بلاغة الخطاب التعليمي والحجاجي في القرآن الكريم والحديث النبوي د.أيمن أبومصطفى

إنضم
21/02/2013
المشاركات
48
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
العمر
42
الإقامة
المملكة العربية
مشاهدة المرفق 12819
صدر حديثا عن دار النابغة بمصر كتاب
بلاغة الخطاب التعليمي والحجاجي في القرآن الكريم والحديث النبوي د.أيمن أبومصطفى
وهذا تقديم الأستاذ الدكتور أبوبكر العزاوي للكتاب
بلاغة الخطاب التعليمي والحجاجي في القرآن الكريم والحديث النبوي

أ.د.أبو بكر العزاوي
يسعدني أن أقدم إلى القارئ الكريم، هذا الكتاب الذي ألفه الناقد والبلاغي الشاب الدكتور أيمن أبو مصطفى، والذي يحمل عنوان: (بلاغة الخطاب التعليمي والحجاجي في القرآن الكريم والحديث النبوي). وقد سبق للكاتب أن أنجز عملا سابقا في مجال الحجاج، تحت عنوان: (الحجاج ووسائله البلاغية في الشعر العربي القديم). وقد حلل المؤلف في هذا الكتاب، الرسائل الديوانية للقاضي الفاضل، بوصفها نمطا خاصا من أنماط الخطاب الحجاجي، حللها من منظور التحليل البلاغي والأسلوبي والحجاجي والتداولي، علاقة المؤلف بالبلاغة والحجاج إذن، علاقة وطيدة ومتينة.
الجميل في الكتاب الجديد، أنه يأخذ بالمفهوم الواسع للبلاغة، وليس المفهوم الضيق الذي يحصرها في المحسنات التزيينية وظواهر الزخرف البياني والبديعي. البلاغة حسب هذا المنظور –نظرية عامة- موجهة إلى دراسة وتحليل كل أنواع الخطاب: الشعري والنثري: القانوني والفلسفي والأدبي والديني والسياسي وغيرها.
وإذا نظرنا في تاريخ البلاغة بشكل عام، فيمكن أن نقول إن هذه البلاغة مرت بمراحل ثلاثة: البلاغة الأرسطية بشكل خاص، واليونانية بشكل عام ،كانت بلاغة إمتاع وبلاغة إقناع، وكانت بلاغة عامة: بلاغة إقناعية حجاجية بامتياز. وسار على هذا النهج كثير من البلاغيين العرب القدماء، وخاصة الأوائل منهم، لكن حصل انفصام في أوروبا بعد ذلك، بين المكون الاقناعي الحجاجي والمكون الجمالي التحسيني، فأصبحت البلاغة تعنى بالمحسنات والأسلوب والصور المجازية الفنية. ووقع تضييق مجال البلاغة بشكل كبير.
ولكن مع مجيء الفيلسوف البلجيكي شاييم بيرلمان، سنشهد مرحلة جديدة من تاريخ البلاغة، وستتم إعادة الاعتبار من جديد، إلى المكون الحجاجي الاقناعي. فمع بيرلمان سيتم تأسيس ما يسمى بالبلاغة الجديدة، أو البلاغة الحجاجية، أو الحجاج البلاغي، وهذه البلاغة يمكن اعتبارها بلاغة أرسطية جديدة، لأنه قام بقراءة جديدة لبلاغة أرسطو، ولأنه درس نفس القضايا والموضوعات التي درسها أرسطو، وخاصة في كتابيه: (الخطابة) و (العبارة) ولكن من منظور جديد.
والبلاغة الجديدة، مع بيرلمان، تدرس كل أنواع الخطاب: الخطاب القانوني، الخطاب الفلسفي، الخطاب السياسي وغيرها.
والبلاغة العربية القديمة، هي الأخرى، بلاغة عامة، بلاغة إمتاع وإقناع، بلاغة خطابية تداولية.
إن علوم الآلة، وفي مقدمتها البلاغة والنحو، كان هدفها خدمة القرآن الكريم، وإظهار وجوه إعجازه. وكشف أسراره. وإثبات إعجاز القرآن الكريم مرتبط بإثبات الدين كله، ثم إن جوانب أساسية من الإعجاز تكمن في البلاغة القرآنية. ولهذا ربط العلماء بين البلاغة والإعجاز، وكان فهمهم للبلاغة بشكل عام، ولوظيفتها بشكل خاص، ينحصر في هذه المسألة بشكل أساسي. هذا الفهم لدور البلاغة كان حاضرا بقوة عند القدماء: (أبو عبيدة، الباقلاني، القاضي عبد الجبار، عبد القادر الجرجاني...)، وظل مستمرا حتى عصر ابن خلدون (المتوفى سنة 808ه)، الذي قال، وهو يستعرض تاريخ علوم العربية، ومتحدثا عن البلاغة: (ثمرة هذا الفن، إنما هي في فهم الإعجاز من القرآن). الجرجاني كان يسعى إلى إبراز دلائل الإعجاز، وكشف أسرار البلاغة، والشريف الرضي ألف كتابين عن مجازات القرآن، والمجازات النبوية، وأبو عبيدة ألف كتابا بعنوان: (مجاز القرآن). وكثير من القدماء المحدثين كتبوا في البلاغة القرآنية والبلاغة النبوية.
والكتاب الذي أنا بصدد التقديم له، يندرج في الصنف من الكتب والمؤلفات التي تعنى ببلاغة القرآن والحديث النبوي.
وقد ركز على بلاغة الخطاب التعليمي، وبلاغة الخطاب الحجاجي.. وهما جانبان أساسيان، من بلاغة القرآن والحديث النبوي. وهذا لعدة أسباب:

  • الخطاب القرآني خطاب تربوي تعليمي.
  • الخطاب القرآني خطاب حواري تواصلي .
  • الخطاب القرآني خطاب حجاجي إقناعي بامتياز.
وقد أظهرنا جوانب من هذا، في عدد من البحوث والدراسات التي أنجزناها، ومنها: (البنية الحجاجية للقرآن الكريم: سورة الأعلى نموذجا) المنشور في مجلة (المشكاة) سنة 1994، ونشر بعد ذلك في كتاب: (الخطاب والحجاج) سنة 2007، وأيضا: (الحجاج والانسجام في القرآن الكريم: خواتيم سورة البقرة نموذجا) المنشور سنة 2014 في مجلة (البلاغة وتحليل الخطاب).
القرآن الكريم حواري وحجاجي وتعليمي بامتياز. لقد وردت فيه كلمة (الحجاج) بمشتقاتها 20 مرة ، وكلمة (الجدل) بمشتقاتها 27 مرة، وكلمات أخرى مرادفة للحجاج، أو قريبة منها.
بلاغة القرآن الكريم والحديث النبوي، بلاغة تعليمية حجاجية خطابية جمالية إمتاعية إقناعية إعجازية تداولية، هي بلاغة تداولية بشكل كبير، لأنها تأخذ بعين الاعتبار السياق (le contexte)، والمقام(la situation)، تضع في حسبانها السياق بكل أنماطه وأنواعه، وبكل عناصره ومكوناته: المتلقي، الزمان، المكان، المقاصد والغايات، المعرفة المشتركة. والبلاغة حاضرة في كل المستويات اللغوية: (الصوتية، والصرفية والمعجمية والتركيبية والدلالية والتداولية والحجاجية)، وحاضرة في مستويات أخرى: مجازية وأسلوبية ومعرفية.
والمستويات اللغوية بينها أنماط من التعالق والتفاعل والتكامل: علاقة التركيب بالدلالة، علاقة الدلالة بالتداوليات، علاقة الصواتة والصرف بالتركيب والدلالة، علاقة البنية بالوظيفية، علاقة المقال بالمقام. ومن هنا المبدأ التداولي الوظيفي العام، الذي وجدناه في تراثنا العربي الإسلامي: (لكل مقام مقال).
ولقد أبرز المؤلف، في كتابه هذا، كثيرا من هذه التعالقات، وأبرز أيضا حضور البلاغة في كثير من المستويات اللغوية والأسلوبية. وقد ركز على بلاغة الخطاب التعليمي في القرآن الكريم والحديث النبوي محاولا إظهار الجوانب التربوية والتعليمية التي يمكن الإفادة منها في كل خطاب يهدف إلى التربية والتعليم، أو يهدف إلى الدعوة والنصح والإرشاد. وركز أيضا على بلاغة الخطاب الحجاجي، محاولا إظهار عدد من أساليب الحجاج في القرآن الكريم والحديث النبوي، وأيضا إبراز سبل المنكرين في المغالطة والتضليل، وبيان وسائلهم وكيفية استغلالهم للغة في الخداع والمراوغة.
ودرس قضايا عديدة أخرى مثل التماسك النصي، وانسجام الخطاب، والوحدة البنائية للنص القرآني، وبلاغة التمكين، وبلاغة التثبيت، وعلاقة القرآن الكريم باللغة العربية، والقسم، وظواهر أخرى.
وأشير، في نهاية هذا التقديم، إلى أن المؤلف بذل جهدا محمودا في تناول موضوعه، وأنه وفق فيه إلى حد كبير. والكتاب زاخر بالفوائد والدرر، والمعلومات القيمة والمفيدة.
وهو إضافة قيمة، ستغني البلاغة العربية بشكل عام، والبلاغة القرآنية والحديثية بشكل خاص.
و الله الموفق والهادي إلى الصواب.
أ.د.أبو بكر العزاوي
الجمعة 1 ذو الحجة 1440
الموافق ل 2 أغسطس 2019
 
عودة
أعلى