النظم القرآني , وفائدته للمفسرين والبلاغيين .

رشا الزيد

New member
إنضم
17/12/2006
المشاركات
18
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
الإقامة
الرياض
بسم الله الرحمن الرحيم​

السلام على أهل هذا الملتقى المبارك , ورحمته وبركاته , وبعد :

منذ أن قدر الله تعالى نزول القرآن الكريم , ليكون مصدر تشريع المسلمين , في زمن اشتهر بالبلاغة والفصاحة , فأصبح معجزة لهم , وسبباً لهدايتهم , منذ ذلك الحين , وأفهام أبناء العربية وغيرهم تتناقل الحديث عن فضلة , وقوة تأثيره في النفس , ولهذا السبب بدأت العقول تبحث عن سر إعجازه للعرب قاطبة , حتى ظهرت لنا اجتهادات في بعضها قبول , وفي جلّها رد ؛ فمنهم من رد إعجاز القرآن لبلاغته , ومنهم من رده لإخباره بالأمور المستقبلة , ومنهم من رده للصرفة - وهذا بعيد أشد البعد - إذ يقال بأن القرآن معجز بالصرفة , وأن الله تعالى صرف أذهان العباد عن الإتيان بمثله , ولولا الصرفة لاستطاع أبناء الفصاحة أن يماثلوه !

ولقد استمرت الأذهان في هذا التخبط إلى أن وصلت إلينا اجتهادات الإمام عبد القاهر الجرجاني في كتابه ( دلائل الإعجاز ) , والتي من شأنها أن أنشأت البوابة الأولى للإعجاز القرآني , وقد بحث في كتابه بحثاً عميقاً وجديراً بالاهتمام , اعتنى فيه بالرد على المعتزلة , ومن وجهوا في إعجاز القرآن وِجهة بعيدة , ناهيك عن اكتشافه لنظرية ( النظم ) التي أتى من خلالها هذا الإعجاز المبهر .

و النظم في اللغة : " التأليف , نظمه , ينظمه , نظماً ونظاماً ونظمه فانتظم وتنظم " " ونظمت اللؤلؤ , أي جمعته في السلك , والتنظيم مثله , وفيه نظمت الشعر وتنظمته " " وكل شئ قرنته بآخر أو ضممت بعضه إلى بعض فقد نظمته "
كما ورد : " من معاني نظم : نظم الأشياء ألفها وضم بعضها إلى بعض " , " وانتظم الشئ تألق واتسق " (1)

ونرى بأن عبدالقاهر يحاول بشتى الطرق أن يبرز ويوضح موقفه وقصده بالنظم , وقد وفق في ذلك أشد التوفيق , وقد أخذت هذه القضية الشهرة بكتابه ( الدلائل ) وتناقلها الشراح بتوضيح مرامه في كتابه , فاقتبس المتأخرون منه في مصنافاتهم قواعد خصصت بعلم المعاني فيما بعد , لأن قضية النظم عند عبد القاهر عرفت فيما بعد بعلم المعاني على غرار السائرين على مدرسة السكاكي .

ومن إشاراته لتوضيح معنى النظم عامة , وفي القرآن الكريم خاصة , بأنه ينفي كون النظم راجع للألفاظ نفسها , بدليل هو أقرب إلى الفلسفة العقلية , فهو يرى بأن الأمر لو كان كذلك -أي لو كان القصد بالنظم إلى اللفظ نفسه - لما اختلف حال اثنين في العلم بحسن النظم أو غير الحسن فيه لأنهما يحسان بتوالي الألفاظ في النطق إحساساً واحداً , ولا يعرف أحدهما في ذلك شيئاً يجهله الآخر (2)

فكون السياق يأتي بلفظ دون الآخر, وكون اللفظة تأتي مفردة دون جمع أو مذكرة دون تعريف , أو ماضية دون الحاضر .... الخ , كل هذه الأشياء لابد أن تحدث في الإنسان نوعاً من التأني والتصوب الفكري وإعمال العقل شيئاً فشيئاً , ولا يكون ذلك للجاهل بل للعالم بأصول العربية وضوابطها , ولصاحب الذكاء والفطنة , والعالم بمعاني الألفاظ وأسرارها .

ومفردات القرآن تجري كما تجري أي مفردات على الألسن , لكن القرآن يأتي بتلك المفردات بشكل معجز, بينما لو أخذت تلك المفردة ووضعت في غير نظم القرآن لها لما أتت بلاغتها وإعجازها كما هي في القرآن . (3)

وقد مثل عبدالقاهر لناظم الكلام مثل من يأخذ قطعاً من الذهب والفضة فيذيبهما في بعض حتى يصيران قطعة واحدة , ومثال ذلك قول أحدهم : " ضرب زيد عمرا يوم الجمعة ضرباً شديداً تأديباً له " فينتج لك من مجموع هذه الكلمات معنى واحد لا عدة معاني كما يتوهمه الناس , وذلك لأنه لم يأت بهذه الكلم لتفيده أنفس معانيها , وإنما جاء بها لتفيده وجوه التعلق التي بين الفعل الذي هو ( ضرب ) , وبين ما عمل فيه , والأحكام التي هي محصول التعلق .(4)

والبحث في منهج عبد القاهر يحتاج لوقت وجهد كبيرين , ولكن حسبي ههنا الإشارة إلى مفهوم النظم القرآني , وكيفية التعامل معه , لإخراج نكت القرآن الكريم , سواء بالنسبة للمفسرين عامة , أو البلاغيين منهم بخاصة .

أسأل الله تعالى أن ينفع بما قلت , وأن يسخرنا لخدمة كتابه العزيز الذي لاتنقضي عجائبة - كما ثبت في الأثر - إنه خير معين ,,

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,,,,
أختكم / يراع العربية .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر , والمراجع :
(1) انظر ( لسان العرب ) , لابن منظور , المجلد 12 ,ص578 , 579 , و ( المعجم الوسيط ) ج2 , 941 .
(2) ( دلائل الإعجاز ) 51 .
(3) ( النظم القرآني في آيات الجهاد) د/ ناصر الخنين , ط الأولى , مكتبة التوبة ,الرياض 1416هـ , 9 .
(4) ( دلائل الإعجاز ) 413 .
 
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
حياكم الله أختي الكريمة يراع العربية ونسأل الله لك التوفيق والسداد فيما تكتبين .
وفي الحق إن الكتابة في موضوعات بلاغة القرآن تحتاج إلى نظر دقيق ، وتأمل عميق من الكاتب أولاً ثم من القارئ ثانياً ، ونرجو أن نرى بعد هذه التقدمة حلقات تطبيقية متسلسلة على استخراج بلاغة النظم ودقائقه في آيات القرآن الكريم وسوره ، ابتداء من السور القصار . فإنه يكاد يكتفي الباحثون بما ذكره المتقدمون كعبدالقاهر وأمثاله في بعض آيات القرآن ، دون إضافة حقيقة تدل على تدبر عميق لمعاني القرآن ، ومعرفة متمكنة بأسرار النظم تضع يد القارئ على مواطن الجمال والإعجاز في كلام الله سبحانه وتعالى .
ولذلك فإنني أدعو الأخت الكريمة يراع العربية وإخالها متخصصة في بلاغة الكلام ، وغيرها من الزملاء المتخصصين في دراسة البلاغة إلى المشاركة في إضاءة هذا الجانب العلمي على صفحات هذا الملتقى بمشروعات علمية ينتفعون بها أولاً ، وننتفع بها ثانياً في جوانب بلاغة القرآن ، وإتاحة دقائق هذا العلم الشريف لقراء الملتقى وهم من الصفوة إن شاء الله ، والله لا يضيع أجر المحسنين .

تعليق : على قول الأستاذة الكريمة
إذ يقال بأن القرآن معجز بالصرفة , وأن الله تعالى صرف أذهان العباد عن الإتيان بمثله , ولولا الصرفة لاستطاع أبناء الفصاحة أن يماثلوه !
قد سبق لي أن درستُ نظرية الصرفة في بحثٍ ، وتبين لي أن القائلين بهذا القول لا يقصدون به معنى واحداً مذموماً وهو ما تفضلتِِ به أعلاه ، وإنما لهم مذاهب في هذا القول الذي اشتهر أحد معانيه ، وغابت بقية المعاني ، مما جعل الباحثين الذين تناولوا هذه النظرية لا يذكرونها إلا على سبيل الذم والرد ، ويجعلون القائلين بها فريقاً واحداً ، ويردون عليهم رداً واحداً ، والأمر في حقيقته ليس كذلك ، وبيان هذا له موضع آخر غير هذا إن شاء الله .
 
فضيلة الدكتور عبد الرحمن الشهري ، هل بحثكم حول الصرفة موجود على النت ؟؟ الرجاء ذكر الرابط ....
 
بورك في تعليقكم الثمين , وأسال الله تعالى أن ينفع به كل مستنفع , وأن يهدي به من ضل طريق الحق , إنه على

ذلك قدير .

ونرجو أن نرى بعد هذه التقدمة حلقات تطبيقية متسلسلة على استخراج بلاغة النظم ودقائقه في آيات القرآن الكريم وسوره ، ابتداء من السور القصار . فإنه يكاد يكتفي الباحثون بما ذكره المتقدمون كعبدالقاهر وأمثاله في بعض آيات القرآن ، دون إضافة حقيقة تدل على تدبر عميق لمعاني القرآن ، ومعرفة متمكنة بأسرار النظم تضع يد القارئ على مواطن الجمال والإعجاز في كلام الله سبحانه وتعالى .

هذا صحيح , وخاصة حينما غاب المنهج التكاملي الذي يدرس نظم الآيات مجتمعة , وكيف أثر ذلك في معنى الآية

ومقصود السورة , وليس الاقتصار على استخراج الألوان البلاغية في الآيات دون التركيز على مهمتها في أداء المعاني

المقصودة كما وجدناه - وللأسف - في كثير من الدراسات البلاغية الحديثة .

ولذلك فإنني أدعو الأخت الكريمة يراع العربية وإخالها متخصصة في بلاغة الكلام ، وغيرها من الزملاء المتخصصين في دراسة البلاغة إلى المشاركة في إضاءة هذا الجانب العلمي على صفحات هذا الملتقى بمشروعات علمية ينتفعون بها أولاً ، وننتفع بها ثانياً في جوانب بلاغة القرآن ، وإتاحة دقائق هذا العلم الشريف لقراء الملتقى وهم من الصفوة إن شاء الله ، والله لا يضيع أجر المحسنين .

سيكون في القادم خير , بإذن الله تعالى , وسأحاول في ذلك اقتباس بعض الجهود المعاصرة التي أبلت في ذلك بلاء

حسناً لتكون انموذجاً واضحاً للدارسين في البلاغة , وثماراً ناضجة للراغبين في استنارة أذهانهم , وأرجو أن يكون

قريباً .


بورك فيكم , وزادكم الله ديناً وعلماً .

وفقكم الله ,,,
 
عودة
أعلى