعمالهم للفظ الإخفاء بعد القلب على ضوء ما صرّح به في النشر.
.

فقد وجدتُ نصاً للإمام عبد الوهاب بن محمد القرطبي (ت 461هـ) بهذا الخصوص في كتابه الموضح في التجويد حيث قال في ص 174: ((النون الساكنة والتنوين إذا وليتهما الباء كقوله تعالى( من بعد ما ) (من بيوتكم سكناً) (صمٌ بكمٌ عمي) (فانبجست)... وما أشبه ذك ؛ فإن النون تنقلب ميماً وتصير في اللفظ كقولك: مم بعد، فامبجست، أمبئوني، وكذلك سائرها، كما تنقلب في عنبر ومنبر، ثم بعد قلبها ميماً يتحول اللفظ إلى الإخفاء؛ لأن حظ الميم إذا سكنت أمام الباء الإخفاء، وغنة النون والميم عند الباء تشتبه فلا يوجد في اللفظ فرقٌ بين قوله (أم بظاهرٍ من القول) (أم به جنة) وبين (أنبتكم من الأرض) (أنبئوني)، سواء كان ما قبل الباء نوناً أو ميماً، لا فرق بينهما، كله في اللفظ سواء)) اهـ.
وفق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح
 
ربّ زدني علماً

شيخنا الفاضل أحمد الرويثي جزاكم الله خيراً على هذا الاستدراك القيّم المؤدّب وأسأل الله تعالى أن ينفع بكم وأن يوفّقكم لما فيه الخير الصلاح وأن يحشركم مع السفرة الكرام البررة. آمين.
 
السلام عليكم
كيف الحال أخي الحبيب محمد يحيي ؟ آمل أن تكون بصحة وعافية ( وحشتني)

تدبر معي أخي الكريم قول الإمام ابن الجزري كما سأعرضه عليك :

قال ( وما وقع في كلام بعض أئمتنا من إطلاق ترقيقها فإنما يريدون التحذير ما يفعله بعض العجم من المبالغة في لفظها إلى أن يصيروها كالواو أو يريدون التنبيه على ما هي مرققة فيه. ))
فهنا يوجه الإمام ابن الجزري كلام القدامي ويعبر فيه بأن الخلاف لفظي إلي هذا الحد ..

ثم قال : ( وأما نص بعض المتأخرين على ترقيقها بعد الحروف المفخمة فهو شيء وهم فيه ولم يسبقه إليه أحد . ))

وهنا ينقل قول من قال بترقيق الألف علي الحقيقة ، ويصفه " بالواهم " ووصفه أيضا بأنه لم يسبقه إلي حقيقة هذا القول أحد " فلو لم يكن الخلاف عند من نقل عنه علي الحقيقة لوجه كلامه كما وجه كلام القدامي ..وهذا ظاهر وواضح .



ثم قال : (وقد رد عليه الأئمة المحققون من معاصريه، ورأيت من ذلك تأليفاً للإمام أبي عبد الله محمد بن بصخان سماه: التذكرة والتبصرة لمن نسيَ تفخيم الألف أو أنكره قال فيه: ))

وهذا أكبر دليل علي أن الخلاف فيه حقيقي .

أما أنه غير أداءة ما أذكره أن ابن الجزري أخذ عن ابن الجندي وابن الجندي عن الجعبري " فاليحرر" ، والجعبري قال بترقيق الألف كما في منظومته " عقود الجمان " .

وبهذا يتضح صراحة الخلاف كما في مسألة إخفاء النون المقلوبة والميم المخفاة . والله أعلم
والسلام عليكم
 
ثم قال : ( وأما نص بعض المتأخرين على ترقيقها بعد الحروف المفخمة فهو شيء وهم فيه ولم يسبقه إليه أحد . ))

أخي عبد الحكيم هذه العبارة لا تدلّ على أنّ الخلاف خلاف أداء فقوله نصّ بعض المتأخرين على ترقيقها أي أنّ بعض المتأخرين قال بترقيقها بدليل أنّه قال : ولم سيبقه إليه أحد بمعنى لم يسبقه واحد إلى هذا القول ولم يقل : ولم يقرأ به واحد سواه.

وتعلم جيّداً أنّ ابن الجزري كان يقول بهذا القول في البداية. السؤال وهل قرأ به ؟ وهل هناك ما يدلّ أنّه قرأ به ؟ ما أشار إلى الأداء في المسألة لا من قريب ولا من بعيد.
 
أخي الفاضل عبد الحكيم أنصحك بما نصحتني به من قبل حتى تحفظ وقتك الثمين ولا تضيعه في نقاش لا يثمر .
 
الأصول المعتمدة عند أئمة الأداء في نقلهم للقرءان الكريم (الجزء الأول)

الأصول المعتمدة عند أئمة الأداء في نقلهم للقرءان الكريم (الجزء الأول)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد


إنّ المتقدّمين من أهل الأداء اعتنوا في نقلهم للقرءان الكريم على الرواية والأداء والدراية جميعاً وما أهملوا واحداً من هذه الأمور الثلاثة المهمّة ، فبالرواية يُعرف ثبوت النقل إلى مصدره من جهة الإسناد سواء كانت قراءة أو رواية أو طريقاً أو وجهاً ، وسواء كان المنقول أداءً أو نصّاً ، وكلّ ذلك خاضع للضوابط والشروط التي وضعها الأئمّة في الحكم على المنقول بالصحّة أو التواتر أو الشهرة أو الشذوذ أو غير ذلك. وأمّا الأداء فهو مجرّد تطبيق عمليّ وترجمة عمليّة للرواية الثابتة عن طريق التلقّي والمشافهة من المشايخ ، وصحّة الأداء مرتبط بصحّة الرواية لأنّها إن ثبتت بشروط القبول التي وضعها الأئمّة كان الأداء تابعاً لها في الثبوت فلا قيام للرواية من غير أداء إذ الأداء هو المعنيّ بالنقل والرواية عن الغير. وأمّا الدراية فهي كناية عن الضبط والتفهّم والتمييز والتبصّر في تمحيص المادّة الأدائيّة المنقولة وتسليط الحسّ النقدي عليها ، فيكون الراوي بذلك عالماً بصيراً بمرويّاته بل ناقداً لها كما هو دأب أبي عمرو الداني في جامع لبيان وابن الجزري في كتابه النشر وغيرهما من النقّاد الجهابذة. والنقد يكون على حسب الشروط التي وضعها كلّ إمام في قبول المنقول نصاً وأداءً وهذا ما حمل ابن الجزري على إهمال ونقد بعض مرويّاته لأنّها لم تستوف جميع الشروط المقرّرة لديه.

لذا فإنّه يمكن أن نعتبر بأنّ أئمّتنا عليهم رحمة الله تعالى اعتمدوا على :

- النصوص المنقولة
- الأداء المنقول
- الدراية
- النقد والذي يتمثّل في استبعاد وردّ كل ما خرج عن شروط قبول الرواية التي وضعها الأئمّة.


أ - الاعتماد الأئمة على النصوص المنقولة بالدرجة الأولى :

قال الداني عليه رحمة الله تعالى : "مع الإعلام بأنّ القراءة ليست بالقياس دون الأثر" (جامع البيان ص172).
قال مكّي القيسي عليه رحمة الله تعالى : "والرواية إذا أتت بنصّ في الكتب والقراءة كانت أقوى وأولى من رواية لم تُنقل في كتاب الله ولا صحبها نصّ ، وما نُقل بالتلاوة ولم يؤيّده نصّ كتاب فالوهم والغلط ممكن ممن نقله إذ هو بشر "(تمكين المدّ في آتى وآمن وآدم وشبهه ص37).
وقال في كتابه التبصرة : " فجميع ما ذكرناه في هذا الكتاب ينقسم ثلاثة أقسام: قسم قرأت به ونقلته وهو منصوص في الكتب موجود. وقسم قرأت به وأخذته لفظاً أو سماعاً وهو غير موجود في الكتب وقسم لم أقرأ به ولا وجدته في الكتب ولكن قسته على ما قرأت به إذ لا يمكن فيه إلا ذلك عند عدم الرواية في النقل والنص وهو الأقل"
قال ابن عظيمة الإشبيلي (ت543) : "ولا ينبغي أن يقنع الطالب بالمشافهة من العلم ، فيسمع لفظه إذا تكلّم ، فلربّما كان ممن جرى الصواب على لسانه ، وهو لا يعلم مقدار إحسانه ، ولا بدّ من مفارقته ما سمع ، فيرجع إلى ما به طبع ، فإن كان ممن علم عمل ، وإن اكتفى بما سمع لم يلبث أن يجهل" (منح الفريدة ص212).
وقال الشاطبيّ عليه رحمة الله تعالى :

وما بعده كسر أو اليا فما لهم ...... بترقيقه نصّ وثيق فيمثلا

وقال : وبعضهم في الأربع الزهر بسملا ...... لهم دون نصّ

وقال : ولا نصّ كلا حبّ وجه ذكرته ...... وفيها خلاف جيده واضح الطلا.

أقول : فهذي نصوص القوم تؤكّد على أنّ ما أودعوه في سطورهم هو المعبّر القويم عن الكيفيّة الصحيحة التي تلقّوها عن مشايخهم ، ويكفي في إثبات ذلك أنّ عدم ثبوت النصّ عندهم مشكلة وسبيل للنقد والتشكيك والاحتمال كما يظهر من كلام مكّي القيسي وصنيع الإمام الشاطبيّ عليه رحمة الله تعالى ، وأنّ مجرّد الاعتماد على الأداء المأخوذ عن غير مرجع مسطور ومصدر موثوق قد يُفضي إلى الوهم والغلط. لذا فإنّ أهل الأداء اعتمدوا على النصوص بالدرجة الأولى إذ به يجد الأداء مصداقيّته التي ترفعه من الشكّ والاحتمال إلى اليقين والقطع.


ب - الاعتماد على الأداء :

اعتمد أئمّتنا على الأداء من ناحيتين مختلفتين من حيث الهدف والغاية :

الأولي : الاعتماد على الأداء لإدراك الهيئة الأدائيّة حال القراءة ، وذلك عن طريق التلقّي والمشافهة من المشايخ ، فيكون الأداء بذلك مفسّراً للنصّ من الجهة العمليّة التطبيقيّة.

الثانية : الاعتماد على الأداء استدلالا وإثباتاً لصحّة الوجه المقروء به. وهذا منوط بشروط :

الأوّل : أن يفتقد الأداء إلى النصّ ، فلو ثبت بالنصّ فلا حاجة إلى الاستدلال بالأداء ، وإنّما يقتصر دوره على نقل الكيفيّة الأدائيّة بالتسلسل.
الثاني : أن يكون الأداء ثابتاً في الكتب والمصادر ومشهوراً عند الأئمّة عليهم رحمة الله تعالى.
ثالثاً : أن يكون قوياً من جهة القياس.

ولنضرب أمثلة في ذلك : الأوّل : إدغام أبي عمرو {قال ربّ} ،{ قال ربّكم} وشبهه فإنّ أهل الأداء أجمعوا أداءً على إدغام لام {قال} في الراء مطلقاً كما ذكر الداني في كتابه الإدغام الكبير ، إلاّ أنّ النصّ لم يرد في {قال رجل} و {قال رجلان} ، فاعتمد الداني على الأداء المجمع عليه لإلحاق{قال رجل} و {قال رجلان} بنظائرها قياساً وتقويّة للوجه الذي لم يرد فيه النصّ ، والقياس هنا مراده إدراج الألفاظ المعنيّة بالإدغام تحت نفس الأصل والقاعدة وهو إدغام {قال} في الراء. المثال الثاني : إمالة {البارئ} مع {بارئكم} فإنّها ثابتة بالأداءً المشهور عن الدوري الكسائي إلاّ أنّ النصوص وردت في لفظ {بارئكم} دون {البارئ} فألحقت الكلمة الثانية بالأولى لاتفاقهما حكماً واشتهارهما من جهة الأداء كما هو الحال في المثال الأوّل وسببه أنّ الأئمّة قد يذكرون كلمة على سبيل التمثيل فيظنّ المتأخرون أنّها ذكرت للحصر فيلتبس عليهم الأمر فيلجئون إلى القياس لإلحاق الكلمات التي لم يردّ النصّ فيها بنظائرها. المثال الثالث : جواز المدّ والقصر عند إسقاط الأولى من الهمزتين نحو {شآء أن شره} ، و {السمآء أن تقع }. قال الداني : "وقد حكى أبو بكر الداجوني عن أحمد بن جبير عن أصحابه عن نافع في الهمزتين المتفقتين أنّهم يمدّون الثانية منها نحو {السمآء أن تقع }. قال : يهمزون ولا يطوّلون السماء ولا يهمزونها ، وهذا نصّ منه على قصر الألف قبل الهمزة الساقطة والمليّنة ، ولا أعلم أحداً من الرواة نصّ عليها بمدّ ولا بقصر غيره ، وإنّما يُتلقّى الوجهان فيهما من أهل الأداء تلقّياً"(جامع البيان ص225). الشاهد قوله : "وإنّما يُتلقّى الوجهان فيهما من أهل الأداء تلقّياً" أقول : كأنّ الداني استغرب كيف انتشر الوجهان أداءً عن الأئمّة ولم يرد في ذلك إلاّ نصّ واحد يُثبت القصر دون المدّ ، لذا يمكن أن نقول بأنّ الوجهين ثابتان بالأداء المشهور ، وكلاهما قويّ من جهة القياس الذي يتمثّل في تبرير وجه المدّ اعتداداً بالأصل وهو وجود الهمزة الموجبة للمدّ قبل الإسقاط ، وكذا تبرير القصر لثبوته بالنصّ الوحيد من جهة واعتداداً بالعارض وهو ذهاب الهمزة بالحذف الذي أوجب القصر من جهة القياس ولا مانع من الاعتداد بالعارض إن اشتهر الوجه أداءً. أقول : وهذا ما يزيدنا يقيناً أنّ القدامى من أئمّة الأداء كانوا يتحفّظون من كلّ أداء مفتقر للنصّ ولو ثبت بالتواتر والإجماع فكانوا يُلحقونه بنظيره و يدرجونه تحت أصل وثيق ليكون قويّا من جهة القياس.

قد يقول القائل : لماذا هذا التحفّظ مع ثبوت الأداء بالتواتر أو الإجماع ؟

الجواب : لم يكن من المعقول عند الأئمّة أن يصل الأداء إلى مرتبة الشهرة أوالتواتر أو الإجماع دون أن يكون منصوصاً عليه من طرف من تقدّمهم من أهل الأداءً.

قد يقول القائل : لماذا لجئوا إلى القياس تقوية للأداء المجمع عليه مع أنّ الإجماع أقوى من القياس فلا حاجة له به ليتقوّى ؟

الجواب : هناك فرق بين القياس المحض الذي نشأ عن مجرّد رأي لم يسبقه نصّ ولا أداء ، وبين الذي كان ثابتاً بالأداء عن الأئمّة فقوي بالقياس ليندرج تحت أصل وثيق يعيد له اعتباره ويعوّضه عن الضعف الذي اعتراه بافتقاره للنصّ. لأنّ النصّ هو الذي يوثّق الأداء ويجعله معتبراً ، وإذا افتقر الأداء إلى النصّ فإنّه يفتقد تلك المصداقية. ومن هنا يظهر جلياً منزلة النصوص بالنسبة للأداء عند أئمّتنا.

وسأذكر في الجزء الثاني الاعتماد على الدراية إن شاء الله تعالى
 
السلام عليكم أخانا الفاضل , جزاك الله خيرا على ما تتحفنا به ولكن اسمح لي بمنقاشتك في بعضه لعلنا نستفيد من النقاش.
تقول :
لذا فإنّه يمكن أن نعتبر بأنّ أئمّتنا عليهم رحمة الله تعالى اعتمدوا على :
- النصوص المنقولة
- الأداء المنقول
- الدراية
- النقد والذي يتمثّل في استبعاد وردّ كل ما خرج عن شروط قبول الرواية التي وضعها الأئمّة.
أقول : فهذي نصوص القوم تؤكّد على أنّ ما أودعوه في سطورهم هو المعبّر القويم عن الكيفيّة الصحيحة التي تلقّوها عن مشايخهم ، ويكفي في إثبات ذلك أنّ عدم ثبوت النصّ عندهم مشكلة وسبيل للنقد والتشكيك والاحتمال كما يظهر من كلام مكّي القيسي وصنيع الإمام الشاطبيّ عليه رحمة الله تعالى ، وأنّ مجرّد الاعتماد على الأداء المأخوذ عن غير مرجع مسطور ومصدر موثوق قد يُفضي إلى الوهم والغلط. لذا فإنّ أهل الأداء اعتمدوا على النصوص بالدرجة الأولى إذ به يجد الأداء مصداقيّته التي ترفعه من الشكّ والاحتمال إلى اليقين والقطع.
وهل هذه الأمور بمعزل عن بعضها أم أنها مترابطة متلازمة ؟
هل يمكن أن يعتمد إمام على نص دون رواية وعلى أداء دون رواية ؟
وهل يمكن أن يتعارض أداء صحيح مع نص صريح ؟
ألا ترى تناقضا بين ما لونته لك بالأزرق من كلامك وما لونته بالأحمر منه , فأنت تتكلم عن صنيع الأئمة الذين نقلت نصوصهم فهل من صنيعهم التفريق بين الرواية والدراية والنصوص ؟ وهل اعتمدوا على النصوص بالدرجة الأولى كما فهمت أنت ؟
أين صريح قولهم في اعتمادهم على النصوص بالدرجة الأولى ؟
وتقول :
[
U]ب - الاعتماد على الأداء :[/U]

اعتمد أئمّتنا على الأداء من ناحيتين مختلفتين من حيث الهدف والغاية :

الأولي : الاعتماد على الأداء لإدراك الهيئة الأدائيّة حال القراءة ، وذلك عن طريق التلقّي والمشافهة من المشايخ ، فيكون الأداء بذلك مفسّراً للنصّ من الجهة العمليّة التطبيقيّة.

الثانية : الاعتماد على الأداء استدلالا وإثباتاً لصحّة الوجه المقروء به. وهذا منوط بشروط :

الأوّل : أن يفتقد الأداء إلى النصّ ، فلو ثبت بالنصّ فلا حاجة إلى الاستدلال بالأداء ، وإنّما يقتصر دوره على نقل الكيفيّة الأدائيّة بالتسلسل.
الثاني : أن يكون الأداء ثابتاً في الكتب والمصادر ومشهوراً عند الأئمّة عليهم رحمة الله تعالى.
ثالثاً : أن يكون قوياً من جهة القياس.
أولا هذه الشروط والضوابط وهذا الذي تؤصل له لابد من توثيقه كما تعلم من نصوص المتقدمين فأين ذلك التوثيق ؟
أين اعتمادك على النصوص الذي صدرت به كلامك ؟
وثق شروطك ثم اضرب الأمثلة .
وبعد الجواب المقنع يمكن أن نكمل في الأمثلة إن شاء الله .
 
السلام عليكم أخانا الفاضلأولا هذه الشروط والضوابط وهذا الذي تؤصل له لابد من توثيقه كما تعلم من نصوص المتقدمين فأين ذلك التوثيق ؟
أين اعتمادك على النصوص الذي صدرت به كلامك ؟
وثق شروطك ثم اضرب الأمثلة .
وبعد الجواب المقنع يمكن أن نكمل في الأمثلة إن شاء الله .

السلام عليكم
بارك الله فيك شيخنا الفاضل محمد الشعباني ، لا بد من توثيق المعلومة وهذا أمر ضروري .

فإن أردنا توثيق المعلومات فسيحدث تعارض ما بين المقروء وما بين المنصوص في بعض الأداءات وهذا ما ذكره مكي وقال في كتابه التبصرة : "......وقسم لم أقرأ به ولا وجدته في الكتب ولكن قسته على ما قرأت به إذ لا يمكن فيه إلا ذلك عند عدم الرواية في النقل والنص وهو الأقل"))

وقوله (ولكن قسته على ما قرأت به ) واضح

وهناك من اعتمد علي النص دون الأداء فتناقض ، فأخذ بالغنة المفخمة دون نص فخالف قراءة الأئمة المعتبرين .

وأخذ بالنص في مسألة تفاوت مقدادير الغنن فخالف قراءة الأئمة المعتبرين .

أما نصوص الأئمة في التحذير من الاعتماد علي المشافهة محمولة علي غير المشهور

والله أعلم
والسلام عليكم
 
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

سأجيبك بحول الله تعالى عن المجموعة الأولى من الأسئلة وبعدها أنتقل إلى المجموعة الثانية

قولكم

وهل هذه الأمور بمعزل عن بعضها أم أنها مترابطة متلازمة ؟


الجواب : أنّ هذه الشروط مترابطة ، فالرواية الصحيحة تحتوى على نصوص وأداء منقول بالتسلسل ، ولا يتحققّ ذلك إلاّ بالعلم المتضمّن للمنقول إذ الرواية لا تؤخذ إلاّ عن علم وفهم ، إضافة إلىّ النقد الذي يكون على أساس شروط التي وضعها الأئمّة عليهم رحمة الله تعالى.

قولكم :

هل يمكن أن يعتمد إمام على نص دون رواية وعلى أداء دون رواية ؟
يستحيل أن يوجد نصّ من غير أداء لأنّ النصوص تعبّر عن الكيفيّة الأدائية المنقولة ، فإن انعدم الأداء فعلى أيّ أساس يوضع النصّ ؟.
أمّا الأداء فإن نُقل بالإسناد فيُعدّ من الرواية بغضّ النظر عن صحّتها وضعفها ، فتتقوّي بالنصوص وشهرة الأداء وقوّتها في القياس.

قولكم :

وهل يمكن أن يتعارض أداء صحيح مع نص صريح ؟

الجواب : ماذا تقصد بالنصّ الصحيح ؟ الأولى أن يُقال النصّ المعتبر الذي اشتهر مضمونه وأداءه عند المتقدّمين ، فإن كان الأداء مشهوراً ومستفاضاً فلا يُعقل أن يخالفه نصّ صريح معتبر اللهمّ إلاّ إن كان الخلاف خلاف تنوّع أو كان النصّ مجملاً محتملاً لأكثر من وجه ، أو كان مضمونه شاذاً انفرد به البعض.


قولكم :

ألا ترى تناقضا بين ما لونته لك بالأزرق من كلامك وما لونته بالأحمر منه , فأنت تتكلم عن صنيع الأئمة الذين نقلت نصوصهم فهل من صنيعهم التفريق بين الرواية والدراية والنصوص ؟

الجواب : الدراية ملازمة لكلّ علم من العلوم وبها يُفرّق بين المقلّد والعالم ويُميّز بين الصحيح والضعيف فهي من مسلّمات الأمور وقد فرّق بينهما الداني ومكي القيسي بقولهما : "فالعلم فطنة ودراية أحسن منه سماعاً ورواية " فالدارية هو العلم بمقتضى المنقول ، والرواية قد تُنقل من غير علم وفهم.؟

وأمّا الرواية بالنسبة للنصّ فهي أعمّ فكلّ ما نُقل بالإسناد يُسمّى رواية وهي تتقوّى بالنصوص والأداء المشهور كما يتقّوى الحديث الضعيف إلى درجة الحسن لغيره بالشواهد والمتابعات ، ويرتقي الحسن إلى درجّة الصحّة بذلك ، فالرواية كناية عن النقل المتسلسل من الراوي إلى المروي إلى منتهى الإسناد فقط وهذا لوحده لا يكفي لقبولها إلاّ إذا انتشر أداؤها وكثرت نصوصها ، وقويت من جهة القياس فترتقى بذلك إلى أعلى درجات الصحّة. وإذا نُقل النصّ بالأسناد كان رواية فالرواية شاملة لكلّ منقول بالإسناد والعلم عند الله تعالى


قولكم :

وهل اعتمدوا على النصوص بالدرجة الأولى كما فهمت أنت ؟

الجواب :
بالطبع ، قال مكي القيسي "والرواية إذا أتت بنصّ في الكتب والقراءة كانت أقوى وأولى من رواية لم تُنقل في كتاب الله ولا صحبها نصّ ، وما نُقل بالتلاوة ولم يؤيّده نصّ كتاب فالوهم والغلط ممكن ممن نقله إذ هو بشر "(تمكين المدّ في آتى وآمن وآدم وشبهه ص37).

وقال في كتابه التبصرة : " فجميع ما ذكرناه في هذا الكتاب ينقسم ثلاثة أقسام: قسم قرأت به ونقلته وهو منصوص في الكتب موجود. وقسم قرأت به وأخذته لفظاً أو سماعاً وهو غير موجود في الكتب وقسم لم أقرأ به ولا وجدته في الكتب ولكن قسته على ما قرأت به إذ لا يمكن فيه إلا ذلك عند عدم الرواية في النقل والنص وهو الأقل". أقول قدّم المنصوص على غير المنصوص.

قد ضعّف الإمام الشاطبيّ بعض الأوجه الأدائيّة لعدم وجود نصّ وثيق أي نصّ معتبر.

قد استشكل أئمّتنا إدغام {قال رجل } و {قال رجلان } للبصري وإمالة {البارئ} للدوري الكسائي لعدم ثبوت النصّ ولولا شهرتها من جهة الأداء وقوّتها قياساً لضعّفوها.

وما ذكرته من الأدلّة يكفي.

قولكم :

أين صريح قولهم في اعتمادهم على النصوص بالدرجة الأولى ؟

الجواب : صنيعهم ومنهجهم يدلّ على ذلك.


والعلم عند الله تعالى
 
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

الجواب : ماذا تقصد بالنصّ الصحيح ؟ الأولى أن يُقال النصّ المعتبر الذي اشتهر مضمونه وأداءه عند المتقدّمين ،
وهل هناك نصوص صحيحة ليست معتبرة ؟
بالطبع ، قال مكي القيسي "والرواية إذا أتت بنصّ في الكتب والقراءة كانت أقوى وأولى من رواية لم تُنقل في كتاب الله ولا صحبها نصّ ، وما نُقل بالتلاوة ولم يؤيّده نصّ كتاب فالوهم والغلط ممكن ممن نقله إذ هو بشر "(تمكين المدّ في آتى وآمن وآدم وشبهه ص37).
مكي يقارن بين رواية مع نص ورواية من غير نص وسؤالي كان هل اعتمد الأئمة على نص بلا رواية فأعد الجواب ؟
 
قولكم :

وهل هناك نصوص صحيحة ليست معتبرة ؟

الجواب :

قديثبت النصّ بالسند الصحيح ولكن قد يكون مضمونه غير متلقًى بالقبول لعدّم توفّر فيه شرط الشهرة والاستفاضة ، والشاذ عند المحدّثين هو انفراد الثقة بزيادة مخالفة لغيره من الثقات وبالتالي فكما أنّ صحّة الإسناد لا تعني صحّة المتن فكذلك صحّة سند النصّ لا تعني اشتهار أداءه عند أهل الأداء. مع التذكير أنّ الشهرة شرط لقبول الوجه.

مكي يقارن بين رواية مع نص ورواية من غير نص وسؤالي كان هل اعتمد الأئمة على نص بلا رواية فأعد الجواب ؟

الجواب : إن كان الوجه الثابت بالنصّ والأداء مقدّم على غيره ، وكان الأداء المجرّد عن النصّ أعلّه الأئمّة كما في الأمثلة دلّ ذلك على ما قلتُ ، ويكفيك يا أخي أنّ ابن الجزري اعتمد على الكتب التي نقل منها القراءات في كتابه النشر فقام بعزو كلّ وجه إلى مصدر من تلك المصادر و ما اكتفى بذكر الأداء والإسناد.

والعلم عند الله تعالى
 
هذه الأجوبة النظرية المفتتحة بإن الشرطية لا يعجز عنها أحد فأجبني جوابا عملية بأمثلة حية من كتب الأئمة دليلا على ما تذكر فكلامك مع احترامي لك لا يصلح نصا .
 
سأكتفي بمثالين :

قال أبو عمرو الداني في همز { ننسأها } و { أرجئه } و { رئيا } و { مؤصدة } : " وبتخصيص ذلك كلّه بالهمز للمعاني الخمسة المذكورة قرأت على أبي الفتح وأبي الحسن وغيرهما من طريقه – أي طريق ابن مجاهد - ، وهو اختيار طاهر بن أبي هاشم وجميع أصحابه وأصحاب ابن مجاهد وهو اختياري أنا وبه آخذ ، لأنّه رحمه الله – أي أبا طاهر بن أبي هاشم - بناه على نصّ ما اجتمع عليه الرواة عن اليزيدي عن أبي عمرو من أنّه همز { أو ننسأها } إذ هو من التأخير و{ أرجئه } من أرجأت و { رئيا } إذ هو من الرواء و { مؤصدة } إذ هي من آصدتّ ، وإنّه همز { وهيئْ لنا } و { يهيئ لكم } " جامع البيان ص242.
أقول : الخلاف في إبدال الهمزة للبصري ناتج من الاعتداد بمذهبه في إبدال الهمزة المفردة الساكنة من جهة ومن جهة أخرى ثبوت وجه الهمزة في هذه الكلمات نصاً وأداءً ، ونلاحظ في هذه المسألة أنّ الداني ما اختار وجه التحقيق في هذه الكلمات على أساس ما تلقاه على أبي الفتح وأبي الحسن وغيرهما بل احتجّ بالنصّ الذي بنا عليه أبو طاهر بن أبي هاشم اختياره ولم يُشر إلى التلقّي والمشافهة للفصل في المسألة.

قال ابن الجزريّ في مسألة أبدال الهمزة ياءًً في الوقف على نحو { خائفين } لحمزة : " فأما إبدال الهمزة ياء في نحو (خايفين، وجاير، وأوليك) واواً في نحو (ابناوكم واحباوه) فإني تتبعته من كتب القراءات ونصوص الأئمة ومن يعتبر قولهم فلم أرَ أحداً ذكره ولا نص عليه ولا صرح به ولا أفهمه كلامه ولا دلت عليه إشارته سوى أبي بكر ابن مهران فإنه ذكر في كتابه في وقف حمزة وجهاً في نحو (تائبات) بإبدال الياء وفي نحو (رؤف) بإبدال الواو. ورأيت أبا علي الأهوازي في كتابه الاتضاح حكى هذا عن شيخه أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري وقال ولم أرَ أحداً ذكره ولا حكاه من جميع من لقيت غيره (قلت) ثم إني راجعت كتاب الطبري وهو الاستبصار فلم أره حكى في جميع ذلك سوى بين بين لا غير والقصد إن إبدال الياء والواو محضتين في ذلك هو مما لم تجزه العربية بل نص أئمتها على أنه من اللحن الذي لم يأت في لغة العرب وإن تكلمت به النبط وإنما الجائز من ذلك هو بين بين لا غير. وهو الموافق لاتباع الرسم أيضاً. وأما غير ذلك فمنه ما ورد على ضعف ومنه ما لم يرد بوجه. وكلّه غير جائز من القراءة من أجل عدم اجتماع الأركان الثلاثة فيه. فهو من الشاذ المتروك الذي لا يعمل به ولا يعتمد عليه والله أعلم. وسيأتي النص في كل فرد فرد ليعلم الجائز من الممتنع والله الموفق. " النشر 1/463.
أقول : اعتمد ابن الجزري في إثبات الجائز من الممتنع في هذه المسألة على النصّ فقال : " فلم أرَ أحداً ذكره ولا نص عليه ولا صرح به ولا أفهمه كلامه ولا دلت عليه إشارته " ثمّ قال في الأخير " وسيأتي النص في كل فرد فرد ليعلم الجائز من الممتنع والله الموفق. " فجعل جواز الوجه منوط بوجود النصّ ولم يُشر إلى المشافهة والتلقّي لا من قريب ولا من بعيد. فاعتبروا يا أولي الأبصار.
 
سأكتفي بمثالين :

قال أبو عمرو الداني في همز { ننسأها } و { أرجئه } و { رئيا } و { مؤصدة } : " وبتخصيص ذلك كلّه بالهمز للمعاني الخمسة المذكورة قرأت على أبي الفتح وأبي الحسن وغيرهما من طريقه – أي طريق ابن مجاهد - ، وهو اختيار طاهر بن أبي هاشم وجميع أصحابه وأصحاب ابن مجاهد وهو اختياري أنا وبه آخذ ، لأنّه رحمه الله – أي أبا طاهر بن أبي هاشم - بناه على نصّ ما اجتمع عليه الرواة عن اليزيدي عن أبي عمرو من أنّه همز { أو ننسأها } إذ هو من التأخير و{ أرجئه } من أرجأت و { رئيا } إذ هو من الرواء و { مؤصدة } إذ هي من آصدتّ ، وإنّه همز { وهيئْ لنا } و { يهيئ لكم } " جامع البيان ص242.
أقول : ونلاحظ في هذه المسألة أنّ الداني ما اختار وجه التحقيق في هذه الكلمات على أساس ما تلقاه على أبي الفتح وأبي الحسن وغيرهما بل احتجّ بالنصّ الذي بنا عليه أبو طاهر بن أبي هاشم اختياره ولم يُشر إلى التلقّي والمشافهة للفصل في المسألة. .
ملا حظتك أخانا الكريم تتعارض مع النص الذي نقلته فقد قدم الداني قراءته بالتحقيق ثم عضدها بما ذكر , وأنت جعلته مقدما للنص على الرواية والقراءة .
واسمح لي إذا كنت تفهم من كلام الأئمة عكس ألفاظهم ومقصودهم فلن يجدي النقاش شيئا , فأكتفي بهذا , وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .
 
العبرة في التعليل يا أخي فقال ": وهو اختيار طاهر بن أبي هاشم وجميع أصحابه وأصحاب ابن مجاهد وهو اختياري أنا وبه آخذ ، لأنّه رحمه الله – أي أبا طاهر بن أبي هاشم - بناه على نصّ "

فبنى المسألة على النصّ وهذا هو المهم ، ولو كانت العبرة في الأداء لما احتاج إلى الاستدلال بالنصّ.

فلن يجدي النقاش شيئا , فأكتفي بهذا

إن كان كما تقول فدعني وشأني فإنّ في هذا الملتقى من المشايخ من يستطيع الاعتراض والنقد وأنا أرحبّ بكلّ اعتراض يصدر منهم.
 
فبنى المسألة على النصّ وهذا هو المهم ، ولو كانت العبرة في الأداء لما احتاج إلى الاستدلال بالنصّ.
إن كان كما تقول فدعني وشأني
.
على الرحب والسعة سأدعك لشأنك فكلامك يرد بعضه على بعض .

فإنّ في هذا الملتقى من المشايخ من يستطيع الاعتراض والنقد
نعم ولكن إذا وجدوا النقاش لن يجدي شيئا فهل سينقاشون لغير نفع بسبب إصرار من يناقشونه ؟
أتمنى أن تجد من يناقشك .
ودمت بخير , والسلام عليكم .
 
الأصول المعتمدة عند أئمة الأداء في نقلهم للقرءان الكريم (الجزء الثاني)

الأصول المعتمدة عند أئمة الأداء في نقلهم للقرءان الكريم (الجزء الثاني)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم

منزلة الدراية عند أهل الأداء وخطورة الرواية بغير فهم وعلم

قال مكيّ القيسي في الرعاية " القرآء يتفاضلون في العلم بالتجويد : فمنهم من يعلمُه رواية وقياساً وتمييزاً فذلك الحاذق الفطن. ومنهم من يعرفه سماعاً وتقليداً ، فذلك الوهن الضعيف. لا يلبثُ أن يشكّ ويدخله التحريف والتصحيف إذ لم يبن على أصل ولا نقل عن فهم. فنقل القرءان فطنة ودرايةً أحسن منه سماعاً وروايةً. فالرواية لها نقلها ، والدراية لها ضبطها وعلمها. فإذا اجتمع للمقرئ النقل والفطنة والدراية وجبت له الإمامة وصحّت عليه القراءة. ( الرعاية ص90).
قال أبو عمرو الداني :" وقرّاء القرءان متفاضلون في العلم بالتجويد والمعرفة بالتحقيق ، فمنهم من يعلم ذلك قياساً وتمييزاً ، وهو الحاذق النبيه ، ومنهم من يعلمُهُ سماعاً وتقليداً ، وهو الغبيّ الفهيه ، والعلم فطنةً ودرايةً آكد منه سماعاً وروايةً. وللدراية ضبطها وعلمها ، وللرواية نقلها وتعلّمها ، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم." التحديد ص67.
وقال مكي القيسي : "والمقرئ إلى جميع ما ذكرناه في كتابنا هذا أحوج من القارئ ، لأنّه إذا علمهُ علّمه ، وإذا لم يعلمه لم يعلّمه ، فيستوي في الجهل بالصواب في ذلك القارئ والمقرئ ، ويضلّ القارئ بضلال المقرئ فلا فضل لأحدهما على الآخر. فمعرفة ما ذكرنا لا يسع من انتصب للإقراء جهله ، وبه تكمل حاله ، وتزيد فائدة القارئ الطالب ويلحق بالمقرئ. وليس قول المقرئ والقارئ : أنا أقرأ بطبعي ، وأجد الصواب بعادتي في القراءة لهذه الحروف من غير أن أعرف شيئاً ممّا ذكرته بحجّة. بل ذلك نقص ظاهر فيهما ، لأنّ من كانت هذه حجّته يصيب ولا يدري ، ويُخطي ولا يدري ، إذ علمه واعتماده على طبعه وعادة لسانه يمضي معه أين ما مضى به من اللفظ ، ويذهب معه أين ما ذهب ، ولا يبني على أصل ، ولا يقرأ على علم ولا يُقرئ عن فهم. فما أقربه أن يذهب عنه طبعه ، أو تتغيّر عليه عادته ، وتستحيل عليه طريقته ، إذ هو بمنزلة من يمشي في ظلام في طريق مشتبه ، فالخطأ والزلل منه قريب. والآخر بمنزلة من يمشي على طريق واضح معه ضياء ، لأنّه يبني على أصل ، وينقل عن فهم ، ويلفظ عن فرع مستقيم ، وعلّة واضحة ، فالخطأ منه بعيد. فلا يرضينّ امرؤ لنفسه في كتاب الله و تجويد ألفاظه ، إلاّ بأعلى الأمور ، وأسلمها من الخطأ والزلل ، والله الموفّق للصواب" الرعاية ص253،254.
قال ابن مجاهد : "فمن حملة القرءان المعرب العالم بوجوه الإعراب والقراءات العارف باللغات ومعاني الكلمات البصير بعيب القراءات المنتقد للآثار ، فذلك الإمام الذي يفزع إليه حفّاظ القرءان في كلّ مصر من أمصار المسلمين. ومنهم من يعرب ولا يلحن ولا علم له بغير ذلك ، فذلك كالأعرابيّ الذي يقرأ بلغته ولا يقدر على تحويل لسانه فهو مطبوع على كلامه. ومنهم من يؤدّي ما سمعه ممن أخذ عنه ليس عنده إلاّ الأداء لما تعلّم ، لا يعرف الإعراب ولا غيره ، فذلك الحافظ فلا يبث مثله أن ينسى إذا طال عهده فيضيّع الإعراب لشدّة تشابهه وكثرة فتحه وضمّه وكسره في الآية الواحدة ، لأنّه لا يعتمد على علم بالعربيّة ولا بصر بالمعاني يرجع إليه ، وإنّما اعتماده على حفظه وسماعه ، وقد ينسى الحافظ فيضيّع السماع وتشتبه عليه الحروف ، فيقرأ بلحن لا يعرفه ، وتدعوه الشبهة إلى أن يرويه عن غيره ويبرّئ نفسه ، وعسى أن يكون عند الناس مصدّقاً فيُحمَل ذلك عنه ، وقد نسيه وَوَهم فيه ، وجسر على لزومه والإصرار عليه. أو يكون قد قرأ على من نسي وضيّع الإعراب ودخلته الشبهة فتوهّم ، فذلك لا يقلّد القراءة ولا يُحتجّ بنقله...(السبعة ص46،47).

قال المرعشي رحمه الله تعالى "....لكن لما طالت سلسلة الأداء تخلل أشياء من التحريفات في أداء أكثر شيوخ الأداء ، والشيخ الماهرالجامع بين الرواية والدراية المتفطن لدقائق الخلل في المخارج والصفات أعزّ من الكبريت الأحمر ، فوجب علينا أن لا نعتمد على أداء شيوخنا كلّ الاعتماد ، بل نتأمّل فيما أودعه العلماء في كتبهم من بيان مسائل هذا الفنّ ، ونفيس ما سمعناه من الشيوخ على ما أودع في الكتب ، فما وافق فهو الحقّ ، وما خالفه فالحقّ ما في الكتب " انظر بيان جهد المقلّ

أقول : لم تكن العبرة عند الأئمة كثرة الروايات والإجازات إن كانت عن غير دراية وفهم صحيح ونقد وجيه فإنّ الناقل يصير بمثابة الأنبوب الذي يمرّ فيه السيل من غير نقد ولا تمييز ولا غربلة ، فيمرّ الغثاء معه ويستمرّ في مروره من غير أن يجد من يتفطن له ليحصره فيُبعده عن مجراه ليبقى السيل صافياً نقياً كما كان بالأمس. لذا فينبغي الحذر من كلّ من كثر استدلاله بالأداء من غير دراية ونقل للنصوص والآثار ، وكذا الحذر من بعض المقولات الممقوتة عند أهل الدراية كقول البعض : "كل يقرأ بسنده ما دام شيخه قد أجازه على ذلك " أو قولهم : "العبرة بما اشتهر عند القراء اليوم " ، ولو تأمّل القائلون لهاتين المقولتين كلام المتقدّمين لأدركوا أنّهم جانبوا الصواب كما جانبت السماء الأرض كقول مكّي والداني : " فنقل القرءان فطنة ودرايةً أحسن منه سماعاً وروايةً." وقول الداني "ومنهم من يعلمُهُ سماعاً وتقليداً ، وهو الغبيّ الفهيه" وقول مكي : "ومنهم من يعرفه سماعاً وتقليداً ، فذلك الوهن الضعيف" وقول ابن مجاهد : "ومنهم من يؤدّي ما سمعه ممن أخذ عنه ليس عنده إلاّ الأداء لما تعلّم ، لا يعرف الإعراب ولا غيره ....". فالمقرئ الذي ينبغي أن يفزع إليه الناس هو الذي جمع بين الرواية والعلم والنقد والتمييز ، قال مكي : " فمنهم من يعلمُه رواية وقياساً وتمييزاً فذلك الحاذق الفطن." وقال ابن مجاهد : "فمن حملة القرءان المعرب العالم بوجوه الإعراب والقراءات العارف باللغات ومعاني الكلمات البصير بعيب القراءات المنتقد للآثار ، فذلك الإمام الذي يفزع إليه حفّاظ القرءان في كلّ مصر من أمصار المسلمين".

فما بال أقوام يجعلون الأداء هو الأساس وهو المعيار الذي يوزن به القرّاء ؟ وقد تجد البعض يحرص على السفر إلى المشايخ الكبار الذين توقّفوا عن الإقراء لكبر سنّهم ليقرءوا عليهم الفاتحة وأوائل البقرة بغية الإجازة ، فتجتمع لديهم بهذه الكيفية عشرات الإجازات ويحسبون أنفسهم من ذوي العلم والنقد لاستغنائهم عن البحث والمطالعة بهذه الإجازات ولاعتقادهم أنّهم بلغوا الغاية بها وهيهات ، بينما نجد في أئمّتنا القدامى القدوة المثاليّة في اعتنائهم بهذا العلم رواية ودراية فكانوا يجوبون الأمصار بحثاً عن النقلة الضابطين ليتلقوا عنهم القرءان ويأخذوا عنهم النصوص والعلم فصاروا بذلك نقّاداً مميّزين للرواية المشهورة المقبولة من غيرها.

كما ينبغي التنبيه أيضاً أنّ العبرة ليست في المهارة المجرّدة عن العلم لأنّ الجاهل قد يكون ماهراً بقراءته على شيخ ماهر ولكنه لا علم عنده فهو كالطفل الصغير الماهر المتقن الذي لم يصل بعد إلى مرحلة الإدراك ليكون صالحاً للتدريس والإقراء. لأجل هذا قال مكّي القيسي : " ومنهم من يعلمُهُ سماعاً وتقليداً ، وهو الغبيّ الفهيه ، والعلم فطنةً ودرايةً آكد منه سماعاً وروايةً." فالماهر داخل في المضمون إن تعلّم سماعاً وتقليداً ، ويؤكّد ذلك قول ابن مجاهد : "ومنهم من يؤدّي ما سمعه ممن أخذ عنه ليس عنده إلاّ الأداء لما تعلّم...". فهذي نصوص القوم تبيّن أهميّة العلم على مجرّد الأداء ، إذ بالعلم يُصان الأداء ، ولا يمكن للأداء أن يعالج نفسه بنفسه إلاّ بالعلم ، وكلام الأئمّة واضح لا غبار عليه ويردّ بشدّة على أولئك الذين يحثّون على تلقّى القرءان من المهرة المتقنين ، وقد أثبتنا أنّ الإتقان والمهارة لا يكفيان للتصدّر إن كان عن جهل أو تقليد محض. بل ينبغي أن يقدّم في الإقراء العالم وإن قلّ إتقانه إلى حدّ ما على المتقن الجاهل لأنّ الثاني قد يكون مصيباً ولا يدري ومخطئاً ولا يدري ، وإذا سئل لا يجيب لجهله خلافاً للثاني فإنّه وإن كان أقلّ إتقاناً من الأوّل فإنّه سيرشد الطالب إلى الصواب ويحذّره من الخطأ ويجيبه عن ما أشكل عليه بالدليل والحجّة. وبذلك يتعلّم الطالب العلم ويكتسب من خلاله ملكة تمكّنه من استدراك ما فاته من الشيخ.

فإذا رأيت الشيخ يستدلّ بالأداء على صحّة الوجه فاحذر من جوابه ،
وإذا رأيته يستدلّ بأقوال المتقدّمين على صحّة الوجه فحسبك به ،
وإذا رأيته يستدلّ بألأداء على كيفيّة أدائيّة مختلف فيها فينبغي الرجوع إلى المصادر لفكّ الخلاف.

لذا فالأداء لم يكن يوماً ما حجّة بذاته في صحّة الوجه وإنّما ترجمة عمليّة تطبيقيّة للمنقول ، فهو يصلح لبيان الهيئة الأدائيّة لا أكثر ولا أقلّ.

أكتفي بهذا القدر والحمد لله ربّ العالمين
 
فإذا رأيت الشيخ يستدلّ بالأداء على صحّة الوجه فاحذر من جوابه ،

لذا فالأداء لم يكن يوماً ما حجّة بذاته في صحّة الوجه وإنّما ترجمة عمليّة تطبيقيّة للمنقول ، فهو يصلح لبيان الهيئة الأدائيّة لا أكثر ولا أقلّ.

السلام عليكم
شيخنا الحبيب محمد يحيي لي استفسار علي ما سبق وقلت :
وماذا نقول لمن استدل علي الغنة المفخمة بالأداء ولا يوجد نص كما سبق ؟ هل نحذر منه ؟

والسلام عليكم
 
وإذا رأيته يستدلّ بأقوال المتقدّمين على صحّة الوجه فحسبك به ،

لذا فالأداء لم يكن يوماً ما حجّة بذاته في صحّة الوجه وإنّما ترجمة عمليّة تطبيقيّة للمنقول ، فهو يصلح لبيان الهيئة الأدائيّة لا أكثر ولا أقلّ.

أكتفي بهذا القدر والحمد لله ربّ العالمين

السلام عليكم
وماذا يا شيخ محمد عن شيخ يستدل علي أن الغنن متفاوتة المقادير ـ أي مقدار المشدد أكثر من المفخمة ..وهكذا ـ والنصوص تؤيد هذا القول ..فكيف نجمع بين النص والأداء وكلاهما مخالف للآخر ؟؟
والسلام عليكم
 
وعليكم والسلام ورحمة الله وبركاته


وماذا نقول لمن استدل علي الغنة المفخمة بالأداء ولا يوجد نص كما سبق ؟ هل نحذر منه ؟

الجواب تجده أعلاه وهو إن عاملنا الغنّة كما تعامل الحروف المفخّمة فينبغي النظر في القضيّة ، وما وصل تفخيمها إلى هذه الدرجة إلاّ بعد ما أطلق عليها لفظ التفخيم ، لأنّه لو كان تفخيماً حقيقياً لما خفي على جهابذة اللغة والتجويد من المتقدّمين. لذا فهذا الأداء غير مسلّم به إذ يمكن الاستغناء عنه بمجرّد تأثرّ بسيط للغنّة من غير أن يصل إلى درجة التفخيم الحقيقي.

قولكم :

وماذا يا شيخ محمد عن شيخ يستدل علي أن الغنن متفاوتة المقادير ـ أي مقدار المشدد أكثر من المفخمة ..وهكذا ـ والنصوص تؤيد هذا القول ..فكيف نجمع بين النص والأداء وكلاهما مخالف للآخر ؟؟


الجواب : هل بإمكانك أن تفرّق أداءً بين هذه المقادير وأن تسوّي بينها في التلاوة ؟ ألا تدري بأنّ المحققين من أهل الأداء استصعبوا التفريق بين مقادير المدود الخمسة فاختصروها في ثلاث لعدم إمكان التسويّة بينها بطريقة دقيقة ومستمرّة ؟ وهل إذا أخذنا بالمراتب الثلاثة يعني هذا أننا خالفنا النصوص ؟
الذي أعتقده أنّ مقادير الغنن ذكرت من باب التدقيق من الناحيّة النظريّة كمن فرّق بين مخرج الهمزة والهاء بدليل أنّ هذا التفاوت لم يذكره الكثير من المتقدّمين ، وإلاّ فإنّي أطالبك أن تسجّل لنا تلاوة تفرّق فيها بين هذه المراتب وسترى المشقّة ، ولقد يسّر الله القرءان للذكر.
 
وعليكم والسلام ورحمة الله وبركاته
الجواب تجده أعلاه وهو إن عاملنا الغنّة كما تعامل الحروف المفخّمة فينبغي النظر في القضيّة ، وما وصل تفخيمها إلى هذه الدرجة إلاّ بعد ما أطلق عليها لفظ التفخيم ، لأنّه لو كان تفخيماً حقيقياً لما خفي على جهابذة اللغة والتجويد من المتقدّمين. لذا فهذا الأداء غير مسلّم به إذ يمكن الاستغناء عنه بمجرّد تأثرّ بسيط للغنّة من غير أن يصل إلى درجة التفخيم الحقيقي.
.

السلام عليكم
شيخنا الحبيب محمد
ومن أين لنا هذا التأثر الخفيف ـ الذي أخذت به ـ في الغنة من نصوص الأئمة ؟؟

فالمنصوص شيخنا الفاضل لا يوجد فيه هذا التأثر الخفيف ، بل المصرح به أن النون مستفلة ، والغنة صفة للنون فهي ـ أي الغنة ـ تابعة لموصوفها ـ أي النون ـ هذا هو الذي المصرح به من قبل ؟؟

إذا كان هذا التأثر الخفيف ليس موجودا في الكتب فحق لك أن تأخذ بالترقيق بالغنة مطلقا ، فتسوي بين غنة ( من قبل ) وغنة ( ومن تاب) .. أليس كذلك سيدي ؟

وإلا فقد خالفت ما سطرته أنت من قواعد ..


ولي وقفة مع جوابك الثاني بعد الانتهاء من هذا الاستفسار .
والسلام عليكم
 
وهل تفخيم الغنة ورد بالنص أيضاً

أن التأثر القليل لا يُخرج الغنة من صفتها الأصلية بل تبقى مرققة وهدا الوصف لا يعارض نصا صريحاً أو أصلا وثيقا خلافاً لو قلنا أنها مفخمة. وعلى ما سبق فعدم وجود نص صريح للتأثر القليل أهون بكثير من عدم وجوده في تفخيم الغنة.

وهده الجزئية , وإن أخطأت فيها إن سلمنا ، فالأصل يبقى هو هو وهو الاعتماد على النصوص بالدرجة الاولى كما دلت أقوال أئمتنا عليهم رحمة الله تعالى ، فدعك من جزئيات العبد الضعيف وانتقد المنهجية بأقوال المتقدمين ليكون النقد وجيهاً.
 
وهل تفخيم الغنة ورد بالنص أيضاً

أن التأثر القليل لا يُخرج الغنة من صفتها الأصلية بل تبقى مرققة وهدا الوصف لا يعارض نصا صريحاً أو أصلا وثيقا خلافاً لو قلنا أنها مفخمة. وعلى ما سبق فعدم وجود نص صريح للتأثر القليل أهون بكثير من عدم وجوده في تفخيم الغنة.
.


السلام عليكم

أخي الفاضل الشيخ محمد يحيي شريف ـ حفظك الله ـ
ألا تري أن عبارتك السابقة جانبها الصواب ؟

كيف تقول بهذا التأثر ـ أيا كان درجته ـ أهون بكثير من عدم وجوده في تفخيم الغنة. ؟

كن شجاعا ومقداما وقل بترقيق الغنة في نحو : ( من قبل ) ترقيقا صريحا مثل ترقيق (من تاب) !!

سيدي الفاضل تبين لك الآن أن من أخذ بما تقول سيتعثر كما تعثرتم ولا بد .

أعد أخي الكريم القول في تأصيلك ، وإلا خالفت سائر الناس .

وهده الجزئية , وإن أخطأت فيها إن سلمنا ، فالأصل يبقى هو هو وهو الاعتماد على النصوص بالدرجة الاولى كما دلت أقوال أئمتنا عليهم رحمة الله تعالى ، فدعك من جزئيات العبد الضعيف وانتقد المنهجية بأقوال المتقدمين ليكون النقد وجيهاً.

وهذا القول غريب وعجيب من مثلك !! فهذه الجزئيات التي تدعوني لتركها هي التي يتكون منها الكليات ـ القواعد ـ وهذا ظاهر .

فإن لم تستطع إنزال قواعدك علي أمثلتك ، ففيه دلالة علي خلل في القواعد أو في الأمثلة.

وأريد أن أقول لكم : إن الحديث عن الأداء يقسم لقسمين :

الأول : ما ثبت عن طريق الطرق المسندة في النشر ، أو ما ثبت عن طريق الطرق الأدائية التي ذكرها ابن الجزري في النشر .

مثل : غنة الأزرق في اللام والراء ، أجازها المنصوري والطباخ والإبياري والخليجي و محمد عبد الحميد السكندري وغيرهم من مدرسة المنصوري

ومنعها الأزميري والمتولي وعامر والزيات وغيرهم من درسة الأزمير والمتولي .

فهنا يكون البحث في الأسانيد هل ثبت عن طريق الإسناد أو الأداء .

والقسم الثاني :
ما ورد في هيئات أداء بعض الكلمات مثل الضاد الظائية ومثل الإخفاء والغنة المفخمة وغيرها من الأداءات المختلفة فهذه ينظر فيها من جهتين :

الأول : ما ثبت عن طريق الأداء المتواتر المشتهر .

الثاني : ما ثبت عن طريق النص الصريح .أو القياس الصحيح

وقال في كتابه التبصرة : " فجميع ما ذكرناه في هذا الكتاب ينقسم ثلاثة أقسام: قسم قرأت به ونقلته وهو منصوص في الكتب موجود. وقسم قرأت به وأخذته لفظاً أو سماعاً وهو غير موجود في الكتب وقسم لم أقرأ به ولا وجدته في الكتب ولكن قسته على ما قرأت به إذ لا يمكن فيه إلا ذلك عند عدم الرواية في النقل والنص وهو الأقل"

لو أمعنت النظر في كلام مكي لخرجت بالآتي :

قوله : ( قسم قرأت به ونقلته وهو منصوص في الكتب موجود) وهذا لا خلاف فيه بين أهل الأداء لأنه مقروء ومنصوص عليه .

وقوله ( وقسم قرأت به وأخذته لفظاً أو سماعاً وهو غير موجود في الكتب ) وهذا موافق لقولي : الأول : ما ثبت عن طريق الأداء المتواتر المشتهر .

وقوله : ( وقسم لم أقرأ به ولا وجدته في الكتب ولكن قسته على ما قرأت به إذ لا يمكن فيه إلا ذلك عند عدم الرواية في النقل والنص وهو الأقل )

وهذا موافق لقولي : الثاني : ما ثبت عن طريق النص الصريح .أو القياس الصحيح

والقياس المقصود لمكي فسره العلامة الجعبري فقال في باب الراءات في شرح البيت القائل (وما لقياس في القراءة مدخل*** فدونك ما فيه الرضا متكفلا ) :

" وقول مكي : أكثر هذا الباب قياس وبعضه أخذ سماعا " من قبيل المأمورية لا المنهي عنه ، ومعناه : عدم النص علي عينه فحمل علي نظيره الممثل بعد ثبوت الرواية في اطراد الأصل ، لا أنهما عملا بمجرد القياس وفتحا باب الرأي للناس ، ولقد كانا في غاية من الدين والتمسك بالأثر حقق ذلك ما قاله الداني في أرجوزته فإياك أن تحمل كلامهما علي هذا فتنتظم في قوله ( ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله )...)ا.هـ

والخلاصة : أن تواتر الوجه واشتهاره يغني عن الأخذ بالنصوص . والله أعلم
والسلام عليكم
 
والخلاصة : أن تواتر الوجه واشتهاره يغني عن الأخذ بالنصوص . والله أعلم
والسلام عليكم

حقا شيخنا عبد الحكيم هذه هي الخلاصة فجزاك الله خيرا , ولو تمعن أخانا فيما استدل به لرآها واضحة وضوح الشمس , وهذا فضلا عن مخالفة الأداء المشهور بفهم مغلوط لنصوص الأئمة كمخالفة البعض لحقيقة الإخفاء التي لا تكون إلا بالفرجة اليسيرة وعدم الإطباق بفهمهم المغلوط لذكر الأئمة للإطباق علة للإخفاء وليس وصفا له ففهم إخواننا أن التعليل وصف للحكم فتركوا المشهور من الأداء لهذا الفهم المغلوط , فلا بنص أخذوا ولا عند أداء وقفوا , فالله يهدينا ويهديهم .
 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعى آله وصحبه وسلّم وبعد


أخي عبد الحكيم جزاك الله خيراً على تمثيلك بمسألة تفخيم الغنّة لأنّ ذلك سيجعلني أوضّح المسألة أكثر.

أخي الحبيب إنّ الاعتماد على النصوص بالدرجة الأولى هو عمل المتقدّمين من أهل الأداء ، وأقاويلهم واضحة وموجودة وهي في متناول الجميع ، وصنيعهم في التعامل مع النصوص كذلك واضح بالأمثلة التي ذكرتها ، وليس ذلك اختراع منّي لأنني مجرّد ناقل لأقاويلهم لا أكثر ولا أقل. ولا يمكنك أن تُبطل أقوالهم ولا أن تُهمل طريقتهم بعمل المتأخرين فضلا عن المعاصرين.

إنّ القدامى دوّنوا في كتبهم ما تلقّوه عن مشايخهم ، فأقوالهم تعبّر عن الكيفيّة الأدائيّة التي تلقّوها بالرواية ، ولا يشكّ أحدنا أنّهم كانوا دقيقين في وصفهم للأداء وما تركوا صغيرة ولا كبيرة إلاّ وأحصوها.

إنّ تفخيم الغنّة لم يقل به أحد من المتقدّمين ولا المتأخرين بل هو قول من أقوال المعاصرين ، والذين قالوا به كان على أساس الأداء المسموع فتفطّنوا له بعد ألف أربع مائة سنة ، ولم يتفطن له كلّ العلماء الأفذاذ منذ عصر التدوين.

ألا يدلّ أنّ في هذا الأداء خلل ؟

متى كان الأداء حجّة بذاته لصحّة الوجه ؟ أهذا صنيع المتقدّمين ؟ هات الدليل ؟ وقد رأينا أنّ المتقدّمين كانوا يتحفّظون من كلّ أداء مجرّد عن نصّ فكيف بالأداء الذي يخالف النصّ ؟ وقد بيّنت أنّ تفخيم الغنّة لا يتناسب مع نصوص المتقدّمين.

لو سألتك يا أخي عبد الحكيم ما هو دليلك على تفخيم الغنّة ، ستجيب : الأداء.

أقول لك : ما هو الدليل على أنّ هذا الأداء صحيح ؟

ماذا ستجيب ؟ أنتظر الإجابة

إنّ اعتمادك على الأداء صنيعك أنت وليس من صنيع المتقدّمين.

إنّ المتقدّمين كانوا يعتمدون على النصوص بالدرجة الأولى فإن لم يجدوا نصاً اعتمدوا على الأداء إن كان مشهوراً وقوياً من جهة القياس.

تفخيم الغنّة لم يُنقل بالنصّ ولا بالأداء عند المتقدّمين وهو ضعيف من الجهة القياس ، لأنّ المسألة لم تُبن على أصل وثيق أو قاعدة متينة بل هو مجرّد أداء لا أكثر ولا أقل ، وقد قال مكيّ القيسي في الرعاية " القرآء يتفاضلون في العلم بالتجويد : فمنهم من يعلمُه رواية وقياساً وتمييزاً فذلك الحاذق الفطن. ومنهم من يعرفه سماعاً وتقليداً ، فذلك الوهن الضعيف." أقول فهل تفخيم الغنة ثابت بالرواية والقياس والتمييز أم بالسماع والتقليد ؟ فإن كان بالأول فأفدنا ، وإن كان بالثاني فلا حاجة لي فيه.

قال الأئمة : "العلم فطنة ودراية أحسن منه سماعاً ورواية" ، فهل تفخيم الغنة ناتج عن العلم والدراية أم عن مجرّد السماع والتلقّي ؟؟؟

فإن كان بالأوّل فبيّن لي ، وإن كان بالثاني فلا حاجة لي فيه.

أخي عبد الحكيم : إن أردتّ أن أواصل معك النقاش فينبغي أن تأتيني بمثال واحد من صنيع المتقدّمين يخالف ما نقله لك العبد الضعيف وإلاّ فلا أرى حاجة في النقاش.

ولك منّي كلّ الاحترام والتقدير.

أكتفي بهذا القدر والحمد لله ربّ العالمين.
 
السلام عليكم
سيدي الفاضل :قلتم : ((لو سألتك يا أخي عبد الحكيم ما هو دليلك على تفخيم الغنّة ، ستجيب : الأداء.

أقول لك : ما هو الدليل على أنّ هذا الأداء صحيح ؟

ماذا ستجيب ؟ أنتظر الإجابة ))

الجواب : التواتر خير دليل علي صحة الأداء .

قال في النشر : فإن التواتر إذا ثبت لا يحتاج فيه إلى الركنين الأخيرين من الرسم وغيره. إذا ما ثبت من أحرف الخلاف متواتراً عن النبي صلى الله عليه وسلم وجب قبوله وقطع بكونه قرآناً سواء وافق الرسم أم خالفه ))ا.هـ


قلتم : ((إنّ اعتمادك على الأداء صنيعك أنت وليس من صنيع المتقدّمين.))

الجواب : أعتقد بعد نقل كلام العلامة ابن الجزري واعتماده علي الأداء علمت أن هذا قول الأكابر من أهل العلم .
قال ابن الجزري في النشر عند حديثه علي " يرضه " : (( ولولا شهرته عن هشام وصحته في نفس الأمر لم نذكره ..)
انظر كيف قدم الشهرة علي الإسناد .
وقال أيضا : على أن مخالف صريح الرسم في حرف مدغم أو مبدل أو ثابت أو محذوف أو نحو ذلك لا يعد مخالفاً إذا ثبتت القراءة به ووردت مشهورة مستفاضة، ألا ترى أنهم لم يعدوا إثبات ياءات الزوائد وحذف ياء (تسئلنى) في الكهف وقراءة (وأكون من الصالحين) والظاء من (بضين) ونحو ذلك من مخالفة الرسم المردود فإن الخلاف في ذلك يغتفر إذ هو قريب يرجع إلى معنى واحد وتمشيه صحة القراءة وشهرتها وتلقيها بالقبول وذلك بخلاف زيادة كلمة ونقصانها وتقديمها وتأخيرها حتى ولو كانت حرفاً واحداً من حروف المعاني فإن حكمه في حكم الكلمة لا يسوغ مخالفة الرسم فيه وهذا هو الحد الفاصل في حقيقة اتباع الرسم ومخالفته ..))ا.هـ

والسلام عليكم
 
هل يمكنك أن تثبت لنا شهرة الغنّة المفخّمة عند المتقدّمين والمتأخرين ، وأقصد بالمتأخرين عصر ابن الجزري ؟

إن لم تستطع إثبات ذلك فحجّتك ضعيفة ، والشهرة التي ليس لها سلف لا اعتبار بها ،إذ لا يُعقل أن يشتهر الوجه من جيل إلى جيل عبر القرون من غير أن يشار إليه لا من قريب ولا من بعيد.

تستحقّ اكثر من ثلاث بطاقات حمراء. (ابتسامة)
 
تستحقّ اكثر من ثلاث بطاقات حمراء. (ابتسامة)

السلام عليكم
أضحك الله سنك شيخنا الحبيب .. ثلاث بطاقات حمراء مرة واحدة !!!
هل هذه لي وحدي ؟ أم هي لــ ( شاوشي ـ بلحاج ـ حليش ) ابتسامة .

هل يمكنك أن تثبت لنا شهرة الغنّة المفخّمة عند المتقدّمين والمتأخرين ، وأقصد بالمتأخرين عصر ابن الجزري ؟

إن لم تستطع إثبات ذلك فحجّتك ضعيفة ، والشهرة التي ليس لها سلف لا اعتبار بها ،إذ لا يُعقل أن يشتهر الوجه من جيل إلى جيل عبر القرون من غير أن يشار إليه لا من قريب ولا من بعيد.
)

أخي أريد أن أسألك سؤالا : ما معني الشهرة عندك ؟؟

فلو كانت الشهرة معضدة بنص ..فلم أخذ الناس بقول ابن الجزري في ترقيق الراءات التي تعرفها ؟؟

فصل لي معني الشهرة لو تكرمتم ؟؟
والسلام عليكم
 
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وبعد

فلو كانت الشهرة معضدة بنص ..فلم أخذ الناس بقول ابن الجزري في ترقيق الراءات التي تعرفها ؟؟

الجواب : لا أدري لعلّ منزلة ابن الجزري العلميّة عليه رحمة الله تعالى هي التي حملتهم على ذلك.

أخي أريد أن أسألك سؤالا : ما معني الشهرة عندك ؟؟

والشهرة للوجه ينبغي أن تكون عبر الأجيال من جيل إلى جيل وكذلك التواتر ينبغي أن يكون على هذه الحال لأنّ الشهرة إن كان أصلها آحاد أو عن عدم فهو مخالف لأصلين عظيمين : المتابعة مع الشهرة. وليس من المعقول أن يشتهر الوجه من غير أن يكون له نقل وذكرٌ في المصادر منذ أمد بعيد بدليل أنّ شهرة الأربع الزهر لم يعتبر بها المحققون لأنّها شهرة مستحدثة لا يتصل سندها بالأوّلين ولم تُنقل بالرواية عنهم ، مع اشتهارها أداءً في وقت الداني ومكّي القيسي وغيرهما بل حتّى في وقت ابن مجاهد إن لم تخنّي ذاكرتي ، ومع هذا فلم يعتبر بها المحققون. أقول : فكيف بالمسائل الاجتهاديّة المحضة التي جاء بها المتأخرون و المعاصرون ؟

وليس لأيّ عالم أن ينفرد بشيء باجتهاده مهما كانت منزلته لا سيما فيما يتعلّق بالأداء ، فكلّ اجتهادات العلماء واختياراتهم الشخصّة ينبغي أن توزن بميزان أئمّة أهل الأداء وهو اشتهار الوجه وثبوته بالنصّ والأداء عن المتقدّمين بل ابن الجزريّ هو نفسه الذي اشترط ذلك ، وقد انتقد الكثير من مرويّاته على أساس ما أسلفنا.

والعلم عند الله تعالى.
 
السلام عليكم

هل نحتاج نصا مع الشهرة ؟؟!!!

إذا كان رسم المصحف ركن ركين فص صحة القراءة ..إلا أن الشهرة ألغت الركن ..فما بالك سيدي الفاضل بوجه أدائي ؟

تدبر هذا القول ((( فإن الخلاف في ذلك يغتفر إذ هو قريب يرجع إلى معنى واحد وتمشيه صحة القراءة وشهرتها وتلقيها بالقبول ))

والسلام عليكم
 
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

على أيّ شهرة تتكلّم ؟ كلامي كان واضحاً منذ البداية وهو إن كانت الشهرة ثابتة جيلاً بعد جيل فلا إشكال في ذلك وانعدام النصّ في ذلك مستبعد بدليل أنّ ما ذكره ابن الجزري في ياءات الزوائد وعلاقتها بالرسم مذكور في الكتب القديمة وثابت بالنصّ والأداء ، فليس ثمّة أيّ اشكال فيما ثبت بالنًّص والأداء مع شهرة الوجه عبر الأجيال ، ولا يعدّ ذلك تناقضاً ما دام الأمر متعلّق بالمتابعة.

فالعبرة بصنيع المتقدّمين فقط لا ينبغي الخروج عن سبيلهم ومنهجهم فنحن متّبعون لا أكثر ولا أقلّ.

ولو تفلسفنا في هذه الأمور لخرجنا عن الجآدّة فعلينا أن نسلك سبيلهم لا أكثر ولا أقلّ.
 
الأصول المعتمدة عند أئمة الأداء في نقلهم للقرءان الكريم (الجزء الثالث)

الأصول المعتمدة عند أئمة الأداء في نقلهم للقرءان الكريم (الجزء الثالث)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسل<م

النقد الذي يتمثّل في استبعاد وردّ كل ما خرج عن شروط قبول الرواية التي وضعها الأئمّة

إنّ المتقدّمين من أهل الإقراء لم يكتفوا بالاعتماد على الأداء واالنصّ بل تجاوزوا ذلك إلى مرحلة النقد ، فبعد أن تلقّوا القرءان رواية ودراية ، انتقلوا إلى مرحلة أخرى وهي مرحلة التأمّل والنظر والتمييز فأدركوا أنّ في بعض مرويّاتهم شدوذ أو ضعف من جهة الشهرة ممّا يجعل الوجه يفيد الظنّ ولا يصل إلى اليقين والقطع ، فوضعوا الضوابط و شروط قبول الرواية الصحيحة وهو ثبوت القراءة بالسند الصحيح عن العدول الضابطين مع شهرتها وموافقتها لأحد المصاحف العثمانية ، واعتمدوا على ما ثبت عندهم بالنصّ والأداء المشهور والقياس الصحيح المعتبر وغير ذلك ّ ، فكانت هذه القواعد أدوات النقد والنظر والتمييز تهدف إلى حراسة الرواية. وبهذه الحراسة يمكن للناقد اكتشاف العلّة والخلل وما يطرأ على الرواية الصحيحة الأصيلة.

ولمّا كان الخلل طارئاً على الرواية في العهد القديم مع وجود الجهابذة الأئمّة النقاد ، فإنّ عروضه في الوقت الحالي على الأداء المنقول يكون آكداً لا سيّما في وقت كثر فيه التقليد وتلاشت فيه أدوات النقد التي عمل بها أسيادنا ، فصار الأداء هو الحاكم على صحّة الرواية فنتج عن ذلك اختلاف في الأداء مع الاتفاق في المصدر والإسناد ، فلا مرجعيّة متينة وضعت لفكّ الخلاف على أسس علميّة مستخلصة من صنيع الأئمّة النقّاد من جهة ، ولا أرادة لفهم على الأقلّ أسباب النزاع وما ينبغي فعله لتقليصه. وقد قال تعالى { فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } ، فأمرّ تعالى عباده بالخضوع لمرجعيّة فاصلة عند النزاع وهو الكتاب والسنّة. فلا حلّ إلاّ بوضع مرجعيّة لفكّ النزاع وتقليصه قدر المستطاع وذلك على ضوء ما أودعه أئمّتنا في كتبهم ليخضع جميع المقرئين لها مهما كان قطره ومنزلته العلميّة ، فكلّ ما ثبت بالنصّ والأداء المشهور عند القدامى ينبغي الخضوع له إذ هو عين المتابعة ، فالخلف تبع للسلف ولا خير فيمن خالف سبيلهم وأهمل أقوالهم وعطّل طريقتهم في النظر والنقد. فكما أنّ المحدّث لا يستغني عن أساليب المحدّثين القدامى في نقد الأحاديث ، وكما أنّ المجتهدين في الفقه لا يمكنهم الاستغناء عن القواعد الفقهيّة الأصوليّة ليُفتي في نازلة من النوازل ، فكذلك المتخصّصين في التجويد والقراءات لا يمكنهم بأيّ حال الاستغناء عن صنيع المتقدّمين من أهل الأداء للفصل في أيّ مسألة. قال الداني عليه رحمة الله تعالى : "مع الإعلام بأنّ القراءة ليست بالقياس دون الأثر" (جامع البيان ص172). والأثر يطلق على كلّ ما أثر وثبت عن القدامى إذ أتّباع الأثر هو المراد من قولهم : القراءة سنّة متّبعة يأخذها الآخر عن الأوّل ، ولا شكّ أنّ مخالفة هذه الأثار والمناهج المعمول بها عندهم ينصدم تماماً مع هذه المتابعة.

ولكن للأسف ، فقد جانبنا هذا الطريق وصارت الدراسات الأكادميّة الحديثة لا تسلك هذه المسلك القويم فاتّجهت الجهود إلى الشكليات من أساليب البحث والتحقيق والتوسّع فيها فكثر النقد فيها وقلّ فيما يتعلّق بالمضمون بالمقتضى. فإن لم يُقصد من هذه الدراسات حفظ الأداء الصحيح للحروف والقراءات التي وصلتنا ، وإبعاد كلّ دخيل على الرواية الصحيحة الأصيلة فلا أدري ما الهدف من كلّ هذه الدراسات.

أكتفي بما قلت والحمد لله رب العالمين.
 
إن خلا الأداء من النقد فتلك هي المصيبة

إن خلا الأداء من النقد فتلك هي المصيبة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم

قال ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى :
وليجتهد فيه وفي تصحيحه.........على الذي نُقل من صحيحه.

أقول : أمر الناظم عليه رحمة الله تعالى بالاجتهاد في تحصيل القرءان الكريم و في تصحيح أداءه على ضوء ما نُقل وصحّ نقله بالرواية المشهورة وذلك على أساس الشروط التي وضعها في الأبيات التالية وذلك في قوله :
فكلّ ما وافق وجه نحو.........أو كان للرسم احتمالاً يحوي
وصحّ أسناداً هو القرءان........فهذه الثلاثة الأركان
وحيث ما يختلّ ركن أثبت.......شذوذه لو أنّه في السبعة.
وما أمر الاكتفاء بمجرّد المتابعة الأدائيّة من غيرتصحيح. فكانت نقولهم تمرّ على مجهر النقد المتمثّل في الشروط التي وضعوها لقبول القراءة الصحيحة المذكورة ، بل لم يكتف ابن الجزري بهذه الشروط الثلاثة بل أضاف شرط الشهرة وجعله ميزة لكلّ ما نقله في كتابه النشر ، فقال عليه رحمة الله تعالى : وهو أن يروي القراءة العدل الضابط عن مثله كذا حتّى تنتهي ، وتكون مع ذلك مشهورة عند أئمّة هذا الشأن غير معدودة عندهم من الغلط أو ممّا شذّ به بعضهم.
ثمّ بيّن الناظم المنهجيّة التي ينبغي اتّباعها في النقد والتصحيح وهو اتّباع سبيل السلف وعدم الخروج عن نهجهم وطريقتهم فقال :
فكن على نهج سبيل السف...... في مجمع عليه أو مختلف.

يتبيّن من خلال ما ذكر الناظم أنّه لا بدّ للقارئ أن :
- يجتهد في تحصيل القرءان الكريم بحفظه وأخذه عن الشيوخ المسندين
- يصحّح ما حصّله على ضوء ما نُقل عن الأئمّة وما أودعوه في مصنّفاتهم وكذا الشروط والضوابط التي وضعوها.
- يُعمل تلك الضوابط وفق صنيع المتقدّمين في نقدهم أو تصحيحهم للمرويّات التي نقلوها ونُقلت عنهم.

وإذا قرنّا هذا المنهج القويم بصنيع المعاصرين يتضح الفرق فيما يلي :

- الاعتماد على مجرّد الأداء في النقد و التصحيح
- عدم الإدراك بأنّ الأداء هو مجرّد كيفيّة أدائيّة تؤخذ عن المشايخ وذلك لا يضمن سلامته وصحّته
- اعتقاد الكثير أنّ شهرة الأداء عند المعاصرين يضمن صحّته ولو كان مخالفاً لأقوال المتقدّمين الذين هم المصدر في الرواية.
- عدم الالتفات إلى مناهج المتقدمّين في نقد المرويّات وكذا تعاملهم مع ما ثبت بالأداء والنص عندهم,
- الاهتمام الكبير بتحقيق الكتب مع دراسة الأساليب والتفنن في ذلك دون النظر والاستفادة من المضمون والمقتضى فترى الأكادميّين أكثر جرأة على نقد الطبعات والتحقيقات ، وفي نفس الوقت أكثر تساهلا في قبول كلّ ما ثبت بالأداء عندهم وعند غيرهم ولو كان مناقضاً لما في الكتب التي اعتنوا بها من جهة التحقيق ، فاتّجهوا باتّجاه معاكس لطريقة السلف.

وأخيراً أقول : ليس من الصعب اتّباع الشيخ في الأداء وتقليده إذ يقدر على ذلك الطفل الصغير الذي ما فقه شيئاً ، وإنّما العبرة في وضع الضوابط حتّى يكون الأداء موافقاً أو قريباً قدر الإمكان بأداء سلفنا الصالح ولا يكون ذلك إلاّ بالاعتماد على أقوالهم الدقيقة لتقويم الأداء وإبعاد كلّ دخيل على الرواية الصحيحة. هذا الذي نريده من جامعاتنا ومن متخصّصينا ، وهو الهمّ الوحيد الذي ينبغي حمله بالدرجة الأولى وهو الذي حمله أئمّتنا عليهم رحمة الله بدليل أنّهم ما دوّنوا كتب التجويد إلاّ لتقويم الأداء. فالأولويّة تكمل ههنا.

والعلم عند الله تعالى.
 
مخرج الجوف هو أوسع المخارج وليس مخرج اللام

مخرج الجوف هو أوسع المخارج وليس مخرج اللام

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد

كثيراً ما نقرأ في كتب التجويد أنّ مخرج اللام هو أوسع المخارج ، وإن كان هذا القول صحيحاً من زاوية ولكنّه ليس على الإطلاق إذ لا نختلف جميعاً أنّ مخرج الجوف هو أوسع المخارج على الإطلاق.
فالأولى أن يقال أنّ مخرج اللام هو الأوسع بالنسبة للمخارج المحققة دون المقدّرة.

والعلم عند الله تعالى.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه ومن والاه, وبعد:
فكثيرًا ما يفيدنا الشيخان الجليلان محمد يحيى شريف الجزائري, وأبو عمر عبد الحكيم عبد الرزاق بالمواضيع الهامة التي يتفضلان بطرحها ـ حفظهما الله تعالى وكثَّر من أمثالهما ـ, مع ما يدور بينهما في كثيرٍ من الأحيان من مناقشات شديدة وهادئة لطيفة يكون فيها النفع الكثير مع التزامهما بآداب الحوار والمناقشة, وأكتفي دائمًا معهما بالمتابعة والاستفادة دون المشاركة, إلا أنني هنا أحببت أن أشاركهما النقاش, فأقول مستعينًا بالله تعالى:
· ما نقله الشيخ الفاضل محمد يحيى شريف ـ حفظه الله ـ من كلام الأئمة في أهمية الدراية كلام مهم, والذي يظهر لي ـ حسب فهمي القاصر ـ أن كل من يتعلم القرآن الكريم روايةً ومشافهةً ـ في الغالب ـ يتحصل على نصيب من الدراية قلَّ أو كثُر, مما يعينه على المحافظة على ما تلقاه وإيصاله إلى غيره, وكثير ممن عرفناهم من الشيوخ ممن تلقوا القرآن بقراءاته المختلفة وأتقنوها, لا يعرفون من الإعراب والتجويد النظري إلا أشياء يسيرة, بل بعضهم لا يعرف من الإعراب بالذات إلا مسائل محصورة, ومع ذلك لا يوجد أي خلل في قراءتهم وإقرائهم, بينما من يتلقى التجويد دراية فقط لا يستطيع أن يطبق شيئًا منها, وعلى هذا فتفضيل الدراية المجردة عن الرواية والتلقي والمشافهة غير مسلَّم به؛ إذ لا فائدة عملية من ورائها, ولعل كلامَ الأئمة عليهم رحمة الله محمولٌ على أن جانب الدراية مع الرواية من باب الكمال, وهو واضح من قول مكي القيسي: " فمعرفة ما ذكرنالا يسع من انتصب للإقراء جهله، وبه تكمل حاله ", أو يقصدون بذلك من يجهل التجويد كاملاً, ويعتمد على طبعه وسجيته دون التلقي والتعلم, كما يقول: " وأجد الصواب بعادتي فيالقراءة لهذه الحروف من غير أن أعرف شيئاً ممّا ذكرته "؛ لأن المتلقي للقرآن الكريم عن غيره روايةً لا بد أن يحصل على شيء من الدراية, والحاصل أن الجانبين ـ أعني الرواية والدراية ـ مكملان لبعض, لا غنى لأحدهما عن الآخر, والرواية مع اليسير من الدراية كافٍ للمحافظة على الأداء الصحيح لا سيما إذا صاحبها ممارسًا للقراءة والإقراء, والله أعلم.
· قول الشيخ محمد يحيى ـ بارك الله فيه ـ:
فهذي نصوص القوم تبيّن أهميّة العلم على مجرّدالأداء ، إذ بالعلم يُصان الأداء ، ولا يمكن للأداء أن يعالج نفسه بنفسه إلاّبالعلم ، وكلام الأئمّة واضح لا غبار عليه ويردّ بشدّة على أولئك الذين يحثّون علىتلقّى القرءان من المهرة المتقنين ، وقد أثبتنا أنّ الإتقان والمهارة لا يكفيانللتصدّر إن كان عن جهل أو تقليد محض. بل ينبغي أن يقدّم في الإقراء العالم وإن قلّإتقانه إلى حدّ ما على المتقن الجاهل لأنّ الثاني قد يكون مصيباً ولا يدري ومخطئاًولا يدري ، وإذا سئل لا يجيب لجهله خلافاً للثاني فإنّه وإن كان أقلّ إتقاناً منالأوّل فإنّه سيرشد الطالب إلى الصواب ويحذّره من الخطأ ويجيبه عن ما أشكل عليهبالدليل والحجّة. وبذلك يتعلّم الطالب العلم ويكتسب من خلاله ملكة تمكّنه مناستدراك ما فاته من الشيخ
في الغالب لا يصل الإنسان إلى درجة المهارة والإتقان إلا بحصوله على شيء من الدراية والعلم, وكيف " يكون مصيباً ولا يدري ومخطئاًولا يدري " وهو قد تلقى القراءة عن غيره مما عرفه بالصواب والخطأ؟
فهو مع تلقيه سيرشده شيخه أيضًا إلى الصواب ويحذّره من الخطأ ويجيبه عن ما أشكل عليه بالدليل والحجّة.

وبذلك يتعلّم الطالب العلم ويكتسب من خلاله ملكة تمكّنه مناستدراك ما فاته من الشيخ
من الناحية التطبيقية ـ أرى ـ أنه لا ينبغي للقارئ أن يجتهد اعتمادًا على فهمه للنصوص في تطبيق حكمٍ بخلاف ما تلقاه عن شيخه, إلا إذا تيقن من خطأ شيخه في ذلك الحكم فينبغي أن يرجع إلى أهل الإتقان ويتلقاه عنهم على الوجه الصحيح, أما أن يستدرك ذلك بنفسه ـ مهما كان فهمه للنصوص ـ فلا يبعد أن يقرأه قراءةً خاطئةً فيَضل بذلك ويُضل.

فإذا رأيت الشيخ يستدلّ بالأداء على صحّة الوجهفاحذر من جوابه ،
وإذا رأيته يستدلّ بأقوال المتقدّمين على صحّة الوجه فحسبك به،
وإذا رأيته يستدلّ بالأداء على كيفيّة أدائيّة مختلف فيها فينبغي الرجوع إلىالمصادر لفكّ الخلاف.
نعم المسائل الخلافية الرجوع فيها إلى المصادر أسلم, إلا أنه أحيانًا تكون النصوص محتملة لعدة كيفيات فيكون حينئذٍ الأداء مرجحًا لإحدى الكيفيات.
أما بالنسبة لغنة النون المخفاة الواقعة قبل حرف الاستعلاء فأسأل فيها سؤالين:
الأول: هل يوجد أحد من الشيوخ يقرأ أو يُقرئ بترقيقها؟
الثاني: ماذا يسمى هذا التأثر الخفيف الذي يطرأ عليها عندما تسبق حرف استعلاء؟
وعيد مبارك وكل عام وأنتم بخير.
 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد.

أخي الشيخ جزاك الله خيراً على هذه المداخلة وآمل ألاّ تكون هي الأخيرة.
المشكلة أنّ الكثير وللأسف لا يفرّقون بين الأداء الذي هو مجرّد كيفيّة وهيئة يتلقاها التلميذ عن الشيخ بالتسلسل. وبين حجيّة الأداء وذلك على ضوء الضوابط التي وضعها الأئمّة عليهم رحمة الله تعالى.
فالأداء لوحدة لم يكن يوماً ما حجّة بنفسه لأنّه قد يعتريه شيء من التغيير لا سيما إن طالت سلسلة الإسناد ،وذلك لعروض الغفلة والسهو على الشيوخ مهما كانت فطنتهم ، ولتفاوتهم في العلم والإتقان ، أو لاجتهاد يجعل الشيخ يخالف شيخه أن رأى الصواب في غير ما تلقّاه عنه ، أو يكون الشيخ كفيفاً بحيث يكتفي بالسماع دون المشافهة لأنّ المشافهة تستلزم النظر إلى فم التلميذ وهذا متعذّر لا يسما إن قرأ الكفيف على الكفيف أو لتساهل لبعض الشيوخ وهكذا. وهذا الذي حمل الأئمّة على التدوين.
وسأضرب مثالاً في ذلك لعلّ الأمور تتضح أكثر. أخبرني شيخنا العلامة أيمن سويد حفظه الله تعالى أنّ الشيخ أبا الحسن الكردي والشيخ محمد سكر رحمهما الله وهما من كبار مشايخ دمشق قرآ القراءات العشر على شيخهما الحلواني في آن واحد بمعنى أنّ أحدهما يقرأ على الشيخ صفحة من القرءان ثمّ يعيد الثاني نفس الصفحة على الشيخ في نفس المجلس وذلك إلى أن ختما القرءان بالعشر. ومع هذا فكلّ واحد من الشيخين يختلف أداءه قليلاً عن الآخر في كيفيّة النطق بالقلقلة ، والإمالة والنطق ببعض الحروف مع أنّهما قرآ على شيخ واحد في فترة واحدة. وصار لكلّ منهما مدرسة تمتاز عن غيرهما في بعض الهيئات الأدائيّة، وبمجرّد أن تسمع قارئاً يقرأ يمكن أن تدرك إلى أيّ المدرستين ينتمي. فأقول إن ورد الخلاف ولو قليلاً عن شيخين متقنين عالمين قرآ على شيخ واحد في فترة واحد فكيف بمن دونهما في الإتقان والعلم ، وكيف إن طالت سلسلة الإسناد عبر القرون ؟ .وعلى ما سبق ندرك أنّ الأداء معرّض للتغيير حتّى ولو كان رجال الإسناد مهرة ومتقنين ومجتهدين لأنّ نقدهم للأداء الذي تلقّوه وارد ومن حقّهم العدول عنه إلى ما يرونه صواباً.قال الداني : العلم فطنة ودراية أحسن منه سماعاً ورواية.فقد عدل ابن الجزري عن الكثير من مروياّته إلى ما رآه صواباً فقد تلقّى {يواخذ} بتمكين مدّ البدل ثمّ عدل عنه وكذا المتولّي في التحريرات حيث عدل عن مذهبه – مذهب المنصوري - في التحريرات الذي تلقّاه عن شيوخه إلى مذهب الأزميري ، وهذا ما فعل الشيخ عامر في الفرجة والضاد. نكتفي بما ذكر.
أمّا اعتراضكم على قولي :
وبذلك يتعلّم الطالب العلم ويكتسب من خلاله ملكة تمكّنه من استدراك ما فاته من الشيخ.
ليس مرادي من ذلك إعمال الرأي في النصوص ومخالفة ما هو عليه المشايخ . وإنّما الاستدراك يكون على أساس أقوال معتبرة لعلماء معتبرين كذلك. إن قرأت على شيخ بالفرجة في الميم المخفاة فيمكنني أن أخالف هذا الأداء على أساس نصوص وأقوال معتبرة قال بها كبار العلماء كذلك ، وليس لي ولا لغيري الانفراد بشيء. وكلّ المسائل المتنازع فيها اليوم إلاّ وتجد وراء ها كبار المشايخ من كلا الطرفين وليس صغارهم إذ الخلاف الذي يدور بين الصغار لا يُعد خلافاً معتبراً. ولا نقبل بأيّ حال أن يأتي شيخ يستنبط حكماً بفهمه من نصّ يخالف فيه السلف والخلف. فإن خالفت الخلف فلا بدّ أن يكون لك سلف.

<FONT color=black><FONT face="Traditional Arabic">وأضرب لك مثالاً وقع لي مع شيخي العلامة عبيد الله الأفغاني حفظه الله تعالى حيث كان يقرئ بالإشمام في {تأمنّا} من غير غنّة في النون المشدّدة معتبراً أنّ الإشمام لا يصحبه صوت. وقد نبّهته أنّ المراد بالصوت هنا صوت الضمّ لا صوت الغنّة ، إذ الغنّة صفة لازمة للنون المشد
 
عودة
أعلى