برنامــج بيِّنــات لعـــ [ حوارات اللقاءات ] ـــ 1429هـ ــــام

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع تيماء
  • تاريخ البدء تاريخ البدء

تيماء

New member
إنضم
04/09/2008
المشاركات
14
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
[align=center]
3.gif
[/align]
اللقاء الأول
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
موضوعات اللقاء :
- في مفهوم مقاصد السور وموضوعاتها .
- التفاسير و الكتب التي عنيت بهذا الموضوع .
- اسماء سورة الفاتحة ومعانيها وأسباب تسميتها .
- فضائل سورة الفاتحة.
- تفاضل سور و القرآن وآياته .
- تسميات سور القرآن توقيفية أو اجتهادية .
- التنبيه على بعض الأحاديث الموضوعه في فضائل سور القرآن .


[align=center]
21.gif
[/align]

الدكتور عبد الرحمن الشهري:
سوف تكون لقاءاتنا -بمشيئة الله -حول سور القرآن الكريم من حيث أسماء السور ومقاصدها و فضائلها وأسباب نزولها.
الدكتور محمد الخضيري : هذه تسمى علوم السورة لكي يكون للمشاهدين معرفة بمقصود هذا اللقاء , نتعرف على كل سورة بعلومها لن ندخل في تفاصيل تفسيرها ولكن نقتصر على ما يبين هذه السورة ويميزها عن سور القرآن ويفهم المشاهدين والمتابعين ماذا ترمي إليه هذه السورة بحيث يستطيع أن يربط بين مقاطعها وقصصها وأحكامها و أولها وآخرها فتكون عنده معرفة بحقيقة هذه السورة .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: أنا في تصوري أن العناية بالسور والحديث عن سور القرآن الكريم ربما يحببه كثير من المشاهدين لأن الناس يعتنون بالقرآن الكريم كسور , سورة الفاتحة سورة البقرة آل عمران , وربما يكون هذا أجود من الحديث عنه كأجزاء .
الدكتور مساعد الطيار : خصوصا أن تجزيء القرآن و تحزيبه إلى أحزاب وأثمان وأرباع هذا أمر متأخر أما السور فهي شيء توقيفي فالفاتحة معروفة من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والبقرة وآل عمران , فربط الناس بهذا المعنى الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أولى .
الدكتور مساعد الطيار : من الأشياء المهمة جدا أن أي قارئ للسورة سواء كان يريد أن يقرأ أو يفسر يكون مطلع وملم بالموضوعات التي تتحدث عنها السورة , وهذا يعطيه فرصة في قضية التدبر فهي وسيلة من وسائل التدبر أن تكون معرفة بموضوعات السورة وستجد أنه تثور عندك أسئلة خلال النظر في هذه الموضوعات وعلى سبيل المثال في سورة الطارق : لما تقرأ وتريد أن تنظر للموضوعات التي تحدثت عنها السورة ستجد أنك تأتي لقوله تعالى:{ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) } الضمير أنه عندما تنظر لما قبله لا يوجد حديث عن القرآن فيستوقفك مثل هذا , كيف جاء الضمير على شيء لم يذكر سابقا , فهذا حينما تتأمل الموضوعات يتبين لك أن هذا حديث عن كذا ثم جاء الحديث عن القرآن , الحديث عن القسم الأول أقسم بالطارق ثم الحديث عن أصل الإنسان ونشأته ثم بعثه ثم يأتي الحديث عن القرآن , عندما تنظر بهذا النظر قد يكون لديك شيء من الجواب على هذا السؤال .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: لا شك أن النظر إلى السورة بصورة كليه تفيد القارئ حتى إذا انتقل إلى دراسة السورة كدراسة تفصيلية يكون مستحضر للموضوعات الأساسية للسورة و وسبب نزولها و وقت نزولها و متى نزلت هذه مهمة جدا .
الدكتور محمد الخضيري : بل حتى هذا يفيد الإنسان في حياته كلها نفترض مثلا في باب العلم لو تأتي لعلم الفرائض , ماهو هذا العلم , فتقول هذا العلم الذي يهتم بقسمة التركات على الورثة بعد وفاة ثم بعد ذلك الدخول في التفاصيل ويخوض فيها .
أنت لو تقول لإنسان ما الرياض أو مكة تشرحها شرحا مبسط ثم تفصل ما فيها من مباني وشوارع وطرق ومؤسسات وأنظمة يكون ذلك أدعى للفهم , فالدخول من الأجمال للتفصيل هو الموافق للفطرة والواقع .
الدكتور مساعد الطيار : أيضا لو تأملت الآن من يؤلف من سنن المؤلفين أنه يذكر لك في المقدمة نقاط فيها فكرة عن الموضوع الذي سيتحدث عنه أشبه ما يكون بالفهرسة , فيكون عندك تصور عام , فأحيانا قد يكون العنوان لا يهديك إلى تفاصيل الموضوعات , وعندنا نفس القضية لما نقول سورة البقرة فسورة البقرة فيها تفاصيل كثيرة جدا وحادثة البقرة هي جزء بسيط من هذه التفاصيل .
الدكتور عبد الرحمن الشهري:قبل أن ندخل في سورة الفاتحة ما هي الكتب التي ترون أنها جديرة بالمطالعة حتى يعرف قارئ القرآن الكريم مقاصد السور وموضوعات السور وعلوم السورة .
الدكتور محمد الخضيري : أول ما يرجع إليه في هذا - من وجهة نظري - كتب التفسير , لأن كتب التفسير كثير منها يقدم للسورة بمقدمة قد تفيد في هذا الجانب وإن كانت قد لا تكون واسعة ومستوعبة ومشتملة على كل المطلوبات .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: خاصة بعض كتب التفسير المتقدمة تغفل هذا في الغالب ولا تفصل في موضوعات السورة
الدكتور محمد الخضيري : عندك التحرير والتنوير للطاهر ابن عاشور كل سورة يضع لها اسم السورة وفضل السورة وموضوعات السورة ومقصوداتها هذا يفيد في هذا الجانب .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: وفي كتب البقاعي ؟
الدكتور مساعد الطيار : في كتابيه مصاعد النظر في الإشراف على مقاصد السور , ونظم الدرر في تناسب الآيات والسور وهو كتاب كبير في التفسير ,وكتاب مصاعد النظر خاص بهذا الجانب فقط .
الدكتور محمد الخضيري : بين يدي كتاب قد يفيد في هذا الباب اسمه معاني سور القرآن الكريم واتحافات درره للدكتور جمعة عبد القادر .
الدكتور مساعد الطيار : أيضا كتاب بصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي - صاحب القاموس - , هذا الكتاب حقيقة فيه نفائس وطريقة للمؤلف لم يسبقه إليها أحد ولم يتبعه فيها أحد من المفسرين وهي جميلة جدا .. استفاد من مجموعة كتب و وضعها في كتابه على سبيل المثال المفردات : استفاد كثيرا من مفردات الراغب الأصفهاني وكفائدة علمية الفيروز آبادي يثبت الترادف و يشنع على من يقول بالفروق اللغوية - الدقيقة - بين الألفاظ المتقاربة ولكنه في هذا الكتاب يثبت الفروق وبعض الباحثين تساءل كيف ذهب الفيروز آبادي هذا المذهب وألف فيه في إثبات الترادف وكيف أنه يقول بهذا , والذي يظهر لي لأن الفيروز آبادي اعتمد على الراغب الأصفهاني في هذا الكتاب , والراغب من أكبر من يقول بقضية الفروق اللفظية وعلى العموم فهذا الكتاب نفيس ونافع وفيه أسلوب ومنهج جديد في طرح التفسير .. وهو كتاب يقع في ست مجلدات هناك فائدة أذكرها حول كتاب بصائر ذوي التمييز فقد كان مقدمة لموسوعة ضخمة في التفسير ويرها فالملك الذي في عهد الفيروز آبادي طلب منه تصنيف موسوعة وكان الملك متحمس للموسوعة وانجازها وكان الفيروز آبادي عضو في هذه اللجنة فبدأ الفيروز آبادي في وضع بصائر التميز في لطائف الكتاب العزيز على أساس أن يكون مقدمة ثم مات الملك فلما جاء أبنه بعده لم يتحمس للموضوع ولم يدعمه فأضطر الفيروز آبادي أن يخرج كتاب بصائر ذوي التميز على هيئته .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: نبدأ بالحديث عن سورة الفاتحة وعن تسميتها وموضوعاتها .
الدكتور محمد الخضيري : قبل ذلك ندعو إخواننا المشاهدين إلى أن يكون من عنايتهم عندما يريدون قراءة سورة من سور القرآن البحث عن هذه المقدمات سواء بالاستماع لها من خلال هذا البرنامج نسأل الله أن يوفقنا إتمام سور القرآن كاملة فيه , المهم قبل أن تدخل في تفاصيل أي سورة من سور القرآن الكريم احرص على معرفه هذه المضامين أو المقدمات التي تتضمن اسم السورة فضائل السورة مكان نزل السورة هل هو قبل الهجرة أو بعد الهجرة , موضوعات السورة , مقصود السورة مناسبة السورة لما قبلها فما هو وجه التناسب والارتباط بينها وبين ما قبلها , فهذه القضايا مهمة جدا من اجل أن يعرف الإنسان الأمر الذي تحدثنا عنه قبل قليل .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: من كتب المتميزة في هذا الموضوع قبل الدخول للسورة كتاب في ظلال القرآن لسيد قطب -رحمه الله - ففي مقدمة تفسيره لكل سورة يتحدث بتفصيل عن موضوعاتها ومقاصدها بأسلوب يستحق القراءة والاستفادة .
الدكتور محمد الخضيري : ويربط أيضا بين المقاطع عندما يحدد الهدف والمقصود الأعظم للسورة يحاول أن يربط بين المقاطع بناء على ذلك الهدف الذي حدده في أول السورة .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: نبدأ يا دكتور مساعد حول اسم سورة الفاتحة ونتحدث عنها .
الدكتور مساعد الطيار : الفاتحة لها أسماء كثيرة وهم يقولون أن كثرة الأسماء تدل على الأهمية هل هو مهم لأنه شريف أو مهم لأنه خطير كالأسد و السيف . و العجيب أن هذه السورة بالذات قد ثبتت التسمية النبوية لها بل و القرآنية دون غيرها من السور في الكثرة ,سميت فاتحة الكتاب.
الدكتور محمد الخضيري : لأنه أفتتح بها الكتاب
الدكتور مساعد الطيار : ومنها اختصرت وسميت الفاتحة , ومنه أم القرآن.
الدكتور محمد الخضيري : لأنها جامعة لمعاني القرآن.
الدكتور مساعد الطيار : وبعض أهل العلم قال لأن الفاتحة في أول المصحف فسميت بذلك وكذلك تسمى السبع المثاني
الدكتور محمد الخضيري : لأنها سبع آيات ولأنها تثنى في كل ركعة.
الدكتور مساعد الطيار : : وكذلك سميت بالقرآن العظيم وهذه تسمية قرآنية نبوية كما سيأتي بعد قليل , ومنها سورة الصلاة كما ورد في الحديث قسمت الصلاة بيني وبين عبدي , فسمي الجزء باسم الكل اعتناء به لأن الفاتحة جزء من الصلاة وسميت هي الصلاة .
الدكتور محمد الخضيري : فهذا يدل على أن هذا الجزء مهم في ذلك الكل حتى أنه يعبر عنه به , وأنه ركن فيه , وهكذا وضع الصلاة.
الدكتور مساعد الطيار : ومثله وقريب منه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( الحج عرفة ) مع أن عرفة جزء من الحج , إذن سميت الفاتحة بسورة الصلاة عناية بها.
الدكتور محمد الخضيري : والعكس صحيح , إذا سمي الكل باسم الجزء , دل على هذا, لأنه قال:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)} الحج,عبر عن الصلاة بالركوع دل على أن الركوع ركن في الصلاة .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: هنا سؤال , قوله صلى الله عليه وسلم "لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ,قد يسأل سائل ويقول لماذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم بفاتحة الكتاب ونحن نعلم أن المصحف ما جمع إلا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم , فلم يكن هناك مصحف مكتوب ومجموع يمكن أن نسميه كتاب وأن الفاتحة في أوله ؟
الدكتور مساعد الطيار : ولماذا لا نقلب ونقول أن هذا دليل على وجوده - أي الترتيب - في عهد النبي صلى الله عليه وسلم , و لا أذكر أن أحد استدل بهذا الدليل فلا أذكر أن أحد ممن تكلم عن ترتيب السور استدل بهذا الدليل فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) فهذا دليل على أن الصحابة يعرفون ترتيب هذه السورة وان الفاتحة المراد بها قول سبحانه وتعالى الحمد لله رب العالمين .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: وأيضا قوله الكتاب هذا معناه أما أن بعضهم جامع لهم المصحف مجموع عنده مرتب بهذه الصورة , لأن كل الذين يتحدون عن جمع المصحف يقولون انه بدأ في عهد أبي بكر الصديق .
الدكتور مساعد الطيار : السبع المثاني والقرآن العظيم : هذه اجتمع فيها ذكر الآية وتفسير النبي صلى الله عليه وسلم . في حديث أبي سعيد .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: نقول أن سورة الفاتحة سميت بالسبع المثاني والقرآن العظيم , طيب ما معنى هذه الآية:{ وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ) (87)} الحجر .
الدكتور مساعد الطيار : نقول أن هذا عطف صفات وليس عطف لغات , في قوله السبع المثاني والقرآن العظيم ,
الدكتور عبد الرحمن الشهري: إذن السبع الثاني هي الفاتحة والقرآن العظيم هو الفاتحة .
الدكتور مساعد الطيار : الرسول صلى الله عليه وسلم لما فسر هذا لأبي سعيد ماذا قال له؟ : قال : ( هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته ) يقصد الفاتحة لهذا ينتبه المسلم لأنه ورد خلاف بين المفسرين في تفسير السبع المثاني والقرآن العظيم . فبعضهم قال هي السبع الطوال , ومثل هذا القول أمام قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لا شك أنه يسقط كما يقول ابن حجر و إذا ثبت النص طاح ما دونه فما دام أنه ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها هي تسمى السبع المثاني .
فليلاحظ القارئ أن بعض العلماء من الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم أطلق تسميات وهي في الحقيقة أوصاف مثل الشافية والرقية والكافية .
طبعا الرقية بناء على حديث أبي سعيد الخدري لما مروا على قوم فاستطعموهم فلم يطعموهم فتنحوا عن الحي قليلا فجاءهم واحد وقال هل فيكم من راق فقام أحد الصحابة وقال : أنا اعرف الرقية وجعلوا لهم جعلا , فذهب ولما قرأ على الرجل برء وقد كان لديغا فأخذوا الجعل و أتو النبي صلى الله عليه وسلم وكأنهم شكوا في هذا الأمر كيف يأخذونه فذهبوا للنبي صلى الله عليه وسلم وأخبروه بذلك, فقال: وما يدريك أنها رقية؟ استعجابا من فهم الصحابي وقال اضربوا لي معكم سهما ,, وقد أخذ معهم سهما تطيبا لخواطرهم وهذه القضية لو كان في الوقت يسمح لكي نبين منزلة النبي صلى الله عليه وسلم في قلوب المسلمين وكيف أن بعض الناس قد يقولوا ما هذا كيف يأخذ منهم , فنقول : لابد أن تعلم أن هذا أحب إلى قلوبهم مما لو لم يأخذه .
الدكتور محمد الخضيري : هذا واحد, الثاني أنه هو المعلم الأساسي لهذا الأمر فله حق عليه الصلاة والسلام.
الدكتور عبد الرحمن الشهري: وأخذه عليه الصلاة والسلام منها , دليل على أنها في غاية الحل والإباحة .
الدكتور مساعد الطيار : لما قال صلى الله عليه وسلم وما يدريك أنها رقية ؟ هي من السنة الإقرارية فهو من باب السنة الإقرارية , فقد أقره أنها رقية .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: فالسؤال كان استعجابا من فهم الصحابي وكيف عرف أنها رقية .
الدكتور مساعد الطيار : في فائدة مرتبطة بهذا مهمة جدا , وهي نلاحظ في الأيام الماضية في بعض القنوات في الشريط الإعلاني يقول من أرادت أن تتزوج فلتقرأ سورة البقرة كذا مرة فإني سمعت شيخ يقول كذا , والحجة عندهم أنها مجربة , القرآن كما قال سبحانه وتعالى :{ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)} الإسراء , فكونه شفاء للأبدان وشفاء للروح هذا ثابت بلا خلاف , ولكن تبقى القضية الثانية وهي أن التجارب قد تختلف من شخص لآخر.
الدكتور محمد الخضيري : حسب إيمانه وتوكله .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: فنجاحها لدى شخص لا يعني بالضرورة نجاحها مع غيره .
الدكتور مساعد الطيار : وأيضا قضية صدق النية أني أتوجه إلى الله بكلامه سبحانه وتعالى قصدا أن يحصل لي كذا وكذا فقد يحصل لي ولا يحصل لفلان , وقد يقرأ أخر بسورة أخرى بقصد آخر فيحصل له ما حصل لي, هذه التجارب ليست قواعد عامة
فلا نقول من قرأ سورة كذا حصل له كذا إلا إن ثبت عليها أجماع والإجماع في هذه المسائل عزيز ..
الدكتور محمد الخضيري : أو نص في ذلك.
الدكتور عبد الرحمن الشهري: كونها تجربة فهل يمنع لو جرب الشيخ محمد تجربة في سورة من السور ونفعت , هل هناك مانع شرعي من أنه ينقل هذه التجربة ويقول أنا أنصح بكذا ؟
الدكتور محمد الخضيري : هذه محل إشكال.
الدكتور مساعد الطيار : : نحن نقول أنها حتى لو ثبتت لفلان قد لا تحصل للآخر , فلما يتعلق الإنسان بهذه الطريقة ويفعل مرة بعد مرة ولا يحصل له .. ربما يقع في نفسه شيء تجاه القرآن , ولهذا الإنسان يجرب بنفسه مع نفسه يعني لما بعض الرقاة يقول لك هذه الآيات تنفع مع السحر وهذه تفيد في العين , نعم يمكن نقل هذا بناء على تجارب أكثر من واحد وتكون بالفعل نجحت فنحن نعلم يقينا أن القرآن كله نافع .
الدكتور محمد الخضيري : بمناسبة الحديث عن السبع المثاني في قوله تعالى : { وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ } الحجر, أريد أن أخذ من هذه الآية دليل على ما أريد أن أتحدث عنه وهو هل هذه السورة هل هي مكية أم مدنية ؟
الدكتور عبد الرحمن الشهري: :مكية .
الدكتور محمد الخضيري : كيف عرفنا ذلك ؟
الدكتور عبد الرحمن الشهري: لأن سورة الحجر الذي جاء فيها قوله تعالى : {وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ } هي مكية بالإجماع, وطالما جاءت فيها الإشارة إلى الفاتحة فهي مكية بلا شك .
الدكتور محمد الخضيري : الحقيقة اختلف العلماء في ذلك فمنهم من قال أنها مكية ومنهم من قال إنها مدنية ومنهم من قال أنها نزلت مرتين ولكن الذي يظهر إنها مكية أولا بهذه الآية التي أشارت إليها وهي مكية بالإجماع , ثانيا قال بعض العلماء أنه لم تعرف صلاة بلا فاتحة فمن أول ما فرضت الصلاة فرضت معها الفاتحة والصلاة فرضت في مكة فدل ذلك على أن الفاتحة كانت موجودة قبل الهجرة وتسمى بذلك مكية .
يأتي السؤال الآخر طالما رجحنا أنها مكية ما هو فائدة العلم بهذا ؟ هل هو من طريف العلم وفضوله أو هو من الأمور المهمة لمن أراد أن يفهم التفسير والقرآن ؟
الدكتور عبد الرحمن الشهري: هو من الأمور المهمة جدا .
الدكتور محمد الخضيري : لماذا ؟
الدكتور عبد الرحمن الشهري: لأسباب كثيرة جدا منها أولا أن تعرف الناسخ والمنسوخ بناء على معرفتك بالمكي والمدني , المتأخر والمتقدم .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: أريد أن أشير لمسألة فقد ذكر الدكتور مساعد قبل قليل حديث هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته هذا حديث أبي سعيد المعلى الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم سأخبرك بأي سورة في القرآن أعظم قبل أن تخرج من المسجد قال فنسي فقلت للنبي صلى الله عليه وسلم وذكرته فقال الفاتحة هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته , أليس هناك فهم آخر لموضوع السبع المثاني و القرآن العظيم أن معنى النص السبع المثاني هي الفاتحة و القرآن العظيم هو القرآن المتبقي ؟
الدكتور محمد الخضيري : لكن النص يقول هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته وهو يعني الفاتحة .
الدكتور مساعد الطيار : من لطائف نفس الآية :
علم عد الآي تجد أنه قد نص عليه في هذه الآية إذ سماها السبع المثاني .
الدكتور محمد الخضيري : ولذلك أجمع العلماء قاطبة أن سورة الفاتحة سبع آيات و إن اختلفوا هل البسملة معها أو لا , فليست ثمان ولا ست .
و إن كنت أرى أنها سبع بلا البسملة للحديث مسلم القدسي قسمت الصلاة بيني وبين عبدي وبدأ بقول الحمد لله رب العالمين ثم إذا عددت النصفين وجدت أن
وهي ثلاث ونصف لله وثلاث ونص للعبد
الحمد لله رب العالمين,
الرحمن الرحيم,
مالك يوم الدين,
إياك نعبد ... هذه ثلاث ونصف لله,
وإياك نستعين,
أهدنا الصراط المستقيم,
صراط الذين أنعمت عليهم,
غير المغضوب عليهم ولا الضالين ..
وهذه ثلاث ونصف للعبد,
ولو قلنا أن البسملة داخلة في عد الآي لأشكل هذا صار هناك أربع آيات وثلاث آيات وهذه مشكلة .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: استغرب من الذين يسوقون الخلاف في هذه المسألة مع وضوح الدليل , وهو الحديث القدسي وهو صحيح قسمت الصلاة هذا دليل واضح على أن البسملة ليست من آيات سورة الفاتحة .
الدكتور محمد الخضيري : وإنما هي آية مستقلة أنزلت للفصل بين السور وهذا رأي ابن عباس وهو مرجع في هذا الباب.
في سورة تبارك قال سورة ثلاثون آية شفعت لصاحبها .. والعلماء مجمعون أنها ثلاثون بدون البسملة .
الدكتور مساعد الطيار : وهناك أدلة أخرى ولكن لا نريد أن نطيل في هذا ولكن أحينا المذهب الفقهي قد يتأثر من يرى أن بسم الله الرحمن الرحيم آية من الفاتحة فيجهر بها في الصلاة كالشافعية ..
الدكتور عبد الرحمن الشهري: انتهينا من أسماء الفاتحة و وصلنا لتسع تسميات الفاتحة أم الكتاب الشافية الكافية الرقية الصلاة القرآن العظيم السبع المثاني , أسماء كثيرة !
الدكتور محمد الخضيري : وهذا يدل على شرفها وعلو منزلتها وأنها اشرف شيء في الكتاب , هذا قد يسوقنا إلى مبحث قد يؤدي إلى إشكال بين الناس كيف تقول أنها أعظم واشرف ما في القرآن , هل هناك تفاضل بين آيات القرآن وسوره ؟ الذي يظهر أن المعنى الذي نحققه الآن يدل على ذلك وإن كان القرآن كله غاية في الشرف والمكانة والمنزلة إلا أن بعضه أشرف من بعض وربك يخلق ما يشاء ويختار هذا بين الرسل والمخلوقات الأخرى وكذلك في الكلام , أعظم آية ؛آية الكرسي أعظم سورة ؛ سورة الفاتحة .. سورة الإخلاص؛ تعدل ثلث القرآن ..
الدكتور عبد الرحمن الشهري: وطبعا هذه المسألة ذكرها العلماء وهل يجوز التفضيل بين الآيات أو السور في القرآن الكريم لفعل النبي صلى الله عليه وسلم لذلك يقول السيوطي : وإني لأستعجب ممن يرى عدم الجوار في المفاضلة بين آيات القرآن , والنبي - صلى الله عليه وسلم - هو الذي يقول أعظم سورة في كتاب الله وأعظم آية في كتاب الله .
الدكتور مساعد الطيار : هو أذن مثل ما يقول ابن حجر إذا ثبت النص طاح ما دونه ونحن لو كنا نعتمد النص لزال الإشكال , ولكن بعض الأحيان تأتي بعض الشبهة العقلية , التي تؤخر هذه الآثار والأحاديث فيقدم الشبه العقلية بناء على أنه كيف يتفاضل كلام الله وكلام الله واحد فتقع عنده الإشكالية ..
الدكتور عبد الرحمن الشهري: المسألة لها جانبان الذين يرون جواز التفاضل يستدلون بالحديث والذين يرون عدم الجواز يقولون لأنه يفضي إلى التقليل من شأن بعض السور فلما تقول هذه السورة أفضل من هذه السورة قد يوهم أن السورة تلك ناقصة , وهذا غير صحيح .
الدكتور مساعد الطيار : هو كله قد تعدى في الفضيلة واحدة ولكن صار بعده أفضل من بعض مثل قضية هل في آيات القرآن أبلغ من بعض , نفس القضية كله في درجة واحدة من البلاغة ثم يتفاضل في البلاغة .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: ما رأيكم في استنتاج السيوطي ؟ يقول النبي صلى الله عليه وسلم قال أعظم سورة سورة الفاتحة , و قال أي آية في القرآن أعظم قال آية الكرسي , وقال قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن , فالسيوطي نظر لكل الآيات التي فضلت عن البقية وما هو القاسم المشترك بينها كالفاتحة و الكرسي والإخلاص , فوجد إنها كلها تتكلم عن الله ذاته وصفاته .
الدكتور مساعد الطيار : والكلام عن الله أشرف الكلام .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: بالضبط , فقال إذن ما كان عن الله فهو أشرف من غيره ما رأيكم في استنباطه ؟
الدكتور الخضيري والدكتور مساعد : جميل جدا .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: ممكن أن تأتي الآن لآيات مثل الآيات في أواخر سورة الحشر وهو قوله تعالى : { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)} وتقول هذه الآيات أفضل من آية تبت { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)} . بناء على الموضوع الذي تتحدث عنه.
الدكتور محمد الخضيري : أيضا شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - لما جاء لأدعية الاستفتاح قال أفضلها سبحانك اللهم وبحمدك أفضل من اللهم باعد بيني وبين خطاياي قال لأن هذا فيه تسبيح وتنزيه لله عز وجل وهذا فيه دعاء والثناء على الله أبلغ من الدعاء ..
الدكتور مساعد الطيار : : أيضا هناك فائدة مرتبطة بأسماء السور قد يسأل عنها كثير .. فقد ذكرنا أن سورة الفاتحة لها أكثر من اسم وذكرنا أن بعض السور لها اسم واحد معروفه به ,, قد يقول قائل هل هذه التسميات الشافية والكافية كما ذكرناها واردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض العلماء جاء يبحث في هذا الموضوع و انطلق من مسألة التوقيف والاجتهاد ,وعندي إشكالية في هذا المصطلح فإذا قلنا بالاجتهاد ينعدم التوقيف وإذا قلنا بالتوقيف ينعدم الاجتهاد وهذا فيه إشكال ولكن إذا قلنا أن بعضها بالتوقيف وبعضها بالاجتهاد فهذا قول ثالث والذي ظهر لي أن الأولى أن نقول أن تسمية السور على مراتب المرتبة الأولى ما ثبتت تسميته عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل السبع المثاني و أم الكتاب.
والمرتبة الثانية ما ثبت تسميته عن الصحابي وهو في المرتبة الثانية لأنه احتمال سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم, والبخاري روى عن ابن عباس -رضي الله عنه - أن سعيد بن جبير- رحمه الله - سأله عن سورة الأنفال قال تلك سورة بدر وكذلك وسألته عن سورة الحشر فقال تلك سورة بني النضير هذه تسميات للسورة فقد يكون سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم أو سمعها ممن سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد يكون باجتهاد .. وتسمية الصحابي جعلناها في المرتبة الثانية لهذه العلة ,ومن دون الصحابي وهو من التابعين إلى يومنا هذا مرتبة ثالثة والناس قد يتعارفون على تسمية معينة ولكن الغالب في تسمية الناس أنها منتزعة من مبادئ السورة "سورة لم يكن" , " سورة طه" هذه من مبادئ السور, وغالب عمل الكتاتيب على هذا , و قليل جدا أن تسمى سورة من خلال موضوعاتها مثل سورة النحل يسمونها سورة النعم هذا اجتهاد لأنها تحدثت عن نعم كثيرة وفيها قوله:{ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18)} النحل , وهذا من باب الاجتهاد في التسميات المقصد من ذلك نبتعد عن مسألة التوقيف والاجتهاد لأن الأمر فيه فسحة وسعة , فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بإلتزام تسمية معينة ولم ينهى عن تسمية معينة فدل على أن الأمر فيه سعة .
الدكتور محمد الخضيري : ولكن متى ثبت الاسم عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو أولى , وهذا يدعونا لأن نفكر لماذا اختار النبي صلى الله عليه وسلم هذا الاسم دون غيره من الأسماء الموجودة في السورة , يعني سيكون له من الحكمة والمزية مالا يكون لغيره من الأسماء .
الدكتور مساعد الطيار : أيضا فيه فائدة في اسم أم الكتاب قد يقول البعض عند قوله تعالى : { وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} (4) الزخرف, أنا سمعت منكم أن أم الكتاب هي الفاتحة وأن الرسول صلى الله عليه وسلم سماها أم الكتاب , وهنا هل تفسر أم الكتاب بأنها الفاتحة ؟ ..
الجواب: لا هنا شيء أسمه علم النظائر والأشباه , فهذا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وهذا من كلام الله , فالفاتحة التي سماها النبي صلى الله عليه وسلم أم الكتاب ليس المراد بها ماهو مقصود في هذه الآية فالآية تقصد اللوح المحفوظ .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: هنا مسألة لو تلاحظون الاختلاف في أسماء السور بين المصاحف المطبوعة فتجد فيها سورة الفاتحة سورة البقرة سورة آل عمران الأسماء المعروفة يختارون الاسم الذي عليه معظم الناس والخلاف يكون في سور محدود مثل سورة الإسراء بعضهم يكتبونها سورة بني إسرائيل و سورة غافر يكتبون سورة المؤمن سورة محمد يكتبون سورة القتال ..أما بقية السور فهي الأسماء المعروفة الموجودة في المصاحف فالأغلب متفق في التسمية .
الدكتور مساعد الطيار : مع البحث قد تجد في مصاحف قديمة بعض الأسماء والمبحث هو مبحث لطيف .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: في كتاب للكاتبة منيرة الدوسري, اسمه أسماء سور القرآن الكريم وآياته , فكان الأشياء الجيدة في البحث أنها تتبعت الأسماء القديمة كي تنظر في التسميات السور فوجدت بعض التسميات الغير مشهورة .
والآن نذكر فضائل سورة الفاتحة من فضائلها الحديث الذي ذكرناه عن أبي سعيد رافع بن المعلى رضي اللَّه عنه قال: قال لي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «ألا أعلمك أَعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد؟ فأخذ بيدي، فلما أردنا أن نخرج قلت: يا رسول اللَّه إنك قلت أعلمنك أعظم سورة في القرآن قال :{الحَمْدُ للَّهِ رَبِّ العَالمِينَ} هي السبع المثاني و القرآن العظيم الذي أوتيته » رواه البخاري.

ومنها حديث عن ابن عباس رضي الله عنهما في صحيح مسلم ، قال : « بينا جبرائيل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضا من فوقه ، فرفع رأسه ، فقال : هذا باب من السماء فتح اليوم ، لم يفتح قط إلا اليوم ، فنزل منه ملك ، فقال : هذا ملك نزل إلى الأرض ، لم ينزل قط إلا اليوم ، فسلم ، وقال : أبشر بنورين أوتيتهما ، لم يؤتهما نبي قبلك : فاتحة الكتاب ، وخواتيم سورة البقرة ، لن تقرأ بحرف منهما إلا أوتيته »
فأطلق عليهما نورين وهذا من الأحاديث التي تدل على فضل سورة الفاتحة وسورة البقرة أيضا
و إن كان هذا الحديث ورد في أواخر سورة البقرة وهذا يجرنا إلى الحديث عن المناسبة بين سورة الفاتحة وأواخر سورة البقرة ما في المناسبة بينهما ولماذا سميا بهذا الاسم .
هل تذكرون أي حديث في فضائل الفاتحة غير هذان الحديثان؟
الدكتور محمد الخضيري : طبعا حديث الرقية فسماها رقية وهذه فضيلة لها وحديث قسمت الصلاة بيني وبين عبدي وحديث لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب وحديث كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج أي ناقصة كالخديج الطفل الذي ينزل من بطن أمه قبل ميعاده .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: نأتي للحديث الذي قد نختم به وهو موضوع مقصد سورة الفاتحة نتحدث عنه الآن .
الدكتور مساعد الطيار : الحديث عن المقصد يحتاج لوقت فلم لا نكمل في الحديث عن الفضائل , في فائدة مهمة جدا للمسلم.
أن يبحث في السورة التي ذكر فيها فضائل مثل ما ذكرت عن السيوطي - رحمه لله - أنه أنقدح في ذهنه أن يبحث عن ما هي الموضوعات المرتبطة بهذه السور فأقول حري بنا كمسلمين أن ننظر للسور التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن فضائل فيها ونبحث في معاني هذه السور , فمثلا سورة الكهف من حفظ عشر آيات من أولها عصم من فتنة الدجال .. ما العلاقة بين الدجال وهذه السورة , فالرسول صلى الله عليه وسلم ما قال هذا إلا وهناك علاقة بلا شك فلعلنا نأتي على سورة الكهف إن أمكن ذلك ونتكلم عن هذا وكيف أن الكهف الذي أوى إليه الفتية وأنه آواهم من هؤلاء المشركين الذين أرادوهم بسوء وأن سورة الكهف , كهف يحمي المسلم من الدجال , المقصد من ذلك أن يكون لدينا عناية بالسور التي ورد فيها فضائل ولو أن بعض طلاب العلم انبرى في الكلام عن موضوعات هذه السور والآيات وتفسيرها تفسير مجملا يصل إلى عامة الناس يكون شيء طيب .. بحيث تكون السور التي اختصت بفضائل مجموعة في مكان واحد.
الدكتور محمد الخضيري : لكن السور و الآيات التي لها فضائل التي ثبتت قليلة جدا في جانب ما يذكره المفسرون عن فضائل القرآن لذلك نقول للمسلمين انتبهوا فأكثر ما يروى في هذا الباب هو من باب الضعيف وأحيانا الموضوع ..
الدكتور عبد الرحمن الشهري: وفي الحديث المشهور لأبن أبي مريم الذي يقول رأيت الناس انصرفوا للمغازي والسير وتركوا القرآن فوضعت لهم حديث في فضائل سور القرآن وكل سورة فيها حديث .
والعجيب أن بعض المفسرين ممن ليس لهم عناية بالحديث أورد هذا الحديث!
الدكتور محمد الخضيري : مثل الزمخشري.
الدكتور مساعد الطيار : وقبله الثعلبي .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: لعلنا نناقش هذا في الجلسة القادمة فقد انتهى الوقت .

[align=center]سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك .[/align]
[align=left]انتهى اللقاء[/align]
 
شكرا لك عزيزتي .. لكن ليتك وضعت أوقات عرض البرنامج.
 
الأخت لطيفة ,,,
يعرض البرنامج يوميا على قناة المجد العلمية الساعة الرابعة عصرا بتوقيت مكة المكرمة .
ويعاد على قناة المجد العامة بعد صلاة الفجر .
بارك الله في كل من مر وشارك ..
 
اللقاء الثاني

اللقاء الثاني

[align=center]
3.gif
[/align]

[align=center]اللقاء الثاني [/align]

موضوع اللقاء الرئيسي:
- في مقاصد سورة الفاتحة وموضوعاتها .
موضوعات اللقاء الفرعية:
- تتمة الحديث عن الأحاديث الموضوعة في فضائل السور.
- تناسخ الفوائد في كتب العلماء.
- معايير لضبط السور التي له فضل عن غيرها .
- حديث أبي عصمة الموضوع في فضائل السور.
- تعدد مقاصد السورة الواحدة.
- مقاصد السور إجتهادية .
- معنى توقيفي واجتهادي.
- مقصد سورة الفاتحة.
- معايير تحديد مقاصد السورة.
- أسباب أختلاف المفسرين في تحديد مقاصد السورة.
- طريقة البقاعي في تحديد مقاصد السور.
- الفرق بين مقاصد السورة وموضوعاتها.
- موضوعات سورة الفاتحة.
- التناسب بين أول سورة في القرآن وآخر سورة .

[align=center]
21.gif
[/align]

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد :
الدكتور عبد الرحمن الشهري:انتهينا في اللقاء السابق على تنبيه الدكتور محمد الخضيري على أن الكثير من أحاديث فضائل السور ليست صحيحة.
الدكتور محمد الخضيري : صحيح كثير ما يأتي السؤال عن سورة كذا وهل فيها من فضيلة وسورة كذا هل فيها من فضيلة , ونقول أن فضائل السور غالبها أحاديثها ضعيفة بل بعضها يصل للموضوع, و السور والآيات التي ثبت لها فضائل قليلة بالنسبة للقرآن الكريم, فعلى المسلم إذا سمع شيئا غريبا أن يتأكد منه ,لأن الأصل في هذا الباب أن غالبه ضعيف وليس من الصحيح ,وأن الثابت في هذا الجانب قليل, أليس كذلك يا دكتور مساعد ؟
الدكتور مساعد الطيار : صحيح وأيضا من باب الفائدة لو رجعنا للمفسرين نجد أن اللذين لم يكن لهم صنعة في علم الحديث هم الذين ذكروا هذا الحديث الموضوع الذي ذكرته يا أبا عبد الله في الحلقة الماضية وهو حديث أبي عصمة فأول من رواه في تفسيره هو الثعلبي وكان يجعله في مقدمة كل سورة وهو أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي توفي سنة 427 هـ
صاحب كتاب الكشف والبيان في تفسير القرآن , ثم أخذه عنه الواحدي في تفسيره الوسيط ..
ثم أخذه عنه بعد ذلك فئام من الناس منهم الزمخشري , و الزمخشري أعتمد عليه كثير ممن جاء بعده مثل البيضاوي فأخذه عنه , وهذه فائدة ينتبه لها قارئ التفسير وهي ما قد نسميها تناسخ الفوائد : أي العالم يأخذ الفائدة عمن قبله وإن لم ينسبها إليه, وهذا كثير في التفسير أو في العلم عموما , لأن العلم في النهاية محصور , بعض الناس قد يقول لماذا يفعلون هذا ؟ فنقول هم يفعلون هذا لأن العلم في النهاية محصور فلا يستطيع الإنسان أن يأتي بجديد .. وكونه يأخذ من هذه المعلومات فليس بمشكل جدا , لكن نحن لأننا ولعنا بالجديد .. ما لجديد ما لجديد , صار عندنا هذا الهاجس ..
الدكتور عبد الرحمن الشهري: بعد أن ظهرت برامج الحاسب الآلي الآن وأصبحت أتتبع كلام المفسرين حسب ترتيب الوفيات فتجد هذه الظاهرة واضحة جدا أن المتأخر يأخذ عن المتقدم نقلا كثيرا , ولا توجد أشارة فالبرامج الحاسوبية بينت هذا النسخ.
الدكتور مساعد الطيار :وهو متقدم كثير عنه فالفراء توفي سنة 207 هـ و الزمخشري توفي سنة 538 هـ , فسبحان الله , بعدها بدأت أرتب الكتب أمامي على حسب الوفيات وأنا أبحث , و كنت أرتب كتب التفسير فقط على الوفيات , وقد استفدت من هذا الترتيب فوائد كثيرة جدا , فبنظرة واحدة تستطيع أن تعرف هذا القرن كم من تفسير مطبوع فيه, وأحيانا هذا القرن مَن مِن المؤلفين فيه , وأحيانا تبنى على ذلك فوائد جميلة جدا .
الدكتور محمد الخضيري : في مسألة الفضائل بودي لو أن هناك مسألة أثرناها ولو لم نجب عليها وهي مسألة ليست من متين العلم ولكنها مفيدة , هل يعد من فضائل السور كون النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأها في صلاة ما ويكررها في صلاة ما , هل يعتبر ذلك من الفضائل ؟ أو أن الفضيلة مقصورة فقط على وضع رغيبة أو أجر على هذه السورة؟ أنا أظن أن هذا محل نظر .. فمن الممكن أن يقال أن هذا - أي فعل النبي صلى الله عليه وسلم - وسيلة من وسائل تفضيل سورة على أخرى .. ويقال أن من فضائلها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأها مثلا في صلاة الوتر أو الجمعة .
الدكتور عبد الرحمن الشهري:وهذا وجه وجيه.
الدكتور مساعد الطيار : وهذا يبدو كعمل من فات في وضع فضائل القرآن على هذا ,أنهم ينظرون إلى مدى عناية الرسول - صلى الله عليه وسلم - بسورة ما أو آية معينة كقوله تعالى : { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) } آل عمران , فكونه يخصص هذه الآيات لهذا الوقت فهذا نوع من الاختيار والتناسب أيضا , وكونه يقرأ سبح والكافرون في الشفع ويقرأ قل هو الله أحد في الوتر و يداوم عليها ..
الدكتور عبد الرحمن الشهري:فهذا يدخلها من ضمن السور التي لها فضائل , أريد أن اذكر بصنيع أبي عصمة ابن أبي مريم يقول أنه لفت نظره انجراف الناس للمغازي وانشغالهم عن القرآن الكريم فقال لنفسه لو وضعت لهم حديثا .. انظر سبحان الله التهاون في الوضع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه يكذب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقول قال النبي - صلى الله عليه وسلم - كذا وهو يأتي بحديث من رأسه .
الدكتور مساعد الطيار : قالها وهو يكذب على زعمه من أجله .
الدكتور عبد الرحمن الشهري:نعم يقول أنا كذبت له وما كذبت عليه , فبدأ يأخذ سور القرآن الكريم ويضع حديث من قرأ سورة كذا فله كذا حتى أتى على سور القرآن كله وكل هذا من رأسه.
لذلك يقول العراقي في ألفيته :
[align=center]
225. شَرُّ الضَّعِيْفِ : الخَبَرُ الموضُوْعُ
الكَذِبُ ، المُختَلَقُ ، المَصْنُوْعُ
226. وَكَيْفَ كَانَ لَمْ يُجِيْزُوا ذِكْرَه
لِمَنْ عَلِمْ ، مَا لَمْ يُبَيِّنْ أمْرَهْ
227. وَأكْثَرَ الجَامِعُ فِيْهِ إذْ خَرَجْ
لِمُطْلَقِ الضُّعْفِ، عَنَى:أبَا الفَرَجْ
231. نَحْوَ أبي عِصْمَةَ إذْ رَأَى الوَرَى
زَعْمَاً نَأوْا عَنِ القُرَانِ ، فافْتَرَى
232. لَهُمْ حَدِيْثَاً في فَضَائِلِ السُّوَرْ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، فبئسَمَا ابْتَكَرْ
233. كَذَا الحَدِيْثُ عَنْ أُبَيٍّ اعْتَرَفْ
رَاوِيْهِ بِالوَضْعِ ، وَبِئسَمَا اقتَرَفْ
234. وَكُلُّ مَنْ أوْدَعَهُ كِتَابَهْ
- كَالوَاحِدِيِّ - مُخْطِيءٌ صَوَابَهْ[/align]


الدكتور مساعد الطيار : سبحان الله , قبل البرامج الحاسوبية لما كنت أبحث خلال الماجستير هداني الله لطريقة ثم سمعت أن بعض من له عناية بالكتب يفعل هذا بمكتبته كلها ,رتبت كتب التفسير حسب الوفيات , وكان هذا مقصدي والذي هداني لهذا أني كنت أبحث عن فائدة ذكرها الزمحشري فوجدت أن الفراء قالها قبله و أنتم ذكرتم أن أول من أورده في كتابه الثعلبي وتبعه الناس فيما بعد لذلك ينبغي التحذير من هذا الحديث الذي وضع في فضائل السور ووزع على سور القرآن عند بعض المفسرين .
الدكتور محمد الخضيري : وها هنا مسألة مهمة جدا أنبه عليها , عامة من يدخلون في كتب العلم وخصوصا كتب المتقدمين, أن لا يغره مكانة إنسان وعلمه وفضله أو مكانة كتابه أن يتحقق من مسائل ويتثبت, ولا يأخذ هذه الأمور مسلَّمات , فأبي عصمة ابن أبي مريم هذا قاضي ومع هذا وضع ما وضع , والثعلبي إمام من أئمة المسلمين في علوم شتى , و الواحدي كذلك في اللغة والقراءات , الزمخشري في البلاغة , البيضاوي قاضي في عهد الدولة العثمانية ,كل هؤلاء تتابعوا في ذكر هذا الشيء .
الدكتور عبد الرحمن الشهري:هذا شيء مستغرب لماذا يتهاونون مع فضلهم وعلمه وبلاغتهم في إيراد مثل هذا الحديث هل هذا لأنهم يرون أن إيراد الحديث الضعيف في مثل هذه الموضوعات لا يضر , كما يذكر عن بعض المتقدمين أن الحديث إذا كان في فضائل الأعمال فإنه يتساهل في رواية الحديث ؟
الدكتور محمد الخضيري : هذا إذا كان ضعيفا أما إذا كان موضوعا فليس محلا له مثل هذا الكلام .
الدكتور مساعد الطيار : بعض العلماء انتقدا هؤلاء بأنهم لم يكونوا أصحاب صنعة في الحديث.
الدكتور عبد الرحمن الشهري:في تصوري الشخصي أن هذا لا يحتاج إلى من يكون متخصص في الحديث .. يعني الواحدي عالم لا شك في التفسير واللغة و مثل هذا الحديث واضح أنه موضوع , حتى من صياغته ففي بعضها ورد فله سبعين ديك وفي كل ديك سبعين ريشة ..
الدكتور محمد الخضيري : أنا أقd
 
أحسن الله إليك وجزاك خيرا.
وتفريغ الحلقات مفيد كثيرا. وأرجو أن يستمر حتى تتوفر لدينا جميع الحلقات.
 
هذا جميل جداً ، خطوة تشكرون عليها ، أشد على إيديكم بالمضي في هذا المشوار ...
 
جزاك الله خيرا...
و الحلقة الثانية كأنها غير تامة !
 
لا أعلم لماذا لم يظهر تفريغ الحلقة الثانية كاملا فقد أرسلته كاملا سأحاول أن أكمله في الرد التالي - إن شاء الله تعالى -
 
تتمة اللقاء الثاني

تتمة اللقاء الثاني

الدكتور محمد الخضيري : أنا أقول مما يوصى به في هذا المقام الرجوع إلى تفسير ابن كثير بحكم أن هذا الرجل كان مفسرا ومحدثا , فالروايات ينخلها ويتكلم عليها , ويذكر الغريب من الضعيف من الموضوع من الموقوف من المقطوع , ويعطي أحكام في هذا الباب.
الدكتور مساعد الطيار : وله عناية بفضائل السور ويذكرها في مقدمة كل سورة .
الدكتور محمد الخضيري : فهو مرجع في هذا الباب , وفي هذا الزمن كتاب لسمير زهيري اسمه موسوعة فضائل السور يمكن أن يرجع لها في هذا الباب فهو قد تكلم في كل هذه القضايا وحكم عليها بما يناسب.
الدكتور مساعد الطيار : اطلنا في موضوع الفضائل ونرجع لسؤال الحلقة السابقة وهو المقاصد .
الدكتور محمد الخضيري: الحقيقة أن الحديث عن المقاصد حديث مهم جدا في معرفة الإنسان لمقصود السورة لأن ذلك هو الذي يفهم الإنسان مقاطع السورة وكل قضاياها .
الدكتور عبد الرحمن الشهري:طبعا يا دكتور محمد هل تقصد أن لكل سورة مقصد واحد أساسي ؟
الدكتور محمد الخضيري : قد يكون هذا , وقد يكون لها أكثر من مقصد إذ لم نهتدي للمقصد الجامع , فقد يقال أن هذه السورة لها مقصدان وقد يقال أن لهذه السورة ثلاث مقاصد عامة, والحقيقة هذا محل اجتهاد , أحيانا يتضح من السورة كلها أنها ذات مقصد واحد خصوصا في السور القصيرة , مثل القارعة واضح جدا أن الحديث عن القيامة فلا يوجد أي إشكال في هذا الأمر.
وفي سورة الإخلاص الحديث عن الرب , وفي المعوذتان ذكر الشرور التي تجتاح الإنسان, وفي سورة الضحى النعم الحسية على رسول الله صلى الله عليه وسلم , وفي سورة الشرح النعم المعنوية على الرسول صلى الله عليه وسلم , وفي سورة الليل الإنفاق وما يتصل به.
أما بعض السور فتشكل عليك , مثلا لو جئت لسورة مثل آل عمران هل هي عن غزوة أحد أو هي عن النصارى الذين جاؤوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ونزلت فيهم قرابة بضع وثمانين آية من هذه السورة , وهكذا بعض سور القرآن , فنقول هذا محل اجتهاد لأهل العلم , يعني مسبح كل يخوض فيه بما يراه وعلى الإنسان أن يجتهد ويبحث عن ما يراه أكثر لصوقا بهذه السورة ووضوحا في آياتها .
الدكتور مساعد الطيار : يعني يا أبا عبد الله المقصد أن مقاصد السور اجتهادية هذا في الأصل ؟
الدكتور محمد الخضيري : نعم .
الدكتور عبد الرحمن الشهري:كررنا كم مرة كلمة توقيفي واجتهادي وقد يكون بعض المشاهدين لا يعرف معناها , فالتوقيفي المقصود بها أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي ذكره ونص عليه , فعندما نقول سورة الفاتحة اسمها التوقيفي الفاتحة , فهذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد سماها بهذا الاسم فكأنما أوقفنا على هذا الاسم لا نتعداه .. فنقف عنده هذا هو المعنى .
أما الاجتهادي فهو الاجتهاد من بعد النبي -صلى الله عليه وسلم - سواء قام به الصحابة أو التابعون أو أحد العلماء يجتهد فيسمي هذه السورة باسم آخر غير الذي سميت به .
الدكتور مساعد الطيار : الآن يا أبا عبد الله في مسألة مقاصد السورة قد يسأل سائل فيقول كيف اهتدي إلى مقصد السورة وهذا سؤال مهم جدا , سأبدأ الحديث بأن أقول أننا لما تكلمنا عن الأسماء النبوية وأشرتم في اللقاء السابق إلى أن الاسم النبوي بالنسبة لنا يكون محط نظر , في كون النبي صلى الله عليه وسلم وهو الحكيم سمى هذه السورة بهذا الاسم فما يصدر عنه يكون من أجل حكمة , فيكون إذن أول ما ننطلق منه لتبين المقصد هو اسم السورة فنربط بين مقصود السورة واسم السورة .. فهو أحد المرتكزات هذا إذا كان اسم السورة من الأسماء النبوية .
الدكتور محمد الخضيري : الثاني في نظري مقدمة السورة ففي الغالب بالتتبع تجد أن مقدمة السورة هي المنطلق لفهم كل قضايا السورة ..
الدكتور مساعد الطيار : وهو ما يسمى عند البلاغيين براعة الاستهلال .
الدكتور محمد الخضيري : فتلاحظ أنه كثير من المفسرين إذا أراد أن يستخرج مقصد السورة يلتفت إلى المقدمة ويحاول أن يربط بين المقدمة والخاتمة وسائر مقاطع السورة , فكأنه لما يقال للناس مثلا في سورة مريم :{كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2)} مريم ,سمى بعض العلماء هذه السورة سورة الرحمة ,فجعل كل قضاياها في الرحمة, وذكر اسم الرحمن فيها وحدها 11 مرة ,{ يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45) } مريم
فسموها بسورة الرحمة من هذا , وكذلك :{طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى (2)} طه , فهناك علاقة بين السورة وهذه المقدمة التي استفتحت بها السورة , و أمثلة أخرى لهذا المعنى ..
الدكتور عبد الرحمن الشهري:قبل ذكر الأمثلة دعونا نرجع للفاتحة وننظر ماهو مقصود سورة الفاتحة ؟
الدكتور محمد الخضيري : العلماء رحمهم الله ذكروا عدد من المقاصد للفاتحة و هي تختلف في معانيها لكن تجتمع في مقاصدها.
الدكتور عبد الرحمن الشهري: أي متقاربة .
الدكتور محمد الخضيري :فمنهم من قال أن مقصدها توحيد الله ,و منهم من قال أنها منهج الحياة , ومنهم من قال هي لب الكتاب , وما جاء بعدها من السور هو تفسيرًا لها , وقد ورد في الأثر عن الحسن البصري -رحمه الله - : [ أن الله أنزل مائة كتاب وأربعة كتب جمع سرها في الأربعة وجمع سر الأربعة في القرآن وجمع سر القرآن في الفاتحة وجمع سر الفاتحة في هاتين الكلمتين إياك نعبد وإياك نستعين ] فلو نظرت إلى" إياك نعبد وإياك نستعين "هي الجامعة للتوحيد وجامعة للعمل وجامعة لعلاقة العبد بربه - سبحانه وتعالى - وعلاقة الرب بالعبد وهي وسط السورة وهي النصف الذي بين العبد و ربه ؛ فإياك نعبد في النصف الذي لله ؛ و إياك نستعين في النصف الذي للعبد , ومنهم من قال أنها منهج حياة في أهدنا الصراط المستقيم فهذا الثناء الذي في مقدمة السورة من أجل أن يصل العبد للصراط المستقيم , وما هو الصراط المستقيم إن قلت الإسلام , السنة والجماعة , القرآن الذي جاء ذكره بعد قليل في سورة البقرة {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) } هذا هو الصراط ,
ورد في الحديث الذي روي عن علي - رضي الله عنه - في تفسير الصراط أنه هو القرآن .
الدكتور عبد الرحمن الشهري:وأيضا هذا يؤكد سبب تسمية الفاتحة بأم القرآن , فمن أسباب تسميتها أم القرآن أنها جامعة للمعاني التي نثرت في القرآن الكريم , فكل ما جاء في القرآن الكريم بعدها فهو كالتفسير والبيان والشرح لها , ومن الموضوعات التي تنقدح في ذهني أن المقصد الأساسي لسورة الفاتحة العهد والميثاق بين العبد ربه , فكأنه يؤكد هذا العهد والميثاق في كل ركعة , فلا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فيؤكد في كل ركعة هذا العهد والميثاق بينه وبين الله - عز وجل - , حتى من الأشياء التي تؤكد لي هذا .. وكما تحدث الدكتور مساعد أنها اجتهادية - أي المقاصد - تأملوا معي سورة الفاتحة " إياك نعبد وإياك نستعين "وأقول أن هذا هو العهد والميثاق بين الرب والإنسان ثم تأمل في سورة البقرة بعد ذلك كيف يأتي التأكيد على هذا الميثاق والتنديد بمن نقضه : {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27)} البقرة .
{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63)} البقرة .
وقوله تعالى : {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) } البقرة
الدكتور مساعد الطيار : { وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) } البقرة , هذا أيضا داخل في الميثاق .
الدكتور عبد الرحمن الشهري:تلاحظ أن الميثاق تكرر في سورة البقرة أكثر من مرة كأنه تأكيد على هذا الميثاق الذي ذكر في إياك نعبد و إياك نستعين , ولعل هذا من أوجه الارتباط بين سورة الفاتحة والبقرة التي جاءت بعدها .
الدكتور مساعد الطيار : ومن الفوائد المهمة في قضية المقاصد وأشار إليها الدكتور محمد قضية أنه عندما يكون للسورة عند العلماء أكثر من مقصد , يختلفون فكل يخرج بمقصد , والملاحظ أنه لا يمكن أن تتناقض المقاصد فلا تتزاحم , لكن يمكن أن يدخل بعضها في بعض أو يكون ما بينها من باب التلازم, أو يكون فيها شيء من التنوع , فهذا يذهب لمقصد والآخر لمقصد آخر , مثلا سورة آل عمران كما ذكرتم؛ قد يكون مقصدها الأساسي الحديث عن أُحد وما حصل فيها و في المنهج , أو قد يكون الحديث عن مجادلة النصارى, هذان المقصدان لا يتعارضان ولا يتزاحمان , كما يقول راعي روح المعاني الألوسي : [ النِكت لا تتزاحم ] فهذا صحيح وهذا صحيح , وأنت لو تأملت ستجد أن السورة وأنت تتحدث عنها لو وضعت هذا المقصد فإن كثير من آيات السورة تخدم هذا , و إذا وضعت لها مقصد آخر وجدت أيضا أن كثير من آيات هذه السورة تخدم أيضا المقصد الآخر, وأنا عندي أن هذا فيه إشارة إلى شيء من إعجاز القرآن فيما يتعلق بموضوعاته ومقاصده , وهذا الاختلاف - الذي نراه بين العلماء - لأنه قد يظهر لشخص مالا يظهر لغيره , فيظهر لشخص جانب وهو صحيح لا إشكال فيه , ولذا فأنا استغرب من الذين يخطئون بعضهم في مثل هذه الأمور الاجتهادية ويزعم أن ما ذكره هو الصحيح دون غيره , مع أن الأمر اجتهادي , فالأولى أن يقول الأقرب عندي كذا ..
الدكتور عبد الرحمن الشهري:اذكر أحد الباحثين المعاصرين يكتب في موضوع نظام الآيات والوحدة الموضوعية و السور ومقاصدها فله عناية كبيرة بكتاب نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي , وهو من لبنان نسبة لسهل البقاع , فيقول أن البقاعي قد بالغ في الثناء على كتابه نظم الدرر, وقد توقفت عند كثير من المناسبات التي يذكرها فوجدت أنها ليست كما ذكرها بل أنه في المقدمة يقول وقد استغرق مني البحث في بعض مناسبات الآيات شهورا كمثل قول تعالى: { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) } آل عمران , فتتبعت كثير من المناسبات التي يذكرها فوجدت أنها ليست كما يذكرها , وهو- رحمه الله - يقول وقد استغرق مني البحث فيها شهورا , وذكر أمثلة أخرى فيقول بقيت فيها شهور, ولا يظن الظان أن المناسبة كانت قبل اكتشافي لها كما هي الآن ظاهرة له , فقد تعبت فيها, فيقول الباحث فعندما تتأمل في المناسبة التي ذكرها تجد أن السياق لا يخدمها , الشاهد أنك تقول أن بعض المؤلفين يخطئ الآخرين؛ فيقول أخطأ في فهم مقصود السورة والصحيح هو ما ذكرته أنا , وأنا أقول أن السبب في ذلك ما يجده الباحث في نفسه من تكاثر الأدلة على الشيء الذي ذهب إليه وكأنها تسعفه ,فيذهب لتخطئة الأقوال الأخرى, ويرى أنها ضعيفة ,لأن ليس هناك من أدلة مما يدعم وجهة نظر قائلها , وأنا أتصور كما تفضل الدكتور مساعد أن هذا يعتمد على العلم الذي يحظى به الباحث أولا, فبعضهم أكثر وأغزر علما ومعرفة بالقرآن الكريم وما يتعلق به مثل المعرفة بالسنة واللغة و االبلاغة ودقائقها , فهذه كلها مؤثرة في وصول الباحث إلى مقصود السورة .
الدكتور محمد الخضيري : وطول المعايشة لكتاب الله ,لكن دعونا ننتقل لأمر مهم جدا وهو ما هو الفرق بين مقاصد السورة وموضوعات السورة ؟
قد يقول بعض الأخوة الآن ستتحدثون عن الموضوعات إذا عما كنتم تتحدثون قبل قليل ؟ نقول المقصود بمقصد السورة هو الأمر الجامع والكلي , أما الموضوعات فهي القضايا الداخلية التي تتحدث عنها السورة التي يمكن أن تنظر إليها على أنها أجزاء لكن هناك شيء يجمعها ويربطها جميعا وهو المقصد .
الدكتور مساعد الطيار : وأيضا الموضوعات تدلك إلى المقصد .
إذن ذكرنا للسامع مما يعين على معرفة المقصد : اسم السورة , مقدمة السورة وموضوعات السورة فهذه ثلاث قضايا لو نظر فيها الناظر تؤدي به إلى المقصد .
الدكتور عبد الرحمن الشهري:لو لاحظنا صنيع البقاعي- رحمه الله - كيف كان يصل للموضوعات , كان يصل إليها بطريقتين إما عن طريق اسم السورة أو بمقصد السورة, فيستدل بالاسم والمقصد على الموضوعات, ولذلك يُنتقد في هذا فكيف يصل للمقصد وهو لم يأخذ الموضوعات ويرتبها ؟ ثم من خلال الموضوعات يصل للمقصد الجامع بينهما فما رأيكم هل طريقته أفضل ؟ خاصة أن البقاعي عندما يذكر المقصد ليس له ضابط في طريقة الوصول إليه, فكأنه أشبه ما يكون بالفتح أو الإلهام , ولذلك لا تستطيع أن تتبع قاعدات خلال استنباطاته, فتقول هذه القواعد التي اتبعها البقاعي واستدل بها على المقصد فيمكن تطبيقها على سور أخرى , ولكنه يذكر لك موضوع أو مقصد يرى أن هذا هو المقصد الجامع ثم يبدأ بذكر الموضوعات .
الدكتور مساعد الطيار : لكن لا أدري هل هو وصل للمقصد قبل النظر للموضوعات فلا يمكن ذلك ! فلابد من النظر للموضوعات , لكن قد يكون قدم المقصد وترك الموضوعات, ومن لطائف ( ذكر اسم مفسر لم أتبين اسمه ) كذلك في تفسير القرآن و تفسيره صوفي فهو متصوف ولكن فيه لطائف , إذا فسر بسم الله الرحمن الرحيم في كل موطن تجده يفسرها بطريقة مختلفة عن الموطن الآخر بناء على المقصد أو الموضوع الذي ظهر له في السورة , فلما ذكر الشيخ محمد قضية سورة مريم لا أذكر الآن تأكيدا, ولكن يكاد يكون عندي حدس كبير أنه سيشير إلى قضية الرحمة , في تفسيره للبسملة فيأتي بها بطريقة لطيفة وعجيبة جدا ويقول هذا مدخل للفكرة التي أريد طرحها .
الدكتور محمد الخضيري : استعين بسم الله على ذكر الرحمة .
الدكتور عبد الرحمن الشهري:اذكر من مفسرين الأندلس الذين اعتمد عليهم البقاعي -أبي حسن الحراري-( غير متأكدة من الاسم )وله كتاب مطبوع اسمه فتح الباب المقفل في معاني الكتاب المنزل...
الدكتور مساعد الطيار : يعني كأنه في أصول فهم السور .
الدكتور عبد الرحمن الشهري:الشاهد أنه يقول كيف تعرف مقصود السورة وكيف تعرف المناسبة بين الموضوعات فيقول أنك تنظر في اسم السورة ثم تنظر في المقصد الأساسي لها ثم ما هو الذي يناسب أن يبتدئ به عندما يأتي الحديث لهذا المقصد , فالمسألة اجتهادية .
الدكتور محمد الخضيري : ما هي الأسباب التي تستدعي الاهتمام بالموضوع حتى تصل .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: ما هو الشيء الذي ينبغي تقديمه ثم ما هو الشيء الذي ينبغي الثنية به وهكذا فأنه سوف ينكشف لك المقصود وتنكشف لك المناسبة بين هذا المقطع والذي يليه , ولذلك استفاد منه البقاعي كثيرا في عصره .
الدكتور مساعد الطيار : وقد كان عنده تصوف مغرق لذلك زعم في كتابه فتح الباب المقفل أن العلم لا يكون إلا من طريق علي بن أبي طالب - رضي الله - عنه فالعلم بابه علي بن أبي طالب وما سواه لا وهذا بلا شك ضلال.
الدكتور عبد الرحمن الشهري:حجر واسع .
الدكتور مساعد الطيار : نعم , ولكن لا شك أن هذا مبني على منهج عنده كما تعرف أصحاب الإغراق في التصوف يرون هذا المنهج.
الدكتور محمد الخضيري : هذا يبدو لي تصوف فيه شيء من الرفض لحديث :" أنا مدينة العلم وعلي بابها ".
الدكتور مساعد الطيار : وهذا من التوافق بين الرافضة والمتصوفة المغرقين في التصوف , في أن العلم لا يكون إلا من علي بن أبي طالب- رضي الله عنه - ,لكن الرافضة يستمرون مع أبناءه وهؤلاء يقفون عند علي- رضي الله عنه - فقط, وإنما يتفقون فيه فقط .
الدكتور عبد الرحمن الشهري:طيب ما هي موضوعات سورة الفاتحة حتى يتميز لنا المقصد عن الموضوعات.
الدكتور مساعد الطيار : جميل , الموضوعات لو تأملنا بعد ما تكلمنا عن المقصد وتكلمنا عن أكثر من مقصد لو رجعنا لحديث( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين, فإذا قال العبد : الحمد لله رب العالمين , قال الله : حمدني عبدي, وإذا قال العبد : الرحمن الرحيم , قال الله : أثنى علي عبدي , وإذا قال: مالك يوم الدين , قال الله : مجدني عبدي) و المجد يدل على العظمة وهو ملك يوم الدين , هذا إذا تأملته تجد أنه{ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} قد جاءت خمس أسماء لله في هذا الموطن فهذه الأسماء دلت على الموضوع الأول وهو موضوع الثناء على الله تعالى , الموضوع الثاني وهو في قوله :"إياك نعبد وإياك نستعين" وهو موضوع العبادة التي بين العبد وبين الرب ,فالرب له إياك نعبد, والعبد له إياك نستعين ,وقدم حق الرب على حق العبد , فالرب له العبادة والعبد له الاستعانة , وقدم وتوحيد الألوهية على توحيد الربوبية , فهذا الموضوع الثاني ممكن أن نقول قضية العبادة , ولا تكون عبادة إلا باستعانة .
الدكتور محمد الخضيري : لو قلنا يا دكتور مساعد إن الموضوع الثاني هو التوحيد فالأول الثناء ثم يفضي بك هذا الثناء إلى أن توحد توحيدا عمليا فلا تعبد إلا الله ولا توحد إلا الله .
الدكتور مساعد الطيار : نعم , ثم نأتي إلى حال السالكين في هذه العبادة , أي من الذي يعبد الله واستعان ومن الذي لم يعبد ولم يستعين , فقال{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) } الذين جانبوا هذه العبادة , لذلك يمكن تقسيم الموضوعات إلى ثلاث موضوعات كلية وهي موضوعات القرآن , جانب الثناء على الله عز وجل , وجانب العبودية التي لا تأتي إلا عن وحي , ثم جانب طرق الناس في هذه العبودية , فهذه الموضوعات الرئيسة , وكما ذكرتم قبل قليل الميثاق , كلها تصب في هذه الأصول الثلاث.
الدكتور محمد الخضيري : أنا أقول في الثالثة يا دكتور مساعد , أضيف تعديلا فأذن لي , لو قلنا بدل العبادة , وموقف الناس من العبادة لو قلنا العلم والعمل , والعمل هو ما أشرت إليه بالعبادة , لكن العلم مهم جدا , لماذا؟ لأن العبادة ؛النصارى لم يقصروا في العبادة , ولكن قصروا في الجانب العلمي, وأما اليهود فكان الجانب العلمي مكتملا لكن قصروا في العمل , فنقول أن الثالثة هي البصيرة أو المنهج , فالصراط ما هو ؟ هو العلم الصحيح والعمل الصالح , وقد ذكر نموذج مكتمل له وهو أهل الصراط المنعم عليهم الذين جاؤوا بالعلم الصحيح , فعرفوا الله حقا وعبدوه صدقا , و الثاني اليهود علموا الحق ولكنهم لم يعملوا به, والثالث النصارى وهم الذين عملوا واجتهدوا ولكن بلا بينة فهم على ضلال فتجافوا عن الصراط المستقيم , إذن عندنا صراط مستقيم يجمع علما وعملا , وصراطان ضالان منحرفان صراط المغضوب عليهم وصراط الضالين , ولذلك مما يؤكد هذا المعنى في نظري أنه في سورة البقرة جاء الحديث عن اليهود وقبل الحديث عن اليهود تحدثت السورة عن المنافقين وأسهبت في ذلك ليبين حال أولئك الذين يعلمون الحق ثم يتجافون عن العمل به , وفي سورة آل عمران جاء الحديث عن النصارى, فكأن السورتين أصبحتا تفصيل لقوله { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) }, قال سفيان بن عيينة كلمة جميلة , وسفيان له استنباطات غاية في الروعة -سبحان الله - أتمنى أن يجمعها أحدا, يقول : [ من ضل من علماءنا ففيه شبه من اليهود ,ومن ضل من عبادنا ففيه شبه من النصارى] , وهي كلمة عجيبة .
الدكتور مساعد الطيار : العلماء والعباد ,العلماء يعلمون ولا يعملون ,والعباد يعبدون ولا يعلمون.
الدكتور عبد الرحمن الشهري:عندي تعليقان لو تلاحظون سورة الفاتحة لم يذكر فيها المنافقين ؟ ولكن ذكرت اليهود والنصارى ؟
الدكتور مساعد الطيار :و هم يشبهونهم لأنهم علموا ولم يعملوا , ولهذا تجد - سبحان الله - أهل النفاق فيهم شبه من اليهود , و شبه كبير من هذا الجانب .
الدكتور عبد الرحمن الشهري:التعليق الثاني وهو عن سفيان بن عيينة , أذكر له موقف فيه استنباط جميل ,فعندما حدثه يحي بن أكثم وهو قاضي في عهد المأمون وذكر له قصة وهي معروفة و ذكرها القرطبي وغيره , يقول يحي بن أكثم : دخل على المأمون فيمن دخل رجل يهودي وكان حسن الخط , فقال له المأمون: إسرائيلي ؟ قال :نعم , فقال : أسلم واصنع لك كذا وكذا , فقال: ديني يا أمير المؤمنين ودين أبائي, فتركه المأمون , وبعد فترة رجع فإذا به قد أسلم فسر المأمون له -والذي يروي القصة يحي بن أكثم - فسأله ماذا جرى لك ؟ فقال يا أمير المؤمنين تعلم خطي وحسنه , عمدت إلى كتاب اليهود فكتبت منه وزدت فيه ونقصت وبعته على علماء اليهود فاحتفوا به وبالغوا في إكرامه , قال فتركتهم .
الدكتور محمد الخضيري : وهم يقرؤون التحريف الذي وضعه في كتابهم .
الدكتور عبد الرحمن الشهري:نعم وما تنبهوا له , قال وعمدت إلى كتاب النصارى فصنعت مثل ذلك قال فقبلوه مني فتركتهم , قال فعمدت إلى القرآن وفعلت به مثل ما فعلت مع التوراة والإنجيل قال فأعطيته الوراقين فقلبوه - لم يعطه العلماء بل الوراقين الذين يبيعون الكتب في سوق بغداد- فقالوا له : لا حاجة لنا فيه ؛ففيه كذا وكذا , قال فقلت هذا دين محفوظ , فأسلمت , فيقول يحي بن أكثم لما ذهبت إلى مكة حدثت سفيان بن عيينة بذلك فقال سفيان بن عيينة : مصداق ذلك في كتاب الله , ألم يقل الله سبحانه وتعالى عن كتاب اليهود والنصارى: { بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ } من آية 44 المائدة , فبدلو وغيروا , وقال عن القرآن :{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) } الحجر , فتكفل بحفظه , فهذا من استنباطات سفيان بن عيينة فلا شك فأنه من فقهاء القرآن .
الدكتور مساعد الطيار : في فائدة مرتبطة بمدخل الفاتحة الحمد لله رب العالمين , أشار إليها أبو عبد الله لما قال أنه بدأ بتوحيد الألوهية ثم توحيد الربوبية , اللطيف في الأمر أن الله سبحانه وتعالى لما أنزل أول سورة الخمس الآيات الأولى من سورة العلق لم يذكر فيها اسم الله وإنما اسم الرب فقال : { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)} و السورة الثانية وهي سورة النبوة فقال : { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) } المدثر , ولما كلم الله عز وجل موسى عليه السلام في سورة طه قال : { إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) } طه , فقدم الربوبية هنا على الألوهية في مقدمات النبوة .
الدكتور عبد الرحمن الشهري:وما هو الاستنباط الذي يظهر لك ؟
الدكتور مساعد الطيار : من المعاني التي تظهر لي أن الأصل هو توحيد الربوبية , بمعنى أنه إذا آمن الإنسان بتوحيد الربوبية من لوازمه أن يؤمن بالألوهية , ولذلك عاب الله على المشركين أنهم يؤمنون الربوبية ولا يحققون توحيد الألوهية , فإذن في مبادئ الأمر يعطي جانب العظمة في اسم الرب وأيضا جانب تربية الرحمة ,لأن هناك جانبان , ولما يأتي جانب الألوهية- الله - هذا فيه تربية المهابة فلفظ الجلالة -الله - فيه تربية المهابة , كأننا نقول أنه لما ذكر توحيد الربوبية في تلك السور الأولى في سورة الفاتحة قدم توحيد الألوهية لأنه هو المقصد ( الحمد لله ) لأن المقصد هو عبادة الله - سبحانه وتعالى -, ثم قال بعد ذلك ( رب العالمين ) وتلاحظ لو تأملت في قضية الحمد لله رب العالمين هل يمكن لأحد من الناس حتى لو كان ملحدا أن يقول أنا لا رب لي فحتى في قرارة نفسه إذا آذاه شيء يلجأ إلى الله شاء أم أبى .
الدكتور محمد الخضيري : يلحد بلسانه { وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا } النمل من آية 14 .
الدكتور مساعد الطيار : نعم , ولهذا يذكرون عن خرتشوف وهو من كبار الملحدين أنه في موضوع كان يكلم من معه فقال عبارة بمعنى إن شاء الله فقالوا له : كيف تقول إذا أراد الله وأنت ملحد فلم يستطع أن يجيب , فهذا رغما عنه , أقصد من ذلك أنه من الحسن للمتدبر أن يتدبر هذان الاسمان اسم الرب واسم الله .
الدكتور عبد الرحمن الشهري:هذان الوصفان ؟
الدكتور مساعد الطيار : الاسمان وما فيهما من وصف؛ وصف الألوهية و وصف الربوبية , سيجد أشياء وأسرار كثيرة جدا , الدعاء مثلا تجده -سبحان الله- باسم الربوبية فلم يأتي يا الله وإنما ربنا و ربِّ , ولما يأتي جانب التشريع في الغالب تجد اسم الله .
الدكتور عبد الرحمن الشهري:جميل جدا , و من هذه المعاني يا دكتور في معنى الرب ( اقرأ بسم ربك الذي خلق) ثم قال في الآية التي بعدها( اقرأ و ربك الأكرم ) ويقول في أول سورة الفاتحة ( الحمد لله رب العالمين ) في كتاب بعنوان اقرأ وربك الأكرم جميل, كان يدور حول هذا المعنى, يقول أن الله - سبحانه وتعالى- لما ذكر هذه الصفة؛ صفة الربوبية في الحث على القراءة والحث على العلم ,كإشارة إلى أن الله -سبحانه وتعالى- يرعاك ويعتني بك عناية خاصة, وهذا من معاني التربية , فرب إشارة للربوبية , لذلك تلاحظون من التفاسير الرائعة جدا في تفسير الطبري رحمه الله لقوله تعالى : { وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ } من آية 79 من المائدة , فقال : الربانين هم العلماء الحكماء , يعني ليس معلم فقط أو عالم فقط وإنما يحسن التربية , ويحسن التعليم ولذلك يقولون كما عرفهم ابن عباس- رحمه الله - ( هم الذين يربون الناس بصغار العلم قبل كباره ) يعني يعرفون كيف يربون , فلعل ذلك من المعاني التي ذكرتها في الربوبية .
الدكتور محمد الخضيري : سأختم بواحدة وهي مناسبة للختم , انظر لفاتحة الكتاب (الحمد لله - رب العالمين - مالك يوم الدين ) أليس كذلك وآخر سورة في القرآن ما هي ؟ سورة الناس ( رب الناس - ملك الناس - إله الناس ) فافتح القرآن بهذه الأسماء الثلاثة واختتم القرآن بها , قال ابن القيم - رحمه الله - [ وهذا يدل على أن مدار أسماء الله كلها والخلق والأمر على هذه الأسماء الثلاثة] .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: فائدة جميلة .

[align=center]سبحانك اللهم وبحمد أشهد أن لا إله أنت استغفرك وأتوب إليك , وصلى اللهم على محمد وآله وسلم .[/align]

[align=left]انتهى اللقاء.[/align]
 
شكر من القلب والله كنت اتسأل كيف احصل على حلقات البرنامج الله يجزاك خير ويغفر ذنبك و الف الف شكر
 
[align=center]
3.gif
[/align]

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وبعد..

[align=center]اللقاء الثالث[/align]
موضوع اللقاء الرئيسي:
- في أسماء سورة البقرة وفضلها ومقاصدها .
موضوعات اللقاء الفرعية:
- أسماء سورة البقرة و أوصافها .
- اجتهاد الصحابة في حفظ سورة البقرة.
- الحكمة من تسمية السورة بهذا الاسم .
- نزول سورة البقرة ومدنيتها .
- آخر آية نزلت في القرآن الكريم.
- اختلاف القضايا التي تناولتها السور المكية عن القضايا التي تناولتها السور المدينة.
- ترتيب بعض العلماء سور القرآن بناء على ترتيب نزوله .
- أثر معرفة المدني والمكي في قصة نوح عليه السلام.
- فضائل سورة البقرة.
- فائدة في تسمية السورة.
- مقاصد سورة البقرة.
- في ذكر المقصد الجامع لسورة البقرة .
- في المناسبة بين سورة الفاتحة والبقرة.

[align=center]
21.gif
[/align]

الدكتور مساعد الطيار ::لعلنا نبتدئ الحديث اليوم عن سورة البقرة و طبعا هي أطول سور القرآن.
الدكتور محمد الخضيري :: لذلك سماها العلماء فسطاط القرآن
الدكتور مساعد الطيار :: قاله خالد بن معدان , و الفسطاط هو السرادق.
الدكتور محمد الخضيري : : أو الميدان الذي يكون قريب من البيت .
الدكتور مساعد الطيار :: دلالة على الاتساع.
الدكتور محمد الخضيري : : حتى قال بعضهم إن فيها ألف أمر وألف نهي وألف حكم وألف خبر , طبعا بغض النظر عن صحة هذا ,إلا أن هذه السورة ميدان واسع لأحكام الشريعة وعقائدها وما فيها من العظات والعبر .
الدكتور عبد الرحمن الشهري : : لاشك في الحقيقة أنها من أعظم سور القرآن ولذلك كان الصحابة - رضوان الله عليهم - يقولون : كان الرجل إذا حفظ سورة البقرة جدَّ في أعيننا أي عظم , والنبي - صلى الله عليه وسلم - عندما كان يدفن شهداء أحد يقول أيهما أكثر أخذا للقرآن فيقدمه , وأذكر أن أحد الصحابة زوجه النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه كان يحفظ سورة البقرة .
الدكتور محمد الخضيري : : و أيضا تتميما لكلامك فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد أن يؤمر رجلا على أهل سرية , نظر من كانت معه سورة البقرة فأمره عليهم , كأنه كتاب من كتب الشريعة .
الدكتور مساعد الطيار :: وهذه القضية لعلنا نلمح إليها , كما قال بعض العلماء [ من حفظ القرآن فكأنما أدرجت النبوة بين جنبيه غير أنه لا يوحى إليه ] , في قضية مهمة جدا , فليس المراد مجرد الحفظ فقط والتلاوة , وإنما الحفظ و إدراك المعاني.
فابن عمر - رضي الله عنه - كما أورد عنه الإمام مالك في الموطأ أنه جلس ثمان سنوات يحفظ البقرة , وليس المراد أنه قضاها في الحفظ فقط.
الدكتور محمد الخضيري : : بالنسبة للصحابة يستطيعون حفظها في أيام يسيرة , ولكن عمر - رضي الله عنه - ورد أنه تعلمها في اثني عشر سنة , وهذا يدل على أنه بالفعل لوا ستغرق الإنسان فيها عمرا فليس بكثير عليها , لكثرة ما فيها .
الدكتور مساعد الطيار :: لو نظرنا للفضائل التي ذكرت فيها ستدل على هذه القضية , قضية العناية بسورة البقرة .
الدكتور محمد الخضيري : : دعنا نبدأ بالاسم ونقول ما هي أسماء هذه السورة كالعادة .
الدكتور مساعد الطيار :: الاسم المشتهر ولا أذكر لها اسم آخر .
الدكتور محمد الخضيري : : لكن يقال أيضا الزهراء .
الدكتور مساعد الطيار :: هذا بناء على قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( اقرؤوا الزهراوين؛ البقرة وآل عمران ) , لكن هذه يسمونها الأسماء المجموعة أي جمعت مع غيرها .
الدكتور محمد الخضيري : : السنام .
الدكتور مساعد الطيار :: هذه كلها أوصاف كما قال خالد بن معدان[ فسطاط القرآن] , لكن الاسم المشتهر والغالب هو البقرة .
الدكتور محمد الخضيري : : طبعا لا تكاد تعرف عند سائر العلماء إلا باسم البقرة , لكن السؤال الذي يفرض نفسه لماذا اختيرت هذه القصة لتكون عنوانا لهذه السورة , هذا في الحقيقة مدعاة للسؤال , إذا قيل السورة الجامعة لم يكن بغريب , لو قيل كلية الشريعة ليس بغريب , لكن أن تختار هذه القصة لتكون عنوان هذه السورة العظيمة ! هذه القصة أخذت من السورة عشر آيات فقط والباقي ليس له علاقة بهذه القصة .
الدكتور مساعد الطيار :: وهذا من الغرائب كما ذكرنا في اللقاءات السابقة أنه إذا كان الاسم نبويا , فعلى المسلم أن يبحث عن الحكمة .
الدكتور عبد الرحمن الشهري : : البقرة ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي سماها .
الدكتور مساعد الطيار :: نعم قال: ( اقرؤوا الزهراوين؛ البقرة وآل عمران), والحقيقة تأملت هذه السورة وسبب هذه التسمية وقرأت ما ذكره بعض العلماء , فبعضهم يذكر أنها سميت سورة البقرة لأنه يذكر فيها اسم البقرة , هذا لا يختلف عليه اثنين , لكن لماذا اختير هذا الاسم دونا عن غيره , فنظرت فإذا كما ذكر بعض العلماء أنها مليئة بالشرائع , وهذه السورة من أوائل ما نزل في المدينة , والمدينة هي محط التشريعات من أوامر ونواهي , والمدينة كانت مليئة باليهود , واليهود إذا تأملنا حالهم نجدهم كما أخبرنا الله - سبحانه وتعالى - عنهم في قصة البقرة وكيف أنهم كانوا أصحاب تعنت لا يطيعوا الأوامر مباشرة , فموسى ابن عمران- عليه السلام - يقول لهم : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67) } البقرة ,ثم بدءوا يجادلونه في وصف هذه البقرة فشددوا فشدد الله عليهم , فهذا يفيدنا بأن هذه الأوامر التي ستنزل عليكم اقبلوها واعملوا بها , بادروا بالتنفيذ ولا تكونوا كأصحاب البقرة تشددوا فيشدد الله عليكم.
الدكتور محمد الخضيري : : تتلكئوا فتعاندوا رسول الله ولا يكون عندكم السمع والطاعة وسرعة الاستجابة التي هي أليق ما يكون بالمؤمنين و مما يدل على هذا ويؤكد المعنى الذي ذكرته أنه في آخر السورة ماذا قال :{ آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)} البقرة , لم يكتفوا بقول سمعنا وأطعنا بل قالوا غفرانك ربنا , لأن العبد قد يقصر أو يحدث منه تأخر أو يصيبه شيء من التلكؤ , فغفرانك على شيء يحدث لا نشعر به أو لا اختيار لنا فيه أو لا قدرة لنا على دفعه, ولذلك لما نزلت الآية التي قبلها وهي قوله تعالى : { لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284) } البقرة , جاء الصحابة يشتكون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا يا رسول الله : لا طاقة لنا بهذا قال : أتريدون أن تقولوا كما قالت بنو إسرائيل سمعنا وعصينا , بل قولوا سمعنا وأطعنا ,فأخذوا يستغفرون الله ويقولون غفرانك ربنا و إليك المصير , فنزلت الآية التي بعدها وكانت استجابة من الله سبحانه وتعالى لدعائهم فقال : { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ..(286)} البقرة .
الدكتور مساعد الطيار :: في فائدة أيضا نأخذها بناء على هذه الآية التي ذكرناها , وهي أن من تأمل حال الصحابة لا يكاد يجد اعتراض من صحابي على النبي صلى الله عليه وسلم أو تلكؤ في الاستجابة, إلا أن يكون تحت صدمة معينة, مثل ما حصل لهم في غزوة الحديبية , لم يتأخروا لأنهم لم يقبلوا من الرسول - صلى الله عليه وسلم - الأمر ولكن كانوا في حالة من الاندهاش واليأس.
الدكتور محمد الخضيري : : كانوا يؤملون في العمرة يقولون لعل الأمر يتغير حتى نعتمر فقد جاؤوا سفرا طويلا وفي النهاية أمرهم بأن يرجعوا .
الدكتور مساعد الطيار :: لكن لما رأوا النبي - صلى الله عليه وسلم- يعمل كما أشارت عليه أم سلمة ,بادروا بذلك فهذه فائدة مهمة جدا ينبغي أن ينتبه لها المسلم كيف أن هؤلاء الصحابة - رضي الله عنهم - لا يذكر عنهم مثل ما يذكر عن بني إسرائيل أو كما يحصل للأسف اليوم , تجد الإنسان عندما تقول له لماذا لم تؤدي السنن بعد الصلاة فيقول : هي سنة يثاب فاعلها و لا يعاقب تاركها , والعجيب في هذا الأمر -كما تلاحظون- أنه يأخذ هذا الحكم الأصولي الذي ذكره علماء الأصول ,لكي يتملص من هذا الأمر , لكن الصحابة - رضي الله عنهم - لم يكونوا يسألون هل هذه يثاب فاعلها أو لا , بل ينظرون هل أمر بها النبي - صلى الله عليه وسلم- أو لم يأمر , هل نهى النبي- صلى الله عليه وسلم -أم لم ينهى فقط , و القصد من ذلك أننا كمسلمين علينا أن نتنبه لهذا , و أن لا تؤثر علينا التقسيمات العلمية , في ترك بعض هذه الفضائل العظيمة جدا , بل نقول هل أمر بها النبي - صلى الله عليه وسلم - فنعمل بها .
الدكتور محمد الخضيري : : ننتقل إلى شيء آخر وهو مبحث مهم في مقدمات السورة أيضا , , كنا نريد أن نفيض فيه المرة الماضية , عندما تحدثنا في سورة الفاتحة , ولكن لعلنا نتحدث عنه الآن , وهو هل سورة البقرة مكية أو مدنية , طبعا لا إشكال عند أهل العلم أنها سورة مدنية , بل هي من أوائل ما نزل في المدينة لكنها استمرت في النزول إلى آخر آية في القرآن فآخر أية في القرآن موجودة في سورة البقرة أيضا .
الدكتور مساعد الطيار :: إذا هي سميت بسورة البقرة قبل أن تكتمل ؟
الدكتور محمد الخضيري : : نعم , سميت بذلك قبل أن تكتمل فآخر آية نزلت في القرآن , وهي قوله تعالى : {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281) } البقرة , وهذه هي الآية التي قبل آية الدين , إذن سورة البقرة استمرت في النزول مدة بقاء النبي -صلى الله عليه وسلم - في المدينة من بعد هجرته إلى أن توفي , وهي تنزل لأنها سورة طويلة وتعالج قضايا كثيرة , السؤال الذي يهم في هذا الموضوع , لماذا نبحث هل السورة مدينة أو مكية ؟ ذكر الدكتور عبد الرحمن من قبل من أجل معرفة الناسخ والمنسوخ , ولكن هناك قضية مهمة جدا في الفهم والتدبر ,عندما تعلم أن السورة مكية تعلم أن قضاياها القضايا المدنية , قضايا التشريع والنفاق والجهاد , واليهود , مناظرة أهل الكتاب , بخلاف السور المكية التي كانت قضاياها التأسيس والبناء لأصول وعقائد الإيمان من الإيمان بالله والرسول والرسالة واليوم الآخر , فتجد محور السور المكية يدور حولها , ولذلك نلاحظ في سورة البقرة كثرة التشريعات , و محاورة اليهود , وذكر المنافقين وفضح أخلاقهم, وبيان عوارهم فكل هذا موجود فيها , فهذا يفيدني وأنا اقرأ السورة أن أعرف أن موضوعات السورة لا تخرج عن هذه الحدود لأنها سورة مدنية, أما إذا كانت مكية فتكون في موضوعات أخرى وهي تأصيل العقيدة وبناء الإيمان .
الدكتور مساعد الطيار :: هناك فائدة لو يحدثنا الدكتور عبد الرحمن عنها و لها علاقة بهذا , فبعض العلماء رتب القرآن حسب نزوله بناء على المكي والمدني , ثم بنى تفسيره على هذا , فهل تذكرون لنا بعض الأمثلة وفائدة هذا العمل ؟
الدكتور عبد الرحمن الشهري : : يذكرون أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - كان المصحف الخاص به مرتب حسب النزول , فكان كلما نزلت سورة يكتبها , فجاء ترتيبه كالتالي؛ يكتب سورة العلق ثم المدثر , والحقيقة أن في هذا الموضوع عدة مسائل , وهي هل هناك فائدة من ترتيب القرآن حسب النزول برأيكم , المسألة الثانية الحكم الشرعي , المسألة الثالثة لماذا جاء ترتيب القرآن الكريم دون اعتبار لزمن نزوله , فقد نزل بترتيب معين لكنه جمع كما هو بين أيدينا اليوم على خلاف ذلك الترتيب , فهل معنى ذلك أن الزمن غير معتبر لأن القرآن جاء لكل زمان ومكان فلا يتقيد بزمن نزوله وترتيبه على هذا الأساس ؟ أما بالنسبة لمحاولات بعض العلماء كما ذكر الدكتور مساعد فمعظمها كان متأخر , أو كل التي نعرفها محاولات متأخرة , والترتيب فيها يكون حسب ترتيب نزول السور فلا تجد أحد من العلماء يفسر لك أول سورة العلق ثم يفسر صدر سورة المدثر ثم يعود لسورة العلق , وإنما يذكر سورة العلق كاملة بالرغم من أنها لم تنزل كلها ابتداء كاملة ثم يذكر سورة المدثر كاملة , فترتيب الذين صنعوا هذا الصنيع ترتيب للسور .
الدكتور محمد الخضيري : : بيان هذا الأمر في نظري وهو ترتيب نزول القرآن هذا لا إشكال فيه , أما أن تعاد صياغة ترتيب القرآن على هذا النحو فهذا خرق للسنة المعروفة عند أهل العلم أن القرآن قد تلقته الأمة على هذه الصورة من عهد الصديق إلى اليوم , و أظن أن مخالفة هذا الأمر أنها خرق للسنة ...
الدكتور مساعد الطيار :: مخلفة للإجماع هذا أقل ما يكون .
الدكتور عبد الرحمن الشهري : : في نقطة أخرى فقد كان ابن مسعود- رضي الله عنه - يقسم ويقول: [ والله ما من آية في كتاب الله نزلت إلا وأنا اعلم متى نزلت وفيما نزلت وفيمن نزلت] , معنى ذلك أنه يعرف المكان والزمان و من نزلت فيه , ولكن لماذا لم يحفظ هذا بدقة , فالذين قاموا بترتيب سور القرآن الكريم حسب النزول اعتمدوا في كثير من ترتيبهم على اجتهادهم , لأنك لا تجد دليل على الترتيب ..
الدكتور مساعد الطيار :: حتى ترتيب النزول مختلف فيه , كما ذكره السيوطي في الإتقان .
الدكتور عبد الرحمن الشهري : : لدي فائدة تعزز ما ذكره الدكتور محمد في معرفة المكي والمدني وترتيب نزول الآيات , وهي تأتي في مرحلة متقدمة من تدبر نظم القرآن الكريم , أضرب دوما مثال واستحسنه في قصة نوح عليه السلام , قصة نوح عليه السلام وردت تفاصيلها كلها في العهد المكي ولذلك إذا وجدت تفصيلا عن قصة نوح في أي سورة من السور فاعلم أنها مكية .
الدكتور مساعد الطيار :: التفصيل وليس ذكر اسم نوح عليه السلام .
الدكتور عبد الرحمن الشهري : : نعم التفصيل , ولذلك تجد آخر سورة ذكر فيها نوع من التفصيل في قصة نوح -عليه السلام - هي سورة العنكبوت , فما هو الذي ذكر عن نوح في هذه السورة؟ تجد أنه ورد ذكر المدة الزمنية التي استغرقها لبث نوح - عليه السلام- في قومه , قال تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14) } العنكبوت , فوردت قصة نوح عليه السلام في سورة نوح وسورة هود وسورة الأعراف , السور الطويلة ذكر الله فيها تفصيل قصة نوح لم يذكر الله فيها المدة الزمنية التي لبثها , لكن في آخر آيتين أنزلت في هذه القصة في سورة العنكبوت والتي تعتبر آخر سورة نزلت في العهد المكي , وبعضهم يقول أن آخر سورة نزلت في العهد المكي هي سورة المطففين نزلت بعد العنكبوت , لكن هي أن لم تكون آخر سورة فهي ما قبل الأخيرة , لماذا لم يذكر الله من قصة نوح -عليه السلام -في هذه السورة إلا مدة لبثه, وهي مسألة مهمة, فأربطها ببقاء النبي- صلى الله عليه وسلم- في مكة , فكم لبثت يا محمد في مكة ؟ثلاث عشرة سنة , وكم الذين استجابوا لك ؟ قليل ! لا يكاد يذكر , فهل تعلم كم بقي نوح -عليه السلام- في قومه ؟ لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما , فكم نسبة بقاءك إلى بقاء نوح -عليه السلام- في قومه ؟ شيء لا يكاد يذكر , فهذا تعزية للنبي -صلى الله عليه وسلم -ولذلك تأتي وتجد نظم هذه الآية وورودها في هذا الموقع ,وفي هذا الوقت مناسب جدا للظرف الذي نزلت فيه , فهي تعزي النبي -صلى الله عليه وسلم- , فلا تحزن يا محمد , فقد لبثت ثلاثة عشرة سنة وستنتقل الآن للمدينة , ونوح قد لبث تسع مائة وخمسون عام وما آمن معه إلا قليل حتى ابنه لم يؤمن معه .
الدكتور محمد الخضيري : : سبحان الله الآن ورد على ذهني فائدة - ارجوا أن توافقوني عليها أو تبينوا لي - من خلال كلام الدكتور عبد الرحمن السورة التي قبلها سورة القصص وفي آخرها: { إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (85)} القصص , رادك إلى معاد , سترجع إلى مكة .
الدكتور عبد الرحمن الشهري : : بعض المفسرين يفسرونها بأن المراد رادك إلى مكة .
الدكتور محمد الخضيري : : وكثير منهم يرون منها أنك ستهاجر ثم تعود إلى مكة كما خرجت منها . فهي عملية تهيئة .
الدكتور عبد الرحمن الشهري : : عندما نتحدث عن علوم السورة في البرنامج قد يقول البعض هل هذا العلم مهم بالنسبة للتفسير , لأن البعض يرى أن الذي يهمه في علوم القرآن هو ما كان متعلق بفهمه للقرآن , فهل هذا العلم من علوم القرآن يتعلق به زيادة فهم ؟ في بعض الأحيان قد تقول أن هذا العلم لا يظهر أنه مؤثر في الفهم , ولكن في بعض المواطن ترى أنه مؤثر .
, فعندما تأتي في قصة نوح عليه السلام وتجد أنها وردت في السور المكية ولماذا وردت في هذا الموطن بالذات تجد أنها تزيدك فهما للقرآن والآيات , وتشعر بأن معرفتك للمكي والمدني مؤثرة.
الدكتور مساعد الطيار :: واللطيف أيضا من باب تكميل فائدتكم أن قوله تعالى : { فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) } العنكبوت , تأكيد لمعنى الهجرة , لكن على من يقول إنها مفيدة أم لا ,يجب أن يعلم أن المقصود من القرآن ليس فهم المعاني فقط , ففهم المعاني هذه مرحلة , ومن قصر نفسه على فهم المعاني فقط , فهذا قد قصر , ففهم المعاني مرحلة من المراحل , ونحن عندما نتكلم عن علوم السورة , وإن كان كثير منها قد لا يكون له أثر في فهم المعاني إلا أن له أثر آخر وهو المعرفة بهذا القرآن , الآن تجد عندنا كمسلمين تقصير بهذا الموضوع , لو تسأل أحيانا بعض المتخصصين - لا أقول طلاب العلم أو العامة - عن بعض القضايا المرتبطة بالقرآن لا يكاد يعلم عنها شيئا , مع أنها مرتبطة بالكتاب , فهذا كتابك فما هي ثقافتك وعلومك عن كتابك , أتكون ضعيف فيها ؟ هذه مشكلة .
الدكتور محمد الخضيري : : انظر لابن مسعود - رضي الله عنه - يقول: " إلا وأنا اعلم متى نزلت وفيما نزلت وفيمن نزلت" , وعلي- رضي الله عنه - قال أبلغ من هذا يقول : "ما نزلت آية إلا وأنا اعلم أنزلت في سهل أم جبل بليل أو نهار" - إلى هذه الدرجة من شدة عنايته بكتاب الله -!
الدكتور عبد الرحمن الشهري : : و ابن مسعود - رضي الله عنه - يقول : " ولو أعلم أحدا أعلم منى بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه"
الدكتور مساعد الطيار :: وهو تكلمه للأثر السابق .
الدكتور عبد الرحمن الشهري : : نعم , و لم يستطع أحد من الصحابة أن يرد عليه هذا الكلام فكلهم يقرون له بذلك , ولما انتقل ابن مسعود - رضي الله عنه - إلى الكوفة و جاء رجل إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال : يا أمير المؤمنين أدرك لقيت رجل يقول: اسألوني عما شئتم في كتاب الله ؛ فو الله إني أعلم الناس به! فاضطرب عمر فقال :من؟ قال : ابن مسعود , قال : أما ابن مسعود فنعم .
الدكتور مساعد الطيار :: ولهذا لما أرسله إلى الكوفة قال , يا أهل الكوفة أني قد آثرتكم بابن مسعود ,فهم يقرون له بذلك, لكن لو رجعنا إلى موضوع المكي والمدني , يمكن أن نذكر أنه قدم بحث في المكي والمدني في رسالتين , الرسالة الأولى طبعت من سورة الفاتحة إلى الإسراء , للدكتور عبد الرزاق حسين أحمد , والثانية لم تطبع بعد , والحقيقة أن هذه الرسائل في المكي والمدني نفيسة جدا وفيها فوائد , وكم أتمنى لو أكمل هذا المشروع , ولو طبعت هذه الرسالتين معا وخرجت في مجلد واحد - بالرغم من أني سمعت أن هناك اختلاف في المنهجية - لكن لا يضر هذا لأن القارئ سيستفيد من هذه الرسائل .
الدكتور عبد الرحمن الشهري : : ميزتها أن فيها تحليل لما قيل بمكيته ومدنيته .
الدكتور مساعد الطيار :: سورة الأنفال كلها مدنية إلا قوله تعالى : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) } روي عن مقاتل , فتجد الباحث يناقش هذا.
الدكتور محمد الخضيري : : نرجع لفضائل سورة البقرة .
الدكتور عبد الرحمن الشهري : : أذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: « فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما »
الدكتور محمد الخضيري : : هذه فضيلة عظيمة .
الدكتور عبد الرحمن الشهري : : وانظر لتصوير النبي- صلى الله عليه وسلم -أنها تأتي يوم القيامة وهو يوم هول وكرب عظيم فيبحث الإنسان عن أي شيء يتعلق به ويحاجج عنه , وهذا الموقف - نسأل الله أن يخفف عنا وعنكم - يقول الله عنه : { يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) } عبس , وفي هذا الموقف يقول صلى الله عليه وسلم أنه تأتي البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان , فكل الأوصاف التي وصفت بها مريحة , ففيها ظل , وتحاجان عن صاحبهما .
الدكتور محمد الخضيري : : وقال صلى الله عليه وسلم : « اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا يستطيعها البطلة » والبطلة هم السحرة , ففعل هذه السورة مضاد وهائل جدا , ضد أي عدوان خفي ضد الإنسان من الشياطين والسحرة .
الدكتور عبد الرحمن الشهري : : وقال في فضلها صلى الله عليه وسلم « البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يقربه الشيطان »
الدكتور مساعد الطيار :: والآن الأمر متيسر فلديك الكمبيوتر ساعتان ونصف ويكمل لك سورة البقرة تلاوة .
الدكتور عبد الرحمن الشهري : : هل هذا في رأيك يكفي يا دكتور ؟
الدكتور مساعد الطيار :: في نظري أنه يكفي للحديث السابق فقد قال البيت الذي[ تقرأ فيه سورة البقرة ], والآن تحققت القراءة لكن ليس هو الأفضل, فكونك أنت الذي يقرأ هذا الأفضل, وفضله أعم , ولكن مالا يدرك لا يترك .
الدكتور محمد الخضيري : : ومن فضائلها أن فيها أعظم آية في كتاب الله وهي آية الكرسي وفيها الآيتان الأخيرتان من سورة البقرة , فقد قال صلى الله عليه وسلم : « من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه » , وقيل كفتاه من قيام الليل وهذا غير صحيح والذي يظهر أن معنى كفتاه هو الكفاية من الشرور وهذا هو المعنى المعروف في الشريعة .
الدكتور عبد الرحمن الشهري : : وقد ذكرنا في فضائل سورة الفاتحة حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال : « بينا جبرائيل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضا من فوقه ، فرفع رأسه ، فقال : هذا باب من السماء فتح اليوم ، لم يفتح قط إلا اليوم ، فنزل منه ملك ، فقال : هذا ملك نزل إلى الأرض ، لم ينزل قط إلا اليوم ، فسلم ، وقال : أبشر بنورين أوتيتهما ، لم يؤتهما نبي قبلك : فاتحة الكتاب ، وخواتيم سورة البقرة ، لن تقرأ بحرف منهما إلا أوتيته »
الدكتور مساعد الطيار :: ولاحظ قول النبي صلى الله عليه وسلم: " اقرءوا الزهراوين" , الزهراء من النور , وسمي آخر آيتين في البقرة نور , فهذا يدل على فضل هذه السورة.
الدكتور محمد الخضيري : : وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يؤمر على السرية من كان معه سورة البقرة .
الدكتور مساعد الطيار :: هناك فائدة مرتبطة باسم السورة وبغيرها من أسماء السور قد يطلع القاري على كتاب شعب الإيمان البيهقي أو لشيخه الحليمي أو من كتب علوم القرآن ,نهي بعض العلماء وينسب لبعض الصحابة أن يقال سورة البقرة , وإن يقال عوضا عن ذلك السورة التي يذكر فيها البقرة , فنقول هنا أنه ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم -هذه التسمية سورة البقرة , فكون بعض العلماء يحترز بهذا الاحتراز , لا مقام له مع كلام النبي- صلى الله عليه وسلم -.
الدكتور عبد الرحمن الشهري : : هل تذكرون سبب تحرزهم ؟
الدكتور محمد الخضيري : : كون أن السورة تنسب للبقرة .
الدكتور عبد الرحمن الشهري : : يقولون أن السور التي تنسب للحيوانات فيها تقليل من شأنها , وهذا من وجهة نظرهم . فنحن نقول سورة البقرة والعنكبوت , والنحل والنمل , البعض يسخر ويقول هذه حيوانات بينما هي أسماؤها وليس في ذلك تحرج فالنبي -صلى الله عليه وسلم- قال سورة البقرة .
الدكتور محمد الخضيري : : و هناك ملحظ ينبغي أن ننتبه له , تلاحظ أن الشارع أهتم بالمعاني العظيمة وقضايا الأسماء وما يتصل به هي مكملات ,وليس من عادة السلف أو النبي -صلى الله عليه وسلم -التدقيق فيها , فالمقصود تميز هذه السورة عن بقية السور .
الدكتور عبد الرحمن الشهري : : وظيفة الاسم عند العرب هو للتميز , اسم يعيين للمعين مطلقا, فإذا تعين المسمى انتهت القضية , لكن كما تعلمون المتأخرون قد أوبؤا بالتدقيق في المسائل , وإيراد الاعتراضات و الأمور الافتراضية التي ليس لها مستند .
الدكتور محمد الخضيري : : لذلك تجدهم في التعريفات يبالغون في ذكر التعريف المانع الجامع و يطيلون الكلام فيه , حتى أنه في بعض الأحيان في تعريف علم معين أو باب من أبواب العلم خمسين تعريف يذكر , كم تعريفا للتفسير أنا اعرف قرابة ستة عشرة تعريفا , بينما اذكر الشيخ( لم أتبين اسمه ) قال هو بيان معاني القرآن .
الدكتور عبد الرحمن الشهري : : هذه من آثار المنطق والإطلاع على كتب علماء المنطق , لذلك - المتنبي أو غيره - يقول أن البلاء موكل بالمنطق , يحرصون على تدقيقات لا يكون لها أثر , ولم يكن هذا من عادة السلف فهذا عمر - رضي الله عنه - قرأ سورة عبس حتى وصل لقوله تعالى : { وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31)} فقال: [ كل هذا قد عرفناه، فما الأب ؟ ثم رفع عصا كانت بيده وقال: هذا لعمر الله التكلف، وما عليك يا بن أم عمر ألا تدري ما الأب .. ]
الدكتور محمد الخضيري : : هناك فرق بين المتقدمين والمتأخرين من النحاة , المتقدمين لما يقال ماهو الفاعل يقول الفاعل هو محمد في قولك قال محمد وقس عليه , أما المتأخرون فيقولون هو من قام بالفعل , أو قام به الفعل .
الدكتور مساعد الطيار :: لا شك أن التشقيق أو البحث عن العلل قد لا تكون محمودة في العلم , لكن لا يعني هذا عدم التحرير في العلم فهناك فرق بين هذا وذاك .
إذا كانت هذه فضائل سورة البقرة , وسبق التنبيه على ذلك سابقا , كون النبي - صلى الله عليه وسلم - وصف هذه السورة بهذه الأوصاف العظيمة , وذكر فيها هذه الفضائل , يحسن بنا أن نعرف ماهو المقصد الجامع لهذه السورة .
الدكتور محمد الخضيري : : يمكن أن نقول مقصود سورة البقرة - والله أعلم -فهي كما ذكر خالد بن معدان هي فسطاط القرآن والفسطاط يعني الميدان الواسع فيه الشرع والعبادة والسلوك وممكن بعض المتأخرين قال : لو قيل أنها جاءت لذكر الضرورات الخمس وللتأكيد على حفظها , حفظ الدين , والعقل , والمال , والعرض والنفس , هذه الخمس مدار سورة البقرة على حفظها والحرص عليه , ودلل على ذلك بما يؤكد على هذا المعنى الدكتور محمد الربيعة , والحقيقة لما تنظر إلى سورة البقرة تجدها هي الشريعة , وبعض المفسرون كالشاطبي يقول هي كلية الشريعة , وكلية الشريعة أي أنها جامعة للشرع كله , فالأركان الخمسة موجودة فيها , الشهادتان , الصلاة " ويقيمون الصلاة " آيات الزكاة و آيات الصدقة ,ومن يتصدق عليه , وآيات الإنفاق بشكل عام , وما يضاده وهو الربا , الصوم لم يذكر إلا في سورة البقرة : {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} , و تفاصيل هذه العبادة من الدعاء والاعتكاف ونحو ذلك , الحج { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } الجهاد , ذكرت هذه الأركان الخمسة وذكر معها أيضا الجهاد في سبيل الله , ثم ذكرت موضوعات مالية وفي الأسرة , الطلاق ,العدة , وفي تفاصيل حياة الناس والمعاملات المالية كآية الدين وهي أطول آية في كتاب الله ذكرت في هذه السورة , هذا يدل على أنها بالفعل كلية الشريعة أو سورة الضرورات الخمس , أو فسطاط الدين أو كما ذكر القرطبي أن بعض أشياخه قال فيها ألف أمر وألف نهي وألف حكم وألف خبر .
الدكتور عبد الرحمن الشهري : : ولذلك تجد الذين كتبوا في أحكام القرآن فإن أطول سورة تناولوا فيها الأحكام هي سورة البقرة فهي مليئة بالأحكام والتشريعات .
الدكتور مساعد الطيار :: وهي أيضا أطول سورة فسرت.
الدكتور عبد الرحمن الشهري : : وهذا من أسباب اجتهاد الصحابة في تعلمها في هذه المدة الطويلة ثمان سنوات واثني عشرة سنة , من هو الذي في زمننا هذا تعرفون أنه بقي في حفظها سنتان أو ثلاث سنوات , ولذلك أود أن أنبه على هذا , لماذا لا يخصص شهر رمضان و يكون لسورة البقرة فقط, ولا سيما أن هناك كتب كثيرة خصصت لسورة البقرة وهناك كتب في التفسير , إذا جاءت لسورة البقرة أطالت , مثل تفسير الطبري سورة البقرة في أربع مجلدات أو ثلاث .
الدكتور مساعد الطيار :: على حسب الطبعات , مثلا ابن حيان الطبعة القديمة ثمان مجلدات المجلد الأول في البقرة .
الدكتور محمد الخضيري : : وأيضا الرازي- رحمه الله - قرابة المجلدين أو الثلاثة الأولى كلها في البقرة , والسبب في ذلك أن المفسرين يحبون أن يذكرون التفاصيل في أول موطن تذكر فيه ثم يحيلون بعد ذلك إلى ما تقدم .
الدكتور مساعد الطيار :: طبعا هذا سبب آخر ولكن لا شك أن السبب الأول سبب وجيه كونها السورة العظيمة والطولى نجد أنه يحصل فيها هذا الطول عند المفسرين في تفسيرها.
الدكتور محمد الخضيري : : نريد أن نتحدث عن الموضوعات لكن أتوقع أن الوقت لا يتسع للموضوعات فلعلنا ننتقل للمناسبة بين الفاتحة والبقرة .
الدكتور عبد الرحمن الشهري : : من المناسبات تقدم أن قلنا أن سورة الفاتحة في أم القرآن ,ذكر الله فيها الثناء على نفسه ,والتوحيد في إياك نعبد وإياك نستعين, وذكر فيها أصناف الناس المؤمنين واليهود والنصارى , ثم جاء في سورة البقرة تفاصيل لهذا الموجز , كأن سورة الفاتحة الموجز وإليكم التفاصيل في سورة البقرة , { ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) } وذكر بعد ذلك أوصافهم , وقد ذكرهم في الفاتحة في قوله { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } فهؤلاء هم المتقين , ثم جاء ذكر تفاصيل عن المنافقين , وتفاصيل عن الكافرين ,تفاصيل عن بني إسرائيل وفصل فيهم تفصيلا كثيرا , وأيضا في سورة الفاتحة قلنا أن من المعاني الجامعة فيها العهد والميثاق و تأتي سورة البقرة فتتحدث عن { الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27)} البقرة , ثم يأتي بعد ذلك { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63)} , { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) } , { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93) } وتكرر فيها ذكر العهد والميثاق أكثر من عشر مرات , فهذه أيضا مناسبة بين قوله{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) } في سورة الفاتحة وقد قلنا أنها العهد والميثاق و بين تكرار الميثاق والإشارة إليه في هذه السورة .
الدكتور محمد الخضيري : : أيضا من المناسبة بين السورتين أن يقال ذكر في سورة الفاتحة الأصناف الثلاثة وجاء التفصيل في جزء في البقرة وجزء في آل عمران , ومن المناسبات ذكر العبادة في سورة الفاتحة , وأول أمر جاء في سورة البقرة وهو قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)}.
الدكتور مساعد الطيار :: الوقت داهمنا لكلن لعلنا في اللقاء القادم نكمل نفس الفكرة , ولعلنا نشير لهم , إلى كيفية أدراك المناسبات , فنحن الآن نعطيهم أمثلة ومناسبات جاهزة , لكن كيف يستطيعوا أن يستنبطوا المناسبات لعلنا في اللقاء القادم نذكر هذا- بمشيئة الله تعالى -
جزاكم الله خيرا
ويجعل مجالسنا من مجالس الذكر

[align=center]سبحانك اللهم وبحمد أشهد أن لا إله أنت استغفرك وأتوب إليك , وصلى اللهم على محمد وآله وسلم .[/align]
[align=left]انتهى اللقاء.[/align]
 
[align=center]بارك الله في الجميع وجعلنا و إياكم من عتقاء هذا الشهر ..[/align]
 
شكر الله لك أختي الكريمة وأسأل الله أن يكتب أجرك وأجر كل من يقرأ00آمين
 
كتب الله أجرك أختي

مجهود تشكرين عليه حقاً
 
اقتراح للدكتور / عبد الرحمن الشهري والمشايخ الفضلاء .

اقتراح للدكتور / عبد الرحمن الشهري والمشايخ الفضلاء .

لماذا لا يستفاد من برنامج بينات ، بجوال كجوال تدبر مثلاً ، فإني أرجوا أن ينفع الله به نفعاً عظيماً ، وقد لمست كغيري فوائد ذلك الجوال ، فمما يميز برنامج بينات ، ما اكتسبه من قبول وانتشار في جميع أنحاء العالم الإسلامي ، وبهذا يتسنى لنا الإستفادة منه بأكبر قدر ، ولا يمنع أن تتعدد مثل هذه الجوالات التي تحث على تدبر كلام الله ، بل قد تكون الفائدة أكبر حيث أن بعضها يعضد بعضا ، ويمكن أن يقوم الأخوات الفاضلات يتفريغ اللقاءات على هيئة رسائل جوال . هذا وأرجوا منكم التعليق . وجزى الله الجميع على ما يقدمونه من خدمة للقرآن العظيم .
يقول الإمام الطبري - رحمه الله - : ( إني لأعجب ممن يقرأ القرآن ، كيف يلتذ بتلاوته ولم يفهم معناه ) .
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً إنك أنت العليم الحكيم .
 
لماذا لا يستفاد من برنامج بينات ، بجوال كجوال تدبر مثلاً ، فإني أرجوا أن ينفع الله به نفعاً عظيماً ، وقد لمست كغيري فوائد ذلك الجوال ، فمما يميز برنامج بينات ، ما اكتسبه من قبول وانتشار في جميع أنحاء العالم الإسلامي ، وبهذا يتسنى لنا الإستفادة منه بأكبر قدر ، ولا يمنع أن تتعدد مثل هذه الجوالات التي تحث على تدبر كلام الله ، بل قد تكون الفائدة أكبر حيث أن بعضها يعضد بعضا ، ويمكن أن يقوم الأخوات الفاضلات يتفريغ اللقاءات على هيئة رسائل جوال . هذا وأرجوا منكم التعليق . وجزى الله الجميع على ما يقدمونه من خدمة للقرآن العظيم .
يقول الإمام الطبري - رحمه الله - : ( إني لأعجب ممن يقرأ القرآن ، كيف يلتذ بتلاوته ولم يفهم معناه ) .
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً إنك أنت العليم الحكيم .

بارك الله فيكم أخي العزيز ونفع بكم .
فكرتكم جيدة وسنناقشها بإذن الله بجدية .
 
[align=center]
3.gif
[/align]

[align=center]اللقاء الرابع [/align]

موضوع اللقاء الرئيسي:
- في مقاصد سورة البقرة وموضوعاتها .
موضوعات اللقاء الفرعية:
- الألفاظ وأثرها على معرفة المناسبة بين السور.
- معنى المناسبة.
- المناسبة بين سورة الفاتحة والبقرة .
- مدلول الفعل المضارع في قوله إياك نعبد وإياك نستعين .
- دلالة تقديم ما حقه التأخير في القرآن وهو إفادة الحصر والاختصاص .
- تجديد العبد للعهد والميثاق في كل ركعة من الصلاة .
- موضوعات سورة البقرة .
- أين ذكر اليهود والنصارى في بداية سورة البقرة .
- أول أمر ونداء في القرآن الكريم .
- الاستدلال بالربوبية على الألوهية .
- قصة آدم وهي أول قصة ذكرت في القرآن.
- المراد بقوله خليفة في الآيات .
- عدم الخوض في مبهمات القرآن الكريم .
- تكريم آدم عليه السلام بالعلم .
[align=center]
21.gif
[/align]
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
الدكتور مساعد الطيار : توقفنا في اللقاء السابق عند المناسبة بين سورتي الفاتحة والبقرة , وكنا وعدنا أن نقف مع المناسبات ونعطي بعض الإلماحات لكيفية معرفة المناسبات , فقد تكون المناسبة بين سورة وأخرى قد تكون واضحة وبعضها تكون خفية , ومن قرأ في كتاب المناسبات كنظم الدرر يجد أنه بالفعل أحيانا تكون المناسبة ظاهرة وأحيانا تكون خفيفة , قد لا تستطيع الموفقة عليها مباشرة .
الدكتور محمد الخضيري : المناسبات أكثرها أو كلها اجتهادية .
الدكتور مساعد الطيار : نعم مبنية على الاجتهاد.
الدكتور محمد الخضيري : لو قلنا ما هي الأشياء التي نعرف بها المناسبة بين السورتين .
الدكتور مساعد الطيار : هل نقول أن الألفاظ لها آثر على المناسبة بين السورة والسورة التي تليها , مثلا سورة القمر انتهت بقوله تعالى : { فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)} وثم ابتدأت سورة الرحمن بقوله تعالى : { الرَّحْمَنُ (1)} فكأنه يقول أن المليك المقتدر هو الرحمن , ولذلك بعض القراء من طرائفه أنه يصل بين آخر سورة القمر مع بداية سورة الرحمن .
وفي قوله :{ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96) } في آخر آية في الواقعة , وقوله : {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) } في بداية الحديد,وقوله :{ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49) } في نهاية سورة الطور ,وقوله {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) }في بداية سورة النجم ..
الدكتور عبد الرحمن الشهري: إذن نحتاج أن نبسط موضوع المناسبة, فالبعض يسأل ما معنى مناسبة وما معنى تناسب ؟ .
التناسب هو وجوه الارتباط بين السور الفاتحة والبقرة وآل عمران مثلا , وهي اجتهادية , فالبعض قد تظهر له أوجه لا تظهر لغيره .
الدكتور مساعد الطيار : عندنا أيضا قضية موضوع السورة , فموضوع سورة الفاتحة مرتبط بالموضوعات التي طرحت في سورة البقرة .
الدكتور محمد الخضيري : وهكذا بين كل سورتين ينبغي أن ينظر القارئ في موضوع السورة ويحاول أن يبحث عن الرابط الذي يربط بينه وبين السورة التي تقدمت فهذا يفيد كثيرا في معرفة المناسبات , بمعنى لا تنظر في الموضوعات الجزئية فقط , وإنما انظر للمضامين الكلية , وحاول أن تقارن هذه بهذه ليظهر لك بعد ذلك وجوه المناسبة .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: تكلمنا عن المناسبة بين الفاتحة والبقرة .
الدكتور مساعد الطيار : أشرنا إليها , وقلنا سنعطي السامع بعض الفوائد في فهم المناسبات , أحيانا تكون المناسبة بين فاتحة سورة وفاتحة السورة التي تليها , وأحيانا كما ذكرنا قبل قليل المناسبة تكون بين خاتمة السورة وفاتحة السورة التي تليها , وأحيانا قد تكون موضوعات , فعندنا مجموعة من الطرق التي يعرف بها المناسبة .
الدكتور محمد الخضيري : مما ذكره الدكتور عبد الرحمن في الحلقة الماضية قال قضية العهد والميثاق , فإياك نعبد وإياك نستعين عهدا وميثاقا وقد تكرر هذا في سورة البقرة في مواطن كثيرة جدا؛ يؤكد الله - عز وجل - العهد والميثاق على الأمم المتقدمة وعلى هذه الأمة , مما يجعل هذا من أجدى المناسبات بين السورتين , وعندي مناسبة أخرى بين قوله:{ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) } في الفاتحة , هذا الصراط أين هو؟ وقوله : {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)} البقرة , فهذا الكتاب هو الصراط المستقيم ,هذا الذي تسألون الله إياه , وهذه تفاصيله , ولذلك سميت هذه السورة جامعة القرآن أو سنام القرآن أو فسطاط القرآن لأنها قد جمعت شرائعه كلها , ففيها من العبادات والمعاملات والأموال والقصاص والوصايا والجهاد الخ .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: أيضا هناك وجه ارتباط آخر ففي سورة الفاتحة عندما ذكر الله الذين أنعم عليهم فقال : { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ...(7) } , ثم فصل صفات الذين أنعم عليهم في سورة البقرة , فهناك صفات كثيرة من وفاءهم بعهدهم واستجابتهم لأمر الله ورسوله , وقصص الذين أنعم الله عليهم كثيرة في هذه السورة .
الدكتور محمد الخضيري : بل في أول السورة أيضا ,في قوله : { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) } هؤلاء الذين أنعم الله عليهم , وفي المقابل في آخر السورة بين أن هناك طائفة للمؤمنين قد قامت بهذه الموصفات في قوله : {آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)} .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: أيضا وجه ارتباط آخر في المغضوب عليهم والضالين , أشار الله إليهم في سورة الفاتحة ثم فصل لنا من قصصهم وصور ضلالهم في سورة البقرة , فكلمة ابن عاشور وغيرهم من المفسرين قال : [ سورة الفاتحة هي ديباجة القرآن و مقدمته الذي جاء القرآن كله لكي يفصل معانيها ] كلمة رائعة جدا والذي لا تظهر لك معانيها إلا إذا تأملت في سورة البقرة.
الدكتور مساعد الطيار : وذكر هذا بعض المفسرين فهناك من أشار لهذه الفكرة ؛وهي أن الفاتحة جامعة لمعاني القرآن,
الدكتور محمد الخضيري : أيضا هناك قضية - وهي تتمة لما ذكره الدكتور عبد الرحمن في الحلقة السابقة - وهي قوله :{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) } في الفاتحة , نحن الآن تعهدنا أن نعبد ربنا والتزمنا بذلك الأمر , فما هي العبادات ؟ العبادات دونكم إياها؛ فأركان الإسلام الخمس والتي هي أجل العبادات, موجودة في سورة البقرة, ففيها التوحيد والصلاة والصوم والزكاة والحج كلها مذكورة في سورة البقرة .
الدكتور مساعد الطيار: نعم وجوه العبادات كلها .

الدكتور عبد الرحمن الشهري:هناك فائدة لطيفة لعلنا نناقشها , ففي قوله : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) } قلنا أنها عهد وميثاق , ثم ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم - أنه لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب , فتأمل كيف أنك في كل ركعة تجدد هذا العهد والميثاق , لفت نظري الفعل المضارع في قوله :{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) } فالنحويون يقولون أن الفعل المضارع يدل على الثبوت والتجدد , فكلما نطقت بفعل مضارع دل على تجدد الفعل , فليس فعل مستمر بل هو فعل يحتاج لتجديد من وقت لآخر .
لاحظ كيف أنك في كل ركعة تجدد هذا العهد والميثاق الذي تردد بالفعل المضارع " نعبد " و" نستعين" , للدلالة على أنك في كل ركعة تصليها وكل مرة تقرأ فيها الفاتحة تجدد هذا العهد والميثاق بينك وبين الله -سبحانه وتعالى- و أنك لا تعبد إلا هو ولا تستعين إلا به فهو غاية في التوحيد- توحيد الألوهية وتوحيد العبودية -.
الدكتور مساعد الطيار: وهذا مدلول الفعل المضارع - من باب الفائدة كما ذكرتم - قضية الحدوث والتجدد, لو تأمله المتدبر وهو يقرأ - في شهر رمضان - ويتأمل في صياغة الفعل, ففي أول البقرة قال : { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ} ثم قال : { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) } ولم يقل وينفقون مما رزقناهم فمثل هذه تجعل المتدبر يتساءل لماذا اختلفت صياغة الجملة , فجاء بفعل ثم عطف عليه فعل ثم يأتي بجملة اسمية , فلو يجعل المتدبر لنفسه حظا من النظر في الأفعال وكيف صيغت .
الدكتور محمد الخضيري : قال سبحانه وتعالى في سورة الأنعام :{ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95)} , وهذا سؤال طرحه المفسرين , لماذا خالف في الجملتين فمرة أتى بالجملة الفعلية ومرة جاء بالجملة الاسمية , وقد أجاب السيوطي إجابة , ولا أدري هل نقلها عن غيره كعادته - رحمه لله - و أنا أنقلها عنه وهي في غاية الروعة , قال : في يخرج الميت من الحي , لما كان إخراج الحي من الميت أدل على القدرة أتي بالجملة الفعلية ليدلل على أن هذا يحدث دائما وأبدا يتجدد , أما مخرج الميت من الحي , فهذا ثابت لله- عز وجل -فليس أدل على القدرة من الأول ولذلك جاء بالجملة الاسمية لإثبات أنه وصف يستحقه الرب - سبحانه وتعالى -.
الدكتور مساعد الطيار : هذا وصف ثابت فليس فيه إشكال .
الدكتور محمد الخضيري : نعم ثابت فليس فيه إشكال, أما الأول فأتي بالصيغة الفعلية ,ليقول للعباد أن ذلك لم يحدث مرة واحد في الكون وإنما يتجدد ويحدث مرة بعد أخرى .
- القصور في تعلم اللغة العربية ومدلولاتها .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: هذا من اللفتات الجميلة في تدبر القرآن وتدبر لغتنا الجميلة , لدينا قصور كبير فيه لضعفنا في اللغة العربية , وتلاحظ أن مناهجنا العلمية لا تساعد على العمق الفهمي في هذا الجانب , ندرس النحو على أنه قواعد جافة , ننجح في إقامة الكلام واستقامته , لكننا لا نصل إلى درجة تذوق الأساليب, بحيث تفرق بين من يخاطبك بفعل مضارع , ومن يخاطبك بفعل أمر , أو من يقدم المفعول به على الفاعل, فما نشعر بهذا الفرق الدقيق بينها, مع أن علم البلاغة خاصة عندما تكلم فيه عبد القاهر الجرجاني في كتابة دلائل الإعجاز , نصح - جزاه الله خيرا - بالعناية بالنحو وفهم المقاصد الذي يقصدها العرب من الكلام من خلال ترتيب الكلام , ففي قوله تعالى : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) } فيها حكم بلاغية كثيرة , منها أن التعبير بالمضارع يدل على التجدد وهناك فكرة أدق منها وهي قضية تقديم المفعول به على الفاعل .
الدكتور محمد الخضيري: أي تقديم ما حقه التأخير .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: نعم , فقدم إياك على نعبد .
الدكتور مساعد الطيار: ولم يقل نعبدك .
الدكتور محمد الخضيري : مع أنها اقصر .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: بالضبط , فتقديم المفعول به يدل على الاختصاص , فهذا يدل على أننا نفردك بالعبادة ونخصك بالعبادة , أي لا نعبد إلا إياك , هذه كان يفهمها العرب دون الحاجة إلى تعليم ودراسة , أما نحن اليوم فنحتاج إلى الدراسة , ولذلك أقول أنه ينبغي على كل مسلم أن يحرص على ما يعينه للوصول إلى هذه المرحلة , وأنصح بكتاب جيد في هذا الباب خاصة كتب البلاغة مثل كتب عبد القاهر الجرجاني فهي رائعة في هذا الباب , وفيها نتائج تعتبر من دقائق أسرار القرآن الكريم وبلاغته , وكلما ظهر لك منها وجه زاد إيمانك , حتى وأنت تستمع للإمام في التراويح يقدم المفعول به هنا و يعبر بالفعل المضارع هناك , فلأنك قرأت وعلى بينه تستفيد وتتأثر بالقرآن , في كتاب رائع كتبه الدكتور السامرائي معاني النحو هذا الكتاب من أروع الكتب التي صنفت في هذا الموضوع في أربع مجلدات ويقول بقيت فيه أكثر من عشر سنوات يبحث فيه عن المقاصد البلاغية من الأساليب النحوية عند العرب , لماذا قدموا هذا ولماذا أخروا ذاك , و لماذا عبروا باللام هنا ولماذا أكدوا بالنون ولم يؤكدوا بكذا , ويقول كثيرا منها لم ينص عليها لا اللغويون ولا البلاغيون من قبل , فأعملت ذهني بالاستنباط فقد يصيب وقد يخطئ , فهذا علم شريف , غفلنا عنه حتى المعنيين بالدراسات القرآنية بصفة عامة , فقد يستغرب المتخصص في الدراسات الإسلامية عندما تسأله أسئلة بلاغية دقيقة فيقول هذا ليس فني, وأنا أرى أنه من صلب عمل المتخصص في التفسير والمعني به , أن يتتبع أسرار البلاغة في هذا الكلام البليغ ,حتى يستطيع أن يوصله للناس .
الدكتور مساعد الطيار : بمناسبة ما ذكرتم , هناك من المتقدمين من كتب في ذلك , الأول الطيبي وله حاشية على الكشاف , وله شرح على المصابيح وفيه إخراج لنفائس البلاغة النبوية وكذلك القرآنية, والآخر السهيلي وله إبداعات عجيبة جدا في هذا .
الدكتور محمد الخضيري : أضف إلى هذا ابن القيم رحمه الله - وإن كان استفاد من السهيلي- في بدائع الفوائد , ومن يقرأ في الكتب التي أخرجت في جمع تفسير ابن القيم يجد أن كثيرا منها يدور في هذا المعنى ,فابن القيم - أظنه - لا يملك نفسه في كل مرة يقول وهذه من لطائف التنزيل وهذه لا يتفطن لها إلا الفطن وهذه لم تأتي إلا بعد جهد .
الدكتور مساعد الطيار : وأيضا الرازي -رحمه الله تعالى - في كتابه ولكن لأ كتابه كبيرا جدا والاتساع أضاع كثير من هذه الشوارد ,التي تحتاج إلى جمع , ولو انبرى أحد طلبة العلم في جمع لطائف التفسير في تفسيره سيجد الكثير جدا .
الدكتور محمد الخضيري : تتميما لكلام الدكتور عبد الرحمن في قوله تعالى :{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) } ولماذا قدم ما حقه التأخير , وقد يكون لم ينتبه لها الكثير من الأخوة وهو ما الفرق بين إياك نعبد و نعبدك , فإياك نعبد توحيد , ونعبدك ليست توحيدا .
خذ مثلها في سورة يحفظها كثيرا من الناس بل ويرددونها في الصلوات وهي سورة قل هو , آخرها قال فيها :{ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) } الصمد , فهذه مقلوبة قلبا , فهي" ولم يكن أحد كفوا له " فالجملة الأخيرة مقلوبة قلب كامل , لماذا ؟ لهذه الحكمة البلاغية وهي أن تقديم ما حقه التأخير يدل على الحصر , هذا كله من أجل إثبات هذا المعنى العظيم .
الدكتور مساعد الطيار : وكأنه لو قال نعبدك لا يلزم منها نفي عبادة الغير .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: من المعاني الرائعة في القرآن الكريم , هو العناية بالتقديم والتأخير ودلالاته ,قد يقول البعض هل تتوقعون أن العرب في الجاهلية أو في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا يتفطنون لهذه الأشياء , وهي انك لو قدمت ما حقه التأخير أن له معنى ؟ تأملت هذا في أشعار الجاهلية بالذات ففيها عناية بهذا الجانب لا تكاد تصدق وهذا دليل على أنهم أصحاب سليقة , ولذلك جاء القرآن الكريم على هذه السليقة الرائعة ,فلو تأملت شعر امرؤ القيس فقط تجد الأدوات في شعره تستخدم بمهارة عالية , متى يستخدم ما " ومتى يستخدم "لم" متى يقدم اللام ومتى يستخدم التأكيد, وتجد فيها بلاغات عالية جدا من أعلى البلاغات في لسان العرب , ثم إذا جئت للقرآن الكريم فإذا بينه وبينها مسافات , ولذلك - أنا كنت و لا زلت - أنتقد القاضي الباقلاني فقد قال في كتابه إعجاز القرآن دعونا نأخذ قصيدة امرؤ القيس التي أجمع العلماء أنها من أجود شعر العرب فنبين ما فيها من الضعف والخلل , وبعد ذلك يأتي ويقارنها بالقرآن , فقلت ما صنعت شيئا- رحمك الله -, فليتك بينت ما فيها من الجمال وإلا فلماذا اختارها كل هؤلاء , ثم إذا بينت ما فيها من الجمال وازن بعد ذلك بينها وبين القرآ، الكريم لتبين الفرق الكبير بينهم , أما أن تأتي تشتمها ثم توازن بينها وبين القرآن , ما صنعت شيئا , لأنك وزانت بينه وبين شيء ضعيف.
الدكتور مساعد الطيار : يبدو انه لم ينتبه لهذه الحيثية مع ما أعطاه الله من العقل .
الدكتور محمد الخضيري : عندي قصة عجيبة في هذا الباب تؤكد اهتمام العرب بهذه الأمور وعنايتهم بها , يذكر في القصص عند تفسير{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ } , أن رجلا قام فسب رجلا فلم يلتفت له المسبوب , فاغتاظ , فقال إياك أعني - أراد لا اعني أحدا سواك - فقال المسبوب له وأنت أعرض - أي لا اعرض عن أحد سواك - لم يقل أنا أعرضت عنك , فرد عليه بأقوى منه.
الدكتور مساعد الطيار : لعلنا في اللقاءات القادمة نبين هذه الفكرة بالذات وهي عناية العرب بلغتهم وفهمهم لهذه الدقائق , فنحن نحتاج إلى هذه الصنعة لنفهم هذا القرآن الكريم على وجهه .
و لعلنا ننتقل إلى موضوعات سورة البقرة والتي هي أطول سور القرآن الكريم, فالمتوقع أن تكون مليئة بالموضوعات , فأول موضوعات كما نعلم هو التقسيم .
الدكتور محمد الخضيري : ذكر صفات المؤمنين والكافرين والمنافقين .

الدكتور مساعد الطيار : قد يقول قائل أنه في القسم الأول ذو التقسيم الثلاثي لم يذكر أهل الكتاب فبعض العلماء يقول أنهم ذكروا ضمنا في قوله:{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا } لأن نهاية أمرهم إلى الكفر, وبعضهم يقول أنها في قوله { وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ } أي خلا المنافقون إلى شياطينهم , وشياطينهم هم اليهود الذين كانوا في المدينة , فأين النصارى إذن , هنا فائدة لطيفة قد لا يدركها كثير من الذين ممن يسمع عن هذه الطوائف , فالنصارى تبع لليهود بمعنى أنه إذا خوطب اليهود في القرآن فالنصارى يلحقهم هذا الخطاب , لماذا ؟ لأن النصارى يؤمنون بدين اليهود , ولكن اليهود لا يؤمنون بدين النصارى , لذلك خذها قاعدة وأنت تتكلم مع النصارى , إذا جاءت وقلت لنصراني في مزمور كذا ذكر كذا وكذا وتحتج عليه لا يقول أنا لا أؤمن بالمزمور لا يمكن , لكن لو جئت ليهودي وقلت له في إنجيل متى كذا , يقول لك أنا لا أؤمن أصلا بالإنجيل , فلاحظ هذه القضية فهي قضية مهمة , لذلك إذا قال يا بني إسرائيل وهو يتكلم عن الديانة اليهودية فالنصارى تبع لهؤلاء .
الدكتور محمد الخضيري : إذن لي يا دكتور مساعد في تفسير الطاهر ابن عاشور التحرير والتنوير- قبل أن نذكر موضوعات في هذه السورة- ذكر أمرين , من المهم أن نطلع على ما ذكره فيهما من أجل أن نتبين فيما تدور هذه السورة وموضوعاتها إلى أين تتجه .
يقول :[ومعظم أغراضها ينقسم إلى قسمين : قسم يثبت سمو هذا الدين على ما سبقه وعلو هديه وأصول تطهيره النفوس ] هذا واحد , وهذا الذي ذكر فيه أصناف المؤمنين ومحاجة أهل الكتاب وذكر معايبهم والخصومة معهم وذكر أخلاقهم الخ , [وقسم يبين شرائع هذا الدين لأتباعه وإصلاح مجتمعهم ] فيقول هذه السورة تدور في هذين الغرضين تقريبا .
الدكتور مساعد الطيار : إذن الموضوع الأول تقسيم الناس .

الدكتور محمد الخضيري : الثاني الدعوة لتوحيد الله -عز وجل- فبعد أن ذكر هذا قال : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)}واستدل على هذا التوحيد لأنه هو المقصود .
الدكتور مساعد الطيار : يقولون هو أول أمر في القرآن الكريم ,, وهو مرتبط بقوله:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)} , وهو أول نداء في القرآن الكريم .
الدكتور محمد الخضيري : أضف إلى ذلك أنه لما ذكر التوحيد لم يذكره مجردا لم يقل :{اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} فقط , بل ذكره بدليل : { الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ} ثم أكد : { فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22) } ففي البداية قال" أعبدوا ربكم "وفي الختام قال :"فلا تجعلوا لله أندادا" , في الأولى بصيغة الإثبات وفي الثانية بصيغة النفي , فذكر التوحيد بدليله هذا مهم جدا , فتوحيد الألوهية هو الربوبية .

الدكتور مساعد الطيار : إذن الوقوف على الربوبية وهذا يقع أحيان عند بعض المسلمين وأحيانا بعض العلماء , يستغرق في توحيد الربوبية ولا يأخذ بتوحيد الألوهية , فنقول أن المقصد الأعظم من ذكر توحيد الربوبية هو الوصول لتوحيد الإلوهية , فإذا عرفت أنه ربك , ماذا يجب أن يكون ؟ المراد أن تعبده , ولذلك عندما ندعو الكفار من اليهود والنصارى بأي أسلوب من أساليب الدعوة المعاصرة وبأي طريقة من الطرق , لا نقتصر على قضية وقوع الاقتناع من هذا الكافر بأن ديننا حق , لأن هذه مرحلة وليست هي المرادة , وإنما المراد تعبيد هذا الكافر لله - سبحانه وتعالى - إذن ننتقل للمرحلة الأخرى و هي مرحلة تعبيد هذا الكافر لله , وإما دعوته ليقتنع بما عندي ليست هي المهمة عندي بل الدخول في دين الله .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: الموضوع الثالث الذي ننتقل إليه و إن كانت موضوعات سورة البقرة لو أخذت تفصلها آية آية لو جدت فيها آلاف الموضوعات .
فكما ذكر الدكتور محمد مرارا قول من قال أن سورة البقرة اشتملت على ألف حكم وألف أمر وألف نهي , فهي مليئة جدا , ولكن لعلنا نذكر أبرز الموضوعات , مثل قصة خلق آدم عليه السلام :{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً } وهذه قصة لها ما بعدها .
الدكتور محمد الخضيري : وهي أول قصة من قصص القرآن وهي آخر قصة حكيت في القرآن , فقصة الخلق وكيف أخرج آدم عليه السلام من الجنة وأهبط للأرض , وما حصل له من التكريم المسبق , كيف أن الله كرمه وأعلى منزلته ثم وقعت منه الخطيئة فنزل , ثم في آخر سورة من سور القرآن : { مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) } الناس , تذكروا أول حدث في القرآن والآن النتيجة والثمرة انتبهوا يا أبناء آدم من هذا العدو , الذي لن يترككم حتى تشركوه في نار جهنم - نسأل الله السلامة والعافية - .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: تعتبر قصة خلق آدم من أبرز موضوعات سورة البقرة , ولو تلاحظون في أولها في قوله :{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) }البقرة , والناس يتساءلون دائما , لماذا تقول الملائكة :{ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} , كيف عرف الملائكة أنهم سيسفكون الدماء ؟ هل كان هناك مخلوقات سابقة في الأرض ؟ تجد المفسرين يتكلمون بكلام كثير , فقالوا : أنه كان فيها طوائف من الجن , لكن هل هناك أدلة تثبت ذلك , ليس هناك أدلة , ولكن تلاحظ أن هناك أمور قد يتشوف الذهن لمعرفتها في القرآن الكريم ولم يأت لها خبر لا في القرآن ولا في السنة , بالرغم من أن الناس تتشوف إليها , فليس من الصحيح أن تأتي بروايات باطلة وضعيفة, لتملأ بها هذا الفراغ بحجة كما يقول بعضهم إن في قصص القرآن الكريم هناك فراغات كثيرة , والقصة في عالم الأدب تحتاج أن تملأ هذه الفراغات , لو تجوزنا بهذا في عالم القصة العادية , لكن في القرآن الكريم ليس من حقك أن تملا فراغات القصص القرآني بخزعبلات و أشياء غير صحيحة وباطلة .
الدكتور مساعد الطيار : هل هناك مانع أن نقول أن الله الله سبحانه وتعالى لما قال : { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً } و قالوا:{ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} أن يكون قد كان عندهم من العلم المجمل ما استنبطوا منه هذا الأمر - علم مجمل من الله - فالآن حصل قدر في وجود هذا الخليفة ,و الخليفة كما هو معلوم يخلف بعضه بعضا ,وهم يعلمون أنه سيدخل في محيط التكليف , فيكون عندهم من العلم المجمل ما استنتجوا من خلاله أن هذا الشيء سيقع منه وأقرهم الله عليه ؟ .
الدكتور محمد الخضيري : وقد قيل قول آخر وهو أنهم علموا ذلك إما بوحي أو إلهام , فالله أوحي إليهم أو ألهمهم ذلك فعرفوا أن ذلك سيقع منهم .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: عفوا يا دكتور محمد مالمانع أن تكون قبلهم مخلوقات سابقة وقد كانوا يعرفون هذا لكن هذا ما حكي لنا .
الدكتور مساعد الطيار : لا يمنع , ومن باب الفائدة بعض الناس- أحيانا - مثل هذا الأمر يكون كبيرا عنده , وتجده ينافح عنه , والقضية و السؤال هل أنت مطالب بهذا علما وعملا أو لا , ونحن نغفل -أحيانا كثيرة -عن هذه المسألة , ماذا أراد الله منا , فتجد أننا نقصر في ماذا أراد الله منا ونشتغل بماذا أراد الله بنا - القدر - فكونه وجد أو لم يوجد ما الفائدة , فلا فائدة عليمة ولا عملية لأن النتيجة منتهية .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: ممكن أن نقول أن هذا يلحق بالمبهمات في القرآن الكريم , فالمبهمات في القرآن الكريم هي الشخصيات التي وردت في القرآن الكريم غير محددة بالعين كقوله : { وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى } القصص : 20 , فمن هو هذا الرجل ؟ هذا مبهم , وكقوله : { وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ } يوسف : 50, ما اسم الملك ؟ هذا مبهم , فيقول العلماء : كل ما ورد في القرآن الكريم من المبهمات لا يتعلق به حكم و لا منه فائدة , ولولا أن بعض الصحابة - رضي الله عنهم - سأل عن المبهم لقلنا أنه ليس من المشروع أن تبحث عنه , لكن أقول أنه يلحق بالمبهم ؛ما سكت عنه في فواصل القصص القرآن , فهناك بعض المناطق في القصص القرآني ترك الحديث عنها , وليس هناك أدلة تملأ هذه الفراغات , فنرى أنه يعرض عن هذا .
الدكتور مساعد الطيار : إذن كيف استفيد من الموجود ولا أبحث عما سكت عنه , اذكر قديما ابن عقيل لما كان يلقي في الإذاعة تفسير التفاسير - إن لم تخني الذاكرة - نقل عن الخفاجي ولكن لا أدري من أين هذا النقل قرأت تفسيره لسورة الفاتحة بحثا عن هذا القول في قضية المحذوف , عندما يقول العلماء أن هذا فيه حذف , فكان يشدد في هذا ويقول أن هذا من القول على الله بغير علم أن تزعم أن الله قد ترك شيئا , هذا معناه .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: ما ريكم في هذا القول فالمفسرين والنحويون إذا قالوا محذوف يقصدون محذوف تقديرا مثلا إذا سأل أحد:" أين محمد " فأجبت : " في البيت" ولم تقل :"محمد في البيت" فأنت حذفت محمد للعلم به لأنه ذكر , فالحذف في كلام المفسرين المقصود به هذا وليس المقصود ما سكت عنه من القصص أو التفاصيل .
الدكتور مساعد الطيار : أحيانا قد تدخل محذوفات في القصص من نفس هذا النوع , بعض الناس يسأل أين أم يوسف - عليه السلام , وأين أبو موسى - عليه السلام - .
الدكتور محمد الخضيري : صحيح أبو موسى ليس له أي ذكر .
الدكتور مساعد الطيار : أين أبي مريم ؛عمران- و سيأتينا بمشيئة الله الكلام عنه - لم يذكر , ذكر اسمه فقط ولم يذكر عنه أي خبر .
فهناك شيء من الفراغات التاريخية , تدخل في هذا الجانب , جانب القدر الذي إن وصلنا إلى علم فيه فلا يزيدنا في قضية العمل , وإن كان فيه فائدة علمية , لكن ماذا أراد الله منا في جانب العمل هذا الذي يجب أن نحرص عليه و لا نقصر فيه.
الدكتور محمد الخضيري : استفدت من كلامك قبل قليل في قوله خليفة , فكثير من الناس يفهمون خليفة لله عز وجل والله عز وجل ليس بحاجة أن يخلفه أحد في شيء من ملكه - سبحانه وتعالى - لكن خليفة الصحيح من كلام أهل التفسير أنه يخلف بعضه بعضا , فالله خلق ابن آدم على وجه المخالفة بمعنى أنه يأتي جيل ثم بعده جيل وهكذا حتى يرث الله الأرض ومن عليها .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: وهذا له شواهد في اللغة ففي قوله تعالى :{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62)} الفرقان , يخلف بعضه بعضا يذهب الليل ويأتي النهار .
الدكتور مساعد الطيار : { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ} الأنعام :165
الدكتور عبد الرحمن الشهري: يخلف بعضكم بعضا .وفي قصيدة زهير ابن أبي سلمى المعلقة التي يقول في مطلعها :
أمن أم أوفى دمنه لم تكلم **بحومانة الدراج فلمتثلم
ديار لها بالرقمتين كأنها مراجع** وشم في النواشر معصم
وهو يصف أطلال آل أم أوفى فيقول أن بها العين - بقر الوحش - يقول أنها أسراب من بقر الوحش تسكن هذه الأطلال ولم يبقى فيها أثر للساكنين فيقول :
بها العين والآرام يمشين خلفة** وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم
الشاهد أن خلفة كلمة معروفة المقصود بها يخلف بعضهم بعضا .
الدكتور مساعد الطيار : لم يبقى إلا شيء قليل فلعلنا نذكر الفوائد من قصة آدم ؟

الدكتور محمد الخضيري : لعلي أذكر أمرين , أن الله كرم آدم - عليه السلام - بالعلم وهذه الحقيقة كونها تأتي في سورة البقرة , للدلالة على أن هذا الدين وهذا كتابه هو كتاب العلم , فكأن الله يوقظنا لأهمية العلم وأن الإنسان ينبغي أن يهتم به فلا يمكن للإنسان أن يدرك سعادة الدنيا ولا سعادة الآخرة إلا به , وهذا ادم لو كان هناك شيء يفضل به آدم على الملائكة وهم خيار خلق الله خير من العلم لفضل الله به آدم , ولكن الله جعله العلم لأنه يعتبر أعلى ما يفضل به الإنسان .
الدكتور مساعد الطيار : اذكر أحد الطلاب أرسل لي بحث مقترح له وهو العلم في سورة البقرة , عجيب فعلا , ومثل هذا التقوى في سورة البقرة ستجد أن هذه السورة وغيرها من السور مليئة , وكأن هذه السورة لم تتحدث إلا عن هذا الموضوع .
الدكتور محمد الخضيري : الأمر الآخر قصة آدم - عليه السلام - في خلقه و إهباطه , هي خلاصة تقدم للبشرية كلها يقال لهم أيها الناس أنتم خلقتم ومستقركم الجنة فوسوس الشيطان لأبيكم فاستحق عقوبة له أن يهبط للأرض , الآن المطلوب منكم الرجوع للمقر , والرجوع للمقر يحتاج للصعود , والصعود يحتاج لجهد وتعب , يحتاج إلى صلاة صيام حج زكاة أمر بالمعروف ونهي عن المنكر , جهاد , وأشياء كثيرة جدا , كما قال ابن القيم- رحمه الله -
فحيى على جنات عدن فإنها ___ منزلك الأولى وفيها المخيم
ولكننا سبي العدو فهل ترى___ نعود إلى أوطاننا ونسلم
الدكتور مساعد الطيار : انتهى الوقت ولعلنا نكمل في موضوعات السورة في الحلقة القادمة .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: جزاكم الله خيرا
[align=center]سبحانك اللهم وبحمد أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك , وصلى اللهم على محمد وآله وسلم .[/align]

[align=left]انتهى اللقاء.[/align]
 
جزاك الله خير الجزاء وجعل ما تقومين به من العلم النافع الذي تنتفعين به بعد عمر طويل في طاعة الرحمن
 
الله يجزاك خير الجزاء .... ويجزى المشايخ الفضلاء عنا كل خير

لكننا نطمع بالمزيد من الحلقات بارك الله فيك ...

فقد فاتتني أوائلها ... وارجو ان اجدها هنا مفرغه

وفقنا الله واياكم جميعاً .. ونفنا بما عندكم من علم
 
[align=center]جزاك الله خير الجزاء ..
مجهود راااااااااااائع ...
أسأل الله أن ينفع بك ...
أكملي بارك الله فيك ..
[/align]
 
جزاك الله خيراً أختي الفاضلة تيماء على هذا الجهد المبارك وهذا النقل وجعل كل حرف تنقلينه في ميزان حسناتك اللهم آمين. ننتظر باقي الحلقات بفارغ الصبر إن شاء الله تعالى. سلمت يمينك وبارك الله في وقتك
 
جهد مبارك أختي تيماء
جزاك الله خيرا .. هي أبلغ الثناء
جعلك الله من عتقائه
وصب عليك رحمات منه وبركات
فتكوني مرحومة في كل شأنك .. مباركة أينما حللت
 
[align=center]
3.gif
[/align]

[align=center]اللقاء الخامس [/align]

موضوع اللقاء الرئيسي:
- تابع موضوعات سورة البقرة .
موضوعات اللقاء الفرعية:
- صيغ الإشارة لليهود والنصارى في القرآن وسبب الاختلاف في صيغ الإشارة.
- في كون أن الخطاب لليهود يشمل النصارى ولكن خطاب النصارى لا يشمل اليهود.
- العلة في إشارة القرآن ليعقوب مرة بيعقوب وأخرى بإسرائيل .
- الأعلام الأعجمية في القرآن و تحرج بعض العلماء من قول أن في القرآن أعجمي .
- أصل اسم يعقوب وإسحاق .
- بعض الألفاظ الأعجمية وأصولها العربية .
- تذكير الله لبني إسرائيل بنعمته على آبائهم, وفيه أن النعم على الآباء نعم على الأبناء ,و أن مخازي الآباء تلحق الأبناء .
- الإجمال قبل التفصيل و نظرة إجمالية لآيات بني إسرائيل في سورة البقرة.
- المغزى من تقديم ذكر الحل في قصة البقرة على أصل الإشكال .
- المغزى من ذكر مخازي بني اسرائيل وقصصهم هو للاعتبار والتحذير منها , وهذا ما فهمه الصحابة .

[align=center]
21.gif
[/align]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن واله وبعد:

الدكتور محمد الخضيري : وصلنا في الحلقات الماضية إلى قصة بني إسرائيل , والتي تعتبر أخذت حيزا كبيرا من هذه السورة , وهي قصة جوهرية في تحديد هدف هذه السورة ومقصودها ,وافتتحت بقول الله -عز وجل- : { يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ..} فما تعليقكم ؟
الدكتور مساعد الطيار : بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله , في قوله سبحانه وتعالى : {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ}
من الأشياء التي يحسن أن ينتبها لها قارئ القرآن, أن الله - سبحانه وتعالى- إذا خاطب أهل الكتاب قبلنا, فهناك عدة خطابات , فهناك خطاب بـ يا بني إسرائيل , وخطاب بـ يا أهل الكتاب , وخطاب قالت اليهود , وخطاب قالت النصارى, أما أمر النصارى فواضح جدا ,أما إذا قال يا بني إسرائيل فالذي يظهر لي - والله اعلم - هو النظر للقومية بمعنى النظر للنسبة ويراد بهم الأبناء الذي انحدروا من نسل يعقوب عليه السلام -والذي هو إسرائيل - فيكون هنا التذكير بالوشيجة النسبية , وهذا بلا شك نوع من التشريف , كما تنادي أي إنسان فتقول يا ابن بني فلان , أما قوله : "قالت اليهود" ففي الغالب تأتي في القضايا المرتبطة بالديانة أو ذكر بعض الأخبار المخزية عنهم , مثل قوله : { وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } وقوله : { وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى } فهو من جهة الديانة .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: فلم يرد في القرآن الكريم ولن ترضى عنك بنو إسرائيل .
الدكتور محمد الخضيري : لأن من بني إسرائيل من اسلم .
الدكتور مساعد الطيار : أما قوله : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ } فهذه أحيانا قد يراد بها اليهود وأحيانا قد يراد بها اليهود والنصارى و قد ترد في سياق النداء لأحد الطائفتين , لكن في الغالب أن المراد بها اليهود والنصارى.
ومن باب الفائدة إذا وقع الخطاب لليهود فيلحق بهم النصارى لأن النصارى يؤمنون بكتاب اليهود , أما إذا كان الخطاب للنصارى فهو خاص بهم لأن اليهود لا يؤمنون بكتاب النصارى , فهذه تقريبا أربع ألفاظ يحسن للمتأمل أن يتأمل سياقاتها حين تأتي ," بنو إسرائيل , يا أهل الكتاب , قالت اليهود , قالت النصارى".
الدكتور محمد الخضيري : وفي هذا الصدد , نذكر أيضا إسرائيل و هو يعقوب - عليه السلام - فمرة يذكر باسم يعقوب ومرة يذكر باسم إسرائيل , وقد ذكر الزركشي لطيفة جميلة في هذا الباب فقال : إذا أريد تذكير بنيه بعبوديته لله وتحبيبهم بهذه العبودية وبالعهد الذي بينهم وبين ربهم - سبحانه وتعالى - ذكروا باسم أبيهم إسرائيل لأنه بمعنى عبد الله , وإذا أريد ذكر يعقوب وحده أو ذكر التبشير بالعقب في إبراهيم عليه السلام :{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72) } الأنبياء , ولم يقل و إسرائيل نافلة , فيعقوب بشارة بأنه سيكون له عقب , وأن ذرية إبراهيم - عليه السلام - ستبقى في نسل إسحاق - عليه السلام - فذكر يعقوب , وهي من اللطائف الجميلة التي أدعو إلى تأملها في موضوع تتبع الأسماء ودلالاتها واختلافاتها في القرآن الكريم .
الدكتور مساعد الطيار : من باب الفائدة طالما ذكرت قضية دلالة الأسماء هناك كتاب لرؤوف أبو سعده اسمه "العلم الأعجمي في القرآن مفسرا بالقرآن" , هذا الكتاب فيه لفتات جميلة جدا , وإن كان القارئ عندما يقرأ هذا الكتاب قد لا يستطيع أن يوافق أو يخالف المؤلف ؛لأن المؤلف يعتمد على لغات قديمة , وأذكر مرة أني ذكرت الكتاب في ملتقى التفسير وقلت من اشتراه ولم يعجب به فعلي غرمه , لأن الكتاب جمع بين التاريخ واللغة والثقافة , والمؤلف لا يعرف له غير هذا الكتاب .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: الكتاب نادر , وأنا أؤيد الدكتور مساعد , والحقيقة أني قرأت نصف الكتاب , وقد قدم له الدكتور محمود محمد الطناحي , و أثنى عليه ثناء عاطر , وكان هذا سبب قراءتي للكتاب بعد ذلك, وهناك كتاب آخر, وقد كنا أجرينا لقاء في ملتقى أهل التفسير , مع الدكتور فاء عبد الرحيم , وهو رئيس قسم الترجمات في مجمع الملك فهد , وقد ألف كتابا مماثلا , تتبع فيه الأعلام الأعجمية في القرآن الكريم وتتبع أصولها ودلالاتها , وكتابه قيم , وأثني على ما ذكره الدكتور محمد من العناية بالأسماء الأعجمية في القرآن والسياقات التي ترد فيها , فمتى يرد يعقوب ومتى يرد إسرائيل .
الدكتور مساعد الطيار : ومثله إلياس و إلياسين فهو واحد فلماذا قيل مرة إلياس ومرة إلياسين .
وهذه ستقودك إلى البحث عن هل في القرآن الكريم مفردات أعجمية أم لا ؟
الدكتور محمد الخضيري : كالسندس والإستبرق .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: بعض المتأخرين و المتقدمين أيضا من علماء العرب يتحرج من هذه الكلمة , ويقول أن من قال أن في القرآن كلمة أعجمية فقد جحد , أو قدح في القرآن , أو أنه أعظم الفرية على الله.
الدكتور مساعد الطيار : هذا قول أبو عبيدة ..
الدكتور عبد الرحمن الشهري: نعم , قالها في مقدمة كتاب المجاز .
الدكتور محمد الخضيري : لأن فيها مخالفة للنص فيما يظهر .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: لقوله تعالى :{ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2)}يوسف, لكن في تصوري الأمر أبسط من هذا خاصة الأسماء .
الدكتور محمد الخضيري : يظهر لي أن الأسماء هي في محل إجماع في خروجها من هذا الأمر , لكن يبقى في الأعلام .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: مثل الأدوات التي كان يستخدمها العرب ولم تكن من إنتاجهم , كالسندس والإستبرق , لا يعرفها العرب إلا من استيرادها من الفرس , فليس هناك حرج من تسميتها بالأسماء التي سماها بها من صنعها , لكن حتى هذه الأسماء , هناك إشكالية وهي : أن العرب تتصرف في العلم , فتغير فيه .
الدكتور مساعد الطيار : مثل إستبرق يقولون أن أصله ستبرك.
الدكتور محمد الخضيري : لكن من يؤكد أن الأصل كان فارسيا؟
الدكتور مساعد الطيار : هذا قاله الطبري.
الدكتور عبد الرحمن الشهري: هذا لا يستطيعه إلا من يتقن اللغة.
الدكتور محمد الخضيري : أو ما يستطيعه إلا نبي لأن اللغات حقيقة أقرب ما تكون إلى علم النبوات في أصولها , لذلك قال الشافعي : [ لا يحيط باللغات إلا نبي ]
الدكتور عبد الرحمن الشهري: لغات العرب يقصد ؟.
الدكتور محمد الخضيري : بل حتى في اللغات الأخرى , تحتاج إلى عبقرية عالية حتى تحيط بأصولها .
الدكتور مساعد الطيار : بما أننا فتحنا هذا الموضوع ولكي يكون هناك تكامل فيما يتعلق بالعلم الأعجمي , فقد ذكرتم أن العلم الأعجمي لا إشكال في وجوده في القرآن بمعنى لو افترضنا أن أحدا كتب قصة من عشر صفحات وذكر فيها اسم بريطاني أو ذكر اسم مدينة , لا نقول أن هذا يعتبر عجمة في القصة.
الدكتور عبد الرحمن الشهري: فذكر بعض المفردات الأعجمية لا يخرجه عن كونه عربيا .
الدكتور مساعد الطيار : لكن المراد أنه لا يوجد في أساليبه شيء أعجمي , ولا يأتي بألفاظ ذات دلالة غامضة لا تعرف معانيها .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: والأصل في هذا أن يقال , أن القرآن الكريم به ألفاظ أعجمية في أصلها , ولكن القرآن نزل بعد أن استخدمتها العرب, فنزل القرآن بلغة العرب التي تستخدمها .
الدكتور مساعد الطيار : و لبعض المعاصرين بحث جديد فيه إثارة لهذا الموضوع من جديد , والعلماء -كما نعلم - البعض منهم ينفي والبعض يثبت والبعض يتوسط في هذا , و الطبري يرى أنه لا يوجد في القرآن ما هو أعجمي، فيقول لا يمكن أن ثبت أن هذه لفظة عربية وأخذتها العجم أو أنها أعجمية وأخذتها العرب , ولكن بعض العلماء يقولون أن هذه الأعلام الأعجمية أصولها الأولى عربية, ولكن حصل لها تعجيم على مدى من الزمن ,وذكروا أمثلة من لطائفها مثل ما ذكرتم يعقوب ,فلو حذفنا الزوائد فيه" الياء والواو" أصبح لدينا مادة عقب, وهي مناسبة لاسم يعقوب, فهو الذي يعقب أباه , وكذلك حللو اسم إسحاق بالتحورات التاريخية التي حصلت له , وقالوا أن أصله بمعنى الضاحك أو الذي يضحك , لذلك جاء في قصة سارة " فضحكت " وكيف تحول إلى إسحاق فالعبريين ... يقولون يصحاق فالصاد أصلها ضاد والقاف أصلها كاف وهذه متقاربة في النطق , وإذا أزلت الزوائد منها تصبح يضحك , هي لفة طويلة ولكنها ليست بغريبة فمن قرأ في تاريخ المفردات سيجد أن مثل هذه التحولات ليست بغريبة .
الدكتور محمد الخضيري : هذا يدعوني إلى أن نؤكد على مسألة مهمة لطلاب العلم , فعندما تحدث مسألة خلافية بين أهل العلم, فمن الضروري جدا عندما تريد القراءة في خلاف بين أهل العلم أو تقرأ في مسألة ما أن تحرر محل النزاع أي: أين أختلف العلماء ,فمسألة العجمة في القرآن وهل يوجد عجمة في القرآن , نقول أولا حرر محل النزاع فالأعلام بإجماع العلماء موجودة في القرآن الكريم , أما الأساليب والجمل فا بإجماع العلماء ليست موجودة , فتحرر الخلاف, فهناك أسماء أعجمية موجودة في القرآن كالسندس والإستبرق والسلسبيل الزنجبيل وهكذا .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: أذكر فائدتين في هذا الموضوع , ولا أريد أن استطرد حتى لا نخرج عن موضوعات سورة البقرة .
الدكتور محمد الخضيري : لأن هذا التفسير ليس تفسيرا تحليليا .
الدكتور مساعد الطيار : لكنه مرتبط بموضوع بني إسرائيل والعلم الأعجمي في جميع القرآن .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: الفائدة الأولى: في أن بعض المفردات الأعجمية التي يقال بعجمتها في القرآن الكريمأصولها عربية , ولكن استخدمتها العجم , فرجعت مرة أخرى واستخدمتها العرب بعد بقاء التغيرات التي أحدثها العجم , فهناك من الباحثين الآن من يتتبع هذا ويصر عليه ,ويقول كل الألفاظ الموجودة في اللغات أصلها عربي , و أن اللغة العربية هي أم هذه اللغات , وأذكر قصة طريفة للأب انستاس الكرملي العراقي - وهو من علماء اللغة الكبار وكان نصرانيا من بغداد -يقول أنني تتبعت اللغة العربية واللغات الأخرى فوجدت أن ما يقارب تسع ألفاظ من عشر ألفاظ من الانجليزية أصلها عربي.
الدكتور محمد الخضيري : أي ما يقارب تسعين بالمائة من الألفاظ الإنجليزية أصلها عربي .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: نعم , ثم يقول أحد الباحثين العراقيين لفتت نظري هذه المقولة , فتتبعت بحث انستاس فذهبت للمتحف حتى أجد بحث الكرملي فلم أجده , يقول فتتبعت بنفسي اللغة وكتب بحثا عنها- أظنها كانت رسالة علمية قدمها , يقول فأكملت الكلمات فإذا عشر كلمات من عشر كلمات أصلها عربي , وضرب أمثله مثل مستشفى أصلها hospital هوسبيتل ,والمستشفى بالعربية أصلها "حوزة البيطار" - والحوزة هي المكان- و الآن يطلق بيطري على طبيب الحيوانات, أما سابقا فكان كل من يعالج يسمى بيطار , فيصبح المعنى "المكان الذي يعالج فيه البيطار" , فحورت إلى هوسبيتل , وهناك مفردات في الانجليزية لا شك أنها عربية مثل الكهف بالانجليزية Cave, والحناء Henna.
الدكتور مساعد الطيار : البعض سيتساءل ما هذا الإغراق , لكن نقول له لاحظ اللهجة العامية وحاول أن تؤصلها ستجد نفس الطريقة.
لعلنا نتحدث الآن عن خطاب الله لبني إسرائيل في قوله تعالى : { يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)}البقرة , الخطاب هنا ليس لبني إسرائيل الذين مروا وإنما لمن كانوا في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم -, و قوله : {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ..} 49 : البقرة , نلاحظ في الخطابات التي مثل هذه قد يقول القائل : ما علاقة من كان في زمن فرعون بمن كان في زمن الرسول -صلى الله عليه وسلم- , فنقول إن إنجاء الآباء نعمة على الأبناء فلو لم ينجوا الآباء لم يكن الأبناء .
الدكتور محمد الخضيري : {وَآَيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41)} يس .
الدكتور مساعد الطيار : و أيضا حين تُذكر مخازي الآباء التي لم يعترض عليها الأبناء ولم ينكروها فإنها تلحقهم , لذلك قال الله سبحانه وتعالى : {ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51)} البقرة , فهم لم يتخذوا العجل وإنما اتخذه آباؤهم من قبل , فإذن هذه قاعدة على القارئ أن ينتبه لها أن الخطاب لبني إسرائيل الذين كانوا في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- إذا جاء في أمور كانت من آباءهم فهي تلحق بهم .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: ومصداقا لذلك قوله تعالى : {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173)} الأعراف .
الدكتور محمد الخضيري : المفترض أن نبدأ بصورة إجمالية ثم نمر على التفاصيل , فهي الطريقة المثلى للنظر في السور والآيات و المعاني وجميع ما يعتري الإنسان , فينظر نظرة إجمالية ثم يخوض في التفاصيل حسب ما يريد , حتى في التفسير فالأفضل أن يبدأ القارئ بقراءة تفسيرا أجماليا , لا في تفسير يخوض في التفاصيل, فهذا قد يمنعه من الفهم , ويحول بينه وبين معرفة مراد الرب - عز وجل - من جملة هذه الآيات ,وتأكيد لذلك دعونا نأخذ نظرة أجمالية لهذه الآيات , فالآيات بدأت بنداء لبني إسرائيل تناديهم وتذكرهم بنعم الله عليهم فالله يذكر هذه النعم ويذكر العهود والمواثيق التي أخذها عليهم , وهو كما أسلفنا من الروابط بين هذه السورة والفاتحة " موضوع العهد والميثاق" , فيقول : { يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)}البقرة , فما هو هذا العهد , فذكر عدة أعمال في قوله : { آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44) وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) }, ثم: { يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } ثم بدأ يذكر نعم الله عليهم و بما قابلوها من الكفران والجحود والعنت والتجاهل والتأبي والطغيان والاستكبار والنكوص .
الدكتور مساعد الطيار : وعبادة العجل .
الدكتور محمد الخضيري : يذكرالله- سبحانه وتعالى - نعمته عليهم , ثم بعد ذلك ما حدث منهم , فيقول لهم هذا ما فعلتموه , ومازال السياق على هذا النحو , حتى يأتي إلى المعاصرين في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- فيقول فيهم: { أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76) } , فبدأ يذكر مخازي المعاصرين , وكثير من كفراياتهم , ومقابلتهم للرسول - صلى الله عليه وسلم - بالكفران والجحود , وهم أعلم الناس بأنه رسول الله حقا , يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وهي دلالة على المعرفة القطعية , كما قال عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - :" إني لأعرف أن هذا رسول الله أشد من معرفتي لأبني , فإني لا أدري من خلفني على أمه , لكني أعلم أن هذا رسول الله حقا ", إذن فمازالت الآيات تعدد مخازيهم: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ} {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ..} {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ..}{قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ}{وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ}{وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ }, ثم يذكر بعد ذلك المجادلات والخصومات معهم , و إلزامهم بالحجج :{مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا }{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}{ أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ }{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا} فهي ترد عليهم وتجادلهم , ثم ننتقل لمواضيع أخرى في بقية السورة .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: لفت نظري ما تكرر من الأمر بالوفاء بالعهد ثم التفصيل في تعداد مخالفات بني إسرائيل :{ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42)} , وهذا فيه جانبان ؛الجانب الأول شدة عتو هؤلاء , وكثرة مخالفتهم , وقد كانت عندما تنزل الآيات على النبي -صلى الله عليه وسلم -و يتلوها على الصحابة تبلغ اليهود , كما كان حال كفار قريش, شديدي الحرص على تتبع الجديد من الوحي , فكانوا كالمسلمين أو أشد حرصا , وقد يكون ذلك للرد عليه أو تسفيهه أو دهشة من جماله ,كما في قصة أبو سفيان والأخنس بن شريق .
الدكتور محمد الخضيري : عندما كانوا يأتون في الليل ليستمعوا لتلاوة الرسول- صلى الله عليه وسلم -للقرآن .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: والأمر الثاني: أن فيها تحذير من مخازي بني إسرائيل وتنبيه عليها ونهي عنها, فالصحابة - رضوان الله عليهم - كانوا يعرفون أن هذه الرسائل أتت لكي يجتنبوا ما وقع فيه بني إسرائيل , والسورة كما تقدم معنا مرارا تدور حول هذا , وقصة البقرة قصة رمزية في ذلك .
الدكتور محمد الخضيري : ولذلك نقول ونؤكد أنه ينبغي للقارئ عندما يرى مثل هذه الوصايا الربانية أن يدونها , ثم ينظر في القرآن و أوامر الرب لنا - أمة محمد - سيجدها موجودة , ولعلي أضرب مثال واحد فهنا يقول : {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) } , و بعد أن بدأ ينزل القرآن عليهم وتتابع الأوامر , يقول لله - عز وجل - :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) } نفس الأوامر , وهنا قال أيضا :{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83)} , يعني أحذروا يا أمة محمد هذا أيضا قد أنزل عليكم فإياكم أن تتولوا مثل ما تولوا وتعرضوا كما أعرضوا فيصيبكم ما أصابهم , فحري بنا نحن ؛ ونحن نقرأ القرآن أن ننظر لوصايا الرب - سبحانه وتعالى - للأمم السابقة ثم نحصيها وننظر فيها لأنه في الغالب مثل هذه الوصايا أمر مشترك .
الدكتور مساعد الطيار : هناك أيضا من الفوائد في بني إسرائيل ما ينبغي أن ننتبه له :{ وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60)} لماذا اثنا عشرة عينا ألا تكفيهم عين واحدة ؟ لا شك أن هذا يرتبط بطريقة عيش بني إسرائيل والذين هم أبناء يعقوب- عليه السلام- , وعند تأمل الخطابات القرآنية لهم , تجد مثلا لما ضربموسى عليه السلام البحر لهم :{فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63)} الشعراء , وكان أيضا اثنا عشرة طريقا , هذا يدعوك للتساؤل , و الذي يظهر ؛ أولا: أنه لكل سبط طريقه الذي يخصه , لكن السؤال الثاني لماذا لكل سبط ما يخصه ؟ فهناك أشياء من المفترض أن تكون عامة , وأشياء تكون خاصة , كما في الجيوش الإسلامية مثلا , كانت كل قبلية مع بعضها فيكون هناك نوع من الحمية , لكنه في النهاية يختلط الكل , وقد لا تنتبه لهذا إلا عندما يقال أن الميمنة كانوا بني فلان والميسرة كانوا بنوا فلان , والذي يظهر لي -وهي قضية نلاحظها في بني إسرائيل -قضية الافتراق والتنازع , وأن هذه الطريقة كانت بسبب تنازعهم , ومن التنازع لديهم مثلا لما بعث لهم طالوت ملكا قالوا : { وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) }, مع أنهم في البدء : { إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ..(246)} أي واحد , لكن -سبحان الله -هذا بسبب المنازعة والخصومة , وهذا يشير لهذا المعنى ,و فيه تنبيه لنا كمسلمين أن لا يكون عندنا مثل هذا التفرق .
الدكتور محمد الخضيري : هذه اللطائف وأمثالها لا نستطيع أن نجزم بصدق واحده منها ولا بخطئها فنستفيد منها مدامت في الأصل هي صحيحة , فأنا انظر لهذا التقسيم أنه كان نوع من التنظيم والضبط الإداري بين قبائل وأناس متشاحين إذا جاءهم الخير تزاحم عليه , فجعل الله لهم هذا حتى لا يختلفوا , ويكون هذا قدوة للبشر, فنضبط دوما أمورنا ونوزع المهام وندير الأمور إدارة جيدة ,فمثلا لو تقرأ في قصة سليمان- عليه السلام- وإدارته لمملكته تجد غاية الضبط , يوسف -عليه السلام -تجد طريقته في توزيع الأموال على الناس في غاية الدقة و الإحكام ؛حتى وصف نفسه بقوله إني عليم حفيظ , لعل هذا ما تشير إليه الآية , ولا نستطيع أن نجزم أن هذا مراد الآية , أو ما ذكره الدكتور مساعد سابقا, فكلاهما لو نظرت إليه تجد أنه صحيح في نفسه ويمكن أن يطبق , ولذلك نقول أن هذه اللطائف لا تتزاحم ما دام أصلها صحيح و دلت الشريعة عليه .
الدكتور مساعد الطيار : الخلاف سيكون في " هل دلت الآية عليه " وهذا ملمح مهم جدا , أود أن ينتبه له من يستنبط , فلا نخالف في أصل القاعدة , ولكن في ربطها بالآية .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: تأييد لقول الدكتور مساعد قول الله تعالى:{ وإذ فرقنا...} فسماها فرق , لكن فكرة التوزيع الذي ذكره الدكتور محمد فكرة سائغة و لا سيما أنه أتى ذكر اثنا عشرة عينا واثنا عشرة طريقا في مقام الامتنان عليهم والتفضيل .
الدكتور محمد الخضيري : أضف إلى ذلك في قصة البحر عندما يدخلون في اثنا عشرة طريقا يمشون سريعا وحتى يتفقدون كل من معهم فهم قادمون على معمعة وقد يفقد أحد أو يتخلف أحدا , وأفضل طريقة لهذا أن يقسم الناس ,فليس هناك طريقة يمكن أن تنادي بها بالأسماء أو بالأرقام , وإنما يقال بنو فلان وبنو فلان وهذا أيسر ما يكون , فمثلا في الحج وأنت في حملة فتقسم الناس أهل نجران, أهل جيزان ,أهل أبها, أهل الرياض وهكذا .
نأتي الآن لقصة البقرة فهناك مسألة في القصة - قد تشكل على القارئ - فعندما تقرأ القصة تقرأها وكأنما تقرأها من منتصفها , ثم إذا أتيت لآخرها تجد قوله تعالى : {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72)فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73) } فهل هذا تابع للقصة جاء بعدها , أو حدث ذلك قبلها , أو هي قصة منفصلة ؟ ما قول أهل العلم في ذلك ؟
الدكتور عبد الرحمن الشهري:يرى المفسرون أنها قصة واحدة و أنه أخر ما حقه التقديم , فقدم الله -سبحانه وتعالى- الحل ثم ذكر سببها , فذكر أن سبب أمر بني إسرائيل بذبح بقرة أنه قد قتل فيهم قتيل , واختلف فيمن هو القاتل فكان الحل الذي أمر به موسى - عليه السلام - أن يذبحوا بقرة ويضربوا بلحمها هذا المقتول , فيحيا بإذن الله تعالى ويخبر عمن قتله , وفيما يبدوا لي أن تقديم العلاج في القصة قبل ذكر السبب لأن العبرة في القصة هو في الحل وفي استجابتهم لأمر الله الذي جاء به موسى - عليه السلام - فقدمت على سببها ,لأن السبب قد يقع في أي مكان , ففي أي مكان قد يقتل قتيل ويختلف فيمن قتله , لكن الحل الإلهي الذي أمر الله به كان هو العبرة , فلاحظوا أن سورة البقرة كلها كانت بسبب هذه القصة فتقديمها في نفس سياقها وجيه .
الدكتور محمد الخضيري : وتشير لأمر مهم , وهو أن تعطى هذه الأمة نموذجا على ما فعله بنو إسرائيل فيقال لهم انظروا ماذا فعل بنو إسرائيل مع نبيهم موسى - عليه السلام - فيأمرهم بأمر {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً } فيقولوا له : { أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا } فيقول:{ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67)} قالوا : { ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ} وبدأت الأسئلة .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: لاحظ الأدب في قولهم "ربك" .
الدكتور محمد الخضيري : كأنك أنت ربك شيء ونحن شيء آخر .
الدكتور مساعد الطيار : وكما قالوا : {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) } المائدة .
الدكتور محمد الخضيري : فلما أعطيت الأمة هذا المعنى , قيل لهم أن سبب هذه القصة والمشكلة وأمر موسى لقومه أن يذبحوا بقرة- هو قوله: { وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72)} فقدم هذا الأمر ليبرزه للأمة , فيقال لهم انتبهوا أن تفعلوا كما فعل بنو إسرائيل أو أن يحصل لكم مع نبيكم مثل ما حصل من بني إسرائيل مع نبيهم من التلكؤ والتباطؤ وعدم الاستجابة والعناد وتكرار الأسئلة , لذلك في الحديث يقول -صلى الله عليه وسلم -:« ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم » رواه البخاري ومسلم , فالاختلاف على أنبيائهم جاء هنا في قوله" أتتخذنا هزوا" ,وكثرة مسائلتهم في قوله "ادع لنا "مرة بعد أخرى , وفي الأخير قالوا "الآن جئت بالحق" !
الدكتور مساعد الطيار : بني إسرائيل قال فيهم الله -سبحانه وتعالى- : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69) } الأحزاب .
الدكتور عبد الرحمن الشهري:لا مقارنة بينهم وبين أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - .
الدكتور مساعد الطيار : وأيضا قال : {.. لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ .. (5)} الصف, فأذيتهم لموسى - عليه السلام - وهو من أولو العزم من الرسول , وهو الذي أنقذهم الله به من ضيم فرعون فانظر كيف تعاملوا معه .
الدكتور محمد الخضيري : هذا المعنى كان حاضرا في ذهن الصحابة وفي ذهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: " إن الله كتب عليكم الحج" فقال رجل: أفي كل عام يا رسول الله؟ فأعرض عنه، حتى عاد مرتين أو ثلاثًا، ... فقال: "والذي نفسي بيده، لو قلت: نعم لوَجَبَتْ، ولو وجبت عليكم ما أطقتموه.."والثانية في غزوة بدر لما قال:" أشيروا علي أيها الناس", فقام له أبو بكر والمهاجرين ,وفي كل مرة يقول :"أشيروا علي أيها الناس" وهو يريد الأنصار لأن العهد بينه و بينهم أن يدافعوا عنه إذا جاء عدو للمدينة ,فأراد النبي -صلى الله عليه وسلم -أن يتأكد أن العهد وراء ذلك إذا خرجوا خارج المدينة, فقام سعد بن معاذ و أسيد بن حضير وقام صحابة من الأنصار وقالوا :والله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل: { فاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) } المائدة, ولكن نقول اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون .
الدكتور مساعد الطيار : وهذا يدل على استفادتهم من قصص بني إسرائيل .
الدكتور محمد الخضيري : وأنهم كانوا يستفيدون منها في الحياة , فليست الفائدة هي ثمرات ثقافية وتحليلات, بل علم وعمل مباشر في الحياة .
الدكتور مساعد الطيار :وهذه فيها إشارة إلى أن قصة موسى - عليه السلام -في المائدة قد نزلت قبل بدر , لأنه استشهد بها في هذا المقام .
الدكتور محمد الخضيري : ومن اللطائف الدكتور يحي بن إبراهيم اليحي - أستاذ التاريخ والسيرة النبوية في الجامعة الإسلامية- يقول : " أستطيع أن أرتب الأحاديث النبوية على ترتيب السيرة من بداية البعثة إلى وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- " فقلت له: هذا صعب ,فقال : اعطني ما شئت و أستطيع أن أقول لك متى وقع هذا في السنة الأولى أو الثانية أو العاشرة, وبالفعل ذكرت له عدة أحاديث وأجاب عليها , وهو لا يقول وقعت في اليوم الفلاني أو الشهر الفلاني لكن يستطيع ذلك بجمع النصوص وذكر بعض الأحداث .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: ولماذا لا يفعل ذلك ؟
الدكتور محمد الخضيري :هو يتمنى ذلك ولكنه يقول أن هذا المشروع ضخم جدا ويحتاج إلى جهد كبير .
الدكتور مساعد الطيار : لعله يرسم المنهج فلعله يأتي بعده من يكمله.
الدكتور محمد الخضيري : ذكرت له حديث , فقال لي هذا من رواه فقلت له رواه الصحابي كذا , فقال هذا لم يسلم إلا في السنة الفلانية , وهكذا ..
الدكتور عبد الرحمن الشهري: هذا ممكن ولكنه يحتاج إلى علم بالأحاديث والسيرة والتفسير , لكنه ممكن .
الدكتور مساعد الطيار : إذا كان عندنا مشاريع علمية أو عملية نجزم يقينا أننا لا نستطيع أن نقوم بها , فليس من الحكمة أن نميتها أيضا , على الأقل ننشرها بين الأمة بطريقة ما , لعل أحد يأتي ويتمها .
الدكتور محمد الخضيري : كأن يكتب مقالة عن هذا مثلا .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: يذكرون أن ابن العربي ذكر في كتابه التفسير - وقد تكلم عن علم المناسبات بين السور - , يقول وهذا علم قد فتح علينا فيه , ثم لم أجد له طالبا فطويته وجعلته بيني وبين الله , وليته كتب .
الدكتور محمد الخضيري : لعلنا بهذا نصل لختام الحلقة نسأل الله أن يعيننا في الحلقات القادمة.

[align=center]سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت , استغفرك وأتوب إليك .[/align]

[align=left]انتهى اللقاء[/align]
 
[align=center]
3.gif
[/align]

[align=center]اللقاء السادس [/align]

موضوع اللقاء الرئيسي:
- تابع موضوعات سورة البقرة .
موضوعات اللقاء الفرعية:
- تفسير معنى قوله تعالى : { واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان }
- بيان أن السحر كفر .
- حقيقة هاروت وماروت وكونهم فتنة .
- تقرير أن لله أن يبتلي عباده بما يشاء .
- ألفاظ القرآن جاءت بأبين ما يكون .
- الجمع بين مسألة عصمة الأنبياء وما وقع منهم من ذنوب .
- قواعد عامة في مسألة عصمة الأنبياء .
- إنكار ذنوب الأنبياء التي جاءت الإشارة إليها في القرآن الكريم تكذيب لله تعالى .
- الخلط الذي وقع فيه بعض المفسرين في قصة داود عليه السلام مع الخصم الذين تسوروا المحراب.
- تقرير أن الآية في القرآن قد يراد بها الآية الشرعية أو الآية الكونية .
- إثبات نسخ الآيات الشرعية وأنه لحكمة يعلمها الله .
- تبسيط لعلم الوجوه والنظائر مع ذكر أمثله ( آية , خير , أمة ) .
- ذكر بعض الكتب التي أُلفت في هذا العلم.
- الحديث عن تفسير الرازي صاحب مختار الصحاح وذكر بعض المسائل التي فيه.
- في معنى كلمة فناقل .
- القرآن يتدرج في معالجة القضايا وطرحها .
- التمهيد بالآيات لقضية تحويل القبلة .
- معنى السفيه .
- تحويل القبلة للكعبة وأثر ذلك على اليهود والكفار .
- ذكر أمر تحويل القبلة في كتب بني إسرائيل رغم تحريفها.
- استمرار أهل الكتاب في تحريف كتبهم حتى اليوم .
- في معنى إنجيل برنابا و إنجيل متى أو مزمور رقم كذا.
- توالي التشريعات في سورة البقرة بعد الأمر بتحويل القبلة .
- التربية تحتاج لطول وقت وطول نفس .

[align=center]
21.gif
[/align]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن واله
الدكتور محمد الخضيري : ما زلنا أحبائي نتحدث حول سورة البقرة هذه المائدة العظيمة من كلام الله -عز وجل -والتي فيها - يصح أن نقول- مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر؛ لكثرة ما فيها من خير وتنوعه,كنا نتحدث في الحلقة الماضية عن قضية من أهم قضايا هذه السورة وهي قضية بني إسرائيل و ذكر مخازيهم وصفاتهم وعهد الله لهم ونعمه عليهم , أشياء كثيرة ذكرت في هذه السورة لتكن موعظة لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وأن لا نصير إلى ما صاروا ونقول لنبينا ما قالوه لأنبيائهم ونفعل مثل ما فعلوا ونقابل نعم الله كما قابلوها , وذكرنا في نهاية الحلقة الماضية أن الصحابة استفادوا فائدة كبرى من قصص بني إسرائيل في سورة البقرة , و ما زالت الآيات تتابع و إن كنا لا نتوقف عند كل آية كما ذكرنا ولكن نقف عند المعاني المهمة التي نرى أنها تبين وتوضح ملامح هذه السورة ,حتى يدخل الإنسان إلى تفاصيلها وهو مطمئن إلى أنه يسير في ذات الأهداف التي تحققها هذه السورة .
وصلنا لقوله تعالى :{مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106)} هذه خصومة لبني إسرائيل ورد على بني إسرائيل لأنهم أدعو دعوى وهي : كيف يأت نبي وينسخ رسالة موسى -عليه السلام -فالله -عز وجل- يبين ويرد أنه هو الذي ينسخ وهو الذي ينزل وأن كل شيء من عنده , وفي الوقت ذاته هي مقدمة لشيء سيأتينا بعد قليل وهي قضية نسخ القبلة , فالقبلة أساسا كانت جهة بيت المقدس وجاءت هذه الآية لتعطي المقدمة , وتقول أن النسخ بيد الله, فالله هو المشرع , وفي الوقت ذاته هو الذي ينسخ ويرفع ويزيل , تعليقكم يا شيخ مساعد في هذا الموضوع .
الدكتور مساعد الطيار : لو سمحت فقط هناك موضوع مهم -في نظري - بودي لو نبدأ به وهو في قوله تعالى : {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102) } , كما نلاحظ انتشر في هذا لعصر السحر - نسأل الله السلامة والعافية - وله قنوات , ونلاحظ في الآيات إن الله - سبحانه وتعالى - ينفي عن سليمان - عليه السلام - هذا الأمر , ولكننا نجد أن بعض السحرة يزعم أنه علم يتلقى من سليمان - عليه السلام - وهذا من تلبيس الشيطان , والآية من الآيات المشكلة , وقد وقع فيها خوض من بعض من تعرض لتفسيرها ,كما أن كثير من الناس لا يفهم معنى الآية الإجمالي , فالله - سبحانه وتعالى - يقول : {وَاتَّبَعُوا } أي اليهود {مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} ولم يقل على سليمان , ومعنى ذلك أنهم كانوا يلقونه في عهد سليمان في مملكة سليمان - عليه السلام - ثم نفى الله - سبحانه تعالى - عن سليمان الكفر فقال :{وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ } وهذا فيه إشارة إلى أن السحر كفر, ثم قال : {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا}, لأنهم : {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} و أيضا يعلمون الناس :{مَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ} هذان الملكان كما أخبر عنهما الله لا يعلمان من أحد حتى يقولا له :{ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ}
فالله- سبحانه وتعالى - أنزل هذان الملكان ابتلاء للناس فيعلمونهم السحر , ونعلم أن القاعدة في هذا ؛أن الله لا يبتلى عباده بمثل هذه الأمور إلا إذا هم وقعوا فيها وصارت سجية لهم , مثل ما قال تعالى : { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5) } الصف , فهو عقاب لهم من جنس العمل الذي يقومون به , فلما أنزل الله هذان الملكان أنزلهم على قوم قد عج فيهم السحر , ومع ذلك إذا جاءهم أحد ليتعلم منهما فيقولان له إنما نحن فتنة فلا تكفر , فيبينون ويوضحون له , لكن هؤلاء يأتون إليهما باختيارهما ليتعلموا السحر , قال : { فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102)} قد يقول قائل أن هذا غريب فكيف ينزل الله تعالى ملكين لتعليم السحر , وهذا يرجع لقاعدة كلية وهي أن الله - سبحانه وتعالى - له أن يبتلي عباده بما شاء.
الدكتور محمد الخضيري : لعل الدكتور عبد الرحمن يجيب على هذا ؛كيف يبتلي الله العباد بأن يعلمهم السحر .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: الله -سبحانه وتعالى- له مطلق الحق بأن يبتلي عباده بما شاء ,والله- سبحانه وتعالى- لا يسأل عما يفعل ولذلك قال في سورة المائدة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) } ذكر العلماء ما هي المسائل المكروهة , كأن تتعنت في السؤال فهذا مكروه , و السؤال عن علل الأمور التعبدية؛ لماذا أمرنا الله بكذا , ونحن نؤكد في حديثنا عن سبب تسمية سورة البقرة بهذا الاسم أنها سميت بذلك لدلالة هذه القصة الرمزية على الاستسلام لأوامر الله والانقياد له , فإذا أمر الله بشيء انقادوا له ,و لذلك عائشة - رضي الله عنها - لما جاءتها امرأة تسأل وقالت لماذا نقضي الصيام ولا نقضي الصلاة فقالت لها : أحرورية أنت ؟ بمعنى لم تسألين عن ذلك ؟ وإلا كان بالإمكان أن تجيبها أنه بذلك أمرنا , فكثرة السؤال لماذا أمر الله بكذا من المسائل المكروهة , فالله -سبحانه وتعالى -يذكر أنه أنزل ملكين وأنه ابتلى الخلق بأن جعل هذان الملكان يعلمان الناس السحر ابتلاء منه , وقد يستكبر بعض الناس فيقول الله سبحانه وتعالى ينزل ملكين يعلمون السحر ؟ وينكر هذا , ونحن نقول أن الله له مطلق الحق في ذلك , الأمر الثاني أنهم ينبهون { وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} وانظر للأسلوب فالمعنى أنهم لا يمكن أبدا أن يغفلوا هذا التنبيه فقوله من أحد - فتشمل كل أحد - فهم ينبهونه وينذرونه بقولهم: {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} لكن يدخل على النفوس شبهات كثيرة عندما يغفلون جانب الاستسلام والانقياد لأوامر الله .
الدكتور محمد الخضيري : أضف لذلك أن الإنسان أحيانا قد يشكل عليه أمر يسير , وهو يذعن لما هو أعظم منه ,وهذه من العجائب -سبحان الله -, فنقول من الذي خلق إبليس ؟ أليس الله - سبحانه وتعالى- , و أليس إبليس فتنة لبني آدم ؟ من الذي خلق الكفر ؟أليس الله ؟ إذن ؛إذا كان الله خلق الكفر والمعاصي وقدرها , وخلق إبليس وجعله فتنة لبني آدم فهذه كتلك أيضا , فكيف تقبل بهذه وتستعظم تلك ؟ وهذه تدعونا لقضية مهمة جدا , لأن هذه الآية تشكل على فهم كثير من الناس بل قد أشكلت على كثير من المفسرين قالوا ذلك وذكروه في تفاسيرهم , والحق مع ظاهر القرآن , فظاهر القرآن جاء بأبين ما يكون في بيان حقيقة هذا الأمر , فنذهب ونلوي أعناق النصوص!! ونحاول أن نأتي بتأويلات باردة وسمجة وفيها تكلفات!! في غالبها هي رد على أمور وقعت في النفس ويريد الإنسان أن يردها , لكن الحقيقة أن هذه الأمور التي وقعت في النفس لا حقيقة لها , فكون الإنسان يقول كيف ينزل الرب ملكان ليعلمان الناس السحر وما يقبل بهذا , فيستعظمه وينكره , فيقول حقيقة الأمر أن هاروت وماروت ليسا بملكين !! أو أن التعليم ليس منها وإنما من اليهود أو من الجن والشياطين!! , تكلفات كثيرة جدا , مع أن الآيات واضحة جدا , فلا إشكال في الآية فالقضية أو العقدة هي ؛هل لله أن ينزل أحد يعلم الناس السحر ؟ الجواب: له ذلك , ومع هذا يبين - فالحمد لله - .
الدكتور مساعد الطيار : رأيت بعض المتأخرين كتب كتاب يبين قصة هاروت وماروت وأغلب ما تكلم فيه مجانب للمعاني التي ذكرناها والتي يشير لها ظاهر الآيات , والمحقق - حفظه الله - أخذ عنه وتبع المؤلف في هذا وأشاد بجهوده في التأويل , أحيانا يرد الكاتب عن شيء توهمه وليس واقع .
الدكتور محمد الخضيري : مسألة عصمة الأنبياء مثلا , وقع في نفوس كثير من الناس أن الأنبياء معصومون عن كل ذنب . ثم إذا جاءت الذنوب المذكورة في القرآن للأنبياء وتوبتهم لله واستغفارهم منها أشكل عليهم ذلك ,إذن حل العقدة من أصلها , فالأنبياء معصومون في أصل التبليغ وقبائح الذنوب التي هي لا تليق بأن تنسب إليهم لأنها تخل بالمروءة وتنقص مقادير الأنبياء , فهذه لاشك أنهم معصومون منها , لكن الذنوب التي تقع من سائر البشر , كأن يغضب فيضرب أو أن يسب إنسان أو شيء من هذا القبيل والذي يقع مثله من سائر البشر , نقول هذا لا ملامة فيه , الملامة في أن يقع منه الذنب ولا يتوب ولا يستغفر , ولذلك تذكر ذنوب الأنبياء ويذكر بعدها التوبة , ولذلك داود -عليه السلام -لما قال : { وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ (25) } ص , فانظر إلى قوله فاستغفر ولم يقل ثم استغفر , فمن حين ما وقع في الذنب استغفر , فمما استغفر داود إلا من ذنب , هنا انتهت المشكلة .
الدكتور مساعد الطيار : بمناسبة ذكر عصمة الأنبياء يحسن بنا وضع قواعد عامة لكي يتبصر بها المسلم وهو يقرأ القرآن , يقول - سبحانه وتعالى :{ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93) } الإسراء , فعندنا جانب بشري ,في النبي وجانب رسالي وهو نبوي , كما ذكرتم الجانب النبوي معصوم فيه وهو جانب التبليغ , أما الجانب البشري الأصل فيه أنه مثل البشر لا يعطى مزية إلا بما ورد فيه النص , فمثلا كون أن رائحة عرق النبي - صلى الله عليه وسلم - كرائحة المسك , هذا جانب كمال بشري نثبته لوجود الدليل عليه من الأخبار الثابتة عنه - صلى الله عليه وسلم - لكن لا يمكن أن نقول مثلا أن النبي - عليه الصلاة والسلام - يطير لعدم ثبوت ذلك عنه , إذا لا نثبت في الجانب البشري للنبي ما لم يثب عنه , و هذا الجانب هو الذي وقع فيه بعض الإشكال عند العلماء مما يقع من الجانب البشري في النبي , فاستغرب مع وضوح الآيات التي أثبتت بعض الذنوب من الأنبياء كيف يأتي من ينكرها , ويكون عنده حشمة لمقام النبي أكثر من حشمة الرب - سبحانه وتعالى - لأن في إنكار وقوعها نوع من تكذيب الله , فالله -سبحانه وتعالى -يقول : { لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2) } الفتح , هذه نعمة للنبي- صلى الله عليه وسلم- .
الدكتور محمد الخضيري : وكذلك قوله تعالى : {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) } الشرح ,
الدكتور مساعد الطيار : وقوله تعالى : { لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68)} النبي - صلى الله عليه وسلم - فسرها وقال: ( لقد عُرِض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة) وقال : ( ولو نزل ما نجا منه إلا عمر وسعد بن معاذ ).
الدكتور عبد الرحمن الشهري: أيضا {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) } الضحى .
الدكتور مساعد الطيار : الضلال عن تفاصيل الشرائع وإلا فالنبي - صلى الله عليه وسلم - فقد كان من الحنفاء , وأيضا استغرب في تفسير آية :{وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75) }الإسراء , فهذا خطاب للنبي مباشرة فكيف يأتي من يتمحل ويتكلف في التأويل , ولهذا فالسلامة هي مع ظاهر النص فنثبت للنبي ما أثبته الله له ولا ننفي عنه ما أثبته الله عليه .
الدكتور محمد الخضيري : تأكيدا لهذه الكلمة يجب أن نبين ونقرر أن القرآن بيِّن واضح , وأن ألفاظه سهلة ميسرة , و لذلك كل ما استعصى الفهم فيه أو الإفهام فيه ؛نعلم أننا جانبنا الطريق فيه , ففي قصة داود - عليه السلام - في سورة ص خاض الناس في الذنب الذي وقع منه , فقالوا أنه تزوج امرأة القائد , وأن القصة رمزية لشيء معين , بينما عندما تتأمل القصة تجدها واضحة جدا!! فعندما تقرأ كلام السعدي - رحمه الله - وكلام شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - تجد المسألة أوضح من أن تتكلف لها شيئا , فداوود - عليه السلام - حكى له أحد الخصوم القضية فقضى داود - عليه السلام- قبل أن يسمع من الخصم الآخر , و قال : { وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24)} فكيف يقضي قبل أن يسمع من الخصم الآخر , فربما كان عنده من الحجة ما يدفع به خصومة صاحبه , وانظر لقوله تعالى بعدها : { يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26) } .
الدكتور مساعد الطيار : لذلك تلاحظ في بداية القصة قوله تعالى : { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآَتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (20) } ثم القصة عن القضاء ثم ختمها بكونه خليفة ليحكم بين الناس بالعدل , فكل القصة من مبدأها إلى خاتمتها في القضاء وآدابه .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: تعليقا على قوله تعالى : { يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26) } , هذه لعل فيها فائدة ودلالة تدل على المعنى الصحيح لقوله تعالى : {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ..(30)} البقرة , لأن البعض ذهب لقول خليفة يخلف الله في الأرض , وهذا غير صحيح , فخليفة المقصود به آدم -عليه السلام -بحيث يخلف ذريته بعضهم بعضا فهذا معنى , ومعنى آخر أن آدم - عليه السلام - كان هو الخليفة الذي يحكم بين ذريته حتى توفي -عليه السلام -ثم أصبح الأنبياء بعد ذلك هم الذين يصنعون ذلك , فالخليفة من معانيها الحاكم .
الدكتور محمد الخضيري : لكن المعنى الذي ينبغي أن ندرأه في هذا الموضوع هو أن لا يكون خليفة لله بمعنى أنه وكيل لله في تدبير الأمور فهي بيد الله .
الدكتور مساعد الطيار : الآية التي ذكرتها وهي قوله تعالى : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106)} لو تأملنا هذه الآية نجدها تثبت النسخ وأن الذي ينسخ هو الله - سبحانه وتعالى - وهذه قاعدة يجب أن ينتبه لها المسلم , أن الذي ينسخ هو الذي أمر , وهذا الأمر مرتبط بحكم إلهية ومصالح مرتبطة بالبشر , سواء قل وقت الأمر أو طال ,فليس طول الأمر أو قصره مقصدا , وإنما المقصد النظر للحكمة والمصلحة , لأن البعض يقول كيف يأمر الله بالصدقة بين يدي الرسول قبل أن يكلموه في آية النجوى ثم تنسخ بعدها وقبل التمكن من فعلها , فلم يتمكن من فعلها إلا علي - رضي الله عنه - فنقول أن هذه قضايا مرتبطة بحكم إلهية ومصالح , والنظر في تطبيق هذه الأمور , وهي تربية من الله- عز وجل - للمسلمين , انظروا لهذا الفعل الذي فرض عليكم وفيه مشقة فإنما هو بسبب شيء ما فعلتموه فلم تتأدبوا مع النبي -صلى الله عليه وسلم - فجاءكم مثل هذا الأمر الذي قد يكون فيه نوع من القسوة والمشقة , ثم الله رحمة بكم نسخه , فلننتبه إلى أن هذه القضية مرتبطة بحكمة الله -سبحانه وتعالى - وأيضا من القضايا المرتبطة بهذه الآية , أن فيها علم جميل وقد يغفل عنه هو علم الوجوه والنظائر , فعلم الوجوه والنظائر من علوم القرآن المهمة, فهل كل لفظة آية وردت في القرآن المقصود بها آية قرآنية متضمنة لحكم , نقول : وردت آية والمراد بها آية كونية وقد نفي التبديل والنسخ في الآيات الكونية :{ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ... (64)} يونس , والمقصود أن الآية تأتي بمعنى الآية الشرعية وتأتي بمعنى الآية الكونية , والذي يقع عليه النسخ هو الآية الشرعية أم الآية الكونية فلا يقع عليه نسخ , فبعض من لا يفهم , وبعض النصارى من الذين يريدون أن يطعنوا في الإسلام يأتي بلفظ الآية في مقام الاحتجاج على المسلمين في أن القرآن مرة يثبت أنه يبدل الآيات ومرة يثبت أنه لا يبدل الآيات , فيقول في قوله تعالى : {وَإِذَا بَدَّلْنَا آَيَةً مَكَانَ آَيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) } النحل, هذه إثبات للتبديل والنسخ, وتأتي آيات آخر تنفي تبديل الآيات , فنقول هنا يجب أن ننتبه فالآية التي أثبت نسخها غير الآية التي نفي نسخها وتبدليها , وهذا علم الوجوه والنظائر , فهناك آية شرعية و آية كونية .
الدكتور محمد الخضيري : من علم الوجوه والنظائر ؛كلمة خير مثلا فترد مرة فتكون بمعنى أفضل و مرة بمعنى المال كما في قوله تعالى : {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8)} العاديات , وكلمة أمة مرة ترد ويراد بها الجماعة من الناس ومرة يراد به الرجل الجامع لخصال الخير كما في قوله تعالى: {إنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)} النحل , ومرة يراد بها الزمن كما في قوله { ..وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ... (54)} يوسف, فهذا تأكيد لمعنى الوجوه والنظائر .
الدكتور مساعد الطيار : يمكن أن نلخص معنى وجوه بأنها اللفظة التي يكون لها أكثر من معنى في القرآن , والنظائر هي الآيات التي تأتي على أحد هذه المعاني , مثلا كلمة أمة في قوله تعالى : { وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ ..(23)} القصص, فهي هنا بمعنى الجماعة من الناس , نظيره قوله سبحانه وتعالى : {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)} الأنبياء .
الدكتور محمد الخضيري : وأُلفت فيها كتب مثل كتاب إصلاح الوجوه والنظائر للدامغاني .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: و الوجوه والنظائر في القرآن العظيم لمقاتل بن سليمان وهو قديم جدا .
الدكتور مساعد الطيار : من باب الفائدة فالمحقق قد تصرف في عنوان إصلاح الوجوه والنظائر وإلا فاسمه الوجوه والنظائر , وهو أصلحه فزاد وعدل وبدل في الكلمات .
الدكتور محمد الخضيري : أيضا كتاب بصائر ذوي التمييز فيه جملة كبيرة من هذا الباب .
الدكتور مساعد الطيار : كتاب يحي بن سلام التصاريف .
الدكتور محمد الخضيري : يدعونا هذا إلى أن نتعرف على هذا الكتاب المسمى بتفسير الرازي أو ما يعرف بإنموذج جريء لأن له صلة بهذا الموضوع , فهو يبين بعض الوجوه , لمن هو هذا الكتاب ؟
الدكتور مساعد الطيار : الكتاب معروف باسم تفسير الرازي - وهو ليس فخر الرازي المشهور - وإنما صاحب مختار الصحاح , ويسمى إنموذج جريء لأسئلة وأجوبة من غرائب التنزيل , هذا الكتاب فكرته والباعث على تأليفه و كما يذكر المؤلف- رحمه الله تعالى - أنه جمع فيه نموذجا يسيرا من أسئلة القرآن المجيد و أجوبتها , يقول فيه : [ ونقلت من كتب العلماء إلا أني نقحته ولخصته - وهذا يكثر - و منه ما فتح الله تعالى علي به ؛بسبب مذاكرتي أخ من أخوان الصفاء في دين الله ومحبة كتابه , وكان صالحا تقيا سليم الفطرة وقاد الذهن جامع لجملة من مكارم الأخلاق وصفات كمال الإنسان, انعم الله تعالى علي بصحبته ومذاكرته في معاني كتابه وكان شديد العناية بها, كثير البحث والسؤال عنها , قد هداه الله إليها وفتح عليه فيها بغرائب لم نسمعها من العلماء ولا رأيناها في كتبهم , فحملتني فكرته القادحة ونيته الصالحة على جمع هذه الصبابة , وهي تزيد على الألف ومائة سؤال وإن كانت بالنسبة لما في القرآن من الغرائب والعجائب كالقطرة من الدأماء- البحر - والسهى من نجوم السماء ] فهو كتاب مهم جدا وفيه بعض ما يتعلق بعلم النظائر و الوجوه , وعلينا أن نعلم أن العلماء كانوا يقيدون مثل هذه اللطائف , وستجد في هذا الكتاب من فؤاد هذين العلَمين الرازي وصاحبه الذي لم يسمه لنا , والمدارسة ماذا ولدت ؟ ولدت ألف ومائة سؤال .
الدكتور محمد الخضيري : من الأمثلة في قوله تعالى : {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61) } البقرة, قتل النبيين أصلا بغير الحق ,فكيف يقول بغير بالحق .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: كأن السؤال هل هناك قتل للنبيين بحق ؟
الدكتور محمد الخضيري : فيبين الجواب على المسائل , ومن الأمثلة قوله تعالى : { ..وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ..(38)} الأنعام , فهل هناك طائر يطير بغير جناحين , وأيضا قوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ...(282)} البقرة , هل هناك تداين بغير دين .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) } الحج .
الدكتور محمد الخضيري : وهل هناك قلوب ليست في الصدور , فيذكر الجواب عليها باجتهاد ولكنه اجتهاد عالم متمكن فيستفيد منها من يريد أن يتدبر الآيات والمقاصد .
الدكتور مساعد الطيار : كل الكتاب مبني على فعل قيل و قلنا .
الدكتور محمد الخضيري : هذه تسمى كتب الفناقل- يراد بها اختصار لـ فإن قيل كذا قلنا كذا - , نعود للآية السابقة : {مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا }هذه الآية كانت مقدمة لتحويل القبلة , وأتعجب من شيء يرد في القرآن , وهو أن القضية التي تحتاج لمعالجة شديدة ترد في القرآن على درجات , سواء كانت هذه المعالجة معالجة للإفهام أو القلوب , مثلا آيات الإنفاق في هذه السورة , من أول السورة وهي تذكر الإنفاق في كل مقطع تأتي إشارة إلى أن أتى في آخر السورة فنزلت الآيات التي تبين الإنفاق وأوجهه وعلى من يكون وفي الحث عليه , لكن البداية كانت من قوله تعالى : {..وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)}, ثم{ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ..} شيئا فشيئا إلى أن وصل لآية الإنفاق .
و هذه القضية وهي قضية نسخ القبلة كانت من أشد القضايا على أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى اليهود والمشركين , فاليهود قالوا كيف يغير و يبدل , والمشركين قالوا ألم يقل أنه يتبع دين إبراهيم , والمسلمون أعياهم موقف هؤلاء من هذه الشريعة .
الدكتور مساعد الطيار : فأنت ترى أن الآية تمهيد لتحويل القبلة ؟.
الدكتور محمد الخضيري : نعم وهذا ذكره ابن القيم في زاد المعاد قال إن التمهيد بدأ من ما ننسخ , ولذلك قال بعدها: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا.. (114)} ثم بعدها يقول : { وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115) } فلم يأت بعد قوله تعالى : { سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ...(142)} وبعدها أيضا يقول : {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ..} ثم بعدها يقول : { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ..} فالآن أنت ستتبع قبلة بناها إبراهيم فمن هو إبراهيم , وما هو مقامه وما موقف الناس منه بل أنه يؤكد هذا فيقول : {قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) } كل هذه ممهدات , ثم يأتي قوله :{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ...(142)} لماذا سماهم سفهاء ؟
الدكتور عبد الرحمن الشهري: لخفة عقولهم وقلة علمهم وجهالتهم وأنه لا يعترض على أوامر الله إلا السفيه , والسفاهة عند العرب هي الخفة , والحقيقة أن كلام الدكتور محمد جميل في كون أن هذه الآيات , من منتصف السورة وهي تمهد لهذه القضية الكبرى , فتحويل القبلة من بيت المقدس إلى مكة ليست مسألة بسيطة , فاليهود كانوا يعارضون النبي - صلى الله عليه وسلم - بلا شك , لكن آلمهم ألم شديد أنه ترك القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة, لأنه بذلك خالفهم مخالفة تامة , وبالرغم من أنهم كانوا يخالفونه إلا أنهم كانوا يشعرون بنوع من التعالي لأنه كان لازال يتمسك بشيء من شريعتهم , لكن لما جاء القرار الحاسم : { .. فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144)} فكان هذا الأمر كضربة قاضية لليهود .
الدكتور محمد الخضيري : تأكيدا لكلامك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في بداية الهجرة , كان فيما لم يوحى إليه فيه ينظر إلى ما يفعل اليهود لأنهم أصحاب شريعة فيفعل مثلهم ,ثم في نهاية الأمر أمر بمخالفتهم , فهذه ضربة حاسمة لهم .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: وهذه أوقدت الحسد في نفوسهم لذلك جاء ذكر الحسد في الآيات :{ ..حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ..}
الدكتور مساعد الطيار :قرأت مرة بحث في موضوع هل شأن القبلة كشأن الجمعة ضل عنه اليهود والنصارى وهدى الله له هذه الأمة وكذلك القبلة ضل عنها اليهود والنصارى وهدى الله له المسلمين فلم أجد جوابا .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: هذا من تكريم الله لهذه الأمة وادخاره الفضل لهذه الأمة فهداها للجمعة والكعبة .
الدكتور مساعد الطيار : لكن هل شرعت لهم وضلوا عنها فقد اخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم - أن اليهود والنصارى ضلوا عن يوم الجمعة فاتخذ اليهود يوم السبت بدلا عنه و اتخذ النصارى يوم الأحد بدلا عنه وهدانا الله ليوم الجمعة .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: لكن هذه تبقى اصطفاء من الله و توجيه فلو أمره بالتوجه لليمن لتوجه لها , فلله المشرق والمغرب .
الدكتور مساعد الطيار : القصد أن نقارن بين الأمرين , العجيب أن أمر القبلة وتحويلها موجود في كتب النصارى إلى اليوم , لكن من باب الفائدة من خلال قراءتي في المواضيع التي تتعلق بكتب اليهود والنصارى, أنهم إذا وجدوا أن المسلمين يتشبثون بشيء من كتبهم ويستدلون به عليهم , فالطبعة التي بعدها يغيرون أحيانا عبارة أو كلمة لتضييع الموضوع .. ففي مزامير داوود كانت فيه عبارة [ ويسيرون في وادي بكة ] وموجود في النسخ الإنجليزية بكة , أما النسخ العربية فيقولون وادي البكاء , وبعضها وادي الجفاف , في إنجيل يوحنا ..
الدكتور عبد الرحمن الشهري: البعض قد يستغرب إذا سمعوا "إنجيل برنابا و إنجيل متى أو حين تقول في مزمور كذا" , فهذه تقسيمات لكتب بني إسرائيل كما في تقسيم الأجزاء للقرآن الكريم .
الدكتور مساعد الطيار : يوحنا إنجيل كامل فيه ذكر حياة عيسى -عليه السلام- من المولد إلى وقت صلبه- حسب زعمهم - , ومثلها الأناجيل الأخرى .
وهذا لقاء بين عيسى -عليه السلام -وامرأة من يهود السامرة , قالت له المرأة : ( يا سيد أرى أنك نبي , آباءنا سجدوا في هذا الجبل - تقصد يهود السامرة - وأنتم تقولون أن في أورشليم - تقصد القدس - الموضوع الذي ينبغي أن يسجد فيه , قال له يسوع : يا امرأة صدقيني أنه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون للآب - يعني لله - أنتم تسجدون لما لستم تعلمون , أما نحن فنسجد لما نعلم , لأن الخلاص هو من اليهود , ولكن تأتي ساعة وهي الآن حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح و الحق , لان الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين ... ) الخ , لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون لله , أين سيسجد الناس بعدها ؟ هذه إشارة لتحويل القبلة إلى مكة .
الدكتور محمد الخضيري : على ذكر كلمة السجود قابلت شخص فرنسي اسلم فقلت له ماهي الآيات التي دلتك على الإسلام , فقال قرأت في الإنجيل السجود , والسجود على الجباه فنظرت للأمم كلها ما وجدت أمة تسجد على جباهها إلا الأمة الإسلامية , فقلت هذه آية في التوراة أو الإنجيل تدل على أن هذه هي أمة الحق , فكانت سبب في هدايتي .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: لعل هذه من البقايا التي بقت في الكتاب لم تحرف , فمهما حاولوا التحريف تبقى نصوص لم تحرف .
الدكتور محمد الخضيري : الآيات بعد آيات القبلة ذكر الله فيها : {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151)} فبدأت التهيئة لاستقبال الشرائع بعد ذكر اليهود والكفار وذكر مخازيهم ومعايبهم وأشياء من هذا القبيل, فبدأ يمهد لذكر الشرائع , فلو لخصنا القادم حتى نقف عند أول الشرائع .
يقول : {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152)} بدأ بالشكر فما هو الشكر ؟ فقال : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) } إلى آخر ما هنالك , الآن بدأت النقلة من موطنين في هذه السورة الموطن الأول ذكر ما حصل لليهود وكيف أن هذا درس لكم يا أمة محمد , والموطن الثاني الآن استمعوا لتوجيهات الرب وأوامره وامتثلوها واعملوا بها , وأتمنى لو يسجل أحد منا ماذا يريد الله منا في هذه السورة , فقد بدأت الأوامر بشكل مكثف ففي السابق كانت موجودة لكن بشكل يسير تعليقكم يا دكتور عبد الرحمن .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: لا شك أن هذا ملحظ لطيف وفيه فائدة تربوية ,التربية تحتاج إلى طول نفس وتحتاج لطول وقت , وتعجبني كلمة للشافعي يقول فيها : أخي لن تنال العلم إلا بستة سأنبيك عن تفصيلها ببيان ؛ذكاء ، وحرص ، واجتهاد ، وبلغة وصحبة أستاذ ، وطول زمان , فطول الزمن مطلب لابد منه في التربية والتعليم ورسوخ العلم والاستجابة والفهم ,
فانظر للمقدمة ما أطولها في التربية والتعليم , ثم تأتي الأوامر فتستجيب لله .
الخضير: نسأل الله أن ينفعنا بكتابه .
[align=center] سبحانك اللَّهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك .[/align]
[align=left]انتهى اللقاء[/align]
 
بارك الله في الجميع , إياكم يارب .
 
أختي في الله تيماء

جزاكـ الله خيرا على هذا الجهد

وجعله الله في موازين حسناتك

استمري رعاكـ المولى ...
 
طلب

طلب

جهد رائع بارك الله فيك ولكن هل تمانعين أن أجمع الحلقات عندما تكتمل وأضعها في مستند وورد وأقوم بنشرها ..لتعم الفائدة

وجزاك الله خيرا
 
بارك الله فيك
ونفع بك الإسلام والمسلمين
بانتظار المزيد
حفظك المولى
 
هل من مجيب؟؟!!!

هل من مجيب؟؟!!!

بارك الله فيكم
هل ستكملون تفريغ حلقات برنامج(بينات)
ننتظركم بفارغ الصبر!!!!!
لا حرمكم الله الأجر والمثوبة....
 
[grade="FFA500 FF6347 008000 4B0082"]اللهم اجزِّ أختنا التي أحسنت إلينا جنة الفردوس الأعلى وارضَ عنها وارضها وإملأ قلبها ثباتا ويقينا واختم بالصالحات عملها ،وتقبل منها وضاعف لها الأجر والمثوبة
آآآآمين [/grade]
 
اللقاء السابع

اللقاء السابع

اللقاء السابع من مقاصد السور
[align=center]
3.gif
[/align]
[align=center]اللقاء السابع [/align]
موضوع اللقاء الرئيسي:
- تابع موضوعات سورة البقرة .
موضوعات اللقاء الفرعية:
- أهمية معرفة أسباب النزول لفهم الآية فهم صحيحا .
- في بيان متى يكون كتمان العلم محرما.
- الربط بين الأحكام العقدية والأحكام الفقهية .
- بيان أن السور المدنية تضمنت الأحكام العقدية والأحكام الفقهية .
- بيان أن الأصل في الطيبات الحل وأن المحرم محصور في الخبائث.
- أسلوب القرآن الكريم في الربط بين التوحيد والأحكام الفقهية بختم الآية المتضمنة لحكم شرعي باسم أو أكثر من أسماء الله الحسنى .
- أسلوب القرآن في استثارة الإيمان في النفس للدخول في الأحكام الشرعية .
- في التنبيه على ضرورة الانقياد لله تعالى والإذعان له , وبيان أن الحب هو اعظم قائد يسوق الإنسان للامتثال .
- خطورة التنصل من الأوامر بحجة أنها سنة وليست بواجب, وبيان أنه قد يحال بين المرء وقلبه إذا استمرأ العبد ذلك.
- في ذكر سبب تسمية آية البر بهذا الاسم , وبيان أن البر في حقيقته هو توحيد الله والانقياد له وليس محصورا بأمر معين .
- قاعدة التخلية قبل التحلية ؛ كما في آية البر: جاء بالنفي( التخلية ) ثم الإثبات ( التحلية ) .
- سبب عدم ذكر الإيمان بالقدر مع بقية أركان الإيمان في آية البر .
- في بيان أن الوفاء بالعهد صفة ملازمة للمؤمن .
[align=center]
21.gif
[/align]

الدكتور مساعد الطيار : الحمد لله والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وبعد : كنا في اللقاء السابق قد وصلنا إلى آية 157 من سورة البقرة واليوم نبدأ بقوله تعالى : { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} وكنا ذكرنا ما تسلسلت به الأفكار والموضوعات فلعلنا نتابع في تتمة هذه الأفكار.
الدكتور محمد الخضيري :هذا المقطع بشكل عام هو بداية ذكر الأوامر والتوجيهات الربانية لهذه الأمة بعد أن ذكر الله - عز وجل - حال الأمم السابقة وهم بنو إسرائيل بشكل خاص لأنهم أقرب الأمم لهذه الأمة ليستفاد منها ويؤخذ منها العبرة , فبدأت بقضية القبلة ثم قال - عز وجل - : {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) } وتتابع الآيات إلى أن نأتي لقول الله تعالى : { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158) } ثم بعهدها : {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159)} , وقد ذكر الكتمان سابقا في حق بني إسرائيل , أما الآن فجاء الكتمان في حقنا نحن , فالآية الآن توجه خطاب للأمة فلم تخاطب بني إسرائيل فهناك قال : { وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) } وهنا يقول : {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159)} , لكن لدي وقفة مع قوله تعالى : { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158) } هذه الآية أتت لإزالة لبس وإشكال وقع فيه الصحابة -رضوان الله عليهم - لما أرادوا أن يسعوا بين الصفا والمروة تحرجوا , لأنه كان عليهما صنمان -إسافا و نائلة- , فخشوا أن يطوفوا بين صنمين , فتحرجوا من ذلك فأنزل الله هذه الآية ليقول لهم أن لا حرج عليهم في ذلك لأن الصفا والمروة من شعائر الله وليست من شعائر الجاهلية , وهذا يبين لنا أهمية معرفة أسباب النزول لفهم الآية , لأن هذه الآية أشكلت على عروة بن الزبير - رضي الله عنه - فقال: كيف يقول الله فلا جناح أن يطوف بهما والطواف بينهما من أركان الحج يذكر هذا لأم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - فقالت له : ليست كما تقول يا ابن أختي وذكرت له السبب فلما ذكرت له السبب زال الإشكال .
الدكتور مساعد الطيار : بمناسبة ذكر أسباب النزول فالشيخ خالد المزيني قدم رسالة الدكتوراه باسم المحرف في أسباب النزول من الكتب التسعة , وهي رسالة نافعة.
قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159)} هذه قد يقع فيها سؤال ما نوع الشيء المكتوم , فلو سألك أحدا سؤال ولم تجبه وهو يعلم أنك تعلم ولكنك لم تجبه فقد يستشهد بهذه الآية عليك , فمتى يكون معنى هذه الآية متحقق .
الدكتور محمد الخضيري : أقول والله أعلم متى كان المسئول عنه من البينات والهدى التي أُمر أهل العلم أن يبينوها للناس فإن كتمانها يحرم ما لم تكن هناك مفسدة في بيانها , لأن أبو هريرة- رضي الله عنه - قال : ( حفظت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعائين من العلم , أما أحدهما فبثثته في الناس , وأما الآخر لو بثثته لقطع مني هذا الحلقوم ) قالوا أنه كان يقصد بذلك بعض الأحاديث التي رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم - فيما يتعلق بأخبار المستقبل والفتن , لذلك كان أبو هريرة يقول اللهم إني أعوذ بك من إمرة الصبيان وبلوغ الستين , قالوا كأنه يشير إلى إمارة يزيد بن معاوية أو شيء من هذا القبيل , وهذا يدل على أنه كان عنده علم عن هذا الذي سيحصل وتوفي في سنة 59 أو 57 على اختلاف بين المؤرخين في هذا الباب .
الدكتور مساعد الطيار : قصدت من هذا أنه قد تكون الإجابة عن قضية ما فرض عين , فليس الجواب محصور في عالم ما , فعندما يتوقف أحد العلماء عن البيان في مسألة ما لا يعتبر كاتم , لأن العلم ليس مكتوما في علماء الأمة الآخرين .
الدكتور محمد الخضيري : لكن الوعيد في الآية خطير جدا على كل مسلم وبالمناسبة هذه الآية ليست خاصة بأهل العلم , فهناك أشياء قد يظن أنها مخصوصة بأناس والحقيقة أنه عند التحقيق في نصوصها الواردة في الكتاب والسنة نجد أنها ليست خاصة بهم بل هي عامة , فكل من علم شيء من الحق و وثق أنه من الحق وجب عليه تبليغه وحرم عليه كتمانه سواء كان من العلماء البارزين المشار إليهم بالبنان أو كان من طلبة العلم أو حتى من المثقفين و العامة لكنه يعلم أن هذه حق فيجب عليه أن يبينه ولا يستحى من الناس في بيان الحق - ولأن الشيء بالشيء يذكر - على قضية أن بعض الأمور تفهم أنها خاصة بالبعض وهي عامة , قضية القضاء مثلا وقوله صلى الله عليه وسلم : ( قاضيان في النار وقاض في الجنة ) , يفهم كثير من الناس أن هذا الحديث في القضاة , بينما هي في الحقيقة لكل أحد , فكل من قضى كالزوج بين زوجاته والأب بين أبناءه والمدرس بين طلابه والمدير بين موظفيه يدخلون في هذا , كنت عند أحد من القضاة فقال لي هل تدري أن مدير المدرسة أقرب إليه هذا الحديث مني , فأنا يأتيني في اليوم أربع خصوم , وهو لديه طوال اليوم أكثر من ذلك بكثير فلدية أكثر من 1700 طالب و 70 مدرس في المدرسة , يدير هؤلاء ويقضي في كل ساعة أكثر من خمس أو ست قضايا .
الدكتور مساعد الطيار : لفتة جميلة جدا , الآية التي أتت بعدها التي يقول الله تعالى فيها : {إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167) } الآيات , دخلت في مجال آخر من مجالات العلم , فكانت من قبل في قضايا الشرائع والآن بدأنا ندخل في قضايا العقائد .
الدكتور محمد الخضيري : هي بديتها من قوله تعالى : { وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163) }
الدكتور مساعد الطيار : نعم صحيح .
الدكتور محمد الخضيري : وهي في تحقيق التوحيد وبيان أدلته .
الدكتور مساعد الطيار : لو تأملنا هذه الآيات التي جاءت على هذا النسق - فيما يتعلق بالتوحيد - وأيضا ما يتعلق بقضية التفكر .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: يظهر لي أنه بعد أن ذكر الله -سبحانه وتعالى- تحويل القبلة وهو موضوع تعبدي مرتبط بالعقيدة , فقد تكلمنا في سورة الفاتحة عن قوله تعالى : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} وهي عن المعتقد وهي في نفس الوقت ركن في كل ركعة في الصلاة , ثم جاء الحديث عن تحويل القبلة وذكر الله اعتراض السفهاء ثم ستأتي بعد ذلك كثير من الأحكام الفقهية فسيأتي حكم الصلاة والصيام وأحكام كثيرة وآية البر وهي قوله تعالى : {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)} فيظهر لي أن مجيء هذه الآيات التي فيها توحيد لله تعالى حتى في قوله تعالى :{ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158) } فيها توحيد وعقيدة , ثم الآيات التي فيها النهي عن كتمان الحق , ثم قوله تعالى :{ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163) } وقوله : { إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)} و قوله : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)} كأنه يشير للمشركين والنصارى الذين عبدوا غير الله- تعالى- فكأنه بهذا ينبه المسلم إلى ضرورة الانقياد والتسليم والطاعة المطلقة لله تعالى تمهيدا للدخول في بقية الأحكام الفقهية الأخرى كالقصاص والصيام , وكل الفرائض التي افترضها الله علينا مبناها على هذا التسليم والانقياد لله تعالى فمبناها على إياك نعبد وإياك نستعين , فالمناسبة بينها وبين أي أحكام عقدية بعد ذلك تجدها واضحة ومرتبطة , ولذلك عندما نقول أن السور المدنية اشتملت على الأحكام الفقهية والشرعية والسور المكية اشتملت على العقائد فقد يفهم أحد من هذا أن السور المدنية ليس فيها ذكر للعقائد وأنها خالية منها وهذا غير صحيح فإنك تجد الحديث عن العقيدة بين الآيات التي تتحدث عن الأحكام الفقهية التفصيلة سواء قبلها أو بعدها ممهدات ومقدمات , وهذا من أسرار التفريق بين الأحكام الفقهية في القرآن الكريم , تجد حكم فقهي وبعده أو قبله تنبيه على مسألة عقدية كالإيمان بالله تعالى , ولو تأملت في القرآن الكريم تجد مسألة ظاهرة فإذا جاء النداء بـ "يا أيها الذين ءامنوا " تجد أن الأمر بعدها أمر بأحكام فقهية أو فرعية في الدين الإسلامي كالحج والصلاة , أما إذا جاء النداء بـ "يا أيها الناس " فيكون الأمر بعدها بأصول الإسلام فهو نداء موجه للمسلمين وغير المسلمين فهو أمر بالإيمان .
ونعود إلى أن النداء بوصف الإيمان هو أمر عقدي يستثير فيك هذه العقيدة التي تدفعك إلى الاستجابة لأي شرائع الدين .
الدكتور مساعد الطيار : في قضية ذكرتم بعض منها في قوله تعالى :{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ } ثم قال : {وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)} وهذه شهادة من الله لأهل الإيمان الذين يؤمنون به , لكن المقطع الأول قد يستغرب البعض حينما لا يفكر تفكيرا منطقيا فيقول كيف يعبد هذا حجرا , نقول إذا حصل التلبيس من إبليس عياذا بالله , صار هذا المعبود عند هذا العابد كأشد ما يكون , وأنت كي تزيل عنه الغشاوة والعمى الذي حصل له في سنين طويلة تحتاج إلى وقت لتبين له الخلل الذي وقع فيه , لأننا نرى أننا نمتلك الحق - ونحن ولله الحمد والمنة على الحق لا إشكال في ذلك فعندنا كتاب الله وسنة رسوله - لكننا لا نتعامل في الواقع مع الذي نراه من الناس بل نتعامل على أساس ما يفترض أن يكون عند كل أحد , فنحتاج أن نتنبه لذلك , فقد كنت في أحد المجالس وكان أحد الأخوة يدير نقاشا كيف ظل المسلمون على القبور والتبرك بها ودعاء أصحابها لأن في هذه البلاد يندر أن تجد مثل هذا وهذه نعمة من الله فإذا خرج إلى بلدان إسلامية أخرى يستغرب ويقول كيف يفعل هؤلاء مثل هذا , فنقول له لا تقيس هذا الأمر بهذا القياس ولكن انظر لتاريخ هذا الرجل وكيف عاش وكيف ربي على هذا فتحتاج أن تنزعه عما هو فيه شيئا فشيئا .
الدكتور محمد الخضيري : مما يؤكد هذا , لما جاء لقضية التوحيد في هذه الآيات قال : { وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163) } فذكر اسمين عظيمين , فذكر الألوهية فيها الرهبة , وهذا يسوقك إلى أن تخضع لهذه الألوهية وتذعن لها , فهي تحقيق الاستسلام والطاعة المطلقة لله , و عقبها بقوله الرحمن الرحيم فأعقبها برجاء , فهذه الأوامر والتوجيهات الربانية أعلموا أنها خفيفة عليكم والدليل على ذلك ؛ التوحيد لما ذكره ذكر أدلته بسهولة وبصورة يفهمها كل شخص - وأذكر لما كنا في أمريكا نسأل الحارس ومن في البقالة لماذا الآلهة ثلاثة ؟ فيقول لا أستطيع أن أفهم هذا الأمر ولا أستطيع أن أفهمك , فهذا لابد أن تحدث فيه البابا حتى يفهمك هذا الأمر , فأقول له : عقيدتنا يفهمها الصغير والكبير والعالم والجاهل والحر والعبد والأعرابي , وهذا من اليسر والرحمة بنا , فالحق الذي لدينا بسهولة تفهمه وبسهوله تُفهمه أيضا ونستوي في فهمه - فذكر دلائل الحق بكل وضوح , وفي جانب التشريع حتى نبين جانب الرحمة , قال : { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173) } فالأصل الحل والمحرم محصور , فكل ما تراه من مطعومات ومشروبات والملبوسات والمنافع فالأصل فيه أنه حلال , والمحرم محصور ومعدود بفضل الله عز وجل , ولذلك فآياته في القرآن تأتي بصيغة الحصر : {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)}الأنعام ,{ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)} الأعراف, {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) } النحل , فيعدها عدها .
الدكتور مساعد الطيار :{..وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ ...(24)} النساء , أيضا في جانب الأحكام الفقهية , سمعت الأخ فهد الوهبي ذكر لفته أن الأحكام الشرعية لما تذكر في كتب الفقهاء لا تتعدى ذكر الأحكام فهذا حلال و هذا حرام وهذا مباح , لكن لا تأتي في القرآن بهذه الطريقة ,و لهذا تأتي فيها أسماء الله سبحانه وتعالى لتربط التوحيد بهذه الأحكام .
الدكتور محمد الخضيري : فيقول : {..فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) } النحل , بمعنى أعلم وأنت تفعل المحظور لضرورة أعلم أن الله قد غفر ورحم .
الدكتور مساعد الطيار : إتماما للفائدة التي ذكرناها في الأحكام , يا ليت من يكتب في آيات الأحكام أن يضيف هذه الفوائد التربوية وارتباط الأحكام الفقهية بالعقائد والأسماء والصفات التي ترتبط بها, حتى يكون لدينا كل متكامل , وقضية الكل المتكامل في الإسلام بين العقائد والأحكام موجودة في القرآن وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - واضحة جدا لكن لأن العلوم قسمت عندنا هذا التقسيم له مصلحة من جهة , ولكن مع الأسف نحن قد نستخدمها استخدامات خاطئة .
الدكتور محمد الخضيري :لذلك لما تخبر الشخص بأن هذا واجب فيتساءل هل هو واجب أو سنة ؟ ومن تركه هل فعل كبيرة أو صغيرة ؟ لماذا يساوم على هذا ؟ عزل الموضوع عن العبودية لله والطاعة والاستسلام , وأنك بهذا ترتفع وتسمو وتقترب من ربك , كل هذه المعاني أصبحت جانبا .
الدكتور مساعد الطيار : يمكن أن يعمل في هذا بحثا؛ وكيف ربط الإسلام بين القضايا العقدية والقضايا الفقهية التي يعمل بها الناس .
الدكتور عبد الرحمن الشهري:في الآية التي يقول فيها الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)} تستوقفك الآية أنها تأمرك بأن تأكل وتستمتع بالطيبات , وهذا معناه أنه حرم عليك أن تأكل الخبائث , وقوله " ما رزقناكم " فيه أمتنان من الله -سبحانه وتعالى - حتى لا يقول أحد أن هذا فيه تحقير لك , كأن يقول لك رجل : ألبس مما أعطيتك , لكن الله -سبحانه وتعالى- يقول "ما رزقناكم " تشريف لنا لأنه هو الخالق الرازق , ثم يقول " واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون " فيربطك حتى في قضايا الأكل والشرب بعبادته وتوحيده , وانظر لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها
» رواه مسلم .
الدكتور محمد الخضيري : فهو يعطيك اللقمة وتقول الحمد لله فيعطيك الله الرضا الذي هو أعلى من هذا كله .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: أنا مهتم بالمعنى وربطه بالمعتقد حتى لا تجده في الذهن , فتربط بين شربة الماء التي تشربها ,أو غيرها بعبادته -سبحانه وتعالى -و توحيده كما قال في الآية " إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ" , ونذكر الأخوة بما قلناه "في إياك نعبد وإياك نستعين " فلم يقل اشكروا لله إن كنتم تعبدونه بل قال" إن كنتم إياه تعبدون " أي توحدونه , والأمر الآخر قضية الاستجابة لله -سبحانه وتعالى - تعبدا لله وإتباع للنبي - صلى الله عليه وسلم - دون الدخول في هل هي واجبه أو فريضة هل أأثم إذا تركتها و كما يتنصل كثير منا من كثير من أحكام الإسلام بحجة أنها سنة يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها , وأذكر عندنا في القرية لا يكاد أحد يخل بالسنة الراتبة و أذكر عندما كنا صغار إذا خرجنا من المسجد ولم نصلي السنة , ورآنا الآباء يقوم أحدهم وبالعصا ويعيدنا إلى المسجد ويقول سننوا , فنشأنا على أن السنة لابد منها فلما دخلنا الكلية وتفقهنا وعلمنا أن هذه سنة يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها فأصبحنا نتهاون فيها , قال أحد كبار السن في المسجد بعد ما رأى ذلك : ما شاء الله هذه ثمار الدراسة ؟ أصبحتم بعد دراسة الشريعة تتركون السنة ؟ !
فتذكرت قصة ذكرها الشيخ عبد الفتاح أبو غده - رحمه الله - يقول: في يوم من الأيام مرض أحد الأساتذة المتخصصين في الفقه و قد كان ممن يحلق لحيته- وهو يرى أنها ليست بواجبه -فجاءه طبيب باكستاني وهو كث اللحية على السنة, فعالجه , ثم قال لنا : لدي سؤال ؛فقد فهمت أن المريض دكتور متخصص في الفقه ؟ فقلنا له: صحيح : فقال له: اسمح لي أن أسألك سؤال , لماذا تحلق لحيتك ؟ فقال له : هذه سنة , فقال : هل كان الرسول - صلى الله عليه وسلم -يطلق لحيته أم لا ؟ قال له : نعم , فقال : أليس الاقتداء بالنبي أولى , قال: بلى, يقول الشيخ عبد الفتاح : قلت في نفسي سبحان الله هذا الطبيب أفقه من كثير منا ممن يدعون العلم , فمسألة الاستجابة والانقياد لأمر الله ورسوله لا تحتاج لفلسفة .
الدكتور مساعد الطيار : فهو يأخذ السنة ليتنصل من تطبيق الحكم !
الدكتور عبد الرحمن الشهري: نحن في أمس الحاجة للاستجابة والانقياد لأمر الله ورسوله , ومن فوائد دراسة تراجم السلف والمتقدمين , تجد السمة الغالبة على هؤلاء و الأمر الجامع بينهم أنهم ينقادون لأمر الله , لذلك : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) } الأنفال , التعقيب في الآية في غاية الخطورة , فإذا قلت على كل أمر أن هذا سنة وهذا سنة لم يبق إلا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله و صلاة الفريضة .
الدكتور محمد الخضيري :كأن العلم الذي أخذته ما زادك إلا بعدا , فالعامي أفضل وأبرك , فهو عندما يسمع الحق يستجيب بدون سؤال .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: والتعقيب في الآية : {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } فيكثر تنصله وعدم أخذه بالسنن , فيسبل ثوبه ويقول سنة ,و يحلق لحيته ويقول سنة, والسواك يتركه ويقول سنة , وكثير من مظاهر المسلم ومن أفعاله هي من السنن التي حث عليها النبي - صلى الله عليه وسلم-وهي رحمة , فلو كانت كل الأوامر فرائض لكان فيها مشقة شديدة , لكن كثرة التنصل منها قد تؤدي إلى أن يحول الله بينه وبين قلبه فلا يهتدي .
الدكتور محمد الخضيري : دعونا نؤصل لهذه المسألة , الحقيقة أن الأمر ليس مرتبط بجانب معرفة الإنسان أو عدم معرفته وليس هو جانب الخوف والرجاء بل هو جانب الحب , لذلك أقول -والله أعلم - أن سبب تقديم قوله تعالى :{ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ..} فالحب أعظم سائق للامتثال , والدليل أنظر لشبابنا عندما يحبون ممثل أو لاعب ماذا يفعلون ؟ يقلدونه , حتى في أشياء مقززة فيطيل أظافره لأن الفنان فعل كذا .. اذكر بعض الفنانين خرج للناس وقد وضع ستة عشر زرا في رقبته فقلده الشباب حبا فيه فالحب اعظم سائق , وأعظم ما يسوق الإنسان للطاعة الامتثال هو الحب , والمحب لا يسأل هذا سنة أو واجب , فمن حين ما يعرف أن هذا يقرب من الحبيب يمتثل , عندما تستضيف شخص تحبه في بيتك تحاول أن تفعل أشياء كثيرة ليست واجبة من الضيافة ولا مقررة ولكنك تخشى أن تخرم هذه المحبة أو يحدث فيها خدش أو تقصر في لوازمها , هذا هو الحب , لذلك نقول للمؤمنين: ( يا أيها المؤمنون أتقو الله ولا يكون الذي يسوقكم للامتثال هو خوف النار فقط , فبعض الناس عبد سوء إلا تقول له إنك ستعذب في النار وإلا لا يطيع , هذا سوء في العبودية أن يقتصر الإنسان على هذا , ونقول لا الخوف والرجاء و فوقهما الحب ينبغي أن تكون هذه الثلاثة متعاضدة تدفعك للأمام .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: بعض العلماء ذكر بيتين تصديقا لهذا المعنى فقال :
تعصي الإله وأنت تزعم حبه**** هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبك صادقا لأطعته ****أن المحب لمن يحب مطيع
الدكتور مساعد الطيار : عندنا ملحظ في قوله :{ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176) } تتعجب كيف أن الحق ينزل بوضوح ثم يقع بعد نزوله الشقاق لو تأملت أهل الكتاب لم يقع بينهم الشقاق إلا بعد ما أنزل عليهم الكتاب فاختلفوا فيه .
الدكتور محمد الخضيري : ولما جاء تصديقه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- من بعد ما جاءهم العلم ؛بغيا بينهم أنكروا ما أنزل عليهم , فهذا موجب لعقوبة الله - عز وجل - لذلك قال : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) } أعتبر كل هذه مقدمة للدخول لآية البر وسماها آية بر لأن البر مأخوذ من السعة والتوسع في الخير , لذلك يقال البر - للصحراء - لأنه واسع وخلاء .
الدكتور مساعد الطيار : لأن مادة الباء والراء المشددة تدل على السعة .
الدكتور محمد الخضيري : فالمتوسع في الخير يقال له بر , والبر هي أعمال الخير الواسعة التي لا حدود لها , لذلك لا أحد يكاد يزعم أنه استوعب أعمال البر , فأعمال البر أوسع منه .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: ولذلك سمى الله نفسه البر قال تعالى :{.. إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28)} الطور .
الدكتور مساعد الطيار : في آية البر لو أعطينا بعض الملحوظات .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: هذه الآية كأنها رد على بعض السفهاء الذين اعترضوا على تحويل القبلة فالله - سبحانه وتعالى - يقول ليس البر أن تتوجهوا إلى مكان محدد -بيت المقدس - وإنما البر في إخلاص العبودية لله - سبحانه وتعالى - والانقياد له , فإن أمركم بالتوجه لبيت المقدس فتوجهوا , و إن أمركم بالتوجه للبيت الحرام فتوجهوا, فهذا هو البر الحقيقي و هو توحيد الله والانقياد له , فليست المسألة مسألة اتجاهات وأن هذا الاتجاه أفضل من هذا الاتجاه وكما قال :{ وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115)} قال:{ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ..} ثم عدد الشرائع و الأوامر والنواهي التي أمر الله بها سواء كانت عقدية كما في قوله تعالى : {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ } أو عملية كما في قوله : {وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) } فسميت آية البر لجمعها لأعمال البر الكثيرة ولجمعها أحكام عقدية شملت أصول الدين وأحكام عملية هي أصول الدين من الناحية العملية .
الدكتور مساعد الطيار : بدأت الآية بقوله:{ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} فبدأت بالنفي ثم جاء الإثبات فقال :{ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ..} فهي إجابة على قضية تحويل القبلة , فالقرآن عندما يضع الكلمة أو الحرف في مكان فهو يضعه في مكانه المناسب له لذلك يحتاج إلى تأمل , فكيف بدأ بالنفي في قوله :{ليس البر} , ثم جاء الإثبات في قوله:{ ولكن البر }
الآية نزلت في أثناء الحديث حول تحويل القبلة فتحويل القبلة كان كالضربة القاضية لليهود فقد أحدث تحويل القبلة لغط في المجتمع .
الدكتور محمد الخضيري : وفيها اتهام للرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه انحرف عن ملة إبراهيم - عليه السلام - وأنحرف عن ملة موسى وعيسى - عليهما السلام - وخالفهما وجاء بديانة جديدة , فيقال لهم انتبهوا فالبر هو الإيمان بالله و هو في إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة .
الدكتور مساعد الطيار : هناك قاعدة عامة كثيرا ما تتكرر وهي قاعدة التخلية قبل التحلية وكلمة التوحيد شاهد على ذلك فـ ( لا إله إلا الله ) تخلية ( نفي ) و( إلا الله )تحلية ( إثبات ) , وفي الآية أيضا { ليس البر} تخلية , {ولكن البر} تحلية ولهذا نفى ثم أثبت .
الدكتور محمد الخضيري : في الآية أيضا ذكر أركان الإيمان ولكنه لم يذكرها الستة بل ذكر خمسة فقال : { آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} ولم يذكر القدر فلماذا لم يذكر القدر وتكرر ذلك في آية النساء أيضا فقال : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)} ففي هاتين الآيتين لم يذكر الإيمان بالقدر , والسر في ذلك أنه جزء من الإيمان بالله , فالإيمان بالقدر هو الإيمان بقدرة الله , ( فالقدر هو وصف الله ) - لم أفهم معنى الجملة - , إذن فمن آمن بالله لزمه الإيمان بالقدر , وإنما أفرد لأن هناك من الطوائف و هناك من الأمم من ضلوا في هذا الباب وأنكروه وأنكروا بعض لوازمه أو بعض مستحقاته فأفرد بالذكر .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: خطر على بالي الآن فائدة أعرضها عليكم في قوله : {ليْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)} تجدون دائما في كتب التفسير الحديث عن لماذا قال والموفون بعهدهم في حين قال قبلها أقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يقل و أَوفوا بعهدهم فأتى بها بصيغة الجملة الاسمية , تذكرون عندما تحدثنا عن قضية العهد والميثاق في سورة الفاتحة ثم تحدثنا عن كثرة ذكر الوفاء بالعهد في سورة البقرة , أقول : أن أقام الصلاة جاء التعبير عنها بالفعل لأنها تؤدى ثم تنتهي فهي تتجدد شيء بعد شيء , وكذلك الزكاة , أما الوفاء بالعهد فلابد أن يكون صفة لازمة في المؤمن , فلا تجد مؤمن يفي أحيانا ويخون أحيانا .
الدكتور محمد الخضيري : وإذا خان مرة أختلت عنده هذه الصفة .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: ولذلك جاء التعبير بالجملة الاسمية في قوله : { وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا } فيجب على المؤمن أن يكون الوفاء بالعهد صفته , العهد مع الله ومع الآخرين ومع نفسه قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.. (1)} المائدة , فتدخل فيها كل العقود .
الدكتور مساعد الطيار : هذا يجد , ولكن قد ورد يوفون وتفيد التجدد فكلما حدث عهد جديد وقع الوفاء به , وهنا أن يكون الوفاء وصف لازم , بقي في الحلقة وقت قليل وأرى معك كتاب لو عرفتنا به ؟
الدكتور عبد الرحمن الشهري: هذا كتاب انصح الأخوان بالإطلاع عليه وهو كتاب [وجه النهار الكاشف عن معاني كلام الواحد القهار ]وهو كتاب للدكتور عبد العزيز بن علي الحربي , وكتبه قيمة , وهو كتاب عن غريب القرآن وفيه فوائد ولطائف , وهو انتقى من كتب التفسير أجود ما فيها , ثم أنه مجلد واحد , يتوقف مع الألفاظ الغريبة ويذكر بعض الاستنباطات الجميلة فأنصح الأخوة بالإطلاع عليه والاستفادة منه , فقد أودع فيه المؤلف خلاصة قراءات واسعة في كتب التفسير واللغة والقراءات .
الدكتور مساعد الطيار : وأيضا أقترح على المؤلف لو يجعله حاشية على المصحف , فهو كتاب مفيد وفيه لطائف ونفائس .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: بعض الكتب قد يكون حجمها صغير ولك تجد أن المؤلف قد أودع فيها خلاصات , لا يظهر لك تميز هذا الكتاب إلا لأنك تعرف , فتكون قد قرأت كتب أخرى فتقع على هذا الكتاب .. وكما قال ابن عاشور في مقدمته وهذا كتاب فيه ما في التفاسير وفيه ما ليس في التفاسير من التحريرات والفوائد , ودائما أقول أن المؤلف الجيد هو الذي يضيف للقارئ شيء جديد من عنده وهذه وظيفة المؤلف , فليست وظيفتنا فقط أن ننقل المعرفة بل ننقلها ونضيف عليها ما استفدنا.
الدكتور مساعد الطيار : لعلنا نقف عند هذا.
[align=center] سبحانك اللَّهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك .[/align]
[align=left]انتهى اللقاء[/align]
 
جزاكم الله خيرا
وبارك الله في الجميع
صوت الحق : بالنسبة لي لا مانع من نشرها , لكن أرى أن يتم استئذان أصحاب الشأن أولا ...
 
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اختي الفاضلة تيماء

رفع الله قدرك وتقبل منك وجزاك الله خيرا

لقد قامت احدى الأخوات (جزاها الله خيرا) بتفريغ اللقاء الثامن ولكن التنسيق يختلف

وهذا هو الرابط ان اردتم ادراج تفريغ الحلقة بتنسيقكم

http://www.alrekab.com/vb/showthread.php?t=1047

مع رجائي بمراجعة رسائلكم الخاصة والرد على رسالتي

زادك الله همة

اختك
 
سلمت يمينك أختي الفاضلة تيماء وكتب لك بكل حرف تطبعينه ألف ألف حسنة والله يضاعف لمن يشاء

بانتظار باقي الحلقات أسأل الله تعالى أن يبارك لك في جهدك ووقتك ويعينك على استكمال هذا العمل المبارك
 
[align=center]
3.gif
[/align]
[align=center]اللقاء الثامن [/align]
موضوع اللقاء الرئيسي:
- تابع موضوعات سورة البقرة .
موضوعات اللقاء الفرعية:
- مافي المدارسة من فوائد إيمانية وتربوية .
- في تحديد مدة القراءة زمانيا , لا بعدد الصفحات أو الأحزاب , فالمقصد من القراءة حصول التدبر لا الختم .
- في سبب مجيء قوله الصابرين في آية البر بدلا من قوله الصابرون .
- فوائد العدول والإلتفات في آيات القرآن الكريم .
- الاهتداء والانتفاع بالقرآن الكريم لا يكمل إلا لمن اتقى .
- سورة البقرة هي سورة التقوى .
- ارتباط الصبر بكل ما ورد في آية البر وما بعدها من أوامر .
- السر في ذكر آيات الصيام بين آيات الأموال .
- التنبية على أن مقولة : ( من حفظ القرآن فقد استدرج النبوة ,غير أنه لا يوحى إليه ) ليس بحديث, بل قول مأثور صحيح المعنى.
- في بيان كيف تتم توبة كاتم الحق .
- السر في ذكر آية الدعاء بين آيات الصيام .
- التنبيه على العناية بغرائب الألفاظ ومشكلات القرآن الكريم .

[align=center]
21.gif
[/align]

الدكتور عبد الرحمن الشهري:اللهم إنا نحمدك على هذه المجالس القرآنية ونسأل الله أن يتقبل منا ومنكم , وأن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن في الدنيا والآخرة,الحقيقة مثل هذه المجالس نستفيد منها كثيرا , فالمناقشة والأسئلة التي تطرح تزيدنا علما وهذه من بركات مدارسة القرآن لا شك .
ففي المدارسة جوانب تربوية وإيمانية أكثر مما يذكره بعض الذين يتحدثون عن المدارسة من الجانب العلمي, فقد كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يدارس جبريل: "كان يُعرضُ على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، كل عام مرة، فَعُرِض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه" قال بعض العلماء عندما ناقش هذا الحديث ما هي طبيعة هذه المدارسة ؟ هل كانت طبيعة المدارسة أن النبي- صلى الله عليه وسلم- يقرأ على جبريل فقط القرآن حتى يقوم التلاوة أو أنه يقرأ ويسأل ؟ لأن جبريل -عليه السلام- أعلم من النبي -صلى الله عليه وسلم- بالقرآن فهو الذي جاء به , وهو الرسول الذي نقله إلى النبي- صلى الله عليه وسلم -.
ففي المدارسة جوانب إيمانية وتربوية و كان النبي -صلى الله عليه وسلم -أجود الناس , وكان أجود ما يكون في رمضان , أربط بينها وبين تلك المدارسة التي كانت تتم مع جبريل -عليه السلام -, فيزداد الإيمان , ويزداد اليقين , و تلاحظون كيف تقل الدنيا في عين المتدبر للقرآن وفي نظره .
يذكر لي أحد الزملاء و يقول : لدي جار من الجيران من الأثرياء لكنه من أهل القرآن وأهل الصلاح يقول : منذ أن يأذن فيخرج من بين الاجتماعات, ولا يمكن أبدا أن أعطي أحد موعد في وقت الصلاة ويقول : كم من مرة أعطيت مواعيد في وقت الصلاة , فيتأخر علي صاحب الموعد حتى يؤذن وبعضها صفقات بالملايين ,يقول: فأتركها وأذهب للصلاة ,يقول : ولا أنسى موقف من المواقف , أذن المؤذن وتأخر عليه رجل الأعمال الذي أتفق معه والناس ينتظرون وأنا المسئول فقمت توضأت والناس تقول لي : انتظر قليلا الرجل سيصل بعد خمس دقائق . فقلت : والله لا اعقد هذه الصفقة , هذه ستؤخرني عن الصلاة فغضب مني ذلك الرجل ثم جاءني بعد شهرين يقدم لي عرض أقل , الربح أكثر !! يقول : وأنا على يقين أن وظيفتي عندما يؤذن أن اتوضأ و أدخل جسمي إلى المسجد فهذه وظيفة المؤمن ,والله سبحانه وتعالى بعد ذلك يفتح عليه .
ومن الأشياء اللطيفة في قضية عيشه مع القرآن يقول : أستغرب ممن يقول أنه يقرأ القرآن في رمضان مرة ومرتين وثلاث , و أنا والله ما أستطيع في اليوم أن أتجاوز صفحة واحدة.
الدكتور مساعد الطيار: هذه نعمة.
الدكتور عبد الرحمن الشهري: يقول كلما قرأت آية استوقفتني فكل آية منهج وكل آية فيها أسرار ,وهو ليس من أصحاب العلم ولا الدراسة , ولذلك تذكرون عندما عرفنا الدكتور مساعد بكتاب إنموذج جليل لأبي بكر الرازي قال أبوا بكر الرازي في مقدمتها : وكان من سبب هذه الأسئلة , أخ من إخوان الصفاء كنت أنا وإياه نتدارس في القرآن , فكان يطرح علي أسئلة ما قرأتها في الكتب ولا سمعت بها عن أحد من العلماء , فربما راجعت كتب التفسير لأبحث عن جوابها وربما تفتق ذهني عن الجواب , فالكتاب جمع فيه الرازي كما ذكرنا 1200 سؤال وجواب , تقرأ فيه نفائس الاستنباط والعلم وهذا من ثمار المدارسة .
وأذكر الشاطبي -رحمه الله تعالى - في الموافقات وفي غيرها ؛كان يشير إلى طبيعة المدارسة , فيقول : أحيانا يشكل عليك شيء وأنت بمفردك فتأخذه لتطرحه على أستاذك و زملائك , فما أن تطرحه وأنت في مجلس المدارسة إلا وينكشف لك , قال : وذلك لما في مجلس الدرس من الخاصية ولما في المدارسة من البركة.
الدكتور محمد الخضيري: أنا أؤكد على كلامك بأمر مهم جدا , وهو أن لا يكون الداعي للإنسان في قرأته للقرآن ختم الأجزاء وتعداد الحروف أو الانتهاء من السور , وختم القرآن , أنا أرى أن الأفضل- والله أعلم - أن يكون المقدار زمانيا , و ليس بالأوجه أو الأجزاء والأحزاب والسور ولا بغيرها , و لماذا نقول زمانيا ؟ زماني ؛ لأني خصصت للقرآن ساعة مثلا , فسواء قرأت فيها آية أو آيتين , صفحة أو صفحتين , سورة أو سورتين .. الخ , المهم هذا الزمان مخصص لكتاب الله- عز وجل- , فمقصودي أن أنتفع و أن أستفيد و أن أزداد إيمانا و أن أقرأ و أتقرب إلى ربي - سبحانه وتعالى- , وقد تقول : ما مستند ذلك ؟ أقول : مستنده القرآن ؛ لأن الله -عز وجل - لما ذكر قيام الليل ذكره بالزمن ولم يذكره بالعدد وهذا يدل على أن الزمن هو المعتبر , قال سبحانه وتعالى : {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ..(20) } المزمل ,إذا القضية في قيام وقت محدد ,كم تقرأ في هذا الوقت , ما قال جزء ولا جزأين ولا سورة ولا سورتين , وإنما تقرأ ما شئت , قرأ النبي -صلى الله عليه وسلم- آية :{إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)} المائدة , آية واحدة يقوم بها ويكررها -عليه الصلاة والسلام -, مما يدلنا على أن المقصود الأعظم هو أن تبقى وتعيش مع القرآن , وكون إنك تختم هذا نافلة, لكن الأهم من ذلك والأعظم والأجل هو أن تعيش مع القرآن وتحيا بالقرآن قال تعالى : { كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) }الذاريات , كلها زمانية , ما جاءت في القرآن إلا زمانية ..
الدكتور عبد الرحمن الشهري: و مصداقا لكلام الدكتور محمد في آية سورة المزمل , أتوقف معها دائما وهي قوله تعالى : {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ..(20) } المزمل ,هذه السورة ربما تكون السورة الرابعة في النزول , أو الثالثة أو الخامسة , فهي من أوائل ما نزل , والله يقول: { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ } ويقول : { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } في القيام ولم ينزل إلا اقرأ بسم ربك الذي خلق ونزل نصفها فلم تكن كاملة والمدثر والقلم والمزمل , هذا قد تقرأ في عشر دقائق , وبالرغم من ذلك يقول الله- سبحانه وتعالى-:{إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ }فأقل شيء ثلثه وأكثر شيء ثلثي , ولا يوجد إلا أربع سور ما معنى ذلك ؟ معنى ذلك أنك تكررها وتتدبرها وتتأملها .
الدكتور محمد الخضيري: ولذلك قال في نفس السورة :{ إنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءاً وَأَقْوَمُ قِيلاً } يعني هذا هو المقصود { إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } , ما معنى ثقيلا ؟ هل هو ثقيل في حروفه ؟ لا والله ؛ فقد قال تعالى : {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ(17)} القمر , بل في معانيه ,و معناه إن الآية فيها شيء كثير من العلم والإيمان والهدى والخير والبركة , منهج .
الدكتور مساعد الطيار: لكن آية :{ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ } تأخرت في النزول قليلا , فلا نعلم بالضبط كم نزل بين أول السورة وآخرها من القرآن , و لكن أي ما كان فلا شك أنه يعتبر قليلا .
الدكتور محمد الخضيري: لكن يا دكتور مساعد مما يؤكد ما ذكره الدكتور عبد الرحمن ما ورد في أول السورة وهو قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا (4) } هذه لا خلاف فيها ..
الدكتور مساعد الطيار: نعم لا خلاف فيها , وهذا أيضا ملحظ جيد أن ينتبه قارئ القرآن إلى زمان النزول , ومن الفوائد اللطيفة التي قد تغيب عنا بسبب أننا لا نلتفت لها
الدكتور عبد الرحمن الشهري: المشكلة إنه لا توجد أدلة تقطع لك بأنها مرتبة بهذا الترتيب.
الدكتور مساعد الطيار: لكن نستوحي منه .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: أذكر فائدة ذكرها الدكتور محمد في الحلقة الماضية أو ما قبلها عندما ذكرت لنا أن الدكتور يحيى اليحيى يقول : إني أستطيع أن أرتب الأحاديث النبوية على حسب زمن النبوة هذه فكرة رائعة جدا ويخطر على بالي قضية القرآن الكريم فالذين فسروا القرآن الكريم على حسب النزول, وقد ناقشنا هذا الموضوع في حلقة من الحلقات , قلنا أنهم وصلوا إلى مرحلة لا بأس بها في هذه المنهجية , و يحظرني الآن مما قرأته واستفدت منه كتاب الشيخ عبد للرحمن الميداني , صنف كتاب رائع اسمه قواعد التدبر الأمثل للقرآن الكريم وهو كتاب جميل لكن فيه طول , وربما يذكر قاعدة وليست بقاعدة وإنما هي فائدة , مثل كتاب السعدي القواعد الحسان فليس كله قواعد فبعضها لفتات , لكنه طبق المنهجية في كتابه معارج التفكر ومعالم التدبر , ففسر القرآن الكريم على حسب النزول , فبدأ بالعهد المكي وانتهى منه , واجتهد اجتهادا كبيرا في تقسيمه لمقاطع السورة وفي تأملاته وتدبراته , فأبدع أيما إبداع و أجاد , ثم لما بدأ في العهد المدني بدأ بسورة البقرة , واستخرج موضوعاتها ومحاورها ثم مات -رحمه الله- فما أكمله , لكن الفكرة في تتبع آيات النزول , مثل ماذكر لنا الدكتور مساعد أن الآية التي في آخر سورة المزمل تأخرت في النزول , لا ندري كم تأخرت ولا ندري فعلا الظروف والآيات التي نزلت قبلها ,فترتيب الآيات حسب النزول فيه صعوبة , لكن الذين صنعوه في كتب التفسير الذين فسروا على حسب النزول رتبوا السور , فأنت قد تأخذ آخر السورة مع أولها وتبني عليه حكما ولم ينزلا في وقت واحد , لكن الفكرة في أصلها فكرة تحمل الكثير من المعاني التربوية وفيها فوائد .
الدكتور محمد الخضيري: كنا قد وصلنا إلى آية البر وهي قوله تعالى : {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ ...(177)} كان هناك وقفة حول مسألة يمكن أن تشكل على بعض طلاب العلم , ممكن أن يحدثنا الشيخ مساعد عنها وهي في قوله تعالى : { وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا } وقد ذكر لنا الدكتور عبد الرحمن فيها أن قوله ( الموفون) و كيف أنه عبر بالجملة الاسمية وبينا السبب في ذلك , وجاء بعدها قوله : { وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) } فقال والصابرين وهي معطوفة على خبر لكن في أول الآية في قوله( ولكن البر من ) , فإذن يلزم أن تكون مرفوعة فيقال والصابرون ولكنه قال والصابرين فما هو السبب في ذلك يا دكتور مساعد؟
الدكتور مساعد الطيار: الذي أذكره مما ذكره بعض العلماء أن هذا منصوب على الاختصاص يعني كأنه قال : وأخص الصابرين فهذا يدل أن اختلاف الإعراب وهذا التحول الإعرابي فيه تنبيه على منزلة الصبر ولو تأملنا قوله: { وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) } (أولئك ) يعني كل من سبق ذكرهم , لكن كل ما مضى تجد أن الصبر له مدخل فيه , ثم خص الصبر في هذه لما قال: { وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ } و هي أشد ما يكون الصبر , يعني الذي يظهر فيه الصبر ظهورا واضحا جدا , طبعا المحافظة على الصلوات تحتاج إلى صبر , و الصيام يحتاج إلى صبر , والزكاة تحتاج إلى صبر, والحج يحتاج إلى صبر , ما من عمل من أعمال البر التي ذكرت إلا وهي تحتاج إلى الصبر.
الدكتور عبد الرحمن الشهري: هذه في الحقيقة لفتة جميلة تذكرني بموضوع ولله الحمد بدأ الآن يبحث و كان موجود في كتب السلف وكتب التفسير خاصة البلاغي , يشيرون إلى ما يسمونه العدول , يعني العدول من أسلوب إلى أسلوب.
الدكتور محمد الخضيري: الالتفات .
الدكتور مساعد الطيار: الالتفات نوع من العدول .
الدكتور عبد الرحمن الشهري:نعم , العدول مثلا من الجملة الإسمية إلى الجملة الفعلية , لماذا عدل عنها إلى هذه , في القرآن الكريم لابد أن يكون هناك سر , علمه من علمه , وغاب على من غاب عنه , لكن هناك سر , فالالتفات هنا أو الانتقال أو العدول من الرفع إلى النصب له سرا يجب التنبه إليه , والالتفات نوع من العدول , كالالتفات من الغيبة إلى الحضور و هكذا .
و لفت نظري شيء دائما نتناوله , في أول سورة البقرة تذكرون الحروف المقطعة , من الأقوال التي قيلت فيها : أنها للتنبيه . يعني كأنها لفت لأنظار المستمعين أن يستمعوا إلى هذا الكلام العجيب فـ ( الم )بالنسبة لنا ما لها معنى فالحروف بمفردها ليس لها معنى فالألف ما معناها؟ واللام ما معناها ؟ فبعض المفسرين يقولون من فوائدها أو من معانيها وحكمها لفت الانتباه , حقيقة هذا المعنى لم أجعله من المعاني المقدمة عندي , وفي يوم من الأيام وأنا في مثل هذا المجلس في النماص وكان عندنا رجل عمره 83 سنة ولا يقرأ فليس بمتعلم, فسألني رجل : عن معنى الم , حم , فذكرت له التحدي , فقال الرجل الكبير : يا ولدي , عندي -والله أعلم - إنها جاءت حتى يستمع الناس و ينتبهوا , وفي الحقيقة استوقفني هذا منه بالذات , فهو لم يقرأ كتاب الزمخشري ولا كتاب ابن عاشور ولا سمع بهما , فقال : يعني كأن الناس غافلين عن الاستماع فلما قال : الم , التفتوا وانتبهوا , ماهذا الكلام ؟ فجاء ما بعدها , فرجعت إلى كتب التفسير وأنا أتأمل هذا القول فقلت في نفسي , طبعا أنا فهمت إن الرجل على سليقته وعلى طبيعته العربية , وأن هذا أسلوب مألوف عند العرب , فأحببت أن ألفت الانتباه إلى هذه الفكرة بمناسبة حديثنا عن التنبيه في الصابرين والعدول , وأن هذا مقصد من مقاصد العرب في كلامها وهي قضية التنبيه ولفت الانتباه .
الدكتور مساعد الطيار: ولهذا لاحظ بعض من يقرأ في الشعر أو القرآن أو الحديث وغيره هو لا يتقن ولا يفهم الأسرار , أحيانا يقول الكلام هذا فيه خلل, والخلل هو في الحقيقة عندي وعندك لأننا لم نرقى إلى هذا الأسلوب العربي الصرف .
الدكتور محمد الخضيري: العجيب في الآية أنها ختمت بقوله تعالى : { وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } وكأنه الآن يذكر بأن جميع هذا الأعمال التي ذكرت أنها هي صميم التقوى , وأن من جاء بها هو المتقي , وأن من خالفها فقد ترك شيئا من أعمال التقوى , وأن من ترك شيئا من أعمال التقوى نقص عنه الاهتداء , وهذه مهمة , أن الاهتداء بالقرآن لا يكمل إلا لمن اتقى ,و في أول السورة ما ذا قال ؟ : {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) } فكل ما كان الإنسان متقيا لله انتفع بالقرآن انتفاعا عظيما , لأن القرآن ينزل على قلب طاهر قلب طيب أبيض نقي , فيصير نور الوحي مع نور الفطرة التي لم تدنس بآثام أو خطايا ,فيشع منها أنوار تضيء لها ظلمات الدنيا كلها , حتى كأنه يرى الغيب من سجف رقيق .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: ولذلك تذكرون أنني اقترحت أن في رمضان هذا نكتفي بسورة البقرة , حتى من يشاهدنا ذكرنا لهم أن يكتفوا في رمضان هذا بسورة البقرة.
الدكتور محمد الخضيري: أبشرك قبل أمس أرسل لي أحد المشايخ وقال: اقتراحكم هذا طبقه مجموعة عندنا بالمدينة .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: اقتراح آخر اقترحه وهوجمع الآيات العقدية في سورة البقرة فقط وذكرعلاقتها بالأحكام الشرعية ,فقد كررنا كثيرا أن سورة البقرة اشتملت على الشرائع الإسلامية , كالصيام والصلاة والإنفاق والزكاة والحج , لكنها اشتملت أيضا على آيات عقدية في غاية الدقة , هذه الآيات العقدية لو تستخرج ثم تربط بالعبادات الموجودة , ما علاقتها بها , يعني الآن :{ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ } التقوى على سبيل المثال , التقوى في سورة البقرة والمواضع التي ترد فيها , انظر كيف ابتدأنا بها ولا زلنا فيها :{ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} حقيقة , حتى التعبير هنا بالمد الواجب المتصل في { وَأُولَئِكَ } وهو إشارة إلى البعيد أليس كذلك ؟ فمن مقاصدها البلاغية أشارة إلى بعده أو علو قدره كما في هذه الآية .
الدكتور مساعد الطيار: دلالة اسم الإشارة الدالة على البعد .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: عندما تستخدمه فهو يدل على معاني , فقوله { أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} هذا أشارة إلى علو قدرهم وعلو مكانتهم
الدكتور مساعد الطيار: وفي المقابل قوله تعالى : { أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39) } البقرة , إشارة ..
الدكتور عبد الرحمن الشهري: إلى بعدهم عن الخير .
الدكتور مساعد الطيار: طيب الآن بعد هذه الآية ستلاحظ انه بدأ يدخل في أحكام , القصاص , ثم الوصية , طبعا في القصاص لا يخفى كم تكلم العلماء عن قوله تعالى :{ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)} وبعدها {.. حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) } وبعدها : {عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) }
الدكتور عبد الرحمن الشهري: هذه ملفتة للنظر .
الدكتور مساعد الطيار: السورة سورة التقوى , فلو تأملت التقوى من خلال سورة البقرة تجدها مليئة .
الدكتور محمد الخضيري: ذكرت في أكثر من 40 موضعا في هذه السورة .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: ونحن نقول إن آيات سورة البقرة آيات عبادات ومعاملات , فنحن قد نأخذ انطباع مسبق عن السورة , فحينما نقول أن السور المدنية مليئة بالأحكام , فقد نغفل الجوانب التربوية والعقدية , ولكن مجيء الآيات العقدية بين آيات الأحكام له فوائد كثيرة ومغازي تربوية .
الدكتور محمد الخضيري: أقول- والله اعلم - ذكر القصاص وابتدأ به لأنه امتحان للتقوى في مضيق , يعني الآن لما يقال: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178)} امتحان للتقوى , { فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ } تتبع بالمعروف {وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } تؤدي أيها القاتل الدية بإحسان { ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } فمن اعتدى خالف التقوى, ثم بعد ذلك قال: { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(179)} امتحان أيضا للتقوى في أعسر مواضعها , ترى الإنسان قد يكون مصلي لا يفوت من الصلاة ركعة , وقد يصوم رمضان ولا يفطر حتى في السفر وقد يحج كل عام , لكن لما تأتي قضية قتل واحد من أبناء القبيلة ينتهي الدين , نسأل الله العافية ..
يقول لي جدي وكان إمام لمجموعة من أهل البادية : يقول كان عندي رجل ما شاء الله من أحسن الناس وكان يقرأ علي دائما , ويحفظ شيء من القرآن وكذا , وفي يوم من الأيام ثارت البندق -أي صار هناك قتل - , يقول : فقام , وقال : قومي يقتلون ! قلت : اتقي الله هذه دماء هذه أنفس معصومة حرام عليك تخوض في هذا الأمر , قال : لا يا شيخ , قلت : أين القراءة وأين الدين و أين العلم الطيب , قال : فقال لي جملة معناها أتريدهم غدا إذا جاؤوا يقدمون الفناجيل في المجلس تجاوزوه إهانة له أنه خذل القبيلة في موطن من مواطن كان يتوقعون منه النصرة , فيقول : انظر , امتحان للتقوى , في الصلاة و القعود في المسجد والاعتكاف والصوم وغيرها محافظ عليها لكن في الدماء كان هذا الأمر مأساة , وهذا يجرنا للحديث على أن النفوس لها إقدام وإحجام , فقد يكون بعض الناس الإقدام عليه سهل فالطاعات لديه سهلة , لكن الإحجام عن أمور أخرى صعب جدا , و نفوس قوية في الإحجام لكنها ضعيفة في الإقدام , فمن الممكن أنه لا ينظر إلى امرأة بالحرام لكن الصلاة عليه أثقل من جبل أحد , فعلى الإنسان أن يعرف موطن الضعف عنده فيحاول أن يعالجها.
الدكتور مساعد الطيار: في الوصية قال :{فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182) } وهذه أيضا من غرائب الألفاظ , فالخوف هنا بمعنى العلم لكنه علم مشوب بخوف , فعبر عنه بخاف , و طبعا الجنف : الميل .
الدكتور محمد الخضيري: الجنف والحنف كلاهما ميل , لكن الحنف استعمل ميلا إلى الخير , والجنف استعمل ميلا إلى الشر أو عن الخير , فهذا لمن أراد أن يميل في الوصية إلى غير ما أمر الله به , فهذا يسمى جنف .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: اللغة العربية جميلة :{ فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا } ما قال انحرافا .
الدكتور مساعد الطيار:في قوله:{فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ } هذا كأن فيه إشارة إلى أن من تدخل في الوصية , فأصلح هذا الخطأ أو الإثم فإنه قد رفع عنه الإثم.
الدكتور محمد الخضيري: حتى لو عدل الوصية بعدما أوصى بها الواصي .
الدكتور مساعد الطيار: نعم هو عدلها بعد ما انتهى الموصي من الوصية.
الدكتور عبد الرحمن الشهري: يعني الآن يوصي الموصي وينتهي ثم يأتي القاضي مثلا ويعدل عليها ؟
الدكتور محمد الخضيري: مثلا أوصى لزوجته بأن لها الفلة الفلانية فيغيرها , لأن هذه الوصية جنف , والوارث ليس له شيء من الوصية , فلا أثم عليه , لأنه أصلح , {..مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ } { وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} وهذه مهمة جدا أن نعلم أن الإنسان قد يعمل أعمال قد يكون ظاهرها فيه عدوان لكن العبد يريد بها الإصلاح , فالله يغفر له ما يظهر من عدوان بإصلاحه . و من العجائب في الآيات إن آيات الصيام جاءت الآن بعد ذكر الصبر.
الدكتور مساعد الطيار: كل ما ورد بعده مرتبط بالصبر .
الدكتور محمد الخضيري: نعم , العجيب حقيقة إن آيات الصيام , جاءت بعد آيات أموال , وبعدها مباشرة جاءت آيات أموال, ما هي آيات الأموال { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ }الوصية تكون في المال , وبعد آيات الصيام قال: { َلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ } هذه قضية الرشوة في الحكومة وفي القضاء ,فما علاقة الصيام بآيات الأموال ؟
الصيام مدرسة التقوى , يربي الإنسان على الخوف من الله , وعلى عدم مخالفة الأمر , لاحظ , فالذي يربيه الصيام من كونك تراقب الجليل- سبحانه وتعالى- - يجعلك لا تخون في الوصية , ولا ترشي الحاكم أو تقبل الرشوة إذا كنت حاكما لأنك تتذكر الله . فالصيام ومدرسة رمضان هذه 30 يوم ربتك على أنك دائما تراقب الله , ما الذي يمنعك من الفطر ؟ فلا يدري عنك أحد لو أفطرت بأطيب المطاعم , لم يعلم أحد انك شبعان أو أنك أكلت, لكن تقول أخاف من الله.
الدكتور مساعد الطيار: والعجيب أن الإنسان يخاف في جانب ويخفق في جانب آخر , وهذه من عجائب الناس فهكذا قدر لله وخلق , و العجيب في آية الصيام لما قال: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ... (185)} من هذه الآية أخذ أسم البرنامج بينات.
الدكتور محمد الخضيري:وهو بالمناسبة اقتراح من الدكتور عبد الرحمن , ولا كان أنا اقتراحي ثلاثين في ثلاثين.
الدكتور مساعد الطيار: هذا الارتباط بين رمضان والقرآن { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} فالحديث سيق كله من أجل الصيام ,, لو لاحظنا قال:{ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} فكأنه يقول: هذا الصيام يكون في شهر رمضان , لما أراد أن يصفه قال :{ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ } هذا في الحقيقة ينبهنا لما نراه من ارتباط المسلمين الوثيق بكتابهم تلاوة وتدبرا في هذا الشهر المبارك , ولقد تكرر ذلك في القرآن كما في قوله : { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) } الدخان.
الدكتور عبد الرحمن الشهري: أنا أفكر في فكرة ,و قبل الفكرة اذكر فائدة , في هذه الآية: { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } المفسرون يقولون : فمن شهد فيه الشهر مقيما , لأن المسافر يشهد الشهر , أليس كذلك ؟ فالذي لا يشهد الشهر هو الميت , وأما كل من كان على قيد الحياة مسافرا أو مقيما فهو يشهد الشهر , لكن المقصود فمن شهر منكم الشهر مقيما فليصمه , فهذا معنى الشهود.
أما الفكرة فتلاحظون الآن أن الناس في رمضان يقبلون على القرآن أليس كذلك ؟ لا غرابة في هذا كما قال الدكتور مساعد قوله تعالى : {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} لاحظوا كأن أجمل وصف لرمضان أنه أنزل فيه القرآن, كأن الله يقول : شهر رمضان الشهر العظيم الذي من وصفه أنه أنزل فيه القرآن , فشهر رمضان الذي أنزل فيه الخير كله ,وأقول في نفسي , لماذا لا نفكر في طريقة ؟ واقترح على الأخوة المشاهدين أن يفكروا معنا أيضا كيف نجعل شهور السنة كلها رمضان؛ في تعامل الناس مع رمضان؟ فما هي الأشياء التي تجعل الناس في رمضان يقبلون على القرآن , توحي لي فكرة استنساخ تجارب النجاح , يعني ما هي الأسرار التي تجعل المبدع يبدع والناجح ينجح ؟ هذه صاروا يدرسونها في العلوم الآن ,حتى وصلت إلى الذي يحسن إصابة الأهداف بالبندق مثلا , فيدرسون ما هي الصفات التي في هذا الرجل التي تجعله يصيب الأهداف , حتى يأخذون هذه الصفات , ويدربون عليها مجموعة من الأشخاص فيصبحون يمارسون نفس المهارة بنفس الطريقة ,و أقول في نفسي : ما هي الصفات التي لا نشعر بها إلا في رمضان تجعلنا نقبل على القرآن؟
لعلنا نستنسخ بعضها أو كلها فنطبقه على مجتمعنا ,فنحن الآن أحوج ما يكون إلى أن يصبح مجتمعنا كله مع القرآن كما هو في رمضان , كم تتمنى لو أنك تدخل على الناس في المساجد دائما فتجدهم لهم أزيز كأزيز النحل يقرؤون القرآن .
الآن لما انتهي من الصلاة فأرى جماعة المسجد كلهم يبقون في المسجد بعد صلاة الظهر أو العصر , كل واحد يأخذ مصحف و يقرأ , حتى الصغار , وقد كنت في الأوقات العادية أبقى في المحراب والناس كلهم يخرجون , بالرغم من أني لا أطيل في المحراب فقد اجلس عشر دقائق أو ربع ساعة و أتأمل الناس يخرجون بسرعة , في رمضان أنا أول واحد يخرج من المسجد , أخرج للبرامج هذه التي أشغلتنا في الشهر , أجد صعوبة في الخروج حتى أصل للباب فالناس كلهم يبقون, لماذا هذا الإقبال ؟ ألا نستطيع بطريقة أو بأخرى أننا نقرب القرآن للناس أو نحببه إليهم أو نعطيهم طرق ووسائل معينة .
الدكتور محمد الخضيري: أي ما هي أسرار هذا الشهر التي تجعله حظيا بالقرآن.
الدكتور عبد الرحمن الشهري: بودي لو تدرس هذه بطريقة أو بأخرى تربوية .
الدكتور مساعد الطيار: من الأشياء المهمة جدا كمقترح هو الرجوع إلى سيرة النبي- صلى الله عليه وسلم- , وسيرة النبي -صلى الله عليه وسلم -هادية في جميع شؤون الحياة , لما سئلت عائشة -رضي الله عنها -عن أحب الأعمال إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم -قالت : ما أدوم عليها صاحبها . أو ما كان ديمة , وقال- عليه الصلاة والسلام -: ( أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل ) فلو تربينا على القليل الدائم فإنا- بإذن الله -نثمر وننتج , سواء في القرآن أو في الصدقة أو في الصلاة أو في قيام الليل , أي شيء من الأعمال حتى في الأعمال الدنيوية ,وهذه الأحاديث أحاديث صحاح ,و بالمناسبة في حلقة سابقة ذكرت قول (( من حفظ القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيه , غير أنه لا يوحى إليه )) على انه حديث للنبي -صلى الله عليه وسلم- , وفي الحقيقة هذا حديث ضعيف , والشيخ محمد نبهني , لأن بعض الأخوة نبهنا على هذا , فإن كنت قلته فهو حديث ضعيف , أن كنت ذكرته ككلام عام فمعناه صحيح .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: الذي أعرفه أنه قول مأثور: ( من حفظ القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيه , غير أنه لا يوحى إليه ) كأنها عبارة مسجوعة.
الدكتور محمد الخضيري: هذا يذكرني بآية أخذناها الحلقة الماضية وهي قول الله -عز وجل- :{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) } , لما ذكر كتمان الحق قال : إن التوبة من كتمان الحق تكون { تَابُوا وَأَصْلَحُوا} اصلاح العمل بعد التوبة أمر لا بد منه , فإذا ما أصلح العمل ما كانت توبته صحيحة و قال : { وَبَيَّنُوا } فأظهروا الحق الذي كتموه , فأنا أقول أن هذه تذكرنا بهذا المعنى , وهو أن من شروط صحة التوبة لمن كتم شيئا من الحق أو ضلل الناس عن الحق أو ذكر لهم الباطل على أنه هو الحق أن يبين ذلك في المواطن الذي قال فيه هذا الأمر , فمثلا الشيخ مساعد الآن لو كتب في مقالة في شبكة التفسير أني ذكرت في الحلقة الفلانية حديث كذا وأنبه على أنه حديث ضعيف ,, مثلا , هذا لا يكون من تمام البيان فتمام البيان أن يبين في نفس المكان , وأنا أقولها درس لنا جميعا ,على المرء أن يجتهد في أنه متى ظهر منا ما يخالف الحق أن نبين في نفس المكان ونفس الصورة.
الدكتور عبد الرحمن الشهري: والله هذا البيان للآية جميل جدا , وأنا أشكر الشيخ مساعد على هذه اللفتة , فبعض الإخوان حقيقة لا يرجع عن قوله , فلو قلت له هذا حديث ضعيف بعضهم يقول : لا ويذهب يلف لك لفة ويقول لك صححه واحد في جزء حديثي لا يوجد منه إلا نسخة في مكتبة برلين الشرقية وعليها حافظ شديد , كل هذا لأنه يجد صعوبة في الرجوع إلى الحق .
الدكتور محمد الخضيري: الاعتراف بالحق من الفضائل النادرة والإنصاف في هذه الأمور.
الدكتور مساعد الطيار: آية الدعاء ما سر علاقتها بالصيام ؟ قال تعالى : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) } ثم عاد للصيام مرة أخرى : {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا}
الدكتور محمد الخضيري: الذي يظهر -و الله أعلم -أن هناك ارتباط شديد جدا بين الصيام والدعاء , قد ورد في الحديث : (أن للصائم عند فطره دعوة لا ترد) , والحق يقال أن الإنسان في لحظات الفطر يتذكر الصوم الذي مضى منه الآن 15 ساعة ويتذكر نعمة الله عليه بهذا الفطر , ويتذكر الهداية من الله -سبحانه وتعالى- , هذه كلها أجواء للدعاء ولذلك قال هنا :{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } ونقول كما قيل في الصوم أيضا في سائر الأعمال , ففي كل عمل لحظات تجد أنها مناسبة للدعاء مثلا الصلاة : الدعاء في السجود , وليس في القيام , فأنت تهيأت في القيام والركوع , الآن في السجود قال - صلى الله عليه وسلم - : ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم ) رواه مسلم , وقبل السلام أيضا فبعد التحيات والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - يقال أدعوا في هذا الموطن , وكذلك الحج أيضا في عرفة , و في السعي.
الدكتور عبد الرحمن الشهري: في رمي الجمار بعد أن تؤدي العبادة .
الدكتور مساعد الطيار: بمناسبة قوله { والصابرين في البأساء } هذه تعتبر من المواطن المشكلة لأنه كان ما قبلها مرفوع , وأنا أحببت أن أعرف بهذا العلم و هو ما يتعلق بمشكلات القرآن , وقد كتب العلماء فيه كتبا , وقد أحضرت معي أحد الكتب فيما يتعلق بمشكلات القرآن , وهو كتاب باهر القرآن في معاني مشكلات القرآن للعلامة محمود ابن الحسن الحسين النيسابوري الغزنوي ملقب ببيان الحق , وهو دراسة وتحقيق الدكتوره سعاد بنت صالح بن سعيد وقد طبع في جامعة أم القرى فهذا يفيد في مثل هذا السؤال و فيما يتعلق بمشكلات القرآن.
الدكتور محمد الخضيري: المشكلات ما هي يا دكتور مساعد ؟
الدكتور مساعد الطيار: المشكلات ليس لها حصر و ليس لها حد, لكن يكاد يكون هناك بعض الآيات يتضح فيها إشكال ويتفق على أنه إشكال .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: يعني كل ما أشكل فهمه من حيث الإعراب ومن حيث اللفظة , أنا أظن له تحقيقات أخرى يا دكتور مساعد؟ .
الدكتور مساعد الطيار: نعم لكن هذا أفضل تحقيق .
الدكتور عبد الرحمن الشهري: وقتنا انتهى شكر الله لكم و نلتقي في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على سيدنا و نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...

[align=center] سبحانك اللَّهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك .[/align]

[align=left]انتهى اللقاء[/align]
 
جزاك الله خيراً أختي الكريمة تيماء على هذه الحلقات وجعلها في ميزان حسناتك وضاعف لك الأجر والثواب وجعلها حجة لك يوم القيامة اللهم آمين
 
بشرى سارة للإخوة والأخوات قناة المجد العامة تعيد حلقات برنامج بينات يوم الأربعاء الساعة السادسة مساء بتوقيت مكة المكرمة . لا أدري متى بدأوا بإعادة الحلقات لأني شاهدت نهاية الحلقة بالصدفة
 
جزاكم الله خيرا وجعلها في ميزان حسناتكم

لكم تمنيت مشاهدة الحلقات كاملة
الحمد لله الذي يسرها مفرغة
 
عودة
أعلى