تأملات في قوله تعالى : (زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا )

عبدالرحمن الشهري

المشرف العام
إنضم
29/03/2003
المشاركات
19,331
مستوى التفاعل
138
النقاط
63
الإقامة
الرياض
الموقع الالكتروني
www.amshehri.com
01.png


افتقدنا التأمل في الآيات القرآنية في ملتقى أهل التفسير ، ولم أعد أقرأ للزملاء أهل القرآن في ذلك ، مع علمي بما لديهم ، ويبدو أن وسائل التواصل الاجتماعي هذه قد أشغلتنا حقاً . حيث خطر في بالي اليوم وأنا أقرأ قوله تعالى :(زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشاء بغير حساب) [البقرة : 212 ] ، فكتبت هذا المعنى بتركيز شديد في تويتر ، وقلت في نفسي لو كان المكان يستع أكثر لأطلت في التعليق . ثم عاتبت نفسي وقلت : لماذا لا تكتب ذلك في ملتقى أهل التفسير ويدور حولها النقاش ، وتبقى في الملتقى مدة طويلة ، وهذا الذي لا يتوفر في تويتر .
وقد كتبت في التغريدة : (زُيِّن للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذي آمنوا) الكافر يرى من زينة الدنيا ما لا يراه المؤمن ويتعلق بها ، ويسخر من زهد المؤمن فيها.
وهذه حقيقة نلمسها في اختلاطنا ببعض الكفار ، ورؤية معيشتهم في الغرب ، وقراءة نماذج من قصصهم وأنماط عيشهم تجد أنهم يرون في الدنيا دار متعة وانتهاب للملذات ، وكثيراً ما يقول بعضهم لبعض Have fun يدعوه للاستمتاع بحياته ولحظاته . بل إنهم يستغربون من هذا الابتعاد عن الانغماس في الملذات كما يفعلون إذا تعذر المسلم بعدم صحبتهم في رحلتهم أو متعتهم لما فيها من المخالفات .
ولعل هذا من معاني هذه الآية الكريمة في أن الدنيا قد زُيّنت للكفار أكثر منها للمؤمن الذي لا يراها إلا دار ممر لا دار مقر ، فيرى ما فيها من المتعة عونا على الطاعة ما دام فيما أحلّ الله له ، ويتقلل من التوسع فيها .
وقد عقب الله على هذه الحقيقة بقوله :(والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشاء بغير حساب) وهذا ختام يطمئن المؤمن على آخرته التي يقلق بشأنها ، بخلاف الدنيا التي يعلم يقيناً أنها فانية .
إن التوقف عند معاني هذه الآيات يثبت المؤمن دوماً على الصراط المستقيم في علمه وعمله وحياته كلها ، ولذلك جاء الأمر بالتدبر والتفكر في آيات القرآن وخصوصاً في حال خلوة المؤمن بربه ، ومراجعته لحساباته في الدنيا .
 
جزاكم الله خيرا دكتور. نرجو من الله سبحانه ألا يشغلنا عن كتابه شيء فنشقى.

{ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [البقرة:212]

مما تبين لي من الآية ما اشتملت عليه من صور الفوقية والتحتية.
فالذين آمنوا ترفعوا عن هذه الحياة لأنها دنيا ورضي بها الذين كفروا لجهلهم وظنوا أنهم بذلك نالوا درجة عالية وأنهم خير من الذين آمنوا فاحتقروهم وسخروا منهم ورأوهم دونهم، فأخبر الله سبحانه أن الذين اتقوا فوقهم يوم القيامة. وتلك فوقية في مقابل السخرية.
أما سؤالك عن مساهماتنا، فإنني عازم أن أنشر مجموعة من المقالات في الملتقى قريبا إن شاء الله مما تيسر لي من تدبر القرآن الكريم تحت عنوان "مفاتيح القرآن". أسأل الله سبحانه أن ييسر الأمر فبه أستعين.
 
جزاكم الله خيراً دكتور عبد الرحمن وأتمنى فعلاً أن لا تشغلكم وسائل الاتصال السريعة كالتويتر عن نشر العلم هنا كما تعودنا.

بالنسبة للآية التي ذكرت اسمح لي بهذه الإضافة مما فتح الله تعالى بها عليّ:
المؤمن أمام ملذات الدنيا وشهواتها يقف دائماً وبيده ميزان يقيس فيه هذه الملذات والمتع الدنيوية فإن كانت حلالاً عملها ولكن بضوابط وفي كل صلاة يقرأ قوله تعالى في الفاتحة (مالك يوم الدين) فتبقى صورة يوم الحساب والجزاء ماثلة أمام عينيه فتزول عنده الرغبة في ملذات الدنيا ومتعها طوعاً لا كرهاً لأنه يوقن أن ما عند الله خير وأبقى. والذين اتقوا فوق هؤلاء المؤمنين لأنهم يتركون الحلال مخافة الوقوع في الشبهات ومن باب الزهد فيما عندهم.
أما الكافر فهو طويل الأمل ليس لديه ما يقيس عليه وليس له من وجهة نظر يوم يُساءل فيه عما اقترف في حياته وهو مطبق للمقولة: من أمِن العقوبة أساء الأدب.
هذا والله تعالى أعلم
 
هنيئا لمن نجا من أقفال القلوب!

هنيئا لمن نجا من أقفال القلوب!

01.png


افتقدنا التأمل في الآيات القرآنية في ملتقى أهل التفسير ، ولم أعد أقرأ للزملاء أهل القرآن في ذلك ، مع علمي بما لديهم ، ويبدو أن وسائل التواصل الاجتماعي هذه قد أشغلتنا حقاً . حيث خطر في بالي اليوم وأنا أقرأ قوله تعالى :(زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشاء بغير حساب) [البقرة : 212 ] ، فكتبت هذا المعنى بتركيز شديد في تويتر ، وقلت في نفسي لو كان المكان يستع أكثر لأطلت في التعليق . ثم عاتبت نفسي وقلت : لماذا لا تكتب ذلك في ملتقى أهل التفسير ويدور حولها النقاش ، وتبقى في الملتقى مدة طويلة ، وهذا الذي لا يتوفر في تويتر .
وقد كتبت في التغريدة : (زُيِّن للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذي آمنوا) الكافر يرى من زينة الدنيا ما لا يراه المؤمن ويتعلق بها ، ويسخر من زهد المؤمن فيها.
وهذه حقيقة نلمسها في اختلاطنا ببعض الكفار ، ورؤية معيشتهم في الغرب ، وقراءة نماذج من قصصهم وأنماط عيشهم تجد أنهم يرون في الدنيا دار متعة وانتهاب للملذات ، وكثيراً ما يقول بعضهم لبعض Have fun يدعوه للاستمتاع بحياته ولحظاته . بل إنهم يستغربون من هذا الابتعاد عن الانغماس في الملذات كما يفعلون إذا تعذر المسلم بعدم صحبتهم في رحلتهم أو متعتهم لما فيها من المخالفات .
ولعل هذا من معاني هذه الآية الكريمة في أن الدنيا قد زُيّنت للكفار أكثر منها للمؤمن الذي لا يراها إلا دار ممر لا دار مقر ، فيرى ما فيها من المتعة عونا على الطاعة ما دام فيما أحلّ الله له ، ويتقلل من التوسع فيها .
وقد عقب الله على هذه الحقيقة بقوله :(والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشاء بغير حساب) وهذا ختام يطمئن المؤمن على آخرته التي يقلق بشأنها ، بخلاف الدنيا التي يعلم يقيناً أنها فانية .
إن التوقف عند معاني هذه الآيات يثبت المؤمن دوماً على الصراط المستقيم في علمه وعمله وحياته كلها ، ولذلك جاء الأمر بالتدبر والتفكر في آيات القرآن وخصوصاً في حال خلوة المؤمن بربه ، ومراجعته لحساباته في الدنيا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
ــ هنئا لمن حفظه الله تعالى من أقفال القلوب { أفلا يتدبرون القرءان أم على قلوب أقفالها ؟} وخاصة في عصرنا الذي كثرت فيه أدوات استغفال القلوب والعقول ، والكيس من دان نفسه واستعد وعمل للباقية وانشغل بما يسعده فيها ، ولقد وفقكم الله سيدي عبد الرحمن ، في هذا التأمل ، ,غن له شواهد كثيرة من كتاب الله تعالى وأحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن أمثلة ذلك في سياقه قوله تعالى : أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم: { الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين}وقوله تعالى :{ قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار}وقوله عز وجل :{ كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون}....وتأتي ءاية تظهر أن الكافر يفقد الشعور يتلذذ بالمعاصي ويتلذذ بكفره ، وهو تلذذ قليل سرعان ما ينتهي أمده فيجد نفسه في النار أجارنا الله وعافانا ، يقول سبحانه :{ وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوۤ إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ ـ قُـــل تــمــتع بـكـفـرك إنـــك مــن أصـحـاب الــنــار } .ونحمد الله الذي هدانا ، وما توفيقنا إلا بالله...والسلام عليكم ورحمة الله
 
[FONT=&quot]بسم الله الرحمن الرحيم[/FONT]​
[FONT=&quot]
[FONT=&quot]جزيت خيرا شيخنا الفاضل على هذه البادرة وأنا ممن يدعوا لتلك المدارسة والتدبر والتفكر في آيات الله وهذه فرصة عظيمة لنفيد من علمائنا الاجلاء واخواننا وأخواتنا الأعضاء الكرام بما يفتح الله عليهم من الاستنباطات واللطائف وبالنسبة [/FONT][FONT=&quot]للتأملات في قوله تعالى[/FONT]​
[/FONT]
[FONT=&quot](زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (البقرة : 212)[/FONT]​
[FONT=&quot]أقول وبالله التوفيق [/FONT][[FONT=&quot]زُيِّنَ[/FONT]] [FONT=&quot]فإن التزيين يكون لما كان على غير الوجه الذي يرى ، فالزينة تخفي القبح والسوء وترى على غير حقيقتها وكذلك الدنيا ، فإن الذين كفروا يرونها غاية لجمالها وملذاتها وشهواتها يقول جل من قائل [/FONT][FONT=&quot]{ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ } [آل عمران:14][/FONT][FONT=&quot] فكان التزيين من أوليائهم وأنفسهم ومن الشيطان إذ يرون من الزينة ما يوقع في أنفسهم أن الحياة الدنيا منتهى رغبتهم لكفرهم بالآخرة واعتقادهم أنما هي حياتهم الدنيا ، ولما كان الذين آمنوا يعلمون بإيمانهم وتوفيق الله لهم مالا يعلمه الذين كفروا من أن الدنيا دار ممر وليست بدار مقر وأن ما عند الله خير مما يجمعون فهم معرضين عن الدنيا متحرزين من الشهوات والولوغ في الملذات بعكس الذين كفروا. [ [/FONT][FONT=&quot]زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا[/FONT] [FONT=&quot]َ[/FONT]] [FONT=&quot]فأصبحت الدنيا عندهم هي مدار العمل وعندئذٍ يرون المتقين معرضين فيسخرون من إعراضهم عن الشهوات والملذات ولا يرون سبباً وجيهاً لما يرونه من حرمان أولئك المؤمنين من متع الدنيا ولذاتها وهم سائرون للموت ، [[/FONT][FONT=&quot]وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [/FONT][FONT=&quot]َ[/FONT]] [FONT=&quot]أي فوق الذين كفروا ، ويصف الله المؤمنين الذين يزهدون في ملذات الحياة الدنيا وزينتها [[/FONT][FONT=&quot]المتقين] [/FONT][FONT=&quot]والذين اتقوا وإن كانوا في الدنيا دون الكافرين في عرض الدنيا ولكنهم يوم القيامة بتقواهم وإيمانهم وزهدهم في الملذات والشهوات وحذرهم من الانغماس في الدنيا الفانية فإنهم سيكونون فوق الذين كفروا إذ يقول الله لهم ([/FONT][FONT=&quot]وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ[/FONT][FONT=&quot]) } [الأحقاف:20][/FONT][FONT=&quot] فيكونون أذ ذاك في جهنم ومن كانوا مؤمنين متقين في الدنيا أصبحوا في الجنان العالية يرون عاقبة تقواهم وزهدهم وتجنبهم للشهوات كيف صار نعيما مقيما من الله ، وكيف أصبح الساخرون منهم في دركات جهنم يتحسرون على تكذيبهم وسخريتهم . [[/FONT][FONT=&quot]وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ[/FONT] ][FONT=&quot]وهو جلت قدرته لم يجعل الرزق حصراً للمؤمن بل هو لمن يشاء مؤمناً كان أو كافراً ، براً كان أو فاجراً فإن رأيت الرزق يصب على الكافر ويحرم منه المؤمن فليس في ذلك دلالة خير ولا دلالة رضى فالرزق لجميع خلق الله ولكنه يوم القيامة للمؤمنين [[/FONT][FONT=&quot]بِغَيْرِ حِسَاب] [/FONT][FONT=&quot]والله أعلى وأعلم وصل اللهم على محمد وآله وصحبه وسلم.[/FONT]
 
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول تعالى:" زين للذين كفروا الحياة الدنيا و يسخرون من الذين آمنوا و الذين اتقوا فوقهم يوم القيامة و الله يرزق من يشاء بغير حساب"- البقرة:212-:
من المزين هل هو الله تعالى أم إبليس اللعين؟ يحتمل الأمرين: فالشيطان ما سمي بالغرور إلا لأنه يغر و يزين، و أما التزيين من الله جل و علا فجزاء وفاقا على كفرهم و استدراجا لهم، كما قال جل جلاله:" فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون".
و في الحقيقة أن تزيين الدنيا عام لكل الناس: مؤمنين و كفار، أبرار و فجار كما قال تعالى:" إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا"-الكهف:7-،و الآية خرجت مخرج العموم و لم تخص التزيين بنوع من البشر دون نوع، فتحمل على عمومها و هي أن الدنيا قد زينت بما فيها من المتاع و النساء و الأموال و الملذات المختلفة، و العلة في هذا التزيين:" لنبلوهم" فاللام هنا للتعليل، فتزيين الأرض إنما هو للابتلاء و الاختبار و تمييز المحسن الذي لا يغتر بها من المسيء الذي ينغمس فيها و في ملذاتها و شهواتها سواء كانت حلالا أو حراما.
و نحو هذا نجده في قوله تعالى:" زين للناس حب الشهوات من النساء و البنين و القناطير المقنطرة من الذهب و الفضة و الخيل المسومة و الأنعام و الحرث، ذلك متاع الحياة الدنيا و الله عنده حسن المئاب"- آل عمران:14-.
كذلك من الآيات الدالة على ما قلت و هو أن التزيين عام قوله تعالى في سورة الحديد:" اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب و لهو و زينة و تفاخر بينكم و تكاثر في الأموال و الأموال..."-20-.
و قد صح عن النبي الكريم عليه من ربه أفضل الصلاة و التسليم أحاديث في هذا المعنى منها قوله:" إن الدنيا خضرة حلوة و إن الله مستخلفكم فيها لينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا و اتقوا النساء" و في رواية:" اتقوا الدنيا فإنها خضرة حلوة".
لكن شتان شتان بين التزيينين، فالمؤمن و إن كانت هذه الدنيا قد زينت و زخرفت يعلم يقينا أن ذالك اختبار من الله تعالى له و ابتلاء منه جل في علاه، فلا ينخدع بها و لا يغتر، بل يأخذ منها ما يبلغه في سفره إلى ربه، و يعلم أن ما فيها من شهوات و ملذات –محرمة- إنما هي بريد إلى نار تلظى كما قال صلى الله عليه و سلم:" و حفت النار بالشهوات"، فيكون فيها كما أمره رسوله:" كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل"، فتجد واقفا عند حدود الله لا يتعداها بل لا يقربها، لأنه يوقن بقول ربه:" و من يعص الله و رسوله و يتعدى حدوده يدخله نارا خالدا فيها و له عذاب مهين" فلا يطمئن لها و لا يركن إليها البتة، قلبه متعلق بدار الآخرة، حيث الحياة الحقيقية.
أما الكافر فإن كل همه في تحصيل أقصى لذة في هذه الدنيا و عدم تضييع أدنى فرصة في ذلك، لأنه لا إيمان له بدار أخرى بل لسان حاله و مقاله:" ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت و نحيا و ما يهلكنا إلا الدهر"- الجاثية:24-، فلا حدود عنده، و لا تمييز عنده بين حلال و حرام، و هذا من أسباب سخريته بالمؤمن الذي يعلم حدود الله و يقف عندها، و كل حركة و سكنة عنده بميزان"
و يسخرون من الذين آمنوا"، كما قال تعالى في آية أخرى:" إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون و إذا مروا بهم يتغامزون..."-المطففين:29-30-، و كما قال جل شأنه معاتبا للكافرين:" إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا و ارحمنا و أنت خير الراحمين، فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري و كنتم منهم تضحكون"- المؤمنون:109-110-.
" و الذين اتقوا فوقهم يوم القيامة...": و هذا من باب "الجزاء من جنس العمل": فلما كان المؤمنون في الدنيا عرضة للاستهزاء و السخرية و الضحك من طرف الكافرين الذين كانوا يرونهم في منزلة دنيا منحطة، يجازيهم الله بجعلهم في علو و فوقية، و من وجه آخر هذه الفوقية جزاء لاستعلائهم-أي المؤمنين- على شهوات الدنيا و ملذاتها و زينتها، إذن فهي فوقية في الآخرة مقابل ما كان يعتقده الكفار في المؤمنين من دنو و سفول، و كذلك هي فوقية مقابل الاستعلاء على زينة الدنيا و عدم الاغترار بها.
و الله أعلم و أحكم.
 
جزاك الله خير أستاذنا الفاضل ( د / عبد الرحمن الشهري )
و كلي أمل أن تكون هذه نقطة انطلاق لتأملات تدوم
و تكون زاوية هنا في المنتدى ؛ ليكثر النفع ، و يكون هنا لقاء و زاد رواد و زوار الملتقى
و كما ذكرت شيخنا الفاضل أنه أدوم من تلك المشاركات العابرة في التواصل الاجتماعي


" زين للذين كفروا ..... " إذاً هي كسراب الماء الذي يراه السالك في الطريق ، و ليس له من الحقيقة أصل
و هي ليست زينة حقيقية كما يرونها ، بل هي مُزيـَّنة لهم و إلا فإن أبصارهم و بصائرهم لو رأتها بصورتها الحقيقية
لانكشفت لهم دون التحلي بتلك الزينة الكاذبة و سرعان ما تزول تلك الزينة
كالمرأة تضع الزينة على وجهها و ما أن تزيلها حتى يظهر الوجه الحقيقي

اللهم أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه
 
من فوائد هذه الآيات:الارتباط الوثيق بين الإيمان والسلوك،ومن فوائدها:بغض الله جل
في علاه للسخرية من الذين آمنوا سواء كان لعقيدتهم أو لألوانهم أو لجنسياتهم أو
لغير ذلك،بل إن السخرية بصفة عامة من سمات الجاهلين حتى ولو كان من الذين
كفروا.
 
تذكرت حديث النبي صلى الله عليه وسلم
«إِنَّ المُؤْمِنَ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالكَافِرَ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ»
 
عودة
أعلى