صالح بن سليمان الراجحي
Member
"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (85)
اكتب في (قوقل) (النوال. وأول الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.
قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "الرعد": (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ)
القول الصحيح أن المراد بالسجود الخضوع والانقياد لله ومشيئته وسلطانه وجبروته, ليس لهم اختيار في ذلك, بل هم عباد لله منقادون داخرون تجري عليهم مشيئته على كل حال.
والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في المراد بالسجود في هذه الآية على قولين:
القول الأول: أن المراد بالسجود الهيئة المعهودة, وهو وضع الجبهة على الأرض, وقالوا: المؤمن يسجد لله طوعاً والكافر قد يكره على السجود كالمنافق أو غيره, وقيل: الكافر حين يدخل الإسلام رهبة بالسيف.
(اقتصر على هذا القول ابن جرير*, والبغوي*, وابن كثير*, وابن عاشور*) (ورجحه الشنقيطي*)
وقيل: سجود الكافر كرها في حال الشدة والحاجة.
قال الماتريدي: "وأما الكافر فإنه يسجد له ويخضع في حال الشدة والضيق ولا يسجد له في حال السعة والرخاء".
وقال ابن عاشور: "بالاضطرار عند الشدة والحاجة كما في قوله تعالى: {ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ}, وليس المراد من الكره الضغط والإلجاء كما فسر به بعضهم فهو بعيد عن الغرض".
وقيل: هذا من العام الذي أريد به الخصوص.
قال الشنقيطي: "والدليل على أن سجود أهل السماوات والأرض من العام المخصوص قوله تعالى في «سورة الحج»: (ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب)، فقوله: (وكثير من الناس) دليل على أن بعض الناس غير داخل في السجود المذكور، وهذا قول الحسن، وقتادة، وغيرهما".
قلت: القول بأنه من العام الذي أريد به الخصوص فيه نظر, فإن آية الرعد هذه واضح فيها العموم, ويؤيد هذا قوله: (وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ)
القول الثاني: أن المراد بالسجود الخضوع والانقياد لله ومشيئته وسلطانه وجبروته, كما في قوله تعالى: {وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً} (اقتصر عليه الزمخشري*, وصاحب الظلال*)
وهو القول الصحيح.
(وذكر القولين دون ترجيح الماتريدي*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*)
وقوله: (طوعاً وكرهاً) أي: ليس لهم اختيار في ذلك, بل هم عباد لله منقادون داخرون تجري عليهم مشيئته على كل حال.
قال الزمخشري: "شاءوا أو أبوا لا يقدرون أن يمتنعوا عليه".
قال صاحب الظلال: "السياق يعبر عن الخضوع لمشيئة الله بالسجود وهو أقصى رمز للعبودية، ثم يضم إلى شخوص من في السماوات والأرض ظلالهم كذلك في السجود والخضوع والامتثال. وهي في ذاتها حقيقة، فالظلال تبع للشخوص. ثم تلقي هذه الحقيقة ظلها على المشهد، فإذا هو عجب. وإذا السجود مزدوج: شخوص وظلال! وإذا الكون كله بما فيه من شخوص وظلال جاثية خاضعة عن طريق الإيمان أو غير الإيمان سواء. كلها تسجد لله .. وأولئك الخائبون يدعون آلهة من دون الله!".
وقوله: (وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ)
أي: هم وظلالهم خاضعون لله ومشيئته بالغدو وهو أول النهار والآصال وهو آخر النهار, فتنقاد الظلال وتتمدد وتتقلص وفق مشيئة الله وإرادته في كونه كبقية مخلوقاته.
قال الزمخشري: "وتنقاد له ظلالهم أيضاً، حيث تتصرف على مشيئته في الامتداد والتقلص، والفيء والزوال"اهـ
كما قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ}
قال الماتريدي: فإن قيل: ما معنى الغدو والآصال؟ قيل: يحتمل: أبداً دائماً: ليس على مراد الوقت, ولكن على الأوقات كلها.
والله تعالى أعلم.
للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/
اكتب في (قوقل) (النوال. وأول الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.
قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "الرعد": (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ)
القول الصحيح أن المراد بالسجود الخضوع والانقياد لله ومشيئته وسلطانه وجبروته, ليس لهم اختيار في ذلك, بل هم عباد لله منقادون داخرون تجري عليهم مشيئته على كل حال.
والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في المراد بالسجود في هذه الآية على قولين:
القول الأول: أن المراد بالسجود الهيئة المعهودة, وهو وضع الجبهة على الأرض, وقالوا: المؤمن يسجد لله طوعاً والكافر قد يكره على السجود كالمنافق أو غيره, وقيل: الكافر حين يدخل الإسلام رهبة بالسيف.
(اقتصر على هذا القول ابن جرير*, والبغوي*, وابن كثير*, وابن عاشور*) (ورجحه الشنقيطي*)
وقيل: سجود الكافر كرها في حال الشدة والحاجة.
قال الماتريدي: "وأما الكافر فإنه يسجد له ويخضع في حال الشدة والضيق ولا يسجد له في حال السعة والرخاء".
وقال ابن عاشور: "بالاضطرار عند الشدة والحاجة كما في قوله تعالى: {ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ}, وليس المراد من الكره الضغط والإلجاء كما فسر به بعضهم فهو بعيد عن الغرض".
وقيل: هذا من العام الذي أريد به الخصوص.
قال الشنقيطي: "والدليل على أن سجود أهل السماوات والأرض من العام المخصوص قوله تعالى في «سورة الحج»: (ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب)، فقوله: (وكثير من الناس) دليل على أن بعض الناس غير داخل في السجود المذكور، وهذا قول الحسن، وقتادة، وغيرهما".
قلت: القول بأنه من العام الذي أريد به الخصوص فيه نظر, فإن آية الرعد هذه واضح فيها العموم, ويؤيد هذا قوله: (وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ)
القول الثاني: أن المراد بالسجود الخضوع والانقياد لله ومشيئته وسلطانه وجبروته, كما في قوله تعالى: {وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً} (اقتصر عليه الزمخشري*, وصاحب الظلال*)
وهو القول الصحيح.
(وذكر القولين دون ترجيح الماتريدي*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*)
وقوله: (طوعاً وكرهاً) أي: ليس لهم اختيار في ذلك, بل هم عباد لله منقادون داخرون تجري عليهم مشيئته على كل حال.
قال الزمخشري: "شاءوا أو أبوا لا يقدرون أن يمتنعوا عليه".
قال صاحب الظلال: "السياق يعبر عن الخضوع لمشيئة الله بالسجود وهو أقصى رمز للعبودية، ثم يضم إلى شخوص من في السماوات والأرض ظلالهم كذلك في السجود والخضوع والامتثال. وهي في ذاتها حقيقة، فالظلال تبع للشخوص. ثم تلقي هذه الحقيقة ظلها على المشهد، فإذا هو عجب. وإذا السجود مزدوج: شخوص وظلال! وإذا الكون كله بما فيه من شخوص وظلال جاثية خاضعة عن طريق الإيمان أو غير الإيمان سواء. كلها تسجد لله .. وأولئك الخائبون يدعون آلهة من دون الله!".
وقوله: (وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ)
أي: هم وظلالهم خاضعون لله ومشيئته بالغدو وهو أول النهار والآصال وهو آخر النهار, فتنقاد الظلال وتتمدد وتتقلص وفق مشيئة الله وإرادته في كونه كبقية مخلوقاته.
قال الزمخشري: "وتنقاد له ظلالهم أيضاً، حيث تتصرف على مشيئته في الامتداد والتقلص، والفيء والزوال"اهـ
كما قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ}
قال الماتريدي: فإن قيل: ما معنى الغدو والآصال؟ قيل: يحتمل: أبداً دائماً: ليس على مراد الوقت, ولكن على الأوقات كلها.
والله تعالى أعلم.
للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/