تأملات في أحوال الجوارح يوم القيامة ـ الجزء الأول ( أحوال البصر)

عمر المقبل

New member
إنضم
06/07/2003
المشاركات
805
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
من المواضع التي تلفت نظر المتأمل لكتاب الله العظيم ، هو الأحوال التي تمر بها جوارح الإنسان ، بدءً من نزع الروح إلى أن تصير إلى مصيرها ، إما إلى جنة أو إلى نار ـ نعوذ بالله من ذلك ـ .
لقد أسفت ولن أزال كذلك ، أسفت ثم أسفت على سنين كثيرة مضت في غير التأمل والتدبر لهذا الكتاب العظيم .
لقد تبين ـ من خلال البحث ـ أن القرآن الكريم أولى هذه الجوارح عناية عظيمة في ذلك اليوم المهول ، والسر في ذلك ظاهر ، فالأمر ـ كما قال سبحانه ـ (يوم ترونها ... تذهل كل مرضعة عما أرضعت ، وتضع كل ذات حملٍ حملها ، وترى الناس سكارى ، وما هم بسكارى ، ولكن عذاب الله شديد) .
لا أريد أن أطيل في المقدمات ، منبهاً في البداية إلى أمرين :
الأول : أن البحث لم يحرر بعد ، بل الذي أطرحه هنا هو مختصر للبحث المطول (الأصل ) ، وحسبي أنني أطرحه بين يدي من أعتقد الاستفادة منهم ،وهو عندي ضمن سلسلة سأخرجها في كتاب ، إن يسر الله ـ بعنوان : (تأملات في أحوال الجوارح يوم القيامة ) أسأل الله تعالى العون والتوفيق .
الثاني : أنني لم أتعرض للسنة في شيء ، رغم أنها ذكر فيها أشياء مما يوافق شرط البحث .
==============================================

وقد بدأت بجارحة البصر ،لأنها ـ بعد التأمل ـ هي أكثر الجوارح التي وصفت بأوصاف متنوعة ـ كما سيتبين بإذن الله تعالى ـ .

1 ـ أول أحوال البصر ، هو ما دل عليه قوله تعالى : ( وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ) .
والشخوص ، هو إحداد البصر ، دون تحرك كما يقع للمبهوت .
قال تعالى : ( وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ).


2 ـ بعد هذا الشخوص للأبصار من هول ما رأت ، تأتي الحال الثانية ، وهي من أكثر الأحوال التي تكرر ذكرها في القرآن ، وهي خشوع الأبصار ، أي انكسارها ، وغشيان الذل لها ، فلا تستطيع أن تنظر في الناس من حولها ، وهي نظرة الخائف المفتضح ،وهذا معروف من أحوال الناس ، فإن ذلة الذليل ، وعزة العزيز تظهران من عيونهما ، يقول سبحانه : ( وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ) .
ويقول سبحانه : ( خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ) ، ( خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ) .
ومعنى ترهقهم : تحل بهم ، وتقترب منهم بحرص على التمكن منهم ، وبسرعة .
ويقول تعالى : (يوم يخرجون من الأجداث سراعا ، كأنهم إلى نصب يوفضون * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) ، ويقول سبحانه : ( أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ) .


3 ـ تصور كيف هي ألوان عيون هؤلاء الكفرة حينما يحشرون ؟ ( يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً) ـ وهذا على رأي بعض المفسرين أن المراد بالزرقة زرقة العيون لا الوجوه ـ ، فإذا ضممت إلى هذا سواد وجوههم ، فما ظنك بقبح أشكالهم ؟ ولك أن تتصور شخصاً أسود الوجه مزرق العينين ! الأمر فظيع .


4 ـ ورغم طول مدة الحشر ( خمسين ألف سنة ) إلا أنهم لا يرتد إليهم طرفهم أكثر مدة المحشر ، كما قال تعالى : ( مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ٌ) ، وإنما قلت : أكثر مدة المحشر وليس كلها ، مع أن ظاهر الآية أن عدم ارتداد طرفهم مستغرق للوقت كله ـ إنما قلت هذا ـ لأن الآيات الأخرى دلت على أن للبصر أحوالاً أخرى من الشخوص والنظر من طرف خفي .


5 ـ مرحلة شهادة هذا البصر على ما رأى ، يقول تعالى : ( حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ) .


6 ـ حشر المجرم أعمى البصر ‘لى النار وبئس المصير ، يقول تعالى : ( ونَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً ) ، ويقول سبحانه : ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً )

فإن قلت : كل الأيات السابقة عن الكفار ، فأين أبصار المؤمنين ؟
لماذا لم تذكر ؟ ما السبب ؟
فيقال : إنه لما كان تقلب البصر واضطرابه إنما هو بسبب الخوف والحزن ، وهذا منتف في حق المؤمنين ، قال تعالى : (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) ، وقال سبحانه في المؤمنين ( لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الآكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) ، لذا لم يذكر الله تعالى شيئا في وصف أبصارهم ، بل إن الله تعالى أشرف أحوال أبصار المؤمنين يوم القيامة يوم تكتحل برؤية الرب العظيم ، كما قال تعالى : ( وجوه يومئذ ناضرة * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) ، ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) .



هذا ما تيسر ، فمن كان له تعقيب يفيد في استدراك الزلل ، وسد الخلل ، فليبادر به مشكوراً مأجوراً .
 
جزاك الله خيراً أبا عبدالله على تتبعك لهذا الموضوع ، وجعله الله في موازين حسناتك. وهو يدل على دقة المنزع والتدبر لكثير من الآيات التي لم تعد تستوقف الكثير منا لكثرة سماعه لها والله المستعان. فواصل المسير والتدبر ، ونحن نتابع ما تكتبه ونستفيد منه كثيراً وفقك الله لكل خير.
 
بارك الله فيك يا أبا عبد الله ، تتبع جميل لدقائق قرآنية ، وبانتظار بقية المبحث .
لكن أليس شخوصُ البصر يوم القيامة عامًا لجميع الخلق ، كما صرّح به الطبري في : ( إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار) ؟ إذ قال: " تشخص فيه أبصار الخلق " .
 
أشكر الأخوين الكريمين عبدالرحمن وخالد على مرورهما ،وتعليقهما .

وجواباً عما طرحه أخي خالد ، يمكن أن يقال ـ من باب المذاكرة ـ لأني أراجع فيها أي تفسير :

إن ما ذكرته في المقالة لا يعارض ما قرره الإمام أبو جعفر ابن جرير ، بحيث يقال :

إن لحظات الشخوص الأولى لا مانع من اشتراك الخلق كلهم فيها ؛ لشدة الهول ، وعظم الموقف ، وهيبة المشهد ، ثم إذا تتابعن الأهوال زادت قلق الكفار والمنافقين ، أما المؤمنون فتنزل عليهم السكينة ، وتغشى قلوبهم الطمأنينة ، تصديقاً لوعد الله جل وعلا ( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) .
 
أشكر الأخوين الكريمين عبدالرحمن وخالد على مرورهما ،وتعليقهما .

وجواباً عما طرحه أخي خالد ، يمكن أن يقال ـ من باب المذاكرة ـ لأني أراجع فيها أي تفسير :

إن ما ذكرته في المقالة لا يعارض ما قرره الإمام أبو جعفر ابن جرير ، بحيث يقال :

إن لحظات الشخوص الأولى لا مانع من اشتراك الخلق كلهم فيها ؛ لشدة الهول ، وعظم الموقف ، وهيبة المشهد ، ثم إذا تتابعت الأهوال زاد قلق الكفار والمنافقين ـ عياذا بالله من حالهم ومآلهم ـ أما المؤمنون ـ جعلنا الله وإياك أخي القارئ منهم ـ فتنزل عليهم السكينة ، وتغشى قلوبهم الطمأنينة ، تصديقاً لوعد الله جل وعلا ( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) ، والله تعالى أعلم .
 
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

تحية طيبة و بعد

لقد أثار طرح هذا الموضوع من الشيخ / أبي عبد الله عمر المقبل ، شجونا في نفسي ، ووقعاً في درسي ، فآثار و أعمال الجوارح يوم القيامة إنما تظهر في الغالب على الكفار و هم في الحقيقة المهمومون و المحزونون و الخائفون ، و لما كانت رسالتي للماجستير تتحدث عن " الهمِّ و الحزن في القرآن الكريم أسباباً و مظاهر و علاجاً " و دراسة المدارس النفسية الحديثة إزاء ذلك ؛ كان من الآثار : الكآبة و سوء المنظر ، و هذا الأثر يظهر على أغلب المهمومين و المحزونين ، و جميع أعمال الجوارح تناولتها في آثار الهم و الحزن " في رسالتي " مع تقديري لطرح أبي عبد الله الجميل ، و اختياراته الرائعة ، و مواضيعه التي تنمُّ عن صفاء الذهن ، و ذكاء الشيخ ،
فَلا تكادُ تَرَى مَهْمُوْماً أَوْ حَزِيْناً إلا وَ عَلامَاتُ وَ آثَارُ قَلَقِهِ وَ حُزْنِهِ بَاديَةٌ عَلَيْهِ . سواءً عَلَى سُحْنَةِ وَجْهِهِ أو عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ داخِليَّةٍ أَوْ خَارِجِيَّةٍ ، و هذا مجمعٌ عليه بين العقلاء و لذا قال الشاعر :
فَلَمْ أرَ يوماً كان أكثرَ بَاكِيـاً وَ وَجْهاً تُرَى فِيْه الكَآبة تنجبُ ( )
و قول البحتري :
واستشفعت بدموعها ودموعها لُسُنٌ متى تصف الكآبة تسهِبِ ( )
فالمهموم ، والحزين ، والقَلِقُ ، لابد وأن تظهر أعراض أمراضهم عليهم بالكآبة ، فإذا لم يتجاوزوا مرحلتهم تلك ؛ فعندئذٍ تصبح الكآبة مرَضاً مستقِلاً ، له أعراضه وأدواؤه ( ) .
و قد أخذ هذا المبحث في رسالتي طويلاً لكني أقتطف منه ما يتعلَّقُ بزوغان البصر كما حدَّد الشيخ في موضوعه الجديد هذا .
وقد ذكر حامد زهران من أعراض الاكتئاب ومظاهره ما يتعلّقُ باضطراب تعبيرات الوجه بحيث تظهر أعراض الحزن والاكتئاب وأخرى كانقباض الوجه والسحنة الجامدة، والسحنة البلهاء، والنظرات الخائفة المتوجّسة والمتقلّبة، والتعبير المتكلّف.. إلخ ( ).
كما تناول القرآن الكريم حركة العين باعتبارها صفةً دالةً على الثبات والطمأنينة أو الاضطراب والقلق وذلك في أوصافٍ كثيرةٍ فيما يتعلّق بتلك الحركة وتأثُّرها بما يقوم في القلب وذلك في مثل قول الله تبارك وتعالى : â ّŒخ) Nن.râن!$y_ `دiB ِNن3د%ِqsù ô`دBur ں@xےَ™r& ِNن3ZدB ّŒخ)ur دMxî#y— مچ»|ءِ/F{$# دMtَn=t/ur غUqè=à)ّ9$# uچإ_$sYysّ9$# tbq‘Zفàs?ur «!$$خ/ O$tRqمZ—à9$# اتةب y7د9$uZèd z’ج?çGِ/$# ڑcqمZدB÷sكJّ9$# (#qن9ح“ّ9م—ur Zw#u“ّ9خ— #Y‰ƒد‰x© ل ( )، وهو وصفٌ دقيقٌ لحالات القلق المتعددة في هذا الموضع وذلك الظرف وما يدخل في موضوعنا هو قول الله تعالى : â ّŒخ)ur دMxî#y— مچ»|ءِ/F{$# ل ، وهو كنايةٌ عن بلوغ الفزع ( ) . ويجعل الألوسي اللفظ مكنىً به عن : ميلان الأبصار عن سننها وانحرافها عن مستوى نظرها حَيْرَةً ودهشةً ( ) .
ويبرز أثر زوَغَان البصَر فيما يذكره ابن عاشور إذ يقول - رحمه الله - : (والزَيغ: الميل عن الاستواء إلى الانحراف . فزيغ البصر : أن لا يرى ما يتوجه إليه . أو : أن يريد التوجه إلى صوب فيقع إلى صوب آخر من شدة الرعب والانذعار ... وبلوغ القلوب الحناجر تمثيل لشدة اضطراب القلوب من الفزع والهلع حتى كأنها لاضطرابها تتجاوز مقارّها وترتفع طالبة الخروج من الصدور فإذا بلغت الحناجر لم تستطع تجاوزها من الضيق ؛ فشبهت هيئة قلب الهلوع المرعُود بهيئة قلبٍ تجاوز موضعه وذهب متصاعداً طالباً الخروج، فالمشبه القلبُ نفسه باعتبار اختلاف الهيئتين . وليس الكلام على الحقيقة، فإن القلوب لا تتجاوز مكانها، وقريبٌ منه قولهم : تنفّس الصُعَداء، وبلغت الروح التراقيَ) ( ) .
ويضيف في وصف حالة الاضطراب وذكر ألفاظ القرآن ؛ ما جاء بصيغة المضارع في قول الله تعالى : â tbq‘Zفàs?ur «!$$خ/ O$tRqمZ—à9$# { إذ يقول : ( وفي صيغة المضارع معنى التعجيب من ظنونهم لإدماج العتاب بالامتنان ؛ فإن شدة الهلع الذي أزاغ الأبصار وجعل القلوب بمثل حالة أن تبلغ الحناجر، دل على أنهم أشفقوا من أن يهزموا لِمَا رأوا من قوة الأحزاب وضيق الحصار، أو خافوا طول مدة الحرب وفناء الأنفس، أو أشفقوا من أن تكون من الهزيمة جراءة للمشركين على المسلمين، أو نحو ذلك من أنواع الظنون وتفاوت درجات أهلها . والمؤمن وإن كان يثق بوعد ربه لكنه لا يأمن غضبه من جراء تقصيره، ويخشى أن يكون النصر مرجَّأً إلى زمن آخر، فإن ما في علم الله وحكمته لا يحاط به) ( )، وعن وصف القرآن لحالة الزلزال الحاصل بالمؤمنين يضيف قائلاً ومحرّراً : ( والزلزال : اضطراب الأرض، وهو : مضاعف زلَّ، تضعيفاً يفيد المبالغة، وهو هنا استعارةٌ لاختلال الحال اختلالاً شديداً بحيث تُخيَّل مضطربةً اضطراباً شديداً ؛ كاضطراب الأرض وهو أشدُّ اضطراباً للحاقه أعظم جسمٍ في هذا العالم ...والمراد : شدّة الانزعاج والذعر لأن أحزاب العدوّ تفوقهم عدداً وعدة) ( ) .
وفي نفس السورة - والسبب متصلٌ - في قصة الأحزاب وغزوة الخندق يذكر الله تعالى حركة الأبصار دلالةً على الخوف الحاصل في القلوب وأثراً من آثار القلق المصاحب لحالات الشدّة إذ يقول الله تعالى عن المنافقين : â ؛p_sد©r& ِNن3ّ‹n=tو ( #sŒخ*sù uن!%y` ك$ِqsƒù:$# ِNكgtG÷ƒr&u‘ tbrمچفàZtƒ y7ّ‹s9خ) â‘rك‰s? ِNكgمYم‹ôمr& “ة‹©9$%x. 4سy´َّمƒ دmّ‹n=tم z`دB دNِqyJّ9$# ( #sŒخ*sù |=ydsŒ ك$ِqsƒù:$# Nà2qà)n=y™ >puZإ،ّ9r'خ/ >ٹ#y‰دn ؛p_sد©r& ’n?tم خژِچsƒù:$# 4 y7ح´¯»s9'ré& َOs9 (#qمZدB÷sمƒ xفt7ômr'sù ھ!$# ِNكgn=»uHùهr& 4 tb%x.ur y7د9¨sŒ ’n?tم «!$# #[ژچإ،o„ ل ( ) .
ويستشهد الألوسي - رحمه الله - في قول الله تعالى : â â‘rك‰s? ِNكgمYم‹ôمr& ل على أن سبب ذلك هو الحزن فيقول عند تأويل قول الله تعالى : â ’ج?ن3sù ’د1uژُ°$#ur “حhچs%ur $YZّٹtم ( $¨Bخ*sù ¨ûةïuچs? z`دB خژ|³u;ّ9$# #Y‰tnr& ‏’ح<qà)sù ’دoTخ) كNِ‘x‹tR ا`»uH÷q§چ=د9 $YBِq|¹ ô`n=sù zNدk=ں2é& uQِqu‹ّ9$# $w‹إ،Sخ) ل ( ) فيقول : ( وطيبي نفسا وارفضي عنها ما أحزنك، وقريء بكسر القاف وهي لغة نجد وهم يفتحون عين الماضي ويكسرون عين المضارع وغيرهم يكسرهما وذلك من القر بمعنى: السكون فإن العين إذا رأت ما يسر النفس سكنت إليه من النظر إلى غيره، ويشهد له قوله تعالى : â â‘rك‰s? ِNكgمYم‹ôمr& ل من الحزن، أو بمعنى : البرد، فإن دمعة السرور باردة، ودمعة الحزن حارة، ويشهد له قولهم: قرة العين وسخنتها للمحبوب والمكروه) ( ).
ويُحسن – كذلك - ابن عاشور – رحمه الله - في تحرير وتصوير حالة الهمِّ والقلق وأثرهما على عيني الفرد قائلاً في آية الأحزاب : ( وجملة â â‘rك‰s? ِNكgمYم‹ôمr& ل حال من ضمير â tbrمچفàZtƒ ل لتصوير هيئة نظرهم ؛ نظر الخائف المذعور ؛ الذي يحدّق بعينيه إلى جهات يحذر أن تأتيه المصائب من إحداها . والدوْر والدوران : حركة جسم رَحَوِيَّة ( أي : كحركة الرحى) منتقل من موضع إلى موضع فينتهي إلى حيث ابتدأ . وأحسب أن هذا الفعل وما تصرف منه مشتقات من اسم الدَّار، وهي : المكان المحدود المحيط بسكانِه بحيث يكون حولهم . ومنه سميت الدارة : لكل أرض تحيط بها جبال . وقالوا: دارت الرحى حول قُطبها . وسموا الصنم : دُوَاراً - بضم الدال وفتحها - لأنه يدور به زائروه كالطواف. وسميت الكعبة دُواراً أيضاً، وسموا ما يحيط بالقمر دارة . وسميت مصيبة الحرب دائرة ؛ لأنهم تخيلوها محيطة بالذي نزلت به لا يجد منها مفرّاً، قال عنترة:
ولقد خشيت بأن أموت ولم تَدُرْ في الحَرْبِ دائرةٌ عَلى ابنَيْ ضَمْضَمِ
فمعنى â â‘rك‰s? ِNكgمYم‹ôمr& ل : أنها تضطرب في أجفانها،كحركة الجسم الدائرة من سرعة تنقلها محملقة إلى الجهات المحيطة . وشبه نظرهم بنظر الذي يغشى عليه بسبب النزع عند الموت فإن عينيه تضطربان) ( ) .
يلتحق بأثر الهمِّ والحزن على ما ذكره الله تبارك وتعالى في قصة يعقوب u مع أبنائه في سورة يوسف وابيضاض عينيه -عليه الصلاة والسلام- في قول الله U : â tA$s% ِ@t/ ôMs9§qy™ ِNن3s9 ِNن3ف،àےRr& #XگِDr& ( ضژِ9|ءsù î@ٹدHsd ( س|¤tم ھ!$# br& سة_u‹د?ù'tƒ َOخgخ/ $·èٹدHsd 4 ¼çm¯Rخ) uqèd قOٹد=yèّ9$# قOٹإ6ysّ9$# ارجب 4’¯<uqs?ur ِNهk÷]tم tA$s%ur 4’s"y™r'¯»tƒ 4’n?tم y#ك™qمƒ ôMزu‹ِ/$#ur çn$uZّٹtم ڑئدB بb÷“كsّ9$# uqكgsù زOٹدàx. ل ( ) .
وكذلك ما كان من غشاوةٍ على البصر للمنحرفين عن فطرة الله تعالى وكون ذلك بسبب البُعد عن الدين القويم وانشغالهم بهمومهم واهتماماتهم الشخصية والتي تنبعث من شجرة الهوى وقاع الكفر ؛ وذلك في مثل قول الله سبحانه وتعالى : â |M÷ƒuنuچsùr& ا`tB x‹sƒھB$# ¼çmyg»s9خ) çm1uqyd م&©#|تr&ur ھ!$# 4’n?tم 5Où=دو tLsêyzur 4’n?tم ¾دmدèّےxœ ¾دmخ7ù=s%ur ں@yèy_ur 4’n?tم ¾دnخژ|اt/ Zouq»t±دî `yJsù دmƒد‰÷ku‰ .`دB د‰÷èt/ «!$# 4 ںxsùr& tbrمچھ.x‹s? ل ( ) .
وكذلك ما يحصلُ من شدّة الفزع والهول من : اتساع حدقتي العينين وإحداد النظر بهما في مثل قول الله تعالى : â ںwur ْtù|،َss? ©!$# ¸xدے»xî $£Jtم م@yJ÷ètƒ ڑcqكJد=»©à9$# 4 $yJ¯Rخ) ِNèdمچ½jzxsمƒ 5Qِquٹد9 كبy‚ô±n@ دmٹدù مچ»|ءِ/F{$# ل ( )، وقول الله سبحانه وتعالى : â z>uژyIّ%$#ur ك‰ôمuqّ9$# ‘,ysّ9$# #sŒخ*sù }‘دd îp|ءد‚»x© مچ»|ءِ/r& tûïد%©!$# (#rمچxےx. $uZn=÷ƒuq»tƒ ô‰s% $¨Zà2 ’خû 7's#ّےxî ô`دiB #x‹»yd ِ@t/ $¨Zà2 ڑْüدJد=»sك ل ( ) .
مع تقديري الكبير لأبي عبد الله و جميع الزملاء
 
كما إنني لم أتناول في الموضوع المشار إليه أحوال الأيدي و الأرجل كونهما حالتان ليس لهما تعلُّق بالحالة النفسية سوى عض الأيدي
و غلِّها إلى الأذقان
و الأرجل كذلك و لك أن تسير ببركة الله

سدد الله قلمك و خطاك
و أنار الله درب و قلبك
 
جزاك الله خيرًا يا أبا عبد الله .
اقبل عذري ، لأنني نقلت هذا الموضوع إلى منتدى البلاغة والإعجاز القرآني في منتديات الفصيح لعلوم اللغة العربية ، وهناك بعض الملحوظات على الموضوع ، يشرف المنتدى أن تزوره ، ونسعد لو رأينا تعليقكم ثـَـمّ .
الأخ الكريم عبد الله الخضيري : ظهرت الآيات بحروف غير مقروءة .
 
هلا نقلت مداخلتي

هلا نقلت مداخلتي

السلام عليكم ورحمة الله و بركاته

فضيلة الشيخ الشبل الكريم / خالد الشبل

تقديري الكبير لك

بخصوص الآيات فأنا قد أرفقت ملَّف وورد

ولك فائق الاحترام

محبك
عبد الله
 
هلا نقلت المداخلات هناك أو وضعت له رابط المصدر

هلا نقلت المداخلات هناك أو وضعت له رابط المصدر

السلام عليكم ورحمة الله و بركاته

فضيلة الشيخ الشبل الكريم / خالد الشبل

تقديري الكبير لك

هلا نقلت المداخلات هناك أو وضعت له رابط المصدر

بخصوص الآيات فأنا قد أرفقت ملَّف وورد لأنها كتب بالرسم العثماني المصوَّر

ولك فائق الاحترام

محبك
عبد الله
 
وعليكم السلام ورحمة الله
الرابط موجود في الرد على شكل ارتباط تشعبي ( هايبر لنك ).
أحبك الله.
 
أخي الكريم ، ذي الخلق الجم ، أبا عبداله خالد الشبل:

أنت صاحب فضل ، ومنة في هذا العمل ، فلك مني الدعاء ، فهذا أقل وأكبر ما أملك تجاه معروفك هذا ، وخاصة أن في تعليقات الإخوة هناك ما يفيد ، فجزاكم الله جميعاً خيراً .

وإن أردت أن تكمل إحسانك ، فأحب أن تنقل أيضاً جواب المختصر عن عدم تعرضي للسنة ، وذلك لسببين رئيسين :

الأول : أن المقصد الأكبر من البحث هو لفت النظر إلى آي القرآن فحسب ، القرآن الذي طالما قرأناه ولم نتدبره حق تدبره ، رغم مرور السنين الطويلة .
الثاني : أن البحث في السنة ـ وأنا أحد المختصين فيها ـ مع أنه ليس صعباً ـ بحمد الله ـ إلا أن التحقق من ثبوت ذلك عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى جهد ووقت لا أملكهما الآن ـ وهذا من آفات الرسائل العلمية ـ وإن كان في الصحيحين ـ وهما قد جاوزا القنطرة ـ شيء طيب ، لكن المسألة ليست مسألة وقوف على النص فقط ، بل وقوف ، وجمع ، ثم تأمل ، ثم صياغة لتظهر عظمة التأمل ، وجلالته ، ومن ثم تأثيره في النفس المؤمنة ، وإلا فالقص واللصق سهل جداً ـ

واسلم لمحبك أبا عبدالله ، وجزاك الله عني خيراً .
 
عودة
أعلى