بني إسرائيل وإفسادهم في الأرض (مرتين) دعوة للمدارسة.

الاخ الحبيب طارق حميدة حفظه الله

جزاكم الله خيرا على مداخلتكم.. الا انني اود التنويه لما يلي:

1- انا من المتابعين لابحاث ودروس اخونا الحبيب الشيخ بسام جرار حفظه الله للافاده مما فتح الله تعالى عليه من العلم. وقد قرات منذ فترة كتابه حيث ذكر ما اوضحت في مداخلاتك السابقة في هذا الموضوع.
2- التاريخ يؤكد ان افساد بني اسرائيل في الارض مستمر منذ القدم. الا انهم لم يكونوا في علو كعلوهم في عصرنا هذا وما ما زالوا في علو مستمر... وقد بين لنا جل جلاله في الايات الكريمات ان الافسادين يكونان فترة علو لبني اسرائيل (وهل هناك اكثر من علوهم المستمر في عصرنا الحالي)
2- لم اذكر في مداخلتي نهائيا بان المسجد الاقصى سيهدم . بل قلت بانهم (وبدعم من النصارى) سيبنوا الهيكل. وقد تطرق شيخنا الحبيب بسام جرار في احد دروسه للارض التي قاموا بزراعتها باشجار الزيتون داخل اسوار المسجد..
3- الدخول لا يكون الا بعد الخروج طواعية او كرها.
4- لم يتجمع كل بنو اسرائيل في فلسطين بعد. فما زال الكثير منهم يقيمون خارج فلسطين في معظم دول العالم العربية والأجنبية. أي أن تجميعهم في ارض فلسطين مستمر حتى الان.
5- قوله تعالى (وكان وعدا مفعولا) تأكيد على أن حكم الله وقدره نافذ ولا بد ان يتحقق. ولا يعني ان الافساد الاول قد تحقق في الماضي. ( يرجى مراجعة الايات التي اشتملت على كلمة مفعولا في القران الكريم وعددها 7 ايات)
6- اما بالنسبة لقولكم بأن في قوله تعالى (وليتبروا ما علوا تتبيرا) إشارة لنوعية السلاح...
(لعل من الافضل الا نخلط ما نستنبطه من الايات الكريمة بتوقعاتنا ومخاوفنا وامانينا وتحليلاتنا السياسية. فليس في النص العزيز ما يشير الى الاسلحة التي ستستخدم او انواعها. كما انه ليس في النص ما ينفيه. وحيث يدخل الاحتمال فانه يبطل الاستدلال.

ودمتم اخانا طارق
 
الأستاذ الفاضل خالد النجار حفظه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أود الإشارة إلى ما يأتي:
1) نعم أنت لم تقل إن الأقصى سيهدم، لكنني حين نسبت إليك هذا القول كان ذلك باعتبار أن بناء هيكلهم المزعوم حسب ما يخططون وحسب الرسومات التي ينشرونها للقدس مع الهيكل، فإنهم يجعلون الهيكل مكان الأقصى.

2) حديثك عن العلو الكبير للصهاينة في فلسطين، وقولك :(وهل هناك اكثر من علوهم المستمر في عصرنا الحالي)؟ليس محل جدال ولا خلاف ، ولكن غالب المعاصرين على أنه إفساد وعد الآخرة، وليس الإفساد الأول.

3) وأما قولكم حفظكم الله:
[ 3- الدخول لا يكون الا بعد الخروج طواعية او كرها.
4- لم يتجمع كل بني اسرائيل في فلسطين بعد. فما زال الكثير منهم يقيمون خارج فلسطين في معظم دول العالم العربية والأجنبية. أي أن تجميعهم في ارض فلسطين مستمر حتى الان.].... فليس في النص ما يشير إلى لزوم خروج الفلسطينيين طواعية أو كرها، ولا فيه ما يلزم بتجمع كل يهود العالم في فلسطين.

4) وأما بالنسبة لقولكم :
[ قوله تعالى (وكان وعدا مفعولا) تأكيد على أن حكم الله وقدره نافذ ولا بد ان يتحقق. ولا يعني ان الافساد الاول قد تحقق في الماضي.]فإن هذا قد يرجح وقوع الإفساد الأول خاصة إذا كانت جملة معترضة خوطب بها أهل القرآن، وحتى لو كانت من ضمن الخطاب الموجه إلى بني إسرائيل في كتابهم فإنها لا تفيد في ترجيح أن الإفساد الأول هو الحالي، كما أن الذين رجحوا أننا نعاصر الإفساد الثاني قد ربطوا معطيات الواقع بمفردات النص فوجدوا تطابقا أو تقاربا كبيرا بينهما.

وعليه فإن إيحاءك أخي الكريم عندما أعدتَ اقتباس كلامي إليك بأن بعض الذي ذكرتُ في تأويل ( ما علوا )، هو تحليلات وتوقعات خارج النص ليس في محله، لأنه ليس رجما بالغيب وإنما هو محاولة للربط بين النص والواقع مما يحتمل التوفيق برأيي، وهذا بخلاف القول إن الإفساد يقتضي بناء الهيكل مثلا،
وفقنا الله وإياكم لفهم مراده والسلام
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اخي الحبيب طارق

اسأل الله العظيم رب العرش العظيم ان يكون ما تفضلت به في مداخلاتك وما اجتهد به فضيلة الاخ الحبيب الشيخ بسام جرار في محاضراته وكتبه قريب الحدوث.

اللهم انا نسألك صلاة في المسجد الاقصى فاتحين
 
الملاحظ أن الشيخ الددو يتفق في معظم البحث الذي نقلت من حيث الآتي
١- عباداً لنا لا تعني أنهم عباد مؤمنون.
٢- ( لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ) تعود على المسلمين وليس على اليهود.
أي أن اليهود هم الذي سيسؤون وجوه المسلمين.
٣- من حيث الضمائر اتفق مع البحث الذي نقلت كذلك في معظم الآيات إلا فجاسوا لأن تعيين الإفساد الأول مختلف لديه.
٤- الشيخ حفظه الله قدم تفسيراً جميلاً لـ (ما علوا تتبيراً ) بجعل (ما) موصولاً حرفياً فيكون المعنى أي : مدة علوهم .
٥- ( وإن عدتم عدنا ) قال إن عدتم للجهاد عدنا لكم بالتمكين . والآية لا تخاطب اليهود بل المسلمين.

يختلف مع البحث الذي نقلت في (تعيين) دولتي بني إسرائيل. فجعل الأولى دولة سليمان عليه السلام لكن بعد أن مات وانحرف بنو إسرائل. أما الثانية فهي دولتهم الآن.
 
السلام عليكم اخي عبد الله
بصراحة لم اجد تفسيرا مقنعا لهذه الايات مثل تفسير العلامه محمد حسن الددو حفظه الله لذلك قمت بنسخ الرابط

بارك الله فيك

ارسل من LG-D855 using ملتقى أهل التفسير
 
الأخوان الفاضلان خالد النجار وعبد الله الأحمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بداية فليس منا من يجادل في موسوعية علم الشيخ الددو حفظه الله ونفع بعلمه، لكن الله تعالى أبى العصمة لغير رسله، ولا ينقص مكانة فضيلته أن يخالفه أقل الناس علما.

وبالتالي فلا أزال عند سابق قولي أن الخطاب في ( ليسوؤوا وجوهكم) هو لبني إسرائيل، لأن الخطاب في الأيات من بدايتها حتى ختامها موجه لهم، لأنه في الأصل نزل عليهم في كتابهم، وبالتالي فالمسلمون هم الفاعلون.

ثم كيف يكون قوله ( وإن عدتم عدنا) موجها للمسلمين أي إن عادوا للجهاد عاد الله عليهم بالتمكين، والجملة استمرار للكلام مع بني إسرائيل، إن فكرة تفضل الله على المؤمنين بالنصر والتمكين إن هم عادوا للجهاد صحيحة لكنها ليست تفسيرا لهذا المقطع من الأية الكريمة، ولا تستنبط منه.

وفي رأيي المتواضع أن واحدا من أهم أسباب الارتباك في تفسير هذه الآيات هو عدم التنبه إلى أنها في الأصل خطاب لبني إسرائيل في كتابهم ثم أورد لنا سبحانه خبر هذا الخطاب في قرآننا العظيم، يضاف إلى ذلك الخلط في تحديد الإفسادتين زمانا ومكانا لعدة اعتبارات.
والله الهادي إلى سواء السبيل.
 
https://vb.tafsir.net/tafsir9028/

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

استيضاح: هل اوجب الله عز وجل الرحمة لبني اسرائيل على نفسه في قوله تعالى:
(عسى ربكم ان يرحمكم وان عدتم عدنا..)

بارك الله فيكم ونفع بكم
 
https://vb.tafsir.net/tafsir9028/

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

استيضاح: هل اوجب الله عز وجل الرحمة لبني اسرائيل على نفسه في قوله تعالى:
(عسى ربكم ان يرحمكم وان عدتم عدنا..)

بارك الله فيكم ونفع بكم

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

هذا ليس إيجاباً بل هو إطماع لهم أن يرجعوا ليرحمهم، وفي هذا النص وعد ووعيد، فالوعد إطماعهم بالرحمة إن هم تابوا وأصلحوا، والوعيد أن يعود عليهم بالعقوبة إن عادوا للإفساد.
 
قال في محاسن التأويل في سورة الإسراء :
وقد قدمنا في سورة يوسف ؛ أنه ليس في القرآن شيء من التاريخ من حيث هو قصص وأخبار . وإنما هي الآيات في العبر تجلت في سياق الوقائع . ولذلك لم تذكر قصة بتفاصيلها . وإنما يذكر موضع العبرة فيها . كما قال تعالى : { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ } [ يوسف : 111 ] .

لنا أن نسأل ما الغرض من طرح هذا النقاش ؟ هل الوصول إلى حقيقة وطبيعة الإفسادين سيترتب عليه عمل كبير ؟ لقد قال الله بعد عرض الآيات :{ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9)} هذا ما يخصنا على الحقيقة ...ودون أن أستقصي في كلام طرفي أبدأ بما يسره لي ربي ..
 
نقاطٌ محددةٌ في فهم الآيات :
أولا : لابد أن نتعرفَ على ما يلي :
{الْكِتَابِ - الْأَرْض .... الْمَسْجِد ... مَرَّتَيْنِ .. عِبَاد ..رَدَدْنَا }
أ- الْكِتَابِ ..
{التَّوْرَاةِ........... اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ } وهذان هما القولان فقط في {الْكِتَابِ} فعلى ذلك يصعب جعل الإفساد المقضي به يمتد إلى الآن – حيث تم تعدية الفعل {قضى } بإلى وهي تفيدُ الإعلام كما قال ابن عطية وغيره .
قال في المحرر الوجيز :
وقوله : { وقضينا إلى بني إسرائيل } الآية ، قال الطبري : معنى { قضينا } فرغنا وحكي عن غيره أنه قال : { قضينا } هنا بمعنى أخبرنا ، وحكي عن آخرين أنهم قالوا { قضينا } معناه في أم الكتاب .
قال القاضي أبو محمد عبد الحق بن عطية رضي الله عنه : وإنما يلبس في هذا المكان تعدية { قضينا } ب { إلى } ، وتلخيص المعنى عندي أن هذا الأمر هو مما قضاه الله تعالى في أم الكتاب على بني إسرائيل وألزمهم إياه ثم أخبرهم به في التوراة على لسان موسى . فلما أراد هنا الإعلام لنا بالأمرين جميعاً في إيجاز ، جعل { قضينا } دالة على النفوذ في أم الكتاب ، وقرن بها دالة على إنزال الخير بذلك إلى بني إسرائيل ، والمعنى المقصود مفهوم خلال هذه الألفاظ ، ولهذا فسر ابن عباس مرة بأن قال { قضينا إلى بني إسرائيل } معناه أعلمناهم ، وقال مرة : معناه قضينا عليهم . و { الكتاب } هنا التوراة لأن القسم في قوله { لتفسدن } غير متوجه مع أن يجعل { الكتاب } هو اللوح المحفوظ .
قال في التحرير والتنوير :
وَالْقَضَاءُ بِمَعْنَى الْحُكْمِ وَهُوَ التَّقْدِيرُ، وَمَعْنَى كَوْنِهِ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْقَضَاءَ ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَتَعْدِيَةُ قَضَيْنا بِحَرْفِ (إِلَى) لِتَضْمِينِ قَضَيْنا مَعْنَى (أَبْلَغْنَا) ، أَيْ قَضَيْنَا وَأَنْهَيْنَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ [66] . فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِ (الْكِتَابِ) كِتَابَ التَّوْرَاةِ وَالتَّعْرِيفُ لِلْعَهْدِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْكِتَابَ آنِفًا، وَيُوجَدُ فِي مَوَاضِعَ، مِنْهَا مَا هُوَ قَرِيبٌ مِمَّا فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَكِنْ بِإِجْمَالٍ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ بَعْضَ كُتُبِهِمُ الدِّينِيَّةِ. فَتَعْرِيفُ (الْكِتَابِ) تَعْرِيفُ الْجِنْسِ وَلَيْسَ تَعْرِيفَ الْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ، إِذْ لَيْسَ هُوَ الْكِتَابُ الْمَذْكُورُ آنِفًا فِي قَوْلِهِ: وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ [الْإِسْرَاء: 2] لِأَنَّهُ لَمَّا أَظْهَرَ اسْمَ الْكِتَابِ أَشْعَرَ بِأَنَّهُ كِتَابٌ آخَرُ مِنْ كُتُبِهِمْ، وَهُوَ الْأَسْفَارُ الْمُسَمَّاةُ بِكُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ: أَشْعِيَاءَ، وَأَرْمِيَا، وَحِزْقِيَالَ، وَدَانْيَالَ، وَهِيَ فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ التَّوْرَاةِ. وَكَذَلِكَ كِتَابُ النَّبِيِّ مَلَاخِي. وَالْإِفْسَادُ مَرَّتَيْنِ ذُكِرَ فِي كِتَابِ أَشْعِيَاءَ وَكِتَابِ أَرْمِيَاءَ.
ب – الْأَرْض :
قال القرطبي رحمه الله:
(فِي الْأَرْضِ) يُرِيدُ أَرْضَ الشَّامِ وبيت المقدس وما والاها.
قال في اللباب: {فِي الأَرْضِ} يعني أرض الشَّام وبيت المقدس.
وفي فتح القدير: وَالْمُرَادُ بِالْأَرْضِ: أَرْضُ الشَّامِ وَبَيْتُ الْمَقْدِسِ، وَقِيلَ: أَرْضُ مِصْرَ.
وفي محاسن التأويل : { فِي الأَرْضِ } يعني أرض فلسطين بيت المقدس التي بارك الله حولها.
وفي فتح البيان : والمراد بالأرض أرض الشام وبيت المقدس، وقيل أرض مصر.
على أن جماعةً من المفسرين لم يُعينوها ...والكلام في كلمة الأَرْضِ في القرآن واسعٌ لمن يعرفُ ذلك .
ت – الْمَسْجِدُ :
قال في المحرر الوجيز :
{ الْمَسْجِدَ } مسجد بيت المقدس . وفي محاسن التأويل : { الْمَسْجِدَ } أي : الأقصى . وتقريبا هذا مُجمعٌ عليه .
ث – الْمَرَّتَانِ :
الْمَرَّتَانِ هما { فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا ..... فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ }.
قال في مختار الصحاح:(الْمَرَّةُ) وَاحِدَةُ (الْمَرِّ) وَ (الْمِرَارِ) ..وفي غيره : لا يُسْتَعْمَل إِلاَّ ظَرْفاً،.
والمَرَّةُ ، بالفتح : الفَعْلَةُ الواحدةُ .
وفي معجم الصواب اللغوي : في قولنا { مَرَّةً ومَرَّةً }:
مثال: زرت القدسَ مَرَّةً ومَرَّةً أخرى ..الرأيُ: مرفوضة .السببُ: لعطف الاسم على مثله مع إمكانية التثنية.
الصواب والرتبة: -زرتُ القدس مَرَّتين {فصيحة}-زرت القدس مَرَّةً ومَرَّةً أخرى {صحيحة}.
ج - الْعِبَادُ ....الْعَبِيدُ ....
من خلالِ الاستقراء الدقيق للآيات يتبين أن السياقَ هو الذي يحددُ المقصودَ من الدلالة لا أكثر ... والعبادُ المذكورون في الآيات هم كفارٌ على الراجح كما قال السعدي وغيره .
ولأن أكثرَ الخلافِ قائمٌ عَلى هذا الفارق بين - الْعِبَاد ....الْعَبِيد .... وغاية من حاول التفرقةَ جعل العبادَ أخص من العبيد . ولو حُسم الخلافُ بينهما لضاقت مساحةُ الخلاف جدا .
ح - { رَدَدْنَا }:
- قال في المُحرر الوجيز :
وجعل { رَدَدْنَا } موضع -نَردُ - إذ وقت إخبارهم لم يقع الأمر بعد لكنه لما كان وعد الله في غاية الثقة أنه يقع عبر عن مستقبله بالماضي .
وفي التحرير والتنوير :
وَالرَّدُّ: الْإِرْجَاعُ. وَجِيءَ بِفِعْلِ رَدَدْنا مَاضِيا جَريا عَلَى الْغَالِبِ فِي جَوَابِ (إِذَا) كَمَا جَاءَ شَرْطُهَا فِعْلًا مَاضِيًا فِي قَوْلِهِ: فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا [الْإِسْرَاء: 5] أَيْ إِذَا يَجِيءُ يَبْعَثُ.
 

ثانيا : عرضُ طبيعة الاختلاف :
قال ابن كثير رحمه الله :
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فِي هَؤُلَاءِ الْمُسَلَّطِينَ عَلَيْهِمْ: مَنْ هُمْ؟ فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ: أَنَّهُ جَالُوتُ الجَزَريّ وَجُنُودُهُ، سُلِّطَ عَلَيْهِمْ أَوَّلًا ثُمَّ أُدِيلُوا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ. وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا}
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّهُ مَلِكُ الْمَوْصِلِ سِنْجَارِيبُ وَجُنُودُهُ. وَعَنْهُ أَيْضًا، وَعَنْ غَيْرِهِ: أَنَّهُ بُخْتُنَصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ لَهُ قِصَّةً عَجِيبَةً فِي كَيْفِيَّةِ تَرَقِّيهِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، إِلَى أَنْ مَلَكَ الْبِلَادَ، وَأَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا مُقْعَدًا ضَعِيفًا يَسْتَعْطِي النَّاسَ وَيَسْتَطْعِمُهُمْ، ثُمَّ آلَ بِهِ الْحَالُ إِلَى مَا آلَ، وَأَنَّهُ سَارَ إِلَى بِلَادِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَتَلَ بِهَا خَلْقًا كَثِيرًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ فِي هَذَا الْمَكَانِ حَدِيثًا أَسْنَدَهُ عَنْ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا مُطَوَّلًا وَهُوَ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ لَا مَحَالَةَ، لَا يَسْتَرِيبُ فِي ذَلِكَ مَنْ عِنْدَهُ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ بِالْحَدِيثِ! وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ كَيْفَ رَاجَ عَلَيْهِ مَعَ إِمَامَتِهِ وَجَلَالَةِ قَدْرِهِ! وَقَدْ صَرَّحَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ الْعَلَّامَةُ أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، بِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ مَكْذُوبٌ، وَكَتَبَ ذَلِكَ عَلَى حَاشِيَةِ الْكِتَابِ.
وَقَدْ وَرَدَتْ فِي هَذَا آثَارٌ كَثِيرَةٌ إِسْرَائِيلِيَّةٌ لَمْ أَرَ تَطْوِيلَ الْكِتَابِ بِذِكْرِهَا؛ لِأَنَّ مِنْهَا مَا هُوَ مَوْضُوعٌ، مِنْ وَضْعِ بَعْضِ زَنَادِقَتِهِمْ، وَمِنْهَا مَا قَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا، وَنَحْنُ فِي غُنْيَة عَنْهَا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَفِيمَا قَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا فِي كِتَابِهِ غُنْيَةٌ عَمَّا سِوَاهُ مِنْ بَقِيَّةِ الْكُتُبِ قَبْلَهُ، وَلَمْ يُحْوِجْنَا اللَّهُ وَلَا رَسُولُهُ إِلَيْهِمْ. وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ لَمَّا بَغَوْا وَطَغَوْا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُّوَهُمْ، فَاسْتَبَاحَ بَيْضَتَهم، وَسَلَكَ خِلَالَ بُيُوتِهِمْ وَأَذَلَّهُمْ وَقَهَرَهُمْ، جَزَاءً وِفَاقًا، وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا قَدْ تَمَرَّدُوا وَقَتَلُوا خَلْقًا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: ظَهَرَ بُختنَصَّر عَلَى الشَّامِ، فَخَرَّبَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَقَتَلَهُمْ، ثُمَّ أَتَى دِمَشْقَ فَوَجَدَ بِهَا دَمًا يَغْلِي عَلَى كِبًا، فَسَأَلَهُمْ: مَا هَذَا الدَّمُ؟ فَقَالُوا أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا عَلَى هَذَا، وَكُلَّمَا ظَهَرَ عَلَيْهِ الْكِبَا ظَهَرَ. قَالَ: فَقَتَلَ عَلَى ذَلِكَ الدَّمِ سَبْعِينَ أَلْفًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ، فَسَكَنَ .
وَهَذَا صَحِيحٌ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَأَنَّهُ قَتَلَ أَشْرَافَهُمْ وَعُلَمَاءَهُمْ، حَتَّى إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَنْ يَحْفَظُ التَّوْرَاةَ، وَأَخَذَ مَعَهُ خَلْقًا مِنْهُمْ أَسْرَى مِنْ أَبْنَاءِ الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ، وَجَرَتْ أُمُورٌ وَكَوَائِنُ يَطُولُ ذِكْرُهَا. وَلَوْ وَجَدْنَا مَا هُوَ صَحِيحٌ أَوْ مَا يُقَارِبُهُ، لَجَازَ كِتَابَتُهُ وَرِوَايَتُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قال في المحرر الوجيز :
واختلف الناس في العبيد المبعوثين ، وفي صورة الحال اختلافاً شديداً متباعداً عيونه ......
وقال فيما قال :
ومقتضى هذه الآيات أن الله تعالى أعلم بني إسرائيل في التوراة أنه سيقع منهم عصيان وطغيان وكفر لنعم الله تعالى عندهم في الرسل والكتب وغير ذلك ، وأنه سيرسل عليهم أمة تغلبهم وتقتلهم وتذلهم ، ثم يرحمهم بعد ذلك ، ويجعل لهم الكرّة ويردهم إلى حالهم الأولى من الظهور ، فيقع منهم المعاصي وكفر النعم والظلم والقتل والكفر بالله من بعضهم ، فيبعث الله عليهم أمة أخرى تخرب ديارهم وتقتلهم وتجليهم جلاء مبرحاً ، وأعطى الوجود بعد ذلك هذا الأمر كله وقيل : كان بين « المرتين » آخر الأولى وأول الثانية مائتَا سنة وعشر سنين ملكاً مؤبداً بأنبياء وقيل سبعون سنة .
قال القرطبي رحمه الله :
وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ كَانَ الْمَبْعُوثُ عَلَيْهِمْ في المرة الآخرة، فقيل: بخت نصر. وَقَالَهُ الْقُشَيْرِيُّ أَبُو نَصْرٍ، لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ. قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَهَذَا لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ قَتْلَ يحيى كان بعد رفع عيسى، وبخت نصر كَانَ قَبْلَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ بِزَمَانٍ طَوِيلٍ.، وَقَبْلَ الْإِسْكَنْدَرِ، وَبَيْنَ الْإِسْكَنْدَرِ وَعِيسَى نَحْوٌ مِنْ ثَلَاثمِائَةِ سَنَةٍ، وَلَكِنَّهُ أُرِيدَ بِالْمَرَّةِ الأخرى حين قتلوا شعيا، فقد كان بخت نصر إِذْ ذَاكَ حَيًّا، فَهُوَ الَّذِي قَتَلَهُمْ وَخَرَّبَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَأَتْبَعَهُمْ إِلَى مِصْرَ. وَأَخْرَجَهُمْ مِنْهَا. وقال الثعلبي: ومن روى أن بخت نصر هُوَ الَّذِي غَزَا بَنِي إِسْرَائِيلَ عِنْدَ قَتْلِهِمْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا فَغَلَطٌ عِنْدَ أَهْلِ السِّيَرِ والاخبار، لأنهم مجمعون على أن بخت نصر إِنَّمَا غَزَا بَنِي إِسْرَائِيلَ عِنْدَ قَتْلِهِمْ شَعْيَا وفى عهد إرميا. قالوا: ومن عهد إرميا وتخريب بخت نصر بَيْتَ الْمَقْدِسِ إِلَى مَوْلِدِ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلَامُ أَرْبَعُمِائَةِ سَنَةٍ وَإِحْدَى وَسِتُّونَ سَنَةً، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَعُدُّونَ مِنْ عَهْدِ تَخْرِيبِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَى عِمَارَتِهِ فِي عَهْدِ كير سَبْعِينَ سَنَةً، ثُمَّ مِنْ بَعْدِ عِمَارَتِهِ إِلَى ظُهُورِ الإسكندر على بت الْمَقْدِسِ ثَمَانِيَةً وَثَمَانِينَ سَنَةً، ثُمَّ مِنْ بَعْدِ مَمْلَكَةِ الْإِسْكَنْدَرِ إِلَى مَوْلِدِ يَحْيَى ثَلَاثَمَائَةٍ وَثَلَاثًا وَسِتِّينَ سَنَةً. قُلْتُ: ذَكَرَ جَمِيعَهُ الطَّبَرِيُّ فِي التَّارِيخِ رَحِمَهُ اللَّهُ.
قال السعدي رحمه الله : كثيرا ما يقرن الباري بين نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ونبوة موسى صلى الله عليه وسلم وبين كتابيهما وشريعتيهما لأن كتابيهما أفضل الكتب وشريعتيهما أكمل الشرائع ونبوتيهما أعلى النبوات وأتباعهما أكثر المؤمنين.
واختلف المفسرون في تعيين هؤلاء المسلطين إلا أنهم اتفقوا على أنهم قوم كفار. إما من أهل العراق أو الجزيرة أو غيرها سلطهم الله على بني إسرائيل لما كثرت فيهم المعاصي وتركوا كثيرا من شريعتهم وطغوا في الأرض.
ومن نظر إلى تسليط الكفرة على المسلمين والظلمة، عرف أن ذلك من أجل ذنوبهم عقوبة لهم وأنهم إذا أقاموا كتاب الله وسنة رسوله، مكن لهم في الأرض ونصرهم على أعدائهم.
قال الشعراوي رحمه الله :
وهل أفسد بنو إسرائيل في الأرض مرتين فقط؟
والله إنْ كانوا كذلك فقد خلاهم ذم، والأمر إذن هَيِّن، لكنهم أفسدوا في الأرض إفساداً كثيراً متعدداً، فلماذا قال تعالى: مرتين؟
تحدّث العلماء كثيراً عن هاتين المرتين، وفي أيّ فترات التاريخ حدثتا، وذهبوا إلى أنهما قبل الإسلام، والمتأمل لسورة الإسراء يجدها قد ربطتهم بالإسلام، فيبدو أن المراد بالمرتين أحداثٌ حدثتْ منهم في حضْن الإسلام..........................
 

ثالثا : نقطة تحريرها نافعٌ وفاعلٌ :
قوله تعالى :{عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا }
قال في المحرر الوجيز :
يقول الله عز وجل لبقية بني إسرائيل {عَسَى رَبُّكُمْ } إن أطعتم في أنفسكم واستقمتم { أن َيرْحَمَكُمْ} ، و { عَسَى } ترجّ في حقهم وهذه العدة ليست برجوع دولة وإنما هي بأن يرحم المطيع منهم ، وكان من الطاعة اتباعهم لعيسى ومحمد فلم يفعلوا وعادوا إلى الكفر والمعصية ، فعاد عقاب الله فضرب عليهم الذل وقتلهم وأذلهم بيد كل أمة ، وهنا قال ابن عباس سلط عليهم ثلاثة ملوك.
قال القرطبي رحمه الله :
(وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا) قال قتادة: فَعَادُوا فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهُمْ يُعْطُونَ الْجِزْيَةَ بِالصَّغَارِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَهَذَا خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَقَدْ حَلَّ الْعِقَابُ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ مَرَّتَيْنِ عَلَى أَيْدِي الْكُفَّارِ، وَمَرَّةً عَلَى أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ. وَهَذَا حِينَ عَادُوا فَعَادَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ. وَعَلَى هَذَا يَصِحُّ قَوْلُ قَتَادَةَ.
قال ابن كثير رحمه الله :
{وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا} أَيْ: مَتَى عُدْتُمْ إِلَى الْإِفْسَادِ {عُدْنَا} إِلَى الْإِدَالَةِ عَلَيْكُمْ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا نَدَّخِرُهُ لَكُمْ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ، وَلِهَذَا قَالَ [تَعَالَى] {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا}
وفي فتح القدير :
{عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ } يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ انْتِقَامِهِ مِنْكُمْ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَإِنْ عُدْتُمْ لِلثَّالِثَةِ عُدْنا إِلَى عُقُوبَتِكُمْ. قَالَ أَهْلُ السِّيَرِ: ثُمَّ إنهم عادوا إلا مَا لَا يَنْبَغِي، وَهُوَ تَكْذِيبُ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عليه وسلّم وكتمان ما ورد في بَعْثِهِ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، فَعَادَ اللَّهُ إِلَى عُقُوبَتِهِمْ عَلَى أَيْدِي الْعَرَبِ، فَجَرَى عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ وَبَنِي قَيْنُقَاعَ وَخَيْبَرَ مَا جَرَى مِنَ الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ وَالْإِجْلَاءِ وَضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ، وَضَرْبِ الذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ .
وفي التحرير والتنوير :
وَلَمْ يَعِدْهُمُ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ إِلَّا بِتَوَقُّعِ الرَّحْمَةِ دُونَ رَدِّ الْكَرَّةِ، فَكَانَ إِيمَاءً إِلَى أَنَّهُمْ لَا مِلْكَ لَهُمْ بَعْدَ هَذِهِ الْمَرَّةِ. وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِ بِهَذِهِ الْمَرَّةِ الْآخِرَةِ هُوَ مَا اقْتَرَفَهُ الْيَهُودُ مِنَ الْمَفَاسِدِ وَالتَّمَرُّدِ وَقَتْلِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَالِاعْتِدَاءِ عَلَى عِيسَى وَأَتْبَاعِهِ، وَقَدْ أَنْذَرَهُمُ النَّبِيءُ مَلَّاخِي فِي الْإِصْحَاحَيْنِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ مِنْ كِتَابِهِ وَأَنْذَرَهُمْ زَكَرِيَّاءُ وَيَحْيَى وَعِيسَى فَلَمْ يَرْعَوُوا فَضَرَبَهُمُ اللَّهُ الضَّرْبَةَ الْقَاضِيَةَ بِيَدِ الرُّومَانِ.
قال أبو السعود رحمه الله :
{ عسى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ } بعد المرة الآخرة إن تبتم توبةً أخرى وانزجرتم عما كنتم عليه من المعاصي { وَإِنْ عُدتُّمْ } إلى ما كنتم فيه من الفساد مرةً أخرى { عُدْنَا } إلى عقوبتكم.
قال السعدي رحمه الله: { وَإِنْ عُدْتُمْ } إلى الإفساد في الأرض { عُدْنَا } إلى عقوبتكم، فعادوا لذلك فسلط الله عليهم رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم فانتقم الله به منهم، فهذا جزاء الدنيا وما عند الله من النكال أعظم وأشنع، ولهذا قال: { وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا } يصلونها ويلازمونها لا يخرجون منها أبدا. وفي هذه الآيات التحذير لهذه الأمة من العمل بالمعاصي لئلا يصيبهم ما أصاب بني إسرائيل، فسنة الله واحدة لا تبدل ولا تغير.
 
النتيجة .....
هو أن الإفسادينِ وقعا بالفعل وبقي لهم العلو الظاهر الآن ..... والمخرجُ سهلٌ ويسيرٌ وهو في قوله تعالى:{ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا} فهي عبارة عن الاستمرارية بطرفيها ..
ولأن َ{ مَرَّتَيْنِ} في قوله تعالى :{ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ } عائدة على الإفساد وليس على العلو . ويكون قوله تعالى :{ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا } مشتملا على حسمِ نقطةِ الخلاف .
أما قوله تعالى في آخر السورة :{ فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103) وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (104)}
فهو باقٍ على معناه وهو وعدُ يومُ القيامة ....
قال في التحرير والتنوير :
وَالْأَرْضُ الْأُولَى هِيَ الْمَعْهُودَةُ وَهِيَ أَرْضُ مِصْرَ، وَالْأَرْضُ الثَّانِيَةُ أَرْضُ الشَّامِ وَهِيَ الْمَعْهُودَةُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ بِوَعْدِ اللَّهِ إِبْرَاهِيمَ إِيَّاهَا. وَوَعْدُ الْآخِرَةِ مَا وَعَدَ اللَّهُ بِهِ الْخَلَائِقَ عَلَى أَلْسِنَةِ الرُّسُلِ مِنَ الْبَعْثِ وَالْحَشْرِ.
والشيخ الشعراوي رحمه الله يقول :
قوله تعالى : { مِن بَعْدِهِ } أي : من بعد موسى { اسكنوا الأرض } أغلب العلماء قالوا : أي الأرض المقدسة التي هي بيت المقدس ، التي قال تعالى عنها : { يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ . . } [ المائدة : 21 ] فكان ردّهم على أمر موسى بدخول بيت المقدس : { إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حتى يَخْرُجُواْ مِنْهَا . . } [ المائدة : 22 ]
وقالوا : { إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَآ أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فاذهب أَنتَ وَرَبُّكَ فقاتلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } [ المائدة : 24 ]
لكن كلمة { الأرض } هنا جاءت مجرّدة عن الوَصْف { اسكنوا الأرض } دون أنْ يُقيِّدها بوصف ، كما نقول : أرض الحرم ، أرض المدينة ، وإذا أردتَ أنْ تُسكِنَ إنساناً وتُوطّنه تقول : اسكن أي : استقر وتوَطّن في القاهرة أو الإسكندرية مثلاً ، لكن اسكن الأرض ، كيف وأنا موجود في الأرض بالفعل؟! لا بُدَّ أن تُخصِّص لي مكاناً اسكن فيه .
نقول : جاء قوله تعالى { اسكنوا الأرض } هكذا دون تقييد بمكان معين ، لينسجم مع آيات القرآن التي حكمتْ عليهم بالتفرُّق في جميع أنحاء الأرض ، فلا يكون لهم وطن يتجمعون فيه ، كما قال تعالى : { وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأرض أُمَماً . . } [ الأعراف : 168 ]
والواقع يُؤيد هذا ، حيث نراهم مُتفرقِّين في شتَّى البلاد ، إلا أنهم ينحازون إلى أماكن مُحدَّدة لهم يتجمَّعون فيها ، ولا يذوبون في الشعوب الأخرى ، فتجد كل قطعة منهم كأنها أمة مُستقلة بذاتها لا تختلط بغيرها .
وسيتجمع اليهود في وطن واحد ليتحقق وَعْد الله بالقضاء عليهم ، وهل يستطيع المسلمون أن ينقضُّوا على اليهود وهم في شتيت الأرض؟ لا بُدَّ أن الحق سبحانه أوحى إليهم بفكرة التجمُّع في وطن قومي لهم كما يقولون ، حتى إذا أراد أَخْذهم لم يُفلتوا ، ويأخذهم أخْذ عزيز مقتدر .
وهذا هو المراد من قوله تعالى : { جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً } [ الإسراء : 104 ] أي : مجتمعين بعضكم إلى بعض من شَتّى البلاد ، وهو ما يحدث الآن على أرض فلسطين .
ويتبقى لنا أن نقولَ كما قال أهلُ العلم – {سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا} :
كما قال الله تعالى :{إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108)}
 
قوله تعالى :{ وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (71)}
قال أبو السعود رحمه الله :
{ وَحَسِبُواْ أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ } أي حسِب بنو إسرائيلَ أن لا يصيبَهم من الله تعالى بما أتَوْا من الداهية الدهياء والخُطة الشنعاء بلاءٌ وعذاب .. { فَعَمُواْ } عطف على ( حسِبوا ) والفاء للدلالة على ترتب ما بعدها على ما قبلها أي أمِنوا بأسَ الله تعالى فتمادَوْا في فُنون الغيِّ والفساد وعمُوا عن الدين بعد ما هداهم الرسلُ إلى معالمه الظاهرة وبينوا لهم مناهجه الواضحة { وَصَمُّواْ } عن استماع الحق الذي ألقَوْه عليهم ولذلك فعلوا بهم ما فعلوا ، وهذا إشارة إلى المرة الأولى من مرّتَيْ إفساد بني إسرائيلَ حين خالفوا أحكام التوراة وركِبوا المحارم وقتلوا شعياء ، وقيل : حبسوا أرمياء عليهما السلام لا إلى عبادتهم العجلَ كما قيل ، فإنها وإن كانت معصية عظيمة ناشئة عن كمال العمَى والصمَم لكنها في عصر موسى عليه السلام ، ولا تعلُّقَ لها بما حُكي عنهم مما فعلوا بالرسل الذين جاؤوهم بعده عليه السلام بأعصار { ثُمَّ تَابَ الله عَلَيْهِمْ } حين تابوا ورجعوا عما كانوا عليه من الفساد بعد ما كانوا ببابلَ دهراً طويلاً تحت قهر بُخْتَ نَصَّرَ أسارى في غاية الذل والمهانة فوجه الله عز وجل ملكاً عظيماً من ملوك فارسَ إلى بيت المقدس ليعمُرَه ونجّى بقايا بني إسرائيل من أسر بختَ نصَّرَ بعد مهلكه وردَّهم إلى وطنهم وتراجَعَ من تفرق منهم في الأكناف فعَمَروه ثلاثين سنة فكثُروا وكانوا كأحسنَ ما كانوا عليه ، وقيل : لما ورث بَهْمنُ بنُ اسفنديارَ المُلك من جدِّه كستاسُفَ ألقى الله عز وجل في قلبه شفقة عليهم فردهم إلى الشام وملّك عليهم دانيال عليه السلام ، فاستولوا على من كان فيها من أتباع بختَ نصّر فقامت فيهم الأنبياءُ فرجعوا إلى أحسن ما كانوا عليه من الحال ، وذلك قوله تعالى : { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الكرة عَلَيْهِمْ } وأما ما قيل من أن المراد قبولُ توبتهم عن عبادة العجل فقد عرفت أن ذلك لا تعلُّق له بالمقام ولم يُسنِد التوبةَ إليهم كسائر أحوالهم من الحُسبان والعمَى والصمم تجافياً عن التصريح بنسبة الخير إليهم وإنما أشير إليها في ضمن بيان توبته تعالى عليهم تمهيداً لبيان نقضهم إياها بقوله تعالى : { ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ } وهو إشارة إلى المرة الآخرة من مرّتيْ إفسادهم وهو اجتراؤهم على قتل زكريا ويحيى وقصدُهم قتلَ عيسى عليهم السلام لا إلى طلبهم الرؤية كما قيل لِما عرفت سره .
ثم قال أبو السعود رحمه الله وهذا هو الشاهد من قوله ...
فإن فنون الجناياتِ الصادرةِ عنهم لا تكاد تتناهى خلا أن انحصار ما حُكي عنهم هاهنا في المرتين وترتّبه على حكاية ما فعلوا بالرسل عليهم السلام يقضي بأن المراد ما ذكرناه والله عنده علم الكتاب .
قال القاسمي رحمه الله في محاسن التأويل :
ويرحم الله الإمام القفال حيث قال : ذكر الله تعالى في سورة ( بني إسرائيل ) ما يجوز أن يكون تفسيراً لهذه الآية فقال : { وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6)}. فهذا في معنى ( فَعَمُوا وَصَمُّوا) ثم قال : { فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) } . فهذا في معنى قوله : { ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ } انتهى .
 
"لنا أن نسأل ما الغرض من طرح هذا النقاش ؟"
؟؟؟
سبحان الله !

"
[FONT=&quot][FONT=&quot]النتيجة .....[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot][FONT=&quot]هو أن الإفسادينِ وقعا"

[/FONT][/FONT]
ذكرنا ذلك في المشاركة رقم ٤ وذكرنا بعض الإشكالات التاريخية أيضاً.

 
عودة
أعلى