الموحد السلفي
New member
- إنضم
- 29/05/2006
- المشاركات
- 31
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 6
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ... وبعد :
فإن مذهب ابن حجر رحمه الله في مسألة الإيمان والصفات ومدى تأثره رحمه الله بمنهج الأشاعرة في ذلك هو من الأهمية بمكان أن يسلط عليه الضوء ، خاصة وأن الكثير من المشائخ وفقهم الله وفي كثير من البلدان ، قد تكلموا في مسالة الإيمان معتمدين على ما ذكر ابن جحر رحمه الله في الفتح ونسبه إلى السلف ، فإذا ثبت تأثر ابن حجر رحمه الله بالأشاعرة فوجب تنبيههم إلى ذلك والرجوع إلى منهج السلف الصالح وما عليه إجماع الأمة في ذلك ...
وهذا الموضوع أجعله مدارسة بيني وبين إخواني طمعا في الفائدة ... والله الموفق
فإن الأشاعرة ومنذ بداية نشأتهم وهم في تردد وتذبذب في تقرير عقائدهم وأصولهم ، وهذا يرجع لطبيعة المراحل التي مر بها إمامهم الأول أبو الحسن الأشعري رحمه الله .. فقد تربى رحمه الله على منهج المعتزلة دهرا طويلا ثم انتقل إلى منهج ابن كلاب والحارث المحاسبي وغيره ، والذي يعتبره المحققون مزيجا بين منهج السلف وأهل الكلام والاعتزال ، ثم ما كان في آخر حياته رحمه الله من التزامه بمنهج السلف وكتابه الإبانة ونصرة مذهب أحمد رحمه الله ...
هذه المراحل أضفت طبيعة متذبذبة مترددة على هذا المنهج الأشعري ... والذي زاد الأمر سوءا أن المتأخرين قد تلقوا هذا التراث بكل مراحله ملتزمين به مقررين له رغم اختلافه وتناقضه ، فخلطوا بين الأمور ومزجوا بين المراحل وصار الأمر عندهم خليط لا يعرف غثه من سمينه !
فبينما يثبت بعضهم شيئا من الصفات يذهب غيره إلى تأويلها وبينما يؤول البعض صفة ما يثبتها غيرهم ، حتى يحار المرء عند تحقيق مذهبهم أيما يعتمد في هذا الأمر وقد يرجع بعد طول بحث و عناء صفر اليدين حسيرا يحمد الله سبحانه أن هداه إلى منهج السلف وأهل السنة ..
والمتتبع لأقوال أئمتهم من زمن ابن كلاب والأشعري مرورا بابن فورك والباقلاني ثم البيهقي وصولا إلى الجويني والغزالي والرازي والآمدي والأرموي والإيجي في عصر شيخ الإسلام رحمه الله ليجد العجب العجاب والاضطراب والتناقض ...
هذا التردد والاضطراب انعكس على كل من تأثر بهم في تقرير هذه المسائل خاصة ومن هؤلاء الإمام ابن حجر والإمام النووي رحمهما الله ...
وهما أئمة للسنة قاموا وانتصبوا لرفع راية السنة ومنهج السنة لكنهم كانوا في بيئة يسيطر عليها منهج الأشاعرة كما ذكر ذلك المحققون فتأثروا بهذا المنهج وحاولوا التوفيق بينه وبن منهج السلف أو حاولوا تقرير منهج السلف من خلال ما تأثروا به من علم الكلام فوقعوا في نفس التردد والاضطراب الذي هو من طبيعة منهج الأشاعرة فبينما يقررون أن منهج السلف كذا وكذا يذهبون إلى خلافه في بعض ما تأثروا به من علم الكلام ..
ومن الأهمية بمكان أن يركز هنا البحث على عدة أمور منها :
- إن ذكر ابن حجر أن مذهب السلف كذا وكذا لا يعني بالضرورة أنه يتبنى ذلك ويتبعه فإنه صرح في غير ما موضع من الفتح بمنهج السلف وأهل السنة في الصفات وأنه إمرارها كما جاءت على ظاهرها ومع ذلك فقد نهج منهج الأشاعرة في كثير منها كما هو معلوم...
- والأمر كذلك في مسألة الإيمان ففي أكثر من مكان في الفتح يذكر أن الإيمان حقيقته التصديق وان الأعمال ثمرة للإيمان وإن كان يذهب إلى أن النصوص أطلقت على بعض الأعمال وأنها من الإيمان ولكنه يعدها ثمرة له ...
كل هذا مع نقله عن البخاري وغيره قوله في الإيمان واطلاعه على إجماع أهل السنة بأن الإيمان قول وعمل ....
- إن حكاية ابن حجر رحمه الله لمنهج السلف قد لا تعتمد خاصة في هذه المسائل ، لأنه قد يدخل الأشاعرة فيهم أويعني بقوله السلف الأشاعرة أنفسهم وهذا خطير جدا كما سيأتي !
وهذه بعض أقوال العلماء التي وقفت عليه في هذا الباب :
1- قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب :
" فكل حجة تحتجون بها تجدها مبسوطة في القرآن وبعضها في مواضع كثيرة، فأحضر بقلبك أن الحكيم الذي أنزل كتابه شفاء من الجهل فارقا بين الحق والباطل لا يليق منه أن يقرر هذه الحجج ويكررها مع عدم حاجة المسلمين إليها ويترك الحجج التي يحتاجون إليها ويعلم أن عباده يفترقون حاشا أحكم الحاكمين من ذلك ومما يهون عليك مخالفة من خالف الحق وإن كان من أعلم الناس وأذكاهم وأعظمهم جهلا ولو اتبعه أكثر الناس ما وقع في هذه الأمة من افتراقهم في أصول الدين وصفات الله تعالى وغالب من يدعي المعرفة، وما عليه المتكلمون وتسميتهم طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم حشوا وتشبيها وتجسيما مع أنك إذا طالعت في كتاب من كتب الكلام مع كونه يزعم أن هذا واجب على كل أحد وهو أصل الدين تجد الكتاب من أوله إلى آخره لا يستدل على مسألة منه بآية من كتاب الله ولا حديث عن رسول الله اللهم إلا أن يذكره ليحرفه عن مواضعه، وهم معترفون أنهم لم يأخذوا أصولهم من الوحي بل من عقولهم، ومعترفون أنهم مخالفون للسلف في ذلك مثل ما ذكر في فتح الباري في مسألة الإيمان على قول البخاري، وهو قول وعمل ويزيد وينقص فذكر إجماع السلف على ذلك، وذكر عن الشافعي أنه نقل الإجماع على ذلك، وكذلك ذكر أن البخاري نقله ثم بعد ذلك حكى كلام المتأخرين ولم يرده فإن نظرت في كتاب التوحيد في آخر الصحيح ـ فتأمل تلك التراجم ـ وقرأت في كتب أهل العلم من السلف ومن أتلاعهم من الخلف ونقلهم الإجماع على وجوب الإيمان بصفات الله تعالى وتلقيها بالقبول وأن من جحد شيئاً منها أو تأول شيئاً من النصوص فقد افترى على الله..."
2- و قال الشيخ : عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب التميمي :
( ..ثم إن شيخنا رحمه الله تعالى بعد رحلته إلى البصرة وتحصيل ما حصل بنجد وهناك رحل إلى الإحساء، وفيها فحول العلماء منهم عبد الله بن فيروز أبو محمد الكفيف ووجد عنده من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ما سر به وأثنى على عبد الله هذا بمعرفته بعقيدة الإمام أحمد، وحضر مشايخ الإحساء ومن أعظمهم عبد الله بن عبد اللطيف القاضي، وطلب منه أن يحضر الأول من فتح الباري على البخاري وبين له ما غلط فيه الحافظ في مسألة الإيمان وبين أن الأشاعرة خالفوا ما صدّر البخاري كتابه من الأحاديث والآثار وبحث معهم في مسائل وناظر هذا أمر مشهور يعرفه أهل الإحساء وغيرهم من أهل نجد..) المقامات ص_7
3- وأيضا أشار إلى ذلك الشيخ حافظ الحكمي - رحمه الله كما في معارج القبول ( 2/31)
( والفرق بين هذا وبين قول السلف الصالح أن السلف لم يجعلوا كل الأعمال شرطاً في الصحة بل جعلوا كثيراً منها شرطاً في الكمال كما قال عمر بن عبد العزيز فيها من استكملها استكمل الإيمان ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان والمعتزلة جعلوها كلها شرطاً في الصحة والله أعلم.. )
4- الشيخ الألباني رحمه الله في شريط من الكافر والمبتدع حيث عده من الأشاعرة رأسا وقال : ( أنا أعرف أنه أشعري ولكن لا نقول مبتدعا ..) أو كما قال رحمه الله
5- الشيخ ابن باز في حوار مع مجلة المشكاة :
ــ المشكاة : ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح عندما تكلم على مسألة الإيمان والعمل ، وهل هو داخل في المسمى ، ذكر أنه شرط كمال ، قال الحافظ : (والمعتزلة قالوا : هو العمل والنّطق والاعتقاد ، والفارق بينهم وبين السّلف أنّهم جعلوا الأعمال شرطاً في صحّته والسّلف جعلوها شرطاً في كماله).
فأجاب الشيخ : لا ، هو جزء ، ما هو بشرط ، هو جزء من الإيمان ، الإيمان قول وعمل وعقيدة أي تصديق ، والإيمان يتكون من القول والعمل والتصديق عند أهل السنة والجماعة.
ــ المشكاة : هناك من يقول بأنه داخل في الإيمان لكنه شرط كمال ؟
ــ الشيخ : لا ، لا ، ما هو بشرط كمال ، جزء ، جزء من الإيمان . هذا قول المرجئة ، المرجئة يرون الإيمان قول وتصديق فقط ، والآخرون يقولون: المعرفة. وبعضهم يقول : التصديق . وكل هذا غلط. الصواب عند أهل السنة أن الإيمان قول وعمل وعقيدة ، كما في الواسطية ، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
ــ المشكاة : المقصود بالعمل جنس العمل ؟
ــ الشيخ : من صلاة وصوم وغير [ ذلك من ] عمل القلب من خوف ورجاء.
ــ المشكاة : يذكرون أنكم لم تعلقوا على هذا في أول الفتح ؟
ــ الشيخ : ما أدري ، تعليقنا قبل أربعين سنة ، قبل أن نذهب إلى المدينة ، ونحن ذهبنا للمدينة في سنة 1381 هـ ، وسجلنا تصحيحات الفتح أظن في 1377 هـ أو 87 [ لعلها 78] أي تقريباً قبل أربعين سنة . ما أذكر يمكن مر ولم نفطن له.
(نقلا عن مجلة المشكاة المجلد الثاني ، الجزء الثاني ، ص 279، 280)
6- الشيخ ناصر البراك في تعليقه على الفتح :
– قال الحافظ في الفتح 1 / 46 :قوله : ( وهو ) أي الإيمان ( قول وفعل يزيد وينقص ) ... والمعتزلة قالوا: هو العمل والنطق والاعتقاد. والفارق بينهم وبين السلف أنهم جعلوا الأعمال شرطًا في صحته ، والسلف جعلوها شرطًا في كماله.
قال الشيخ البراك: قوله: "والفارق بينهم وبين السلف .... الخ": هذا الفرق بين المعتزلة والسلف لا يستقيم سواء أريد بشرط الصحة أو شرط الكمال: جنس العمل ، أو أنواع العمل الواجبة ، أو الواجبة والمستحبة ؛ فإن الأعمال المستحبة من كمال الإيمان المستحب، فلا تكون شرطاً لصحة الإيمان، ولا لكماله الواجب.
وأما الأعمال الواجبة: فليس منها شرط لصحة الإيمان عند جميع أهل السنة، بل بعضها شرط لصحة الإيمان عند بعض أهل السنة كالصلاة.
وأما عند المعتزلة: فالمشهور من مذهبهم ومذهب الخوارج أن ما كان تركه كبيرة فهو شرط لصحة الإيمان، وعلى هذا فلا يصح أن يقال: إن جنس العمل عندهم شرط لصحة الإيمان؛ لأن ذلك يقتضي أن الموجب للخروج عن الإيمان عندهم هو ترك جميع الأعمال، وليس كذلك، بل يثبت عندهم الخروج عن الإيمان بارتكاب ما هو كبيرة.
وأما عند السلف: فعمل الجوارح تابع لعمل القلب، وجنس عمل القلب شرط لصحة الإيمان، وجنس عمل الجوارح تابع أو لازم لعمل القلب، فيلزم من انتفاء اللازم انتفاء الملزوم ؛ فإن الإعراض عن جميع الأعمال دليل على عدم انقياد القلب.
هذا، ولا أعلم أحدا من أئمة السلف أطلق القول بأن الأعمال شرط أو ليست شرطا لصحة الإيمان أو كماله ، وإنما المأثور المشهور عنهم قولهم: "الإيمان قول وعمل" أو "قول وعمل ونية" ؛ يقصدون بذلك الرد على المرجئة الذين أخرجوا الأعمال عن مسمى الإيمان، وخصوا الإيمان بالتصديق، أو التصديق والإقرار باللسان.
وبهذا يتبين أن ما ذكره الحافظ بإطلاق القول بأن الأعمال شرط لصحة الإيمان عند المعتزلة، وشرط لكماله عند السلف ليس بمستقيم لما تقدم.
7- الشيخ علي بن عبد العزيز بن علي الشبل في تكملة تعليق ابن باز على الفتح وقرظ الكتاب جملة من العلماء منهم :
8- الشيخ د. صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان.
9- والشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع.
10- والشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل.
11- والشيخ عبد الله بن محمد الغنيمان.
12- والشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي حفظهم الله تعالى جميعا:
قال الشيخ على الشبل تعليقا على أحد المواضع في الفتح :
قال الحافظ في الفتح 1/164: "وأما الإيمان بمعنى التصديق فلا يحتاج إلى نية كسائر أعمال القلوب – من خشية الله وعظمته ومحبته والتقرب إليه – لأنها متميزة لله تعالى فلا تحتاج لنية تميزها. . "اهـ.
ت: هذا القول متعقب؛ إذ هو قول الأشاعرة، لأن الإيمان في اللغة ليس مجرد التصديق؛ بل هو التصديق وزيادة الإقرار، فهو لغة مشتق من الأمن. وقد نبَّه على هذا أبو العباس ابنُ تيمية في كتابه الإيمان الكبير 7/289-293 ضمن الفتاوى أما في الشرع فالإيمان؛ الاعتقاد بالقلب والإقرار باللسان والعمل بالجوارح والأركان.
وأذكّر أن هذا التعقيب مر على كل هؤلاء المشائخ المذكورين فصار من قولهم ...
13- الشيخ سفر الحوالي في كتابة منهج الآشاعرة في العقيدة وغيره
14- الشيخ محمد إسحاق كندو في رسالة ماجستير وهي تحقيق علمي قائم على استقراء وأبعد ما يكون عن وجهات النظر والتحليلات التي نراها اليوم من البعض ..
15- الشيخ حامد العلي في كتابة الإيمان والرد على مرجئة العصر قال :
" قلت : رحم الله الإمام ابن حجر وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء ، غير أن ما ذكره هنا عن السلف والتفريق بين قولهم وقول المعتزلة لا يخلو من نظر ، والصواب خلافه . "
هؤلاء جميعا مع اختلاف عباراتهم إلا إنهم اتفقوا على أشعرية ابن حجر في مسألة الإيمان والصفات وغيرها ومنهم من وصف قوله بالإرجاء كالشيخ البراك والشيخ ابن باز وغيرهم مع ما سبق النقل عن الشيخ الألباني في عده من الأشاعرة عموما !
ومما سبق يجدر التنبيه على أمرين سبق الإشارة إليهما لدى ابن حجر رحمه الله والأشاعرة عموما :
الأول : أن الآشاعرة عموما وابن حجر متأثرا بهم في هذا تنسب مذهبها وأقوالها إلى السلف وأهل السنة ! وخاصة في هذه المسائل التي خالفت فيها حقيقة منهج السلف لكونهم يعدون الأشعري وابن كلاب وغيرهم هم السلف وهذا مذهب كل شراح البخاري رحمه الله وجميعهم أشاعرة خلا ابن رجب الحنبلي رحمه الله وهم المعتمدون في تفسير ابن حجر لمن يتأمل ومن ذلك :
- قول الحافظ في المقدمة ص 208 :
قوله : (أطولهن يدًا) أي: أسمحهن، ووقــع ذكر اليد في القرآن والحديث مضافًا إلى الله تعالى، واتفق أهل السنة والجماعة على أنه ليس المراد باليد الجارحة التي هي من صفات المحدثات ، وأثبتوا ما جاء من ذلك وآمنوا به ؛ فمنهم من وقف ولم يتأول، ومنهم من حمل كل لفظ منهــا على المعنى الــذي ظهر له، وهكذا عملوا في جميع ما جاء من أمثال ذلك.اهـ
قال الشيخ البراك تعليقا : قوله: "واتفق أهل السنة والجماعة على أنه ليس المراد باليد الجارحة... الخ":
وقول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: "واتفق أهل السنة والجماعة": يدخل فيهم الأشاعرة ونحوهم من طوائف الإثبات كما يقتضيه آخر كلامه ، ومذهبهم في صفة اليدين لله نفي حقيقتهما"
وفي موضع ثاني :
- يقول الحافظ: 1/514 " لأن الحق عند أهل السنة أن الرؤية لا يشترط لها عقلا عضو مخصوص ، ولا مقابلة ، ولا قرب ... " .
قال الشيخ البراك: قوله : "لأن الحق عند أهل السنة والجماعة أن الرؤية لا يشترط لها عقلا عضوا ... الخ":
مراد الحافظ بأهل السنة هنا الأشاعرة ، وهو يشير ـ عفا الله عنه ـ بهذا الكلام إلى مذهبهم في الرؤية ؛ أي في رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، وهو أنه سبحانه وتعالى يُرى لا في جهة ؛ فلا يقولون إن المؤمنين يرونه من فوقهم، ولا بأبصارهم، ولامع مقابلة.
وفي موضع آخر :
– قال الحافظ 7 / 156 على حديث رقم ( 3803) قال: " ومع ذلك فمعتقد سلف الأئمة وعلماء السنة من الخلف أن الله منزه عن الحركة والتحول والحلول ليس كمثله شيء ... " .
قال الشيخ البراك: قوله: " أن الله منزه عن الحركة والتحول .... ": لفظ الحركة والتحول مما لم يرد في كتاب ولا سنة، فلا يجوز الجزم بنفيه، ونسبة نفيه إلى السلف والأئمة من أهل السنة والجماعة لا تصح...............ونفي الحركة يتفق مع مذهب نفاة الأفعال الاختيارية من الأشاعرة وغيرهم، وهو الذي يقتضيه كلام الحافظ رحمه الله، وأما لفظ التحول فالقول فيه يشبه القول في لفظ الحركة."
وأيضا أنظر لشرح علي القاري على منظومة بدء الأمالي - وهي في اعتقاد الأشاعرة ..."
فمما سبق يتبن انه رحمه الله يعد الآشاعرة من السلف وأهل السنة فينسب للسلف القول ويقصد به الأشاعرة وهذا من أخطر الأمور لمن لم ينتبه لأخطائهم في هذه المسائل !
الأمر الثاني :
هو أن أخطاء الحافظ رحمه الله المتناثرة في الفتح تأتي على وجهين :
الأول : - وجه الابتداء وهو أن يقرر بنفسه المسألة على مذهب الأشاعرة وينسبها إلى السلف وأهل السنة كما سبق ..
الثاني: - هو النقل عن الأشاعرة من شراح البخاري وغيرهم دون رد أو بيان لخطأهم وهذا أكثر الأخطاء وهو مما انتقده فيه الشيخ محمد ابن عبد الوهاب كما سبق ، بحيث قد يختلط على البادئ مع كثرة ما ينقل من أقوال يجمع فيها بين قول أهل السنة والأشاعرة أيهما أولى بالصواب .
ومن أقواله رحمه الله فيما يخص مسالة الإيمان على الوجهين السابقين :
" والإيمان لغة التصديق وشرعا تصديق الرسول فيما جاء به عن ربه وهذا القدر متفق عليه ثم وقع الاختلاف هل يشترط مع ذلك مزيد أمر من جهة إبداء هذا التصديق باللسان المعبر عما في القلب إذ التصديق من أفعال القلوب أو من جهة العمل بما صدق به من ذلك كفعل المأمورات وترك المنتهيات كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى والإيمان فيما قيل مشتق من الأمن وفيه نظر لتباين مدلولي الأمن والتصديق الا أن لوحظ فيه معنى مجازي فيقال أمنة إذا صدقه أي أمنة التكذيب"1/46
وقال أيضا : " .. وقوله في الحديث إيمان بالله في جواب أي العمل أفضل دال على أن الاعتقاد والنطق من جملة الأعمال فإن قيل الحديث يدل على أن الجهاد والحج ليسا من الإيمان لما تقتضيه ثم من المغايرة والترتيب فالجواب أن المراد بالإيمان هنا التصديق هذه حقيقته والإيمان كما تقدم يطلق على الأعمال البدنيه لأنها من مكملاته ... " 1/77
وقال في 11 /456 :
" قال الطيبي هذا يؤذن بأن كل ما قدر قبل ذلك بمقدار شعيرة ثم حبة ثم خردلة ثم ذرة غير الإيمان الذي يعبر به عن التصديق والإقرار بل هو ما يوجد في قلوب المؤمنين من ثمرة الإيمان وهو على وجهين أحدهما ازدياد اليقين وطمأنينة النفس لأن تضافر الأدلة أقوى للمدلول عليه وأثبت لعدمه والثاني أن يراد العمل وان الإيمان يزيد وينقص بالعمل "
وقال رحمه الله في :12 /61
" قال بن بطال وبيان ذلك أن الإيمان هو التصديق غير أن للتصديق معنيين أحدهما قول والآخر عمل فإذا ركب المصدق كبيرة فارقه اسم الإيمان فإذا كف عنها عاد له الاسم لأنه في حال كفه عن الكبيرة مجتنب بلسانه ولسانه مصدق عقد قلبه وذلك معنى الإيمان قلت وهذا القول قد يلاقي ما أشار إليه النووي فيما نقله عن بن عباس ينزع منه نور الإيمان لأنه يحمل منه على أن المراد في هذه الأحاديث نور الإيمان وهو عبارة عن فائدة التصديق وثمرته وهو العمل بمقتضاه"
هذا ما تيسر ولعل الموضوع يحتاج مع ذلك إلى مزيد تحرير وبحث والله أعلم
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
فإن مذهب ابن حجر رحمه الله في مسألة الإيمان والصفات ومدى تأثره رحمه الله بمنهج الأشاعرة في ذلك هو من الأهمية بمكان أن يسلط عليه الضوء ، خاصة وأن الكثير من المشائخ وفقهم الله وفي كثير من البلدان ، قد تكلموا في مسالة الإيمان معتمدين على ما ذكر ابن جحر رحمه الله في الفتح ونسبه إلى السلف ، فإذا ثبت تأثر ابن حجر رحمه الله بالأشاعرة فوجب تنبيههم إلى ذلك والرجوع إلى منهج السلف الصالح وما عليه إجماع الأمة في ذلك ...
وهذا الموضوع أجعله مدارسة بيني وبين إخواني طمعا في الفائدة ... والله الموفق
فإن الأشاعرة ومنذ بداية نشأتهم وهم في تردد وتذبذب في تقرير عقائدهم وأصولهم ، وهذا يرجع لطبيعة المراحل التي مر بها إمامهم الأول أبو الحسن الأشعري رحمه الله .. فقد تربى رحمه الله على منهج المعتزلة دهرا طويلا ثم انتقل إلى منهج ابن كلاب والحارث المحاسبي وغيره ، والذي يعتبره المحققون مزيجا بين منهج السلف وأهل الكلام والاعتزال ، ثم ما كان في آخر حياته رحمه الله من التزامه بمنهج السلف وكتابه الإبانة ونصرة مذهب أحمد رحمه الله ...
هذه المراحل أضفت طبيعة متذبذبة مترددة على هذا المنهج الأشعري ... والذي زاد الأمر سوءا أن المتأخرين قد تلقوا هذا التراث بكل مراحله ملتزمين به مقررين له رغم اختلافه وتناقضه ، فخلطوا بين الأمور ومزجوا بين المراحل وصار الأمر عندهم خليط لا يعرف غثه من سمينه !
فبينما يثبت بعضهم شيئا من الصفات يذهب غيره إلى تأويلها وبينما يؤول البعض صفة ما يثبتها غيرهم ، حتى يحار المرء عند تحقيق مذهبهم أيما يعتمد في هذا الأمر وقد يرجع بعد طول بحث و عناء صفر اليدين حسيرا يحمد الله سبحانه أن هداه إلى منهج السلف وأهل السنة ..
والمتتبع لأقوال أئمتهم من زمن ابن كلاب والأشعري مرورا بابن فورك والباقلاني ثم البيهقي وصولا إلى الجويني والغزالي والرازي والآمدي والأرموي والإيجي في عصر شيخ الإسلام رحمه الله ليجد العجب العجاب والاضطراب والتناقض ...
هذا التردد والاضطراب انعكس على كل من تأثر بهم في تقرير هذه المسائل خاصة ومن هؤلاء الإمام ابن حجر والإمام النووي رحمهما الله ...
وهما أئمة للسنة قاموا وانتصبوا لرفع راية السنة ومنهج السنة لكنهم كانوا في بيئة يسيطر عليها منهج الأشاعرة كما ذكر ذلك المحققون فتأثروا بهذا المنهج وحاولوا التوفيق بينه وبن منهج السلف أو حاولوا تقرير منهج السلف من خلال ما تأثروا به من علم الكلام فوقعوا في نفس التردد والاضطراب الذي هو من طبيعة منهج الأشاعرة فبينما يقررون أن منهج السلف كذا وكذا يذهبون إلى خلافه في بعض ما تأثروا به من علم الكلام ..
ومن الأهمية بمكان أن يركز هنا البحث على عدة أمور منها :
- إن ذكر ابن حجر أن مذهب السلف كذا وكذا لا يعني بالضرورة أنه يتبنى ذلك ويتبعه فإنه صرح في غير ما موضع من الفتح بمنهج السلف وأهل السنة في الصفات وأنه إمرارها كما جاءت على ظاهرها ومع ذلك فقد نهج منهج الأشاعرة في كثير منها كما هو معلوم...
- والأمر كذلك في مسألة الإيمان ففي أكثر من مكان في الفتح يذكر أن الإيمان حقيقته التصديق وان الأعمال ثمرة للإيمان وإن كان يذهب إلى أن النصوص أطلقت على بعض الأعمال وأنها من الإيمان ولكنه يعدها ثمرة له ...
كل هذا مع نقله عن البخاري وغيره قوله في الإيمان واطلاعه على إجماع أهل السنة بأن الإيمان قول وعمل ....
- إن حكاية ابن حجر رحمه الله لمنهج السلف قد لا تعتمد خاصة في هذه المسائل ، لأنه قد يدخل الأشاعرة فيهم أويعني بقوله السلف الأشاعرة أنفسهم وهذا خطير جدا كما سيأتي !
وهذه بعض أقوال العلماء التي وقفت عليه في هذا الباب :
1- قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب :
" فكل حجة تحتجون بها تجدها مبسوطة في القرآن وبعضها في مواضع كثيرة، فأحضر بقلبك أن الحكيم الذي أنزل كتابه شفاء من الجهل فارقا بين الحق والباطل لا يليق منه أن يقرر هذه الحجج ويكررها مع عدم حاجة المسلمين إليها ويترك الحجج التي يحتاجون إليها ويعلم أن عباده يفترقون حاشا أحكم الحاكمين من ذلك ومما يهون عليك مخالفة من خالف الحق وإن كان من أعلم الناس وأذكاهم وأعظمهم جهلا ولو اتبعه أكثر الناس ما وقع في هذه الأمة من افتراقهم في أصول الدين وصفات الله تعالى وغالب من يدعي المعرفة، وما عليه المتكلمون وتسميتهم طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم حشوا وتشبيها وتجسيما مع أنك إذا طالعت في كتاب من كتب الكلام مع كونه يزعم أن هذا واجب على كل أحد وهو أصل الدين تجد الكتاب من أوله إلى آخره لا يستدل على مسألة منه بآية من كتاب الله ولا حديث عن رسول الله اللهم إلا أن يذكره ليحرفه عن مواضعه، وهم معترفون أنهم لم يأخذوا أصولهم من الوحي بل من عقولهم، ومعترفون أنهم مخالفون للسلف في ذلك مثل ما ذكر في فتح الباري في مسألة الإيمان على قول البخاري، وهو قول وعمل ويزيد وينقص فذكر إجماع السلف على ذلك، وذكر عن الشافعي أنه نقل الإجماع على ذلك، وكذلك ذكر أن البخاري نقله ثم بعد ذلك حكى كلام المتأخرين ولم يرده فإن نظرت في كتاب التوحيد في آخر الصحيح ـ فتأمل تلك التراجم ـ وقرأت في كتب أهل العلم من السلف ومن أتلاعهم من الخلف ونقلهم الإجماع على وجوب الإيمان بصفات الله تعالى وتلقيها بالقبول وأن من جحد شيئاً منها أو تأول شيئاً من النصوص فقد افترى على الله..."
2- و قال الشيخ : عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب التميمي :
( ..ثم إن شيخنا رحمه الله تعالى بعد رحلته إلى البصرة وتحصيل ما حصل بنجد وهناك رحل إلى الإحساء، وفيها فحول العلماء منهم عبد الله بن فيروز أبو محمد الكفيف ووجد عنده من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ما سر به وأثنى على عبد الله هذا بمعرفته بعقيدة الإمام أحمد، وحضر مشايخ الإحساء ومن أعظمهم عبد الله بن عبد اللطيف القاضي، وطلب منه أن يحضر الأول من فتح الباري على البخاري وبين له ما غلط فيه الحافظ في مسألة الإيمان وبين أن الأشاعرة خالفوا ما صدّر البخاري كتابه من الأحاديث والآثار وبحث معهم في مسائل وناظر هذا أمر مشهور يعرفه أهل الإحساء وغيرهم من أهل نجد..) المقامات ص_7
3- وأيضا أشار إلى ذلك الشيخ حافظ الحكمي - رحمه الله كما في معارج القبول ( 2/31)
( والفرق بين هذا وبين قول السلف الصالح أن السلف لم يجعلوا كل الأعمال شرطاً في الصحة بل جعلوا كثيراً منها شرطاً في الكمال كما قال عمر بن عبد العزيز فيها من استكملها استكمل الإيمان ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان والمعتزلة جعلوها كلها شرطاً في الصحة والله أعلم.. )
4- الشيخ الألباني رحمه الله في شريط من الكافر والمبتدع حيث عده من الأشاعرة رأسا وقال : ( أنا أعرف أنه أشعري ولكن لا نقول مبتدعا ..) أو كما قال رحمه الله
5- الشيخ ابن باز في حوار مع مجلة المشكاة :
ــ المشكاة : ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح عندما تكلم على مسألة الإيمان والعمل ، وهل هو داخل في المسمى ، ذكر أنه شرط كمال ، قال الحافظ : (والمعتزلة قالوا : هو العمل والنّطق والاعتقاد ، والفارق بينهم وبين السّلف أنّهم جعلوا الأعمال شرطاً في صحّته والسّلف جعلوها شرطاً في كماله).
فأجاب الشيخ : لا ، هو جزء ، ما هو بشرط ، هو جزء من الإيمان ، الإيمان قول وعمل وعقيدة أي تصديق ، والإيمان يتكون من القول والعمل والتصديق عند أهل السنة والجماعة.
ــ المشكاة : هناك من يقول بأنه داخل في الإيمان لكنه شرط كمال ؟
ــ الشيخ : لا ، لا ، ما هو بشرط كمال ، جزء ، جزء من الإيمان . هذا قول المرجئة ، المرجئة يرون الإيمان قول وتصديق فقط ، والآخرون يقولون: المعرفة. وبعضهم يقول : التصديق . وكل هذا غلط. الصواب عند أهل السنة أن الإيمان قول وعمل وعقيدة ، كما في الواسطية ، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
ــ المشكاة : المقصود بالعمل جنس العمل ؟
ــ الشيخ : من صلاة وصوم وغير [ ذلك من ] عمل القلب من خوف ورجاء.
ــ المشكاة : يذكرون أنكم لم تعلقوا على هذا في أول الفتح ؟
ــ الشيخ : ما أدري ، تعليقنا قبل أربعين سنة ، قبل أن نذهب إلى المدينة ، ونحن ذهبنا للمدينة في سنة 1381 هـ ، وسجلنا تصحيحات الفتح أظن في 1377 هـ أو 87 [ لعلها 78] أي تقريباً قبل أربعين سنة . ما أذكر يمكن مر ولم نفطن له.
(نقلا عن مجلة المشكاة المجلد الثاني ، الجزء الثاني ، ص 279، 280)
6- الشيخ ناصر البراك في تعليقه على الفتح :
– قال الحافظ في الفتح 1 / 46 :قوله : ( وهو ) أي الإيمان ( قول وفعل يزيد وينقص ) ... والمعتزلة قالوا: هو العمل والنطق والاعتقاد. والفارق بينهم وبين السلف أنهم جعلوا الأعمال شرطًا في صحته ، والسلف جعلوها شرطًا في كماله.
قال الشيخ البراك: قوله: "والفارق بينهم وبين السلف .... الخ": هذا الفرق بين المعتزلة والسلف لا يستقيم سواء أريد بشرط الصحة أو شرط الكمال: جنس العمل ، أو أنواع العمل الواجبة ، أو الواجبة والمستحبة ؛ فإن الأعمال المستحبة من كمال الإيمان المستحب، فلا تكون شرطاً لصحة الإيمان، ولا لكماله الواجب.
وأما الأعمال الواجبة: فليس منها شرط لصحة الإيمان عند جميع أهل السنة، بل بعضها شرط لصحة الإيمان عند بعض أهل السنة كالصلاة.
وأما عند المعتزلة: فالمشهور من مذهبهم ومذهب الخوارج أن ما كان تركه كبيرة فهو شرط لصحة الإيمان، وعلى هذا فلا يصح أن يقال: إن جنس العمل عندهم شرط لصحة الإيمان؛ لأن ذلك يقتضي أن الموجب للخروج عن الإيمان عندهم هو ترك جميع الأعمال، وليس كذلك، بل يثبت عندهم الخروج عن الإيمان بارتكاب ما هو كبيرة.
وأما عند السلف: فعمل الجوارح تابع لعمل القلب، وجنس عمل القلب شرط لصحة الإيمان، وجنس عمل الجوارح تابع أو لازم لعمل القلب، فيلزم من انتفاء اللازم انتفاء الملزوم ؛ فإن الإعراض عن جميع الأعمال دليل على عدم انقياد القلب.
هذا، ولا أعلم أحدا من أئمة السلف أطلق القول بأن الأعمال شرط أو ليست شرطا لصحة الإيمان أو كماله ، وإنما المأثور المشهور عنهم قولهم: "الإيمان قول وعمل" أو "قول وعمل ونية" ؛ يقصدون بذلك الرد على المرجئة الذين أخرجوا الأعمال عن مسمى الإيمان، وخصوا الإيمان بالتصديق، أو التصديق والإقرار باللسان.
وبهذا يتبين أن ما ذكره الحافظ بإطلاق القول بأن الأعمال شرط لصحة الإيمان عند المعتزلة، وشرط لكماله عند السلف ليس بمستقيم لما تقدم.
7- الشيخ علي بن عبد العزيز بن علي الشبل في تكملة تعليق ابن باز على الفتح وقرظ الكتاب جملة من العلماء منهم :
8- الشيخ د. صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان.
9- والشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع.
10- والشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل.
11- والشيخ عبد الله بن محمد الغنيمان.
12- والشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي حفظهم الله تعالى جميعا:
قال الشيخ على الشبل تعليقا على أحد المواضع في الفتح :
قال الحافظ في الفتح 1/164: "وأما الإيمان بمعنى التصديق فلا يحتاج إلى نية كسائر أعمال القلوب – من خشية الله وعظمته ومحبته والتقرب إليه – لأنها متميزة لله تعالى فلا تحتاج لنية تميزها. . "اهـ.
ت: هذا القول متعقب؛ إذ هو قول الأشاعرة، لأن الإيمان في اللغة ليس مجرد التصديق؛ بل هو التصديق وزيادة الإقرار، فهو لغة مشتق من الأمن. وقد نبَّه على هذا أبو العباس ابنُ تيمية في كتابه الإيمان الكبير 7/289-293 ضمن الفتاوى أما في الشرع فالإيمان؛ الاعتقاد بالقلب والإقرار باللسان والعمل بالجوارح والأركان.
وأذكّر أن هذا التعقيب مر على كل هؤلاء المشائخ المذكورين فصار من قولهم ...
13- الشيخ سفر الحوالي في كتابة منهج الآشاعرة في العقيدة وغيره
14- الشيخ محمد إسحاق كندو في رسالة ماجستير وهي تحقيق علمي قائم على استقراء وأبعد ما يكون عن وجهات النظر والتحليلات التي نراها اليوم من البعض ..
15- الشيخ حامد العلي في كتابة الإيمان والرد على مرجئة العصر قال :
" قلت : رحم الله الإمام ابن حجر وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء ، غير أن ما ذكره هنا عن السلف والتفريق بين قولهم وقول المعتزلة لا يخلو من نظر ، والصواب خلافه . "
هؤلاء جميعا مع اختلاف عباراتهم إلا إنهم اتفقوا على أشعرية ابن حجر في مسألة الإيمان والصفات وغيرها ومنهم من وصف قوله بالإرجاء كالشيخ البراك والشيخ ابن باز وغيرهم مع ما سبق النقل عن الشيخ الألباني في عده من الأشاعرة عموما !
ومما سبق يجدر التنبيه على أمرين سبق الإشارة إليهما لدى ابن حجر رحمه الله والأشاعرة عموما :
الأول : أن الآشاعرة عموما وابن حجر متأثرا بهم في هذا تنسب مذهبها وأقوالها إلى السلف وأهل السنة ! وخاصة في هذه المسائل التي خالفت فيها حقيقة منهج السلف لكونهم يعدون الأشعري وابن كلاب وغيرهم هم السلف وهذا مذهب كل شراح البخاري رحمه الله وجميعهم أشاعرة خلا ابن رجب الحنبلي رحمه الله وهم المعتمدون في تفسير ابن حجر لمن يتأمل ومن ذلك :
- قول الحافظ في المقدمة ص 208 :
قوله : (أطولهن يدًا) أي: أسمحهن، ووقــع ذكر اليد في القرآن والحديث مضافًا إلى الله تعالى، واتفق أهل السنة والجماعة على أنه ليس المراد باليد الجارحة التي هي من صفات المحدثات ، وأثبتوا ما جاء من ذلك وآمنوا به ؛ فمنهم من وقف ولم يتأول، ومنهم من حمل كل لفظ منهــا على المعنى الــذي ظهر له، وهكذا عملوا في جميع ما جاء من أمثال ذلك.اهـ
قال الشيخ البراك تعليقا : قوله: "واتفق أهل السنة والجماعة على أنه ليس المراد باليد الجارحة... الخ":
وقول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: "واتفق أهل السنة والجماعة": يدخل فيهم الأشاعرة ونحوهم من طوائف الإثبات كما يقتضيه آخر كلامه ، ومذهبهم في صفة اليدين لله نفي حقيقتهما"
وفي موضع ثاني :
- يقول الحافظ: 1/514 " لأن الحق عند أهل السنة أن الرؤية لا يشترط لها عقلا عضو مخصوص ، ولا مقابلة ، ولا قرب ... " .
قال الشيخ البراك: قوله : "لأن الحق عند أهل السنة والجماعة أن الرؤية لا يشترط لها عقلا عضوا ... الخ":
مراد الحافظ بأهل السنة هنا الأشاعرة ، وهو يشير ـ عفا الله عنه ـ بهذا الكلام إلى مذهبهم في الرؤية ؛ أي في رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، وهو أنه سبحانه وتعالى يُرى لا في جهة ؛ فلا يقولون إن المؤمنين يرونه من فوقهم، ولا بأبصارهم، ولامع مقابلة.
وفي موضع آخر :
– قال الحافظ 7 / 156 على حديث رقم ( 3803) قال: " ومع ذلك فمعتقد سلف الأئمة وعلماء السنة من الخلف أن الله منزه عن الحركة والتحول والحلول ليس كمثله شيء ... " .
قال الشيخ البراك: قوله: " أن الله منزه عن الحركة والتحول .... ": لفظ الحركة والتحول مما لم يرد في كتاب ولا سنة، فلا يجوز الجزم بنفيه، ونسبة نفيه إلى السلف والأئمة من أهل السنة والجماعة لا تصح...............ونفي الحركة يتفق مع مذهب نفاة الأفعال الاختيارية من الأشاعرة وغيرهم، وهو الذي يقتضيه كلام الحافظ رحمه الله، وأما لفظ التحول فالقول فيه يشبه القول في لفظ الحركة."
وأيضا أنظر لشرح علي القاري على منظومة بدء الأمالي - وهي في اعتقاد الأشاعرة ..."
فمما سبق يتبن انه رحمه الله يعد الآشاعرة من السلف وأهل السنة فينسب للسلف القول ويقصد به الأشاعرة وهذا من أخطر الأمور لمن لم ينتبه لأخطائهم في هذه المسائل !
الأمر الثاني :
هو أن أخطاء الحافظ رحمه الله المتناثرة في الفتح تأتي على وجهين :
الأول : - وجه الابتداء وهو أن يقرر بنفسه المسألة على مذهب الأشاعرة وينسبها إلى السلف وأهل السنة كما سبق ..
الثاني: - هو النقل عن الأشاعرة من شراح البخاري وغيرهم دون رد أو بيان لخطأهم وهذا أكثر الأخطاء وهو مما انتقده فيه الشيخ محمد ابن عبد الوهاب كما سبق ، بحيث قد يختلط على البادئ مع كثرة ما ينقل من أقوال يجمع فيها بين قول أهل السنة والأشاعرة أيهما أولى بالصواب .
ومن أقواله رحمه الله فيما يخص مسالة الإيمان على الوجهين السابقين :
" والإيمان لغة التصديق وشرعا تصديق الرسول فيما جاء به عن ربه وهذا القدر متفق عليه ثم وقع الاختلاف هل يشترط مع ذلك مزيد أمر من جهة إبداء هذا التصديق باللسان المعبر عما في القلب إذ التصديق من أفعال القلوب أو من جهة العمل بما صدق به من ذلك كفعل المأمورات وترك المنتهيات كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى والإيمان فيما قيل مشتق من الأمن وفيه نظر لتباين مدلولي الأمن والتصديق الا أن لوحظ فيه معنى مجازي فيقال أمنة إذا صدقه أي أمنة التكذيب"1/46
وقال أيضا : " .. وقوله في الحديث إيمان بالله في جواب أي العمل أفضل دال على أن الاعتقاد والنطق من جملة الأعمال فإن قيل الحديث يدل على أن الجهاد والحج ليسا من الإيمان لما تقتضيه ثم من المغايرة والترتيب فالجواب أن المراد بالإيمان هنا التصديق هذه حقيقته والإيمان كما تقدم يطلق على الأعمال البدنيه لأنها من مكملاته ... " 1/77
وقال في 11 /456 :
" قال الطيبي هذا يؤذن بأن كل ما قدر قبل ذلك بمقدار شعيرة ثم حبة ثم خردلة ثم ذرة غير الإيمان الذي يعبر به عن التصديق والإقرار بل هو ما يوجد في قلوب المؤمنين من ثمرة الإيمان وهو على وجهين أحدهما ازدياد اليقين وطمأنينة النفس لأن تضافر الأدلة أقوى للمدلول عليه وأثبت لعدمه والثاني أن يراد العمل وان الإيمان يزيد وينقص بالعمل "
وقال رحمه الله في :12 /61
" قال بن بطال وبيان ذلك أن الإيمان هو التصديق غير أن للتصديق معنيين أحدهما قول والآخر عمل فإذا ركب المصدق كبيرة فارقه اسم الإيمان فإذا كف عنها عاد له الاسم لأنه في حال كفه عن الكبيرة مجتنب بلسانه ولسانه مصدق عقد قلبه وذلك معنى الإيمان قلت وهذا القول قد يلاقي ما أشار إليه النووي فيما نقله عن بن عباس ينزع منه نور الإيمان لأنه يحمل منه على أن المراد في هذه الأحاديث نور الإيمان وهو عبارة عن فائدة التصديق وثمرته وهو العمل بمقتضاه"
هذا ما تيسر ولعل الموضوع يحتاج مع ذلك إلى مزيد تحرير وبحث والله أعلم
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم