بحث: (توجيه ظواهر الرسم العثماني عند ابن البناء المراكشي) تعريف وتهنئة

ضيف الله الشمراني

ملتقى القراءات والتجويد
إنضم
30/11/2007
المشاركات
1,508
مستوى التفاعل
3
النقاط
38
الإقامة
المدينة المنورة
بسم1​
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد؛ فيسرّني تهنئة الأخ العزيز والشيخ المُفيد: فتحي بودفلة بحصوله على درجة الماجستير من كلية العلوم الإسلامية بجامعة الجزائر في بحثه الموسوم بـ: (توجيه ظواهر الرسم العثماني عند ابن البناء المراكشي من خلال كتابه "عنوان الدليل من مرسوم خطّ التنزيل" دراسة تحليلية نقدية).
وقد كانت لجنة المناقشة مكونة من:
الأستاذ الدكتور طاهر عامر مشرفا ومقررا

الأستاذ الدكتور لخضر حداد رئيسا
الدكتورة حورية عبيب عضوا
وهذه كلمة أخينا فتحي بودفلة التي عرض من خلالها بحثه بين يدي المناقشة:
الحمد لله والصلاة على رسول الله وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله أما بعد...
السيد الأستاذ رئيس اللجنة، السيد الأستاذ المشرف والموجّه، السيدة الفاضلة، الحضور الكريم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
أتقدّم بين أيديكم بهذه المذكرة التي أسهرتني الليالي الطوال، وأجهدتني أيّما إجهاد، فقد قرأت الكتاب محلّ الدراسة أكثر من عشرين مرة، أقف عند ألفاظه ومصطلحاته عند معانيه ومراميه أبحث في تصريحات المصنِّفِ وفي تلميحاته ، أدرس حواضنَه وجوانبَه، أحاول الوقوفَ على جلِّ ما قيل فيه –حتى لا أقولَ كلَّ لأنّ إدراكَ الكلِّ شاقٌّ ومتعسِّرٌ - ... لقد كانت الكلمةُ الواحدةُ منه تستوقفني الوقتَ الطويلَ أبحث في دلالاتِها المعجمية واستعمالاتِها اللغويةِ حتى لا يفوتَني شيءٌ من مراد المصنف، وأفعلُ الشيءَ ذاتَه مع مصطلحاتِه أبحثُ في مختلف المعاجمِ المتخصصةِ، وأحيانا كنت اضطرُ إلى دراسةِ مداخلَ بعضِ العلوم كالمنطق وعِلْم الكلام والتصوّفِ واللُّجوءِ إلى أهل التخصص أسألُهم وأتدارسُ معهم فقط لأفهمَ مرادَ المصنفِ من هذا المصطلحِ أو ذاك... وما أثبتُه في هذه المذكرةِ هو خلاصةُ هذه الدراسةِ وزبدتُها، وإن كان الاختصارُ قد أضرَّ بكثيرٍ من جوانبِها...
أقولُ هذا الكلامَ حتىّ يعلمَ السادةُ أعضاءُ اللَّجنةِ المناقشةِ والضيوفُ الكرامُ صعوبةَ تقديمِ ملخصٍ أو تعريفٍ بهذه المذكرةِ في أقلِّ من عشرين دقيقةً...
لكن إن كان ولا بدّ فسأحاولُ بإذن اللهِ وتوفيقِه الإلمامَ بالموضوعِ وبسطَه في هذه العُجالَةِ فأقول:
إنّ عدمَ التّطابقِ بين كتابةِ بعضِ الكلماتِ ونطقِها ظاهرةٌ بشريةٌ لا تكادُ تخلو منها كتابةُ لغةٍ من اللغات، وإذا كانت النُّظُمُ الكتابيةُ الغربيةُ لم تلاحظْ هذه الظاهرةَ ولم تدرسْها إلاّ في عصورِها المتأخرةِ جدّاً، فإنّ علمَ الرسمِ العثمانيِّ على وجه الخصوصِ والإملاءِ العربيِّ عموما قد درسا هذه الظاهرةَ ابتداءً من القرنِ الثاني الهجري، فبدآ بوصفِها وتَعدادِ مواضِعِها وحكمِ اتّباعِها والالتزامِ بها، لينتقلَا بعد ذلك إلى تعليلِها وبيانِ وَجْهِها.
وأكثرُ ما اهتمَّ به علماءُ الإسلامِ لتحليلِ وبيانِ حقيقةِ هذه الظاهرةِ الكتابيةِ رسمُ المصحفِ الشريفِ. فَتَتَّبَعوا جميعَ مواطِنها وعدّدوا وحدّدوا كلَّ لفظٍ خالفَ فيه رسمُه نطقَه، وصَنَّفوا هذه الكلماتِ ورتَّبوها في أبوابٍ وفصولٍ باعتبارِ طبيعةِ هذه المخالفةِ، فذكروا: الحذفَ، والزيادة، والبدل، وفصلَ ماحقُّه الوصلُ، ووصلَ ماحقُّه الفصلُ.
وفي خِضَمِّ هذا الوصفِ والتَّعداد ظهرت محاولاتُ تعليلِ وتوجيهِ هذه الظواهرِ، محتشمةً متفرقةً وقليلةً في أوّلِ أمرِها؛ إذِ اقْتصرت على آراءٍ وأقوالٍ منثورةٍ في تراجمِ الكُتبِ، وفي حُجَجِ تَرْجيحِ بعض أوْجُهِ الرَّسمِ على بعْضٍ، أو في خِضَمِّ الردّ على الطاعنين في رسم المصحف الشريف والمخَطِّئينَ لكتبَتِهِ.
وبقي الأمرُ على ذلك، إلى غايةِ منتصفِ القرنِ السابعِ الهجريِّ حيثُ ألّفَ ابنُ البناءِ المراكشيُّ كتابَه "عنوانُ الدليل من مرسوم خطّ التنزيل". وقد أبدع صاحبُ هذا الكتابِ وجدّد فيه من جهاتٍ عدّة، لعلّ أهمَّها كونُه أوّلَ كتابٍ خُصَّ لتوجيهِ ظواهرِ الرسمِ العثمانيِّ، كما أنّه أوّلُ مَن وَجَّهَ هذه الظواهرَ تَوْجيها متعلقا بالدَلالةِ والمعنى، وهو أيضا أوّلُ وأشهرُ مَن استعملَ التأويلَ الإشاريَّ لتعليلِ وتوجيهِ هذه الظواهر. فهذا السبقُ وهذه الأوّليةُ هي من أهمِّ أسبابِ اختيارِ هذا الموضوع.
وقد وَظّفَ ابنُ البناء رصيدَه الصوفيَّ الوجدانيَّ ومنطقَه التأصيليَّ الحسابيَّ، وسخّرهما لمحاولة التقعيدِ لهذه الظواهرِ والتأصيلِ لها. فبدأ محاولتَه بحصرِ المعاني كلِّها من حيث وجودُها وإدراكُها بعالميِّ الملْكِ والملكوتِ، وبصفتيّ العزّةِ والجبروتِ. ثمّ جعلَ لأكثرِ الحروفِ التباساً بهذه الظواهرِ – وهي الهمزةُ وحروفُ العلّةِ الثلاث- معانٍ خاصةً؛ هي أشْبَهُ بمعاني الباطنيةِ، وكذلك صنعَ بأصولِ الظواهرِ الكتابية، ليربطَ ذلك كلَّه بظواهرِ الإدراكِ والوجودِ . ثمّ انتقلَ بعدها إلى تفريعِ هذا التأصيلِ وتتبعِ الكلماتِ التي التبسَتْ بشيءٍ من الظواهرِ الكتابيةِ المتقدمةِ ومحاولةِ توجيهِها من خلالِ ربطِها بظواهرِ الإدراكِ والوجودِ. [وإذا لاحظ الحضور فإنّ في هذا الكلام ثقلٌ وتداخلٌ يصعبُ على قرئه لأوّل مرة أن يفهمه فضلا على أن يقيّمه أو ينتقده...]
وهذا الذي صنعه ابنُ البناءِ رحمه اللهُ هو لبُّ إشكاليةِ المذكرةِ حيث تبحثُ في حقيقة هذه التوجيهات ؟ من حيث ماهيتُها أصولاً وتفريعاً ومن حيث مكانتُها في مجالِ الخطأِ والصوابِ. ومن حيث مقارنتُها بتوجيهات غيره من العلماء...
ولكي تُحَلَّ هذه الإشكالياتُ، لا بدّ ابتداءً من مقدماتٍ نتناولُ فيها حواضنَ هذه التوجيهاتِ كترجمة صاحبِها ومنهجيةِ الكتابِ الذي تناولَها فيه، كما نتناولُ في ذات المقدماتِ التعريفَ بحقيقة ظواهرِ الرسمِ العثمانيِّ، وبمفهومِ التوجيهِ ذاتِه. وبذلك نكون قد وقفنا على جميعِ مصطلحاتِ وألفاظِ عنوانِ المذكرةِ فلا نتركُ جُزْءاً دونَ أنْ ينالَ نصيبَه مِن الدراسةِ والبحثِ.
إنّ أهمّ ما سجلتُه في ترجمة ابنِ البناءِ المراكشيّ رحمه الله - بعد الاختصار المخلّ – أمران اثنان: أوّلُهما توجُهه الصوفيّ الباطنيّ، وتخصُّصه الرياضيّ الحسابي، وكونُه وَظَّفَ هذين العنصرينِ في جلِّ أبحاثِه وكتبِه حتّى اتّسمتْ جميعُها بمنهجٍ واحدٍ لعلّ أبرزَ خصائصِه هي: الاختصارُ، الخلطُ والدمجُ بين مختلفِ العلومِ في مناهجِها ومصطلحاتِها، محاولةُ إعادةِ جَمْعِ الفروعِ والتأصيلِ لها، الإبداعُ والتجديدُ في تصنيفِ المسائلِ وتبويبِ مختلفِ الفنونِ والعلومِ...إلخ.
الأمرُ الثاني هو عدمُ تخصُّصِه في علم الرسم ذاتِه ولا في بعضِ العلومِ المتداخلةِ معه كعلمِ القراءاتِ والضبطِ والتجويدِ والوقفِ والابتداءِ والعدِّ ونحو ذلك... وقد ذكرتُ في المذكرة ما يقاربُ عشرين قرينةً على عدم تخصّصِه.
ومن المسائلِ التي تناولتْها هذه الدراسةُ بالبحثِ والنقاشِ كمدخلٍ ومقدمةٍ للوقوف على حقيقةِ وماهيةِ توجيهاتِ ابن البناء ما يلي:
1. مسألةُ تعريفِ ظواهرِ الرسمِ العثماني، وهي بتتبع ما قيل فيها، والنظرِ في مفهومِها: "كلماتُ المصحف التي جاء رسمُها منوعاً أو مخالفا للفظها"
2. مسألةُ تعريفِ توجيهِ ظواهرِ الرسم العثماني، وقد اتّبعتْ الدراسةُ الخطواتِ المنهجيةَ ذاتَها المتقدمةَ في تعريفِ الظواهرِ لِتَخْلُصَ إلى التعريف التالي: توجيه ظواهر الرسم العثماني هو "فنُّ الوقوفِ على قصد الصحابة ومنهجهم في رسم المصحف."
3. مسألةُ توقيفيةِ الرَّسمِ العثاني: حيث أكّدت الدراسة أنّه لا يمكن القول بتوقيفية الرسم العثماني لعدم وجود النَّص من الكتابِ والسنّةِ الدّالِ على التوقيفية؛ وإنّما هو من اجتهاد الصحابة رضي الله عنهم متّبعين في ذلك المنهجَ والأسلوبَ الذي كان منتشرا معروفا في زمانهم وعهدهم.
4. مسألةُ وجوبِ التزامِ ظواهرِ الرسمِ العثمانيّ في كتابةِ أو طباعةِ المصاحف. ابتداء فرّقتِ الدراسةُ بين توقيفيةِ الرّسمِ العثماني المتقدمةِ وبين وجوبِ التزامِها على خلافِ ما ذهب إليه جماعةٌ من فضلاءِ المتقدمين والمتأخرين، ثانيا: انتهجتْ المذكرةُ في بحثها منهجاً مخالفاً للمعهودِ المعروفِ في كُتُبِ الاختصاصِ إذْ لم تذكُرْ أربعةَ مذاهبَ بل مذهبين اثنين فقط، مذهبَ جمهور الأمة المجمِعَةِ على الوجوبِ ومذهبَ من شذَّ وقال بالجواز. ثالثا: إنّ المذكرةَ أعادت دراسةَ مذاهبَ من شذّ من متقدمي العلماء كالباقلاني والعزِّ بنِ عبد السلام وابنِ خلدون رحمهم الله سواء من حيث ثبوتُها أو قراءتُها لتكتشفَ زيفَ وخطأَ ما يُنسب إليهم.
5. مسألةُ إعجازِ الرسم العثماني: لعلّ أبرزَ ما يردّ هذا القولَ أنّه محدثٌ متأخرٌ لم يقلْ به أحدٌ من المتقدمين على كثرةِ اشتغالِهم ببيانِ وتَعدادِ أوجهِ إعجازِ القرآنِ الكريمِ، ولافتقاره للدليل، وخلوِّه من التحدّي، وجهلِ أو قلّةِ علمِ العَربِ الأوائل –الذين نزل فيهم القرآن- بفنّ الكتابة وأصولها...كلُّ ذلك من شأنه أن يردَّ هذا الادّعاء ويبطله.
وبدراسة كتاب (عنوان الدليل) دراسةً منهجيةً ومصطلحيةً تبيّن أنّ صاحبَه قد التزمَ فيه منهجَه العامَ بجميع خصائصِه السالفةِ الذكرِ، وأنّه تناول مسألةَ توجيهِ ظواهرِ الرسم العثماني من منطلقٍ صوفيٍّ، بعيداً كلَّ البعدِ عن التخصُّصِ وعن الحقلِ المعرفيِّ الموسومِ بعلمِ الرسمِ العثمانيّ، بل بعيدا حتى عن الحقول والمجالات المعرفية القريبة منه كعلم الضبطِ أو القراءات أو الوقف والابتداء أو العدّ أو الإملاء أو غيرِها من العلوم المتعلقةِ بالمصحف وبالكتابة.
كما تبيّنَ – من خلال دراسةِ منهجيةِ الكتاب - أنّ ابن البناء يجزم ويقطع بأصول هذه التوجيهاتِ، فهو لا يقدّمها لقارئه على أنّها تأويلاتٌ إشاريةٌ تذكّركَ بالله عزّ وجلّ ولا ترقى لتكون هي المرادُ الأوّلُ والأصلُ المقدَّمُ؛ بل هي كما يراها -رحمه الله- تمثل قصدَ الصحابةِ – رضي الله عنهم - حقيقةً أو تَضَمُنًا ولُزُوماً.
وبدراسة أصولِ هذه التوجيهاتِ وقواعدِها الكلّيةِ اتّضحَ أنّ ابنَ البناء رحمه الله قد اتّخذَ لنفسِه في تسمية التوجيه اصطلاحا خاصا هو "المعنى" ولعلّ تعلقَه بمعاني الكلماتِ ودلالتِها هو سببُ هذا الاختيارِ.
كما أنّ التوجيهَ عند ابنِ البناء في حقيقة أمره محاولةُ ربطٍ بين معنى اللفظِ (المعجمي والسياقي) والظاهرةِ الكتابيةِ (الحذفِ، الزيادة، البدل...) وظواهرِ الوجودِ (ملكِ، ملكوت، عزة، جبروت...)، وهذه العمليةُ قريبةٌ من التفسيرِ الإشاريّ أكثرُ منها إلى علمِ الرسم والكتابةِ.
ورغم عرضِ ابنِ البناء لهذه الأصول وكأنّها مسلّماتٌ، غير أنّ الملاحظَ فيها من حيث حجيتُها وأدلّتُها، عدمُ وجودِ رابطٍ أو علاقةٍ بين الدليلِ والمدلولِ وبين العلّةِ والمعلولِ، فلا وجهَ مثلاً للاستدلالِ بكونِ الهمزةِ هي أوّلُ الحروفِ مخرجاً على أنّها تفيد الأوّليةَ والابتداءَ ونحوُ ذلك. كما أنّ استدلالَه على أصول هذه التوجيهاتِ بالتوجيهات ذاتِها، استدلالٌ بوجه الخلاف أو استدلالٌ بما يريد إثباتَه هو نوعٌ من الوقوع في الدور.
وبتتبعِ فروعِ ومسائلِ توجيهاتِ ابن البناء يتبيّن أنّ جلَّ ما ذكره من معانٍ يفيدها اللفظُ بدلالته وسياقه ولا يحتاج الصحابةُ رضي الله عنهم إلى مثل هذه الظواهرِ الكتابية للإشارةِ إليها. كما أنّ كثيرا من هذه المعاني مُنتقضَةٌ بعدمِ اطّرادها أو بوجودِها وتخلّفِ حكمِها، ثمّ إنّ اختلافَ "المصاحفِ الإمامِ" في رسم بعضِ الكلماتِ الملتبسةِ بهذه الظواهرِ ينسفُ أصلَ التوجيهِ بالمعنى؛ لأنّ دلالتَها واحدةٌ - ولا بدّ لاتّحادِ المادةِ اللفظية والسياق- و رغم ذلك اختلفَ حكمُ رسمِها...
وخلاصةُ القولِ أنَّ أهميةَ الكتاب التاريخيةِ وخطورتَه من حيث جِدَّةُ الطرحِ وأسلوبِه لا يمنعنا من الحكم على صاحبه أنّه غيرُ مختصٍّ في علم الرسم، وأنّ توجيهاتِه لا تمتُّ بصلةٍ للحقلِ المعرفيّ الخاصِ بعلمِ الرسمِ العثمانيّ، وأنّنا لو سلّمنا بها جدلاً فإنّها لا ينبغي أن تعدوا كونَها من مُلَحِ العلم ومن التأويلات الإشارية العرفانية التي تذكّر بالله عزّ وجلّ ... ولا ترقى أبداً لأن تكون هي الحقَّ والأصل.
وقبل أن أختم هذا العرضَ لا يفوتني أن أنبّه للمشاكلِ والعوائقِ التي اعترضتني، وللأسف الشديد لم تكن لا قلّةُ المصادر المختصةِ – وهي قليلةٌ- ولا مخالفةُ التيار المعرفي العارمِ والجارفِ والذي يرى في هذه التوجيهاتِ فتوحاتٍ ربانيةٍ أبانتْ عن إعجازِ الرسم العثماني...ولا كثرةُ الأسفارِ والتنقلاتِ لظروفٍ عائليةٍ ودعويةٍ... ولكنّ العوائق وللأسف الشديد جاءت ممّن يفترضُ به أن يُيسر سبلَ البحثِ ويسهّله ومّن يفترضُ به أن يوفّرَ للطالبِ كلَّ ما يساعدُه على البحثِ والتفرغ للدراسة، وأقصدُ إدارةَ الكلية، فبعد رفض المشروعِ الأوّلِ والذي نتج عنه إضاعةَ سنةٍ دراسيةٍ كاملةٍ (وهي بإذن الله ذخر يوم القيامة)، فاجأتنا بعد مرور أقلِّ من أربعةِ أشهرٍ من تسجيلِ الموضوعِ الثاني تطالبُنا بتقديمه في الشهرِ الخامسِ ولم نكنْ قد جمعنا مادةَ المذكرةِ بعدُ فضلاً عن تسويدِ قُصاصاتِها، وبعد ذلّ السؤالِ والإلحاحِ في الطلب مكّنتنا الإدارةُ من أربعةِ أشهرٍ هي مدّة تسويدِ وتبيضِ هذه المذكرة...ليُطلبَ منّا بعدها أن لا يتجاوزَ عدد صفحاتها مائتين وخمسين صفحةً فاضطررتُ إلى اختصارِ ترجمةِ ابنِ البناء من مائةٍ وخمسينَ صفحةً إلى ثلاثِ عشرةَ صفحةً ، وحذفِ مبحثٍ كاملٍ يخصُّ موقع كتاب ابن البناء في تاريخ التدوين في علم الرسم العثماني ....
فلا عجب أن يكون الأساتذةُ الكرامُ قد لاحظوا ما في هذه المذكرة من العيوب والعَوَرِ لعلّ أهمَها ما يأتي:
الخطأُ في العنوان حيث سقطت لفظة (خط) من (مرسوم خطّ التنزيل)
تكرُّرُ كثيرٌ من الألفاظ بسبب فيروس، وقد تولى برنامج (كاسبرسكي) إصلاح هذا العيب.
أخطاء منهجية بسبب خاصة في بيانات الكتب بسبب كتابة كلّ فصل ومبحث على حدّة، وبسبب تنوع المصادر وكثرتها
أخطاء إملائية ونحوية، لأنّني لم أصحح المذكرة ولم أعد قراءتها ...
وأنا كلّي استعداد لسماع توجيهات اللجنة المناقشة... وتقبّل انتقاداتها والعمل بملاحظاتها...عسانا نرتقي بهذه المذكرة للأفضل والأصوب
وصلّ اللهمّ وسلّم على محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع هديه واستنّ بسنّته إلى يوم الدين آمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
والجدير بالذكر أن الأخ الأستاذ فتحي بودفلة من أميز أعضاء ملتقى القراءات ضمن ملتقى أهل التفسير، وله مشاركات حسنة تعبّر عن رصانة قلمه، ودقّة بحثه، وجودة مَلَكته العِلْمية.
وقد وُفِّقَ في اختيار موضوع هذا البحث، وظنّنا به أنه قد أجاد الكتابة، وأحسن العَرْض، ووضع نقاط المعالجة على حروف الإشكال.
أسأل الله تعالى له التوفيق والسداد، وأن يزيده علمًا نافعًا، وعملًا صالحًا، ورفعة في درجات الدنيا والآخرة.

كتبه/ ضيف الله بن محمد الشمراني
المدينة المنورة 9 / 5 / 1436هـ


 
جزاكم الله خير الجزاء شيخنا الكريم... قريبا سأنشر الرسالة على الموقع... كما سأعرض بعض مسائلها ومباحثها للإثراء والنقاش
 
خطة المذكرة ونتائجها

خطة المذكرة ونتائجها

السلام عليكم ورحمة الله
في انتظار رفع المذكرة كاملة لعرضها على أهل المعرفة والاختصاص، لعلي أظفر ببعض توجيهاتهم وتصويباتهم وانتقاداتهم... أقدّم تعريفا وجيزا بخطّتها، نتائجها، وتوصياتها...
خطة البحث:
ينقسم البحث إلى مقدمة تحوي الموضوعات الأساسية لمقدمات البحوث الجادة كأهمية الموضوع والدراسات السابقة والحديث عن خطّة البحث ومنهجه واصطلاحاته وعن إشكالاته ومصادره وأهدافه... ثمّ خاتمة أعرض فيها النتائج والتوصيات كما أعرض لما قد أراه نقصا في البحث يحتاج مزيد تحرير وتكميل...أمّا صلب البحث فقد جعلته ثلاثة فصول:
1. فصل تمهيدي بأربعة مباحث أتناول في أوّلهما ترجمة مختصرة لابن البناء المراكشي كما أقف على ظاهرة توسعه في التأليف ومنهجه فيه، وفي ثانيهما أعرّف بمبادئ علم الرسم العثماني وفي الثالث أقف مليّا عند مصطلح (ظواهر الرسم العثماني) فأعرّفه من خلال البحث في مفهومه، ثم أبسط القول في موقف العلماء من هذه الظواهر من حيث توقيفيتها حكم التزامها وإعجازها.وفي آخر مباحث هذا الفصل أعرّف التوجيه في خصوص علم الرسم العثماني. (أصل هذا الفصل فصلان في كلّ واحد منهما مبحثان – سعيا وراء توازن المذكرة من حيث عدد فصولها ومباحثها- لكن تحديد عدد صفحات المذكرة من قبل إدارة الكلية اضطرني إلى اعتماد هذا التبويب والتقسيم)
2. الفصل الثاني بمبحثين أتناول في أوّلهما التعرف على المنهج العام لابن البناء في كتابه عنوان الدليل، من خلال البحث في دلالات عنوان الكتاب وتبويبه واصطلاحاته ومنهجه في الاستدلال. وفي المبحث الثاني أدرس توجيهات ابن البناء جملة من حيث ماهيتها، تسميتها ، قواعدها وأصولها، أبسط القول في شرح مقدمته الكلامية، أبيّن طريقته في استنباط التوجيه... وأختم هذا المبحث بدراسة نقدية لتوجيهات ابن البناء من حيث أصولها ومنهجها....
3. أما الفصل الثالث فخصّصته لتحليل ومناقشة تفصيلات وفروع توجيهات ابن البناء المراكشي لظواهر الرسم العثماني، متتبعا كتابه بابا بابا وفصلا فصلا... أبدأ بذكر توجيهاته العامة للظاهرة، ثمّ أتتبع توجيهات آحاد الألفاظ التي يذكرها، أحلّل هذه التوجيهات وأنتقدها من خلال النظر في ماهيتها وتتبع طردها وعكسها وأختم كلّ مبحثٍ بذكر نماذج من توجيهات غيره من العلماء ....

نتائج البحث وتوصياته:
أمّا عن نتائج المذكرة وتوصياتها، فأعتقد أنّ هذه الدراسة التحليلية النقدية لتوجيهات ابن البناء المراكشي لظواهر الرسم العثماني، قد استطاعت - من خلال دراسة حواضنها والوقوف على أصولها وتتبع فروعها ومقارنتها بغيرها - أن تعطي وصفا دقيقا جليّا وحكما موضوعيا لحقيقة هذه التوجيهات، بعيدا عن الذاتية في معالجتها، هذه الذاتية الناشئة عن طرافة التوجيهات الإشارية وافتتان عوام النّاس بها وعن المبالغة في تعظيم المقدّس وعن استضعاف المسلمين وغربتهم حتى أصبحوا يتشبتوا بكلّ طيف يَشْتَمُّون فيه رائحة القوّة والتحدّي والإعجاز...
وقد توزعت النتائج التي خرجت بها هذه الدراسة بين ما هو متعلق بعموم الرسم العثماني وظواهره وبين ما هو متعلق بخصوص توجيهات ابن البناء لهذه الظواهر، لذا سنعرضها في مطلبين اثنين.
أوّلا: النتائج المتعلقة بعموم علم الرسم.
· حاولت هذه الدراسة تقديم تعريفين فيهما شيء من الجِّدّةِ، أوّلهما خاص بظواهر الرسم العثماني وهي كما جاء في التعريف "كلماتُ المصحف التي جاء رسمُها منوعاً أو مخالفا للفظها" وثانيهما تعريف توجيهها وهو "فنُّ الوقوفِ على قصد الصحابة ومنهجهم في رسم المصحف."
· ترى هذه الدراسة أنّ رسم الهمزة لا يندرج في ظواهر الرسم العثماني، وإدراجه كمبحث خاص إنّما هو بسبب تنوع رسمها وكثرة التباسها بظاهرة الحذف والبدل واختلاف المصاحف... فالهمزة من مباحث علم الرسم لا من ظواهره.
· فرّقت هذه الدراسة بين ثلاث مسائل؛ توقيفية ظواهر الرسم العثماني ووجوب التزامها والقول بإعجازها. ولا تلازم بين هذه الأقوال.
· إنّ الأمة مجمعة إجماعا قطعيّا على وجوب التزام ظواهر الرسم العثماني في كتابة المصاحف وطباعتها، وما ينسب لبعض الأئمة كالباقلاني والعزّ بن عبد السلام وابن خلدون لا يرقى لنقضه لعدم التعارض أو عدم الثبوت أوعدم التخصص؛ فلا ينبغي والأمر كذلك أن نتناول هذه المسألة وكأنّها من مسائل الخلاف الاجتهادية التي يجوز فيها الأخذ والردّ.
ثانيا: النتائج المتعلقة بخصوص توجيهات ظواهر الرسم العثماني
· ابن البناء ليس من أهل التخصّص في علم الرسم العثماني، ولا يمكننا اعتباره عالما من علمائه يعتدّ بقوله في نقض إجماعاته ومخالفة رجالاته ورواده والشذّ عن مسلّماته ومقرّراته. (وقد أثبتت الدراسة هذه الحقيقة في أكثر من عشرين موضعا)
· منهج ابن البناء في هذا الكتاب هو ذاته منهجه في أكثر كتبه، قائم على الاختصار، والبحث عن الكليات والقوانين ومحاولة تجميع الفروع والجزئيات في قواعد وأصول، وبروز الاتجاه الفلسفي الباطني الصوفي في بحثه وتحقيق مسائله وتحريرها، والتأثر بالمنهج التجريبي العلمي المحض، والخلط بين مختلف العلوم والفنون من حيث المصطلحات ومناهج البحث والاستدلال...
· المعنى عند ابن البناء هو التوجيه سواء من حيث الماهية أو الاصطلاح. فهو يوجّه ظواهر الرسم العثماني ويعلّقها بالمعنى، ويصطلح على التوجيه في أكثر استعمالاته بالمعنى كذلك.
· التوجيه عند ابن البناء متعلّق بمعنىً خاص هو ظواهر الوجود وأقسام العلم. وكأنّ معاني القرآن الكريم مختصرة ومحصورة في هذه المعاني فقط.
· وقد بيّنت الدراسة خطأ هذا المنهج من حيث الإلزام والقطع به، ومن حيث إنّ القول به يؤدّي إلى التحكّم في معاني كلام الله تعالى، فالمفسرون سيضطرون إلى البحث ولو بتكلّف وتمحّل عن المعاني المتعلقة بظواهر الوجود وأقسام العلم في كلّ آية التبست كلماتها بشيء من ظواهر الرسم العثماني، وهنا تكمن خطورة هذا التأويل والذي يؤدّي مآله ومنتهاه إلى تحريف كلام الله تعالى من حيث تفسيره ومعناه.
· يرى ابن البناء أنّ أصول توجيهاته ملزِمة وقطعية بخلاف تفريعاته، فهي اجتهادية، وما قدّمه منها في هذا الكتاب مجرد إشارات وأمثلة لا ينحصر فيها التوجيه...
· ينطلق ابن البناء في توجيهاته من ملاحظة مخالفة رسم الإمام لخطّ الأنام ويقصد بهذا الأخير الرسم الإملائي، وفي هذا المنهج قلب للحقائق والأوضاع لأنّه قائم على تحكيم المحدث في القديم والحكم على الأصل بما يوجبه الفرع.
· استدلّ ابن البناء على أصوله بتوجيهاته أي بما يريد إثباته، وهو ما يسميه الأصوليون استدلالا بوجه الخلاف، وهو نوع من الوقوع في الدور.
· اكتفاء ابن البناء في استدلالاته بمجرد التمثيل دون الاستقراء والإحصاء، وهذا من شأنه أن يشكك ويطعن في نظريته وفي نتائجه .

هذه بعض النتائج التي خرجت بها هذه الدراسة وليست كلّها...، أمّا عن اقتراحاتها وتوصياتها فأهمها:
تخصيص بحث إبستيمولوجي[1] لعموم توجيه ظواهر الرسم العثماني ومعاملته كعلم خاص مستقل عن علم الرسم، كما هو الشأن بالنسبة للتوجيه في علم القراءات.... (قدّمت المذكرة توصيات أخرى خاصة بالكلية)
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل

[1] الإيبستيمولوجيا في الاستعمال الفرنكوفوني تطلق على العلم الذي يدرس العلوم من حيث تاريخها مصادرها مناهجها رجالها علاقتها بباقي العلوم...، بينما يقصد به في الاستعمال الأنجلوسكسوني فلسفة العلوم. والمقصود ها هنا المفهوم الأوّل.
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أحبني الكرام ، هل رُفِعَت هذه الرسالة على الموقع هذا أو أي موقع آخر ؟ أرجو الإفادة لحاجتي إلى الرسالة وجزاكم الله خيراً .
 
عودة
أعلى