صالح بن سليمان الراجحي
Member
"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (13)
اكتب في (قوقل) (النوال. وأول الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.
قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "يونس": (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ)
القول الراجح أن المراد بـ(الحسنى) الجنة, و(الزيادة) النظر إلى وجه الله الكريم.
والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في المراد بالحسنى والزيادة في هذه الآية على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن الحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله الكريم (ذكره الماتريدي*, والبغوي*, وابن عطية*) (ورجحه ابن جرير*, والرازي*, والقرطبي*, وابن كثير*, وابن عاشور*)
(واقتصر عليه الشنقيطي* في مواضع من الأضواء)
وهو القول الراجح.
وهو قول السلف من الصحابة والتابعين.
(وضعف الزمخشري* القول بأن الزيادة النظر إلى وجه الله, لأن المعتزلة ينفون رؤية الله في الآخرة) نسأل الله أن لا يحجب عنا أنوار الحقائق بحُجُب الجهل والهوى.
قال ابن كثير: "وقد روي تفسير الزيادة بالنظر إلى وجه الله الكريم، عن أبي بكر الصديق، وحذيفة بن اليمان، وعبد الله بن عباس, وأبي موسى, وعبادة بن الصامت, وسعيد بن المسيب، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبد الرحمن بن سابط، ومجاهد، وعكرمة، وعامر بن سعد، وعطاء، والضحاك، والحسن، وقتادة، والسدي، ومحمد بن إسحاق، وغيرهم من السلف والخلف.
وقد وردت في ذلك أحاديث كثيرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وقد أخرج مسلم وغيره عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار. قال: فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز و جل ثم تلا هذه الآية {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة}
تنبيه:
(ابن عاشور رجح أن الحسنى الجنة واقتصر على هذا القول, وأما الزيادة فذكر قولين أحدهما النظر إلى وجه الله, وقال: "إنه أصرح ما ورد في تفسيرها").
(والرازي وابن كثير رجحا هذا القول كما سبق, لكنهما فسرا الحسنى بالمثوبة الحسنى)
(وابن جرير وابن كثير* رجحا هذا القول كما سبق لكنهما يريان أن الزيادة تشمل رؤية الله وغير ذلك من النعيم والرضوان وما أخفاه لهم من قرة أعين)
وسيأتي مناقشة هذا الرأي وأن الأقرب أن الزيادة خاصة بالرؤية وأن القول بأنها تشمل غيرها من نعيم الجنة بعيد.
القول الثاني: أن المراد بـ(الحسنى) الحسنة، والزيادة: عشر أمثالها أو أكثر. (ذكره ابن جرير*, والماتريدي*, والبغوي*, والزمخشري*, والقرطبي*)
(ومال إليه ابن عطية*)
قال ابن عطية: "وهذا قول يعضده النظر, ولولا عظم القائلين بالقول الأول لترجح هذا القول، وطريق ترجيحه أن الآية تتضمن اقتراناً بين ذكر عمال الحسنات وعمال السيئات، فوصف المحسنين بأن لهم حسنى وزيادة من جنسها، ووصف المسيئين بأن لهم بالسيئة مثلها فتعادل الكلامان".
القول الثالث: أن المراد بـ(بالحسنى) الحسنة و(الزيادة) زيادة مغفرة من الله ورضوان. (ذكره ابن جرير*, والبغوي*, والزمخشري*, والقرطبي*)
(وذكره ابن عاشور* وهو يفسر الزيادة, فقال: "فقيل: هي رضى الله تعالى كما قال: (ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر)".
وبمعنى هذا القول قول من يقول: المراد بـ(الحسنى) المثوبة الحسنى و(الزيادة) ما يزيد على المثوبة وهي التفضل. (ذكره ابن جرير*) (واقتصر عليه صاحب الظلال*) (واقتصر عليه الرازي وابن كثير في تفسير الحسنى)
وقد ذكرت أنفاً أن ابن جرير وابن كثير يريان أن الزيادة تشمل رؤية الله وغير ذلك من النعيم والرضوان وما أخفاه لهم من قرة أعين.
وإليك نص قولهما.
قال ابن جرير: "وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن من الزيادة على إدخالهم الجنة أن يكرمهم بالنظر إليه، وأن يعطيهم غرفاً من لآلئ، وأن يزيدهم غفراناً ورضواناً، فلم يخصص منها شيئاً دون شيء، وذلك كله مجموع لهم إن شاء الله. فأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يعم كما عمَّه عز ذكره".
وكذلك قال ابن كثير: "تضعيف ثواب الأعمال بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وزيادة على ذلك أيضاً ويشمل ما يعطيهم الله في الجنان من القصور والحور والرضا عنهم، وما أخفاه لهم من قرة أعين، وأفضل من ذلك وأعلاه النظر إلى وجهه الكريم، فإنه زيادة أعظم من جميع ما أعطوه"
وما ذهب إليه ابن جرير وابن كثير فيه بعد, لأن الوعد بالجنة يدخل فيه كل ما في الجنة من أنواع النعيم, فيفهم من قوله: (وزيادة) أنها زيادة متميزة مخالفة لكل نعيم الجنة.
وقد نبه الرازي وابن عاشور إلى ذلك.
قال الرازي: "الحسنى لفظة مفردة دخل عليها حرف التعريف، فانصرف إلى المعهود السابق، وهو دار للسلام. والمعروف من المسلمين والمتقرر بين أهل الإسلام من هذه اللفظة هو الجنة، وما فيها من المنافع والتعظيم. وإذا ثبت هذا وجب أن يكون المراد من الزيادة أمراً مغايراً لكل ما في الجنة من المنافع والتعظيم، وإلا لزم التكرار".
وقال ابن عاشور: "والزيادة يتعين أنها زيادة لهم ليست داخلة في نوع الحسنى بالمعنى الذي صار علماً بالغلبة، فلا ينبغي أن تفسر بنوع مما في الجنة لأنها تكون حينئذ مما يستغرقه لفظ الحسنى فتعين أنها أمر آخر".
وفي الآية أقوال أخرى ضعيفة.
فقيل: الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة (ذكره ابن جرير*, والماتريدي*, وابن عطية*, والزمخشري*, والقرطبي*)
وقيل: الزيادة المحبة في قلوب العباد يحبه كل محسن، وهيبة له في قلوب الناس يهابه كل أحد على غير سلطان له ولا يد. (انفرد بذكره الماتريدي)
وقيل: الزيادة ما أعطوا في الدنيا مما يحبون. (ذكره ابن جرير*, والقرطبي*)
وقيل: الزيادة أن تمر السحابة بأهل الجنة فتقول: ما تريدون أن أمطركم؟ فلا يريدون شيئاً إلا أمطرتهم. (ذكره الزمخشري*, والقرطبي*)
وقيل: الزيادة أنه ما يمر عليهم مقدار يوم من أيام الدنيا إلا حتى يطيف بمنزل أحدهم سبعون ألف ملك، مع كل ملك هدايا من عند الله ليست مع صاحبه، ما رأوا مثل تلك الهدايا قط (انفرد بذكره القرطبي*)
والله تعالى أعلم.
اكتب في (قوقل) (النوال. وأول الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.
قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "يونس": (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ)
القول الراجح أن المراد بـ(الحسنى) الجنة, و(الزيادة) النظر إلى وجه الله الكريم.
والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في المراد بالحسنى والزيادة في هذه الآية على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن الحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله الكريم (ذكره الماتريدي*, والبغوي*, وابن عطية*) (ورجحه ابن جرير*, والرازي*, والقرطبي*, وابن كثير*, وابن عاشور*)
(واقتصر عليه الشنقيطي* في مواضع من الأضواء)
وهو القول الراجح.
وهو قول السلف من الصحابة والتابعين.
(وضعف الزمخشري* القول بأن الزيادة النظر إلى وجه الله, لأن المعتزلة ينفون رؤية الله في الآخرة) نسأل الله أن لا يحجب عنا أنوار الحقائق بحُجُب الجهل والهوى.
قال ابن كثير: "وقد روي تفسير الزيادة بالنظر إلى وجه الله الكريم، عن أبي بكر الصديق، وحذيفة بن اليمان، وعبد الله بن عباس, وأبي موسى, وعبادة بن الصامت, وسعيد بن المسيب، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبد الرحمن بن سابط، ومجاهد، وعكرمة، وعامر بن سعد، وعطاء، والضحاك، والحسن، وقتادة، والسدي، ومحمد بن إسحاق، وغيرهم من السلف والخلف.
وقد وردت في ذلك أحاديث كثيرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وقد أخرج مسلم وغيره عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار. قال: فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز و جل ثم تلا هذه الآية {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة}
تنبيه:
(ابن عاشور رجح أن الحسنى الجنة واقتصر على هذا القول, وأما الزيادة فذكر قولين أحدهما النظر إلى وجه الله, وقال: "إنه أصرح ما ورد في تفسيرها").
(والرازي وابن كثير رجحا هذا القول كما سبق, لكنهما فسرا الحسنى بالمثوبة الحسنى)
(وابن جرير وابن كثير* رجحا هذا القول كما سبق لكنهما يريان أن الزيادة تشمل رؤية الله وغير ذلك من النعيم والرضوان وما أخفاه لهم من قرة أعين)
وسيأتي مناقشة هذا الرأي وأن الأقرب أن الزيادة خاصة بالرؤية وأن القول بأنها تشمل غيرها من نعيم الجنة بعيد.
القول الثاني: أن المراد بـ(الحسنى) الحسنة، والزيادة: عشر أمثالها أو أكثر. (ذكره ابن جرير*, والماتريدي*, والبغوي*, والزمخشري*, والقرطبي*)
(ومال إليه ابن عطية*)
قال ابن عطية: "وهذا قول يعضده النظر, ولولا عظم القائلين بالقول الأول لترجح هذا القول، وطريق ترجيحه أن الآية تتضمن اقتراناً بين ذكر عمال الحسنات وعمال السيئات، فوصف المحسنين بأن لهم حسنى وزيادة من جنسها، ووصف المسيئين بأن لهم بالسيئة مثلها فتعادل الكلامان".
القول الثالث: أن المراد بـ(بالحسنى) الحسنة و(الزيادة) زيادة مغفرة من الله ورضوان. (ذكره ابن جرير*, والبغوي*, والزمخشري*, والقرطبي*)
(وذكره ابن عاشور* وهو يفسر الزيادة, فقال: "فقيل: هي رضى الله تعالى كما قال: (ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر)".
وبمعنى هذا القول قول من يقول: المراد بـ(الحسنى) المثوبة الحسنى و(الزيادة) ما يزيد على المثوبة وهي التفضل. (ذكره ابن جرير*) (واقتصر عليه صاحب الظلال*) (واقتصر عليه الرازي وابن كثير في تفسير الحسنى)
وقد ذكرت أنفاً أن ابن جرير وابن كثير يريان أن الزيادة تشمل رؤية الله وغير ذلك من النعيم والرضوان وما أخفاه لهم من قرة أعين.
وإليك نص قولهما.
قال ابن جرير: "وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن من الزيادة على إدخالهم الجنة أن يكرمهم بالنظر إليه، وأن يعطيهم غرفاً من لآلئ، وأن يزيدهم غفراناً ورضواناً، فلم يخصص منها شيئاً دون شيء، وذلك كله مجموع لهم إن شاء الله. فأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يعم كما عمَّه عز ذكره".
وكذلك قال ابن كثير: "تضعيف ثواب الأعمال بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وزيادة على ذلك أيضاً ويشمل ما يعطيهم الله في الجنان من القصور والحور والرضا عنهم، وما أخفاه لهم من قرة أعين، وأفضل من ذلك وأعلاه النظر إلى وجهه الكريم، فإنه زيادة أعظم من جميع ما أعطوه"
وما ذهب إليه ابن جرير وابن كثير فيه بعد, لأن الوعد بالجنة يدخل فيه كل ما في الجنة من أنواع النعيم, فيفهم من قوله: (وزيادة) أنها زيادة متميزة مخالفة لكل نعيم الجنة.
وقد نبه الرازي وابن عاشور إلى ذلك.
قال الرازي: "الحسنى لفظة مفردة دخل عليها حرف التعريف، فانصرف إلى المعهود السابق، وهو دار للسلام. والمعروف من المسلمين والمتقرر بين أهل الإسلام من هذه اللفظة هو الجنة، وما فيها من المنافع والتعظيم. وإذا ثبت هذا وجب أن يكون المراد من الزيادة أمراً مغايراً لكل ما في الجنة من المنافع والتعظيم، وإلا لزم التكرار".
وقال ابن عاشور: "والزيادة يتعين أنها زيادة لهم ليست داخلة في نوع الحسنى بالمعنى الذي صار علماً بالغلبة، فلا ينبغي أن تفسر بنوع مما في الجنة لأنها تكون حينئذ مما يستغرقه لفظ الحسنى فتعين أنها أمر آخر".
وفي الآية أقوال أخرى ضعيفة.
فقيل: الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة (ذكره ابن جرير*, والماتريدي*, وابن عطية*, والزمخشري*, والقرطبي*)
وقيل: الزيادة المحبة في قلوب العباد يحبه كل محسن، وهيبة له في قلوب الناس يهابه كل أحد على غير سلطان له ولا يد. (انفرد بذكره الماتريدي)
وقيل: الزيادة ما أعطوا في الدنيا مما يحبون. (ذكره ابن جرير*, والقرطبي*)
وقيل: الزيادة أن تمر السحابة بأهل الجنة فتقول: ما تريدون أن أمطركم؟ فلا يريدون شيئاً إلا أمطرتهم. (ذكره الزمخشري*, والقرطبي*)
وقيل: الزيادة أنه ما يمر عليهم مقدار يوم من أيام الدنيا إلا حتى يطيف بمنزل أحدهم سبعون ألف ملك، مع كل ملك هدايا من عند الله ليست مع صاحبه، ما رأوا مثل تلك الهدايا قط (انفرد بذكره القرطبي*)
والله تعالى أعلم.