تأملات في المعوذتين

أبو عبد المعز

Active member
إنضم
20/04/2003
المشاركات
661
مستوى التفاعل
31
النقاط
28
تأملات في المعوذتين


1-

تتجلى في السورتين تلك السمة العامة في التنزيل وهي الجمع بين التشابه و التنوع...

(وقد أشرنا في مقال لنا لهذه الظاهرة تحت عنوان الجمع بين التجانس والتميز في وقت واحد: فالسور كلها متشابهة مع احتفاظ كل سورة بميزاتها الخاصة)

وفي السورتين "الفلق " و"الناس " حضور جلى لهذه السمة:

-تشترك السورتان في الاسم فهما المعوذتان:

عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: (أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ أَنْ أَقْرَأَ ‌بالْمُعَوِّذَتَيْنِ ‌في ‌دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ)؛ رواهُ الترمذيُّ وصححه النووي.

- تشتركان في الوظيفة والفضيلة وكان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يذكرهما إلا مقترنتين:

(عنْ عُقْبَةَ بنِ عامِرٍ قالَ: بَيْنَا أَنا أَسِيرُ معَ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بينَ الْجُحْفَةِ والأَبْوَاءِ، ‌إذْ ‌غَشِيَتْنا ‌رِيحٌ ‌وظُلْمَةٌ ‌شَدِيدَةٌ، فَجَعَلَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ يَتَعَوَّذُ بِـ (أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، و (أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)، ويَقُولُ: «يا عُقْبَةُ، تَعَوَّذْ بهِمَا، فَمَا تَعَوَّذَ مُتَعَوِّذٌ بِمِثْلِهِمَا» قالَ: وسَمِعْتُهُ يَؤُمُّنا بهِمَا في الصَّلاةِ)؛ رواه أبو داود وحسَّنه الألباني.

- تشتركان في الموقع من المصحف الشريف..فالسورتان متجاورتان في ختام المصحف..

-تشتركان في الدلالة العامة الالتجاء إلى الله والاستعاذة به من الشر والضر...

لكن لو نظرنا إلى التفصيل الدلالى لوجدنا في السورتين تباينا قريبا من التقابل....

فلنقارن بين الركنين الدلالين في السورتين ( وأعني بالركنين : المستعاذ به والمستعاذ منه)

المستعاذ به واحد هو رب العالمين...لكن في سورة الفلق وصف الرب بصفة واحدة فقط :"رب الفلق"

وفي سورة الناس جاء التعدد في الصفات : رب – ملك- إله

المستعاذ منه في "الفلق" متعدد ( أربعة شرور)

لكن المستعاذ منه في" الناس" واحد (الوسواس الخناس)

فحصل هذا التقابل العجيب:

يستعاذ بالصفة الواحدة والمستعاذ منه متعدد (سورة الفلق)

ويستعاذ بالصفات المتعددة والمستعاذ منه واحد (سورة الناس)

للكلام تتمة ان شاء الله...
 
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق : 1]

سنتأمل الآية ولكن ، قبل ذلك ، نقرر-على سبيل التقديم- قاعدة منهجية أساسية في تفسير كتاب الله وهي قاعدة ذات شقين:

- أولا : لا تفسرالكلمة في القرآن إلا بدلالاتها المعجمية في اللسان العربي ونضيف قيدا هاما هو" في زمن النزول"....لأن الدلالات المستحدثة بعد النزول ليست من عربية القرآن في شيء ( وإن تكلم بها الناس واشتهرت على ألسنتهم بعد زمن النزول... ) مثلا كلمة (ذرة) لا ينبغي إن تفسر بالمعنى الفزياوي ولا بالمعنى الفلسفي، فالعربي الذي أنزل عليه القرآن لا تخطر بباله هذه المعاني إنه يفهم منها صغار النمل أو الشيء القليل ...ولكن لا يفهم منها قابلية الانقسام أو عدمها ولا دوران الالكترون حول نواة ،وقد تحتفظ الكلمة العربية بمعناها الأصيل ولكن قد تتشرب مع الزمن وتغير الظرف الحضاري دلالات إيحائية محدثة وظلال معان جديدة فلا يجوز إقحامها في دلالة الكلمة في القرآن بل يجب الاحتفاظ بالجذر الدلالي الأصيل فقط...ككلمة " إرهاب" مثلا، فالعربي المعاصر تتشكل في ذهنه حزمة من التخيلات والإيحاءات عند سماعها لا تتشكل في ذهن العربي في الجاهلية وفي زمن نزول القرآن... فلو كنا بصدد تدبر قوله تعالى :" تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ" [الأنفال : 60] فيتعين إقصاء الظلال الدلالية المعاصرة والإبقاء على الصورة الذهنية التي تخطر للعربي زمن النزول فتلك الصورة هي مقصد القرآن الذي نزل بلغتهم ... فما لا يفهمه العربي فليس بعربية وما ليس بعربية فليس بقرآن! ولتأكيد هذه القاعدة كرر القرآن "عربيته" في أكثر من عشر مرات مع أن عربية القرآن أمر بدهي لا يجادل فيها مؤمن ولا كافر..

- ثانيا : بعد الرجوع إلى المعجم العربي الأصيل يتدخل الحس البلاغي للمفسر ليقيم تلك الدلالات المعجمية وهي غالبا كثيرة فيصنفها وفق نظام تراتبي : يرجح بعضها، ويضعف بعضها ، ويقصي بعضها بحسب ما يقتضيه الحس البلاغي وما يرجحه السياق..ومن الخطأ أن يعتقد المفسر أن كل الدلالات المعجمية صالحة لتفسير كلمة قرآنية وإن أثبت تلك المعاني بالأشعار والأمثال!
 
نقل الطبري ثلاثة أقوال لمعنى الفلق:

1- الفلق جب في جهنم ، وقيل هو اسم من أسماء جهنم.

2-الصبح والنهار.

3- الخلق، ومعنى الكلام: قل أعوذ بربّ الخلق.

قال الطبري في تقييم ما أورده:

والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله جلّ ثناؤه أمر نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يقول: (أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) والفلق في كلام العرب: فلق الصبح، تقول العرب: هو أبين من فَلَق الصُّبح، ومن فرق الصبح. وجائز أن يكون في جهنم سجن اسمه فَلَق. وإذا كان ذلك كذلك، ولم يكن جلّ ثناؤه وضعَ دلالة على أنه عُنِي بقوله: (بِرَبِّ الْفَلَقِ) بعض ما يُدْعَى الفلق دون بعض، وكان الله تعالى ذكره ربّ كل ما خلق من شيء، وجب أن يكون معنيا به كل ما اسمه الفَلَق، إذ كان ربّ جميع ذلك.

لدينا تحفظ يسير على نفي الامام وجود دلالة على بعض ما يُدْعَى الفلق ووجوب- تبعا لذلك- حمل المعنى على كل ما اسمه الفلق...

نرى أن البلاغة دليل على استبعاد ما دل على جهنم (اسما لها أو جبا فيها) وترجيح ما دل على الصبح والنهاركما في كلام العرب...فالمقصد البلاغي في سورة الفلق هو الترغيب في اللجوء إلى الله والتماس الأمن والأمان عنده من الشر الظاهر والباطن، فذكر جهنم أو التذكير بها مما يتنافى مع هذا المقصد ...صحيح إن الله رب جميع ذلك- كما قال الطبري- لكن لكل مقام مقال...ألا ترى أنك تقول لصاحبك : "لقد أحسنت إلى المساكين ورب الجنة يجازيك "...وتقول لآخر: "لقد أكثرت من البغي فاحذر رب جهنم"..

فلا يستسيغ من له أدنى حس بلاغي أن يجعل في المثالين" الجنة" مكان "جهنم" فلا يقول :لقد أحسنت إلى المساكين ورب جهنم يجازيك!! أو لقد أكثرت من البغي فاحذر رب الجنة ......مع أن رب الجنة هو عينه رب جهنم....!!

المستعاذ منه في السورة ذو ظلال معنوية تنفر الإنسان وتخيفه :الغاسق- النفاثات- الحاسد... فالبلاغة تقتضي أن يكون في جنب المستعاذ به عكس تلك الظلال أي معاني الأمن والاطمئنان لجلب الإنسان وإغرائه، فذكر جهنم في هذا السياق غير مناسب وإنما المناسب المعنى الآخر : فلق الصبح.

جاء في التنزيل مظهران للفلق اجتمعا في سورة (الأنعام):

إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى [الأنعام : 95]

فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [الأنعام : 96]

المعنى الأول يدل على الحياة : فالق الحب والنوى، لتظهر الحياة في صورتها النباتية وتنتج الثمرات التي بها حياة الناس والانعام.

المعنى الثاني يدل على النور: فالق الإصباح لطرد الظلمة وهداية الناس....

والمعنيان (الحياة والنور) مما يستبشر به طبع الإنسان وينجذب إليه ويفر من ضديهما الموت والظلام ...فذكر النور والحياة الجاذبان أنسب من ذكر جهنم المنفر....!
 
مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ [الفلق : 2]

رتب المستعاذ منه وفق اعتبارين:

1-العموم والخصوص

2-الابهام والوضوح

أول ما ذكر من المستعاذ منه عام جدا : (مَا خَلَقَ )

وقبل بيان النسقين يجب أن ننبه على خطإ وقع فيه كثير من المعربين( وهم من كبار النحاة كالنحاس ومكي وغيرهما) فقد زعموا أنه يجوز أن تكون (ما) مصدرية:

قال مكي بن أبي طالب:

قَوْله تَعَالَى( من شَرّ مَا خلق ) مَا بِمَعْنى الَّذِي وَالضَّمِير مَحْذُوف من الصِّلَة وَدلّ ذَلِك على أَن الله جلّ ذكره خَالق كل شَيْء وَكَذَلِكَ إِن جعلت مَا وَالْفِعْل مصدرا دلّ على ذَلِك إِلَّا أَنه لَا ضمير مَحْذُوف من الْكَلَام.

قال النحاس:

مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ

تكون ما مصدرا فلا تحتاج إلى عائد، ويجوز أن تكون بمعنى الذي فتكون الهاء العائدة عليه محذوفة.

لقد انساق المعربون خلف الصنعة ولم ينتبهوا لخصوص المعنى فلو كانت (ما) مصدرية لكانت الاستعاذة من خلق الله ،أي من فعل له ، وهذا لا يجوز، فالشر لا ينسب إلى الله بتاتا .

وإنما الشر ينسب للمخلوق فوجب أن تكون (ما ) موصولة فقط ، بتقدير من شر الذي خلقه الله ( وليس من شر خلق الله أي فعل مسند لله سبحانه وتعالى).
 
مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ [الفلق : 2]

عام في كل شر....المذكور منه وغير المذكور...وخص بالذكر ثلاث :

-الغاسق

-النفاثات

-الحاسد

وجاءت- دلاليا- منسقة بحسب الغموض والوضوح

فقد احتلفوا في تعيين "الغاسق" قيل الليل وقيل القمر وقيل الثريا

"النفاثات" أوضح فلم يختلف اهل التفسير في أن المراد بالنفاثات السواحر...لكن القرآن آثر التعبير بالكناية عن التصريح

"الحسد" واضح وصريح...

هذه الشرور الثلاث دالة بواسطة التعميم الدلالي على عموم الشر:

فشر "الغاسق إذا وقب" هو الشر في (الآفاق)

وشر" الحاسد إذا حسد " هو الشر في (الأنفس)

ولك أن تقول :

شر الغاسق هو شر الطبيعة غير العاقلة (الليل ، الظلام...)

وشر النفاثات و الحاسد هو شرالعاقلين ....

والعاقلون الأشرار جن وإنس ....فدلت النفاثات على الجن( لأن السحر في جوهره مرتبط بتسخير الجن ) ودل الحاسد على الإنس.
 
تضمنت سورة الناس ظاهرة صوتية من الغرابة بمكان ، فعلى قصرها (عشرون كلمة) تكررت فيها كلمة "الناس" خمس مرات (ربع السورة)، وليست الغرابة في التكرار وإنما الغرابة في عدم شعور القاريء به ، فتسمعه يرتل السورة بسلاسة فائقة فلا يتلعثم ولا يشعر باضطراب أو حرج في التلفظ ، مع أن التكرار وتقارب مخارج الأصوات يؤثر عادة على سلاسة القراءة ، وهذا معروف شائع في علم الفصاحة، و مثاله المشهورالذي يستشهد به :

وقَبرُ حَربٍ بمكانٍ قَفرٍ ** ولَيسَ قُربَ قَبرِ حَربٍ قَبرُ

(ومن الطريف أن هذا البيت نسب إلى الجن!)

فلا يمكن أن تقرأ هذا البيت الجني بسهولة ،خاصة العجز منه، فتجد صعوبة في الانتقال من كلمة إلى أخرى...وليست سورة الناس كذلك بل إن هذه السورة مما يحفظ صبيان المسلمين في سن مبكرة جدا قبل أن يتشكل جهازهم النطقي كاملا...

تكررت كلمة" الناس" خمس مرات لكن تركيبها الصوتي في الواقع تكرر ست مرات كلازمة في نهاية كل آية ، فالآية الرابعة خلت من كلمة "الناس" لكنها كمتوالية صوتية حاضرة في ختامها:

مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ [الناس : 4]

كلمة الناس كأنها متلوة في كلمة الخناس!
 
قلنا المستعاذ منه في سورة "الناس" مفرد والمستعاذ به - سبحانه وتعالى- ممجد بصفات متعددة (رب - ملك - اله) وفي ذلك إشارة إلى خطورة هذا المستعاذ منه ،ولا نبالغ إن قلنا إن الوسواس أعظم شر على الإطلاق لسببين:

1- الشرور المذكورة في الفلق وقتية ، مرحلية ، مقيدة بظرف : الغاسق إذا وقب والحاسد إذا حسد ، لكن شر الوسواس حاضر دائما :

عن صفية بنت حيي رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معتكفاً، فأتيته أزوره ليلاً فحدّثته، ثم قمتُ فانقلبت، فقام معي ليقلبني -وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد رضي الله عنهما-، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي -صلى الله عليه وسلم- أسرعا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ( على رسلكما، إنها صفية بنت حيي ) ، فقالا: سبحان الله يا رسول الله!، فقال: (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يَقذف في قلوبكما سوءا -أو قال شيئا- ) ". متفق عليه، واللفظ للبخاري .

قوله - صلى الله عليه وسلم- "إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم"، إشارة إلى حضوره الدائم... وقوله "وإني خشيت أن يَقذف في قلوبكما سوء" إشارة إلى فعل الوسوسة..بل إن النوم نفسه لا يمنع من الشيطان، فتراه موسوسا في الأحلام! الشيطان حاضر في كل زمان - ليلا ونهارا - ومسوس في كل حال – يقظة ومناما-

2- شر الوسواس أخطر لأنه يتعلق بالدين أصلا ، أما الشرور المذكورة (الغاسق الساحرات الحاسد) فقد تتعلق بما دون الدين، مثل الصحة والمال والبهجة ، وخسارة كل ذلك يهون إذا بقي الإيمان ...لذلك فالرجيم اللعين جعل ردة المؤمن هدفه الأول ولا يلتفت إلى إفساد دنيا المؤمن إلا إذا يئس من النيل من آخرته.
 
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس : 1]

مَلِكِ النَّاسِ [الناس : 2]

إِلَهِ النَّاسِ [الناس : 3]

جاءت الصفات العليا مرتبة بحسب الوجود والمعرفة:

الرب هو الخالق ، وصفة الملك تالية، لأن الملكية تتعلق بالشيء بعد إيجاده فلا تعقل الملكية إلا بعد الوجود فيكون الترتيب الذكري المعتاد : رب ثم ملك ، كما في فاتحة الكتاب وكما في الدعاء المأثور: رب كل شيء ومليكه

ولا يختلف الشأن لو كان" الملك " بمعنى السلطان والحاكم...كما في قوله تعالى الجامع :

أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف : 54]

فله الخلق باعتباره ربا، وله الأمر باعتباره ملكا...

صفة الألوهية متأخرة عن الربوبية تأخر المدلول عن الدليل...فالرب مألوه معبود لأنه خالق ومالك....والعلاقة بين الصفتين في التنزيل علاقة علة بمعلول أو لازم بملزوم وهذا متكرر في جدال القرآن مع الكفار والمشركين...

هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [لقمان : 11]

قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ... [فاطر : 40]

قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ... [الأحقاف : 4]

آلهتكم باطلة لأنها لا تخلق ولا تملك ( الربوبية علة الألوهية)

أن أقررتم بالرب الخالق فيلزمكم أن تفردوه بالعبادة ( الربوبية يلزم عنها الألوهية)
 
ترتيب الأسماء العليا جاء أيضا وفق العموم والخصوص بالنظر إلى اعتقاد الناس:

(رب):

يعتقده كل الناس فهو مركوز في فطرتهم وعتات المشركين – قتلة الأنبياء والمؤمنين - يشهدون لله بالربوبية:

وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ [العنكبوت : 61]

والملاحدة المعطلة كلهم كاذبون على أنفسهم، قبل الكذب على غيرهم ، لأنهم ينطقون بخلاف ما يجدون في أنفسهم غرورا أو بحثا عن الشهرة ...

قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [سبأ : 24]

كيف يكون السائل هو نفسه المجيب !

لأن الجواب بدهي لن يختلف فيه ...فتفاديا لتضييع الوقت في التلعثم والتلكؤ أمر الله رسوله أن يجيب هو نفسه عن السؤال الذي طرحه ، لأن جوابه لن يكون إلا جوابهم ولا يمكن للرسول أن يجيب عنهم بما لا يرون والطرفان بصدد المناظرة!!

(ملك ):

ينكره طائفة من الناس المقرين بالربوبية ومنهم بعض الفلاسفة وأتباعهم يرون أن الرب علة للكون لكنه لا يبعث نبيا ولا رسولا، والقوانين الطبيعية هي المسيرة للكون ...

وهذا مذهب جل علماء الطبيعة اليوم فيقولون: نسلم أن الرب خلق ، ولكن لا نسلم بأنه مدبر،فالعالم مكتف بنفسه ومنتظم في قوانينه وكل تفسير له يجب أو يكون (محايثا) والتفسير بغير ذلك لاهوت وتخريف معارض للعقل والعلم !

(إله) :

أما اسم الله فلا يؤمن به إلا أقل من القليل...كما جاء في حديث بعث النار:

ثبت في صحيح البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك والخير في يديك، قال: يقول أخرج بعث النار، قال: وما بعث النار ؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فذلك حين يشيب الصغير, وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى, ولكن عذاب الله شديد, فاشتد ذلك عليهم, فقالوا: يا رسول الله، أينا ذلك الرجل؟ قال: (أبشروا، فإن من يأجوج ومأجوج ألفًا ومنكم رجلًا، ثم قال: والذي نفسي بيده، إني لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنة), قال: فحمدنا الله وكبَّرنا، ثم قال: (والذي نفسي بيده، إني لأطمع أن تكونوا شطر أهل الجنة، إن مثلكم في الأمم كمثل الشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كَالرَّقْمَةِ فِي ذِرَاعِ الْحِمَارِ).
 
مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ [الناس : 4]

وصف الشيطان بصفتين متقابلتين:

ففي" الوسواس" معني المبادرة والهجوم والقوة ،وفي "الخناس" معنى الانتكاس والضعف والخور...وهذا حال كل شخصية شاذة، تنبني مكوناتها على التناقض : الشيطان قوي وضعيف في وقت واحد كما أن المنافق مؤمن وكافر في وقت واحد!

وإني عندما أقرأ "الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ"أتمثل غالبا صورة كلب يكشر عن أنيابه مهددا نابحا (الوسوسة صفة لصوت)حتى إذا ألقمته حجرا ولى متألما ولم يعقب...

لقد أعطي الشيطان ميزتان من شأنهما الانتصار على الإنسان انتصار ساحقا:

الأولى : (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم) وقد أوردنا الحديث من قبل.

الثانية: ( إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ) [الأعراف : 27]

كيف يمكن الانتصار على عدو يتلبسك يراك ولا تراه ، كيف تتحصن من خفي أو تهاجم من يرى كل حركاتك وأنت ليس بمقدورك أن ترصده!

لكن الله العدل الرحيم أعطاك سلاحا حاسما لمواجهة الرجيم...إنه ذكر الله.

عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الشيطان جاثم على قلب ابن آدم ، فإذا ذكر الله خنس ، وإذا غفل وسوس " . رواه البخاري تعليقا .

الشيطان يعلم جيدا هذا يعلم أنه لا سبيل له عليك ما دمت ذاكرا لله ومن ثم سيحاول جاهدا أن ينزع منك سيفك البتار ليتنصرعليك : ينسيك ذكر الله....إن نسيت الذكرفقد قدمت عنقك لعدوك ....فتأمل!!
 
عودة
أعلى