خلدون ربابعة
New member
الوصايا العشر للراغبين في تعلم أحكام تجويد القرآن الكريم
يُعنى علم التجويد بتحسين قراءة القرآن الكريم وتطبيق أحكام تلاوته، بإعطاء كل حرف حقه من الصفات والمخارج، ومراعاة حالة الحرف، ومعرفة الوقف والابتداء، وغيرها من الأحكام، وقد كثر السؤال عن كيفية تعلم أحكام تجويد القرآن الكريم، فهذه وصايا عشر للراغبين في تعلم أحكام تجويد القرآن الكريم، وبالله التوفيق:
أولا: أهمية تعلم أحكام تجويد القرآن الكريم
تعلّم أحكام تجويد القرآن الكريم عبادةٌ لله تعالى وقربة من أعظم القربات، ومن الأدلة على أنّ تعلّم أحكام تجويد القرآن الكريم عبادةٌ لله تعالى: قوله عز وجل: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} (المزمل:4)
فأمر الله تعالى بتلاوة القرآن الكريم ترتيلاً، والترتيل هو إخراج كلّ حرفٍ من مخرجه الصحيح مع صفاته، وهذا لا يكون إلا بتعلّم أحكام التجويد.
ومن الأدلة على أن تعلم أحكام التجويد عبادة قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ» (رواه البخاري)، فهذا الحديث الشريف يدلّ على أنّ قراءة القرآن الكريم وتعلم تجويده وتعليمه عبادةٌ تُقرّب العبد من الله تعالى.
ثانيا: من فوائد دراسة أحكام تجويد القرآن الكريم
دراسة أحكام تجويد القرآن الكريم تعود على القارئ بفوائد عظيمة تتلخص في الآتي:
حفظ القرآن الكريم من اللحن: واللحن هو الخطأ في قراءة القرآن الكريم، إما بإبدال حرف مكان آخر، أو بتغيير حركة حرف، أو بزيادة حرف أو نقصانه، أو بعدم تحقيق مخرج أو غنة أو خلل في حكم من أحكام التجويد.
فهم معاني القرآن الكريم: التجويد يُساعد على فهم معاني القرآن الكريم بشكل أفضل، وذلك من خلال إعطاء كل حرف حقه من الصفات، ممّا يُؤدّي إلى وضوح اللفظ ثم فهم المعنى، كما أن من أساليب القُرَّاء في الأداء أنهم يتبعون أسلوبا في القراءة يشعرك بجو النص، وتفصيلاته، كالقراءة بنغم حزين عند قراءة قوله تعالى: {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيم} [يوسف:84]، فأسلوب الأداء نوع من أنواع التجويد والإتقان يشعرك بجو النص حالة القراءة.
نيل الأجر والثواب: فتعلّم أحكام التجويد وقراءة القرآن الكريم بالتجويد يُعدّ من الأعمال الصالحة التي يُؤجر عليها المسلم، حتى إن قراءة الحرف الواحد من كتاب الله يؤجر عليها المسلم الأجر الوفير، ودل على ذلك أخبار صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الشعور بجماليات القرآن الكريم: التجويد يُضفي على قراءة القرآن الكريم جمالاً وروعةً، ممّا يُؤثّر على النفس ويُزيد من إيمانها وخشوعها، فعندما نستمع للقراء المتقنين ندرك أن التجويد له جماليات وإبداعات تضفي على التلاوة أزهى الحُلل.
تعلّم اللغة العربية: حُفظت اللغة العربية من التبديل والضياع بالقرآن الكريم من خلال النحو والصرف والبلاغة وحفظ الألفاظ ... وغير ذلك مما سجله علماء أصول اللغة؛ والتجويد يُساعد على تعلّم اللغة العربية بشكل أفضل في باب النطق والأداء، وذلك من خلال معرفة مخارج الحروف وصفاتها ونطقها على الوجه الصحيح.
تعظيم القرآن الكريم: يُعبر المسلم من خلال تعلّم أحكام التجويد عن تعظيمه للقرآن الكريم، فالمسلم يعتني بكلام الله سبحانه وتعالى، ويقرأه بأحسن طريقة وأجمل صوت، ويهتم بكل حرف من كلام ربه تبارك وتعالى.
ثالثا: كيف نتعلم التجويد؟
يعتمد تعلم أحكام التجويد على عدة أمور أهنها:
التعلم من خلال القراءة والمطالعة.
التعلم على يد معلم للتجويد.
التعلم من خلال استخدام التقنيات الحديثة، التطبيقات الإلكترونية.
جهد الطالب وهمَّته.
وهذه أربعة محاور أساسية في تعلم أحكام التجويد، وتاليا تفصيل القول فيها:
الأمر الأول: التعلم من خلال القراءة والمطالعة.
يمكنك البدء بكتاب مختصر في أحكام التجويد، وهي كثيرة جدا لكن اختر منها المعتمد عند العلماء وما شاع واشتُهر، وأوصى به أهل العلم، ولكن لا تعتمد على الكتاب وحده؛ لأن علم التجويد علم تطبيقي يحتاج إلى معلم.
الأمر الثاني: التعلم على يد معلم للتجويد.
يمكنك تعلم التجويد عن طريق معلم مباشر من خلال حضور حلقات تدريس التجويد أو الاشتراك بالدورات التدريبية، واختر معلما مُتقنا، معروفا بالسيرة الطيبة والعمل الصالح.
الأمر الثالث: التعلم من خلال استخدام التقنيات الحديثة، التطبيقات الإلكترونية.
يُمكنك استخدام التطبيقات الإلكترونية لتعلم التجويد، حيث أصبحت التطبيقات الإلكترونية أداةً فعّالةً لتعلم التجويد، حيث توفر العديد من المزايا، منها:
السهولة والمرونة: فيمكنك استخدام التطبيقات الإلكترونية في أي وقت ومن أي مكان.
التنوع: تتوفر العديد من التطبيقات الإلكترونية لتعلم التجويد، والتي تُلبي احتياجات مختلف المستويات.
التفاعلية: تستخدم العديد من التطبيقات الإلكترونية تقنيات التفاعل، مثل الألعاب والأنشطة، مما يجعل عملية التعلم ممتعةً وفعّالة.
التكلفة: تتوفر العديد من التطبيقات الإلكترونية لتعلم التجويد مجانًا.
نصائح لاستخدام التطبيقات الإلكترونية لتعلم التجويد:
اختر التطبيق المُناسب.
استخدم التطبيق بشكلٍ مُنتظم.
لا تعتمد على التطبيق فقط، بل اِحرص على حضور حلقات التجويد أو الالتحاق بدورة تعليمية في التجويد.
الأمر الرابع: جهد الطالب وهمَّته.
جميع العلوم تحتاج إلى جهد الطالب وهمَّته العالية في الدراسة واتخاذ الطرق المناسبة للتعلم، والتجويد له بعض الخصائص التي تمكن طالبه المُجدَّ والمجتهد من تحصيل علم التجويد بسهولة ويُسر ووقت قصير، منها:
الاستماع إلى القُرَّاءة المتقنين: فمن الممكن الاستماع إلى تلاوة شيخ القراء الشيخ محمود خليل الحصري مثلا، وتعلم أحكام التجويد ومخارج الحروف وصفاتها من الاستماع.
التدريب المتكرر: التجويد يحتاج إلى صبر ومُثابرة، لذلك يجب عليك تعلم القراءة وأحكامها والتكرار بشكلٍ مستمر حتى تصل إلى مرحلة الإتقان.
استمتع بتعلّم التجويد: إذا أردت أن تتعلم شيئا عليك أن تُحبَّه أولا قبل كل شيء، ثم انطلق بعدها ولا تترك شيئا يتعلق بالتجويد وأحكامه إلا تعلمته، علم التجويد علمٌ جميلٌ ومُمتعٌ، فاستمتع بتعلّمه.
الدعاء الدعاء: ادعُ الله تعالى أن يُسهّل عليك تعلّم التجويد وأن يُوفقك، ادع الله في جوف الليل وقل: «اللهمّ يسرّ عليّ تعلّم التجويد، وافتح عليّ بفهمه، وسهّل عليّ حفظه، اللهمّ اجعلني من المُتّقنين لتلاوة القرآن الكريم، واجعل قراءتي له خالصةً لوجهك الكريم، اللهمّ ارزقني حسن التلاوة والأداء».
ومن أهم النصائح لطالب علم التجويد أنك كلما تكاسلت وضعفت همتك تذكّر فضل تعلّم التجويد ومكانة متعلمه في الدنيا والآخرة.
رابعا: أهمية المادة النظرية والعملية التطبيقية في التجويد
تعتمد مادة التجويد على المادة النظرية وعلى المادة العملية التطبيقية، ومن خلال التدريس والتعليم لأحكام تجويد القرآن الكريم يتبين أن بعض الطلاب يتقنون المادة النظرية ولا يتقنون المادة العملية أو عكس ذلك، فتجد من الطلاب من يتقن المادة العملية والتطبيقية ولا يلتفت إلى المادة النظرية.
والصحيح خلاف ذلك ينبغي للطالب أن يعتني اعتناء كبيرا بالمادة التطبيقية والمادة النظرية؛ وذلك لأن علم التجويد علم يعتمد على ما استخلصه العلماء الأفاضل من قواعد نظرية تبين قواعد علم التجويد، كما يعتمد أيضا اعتمادا كبيرا على المادة التطبيقية العملية لأنها سنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نقلت إلينا بالتواتر.
خامسا: اقرأ وافهم وتعلم
القرآن الكريم كتاب هداية وتوجيه وإرشاد، فيه مقاصد عظيمة وغايات نبيلة وهدايات جليله والمسلم القارئ لكتاب الله ينبغي له أن يهتم اهتماما عظيما بالفهم والوعي والتطبيق لآيات الله عز وجل قال تبارك وتعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَاب} [سورة ص:29].
فهذا الكتاب العظيم من ميزته أنه كتاب يدعو إلى التدبر والتفكر ثم التذكر والتطبيق.
والمأمول من كل قارئ ومتعلم لأحكام التجويد ألا يقتصر ولا يقف عند حدود اللفظ وحده، بل عليه أن ينظر في المعنى وأن يتدبر وأن يحاول قدر المستطاع الخشوع عند قراءته لآيات القرآن الكريم.
علم التجويد علم يتحصل أثناء تعلمه وبعد تعلمه أمور بالغة الأهمية تتعلق بكتاب الله عز وجل منها الفهم والتدبر والتذكر.
سادسا: الاهتمام بالجانب التربوي
تعلُّم التجويد في حلقات التعليم أو في المساجد أو في الدورات التي تعقد في كل ذلك ينبغي ألا تغيب الفكرة التربوية التي تُهذب النفوس وتسعى لتحقيق مقاصد القرآن الكريم من كل مسلم؛ فيحرص المعلم والطالب على التأدب والتخلق بأخلاق القرآن الكريم.
ويبدأ هذا التأدب بالجلسة والاحترام والتقدير المتبادل بين الطالب والمعلم وبين الطلبة أنفسهم، والتخلق بأخلاق القرآن الكريم التي تتضمنها آياته والتي لا تخلو منها سورة فإذا مر القارئ بآية فيها أدب أو خلق عظيم أو تحذير من بعض التصرفات استغل المعلم هذه اللفتة وتحدث وصوب أو أرشد أو وجَّه، وإن فات المعلم هذا الأمر لا ينبغي للطالب أن يغفل عنه، بل يحاول الطالب ايضا السؤال أمام جميع الطلاب، والهدف والغاية التخلق والتأدب بأخلاق القرآن وآدابه العظيمة، ففي كتاب الله تربية إيمانية، وأخلاقية، عقلية، وروحية.
سابعا: الاعتناء بالكلمات الصعبة
في كتاب الله عز وجل كلمات ربما يصعب نطقها على البعض، فقُرَّاء القرآن ليس جميعهم عرب ولا جميعهم من العارفين العالمين بطريقة نطق الحروف، وعلى كل حال ينبغي لقارئ القران الكريم أن يتعلم نطق ولفظ الحروف، فيحرص على تعلم المخارج ويتعلم الصفات ويتعلم جميع أحكام التجويد، ثم إن أُشكل عليه كلمه رجع إلى معلمه أو رجع إلى بعض الكتب التي وصفت كيفية النطق بهذه الكلمة، أو الاستماع إلى قارئ متقن لكتاب الله تعالى، والأمر يحتاج إلى عناية وتكرار ومعرفه وعلم بكلمات الكتاب العزيز وألفاظه.
ثامنا: كن مُعلما للتجويد
إذا أردت أن تُتقن علما من العلوم فاحرص على أن تكون معلما منذ أول يوم تتعلم فيه هذا العلم؛ وعلم التجويد تنطبق عليه هذه القاعدة، فاقرأ وافهم واحفظ، ثم انطلق بعدها متقنا لأحكام تجويد القرآن، مُعلما مُفَهِّمًا مُدربا لغيرك على تلاوة كتاب الله العظيم.
تاسعا: ابقَ على تواصل مع شيخك
إذا تعلمت تلاوة كتاب الله واتقنتها فأنت من الفائزين الناجحين الحاصلين على الخير العظيم في الدنيا والآخرة، وحتى لو بلغت ما بلغت من منزلة في القراءة ارجع الى معلمك لا تنسى فضله واحفظ له الود والمكانة الكريمة والشأن العظيم، فهو الذي نقل لك أسلوب قراءة النبي صلى الله عليه وسلم لكتاب الله تبارك وتعالى، وقديما قالوا: «كم من صاحب شهرة وظهور ببركة مستور».
ثم هناك أمر آخر يتعلق بالتواصل مع الشيخ المعلم وهي مسألة علمية؛ فالقارئ متكلم والمعلم مستمع، والسامع أوعى من المتكلم، لذلك ربما يفوتك تطبيق غُنَّة أو إخفاء أو مد ... أو غير ذلك من خفايا التجويد، ربما مع تقادم الزمان يصاب القارئ بالذهول أو باعتياد قراءة خلاف ما علمه شيخه، فعليه أن يرجع وينال بركة القرب، ثم يقرأ ما تيسر له من كتاب الله ويستمع إلى توجيهات وإرشادات شيخه المربي.
عاشرا: آفاق وتطلعات
المسلم كالشامة بين الأمم يتميز عن غيره بفهمه وعلمه وتطلعه إلى المستقبل، هكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم، والقارئ لسيرته صلى الله عليه وسلم يجد أمثله كثيرة للآمال والتطلعات الدينية والفكرية والعلمية والاجتماعية ... وغيرها، ومنها مثلا: ((يبلغ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار)) (رواه أحمد).
والمتعلم لأحكام التجويد عندما يتقن هذا العلم يأمل أن يوصله علم التجويد إلى الخير الوفير ومن الأمور التي يستطيع أن يحققها بعد تحصيل الأجر والثواب عند الله النفع في الدنيا من وجوه كثيرة منها:
إتقان لفظ الحروف وضبط مخارجها عند تلاوة القرآن الكريم وعند الحديث أو الخطبة او التكلم والحديث. ومنها العناية والاهتمام فطالب التجويد يهتم بكل حرف وحركة في كتاب الله عز وجل، كما أن طالب التجويد يتعلم اللغة والنحو والصرف والبلاغة من خلال التطبيق العملي لآيات كتاب الله العظيم ثم يتوجه إلى قراءة بعض المختصرات في علم النحو فيجد نفسه قد تعلم من كتاب الله تطبيقات عملية لهذا العلم، وطالب التجويد يمكنه أن يبدع في مجالات كثيره ويمكنه تحقيق آماله وتطلعاته من خلال هذا العلم الشريف فهو علم يتعلق بكتاب الله وشرف العلم يقاس بشرف المعلوم.