عمر المقبل
New member
- إنضم
- 06/07/2003
- المشاركات
- 805
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
من المواضع التي تلفت نظر المتأمل لكتاب الله العظيم ، هو الأحوال التي تمر بها جوارح الإنسان ، بدءً من نزع الروح إلى أن تصير إلى مصيرها ، إما إلى جنة أو إلى نار ـ نعوذ بالله من ذلك ـ .
لقد أسفت ولن أزال كذلك ، أسفت ثم أسفت على سنين كثيرة مضت في غير التأمل والتدبر لهذا الكتاب العظيم .
لقد تبين ـ من خلال البحث ـ أن القرآن الكريم أولى هذه الجوارح عناية عظيمة في ذلك اليوم المهول ، والسر في ذلك ظاهر ، فالأمر ـ كما قال سبحانه ـ (يوم ترونها ... تذهل كل مرضعة عما أرضعت ، وتضع كل ذات حملٍ حملها ، وترى الناس سكارى ، وما هم بسكارى ، ولكن عذاب الله شديد) .
لا أريد أن أطيل في المقدمات ، منبهاً في البداية إلى أمرين :
الأول : أن البحث لم يحرر بعد ، بل الذي أطرحه هنا هو مختصر للبحث المطول (الأصل ) ، وحسبي أنني أطرحه بين يدي من أعتقد الاستفادة منهم ،وهو عندي ضمن سلسلة سأخرجها في كتاب ، إن يسر الله ـ بعنوان : (تأملات في أحوال الجوارح يوم القيامة ) أسأل الله تعالى العون والتوفيق .
الثاني : أنني لم أتعرض للسنة في شيء ، رغم أنها ذكر فيها أشياء مما يوافق شرط البحث .
==============================================
وقد بدأت بجارحة البصر ،لأنها ـ بعد التأمل ـ هي أكثر الجوارح التي وصفت بأوصاف متنوعة ـ كما سيتبين بإذن الله تعالى ـ .
1 ـ أول أحوال البصر ، هو ما دل عليه قوله تعالى : ( وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ) .
والشخوص ، هو إحداد البصر ، دون تحرك كما يقع للمبهوت .
قال تعالى : ( وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ).
2 ـ بعد هذا الشخوص للأبصار من هول ما رأت ، تأتي الحال الثانية ، وهي من أكثر الأحوال التي تكرر ذكرها في القرآن ، وهي خشوع الأبصار ، أي انكسارها ، وغشيان الذل لها ، فلا تستطيع أن تنظر في الناس من حولها ، وهي نظرة الخائف المفتضح ،وهذا معروف من أحوال الناس ، فإن ذلة الذليل ، وعزة العزيز تظهران من عيونهما ، يقول سبحانه : ( وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ) .
ويقول سبحانه : ( خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ) ، ( خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ) .
ومعنى ترهقهم : تحل بهم ، وتقترب منهم بحرص على التمكن منهم ، وبسرعة .
ويقول تعالى : (يوم يخرجون من الأجداث سراعا ، كأنهم إلى نصب يوفضون * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) ، ويقول سبحانه : ( أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ) .
3 ـ تصور كيف هي ألوان عيون هؤلاء الكفرة حينما يحشرون ؟ ( يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً) ـ وهذا على رأي بعض المفسرين أن المراد بالزرقة زرقة العيون لا الوجوه ـ ، فإذا ضممت إلى هذا سواد وجوههم ، فما ظنك بقبح أشكالهم ؟ ولك أن تتصور شخصاً أسود الوجه مزرق العينين ! الأمر فظيع .
4 ـ ورغم طول مدة الحشر ( خمسين ألف سنة ) إلا أنهم لا يرتد إليهم طرفهم أكثر مدة المحشر ، كما قال تعالى : ( مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ٌ) ، وإنما قلت : أكثر مدة المحشر وليس كلها ، مع أن ظاهر الآية أن عدم ارتداد طرفهم مستغرق للوقت كله ـ إنما قلت هذا ـ لأن الآيات الأخرى دلت على أن للبصر أحوالاً أخرى من الشخوص والنظر من طرف خفي .
5 ـ مرحلة شهادة هذا البصر على ما رأى ، يقول تعالى : ( حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ) .
6 ـ حشر المجرم أعمى البصر ‘لى النار وبئس المصير ، يقول تعالى : ( ونَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً ) ، ويقول سبحانه : ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً )
فإن قلت : كل الأيات السابقة عن الكفار ، فأين أبصار المؤمنين ؟
لماذا لم تذكر ؟ ما السبب ؟
فيقال : إنه لما كان تقلب البصر واضطرابه إنما هو بسبب الخوف والحزن ، وهذا منتف في حق المؤمنين ، قال تعالى : (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) ، وقال سبحانه في المؤمنين ( لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الآكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) ، لذا لم يذكر الله تعالى شيئا في وصف أبصارهم ، بل إن الله تعالى أشرف أحوال أبصار المؤمنين يوم القيامة يوم تكتحل برؤية الرب العظيم ، كما قال تعالى : ( وجوه يومئذ ناضرة * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) ، ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) .
هذا ما تيسر ، فمن كان له تعقيب يفيد في استدراك الزلل ، وسد الخلل ، فليبادر به مشكوراً مأجوراً .
لقد أسفت ولن أزال كذلك ، أسفت ثم أسفت على سنين كثيرة مضت في غير التأمل والتدبر لهذا الكتاب العظيم .
لقد تبين ـ من خلال البحث ـ أن القرآن الكريم أولى هذه الجوارح عناية عظيمة في ذلك اليوم المهول ، والسر في ذلك ظاهر ، فالأمر ـ كما قال سبحانه ـ (يوم ترونها ... تذهل كل مرضعة عما أرضعت ، وتضع كل ذات حملٍ حملها ، وترى الناس سكارى ، وما هم بسكارى ، ولكن عذاب الله شديد) .
لا أريد أن أطيل في المقدمات ، منبهاً في البداية إلى أمرين :
الأول : أن البحث لم يحرر بعد ، بل الذي أطرحه هنا هو مختصر للبحث المطول (الأصل ) ، وحسبي أنني أطرحه بين يدي من أعتقد الاستفادة منهم ،وهو عندي ضمن سلسلة سأخرجها في كتاب ، إن يسر الله ـ بعنوان : (تأملات في أحوال الجوارح يوم القيامة ) أسأل الله تعالى العون والتوفيق .
الثاني : أنني لم أتعرض للسنة في شيء ، رغم أنها ذكر فيها أشياء مما يوافق شرط البحث .
==============================================
وقد بدأت بجارحة البصر ،لأنها ـ بعد التأمل ـ هي أكثر الجوارح التي وصفت بأوصاف متنوعة ـ كما سيتبين بإذن الله تعالى ـ .
1 ـ أول أحوال البصر ، هو ما دل عليه قوله تعالى : ( وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ) .
والشخوص ، هو إحداد البصر ، دون تحرك كما يقع للمبهوت .
قال تعالى : ( وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ).
2 ـ بعد هذا الشخوص للأبصار من هول ما رأت ، تأتي الحال الثانية ، وهي من أكثر الأحوال التي تكرر ذكرها في القرآن ، وهي خشوع الأبصار ، أي انكسارها ، وغشيان الذل لها ، فلا تستطيع أن تنظر في الناس من حولها ، وهي نظرة الخائف المفتضح ،وهذا معروف من أحوال الناس ، فإن ذلة الذليل ، وعزة العزيز تظهران من عيونهما ، يقول سبحانه : ( وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ) .
ويقول سبحانه : ( خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ) ، ( خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ) .
ومعنى ترهقهم : تحل بهم ، وتقترب منهم بحرص على التمكن منهم ، وبسرعة .
ويقول تعالى : (يوم يخرجون من الأجداث سراعا ، كأنهم إلى نصب يوفضون * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) ، ويقول سبحانه : ( أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ) .
3 ـ تصور كيف هي ألوان عيون هؤلاء الكفرة حينما يحشرون ؟ ( يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً) ـ وهذا على رأي بعض المفسرين أن المراد بالزرقة زرقة العيون لا الوجوه ـ ، فإذا ضممت إلى هذا سواد وجوههم ، فما ظنك بقبح أشكالهم ؟ ولك أن تتصور شخصاً أسود الوجه مزرق العينين ! الأمر فظيع .
4 ـ ورغم طول مدة الحشر ( خمسين ألف سنة ) إلا أنهم لا يرتد إليهم طرفهم أكثر مدة المحشر ، كما قال تعالى : ( مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ٌ) ، وإنما قلت : أكثر مدة المحشر وليس كلها ، مع أن ظاهر الآية أن عدم ارتداد طرفهم مستغرق للوقت كله ـ إنما قلت هذا ـ لأن الآيات الأخرى دلت على أن للبصر أحوالاً أخرى من الشخوص والنظر من طرف خفي .
5 ـ مرحلة شهادة هذا البصر على ما رأى ، يقول تعالى : ( حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ) .
6 ـ حشر المجرم أعمى البصر ‘لى النار وبئس المصير ، يقول تعالى : ( ونَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً ) ، ويقول سبحانه : ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً )
فإن قلت : كل الأيات السابقة عن الكفار ، فأين أبصار المؤمنين ؟
لماذا لم تذكر ؟ ما السبب ؟
فيقال : إنه لما كان تقلب البصر واضطرابه إنما هو بسبب الخوف والحزن ، وهذا منتف في حق المؤمنين ، قال تعالى : (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) ، وقال سبحانه في المؤمنين ( لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الآكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) ، لذا لم يذكر الله تعالى شيئا في وصف أبصارهم ، بل إن الله تعالى أشرف أحوال أبصار المؤمنين يوم القيامة يوم تكتحل برؤية الرب العظيم ، كما قال تعالى : ( وجوه يومئذ ناضرة * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) ، ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) .
هذا ما تيسر ، فمن كان له تعقيب يفيد في استدراك الزلل ، وسد الخلل ، فليبادر به مشكوراً مأجوراً .