الجكني
مشارك نشيط
بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر الإمام ابن الجزري رحمه الله في كتابه " النشر في القراءات العشر " أربع كلمات ، مبينّاً انفراد الشطوي فيها عن بقية الرواة عن ابن وردان عن أبي جعفر ، وهذه الكلمات هي :
الكلمة الأولى : لا يخرج إلا " الأعراف ، قال ابن الجزري :
"وانفرد الشطويُّ عن ابن هارون عن الفضل عن أصحابه عن ابن وردان بضم الياء وكسر الراء ، وخالفه سائر الرواة فرووه بفتح الياء وضمِّ الراء، وكذلك قرأ الباقون "اهـ
الكلمة الثانية والثالثة : " سقاة " و " عمرة " من الآية " سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام " التوبة ، قال ابن الجزري :
" وانفرد الشَّطويُّ عن ابن هارون في رواية ابن وردان ( سقاة ) بضمِّ السين وحذف الياء بعد الألف ، و ﴿عَمَرة﴾ بفتح العين وحذف الألف ، وهي رواية ميمونة ، والقورسي عن أبي جعفر، وكذا روى أحمد بن جبير الأنطاكي عن ابن جمَّاز، وهي قراءة عبد الله بن الزبير."اهـ
الكلمة الرابعة : " فتغرقكم " ( الإسراء 9 قال ابن الجزري :
وانفرد الشطويُّ عن ابن هارون عن الفضل عن ابن وردان بتشديد الراء ، وهي قراءة ابن مِقْسم وقتادة والحسن في رواية.
و الذي يهمني هنا هو تسليط الضوء على الكلمات ؛ الأولى والثانية والثالثة ، أعني " لا يخرج إلا " الأعراف ، و " سقاة – عمرة " التوبة فقط .
ففي الوقت الذي نجد فيه ابن الجزري رحمه الله يقرر في " النشر " أنها " انفرادة ، نراه يذكرها في كتابه الآخر " تحبير التيسير " بقوله :
" روى الشطوي عن ابن وردان " لا يخرج " بضم الياء وكسر الراء " اهـ
وقال : " روى الشطوي عن ابن وردان " سقاة الحاج" بضم السين من غير ياء ، و " عمرة " بفتح العين من غير ألف "اهـ
ويذكرها في الدرة دون تعليق ؛ سوى أنه ذكر فيها الخلاف لابن وردان
وحاولت في هذه الأسطر دراسة هذه المسألة دراسة من جانب " الدراية " وليس من جانب " الرواية " ، فأقول بعد طلب العون والمدد من الله سبحانه وتعالى :
قبل البدء بهذه الدراسة يجب أولاً عرض رأي ابن الجزري رحمه الله في مسألة " صحة القراءة " ما هي ؟ وما ضابطها عنده ، وعندها نطبق كلامه ورأيه على هذه المسائل لنخرج بحكم " صحيح " ولو نظرياً .
قال رحمه الله : وقولنا: «وصح سندها »: فإنا نعني به أن يروي تلك القراءةَ العدلُ الضابط عن مثله كذا حتى تنتهي وتكون مع ذلك مشهورة عند أئمة هذا الشأن الضابطين له غير معدودة عندهم من الغلط أو مما شذَّ بها بعضهم "اهـ ( النشر : 1/13)
هذا نص واضح لا يحتاج إلى شرح أو تطويل في بيانه وبيان المراد منه ، ولكن هل توفرت هذه الشروط كلها في هذه الكلمات ؟
بالرجوع إلى كتب التراجم وجدنا أن راويها المنفرد بها وهو الشطوي رحمه الله هو ضابط عدل ، وعليه فلا إشكال في هذا الشرط .
نأتي إلى الشرط الثاني وهو الشهرة عند أئمة هذا الشأن الضابطين له ، فهل هاتان الانفرادتان للشطوي مشهورتان عند أهل هذا الشأن الضابطين له ؟
أما كلمة " لا يخرج إلا " وكلمتا " سقاة و عمرة " فلا توجد في الكتب التالية :
الغاية والمبسوط كلاهما لابن مهران .
ولا المنتهى للخزاعي .
ولا الروضة للمالكي .
ولا الكامل للهذلي ( ذكر فيها قراءة شيبة وأنها على ما لم يسمّ فاعله ، ولم يذكر القراءة التي نحن بصددها ) .
ولا الجامع لأبي معشر الطبري .
ولا المستنير لابن سوار . ولا الجامع لابن فارس .
ولا روضة المعدل . نعم هو ذكر القراءات في الكلمات كلها لكنه لم ينسبها لأبي جعفر بل جعل " لا يخرج" لابن محيصن، وكذلك جعل " سقاة – وعمرة" من تفرداته وقال معقباً عليها: وهو غريب ، وقد قرأ به أبو بحرية السعدي ." اهـ
ولا غاية الاختصار للهمداني .
أما كتاب " المصباح " لأبي الكرم الشهرزوري ففيه : " روى أبان بن يزيد العطار عن عاصم " لا يخرج " بضم الياء وكسر الراء، الباقون بفتح الياء ورفع الراء "اهـ فليس فيه ذكر لأبي جعفر فيما انفرد به الشطوي عن ابن وردان عنه .
فهذه الكتب من أصول النشر عموماً ، وفيها كل الكتب التي استقى منها ابن الجزري رواية أبي جعفر ، ، ليس فيها ذكر لهذه القراءة لا من قريب ولا من بعيد .
نعم هناك كتابان من أصول النشر ذكرا هذه الكلمة وهما : كتاب الكفاية الكبرى لأبي العز ، وفيه :
" روى أبان والشطوي عن أبي جعفر " لا يخرج إلا " بضم الياء وكسر الراء " اهـ
وقال : " قرأ الشنبوذي عن أبي جعفر سقاية : بضم السين وحذف الياء ، و " عمارة " بفتح العين من غير ألف " اهـ
والكتاب الثاني هو " الإرشاد لأبي العز نفسه ، وفيه :
" روى الشطوى بضم الياء وكسر الراء " اهـ
وقال :" الشنبوذي عن أبي جعفر بضم السين وحذف الياء " اهـ
فهذان الكتابان هما اللذان فيهما هذه القراءة من أصول النشر التي وقفت عليها حسبُ ،علماً بأن الكتب التي استقى منها ابن الجزري قراءة أبي جعفر في رواية ابن وردان لو استثنينا كتابي أبي العز هي :
غاية الاختصار .
والمصباح .
وروضة المالكي .
والمستنير .
والكامل .
وجامع ابن فارس.
والتذكار .
وغاية ابن مهران .
وأما كتب طريق ابن هارون عن الرازي فهي : الإرشاد والكفاية .
وسبط الخياط .
وأبو معشر .
وابن خيرون .
وأبو الكرم .
يعني أخذها من كتاب واحد ، وأربعة طرق أدائية ، والله أعلم .
فهذه حال هاتين الانفرادتين في كتب القراءات التي أصول للنشر .
أما الكتب التي هي من مرويات ابن الجزري وليست من أصول نشره فهي :
1- الكنز للواسطي ، وفيه : الرهاوي عن أبي جعفر " لا يخرج ": بضم الياء وفتح الراء ، والباقون بفتح الياء وضم الراء " اهـ وكنت أظن قوله " وفتح الراء خطأ أو سبق قلم صوابه " وكسرالراء " حتى يتفق مع ما في الدرة والنشر ، لكن وجدت القراءة منسوبة لشيبة في الكامل فتوقفت في ذلك ، والله أعلم .
2- البستان لابن الجندي: روى أبو العز عن الفزاري وعن الشنبوذي عن أبي جعفر " سقاة وعمرة ": بضم كسر السين وحذف الياء وفتح العين وقصر الميم " اهـ .
أما الكتب التي ليست من مروياته ولا من أصول نشره فهي :
1- الجامع للروذباري ، وفيه : " لا يخرج " : بضم الياء وكسر الراء شيبة ، والسيرافي عن داود بن أبي سالم عن يعقوب " اهـ ، وفيه أيضاً : " سقاة وعمرة : داود بن أبي سالم وأبو بكر الفزاري كلاهما عن يعقوب ، وإبراهيم بن عبد الرزاق عن المنهال بن شاذان العمري عنه أيضاً "اهـ.
2- التتمة لصدقة المسحرائي، وفيه : " الرهاوي " لا يخرج " بضم الياء وفتح الراء ، والشطوي بضم الياء وكسرالراء "اهـ وفيه أيضاً : " وقرأ الشطوي " سقاة وعمرة " وفي المفردة – يعني مفردة يعقوب لأبي العلاء – داوود والمنهال والفزاري عن يعقوب وكرداب عن رويس كالشطوي " .( معلومة : صدقة المسحرائي انتهى من تأليف كتابه التتمة يوم الإثنين السابع من ربيع الأول سنة 795هـ قبل أن يبدأ ابن الجزري بتأليف كتابه النشر بأربع سنوات .
هذه حال هاتين الكلمتين في كتب القراءات التي وقفت عليها .
ولو رجعنا إلى شروح الدرة فإننا نجد :
أولاً : الزبيدي يقول : " قرأ ابن وردان " لايخرج إلا " بضم الياء وكسر الراء بخلاف عنه ، ولم يذكر في الطيبة هذه القراءة لأنها انفرادة " اهـ
وقال: " قرأ ابن وردان بخلاف عنه " سقاية- عمرة " بضم السين وحذف الياء ، وفتح العين وحذف الألف ، وهذه القراءة لم يذكرها الشيخ في " الطيبة " لأنها مما انفرد بها الشطوي عن ابن وردان ، ولا شك أنها صحيحة ، ولو لم تصح لما ذكرها الشيخ " اهـ
ثانياً : النويري يقول : " روى ابن وردان في أحد وجهيه " لا يخرج إلا " بضم الياء وكسر الراء ، قال : ولم يعين الناظم الوجه الآخر لشهرة ذلك الوجه عن ابن وردان وكثرة رواته بخلاف الوجه الألأول ، إذ لم يروه إلا الشطوي ، وسائر رواته على الوجه الأخير كما يفهم من عبارته في التحبير ، وكلامه في النشر أصرح من التحبير في الخلاف " اهـ
وقال : " روى ابن وردان " سقاة " بضم السين من غير ياء في أحد وجهيها ..." عمرة" بفتح العين من غير ألف وذلك أيضاً في أحد وجهيه ..والوجه الأول فيهما هو طريق الشطوي عن ابن هارون عنه ، وباقي طريقه على الوجه الآخر . " اهـ
بعد نقل هذه النصوص نستطيع تسجيل التالي :
1- أن ما انفرد به الشطوي في هاتين الكلمتين ، أعني " لا يخرج " و " سقاة الحاج وعمرة " ليس مشهوراً عند أهل هذا العلم الضابطين له .
2- أنها مما انفرد به واحد من الرواة ، وهو الشطوي رحمه الله ، ولا يعترض هنا بكون غيره من أهل القراءات الشاذة قرأ بها كما سبق ؛ لأن الحديث إنما هو عن الرواة والطرق الذين تواترت رواياتهم وطرقهم .
3- أن عبارة الشيخ الزبيدي رحمه الله : " ولا شك أنها صحيحة ، ولو لم تصح لما ذكرها الشيخ " اهـ فيها نظر ، إذ يقال له : ولو كانت صحيحة لذكرها الشيخ في كتابه " النشر " رواية معتبرة ، فهو مظنة لذكر الصحيح من الروايات والطرق ، ولذكرها في نظمه " الطيبة " ، وكونه عدل عنها في النشر رواية ، وحكم عليها بأنها انفرادة لدليل واضح وقويّ على أنها لم تصح عنده .
ولا يقال هنا إن ذكرها في " الدرة " دليل على صحتها ، لأن القائلين بذلك يقولون إن " تحبير التيسير " هو أصلٌ للدرة ، وبالرجوع إليه وجدناه يذكر هذه الانفرادة بصيغة " الرواية " لا بصيغة القراءة ، وهو ما لم ينتبه إليه كثير من المعاصرين القائلين بتواتر هذه الكلمات وصحتها ، ومعلوم الفرق بين " الرواية " و" القراءة " لأن المعتبر هو الثانية لا الأولى ، وقد نبّه على هذا الشيخ الصفاقسي رحمه الله وهو يشرح صنيع الإمام الداني لما قال في كلمةٍ :" حدثنا " ، وقال فيها " وقرأت " قال الصفاقسي رحمه الله :
" فانظر كيف قال – الداني – في القصر حدثنا ، وفي المد قرأت وبه آخذ ، والتحديث بالقراءة يفيد ثبوتها ولا يبيح القراءة بها بخلاف القراءة فإنه يفيد القبوت وإباحة القراءة بها " اهـ
وابن الجزري رحمه الله وإن كان في " التحبير " لم يقل " حدثنا " إلا أنه قال :" وروى الشطوي " وهو هنا – ابن الجزري غيّر أسلوبه ،إذ كل ما زاده في التحبير على التيسير يذكره مباشرة فيقول : قلت : يعقوب : يقدر عليه بالياء المضمومة وفتح الدال ، وأيضاً : أبو جعفر : " رب احكم " بضم الباء "اهـ .
لكن لما جاء إلى هاتين الانفرادتين قال : " روى " ولم يقل " قرأ " ولم يذكرها مباشرة كغيرها من الزيادات على التيسير ، وهذه منهجية مهمة عند المؤلفين السابقين من لم ينتبه إليها قد يخلط بين الصحيح والانفراد والشاذ والمتواتر !!
ومما يؤكد هذا الكلام أن ابن الجزري نفسه لما جاء عند الانفرادة الرابعة التي انفرد بهما الشطوي عن ابن وردان ؛ أعني " فتغرقكم " في الإسراء " لم يذكر " روى " بل قال: " وشدد الراء الشطوي عن ابن وردان " اهـ .
هذا ما سمح به الوقت والجهد في دراسة هاتين الانفرادتين ، والله تعالى أعلم وأحكم .
ذكر الإمام ابن الجزري رحمه الله في كتابه " النشر في القراءات العشر " أربع كلمات ، مبينّاً انفراد الشطوي فيها عن بقية الرواة عن ابن وردان عن أبي جعفر ، وهذه الكلمات هي :
الكلمة الأولى : لا يخرج إلا " الأعراف ، قال ابن الجزري :
"وانفرد الشطويُّ عن ابن هارون عن الفضل عن أصحابه عن ابن وردان بضم الياء وكسر الراء ، وخالفه سائر الرواة فرووه بفتح الياء وضمِّ الراء، وكذلك قرأ الباقون "اهـ
الكلمة الثانية والثالثة : " سقاة " و " عمرة " من الآية " سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام " التوبة ، قال ابن الجزري :
" وانفرد الشَّطويُّ عن ابن هارون في رواية ابن وردان ( سقاة ) بضمِّ السين وحذف الياء بعد الألف ، و ﴿عَمَرة﴾ بفتح العين وحذف الألف ، وهي رواية ميمونة ، والقورسي عن أبي جعفر، وكذا روى أحمد بن جبير الأنطاكي عن ابن جمَّاز، وهي قراءة عبد الله بن الزبير."اهـ
الكلمة الرابعة : " فتغرقكم " ( الإسراء 9 قال ابن الجزري :
وانفرد الشطويُّ عن ابن هارون عن الفضل عن ابن وردان بتشديد الراء ، وهي قراءة ابن مِقْسم وقتادة والحسن في رواية.
و الذي يهمني هنا هو تسليط الضوء على الكلمات ؛ الأولى والثانية والثالثة ، أعني " لا يخرج إلا " الأعراف ، و " سقاة – عمرة " التوبة فقط .
ففي الوقت الذي نجد فيه ابن الجزري رحمه الله يقرر في " النشر " أنها " انفرادة ، نراه يذكرها في كتابه الآخر " تحبير التيسير " بقوله :
" روى الشطوي عن ابن وردان " لا يخرج " بضم الياء وكسر الراء " اهـ
وقال : " روى الشطوي عن ابن وردان " سقاة الحاج" بضم السين من غير ياء ، و " عمرة " بفتح العين من غير ألف "اهـ
ويذكرها في الدرة دون تعليق ؛ سوى أنه ذكر فيها الخلاف لابن وردان
وحاولت في هذه الأسطر دراسة هذه المسألة دراسة من جانب " الدراية " وليس من جانب " الرواية " ، فأقول بعد طلب العون والمدد من الله سبحانه وتعالى :
قبل البدء بهذه الدراسة يجب أولاً عرض رأي ابن الجزري رحمه الله في مسألة " صحة القراءة " ما هي ؟ وما ضابطها عنده ، وعندها نطبق كلامه ورأيه على هذه المسائل لنخرج بحكم " صحيح " ولو نظرياً .
قال رحمه الله : وقولنا: «وصح سندها »: فإنا نعني به أن يروي تلك القراءةَ العدلُ الضابط عن مثله كذا حتى تنتهي وتكون مع ذلك مشهورة عند أئمة هذا الشأن الضابطين له غير معدودة عندهم من الغلط أو مما شذَّ بها بعضهم "اهـ ( النشر : 1/13)
هذا نص واضح لا يحتاج إلى شرح أو تطويل في بيانه وبيان المراد منه ، ولكن هل توفرت هذه الشروط كلها في هذه الكلمات ؟
بالرجوع إلى كتب التراجم وجدنا أن راويها المنفرد بها وهو الشطوي رحمه الله هو ضابط عدل ، وعليه فلا إشكال في هذا الشرط .
نأتي إلى الشرط الثاني وهو الشهرة عند أئمة هذا الشأن الضابطين له ، فهل هاتان الانفرادتان للشطوي مشهورتان عند أهل هذا الشأن الضابطين له ؟
أما كلمة " لا يخرج إلا " وكلمتا " سقاة و عمرة " فلا توجد في الكتب التالية :
الغاية والمبسوط كلاهما لابن مهران .
ولا المنتهى للخزاعي .
ولا الروضة للمالكي .
ولا الكامل للهذلي ( ذكر فيها قراءة شيبة وأنها على ما لم يسمّ فاعله ، ولم يذكر القراءة التي نحن بصددها ) .
ولا الجامع لأبي معشر الطبري .
ولا المستنير لابن سوار . ولا الجامع لابن فارس .
ولا روضة المعدل . نعم هو ذكر القراءات في الكلمات كلها لكنه لم ينسبها لأبي جعفر بل جعل " لا يخرج" لابن محيصن، وكذلك جعل " سقاة – وعمرة" من تفرداته وقال معقباً عليها: وهو غريب ، وقد قرأ به أبو بحرية السعدي ." اهـ
ولا غاية الاختصار للهمداني .
أما كتاب " المصباح " لأبي الكرم الشهرزوري ففيه : " روى أبان بن يزيد العطار عن عاصم " لا يخرج " بضم الياء وكسر الراء، الباقون بفتح الياء ورفع الراء "اهـ فليس فيه ذكر لأبي جعفر فيما انفرد به الشطوي عن ابن وردان عنه .
فهذه الكتب من أصول النشر عموماً ، وفيها كل الكتب التي استقى منها ابن الجزري رواية أبي جعفر ، ، ليس فيها ذكر لهذه القراءة لا من قريب ولا من بعيد .
نعم هناك كتابان من أصول النشر ذكرا هذه الكلمة وهما : كتاب الكفاية الكبرى لأبي العز ، وفيه :
" روى أبان والشطوي عن أبي جعفر " لا يخرج إلا " بضم الياء وكسر الراء " اهـ
وقال : " قرأ الشنبوذي عن أبي جعفر سقاية : بضم السين وحذف الياء ، و " عمارة " بفتح العين من غير ألف " اهـ
والكتاب الثاني هو " الإرشاد لأبي العز نفسه ، وفيه :
" روى الشطوى بضم الياء وكسر الراء " اهـ
وقال :" الشنبوذي عن أبي جعفر بضم السين وحذف الياء " اهـ
فهذان الكتابان هما اللذان فيهما هذه القراءة من أصول النشر التي وقفت عليها حسبُ ،علماً بأن الكتب التي استقى منها ابن الجزري قراءة أبي جعفر في رواية ابن وردان لو استثنينا كتابي أبي العز هي :
غاية الاختصار .
والمصباح .
وروضة المالكي .
والمستنير .
والكامل .
وجامع ابن فارس.
والتذكار .
وغاية ابن مهران .
وأما كتب طريق ابن هارون عن الرازي فهي : الإرشاد والكفاية .
وسبط الخياط .
وأبو معشر .
وابن خيرون .
وأبو الكرم .
يعني أخذها من كتاب واحد ، وأربعة طرق أدائية ، والله أعلم .
فهذه حال هاتين الانفرادتين في كتب القراءات التي أصول للنشر .
أما الكتب التي هي من مرويات ابن الجزري وليست من أصول نشره فهي :
1- الكنز للواسطي ، وفيه : الرهاوي عن أبي جعفر " لا يخرج ": بضم الياء وفتح الراء ، والباقون بفتح الياء وضم الراء " اهـ وكنت أظن قوله " وفتح الراء خطأ أو سبق قلم صوابه " وكسرالراء " حتى يتفق مع ما في الدرة والنشر ، لكن وجدت القراءة منسوبة لشيبة في الكامل فتوقفت في ذلك ، والله أعلم .
2- البستان لابن الجندي: روى أبو العز عن الفزاري وعن الشنبوذي عن أبي جعفر " سقاة وعمرة ": بضم كسر السين وحذف الياء وفتح العين وقصر الميم " اهـ .
أما الكتب التي ليست من مروياته ولا من أصول نشره فهي :
1- الجامع للروذباري ، وفيه : " لا يخرج " : بضم الياء وكسر الراء شيبة ، والسيرافي عن داود بن أبي سالم عن يعقوب " اهـ ، وفيه أيضاً : " سقاة وعمرة : داود بن أبي سالم وأبو بكر الفزاري كلاهما عن يعقوب ، وإبراهيم بن عبد الرزاق عن المنهال بن شاذان العمري عنه أيضاً "اهـ.
2- التتمة لصدقة المسحرائي، وفيه : " الرهاوي " لا يخرج " بضم الياء وفتح الراء ، والشطوي بضم الياء وكسرالراء "اهـ وفيه أيضاً : " وقرأ الشطوي " سقاة وعمرة " وفي المفردة – يعني مفردة يعقوب لأبي العلاء – داوود والمنهال والفزاري عن يعقوب وكرداب عن رويس كالشطوي " .( معلومة : صدقة المسحرائي انتهى من تأليف كتابه التتمة يوم الإثنين السابع من ربيع الأول سنة 795هـ قبل أن يبدأ ابن الجزري بتأليف كتابه النشر بأربع سنوات .
هذه حال هاتين الكلمتين في كتب القراءات التي وقفت عليها .
ولو رجعنا إلى شروح الدرة فإننا نجد :
أولاً : الزبيدي يقول : " قرأ ابن وردان " لايخرج إلا " بضم الياء وكسر الراء بخلاف عنه ، ولم يذكر في الطيبة هذه القراءة لأنها انفرادة " اهـ
وقال: " قرأ ابن وردان بخلاف عنه " سقاية- عمرة " بضم السين وحذف الياء ، وفتح العين وحذف الألف ، وهذه القراءة لم يذكرها الشيخ في " الطيبة " لأنها مما انفرد بها الشطوي عن ابن وردان ، ولا شك أنها صحيحة ، ولو لم تصح لما ذكرها الشيخ " اهـ
ثانياً : النويري يقول : " روى ابن وردان في أحد وجهيه " لا يخرج إلا " بضم الياء وكسر الراء ، قال : ولم يعين الناظم الوجه الآخر لشهرة ذلك الوجه عن ابن وردان وكثرة رواته بخلاف الوجه الألأول ، إذ لم يروه إلا الشطوي ، وسائر رواته على الوجه الأخير كما يفهم من عبارته في التحبير ، وكلامه في النشر أصرح من التحبير في الخلاف " اهـ
وقال : " روى ابن وردان " سقاة " بضم السين من غير ياء في أحد وجهيها ..." عمرة" بفتح العين من غير ألف وذلك أيضاً في أحد وجهيه ..والوجه الأول فيهما هو طريق الشطوي عن ابن هارون عنه ، وباقي طريقه على الوجه الآخر . " اهـ
بعد نقل هذه النصوص نستطيع تسجيل التالي :
1- أن ما انفرد به الشطوي في هاتين الكلمتين ، أعني " لا يخرج " و " سقاة الحاج وعمرة " ليس مشهوراً عند أهل هذا العلم الضابطين له .
2- أنها مما انفرد به واحد من الرواة ، وهو الشطوي رحمه الله ، ولا يعترض هنا بكون غيره من أهل القراءات الشاذة قرأ بها كما سبق ؛ لأن الحديث إنما هو عن الرواة والطرق الذين تواترت رواياتهم وطرقهم .
3- أن عبارة الشيخ الزبيدي رحمه الله : " ولا شك أنها صحيحة ، ولو لم تصح لما ذكرها الشيخ " اهـ فيها نظر ، إذ يقال له : ولو كانت صحيحة لذكرها الشيخ في كتابه " النشر " رواية معتبرة ، فهو مظنة لذكر الصحيح من الروايات والطرق ، ولذكرها في نظمه " الطيبة " ، وكونه عدل عنها في النشر رواية ، وحكم عليها بأنها انفرادة لدليل واضح وقويّ على أنها لم تصح عنده .
ولا يقال هنا إن ذكرها في " الدرة " دليل على صحتها ، لأن القائلين بذلك يقولون إن " تحبير التيسير " هو أصلٌ للدرة ، وبالرجوع إليه وجدناه يذكر هذه الانفرادة بصيغة " الرواية " لا بصيغة القراءة ، وهو ما لم ينتبه إليه كثير من المعاصرين القائلين بتواتر هذه الكلمات وصحتها ، ومعلوم الفرق بين " الرواية " و" القراءة " لأن المعتبر هو الثانية لا الأولى ، وقد نبّه على هذا الشيخ الصفاقسي رحمه الله وهو يشرح صنيع الإمام الداني لما قال في كلمةٍ :" حدثنا " ، وقال فيها " وقرأت " قال الصفاقسي رحمه الله :
" فانظر كيف قال – الداني – في القصر حدثنا ، وفي المد قرأت وبه آخذ ، والتحديث بالقراءة يفيد ثبوتها ولا يبيح القراءة بها بخلاف القراءة فإنه يفيد القبوت وإباحة القراءة بها " اهـ
وابن الجزري رحمه الله وإن كان في " التحبير " لم يقل " حدثنا " إلا أنه قال :" وروى الشطوي " وهو هنا – ابن الجزري غيّر أسلوبه ،إذ كل ما زاده في التحبير على التيسير يذكره مباشرة فيقول : قلت : يعقوب : يقدر عليه بالياء المضمومة وفتح الدال ، وأيضاً : أبو جعفر : " رب احكم " بضم الباء "اهـ .
لكن لما جاء إلى هاتين الانفرادتين قال : " روى " ولم يقل " قرأ " ولم يذكرها مباشرة كغيرها من الزيادات على التيسير ، وهذه منهجية مهمة عند المؤلفين السابقين من لم ينتبه إليها قد يخلط بين الصحيح والانفراد والشاذ والمتواتر !!
ومما يؤكد هذا الكلام أن ابن الجزري نفسه لما جاء عند الانفرادة الرابعة التي انفرد بهما الشطوي عن ابن وردان ؛ أعني " فتغرقكم " في الإسراء " لم يذكر " روى " بل قال: " وشدد الراء الشطوي عن ابن وردان " اهـ .
هذا ما سمح به الوقت والجهد في دراسة هاتين الانفرادتين ، والله تعالى أعلم وأحكم .