محمد البويسفي
New member
- إنضم
- 02/03/2006
- المشاركات
- 60
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 6
ما هو اللباس المطلوب شرعا: هو النقاب أم الحجاب العادي؟ تلك هي المسألة التي اختلف فيها العلماء قديما وحديثا، وما كان لنا أن نثيرها ولولا الجدل الدائر عليه الآن في الساحة الإسلامية، فأردنا أن نورد رأي الفقهاء في ذلك مع أدلة كل فريق، حتى يتضح الأمر، وتتخذ كل فتاة قرارها عن علم و قناعة.
ونبدأ بعرض الآيات التي تعتبر أصلا في مسألة الحجاب، ثم فهم العلماء لذلك:
يقول تعالى في سورة النور: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا }النور31
اختلف العلماء قديما وحديثا في تحديد المقصود من الزينة في الآية، وفيما يلي ذكر لأقوال السلف في تفسير الزينة:
وعن ابن مسعود رضي اللَّه عنه في قوله تعالىٰ: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ}، قال: الزينة السوار والدملج والخلخال، والقرط، والقلادة {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، قال: الثياب والجلباب.
وعن ابن مسعود رضي اللَّه عنه، قال: الزينة زينتان،، زينة ظاهرة، وزينة باطنة لا يراها إلا الزوج. فأمّا الزينة الظاهرة: فالثياب، وأمّا الزينة الباطنة: فالكحل، والسوار والخاتم.
وعن أنس في قوله: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، قال: الكحل والخاتم.
وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، قال: الكحل والخاتم والقرط والقلادة.
وعن ابن عباس في قوله: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، قال: وجهها، وكفّاها والخاتم.
عن عكرمة في قوله: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} ، قال: الوجه وثغرة النحر.
وعن سعيد بن جبير في قوله: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، قال: الوجه والكفّ.
وعن عطاء في قوله: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، قال: الكفّان والوجه.
وعن قتادة {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، قال: المسكتان والخاتم والكحل.
قال قتادة: وبلغني أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحلّ لامرأة تؤمن باللَّه واليوم الآخر إلا إلى هٰهنا» ويقبض نصف الذراع.
وعن المسور بن مخرمة في قوله: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، قال: القلبين، يعني السوار والخاتم والكحل.
قال ابن جريج: وقالت عائشة رضي اللَّه عنها: القلب والفتخة.
قالت عائشة: دخلت عليّ ابنة أخي لأُمّي عبد اللَّه بن الطفيل مزينة، فدخلت على النبيّ صلى الله عليه وسلم وأعرض، فقالت عائشة رضي اللَّه عنها: إنها ابنة أخي وجارية، فقال: «إذا عركت المرأة لم يحلّ لها أن تظهر إلا وجهها وإلا ما دون هذا»، وقبض على ذراعه نفسه، فترك بين قبضته وبين الكف مثل قبضة أخرى.
وهكذا يتحصل لدينا في الجملة إلى ثلاثة أقوال:
- 1- المراد بالزينة ما تتزين به المرأة خارجا عن أصل خلقتها، ولا يستلزم النظر إليه رؤية شيء من بدنها.
- 2- المراد بالزينة: ما تتزين به المرأة وليس من أصل خلقتها أيضا، لكن النظر إلى تلك الزينة يستلزم رؤية شيء من بدن المرأة، مثل الحناء والكحل.
- 3- المراد بالزينة الظاهرة بعض بدن المرأة الذي هو من أصل خلقتها، مثل الوجه والكفين.
وبناء على تحديد مفهوم الزينة بني شكل الحجاب المطلوب شرعا: هل الحجاب العادي أم النقاب، فالذين قالوا المراد بالزينة ما تتزين به المرأة خارجا عن أصل خلقتها، ولا يستلزم النظر إليه رؤية شيء من بدنها قالوا بالنقاب.
والذين قالوا المراد بالزينة: ما تتزين به المرأة وليس من أصل خلقتها، قالوا بالحجاب العادي.
واستدل القائلون القول الأخير بأدلة منها:
قوله تعالىٰ: {يأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ قُل لأزْوٰجِكَ وَبَنَـٰتِكَ وَنِسَاء ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـٰبِيبِهِنَّ}.
- لفظ الآية الكريمة، وهو قوله تعالىٰ: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـٰبِيبِهِنَّ}، لا يستلزم معناه ستر الوجه لغة، ولم يرد نص من كتاب، ولا سنّة، ولا إجماع على استلزامه ذلك.
- إنه قد قامت قرينة قرءانيّة على أن قوله تعالىٰ: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـٰبِيبِهِنَّ}، لا يدخل فيه ستر الوجه، وأن القرينة المذكورة هي قوله تعالىٰ: {ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ}، قال: وقد دلّ قوله: {أَن يُعْرَفْنَ} على أنهنّ سافرات كاشفات عن وجوههن؛ لأن التي تستر وجهها لا تعرف.
- ومن الأحاديث التي استدلّوا بها على ذلك، حديث ابن عباس الذي قدّمناه، قال: أردف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الفضل بن عباس رضي اللَّه عنهما، يوم النحر خلفه على عجز راحلته، وكان الفضل رجلاً وضيئًا فوقف النبيّ صلى الله عليه وسلم يفتيهم، وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة تستفتي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فطفق الفضل ينظر إليها، وأعجبه حسنها فالتفت النبيّ صلى الله عليه وسلم، والفضل ينظر إليها، فأخلف بيده، فأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النظر إليها، فقالت: يا رسول اللَّهٰ إن فريضة اللَّه في الحجّ على عباده، أدركت أبي شيخًا كبيرًا… الحديث، قالوا: فالإخبار عن الخثعمية بأنها وضيئة يفهم منه أنها كانت كاشفة عن وجهها.
- ومن الأحاديث التي استدلّوا بها على ذلك حديث جابر الثابت في الصحيح، قال: شهدت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان، ولا إقامة، ثم قام متوكّئًا على بلال فأمر بتقوى اللَّه، وحثّ على طاعته، ووعظ الناس، وذكّرهم ثم مضى حتى أتى النساء، فوعظهن وذكّرهن، فقال: «تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم»، فقامت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدين، فقالت: لِمَ يا رسول اللَّه؟ قال: «لأنكن تكثرن الشكاة، وتكفرن العشير»، قال: فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقرطهن وخواتمهن، اهــ. هذا لفظ مسلم في «صحيحه»، قالوا: وقول جابر في هذا الحديث: سفعاء الخدّين يدلّ على أنها كانت كاشفة عن وجهها، إذ لو كانت محتجبة لما رأى خدّيها، ولما علم بأنها سفعاء الخدين.
واستدل القائلون بالنقاب بأدلة منها:
- قوله تعالىٰ: {يأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ قُل لاِزْوٰجِكَ وَبَنَـٰتِكَ وَنِسَاء ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـٰبِيبِهِنَّ}، فقد قال غير واحد من أهل العلم: إن معنى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـٰبِيبِهِنَّ}: أنهن يسترن بها جميع وجوههن، ولا يظهر منهن شىء إلا عين واحدة تبصر بها، وممن قال به: ابن مسعود، وابن عباس، وعبيدة السلماني وغيرهم.
- أن عامّة المفسّرين من الصحابة فمن بعدهم فسّروا الآية مع بيانهم سبب نزولها، بأن نساء أهل المدينة كن يخرجن بالليل لقضاء حاجتهن خارج البيوت، وكان بالمدينة بعض الفسّاق يتعرّضون للإماء، ولا يتعرّضون للحرائر، وكان بعض نساء المؤمنين يخرجن في زي ليس متميّزًا عن زي الإماء، فيتعرّض لهن أولئك الفساق بالأذى ظنًّا منهم أنهن إماء، فأمر اللَّه نبيّه صلى الله عليه وسلم أن يأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين أن يتميّزن في زيهن عن زي الإماء، وذلك بأن يدنين عليهن من جلابيبهن، فإذا فعلن ذلك ورآهن الفساق، علموا أنهن حرائر، ومعرفتهم بأنهن حرائر لا إماء هو معنى قوله: {ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ}، فهي معرفة بالصفة لا بالشخص. وهذا التفسير منسجم مع ظاهر القرءان، كما ترى. فقوله:
{يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـٰبِيبِهِنَّ}، لأن إدنائهن عليهن من جلابيبهن يشعر بأنهن حرائر، فهو أدنى وأقرب لأن يعرفن، أي: يعلم أنهن حرائر، فلا يؤذين من قبل الفساق الذين يتعرّضون للإماء، وهذا هو الذي فسّر به أهل العلم بالتفسير هذه الآية، وهو واضح.
- وقال البخاري رحمه اللَّه في «صحيحه»، باب: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ}. وقال أحمد بن شبيب: حدثنا أبي عن يونس، قال ابن شهاب، عن عروة عن عائشة رضي اللَّه عنها، قالت: يرحم اللَّه نساء المهاجرات الأول، لما أنزل اللَّه: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ}، شققن مروطهن فاختمرن بها.
حدّثنا أبو نعيم، حدّثنا إبرٰهيم بن نافع، عن الحسن بن مسلم عن صفيّة بنت شيبة: أن عائشة رضي اللَّه عنها، كانت تقول: لما نزلت هذه الآية {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ}، أخذن أزرهن فشققنها من قبل الحواشي، فاختمرن بها، انتهى من صحيح البخاري. وقال ابن حجرفي «الفتح»، في شرح هذا الحديث: قوله: فاختمرن، أي غطّين وجوههن، وصفة ذلك أن تضع الخمار على رأسها وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر، وهو التقنّع. قال الفراء: كانوا في الجاهلية تسدل المرأة خمارها من ورائها وتكشف ما قدامها فأمرن بالاستتار. انتهى محل الغرض من «فتح الباري». وهذا الحديث الصحيح صريح في أن النساء الصحابيّات المذكورات فيه فهمن أن معنى قوله تعالىٰ: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ}، يقتضي ستر وجوههن، وأنهن شققن أزرهن فاختمرن، أي: سترن وجوههن بها امتثالاً لأمر اللَّه في قوله تعالىٰ: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ}، المقتضي ستر وجوههن.
وقالوا في حديث عائشة رضي الله عنها: أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبيّ صلى الله عليه وسلم، وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها، وقال: «يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت الحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا»، وأشار إلى وجهه وكفّيه؛ وهذا الحديث في كلام: بأنه ضعيف من جهتين:
الأولى: هي كونه مرسلاً؛ لأن خالد بن دريك لم يسمع من عائشة، كما قاله أبو داود، وأبو حاتم الرازي كما قدّمناه في سورة «النور».
الجهة الثانية: أن في إسناده سعيد بن بشير الأزدي مولاهم، قال فيه في «التقريب»: ضعيف.
نخلص في النهاية إلى أن المسألة خلافية بين العلماء وأن الخلاف فيها قوي ومعتبر.بقي أن نؤكد القاعدة الأصولية التي تقول: أجمع العلماء أن الله لا يعذب فيما اختلف فيه العلماء.
ونبدأ بعرض الآيات التي تعتبر أصلا في مسألة الحجاب، ثم فهم العلماء لذلك:
يقول تعالى في سورة النور: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا }النور31
اختلف العلماء قديما وحديثا في تحديد المقصود من الزينة في الآية، وفيما يلي ذكر لأقوال السلف في تفسير الزينة:
وعن ابن مسعود رضي اللَّه عنه في قوله تعالىٰ: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ}، قال: الزينة السوار والدملج والخلخال، والقرط، والقلادة {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، قال: الثياب والجلباب.
وعن ابن مسعود رضي اللَّه عنه، قال: الزينة زينتان،، زينة ظاهرة، وزينة باطنة لا يراها إلا الزوج. فأمّا الزينة الظاهرة: فالثياب، وأمّا الزينة الباطنة: فالكحل، والسوار والخاتم.
وعن أنس في قوله: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، قال: الكحل والخاتم.
وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، قال: الكحل والخاتم والقرط والقلادة.
وعن ابن عباس في قوله: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، قال: وجهها، وكفّاها والخاتم.
عن عكرمة في قوله: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} ، قال: الوجه وثغرة النحر.
وعن سعيد بن جبير في قوله: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، قال: الوجه والكفّ.
وعن عطاء في قوله: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، قال: الكفّان والوجه.
وعن قتادة {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، قال: المسكتان والخاتم والكحل.
قال قتادة: وبلغني أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحلّ لامرأة تؤمن باللَّه واليوم الآخر إلا إلى هٰهنا» ويقبض نصف الذراع.
وعن المسور بن مخرمة في قوله: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، قال: القلبين، يعني السوار والخاتم والكحل.
قال ابن جريج: وقالت عائشة رضي اللَّه عنها: القلب والفتخة.
قالت عائشة: دخلت عليّ ابنة أخي لأُمّي عبد اللَّه بن الطفيل مزينة، فدخلت على النبيّ صلى الله عليه وسلم وأعرض، فقالت عائشة رضي اللَّه عنها: إنها ابنة أخي وجارية، فقال: «إذا عركت المرأة لم يحلّ لها أن تظهر إلا وجهها وإلا ما دون هذا»، وقبض على ذراعه نفسه، فترك بين قبضته وبين الكف مثل قبضة أخرى.
وهكذا يتحصل لدينا في الجملة إلى ثلاثة أقوال:
- 1- المراد بالزينة ما تتزين به المرأة خارجا عن أصل خلقتها، ولا يستلزم النظر إليه رؤية شيء من بدنها.
- 2- المراد بالزينة: ما تتزين به المرأة وليس من أصل خلقتها أيضا، لكن النظر إلى تلك الزينة يستلزم رؤية شيء من بدن المرأة، مثل الحناء والكحل.
- 3- المراد بالزينة الظاهرة بعض بدن المرأة الذي هو من أصل خلقتها، مثل الوجه والكفين.
وبناء على تحديد مفهوم الزينة بني شكل الحجاب المطلوب شرعا: هل الحجاب العادي أم النقاب، فالذين قالوا المراد بالزينة ما تتزين به المرأة خارجا عن أصل خلقتها، ولا يستلزم النظر إليه رؤية شيء من بدنها قالوا بالنقاب.
والذين قالوا المراد بالزينة: ما تتزين به المرأة وليس من أصل خلقتها، قالوا بالحجاب العادي.
واستدل القائلون القول الأخير بأدلة منها:
قوله تعالىٰ: {يأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ قُل لأزْوٰجِكَ وَبَنَـٰتِكَ وَنِسَاء ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـٰبِيبِهِنَّ}.
- لفظ الآية الكريمة، وهو قوله تعالىٰ: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـٰبِيبِهِنَّ}، لا يستلزم معناه ستر الوجه لغة، ولم يرد نص من كتاب، ولا سنّة، ولا إجماع على استلزامه ذلك.
- إنه قد قامت قرينة قرءانيّة على أن قوله تعالىٰ: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـٰبِيبِهِنَّ}، لا يدخل فيه ستر الوجه، وأن القرينة المذكورة هي قوله تعالىٰ: {ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ}، قال: وقد دلّ قوله: {أَن يُعْرَفْنَ} على أنهنّ سافرات كاشفات عن وجوههن؛ لأن التي تستر وجهها لا تعرف.
- ومن الأحاديث التي استدلّوا بها على ذلك، حديث ابن عباس الذي قدّمناه، قال: أردف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الفضل بن عباس رضي اللَّه عنهما، يوم النحر خلفه على عجز راحلته، وكان الفضل رجلاً وضيئًا فوقف النبيّ صلى الله عليه وسلم يفتيهم، وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة تستفتي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فطفق الفضل ينظر إليها، وأعجبه حسنها فالتفت النبيّ صلى الله عليه وسلم، والفضل ينظر إليها، فأخلف بيده، فأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النظر إليها، فقالت: يا رسول اللَّهٰ إن فريضة اللَّه في الحجّ على عباده، أدركت أبي شيخًا كبيرًا… الحديث، قالوا: فالإخبار عن الخثعمية بأنها وضيئة يفهم منه أنها كانت كاشفة عن وجهها.
- ومن الأحاديث التي استدلّوا بها على ذلك حديث جابر الثابت في الصحيح، قال: شهدت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان، ولا إقامة، ثم قام متوكّئًا على بلال فأمر بتقوى اللَّه، وحثّ على طاعته، ووعظ الناس، وذكّرهم ثم مضى حتى أتى النساء، فوعظهن وذكّرهن، فقال: «تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم»، فقامت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدين، فقالت: لِمَ يا رسول اللَّه؟ قال: «لأنكن تكثرن الشكاة، وتكفرن العشير»، قال: فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقرطهن وخواتمهن، اهــ. هذا لفظ مسلم في «صحيحه»، قالوا: وقول جابر في هذا الحديث: سفعاء الخدّين يدلّ على أنها كانت كاشفة عن وجهها، إذ لو كانت محتجبة لما رأى خدّيها، ولما علم بأنها سفعاء الخدين.
واستدل القائلون بالنقاب بأدلة منها:
- قوله تعالىٰ: {يأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ قُل لاِزْوٰجِكَ وَبَنَـٰتِكَ وَنِسَاء ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـٰبِيبِهِنَّ}، فقد قال غير واحد من أهل العلم: إن معنى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـٰبِيبِهِنَّ}: أنهن يسترن بها جميع وجوههن، ولا يظهر منهن شىء إلا عين واحدة تبصر بها، وممن قال به: ابن مسعود، وابن عباس، وعبيدة السلماني وغيرهم.
- أن عامّة المفسّرين من الصحابة فمن بعدهم فسّروا الآية مع بيانهم سبب نزولها، بأن نساء أهل المدينة كن يخرجن بالليل لقضاء حاجتهن خارج البيوت، وكان بالمدينة بعض الفسّاق يتعرّضون للإماء، ولا يتعرّضون للحرائر، وكان بعض نساء المؤمنين يخرجن في زي ليس متميّزًا عن زي الإماء، فيتعرّض لهن أولئك الفساق بالأذى ظنًّا منهم أنهن إماء، فأمر اللَّه نبيّه صلى الله عليه وسلم أن يأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين أن يتميّزن في زيهن عن زي الإماء، وذلك بأن يدنين عليهن من جلابيبهن، فإذا فعلن ذلك ورآهن الفساق، علموا أنهن حرائر، ومعرفتهم بأنهن حرائر لا إماء هو معنى قوله: {ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ}، فهي معرفة بالصفة لا بالشخص. وهذا التفسير منسجم مع ظاهر القرءان، كما ترى. فقوله:
{يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـٰبِيبِهِنَّ}، لأن إدنائهن عليهن من جلابيبهن يشعر بأنهن حرائر، فهو أدنى وأقرب لأن يعرفن، أي: يعلم أنهن حرائر، فلا يؤذين من قبل الفساق الذين يتعرّضون للإماء، وهذا هو الذي فسّر به أهل العلم بالتفسير هذه الآية، وهو واضح.
- وقال البخاري رحمه اللَّه في «صحيحه»، باب: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ}. وقال أحمد بن شبيب: حدثنا أبي عن يونس، قال ابن شهاب، عن عروة عن عائشة رضي اللَّه عنها، قالت: يرحم اللَّه نساء المهاجرات الأول، لما أنزل اللَّه: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ}، شققن مروطهن فاختمرن بها.
حدّثنا أبو نعيم، حدّثنا إبرٰهيم بن نافع، عن الحسن بن مسلم عن صفيّة بنت شيبة: أن عائشة رضي اللَّه عنها، كانت تقول: لما نزلت هذه الآية {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ}، أخذن أزرهن فشققنها من قبل الحواشي، فاختمرن بها، انتهى من صحيح البخاري. وقال ابن حجرفي «الفتح»، في شرح هذا الحديث: قوله: فاختمرن، أي غطّين وجوههن، وصفة ذلك أن تضع الخمار على رأسها وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر، وهو التقنّع. قال الفراء: كانوا في الجاهلية تسدل المرأة خمارها من ورائها وتكشف ما قدامها فأمرن بالاستتار. انتهى محل الغرض من «فتح الباري». وهذا الحديث الصحيح صريح في أن النساء الصحابيّات المذكورات فيه فهمن أن معنى قوله تعالىٰ: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ}، يقتضي ستر وجوههن، وأنهن شققن أزرهن فاختمرن، أي: سترن وجوههن بها امتثالاً لأمر اللَّه في قوله تعالىٰ: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ}، المقتضي ستر وجوههن.
وقالوا في حديث عائشة رضي الله عنها: أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبيّ صلى الله عليه وسلم، وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها، وقال: «يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت الحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا»، وأشار إلى وجهه وكفّيه؛ وهذا الحديث في كلام: بأنه ضعيف من جهتين:
الأولى: هي كونه مرسلاً؛ لأن خالد بن دريك لم يسمع من عائشة، كما قاله أبو داود، وأبو حاتم الرازي كما قدّمناه في سورة «النور».
الجهة الثانية: أن في إسناده سعيد بن بشير الأزدي مولاهم، قال فيه في «التقريب»: ضعيف.
نخلص في النهاية إلى أن المسألة خلافية بين العلماء وأن الخلاف فيها قوي ومعتبر.بقي أن نؤكد القاعدة الأصولية التي تقول: أجمع العلماء أن الله لا يعذب فيما اختلف فيه العلماء.