جزاك الله خيرا شيخنا الفاضل د. خضر وهي ملاحظة في محلها وتستحق التوقف عندها، ولا نرابيك عليها أو نناهزك فيما ذهبت إليه- كلية- ولكن لا نستطيع أن نأخذها على إطلاقها، لكوننا قد توقفنا عندها مليا - لحظة مشاهدتها- إلا أننا أجريناها على ما وردت ولم نعارضها لما بدا من إمكانية قبولها طلبا للتميز – كما أفهم- لهذا الملتقى الجديد الذي نرجو أن يكون كذلك باضطراد، وكل الملتقيات الحريصة على الاهتمام بكل ما من شأنه خدمة كتاب الله مباشرة أو – على الأقل – الإسهام في ذلك، ويمكن إيجاز القبول على الوجه الآتي:
1- يقول ابن فارس وهو من هو في اللغة:
[align=center][poem= font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="white" bkimage="" border="outset,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
نديمي هرتي، [/poem]وأنيس نفسي = دفاتر لي، ومعشوقي السراج .(1)[/align] فكيف تنادمه الهرة المستأنس بها على المعنى الأول؟ (تعجب)
2- وقال قس بن ساعدة الإيادي وكان له أخوان يصحبانه فماتا قبله فأقام على قبريهما حتى لحق بهما
[poem= font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="white" bkimage="" border="outset,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
خليلي هبا طالما قد رقدتما = أجدكما لا تقصيان كراكما
ألم تعلما أني بسيحان مفردا = وما لي من نديم سواكما
أقيم على قبريكما لست بارحا = طوال الليالي أو يجيب صداكما
كأنكما والموت أقرب غاية = بجسمي في قبريكما قد أتاكما (2)[/poem]
وقد ترحم الرسول صلى الله عليه وسلم على قس، وحفظ من كلامه ماهو ثابت في كتب الحديث؛ وكيف يستقيم منادمتهما - بالمعنى الأول- وهما في قبريهما؟
3- مما ورد في تاج العروس، فصل القاف مع اللام، مادة "قبل": ومنه قول نديم المأمون العباسي في الحسنين رضي الله تعالى عنهما : أمهما البتول وأبوهما القبول رضي الله تعالى عنهم.
فهل كان الخليفة المأمون - تحقيقا- ممن يرتضي لك في جلسائه وخواصه؟
4- يقول المتنبي:
[poem= font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="white" bkimage="" border="outset,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
بم التعلل لا أهل ولا وطن = ولا نديم ولا كأس ولا سكن.[/poem]
والمشهور أن أبا الطيب لم يك من أصحاب الكأس ولا ممن تستهوية، حتى أنه يصرح بذلك في شعره من مثل قوله:
[poem= font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="white" bkimage="" border="outset,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
أَصَخرَةٌ أَنا مالي لا تُحَرِّكُني" = "هَذي المُدامُ وَلا هَذي الأَغاريدُ
إِذا أَرَدتُ كُمَيتَ اللَونِ صافِيَةً" = "وَجَدتُها وَحَبيبُ النَفسِ مَفقودُ[/poem]
ومن ثم، فهو يفتقد الرفيق والصديق المؤنس، كما هو جلي من سياق الأبيات.
ولا يعني ذلك إنكارنا لشربه مطلقا، وكيف نجرؤ وقد قال:
[poem= font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="white" bkimage="" border="outset,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وأنفس ما للفتى لبه = وذو اللب يكره إنفاقه
وقد مت أمس بها ميتة = وما يشتهي الموت من ذاقه[/poem] (3)
فهي أولى وأخيرة، كما يبدو.
5- ليس بالضرورة أن يكون النديم معاقرا للخمر، وهو ما اتضح من خلال ماسبق، بل وما أثبته -أستاذي الحبيب- بقولك:" وقد يكون النديم المصاحب والمجالس على غير الشراب".
6- وقلت :" ولا يستعمل النديم كرفيق دون معاقرة الخمر إلا نادراً "، وحاصله وجود هذا الاستعمال، وهو ما أدندن حوله ابتداء.
وعليه: فإنه يمكن أن يطلق لفظ النديم على الأخ المونس، والجليس المستفاد من علمه وأدبه، وقد حدد الأدباء لهذا النديم أن يكون معتدل الأخلاق، سليم الجوارح، طيب المفاكهة والمحادثة، عالما بأيام الناس ومكارم أخلاقهم، راوية للنادر من الشعر والمثل السائر، متصرفا في كل فن.. الخ.(4)
هذا ما أحببت مطارحتكم به - أستاذي القدير- ولعل من هذا الباب ما دعا الأساتذة في ملتقى أهل اللغة للسير عليه، وهم أعلم، وألحن بحجتهم، والله المستعان.
............................
(1)بن فارس وفيات الأعيان لابن خلكان (1/120) المحقق : إحسان عباس،الناشر : دار صادر – بيروت.
(2)( الحماسة البصرية باب التأبين والرثاء لأابي الحسن البصري).
(3) انظر شرح ديوان المتنبي للإمام الواحدي وانظر كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب.
(4) انظر: (ما يحتاج إليه نديم الملك، وما يأخذ به نفسه، وما يلزمه. كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب .