النص القرآني في مواجهة أخطار الحداثيين

إنضم
14/07/2017
المشاركات
129
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
الجزائر
منذ عصر الصحابة ظل تفسير القرآن محميا بسياج من " الأصول" , أمام تطفل القاصرين, وتسلق العابثين , وقد عمل علماء التفسير على المضي على تلك القواعد إلى أيامنا هذه . ولكن مايعرفون ب"العقلانيين " أو "الحداثيين" , يسعون جادين إلى تجاوز هذه الأصول في التفسير , والتعامل مع النص القرآني على أنه مجرد "كلام" مثل أي نص بشري , ولذلك تراهم لايتورعون في فهم آياته حسب ماتملي عليهم ثقافاتهم, وأهوائهم , وبيئاتهم . 1- قال تعالى عن القرآن :{هذا بيان للناس}, قال ابن كثير في تفسيره 126/2: " يعني: القرآن فيه بيان للأمور على جليتها،..".وفي هذا تأصيل لمسلك تفسير القرآن بالقرآن , إذ هو بيان بمجمله , يبين بعضه بعضا .قال ابراهيم الأبياري في "الموسوعة القرآنية "78/8: " ..وسمى الكلام بيانا لكشفه عن المعنى المقصود إظهاره نحو هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وسمى ما يشرح به المجمل والمبهم من الكلام بيانا نحو قوله تعالى: ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ ويقال بينته وأبنته إذا جعلت له بيانا تكشفه نحو لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وقال: نَذِيرٌ مُبِينٌ- إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ-.."
2- قال تعالى عن علاقة رسوله بالقرآن الكريم " {وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل:44],قال عبد القاهر الجرجاني في "درج الدرر في تفسير الآيات والسور" 17/1: " ثم إن الله حَمَّلَ هذه الأمانة العظيمة نبيه محمد عليه الصلاة والسلام وأمره ببيان هذا المنزل، قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} .
وتعهَّد الله لنبيِّه أن يكون عونًا له في هذا البيان في كلِّ ما يحتاجه المسلم لفهم هذا القرآن العظيم ليظهر الله فيه هذا البيان {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)}.
فقرأ النبي عليه الصلاة والسلام هذا المُنَزَّلَ على أصحابه وأقبلوا عليه بقلوبهم الصادقة ذليلين منكسرين خاشعين دراسةً وفهمًا وتدبُّرًا وحفظًا، فبذل عليه الصلاة والسلام كلَّ وسعه وجهده في بيانه، فكان إمام المفسِّرين وقدوتهم، وتفسيره لهذا المنزل هو في حدِّ ذاته منزل لأنه وحيٌ من عند الله فلا يفسر عليه الصلاة والسلام من اجتهاده الخاص أو مما تمليه عليه نفسه، بل كان تفسيره معصومًا لا يقبل الخطأ بوجه من الوجوه، ويشهد لذلك قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} وقوله عليه الصلاة والسلام: "ألا إني أوتيتُ القرآنَ ومثله معه" .
ولذا كان تفسير القرآن بالسنة النبوية هي المرتبة الثانية من مراحل التفسير بعد تفسير القرآن بالقرآن، فروَّض نفسه عليه الصلاة والسلام وشمَّرَ عن سواعد أفكاره وتصدَّى لبيان المنزل من كتاب الله - عَزَ وَجَلَّ - فلم يترك صغيرة ولا كبيرة، ولا شاردة ولا واردة تحتاج إلى إيضاح وتفسير وبيان إلا بيَّنها، فتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، حتى تتلمذ على يديه عليه الصلاة والسلام نخبة من أصحابه هم أعلام المفسّرين ."
3- وقال صلى الله عليه وسلم عن أجيال السلف " - حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد الله رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ..الحديث"صحيح البخاري باب فضائل الصحابة 3/5 حديث رقم 3651..وفي الحديث تزكية نبوية للسلف بالخيرية المطلقة , وعلى رأسها خيرية الفهم , والبيان, وخيرية العلم , والدراية بمراد الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم..بل أنه صلى الله عليه وآله وسلم قد زكى بعض أصحابه في التفسير بالتعيين , فقد دعا لابن عباس فقال " اللهم فقهه في الدين , وعلمه التأويل " صحيح ابن حبنان 531/15 حديث رقم7055 قال محققه شعيب الأرناؤوط :"اسناده صحيح على شرط مسلم..
4- وقال الله عن مدى اعتبار " معهود العرب في الكلام " , ولغتهم في فهم القرآن " بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) , قال محمد صديق خان في "فتح البيان في مقاصد القرآن "418/9 :...وقال أبو البقاء: بلسان عربي، أي برسالة أو لغة. وقال أبو السعود باللغة العربية، وإنما جعل الله سبحانه القرآن عربياً بلسان الرسول العربي، لئلا يقول مشركو العرب: لو نزل بالأعجمي لسنا نفهم ما تقوله بغير لساننا فقطع بذلك حجتهم، وأزاح علتهم ودفع معذرتهم. قال ابن عباس: أي بلسان قريش، ولو كان غير عربي ما فهموه، وعن بريدة قال بلسان جُرْهُم".
وقد قرر هذه القواعد كثير من أهل العلم إبتداء بشيخ الإسلام في مقدمته في قواعد التفسير , ومرورا بابن كثير الذي طبق تلك القواعد في تفسيره ..
هذه هو المنهج , بقواعده, وضوابطه , ومسالكه , واصوله في تفسير كلام الله تعالى , والكشف عن مراده في القرآن . وليت شعري كيف يسعى أقوام إلى طرح كل هذه القواعد , والتعويل على آرائهم الشخصية في بيان مراد الله تعالى من آياته ؟؟ فلربما فاجأك أحدهم بقوله : أنا لاأريد التفاسير التقليدية - يقصد المنقولة عن السلف - بل أعطني رأيك الشخصي في الآية !!!!
هؤلاء يسعون - مهما كانت مقاصدهم - إلى تمييع " قدسية" النص القرآني, والا فكيف ينزلون به إلى درجة أدنى من "تحليل الخطاب" الذي صار اليوم فنا أدبيا له ضوابطه لايكتب فيه قلم إلا بمراعاة تلك الضوابط !!!
هذا الصوت أضمه إلى كل من له غيرة صادقة على القرآن , بمواجهة هذا التيار الخطير , الذي يتخفى وراء " العقلانية" و"الحداثة "..
 
السلام عليكم أخ مسعود،

نفس المشكلة البشرية تتكرر كل زمان ومكان،
(هذا ما وجدنا عليه آباءنا)

الكمال لله وحده،

عشرات التفاسير تخرج كل عصر وزمان، وبعضهم يختلف عن البعض إختلافا كبيرا، فكلها عبارة عن آراء للنص القرآنى حسب فهم المفسر،
ولو كانوا يتقيدون بقيود علمية أشبه بالقوانين الرياضية، لكانت النتيجة والتفسيرا موحد،
ولكنها كانت مختلفة، أكرر ، لأنها آراء لا غير،

ومع ذلك نجد لها التقديس وأن أصحابها منزهين عن الخطأ رغم إختلافها !!!

ولهم كل الشكر فلهم إجتهادهم وللمعاصرين إجتهاداتهم أيضا،

أثناء بحثى فى موضوع ما تغيض الأرحام، أحد المفسرين قال أن أمه حملت به لمدة خمس سنوات!، وآخر قال أن أمه حملت به لمدة ثلاث سنوات !

ومع ذلك ستجد من يصدق ويقدس كل ما يكتبون تقديسا لا يقبل نقاشا ولا بحثا ولا تمحيصا لأنهم من الأولين، فقط لا غير !

تحياتى
 
شكرا أختي "الزيتونة" على المرور الطيب .
لكن لاأحد من أهل العلم يقول بتقديس أقوال المفسرين , إنما هذا غالبا شأن العامة , وحتى الأقوال التفسيرية الواردة عن السلف " من الصحابة والتابعين ", لاتعتبر لمجرد أنها وردت عنهم , بل لابد في قبولها من توفر شروط منها : 1- صحة السند 2- أن لايخالف الصحابي غيره في قوله "خلاف تضاد"3-أن لايخالف قوله تفسيرا نبويا مباشر أو غير مباشر. واذا كان هذا هو حال الصحابة الذين شهدوا التنزيل وعرفوا أحواله وأسبابه ومقتضياته, وهم الأقرب لغة , والأصفى قلوبا, والأسلم مقاصدا , فمن دونهم هو أقل منهم في الإعتبار.
ونحن لم نقل أن "اجتهادات" المفسرين حجة , ولا قال هذا أحد من أهل العلم يوما, بل تبقى اجتهادات فيها الخطأ والصواب, تماما مثل الأحكام الفقهية , فالمفسر عليه أن يلتزم القواعد التفسيرية في بحثه عن مراد الله من النص القرآن , ولكنه في اجتهاده ذلك , قد يحدث أن يخطأ في التطبيق.
ثم أن التفسير أتجاهات , والظاهر أن مقدار البعد والقرب من الصواب يخضع غالبا لطبيعة الإتجاه التفسيري فالإتجاه الأثري " التفسير بالمأثور" ليس كما هو "التفسير الإشاري" أو "التفسير البياني" أو "العقدي "..الخ.
ونحن لم نقصد بموضوعنا التأصيل لقبول كل " الموروث" التفسيري - كما يبدو من ظاهر عبارتكم -, ولكن كان قصدنا هو التنبيه إلى التزام الضوابط, والمسالك, والقواعد التي قررها علماء "علوم القرآن" في التفسير منذ عصر الإمام الطبري , تماما مثلما يحدث في أي علم آخر, فنحن لاننظر في اعراب الجمل حسبما يحلو لنا , بل نستحضر جملة من القواعد النحوية في التطبيق, ونفعل نفس الشيء ونحن ننظر في مسألة فقهية , بل وحتى أثناء معالجة " مقال فلسفي" , فتجدنا نفرق بين " المقال الجدلي" و"المقال الإستقصائي" و"المقال النصي" على ضوء إختلاف القواعد في منهجية تحرير كل منها..
أنا ضد الجمود الحرفي على ما "اجتهد " فيه المفسرون من أقوال , كما أنني ضد أن يصبح التفسير مجرد " تحليل خطاب" , بل هو أقل وأدنى , اذ أن تحليل الخطاب نفسه لم يعد نهبا لكل من هب ودب, بل صار فنا أدبيا له ضوابطه , وحدوده.
 
هذا رد كنت قد كتبته سابقا لعضو بالملتقى :


(وقيل العالم إما عالم عامة وهو المفتى أو عالم خاصة وهو العابد بالتوحيد وأعمال القلوب وهم أصحاب الزوايا المتفرقون المنفردون ،
ومنها أن يكون أكثر إهتمامه بعلم الباطن ومراقبة القلب ومعرفة طريق الآخرة وسلوكه وصدق الرجاء فى إنكشاف ذلك من المجاهدة والمراقبة، فإن المجاهدة تقضى الى المشاهدة،
ودقائق علوم القلب تنفجر بها ينابيع الحكمة من القلب،
وأما الكتب والتعليم فلا تفى بذلك، بل الحكمة الخارجة عن الحصر والعد إنما تنفتح بالمجاهدة والمراقبة ومباشرة الأعمال الظاهرة والباطنة، والجلوس مع الله عز وجل فى الخلوة مع حضور القلب بصافى الفكرة والإنقطاع الى الله تعالى عما سواه ،
فذلك مفتاح الإلهام ومنبع الكشف ،
فكم من متعلم طال تعلمه ولم يقدر على مجاوزة مسموعه بكلمة ،
وكم من مقتصر على المهم فى التعلم ومتوفر على العمل ومراقبة القلب فتح الله له من لطائف الحكمة ما تحار فيه عقول ذوى الألباب ،
ولذلك قال (ص) من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم ،
وفى بعض الكتب السالفة (يا بنى إسرائيل لا تقولوا العلم فى السماء من ينزل به الى الأرض، ولا فى تخوم الأرض من يصعد به ولا من وراء البحار من يعبر يأتي به، العلم مجعول فى قلوبكم، تأدبوا بين يدى بآداب الروحانيين، وتخلقوا لى بأخلاق الصدّيقين، أظهر العلم فى قلوبكم حتى يغطيكم ويغمركم ) .
وقال سهل بن عبد الله التسترى رحمه الله : خرج العلماء والعباد والزهاد من الدنيا وقلوبهم مقفلة ولم تفتح إلا لقلوب الصديقين والشهداء، ثم تلى قوله تعالى (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو)
ولولا أن إدراك قلب من له قلب بالنور الباطن حاكم على علم الظاهر لما قال (ص) إستفت قلبك وإن أفتوك وأفتوك وأفتوك.
وقال (ص) فيما يرويه عن ربه تعالى : (لا يزال العبد يتقرب إلىّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به ...إلخ الحديث)
فكم من معان دقيقة من أسرار القرآن تخطر على قلب المتجردين للذكر والفكر تخلو عنها كتب التفاسير، ولا يطلع عليها أفاضل المفسرين، وإذا إنكشف ذلك للمريد المراقب وعرض على المفسرين إستحسنوه وعلموا أن ذلك من تنبيهات القلوب الذكية وألطاف الله تعالى بالهمم العالية المتوجهة إليه.
وكذلك فى علوم المكاشفة وأسرار علوم المعاملة ودقائق خواطر القلوب فإن كل علم من هذه العلوم بحر لا يدرك عمقه وإنما يخوضه كل طالب بقدر ما رزق منه وبحسب ما وفق له من حسن العمل .

إحياء علوم الدين - أبى حامد الغزالى- الجزء الأول- باب فى آفات العلم –ص 96
 
- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَلَّى الدِّمَشْقِيُّ، ثنا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثنا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ، ثنا عُتْبَةُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَالْفِقْهُ بِالتَّفَقُّهِ، وَمَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ».. المعجم الكبير للطبراني 395/19.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري " .. ( إنما العلم . . ) لا يحصل العلم إلا بالتعلم قال في الفتح هو حديث مرفوع أورده ابن أبي عاصم والطبراني من حديث معاوية - رضي الله عنه - بلفظ ( يا أيها الناس تعلموا إنما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ) . إسناده حسن.وأصل الحديث في صحيح البخاري , باب العلم قبل القول والعمل 24/1.
وقال أيضا " والمعنى ليس العلم المعتبر الا المأخوذ من الأنبياء وورثتهم على سبيل التعلم .." فتح الباري - ابن حجر العسقلاني 161/1.
نستخلص مما سبق :
1- تحصيل العلم بالتعلم وبذل الجهد في تحصيله , ارشاد نبوي .
2- أقوال العلماء , والواقع المعيش , يؤكدان أن تحصيل العلم الشرعي وغيره ,يكون ببذل الأسباب في تحصيله.
3- تحصيل " الفتوحات " الباطنية , والإلهامات , بالمجاهدة , والرياضات الروحية , هو مسلك الطائفة الصوفية وأهل السلوك, صحيح أن التقوى , واجتناب المعاصي , وكثرة الطاعات هي وسائل التوفيق في تحصيل العلم , أما أن
" [FONT=&quot]الكتب والتعليم فلا تفى بذلك.."[/FONT][FONT=&quot] فهذه لاأعرف في أي خانة أصنفها ؟؟.ولو كان التعويل على المجاهدة إلى مثل هذا الحد في تحصيل المعرفة , لكان كل من دخل الخلوة خرج عالما فطحلا, لكننا نلحظ العكس, فكل العلماء الكبار في أمة الإسلام , وفي كل الفنون, هم من أهل العلم "الظاهر" وأهل "الدرس" و"الكتب".
جزاك الله خيرا وفتح عليك , ووفقك في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.[/FONT]
 
الحداثيون لا يفسرون القرآن، أخي الأستاذ مسعود.
لا يوجد كلام عن "تفسير حداثي" وإنما هو الحديث حول القراءة الحداثية للنص القرآني، والحداثي "العلمي" (المنهجي) يلتزم التفسير التقليدي بل إنه لا يصل إلى مبتغاه إلا بهذا التفسير، ولذلك هو حانق على أصحاب التجديد في التفسير، بل إنه يجد لذته في المرويات وفي الناسخ والمنسوخ وفي أسباب النزول، بل ويدافع عن الاسرائيليات في التفسير الموروث ثم يتهم من يرفض الاسرائيليات ويتهم من ينتقي فيها - مستدلا برواية حدثوا عن بني اسرائيل ولا حرج - باللاعلمية!

والغريب أن أجد في هولندا من جامعة ليدن العريقة، أم الجامعات في الاستشراق، من يدافع عن المنهج الاستشراقي الحديث في التعامل مع القرآن باعتباره نصا (وثيقة تاريخية) ردا على بعض التوجهات الجديدة التي تريد إحياء الاستشراق القديم للطعن في (1) مصدرية القرآن وفي (2) حفظ القرآن. فيقول إن هذا التوجه توجه عقدي لاهوتي لا يجوز أن يقحم في دراسات أكاديمية علمانية، لأن التشكيك في القرآن كالتشكيك في ألوهية المسيح عند المسيحيين، ولذلك كان عنوان مقالته "بين القرآن (الكريم) والكتاب (المقدس) إختلاف جذري" فلا يجوز أن نتعامل مع القرآن كما نتعامل مع الكتاب المقدس - الأستاذ (Evert Faber van der Meulen) صحيفة Trouw الهولندية بتاريخ 11:30, 24 juli 2013 الرابط الالكتروني

والذي يهمني في مقالته، التي طُلب مني رأيي الشخصي فيها من طالب تركي بالجامعة، هو قوله هذا: إن الحل (العلمي الموضوعي) الوحيد لدراسة القرآن دراسة تاريخية نقدية هو في الإعتماد على المنهج التفسيري التاريخي من خلال أسباب النزول وربط النص القرآني بالسيرة النبوية أي السنة عموما. أما الردة أي محاولة العودة إلى الإستشراق القديم، فإنه حتى العالم (المستشرق) الموضوعي المستقل لا يستطيع أن يثبت عدم صحة نسبة النص القرآني لمحمد (صلى الله عليه وسلم)، فما بالكم بالمسلمين.

وبوضوح، أخي مسعود، أنا أعرف الكثير ممن تناول الحداثة في تعاملها مع القرآن، لكن إلى حد هذه الساعة أؤكد لك أن الدكتور طه عبدالرحمن، الفقيه الفيلسوف والفيلسوف الفقيه المغربي، هو الشخص الوحيد الذي يعرف معنى "القراءة الحداثية للقرآن الكريم"، وربما الخلط الذي أجده عند غيره (حفظه الله) يعود إلى حقيقة جلية وهي أن الحداثيين العرب أنفسهم لا يعرفون الحداثة، ولا يتفقون حتى في تعريفها، ولذلك تكلمت الدكتورة فاطمة الزهراء الناصري (حفظها الله) عن الغموض والتضارب المنهجي (انظر هنا) وهذا الغموض مع التضارب هو الذي جعل الدكتور أحمد إدريس الطعان (حفظه الله) يبحث في العلاقة بين العلمانية والغنوصية (انظر هنا). ولكن أختلف مع السيدة الناصري في باب "سيادة العقل في العملية التأويلية" لأن الحقيقة هي سياة الذوق المادي الحضاري المعاصر، لا العقل، ولأن الحداثة تكره التأويل، إذ تعشق التفسير، بل إن التفسير التقليدي هو صديقها الحميم.. أي أن الحداثة بمعناها الدقيق لا يمكن أن تصل إلى هدفها من خلال الأرخنة و العقلنة و الأنسنة إلا عبر بوابة التفسير الموروث.

وأخيرا، يجب أن نفهم أن درجة التأثير تختلف، تباعا لتنوع الصدمة و القلق الفكري، وفي كل هذا وذاك تلعب البيئة دورا حاسما.. فالفرق في الحداثية بين محمد عابد الجابري ومحمد أركون فرق شاسع لدرجة ربما قد لا تسمح بالمقارنة أصلا رغم الاتفاق حول الحداثة، كذلك الفرق في العصرانية بين محمد شحرور ومحمود محمد طه، كذلك الفرق في العقلانية النقدية بين محمد عبده والسيد أحمد خان .. وهكذا معتدل و متطرف.
 
[FONT=&quot] بارك الله فيك أخي الأستاذ المكرم " شايب زاوشثتي " , على مداخلتك النافعة , فقد أفدت منها أيما فائدة , وخاصة في وضوح مفهوم الحداثة بين المثقفين العرب , وفلاسفة الغرب , وكذلك فيما يخص طبيعة القراءة الحداثية للنص القرآني. جاء في مداخلة الدكتورة ناصري :[/FONT][FONT=&quot]"وقد اصطبغت القراءات الحداثية للنص القرآني بأغلب هذه المواصفات وقامت على أهم هذه الركائز؛ لذلك فهي تحاول قطع الصلة بالتراث التفسيري، وتغلب العقل على ما سواه من الأصول للنظر في القرآن الكريم،كما أنها تستبعد مفهوم القداسة في التعامل مع نصوص الوحي،"[/FONT][FONT=&quot].
وهذا هو بالضبط تصوري لتعامل " الحداثيين " , مع النص القرآني.

[/FONT]
 
بسم الله الرحمن الرحيم
جزاك خيرا اخي مسعود محمد محمود فموضوعك انتفعنا به و الدليل لم افرق بين حرف ظ و ض في تفسير و ما تغيض الارحام
 
تصورك لتعامل " الحداثيين " مع النص القرآني ؟
أشهر شخصية حداثية "عربية" تشتغل بالدراسات القرآنية حاليا هو الكاتب التونسي د. عبد المجيد الشرفي (مؤمنون بلا حدود) , أنظر هنا https://vb.tafsir.net/tafsir27981/#.Wc-Tesb1gy4

والسؤال الآن: إذا كان الشرفي "ومن معه" (أو: وأمثاله) من " الحداثيين " ففي أي خانة سنضع الكاتب أ. إبراهيم أزروال، والذي ينظر إلى الشرفي وحسن حنفي والعروي والجابري والعشماوي والصادق النيهوم وغيرهم على أنهم من أصحاب الخطاب الإصلاحي ؟!!

لنقرأ من مقدمة " في نقد الفكر الإصلاحي:نموذج عبد المجيد الشرفي " بقلم أ. أزروال:

( تعيش الفضاءات الثقافية الإسلامية، راهنا، حالة من التمزق الفكري والشيزوفرينيا الثقافية المعممة ونقض مهول في العقلانية المعلمنة والمجردة عن السمات اللاهوتية. لقد اختارت النخب الثقافية المعلمنة نسبيا والمنفتحة بدرجة أو بأخرى، على الثقافة الغربية وعلى مواقفها التحليلية والنقدية للظاهرة الدينية وللحدث المسيحي ولشخصية المسيح، عقد مصالحات جزئية مع التراث ومع النص المؤسس وتسريب المكتسبات الإبستيمية والمنهجية والإجرائية للعلوم الاجتماعية والإنسانية إلى التربة الإسلامية بكثير من الحذر ومن استعطاف المؤسسة الأرثوذكسية المهيمنة ثقافيا، والمتحالفة في الغالب مع السلطة السياسية، والمتغلغلة في الوجدان الجماهيري الميال إلى الأسطرة والأمثلة والانقياد للقادة الدينيين الكاريزميين. إلا أن التأويل التصالحي مع الذاكرة الثقافية ومع المخيال الديني ومع الوعي الجمعي، كثيرا ما قاد المفكرين الإصلاحيين إلى مواقع غير مريحة معرفيا ومنهجيا، والى وضعية سوسيو- سياسية مترنحة، مما أدى بالكثير منهم، إلى اعتناق المواضعات التراثية الأكثر سلفية ومنافاة لمقتضيات العصر، بعد انطفاء حماس البدايات، باسم التصالح مع العمق التراثي / التاريخي، وباسم الإخلاص للمثال والطوبى القرآنيين. )

الله يستر .. عبدالمجيد طالع من القادة الدينيين .. هاهاها!!.. لكن ليس من من القادة الدينيين الكاريزميين وذلك بسبب ثقافته المعلمنة نسبيا والمنفتحة بدرجة أو بأخرى على الثقافة الغربية، فهو مع ذلك من الإصلاحيين، بل من السلفيين هههه، من الذين يعتنقون المواضعات التراثية الأكثر سلفية ومنافاة لمقتضيات العصر، هههه.. أستغفر الله.

يتوجه إلى أصحاب "الخطاب الإصلاحي" وهو يردد ما قاله أبو سفيان (قبل إسلامه) : يا بني أمية، تلقفوها تلقف الكرة، فو الذي يحلف به أبو سفيان، ما من عذاب ولا حساب، ولا جنة ولا نار، ولا بعث ولا قيامة.

والذي يحلف به الأستاذ أزروال - الله يهديه - هو الإنسان، لا الإنسان المجرد، لكن الإنسان المصاب بالشيزوفرينيا الثقافية المعممة، وبالتالي فرعون هو مؤسس الثقافة الغربية (كما يتخيلها هو، لا الذي هو موجود فعلا بالغرب) عندما قال: { يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي }، وهذه هي السلفية المذمومة التي تريد إحياء الدهرية، إن هي إلا أرحام تدفع وأرض تبلع، وبالتالي تأليه الإنسان ، لكن ما الإنسان في التصور الوضعي المعاصر؟
الإنسان = حيوان شبه-قرد شبه-بشر + صدف، وعليه ما يذهب إليه هو وما يذهب إليه غيره كله نتيجة حوادث طبيعية اعتباطية، فالنتيجة إذن سيان؛ وهذه هي العبثية بل العدمية، السبيل الأكثر ضياعا من الدهرية القديمة من العصر الحجري.

إذا هو يعتبر عبدالمجيد وأمثاله ممن يعيشون التمزق الفكري والشيزوفرينيا الثقافية المعممة، وأنا أتفق معه إلى حد بعيد، فهو وأمثاله يعيشون ما هو أكثر ظلامية ورجعية وضياعا من التمزق الفكري الذي يتحدّث عنه.

كما يقال اذا عرف السبب بطل العجب، فإذا كانت المؤسسة الأرثوذكسية المهيمنة ثقافيا متحالفة في الغالب مع السلطة السياسية، كما يقول، فهل سينزع عن أبا ذر (رضي الله عنه) لباس الأصالة الفكرية (الأرثوذكسية)، وهو الذي ينقل عنه القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله: " كان أبو ذر زاهدا، وكان يقرّع عمال عثمان (رضي الله عنه)، ويتلو عليهم: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيم}، ويراهم يتسعون في المراكب والملابس حين وجدوا، فينكر ذلك عليهم.." - العواصم من القواصم (ص 73) ؟!!
 
بارك الله فيك أخي الأستاذ :شايب شاوزثتي على ماتفضلت به من تحبير وتحرير, لكن فقط أردت أن أعقب على الرواية المتعلقة بأبي سفيان . 1- مقالة أبي سفيان - إن صحت سندا إاليه - فهي "حسب ما أورده السيوطي في الجامع الكبير : "لا تزال الخلافة فى بنى أمية يتلقفونها تلقف الكرة فإذا نزعت منهم فلا خير فى عيش .".(الطبرانى فى الأوسط ، وابن عساكر عن ثوبان)
أخرجه ابن عساكر (26/435) . وأخرجه أيضًا : الطبرانى فى الشاميين (2/151 ، رقم 1087) ، والديلمى (5/92 ، رقم 7565) .
جلال الدين السيوطي , الجامع الكبير "جامع الجوامع ": 18007/1."
2- ولا أحسب أن هذا الأثر يصح , خاصة وأن مصطلح الخلافة , مصطلح إسلامي شرعي ,صاغته نصوص الكتاب والستة.
كما أن العبارة , - إذا صحت - فقد جاءت بأسلوب "اخباري" , تقريري , وليس في سياق الحض , والأمر.كما يدعي "الرافضة" , في هجوماتهم الحانقة على "بني أمية"
.
- أما هؤلاء " الحداثيين " فإنهم أشبه بمن قال الله فيهم " ..كلما دخلت أمة لعنت أختها".
 
الاخوة الاعزاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حاولت جهدي تتبع المعنى الاساسي في هذا الحوار المتميز حول الحداثة في تفسير القران، واستشعرت خطورة المحاولات العلمانية لإفساد الفكر الاسلامي من خلال هذا المسار، فأسأل الله العلي القدير ان يحبط مكايدهم.

وحيث انني جيولوجي ولا اجيد الحوارات الفلسفية .... الا انني ارى ان الفكر الالحادي العلماني يهيمن منذ قرون على الفكر العلمي (في العلوم الطبيعية) بشكل كبير حتى اصبحت مقولة مثل: "لا بد من توفر الدليل المادي لكل قضية او قانون" اصبحت هذه المقولة دينا للعلماء الطبيعيين حتى انهم يقتحمون أبوابا مثل نشأة الكون وظهور الحياة وخلق الانسان .....وغيرها من المجالات الغيبية بوضع نظريات واهية لعلمنة الفكر البشري في هذه المجالات (مثل الدارونيةو الانفجار العظيم والانثروبولوجيا... وغيرها).... واظن اننا لدينا في القران الكريم ما يغنينا عن هذه النظريات الالحادية .... فالقرآن يشير الى خلق الكون بالبناء وليس بالانفجار.... لذلك اظن ان خوض هذه المجالات بدءا من استخراج الكنوز القرآنية يمكن ان يصحح المفاهيم العلمانية المغلوطة في تلك النظريات.

بناء عليه فإنني ادعو الى بذل الجهد العلمي (التفسيري والمادي سويا) في اطار مواجهة التراث الالحادي في العلم البشري، وان ذلك يتطلب تكوين نواة من علماء التفسير وأصول الفقه والعلماء الطبيعيين المهتمين بالقران والعلم لمحاولة تصحيح ذلك لفائدة البشرية جمعاء... وبالله التوفيق.

وأؤكد هنا على استعدادي للاشتراك في هذا المشروع الكبير مع من يرغب من الاخوة الافاضل ... ولي مقال أعده للنشر حول نشأة الكون يمكن ان يوضح الفكرة بصفة مبدئية.
 
أخي أ. مسعود؛
الرواية صحيحة من حيث المعنى. العبارة زبدة ما ذكر في الروايات وكتب السير والتاريخ، لكن هو كان يقصد الدعوة المناوئة أو قل المعتقد الدهري لا "الخلافة"؛ لهذا أضفت "قبل إسلامه"، وأما سياق إيرادها هنا هو أن سلف أزروال أكثر ضلالا من أبي سفيان الجاهلي، فلا حديث هنا عن أبي سفيان المسلم. كذا علينا أن نخاطبهم من خلال الذاكرة الثقافية المشتركة، ثم لأنه تطرف في حكمه على الحداثويين بسبب الإيقاع السياسي في مسار تشكّل أفكاره.

أخي أ. د. سعد كامل؛
هذه المقولة "لا بد من توفر الدليل المادي لكل قضية او قانون" مقولة فلسفية وتُبحث في الابستمولوجيا، والابستمولوجيا في العالم اﻷﻧﺠﻠﻮﺳﻜﺴﻮني-الجرماني تقابل نظرية المعرفة المختصة بالتحصيل العلمي الوضعي، بينما هي الميثودولوجيا في العالم اللاتيني-الفرنكفوني، ولا علاقة لها لا بالإلحاد ولا بالإيمان.. والكلام في هذا يطول، لكن لا يجوز وصف تلك النظريات بالإلحاد، ولا يمكن وصفها كذلك، فهي تُوظَّف في الإلحاد كما توظَّف في الإلهيات، وهذا أمر معروف لدى متتبعي الحوارات العقائدية في الغرب؛ وفي نفس الوقت يجب أن نفهم أن العِلمانية (الفصل بين العلم والدين) هي الفكرانية المهيمنة في الغرب، لكنها مذاهب شتى.. والكلام في هذا أيضا يطول، وقد تكلمت عن العِلمانية في أكثر من مشاركة في هذا الملتقى.

أما قولك "البناء" لا "الإنفجار" فقول قد بنيته على فهم خاص للبناء والإنفجار، والفهم الخاص لا يلزم لا علماء تفسير الطبيعة ولا علماء تفسير القرءان.. ولأوضح بمثالين:

الأول: إتصل بي أحد الأصدقاء يسأل عن رأيي (الشخصي لا العلمي طبعا) في بحث أعدّه للرد على سخافة أحد المنصرين زعم أنه وجد خطأ في القرآن الكريم، في قوله تعالى {وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}، حيث ذهب المتخلف منهجيا ومعرفيا يتلاعب بكلام علماء الفلك ليصل إلى نتيجة أن الكون "يتمدد" و لا "يتوسع".. وهذا صحيح إلى حد ما، بشرط ذكر كل المعطيات لأن منهم أي الفلكيين من يستعمل المصطلحين معا stretching و expanding ومنهم من يقدم هذا على ذاك ومنهم من يقول أن التمدد وحده غير كاف لتفسير بعض الملاحظات المسجلة فلكيا، وتفاصيل أخرى كثيرة، لكن الخبيث سيركز على ما يخدم تشكيكه في القرآن ويضرب ما وراء ذلك عرض الحائط؛ ثم شرحت له أن الزنديق قد إعتمد على كتابات عقائدية إلحادية يريد بها الملحد المغرض إثبات فرضية ثبات الكون، ونسي المتخلف منهجيا ومعرفيا أن الملحد يعترض على دينه الثالوثي وعلى الإسلام معا، فوجب فضحه قبل الرد عليه.. ثم بدأت أشرح له الترتيب المنطقي في التعامل مع مثل تلك الإدعاءات السخيفة:
1. المستحيل هو وجود تعارض بين صريح القرآن والحقائق العلمية (المادية، والعقلية، والتاريخية أو السمعية-الخبرية) الثابتة، أما غير ذلك فغير ملزم لأحد.
2. تحديد قيمة النظرية فالنظريات العلمية مستويات ودرجات، أي أن درجة أو قوة صحة النظرية شيء متفاوت، مع العلم أن أقوى نظرية علمية تبقى كذلك مجرد نظرية، فما بالك بما هو دون النظرية.
3. من المستحيل تجاهل إشكالية الترجمة فالتمدد مثلا كلمة ينبغي أن تُفهم بشكل علمي في لغتها الأصلية وفي ثقافة أو ثقافات هذه اللغة، ونفس الشيء بالنسبة للتمدد كمصطلح فني علمي دقيق في العلم الخاص. ثم التمدد في اللغة المنقول إليها، وهكذا..
4. قيمة التفسير إذ قبل التشكيك في المعلومة باعتبارها بيانا أي من البيانات، يجب تجاوز مرحلة التشكيك في فهمها أولا وقبل كل شيء. هل فهمت الآية فهما صحيحا وفق المنهج المتفق عليه؟ هل فهمت المعطى العلمي كذلك؟
5. وعليه (4) أين كلمة "الكون" في الآية ؟ (كتب د. الدكتور محمد باسل الطائي بحثا عنون له بـ توسع الكون بين الغزالي وابن رشد، لكن ايش جاب "العالم" لـ "الكون"؟ هو عارف، لذلك بدأ بحثه بضبط المفاهيم، وعندها الإتفاق أو الإختلاف معه سيتوقف على إتفاقنا أو إختلافنا في إختياراته التعريفية).
.. الخ! لكن الصديق المحترم إنتهج سياسة حرق المراحل، وراح يدافع عمن وجد "إعجازا علميا" في الآية الكريمة، وما هكذا تورد الإبل!!.

الثاني: عبارة الإنفجار الكبير ليست هي التسمية الأصلية، بل كانت سخرية من الفكرة، ففريد هويل هو الذي سخر من الفكرة بسبب دهريته المتطرفة (القول بقدم وثبات الكون) وقتذاك فقال "الدوِي الكبير" باللفظ وبالنبرة معا، ثم أنكر ذلك فيما بعد وذلك بعد أن رأى قبول الفكرة في المجتمع الفلكي العلمي، وبدأ العلماء منذ ذلك الحين يستخدمون تسميته ليسخروا منه فانقلب السحر على الساحر، ومما لا يذكر في هذه القصة هو الأيادي الخفية للكنيسة الكاثوليكية في الموضوع (تنكيلا بالإلحاد) لأن واضع الفرضية هو القسيس البلجيكي جورج لومتر، وهذا قبل أن ترتقي الفرضية إلى النظرية. إذن، ما هي التسمية الأصلية للفرضية؟ فرضية الذرة البدائية l'hypothèse de l'atome primitif ومفادها بشكل عام سطحي مختصر هو أن الكون كان في هيولي بدائي مجتمعا، ملتصقا (ramassé) فحدث ما أسماه هو بالتفتت أو الفتق (la désintégration) أي عكس الإلتحام، الإندماج، l'intégration.



جزاكما الله خيرا.
 
اخي ا.شايب
السلام عليكم
وجزاكم الله خيرا على التعليق الدقيق... ارجو ان تتاح لنا فرصة للحوار على الايميل قبل نشر تفاصيل الكلام على الموقع...
[email protected]
 
بارك الله فيكم إخوتي الكرام : سعد كامل و وبهجة الرفاعي و شايب زاوشثتي على إثرائكم النافع , البناء لهذا الحوار الجاد حول خطورة "الخط الحداثي" على النص القرآني ..ويمكننا الآن أن نطرح سؤالا جديدا وهاما , وذا صلة وثيقة بالموضوع وهو : ماهي علاقة الإتجاه العقلاني الإجتماعي في التفسير بالخط الحداثي ؟؟. لأن الملحظ المتبادر لمن يقرأ في تفاسير هذا الإتجاه يقوده إلى الإعتقاد بوجود نوع عميق من الخطر على فهم مراد الله من آيات القرآن الكريم في الأعمال التفسيرية للمدرسة العقلية الإجتماعية , وإن تخفت وراء وشاح "الإصلاح" , فكل الوجوه "المريبة" عودتنا أنها تتبرقع بدعوى "الإصلاح"..
أشكركم إخوتي الأساتذة الكرام , وأدعوكم إلى المزيد من التدخل والحوارات ..
 
أستاذنا مسعود؛
المدرسة العقلية (أو العقلانية ؟) الإجتماعية.
هل الإشارة هنا إلى "ماكس فيبر" و "العقلانية الإجتماعية" (le rationalisme sociologique) عنده؟ من كتاب تاريخ الأفكار الإجتماعية لجون بيير وبرونو، سنفهم أن المعنى في تلك العقلانية الإجتماعية إنما يتحدد بالعلاقات النسبية، أي أن نوايانا وتوقعاتنا بالنسبة لنوايا وتوقعات غيرنا مع العلاقات القائمة بيننا في المجتمع، هي ما يحدد معنى الذي أقوله وأفعله في هذا المجتمع. وعندما نقول المعنى فنحن باللزوم نقصد النشاط الذي يستخرجه من خلال ممارسة تفسيرية مثلا أو تأويلية حسب المسافة القائمة بين اللفظ / الإشارة و المعنى.

العلاقة بين هذه العقلانية والخط الحداثي كعلاقة علم النحو بالتفسير، أي أن هذه العقلانية خادمة للأرخنة.

وإذا كنت تقصد شيئا آخر، فحدده أخي مسعود، لأننا إزاء مفاهيم فكرية أكثر من كونها علمية (منضبطة باصطلاحات وتواضعات منهجية) بل حتى العلمية هناك الكثير من الإشارات التي يجب تحديدها قبل التواصل حولها، أي إذا كنا مثلا نتحدث عن الصحابة والصحابي مفهوم شرعي، فلابد من تحديد المعنى عبر إعمال الإختيار أي إختيار الترجيح الذي ترضاه ونتفق حوله.

والحل الثالث أن نذكر آية أو آيات محددة أو سورة قصيرة، ثم نأتي باتجاه هذه المدرسة أو تلك في تفسيرها فنقرأ الآية وتفسيرها، ثم نبحث ونقارن لنعرف العلاقة.
 
كما في حال بعض المعاصرين ممن ادعى العلم فخاض في كلام الله بحق وباطل ممن قد يشير لهم اخي المبارك ، فكتب السلف رحمهم الله ممن يحاول البعض تنزيه جملة ما جاء عنهم أصناف التناقضات وسوء الفهم والركون للاسرائيليات والخرافات التي لا أصل لها بل والاساءة للدين ورموزه وللأنبياء وعلى رأسهم نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام ، فلا يكاد يسلم عصر من الشطحات ، يبقى الامر يرتكز على مرد تلك الشطحات والأخطاء هل كانت بنية حسنة وجهلاً بالتأويل الصحيح أم تعمدا وبسوء نية ، وهنا أجد أن الصنف الأخير ينشط ويشتهر ويظهر بجلاء عند المتأخرين ولكن كلام الله محاط بحفظه تعالى من كل أفاك أثيم
 
أخي أ. عدنان،،
كلامك الأول غير بعيد عما دونه ابن تيمية في مقدمة أصول التفسير عندما قال رحمه الله : فإن الكتب المصنفة في التفسير مشحونة بالغث و السمين ، و الباطل الواضح و الحق المبين . فمن أين جاء هذا الباطل المشحون في كتب التفسير؟ في إطار ثقافة علوم القرآن ستجيب وبكل بساطة إستنادا لما ذكره الزركشي والسيوطي رحمهما الله في البرهان والإتقان إذ لا يجوز تفسير القرآن بمجرد الرأي والاجتهاد من غير أصل، إذن ما المشكل؟ هذا غير دقيق، لكن ما هو المشكل ولمن؟ سؤال سأعود إليه، وقبل ذلك أظن أنك بشيء من السلطة (معنوية أو محسوسة أو ملموسة أو إجتماعية أو أو ..) تستطيع أن تمرر معنى الفتوى كما ترى أو تقتنع أو تريد فقط فتقول إن معنى الأصل في كلام الزركشي هو: من سلفك؟ من إمامك؟

قلت بشيء من السلطة وهل قلّ أم كثر يتوقف على معرفة ونباهة المتلقي فالناس معادن في القدرة للحكم على السلطة أي الحجة أو البرهان أو الدليل، هل هي سلطة عادلة؟ مجرد قرينة؟ مما يستأنس به لا غير؟ أم حجة داحضة؟

ويمكن أن تقول من غير أصل أي من غير إلتزام بالضوابط، لكن كيف تضبط؟ هي أصول التفسير مثلا، لكن من قام بالتأصيل؟ كيف ولماذا؟ لعل السؤال الأخير هو الأصعب هنا، فالجواب على الأول فلان وعلان في هذا الكتاب وذاك مع مقدمات التفاسير مع قراءة مناهج المفسرين هم من توصلوا إلى القواعد المنهجية، وهكذا.. لكن لماذا؟ سأله مؤذن المسجد الأزرق فأجابه برسالة أو رأى ذلك ورأى الناس في حاجة للقواعد، إذا تدوين أصول التفسير كان بدافع معرفي، وربما لأنه أراد الرد على المبتدعة فوجب أخذ هذه البيئة الجدلية بعين الإعتبار، على الأقل من الناحية المعرفية لمحاولة تصنيف القواعد حسب الأهمية وحسب مجال تداولها، وإلا فالمهم هو تجنب إقصاء الدافع الفكري المذهبي والطائفي والحزبي والفكراني.. الخ. وهكذا.

قرأت اليوم سؤالا وجه لمكتب إفتاء عن حكم استخراج الجن بالبخار، فالسائل تجاوز مرحلة السؤال عن علاقة الإنس بالجن بل تجاوز استخراجه وطرده من جسد الإنسان أصلا، فالراقي سيتكلم بكلام معقول ومقبول في تفسير سورة الجن للمتلقي الذي هو مثل صاحب السؤال، والمشعوذ سيأتي فعلا وقولا بأعاجيب السحر من تنويم وبرمجة واستغفال وحيل وغيرها، وغرائب في التفسير، وكلامه أيضا مقبول عند شريحة عريضة التي هي بنفس العقلية مع غياب السؤال الذي به يعرف الفرق بين الراقي والمشعوذ .. والأول مفيد لأنه تجريبي فالروايات الشعبية كثيرة وقنوات متخصصة وكتب كثيرة والآن بالصوت والصورة فيديوهات لا تحصى، بل لابد من متخصصين يتعاملون مع المحاكم والقضاء هل المتهم فعلا بوحده أم مسكون لنعرف من سنتهم.

وإلى هنا لا يظهر المشكل العمراني، والعمران مقصد من مقاصد القرآن طبعا، ولكن يظهر عندما يؤدي تفسير الراقي وتفسير المشعوذ إلى "الإكتفاء الثقافي الشعبي الذاتي" أي يؤدي إلى تعزيز النظرة السحرية إلى مشاكل يمكن البحث فيها من جهة علوم أخرى في النفس والأعصاب وغيرها، فمع الأسئلة يأتي النقاش فالبحث فالإبداع في هذه العلوم، وهذا المطلوب في العمران.

وكذلك تلك الخرافات (الحكايات الشعبية المروية) والاسرائيليات، أخي الغامدي. لكن بدون تطرف، والتعامل المسؤول معها هو الحل لمعضلة النظرة السحرية ولمعضلة هدم ما مضت عليه القرون.

قد تقول (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ) نفر من الجن أي جماعة من الناس تسللت ليلا، وأنت لا تريد التفسير لأن الدافع هو مواجهة المشعوذين مثلا؛ نفس الشيء الجن الجراثيم لأن الدافع هو أنك صاحب مصنع إنتاج المضادات أو لأنك تريد لفت الإنتباه إلى أهمية العلوم المتعلقة بالموضوع، وربما جمعت ما يتعلق بالجن فألهمك عملك هذا في كتابة رواية خيال علمية زيد مع قطته أليونا وأليونا المسكينة أصيبت بالمس، عندما نجحت فرقة من الكائنات الفضائية كانت على طبق طائر، في التحكم في جهازها العصبي عن بعد، بحويسب نانوتقني تم زرعه هناك للإستقبال ومعالجة الإشارات الكهرومغناطيسية الداخلية والخارجية، فأصبحوا يوجهون أليونا أحيانا على غير مراد صاحبها، وكل ذلك لسبب سيكتشفه زيد لاحقا .. وبعد تخلصه من أفكار لم يقتنع بها، بدأ في رحلة مغامراتية درامية للبحث عن حل لقطته حيث عليه أن يتخطى 114 حاجزا، بعدد سور القرآن، ومن كل سورة تستخرج العبرة في نشاط عملي فعلي يقوم به زيد.. وفي ذات ليلة وهو يقرأ الفاتحة هاجر اليأس وفهم التوكل فقام يحمد الله على كل حال وبه يستعين في طلب الطريق المستقيم إلى فك لغز أليونا حتى سورة الناس وهي المحطة الأخيرة بعد تعطيل الحويسب الدقيق في دماغ أليونا ففرح فرحا شديدا بحيث أنه فعل في الكائنات الفضائية تلك تأثيرا عاطفيا عميقا، فلاعبها وكلمها كما لم يفعل من قبل وهو يقول لها: هذه هي الإستعاذة يا أليونا أتعلمين؟! فيقرأ سورة الناس ويعيدها تارة تلو الأخرى حتى ازداد فضول تلك الكائنات الفضائية فنزلت إليه تعتذر بشدة ثم يشرح لها زيد ما حدث أما الإستعاذة (من شر الإنس والجن) فعبادة تلاوة ودعاء وعمل.. وتعلن الكائنات الفضائية إسلامها وتعاهد بأن تلتزم الأخلاق ولا تعمل التجارب العلمية في سيكولوجية التعامل والتواصل بين الإنسان والحيوان، وفي غيرها، إلا باحترام القيم والالتزام بها.

ماذا تريد منها ؟ الوقوف مع هيئات حفظ أخلاق البحث العلمي، وربما في سياق جدلي سياسي يتعلق بمناهضة قوانين تسمح لمستشفيات الطب النفسي بأشياء مقرفة، أو لأنك لا تتفق مع إستغلال جهل الناس من أجل الدعاية للإستهلاك اللامسؤول من غير بحث وإعمال فكر، أو لأنك تشجع البحث الذي تقوم به مراكز دراسة الفضاء من أجل الإجابة على أسئلة متداولة علميا: هل من كائنات ذكية خارج الأرض؟ هل يوجد كوكب مثل الأرض؟ هل الكوكب الفلاني صالح لحياة من نوع ما .. وهذه الأسئلة في إطار بحث لا يمكن فصله عن العلوم التقنية والطبيعية، إذ أن التقدم في هذا المجال يأتي بخطوة جديدة إلى الأمام في مجال آخر، في علاقات تفاعلية مستمرة.

فهل يمكن فصل الحكايات الشعبية المروية حول الأطباق الطائرة والكائنات الفضائية عن الإرهاصات الواقعية؟ إذا وجدت العلاقة، وهي موجودة بلا شك، فهي علاقات فنية ومعرفية وثقافية فكرية واجتماعية سياسية.. لذلك الميثولوجيا علم ومادتها كلها مواضيع للبحث العلمي، وتلك العلاقات يجب البحث عنها، كيف ولماذا وما السقف الثقافي المعرفي الذي استظل به المفسر الفلاني وغيرها من الأسئلة، كلها تساعد في معرفة العلاقات لفهم معنى التفسير بالحكايات والاسرائيليات..

وهل توجد في التفاسير "خرافة مجردة" ؟ أين هي ؟
 
أخي الأستاذ الفاضل "شايب زاوشثتي ".. أخي الأستاذ الكريم ك عدنان الغامدي , أشكر لكما مداخلتكما الطيبة والنافعة .
أخي الأستاذ " شايب زاوشثتي" : شكر الله لك ما أفدت به من تفصيل حول تيار الفكر العقلاني الإجتماعي , لكن أنا عندما تساءلت حول خطورة الخط التفسيري للمدرسة العقلية الإجتماعية و كنت أقصد أصحاب الإتجاه "الإصلاحي " - إن صحت التسمية - في تفسير القرآن الكريم, والذي كان بلا شك وليد التأثير العميق للفلسفات الإجتماعية والرؤى العقلانية الأوربية للأشياء.بمعنى أنني أقصد التيار الفكري والدعوي الذي نظره الرواد من رجال "النهضة " من أمثال "الأفغاني " و"محمد عبده " و " محمد رشيد رضا" و"فريد وجدي" وغيرهم , الذين رسموا إتجاها جديدا في التفسير بنوه على دعامتين خطيرتين هما : " الوحدة الموضوعية " و" تحكيم العقل", والذي ردوا به كثيرا من التفاسير " السلفية" وحتى "النبوية " و بل وربما أحيانا ظاهر القرآن من أجل أن يتوافق مع العقل والموضوع القرآني . هذا الإتجاه الذي دفعهم أيضا إلى الإيغال في تفاسير غريبة للآيات القرآنية مما تجاوزوا به منطق العقل الذي مجدوه.
ولا أحسب أن الجرأة في القول في القرآن بمعيار " الوحدة الموضوعية " و"تحكيم العقل", الا مصدرا هجم من ورائه أصحاب " القراءة الحداثية للنص القرآني " , مما جعلني أعتقد جازما أن خطورة الإتجاه الأصل على النص القرآني , لاتقل عن خطورة الإتجاه الثاني عليه في شيء , إقرأوا إن شئتم في " الأعمال " ذات الطابع التفسيري لأقلام الإتجاهين.
 
في المشاركة 9 ذكرت أن د. عبد المجيد الشرفي مجرد سلفي في نظر حداثي آخر هو أ. إبراهيم أزروال. فلنقرأ الآن ماذا يرى الدكتور الشرفي في تفسير رشيد رضا رحمه الله:

"فنلاحظ إذن أنه لا يمت بصلة إلى حركة التفسير "الكتابي" -نسبة إلى الكتب المقدسة عند اليهود والمسيحيين- التي عرفها الغرب منذ أواخر القرن السابع عشر بالخصوص، والتي كانت أبرز ملامحها متمثلة في استقلالها عن علم اللاهوت، واعتمادها منهجاً نقدياً في تناول النصوص المقدسة. فتفسير المنار أبعد ما يكون عن التفسير النقدي، وليس فيه أدنى إعادة نظر في المسلَّمات المتعلقة بالترتيب الرسمي والتعبُّدي للسور والآيات، ومواطن الإشكال في عدد من التعابير القرآنية، ويتبنى بالطبع المفهوم التقليدي للوحي الذي يكون فيه الرسول مجرد مبلِّغ سلبي للرسالة الإلهية، فلا مجال فيه لأثر ما لشخصية النبي وللظروف التاريخية التي أحاطت به، ولا لمشكلة الانتقال من الكلام الإلهي المفارق إلى الكلام البشري المحدود بالضرورة. وبعبارة أخرى فقد كان تفسير المنار تفسيراً إيمانياً بالدرجة الأولى" .

ويعلق د. حازم محي الدين على رأي د. الشرفي في تفسير المنار قائلا:

"يكاد الدكتور عبد المجيد الشرفي بكلامه هذا يستعيد بشكل شبه كامل ما قاله المستشرق آرثر جيفري قبل أكثر من سبعين عاماً في مجلة "العالم الإسلامي"، في مقالة بعنوان " النقد العالي للقرآن" طالب فيها علماء المسلمين باقتفاء أثر علماء الغرب بإخضاع القرآن الكريم إلى معايير النقد التاريخي والأدبي التي أخضعوا لها نصوصهم المقدسة، دون أدنى اعتبار منه للاختلافات الصريحة بين طبيعة النص القرآني المقطوع بصحته التاريخية، وإيمان المسلمين القاطع بأنه كلام الله تعالى الذي أنزله لفظاً ومعنىً على قلب رسوله محمد r، وبين نصوصهم المقدسة التي تعرضت للتحريف والتزوير التاريخي باعترافهم هم، وأنها نصوص مقدسة دوَّنها أتباع الرسل عليهم السلام، ولا تُعَد كلام الله تعالى نفسه لفظاً ومعنىً في وقت واحد كما هو حال القرآن الكريم".

(قراءة في منهج رشيد رضا في تفسير المنار وموقف النقاد منه) لحازم محي الدين
https://vb.tafsir.net/tafsir17857/#.Wd47XTv1gy4

أعرض هذه المفارقات لأبين شيئا هو أن تحكيم العقل مفهوم نسبي، لأن العقلانية عقلانيات، فإذا قلنا أن رشيد رضا، ومن وراءه الأفغاني وعبده، في تفسير بعض الآيات قد أعمل العقل، فإنه عند الشرفي لم يحكّم إلا الإيمان، وتحكيم الإيمان عند أركون مجرد تبجيل. أما الوحدة الموضوعية التي يصف بها كثير من الدارسين منهج رشيد رضا في المنار، ليست وحدة موضوعية ولا يحزنون عند الشرفي لأن الوحدة الموضوعية عند الأخير تشمل أشياء تتصل بالنص القرآني حين أنها خارج النص.

طبعا أشياء كثيرة، تصورية ومعرفية، كان يتقبلها "العقل" في عصر الإمام الطبري مثلا، ولا يقبلها العقل الحديث وذلك بسبب تطور العقل المعرفي - المكتسب، والعكس صحيح. لكن هذا كلام عام، ويجب أن نأخذ بعض العينات التفسيرية ثم نختبرها.

" الوحدة الموضوعية " و" تحكيم العقل", والذي ردوا به كثيرا من التفاسير " السلفية" وحتى "النبوية " و بل وربما أحيانا ظاهر القرآن
تفضل أخي الكريم بنص تفسيري من المنار أو من غيره من التفاسير السلفية النهضوية تم إنتاجه بالدعامتين (الوحدة الموضوعية وتحكيم العقل) ويظهر منه مخالفته 1- التفاسير السلفية (التفسير بالسنة والآثار وأخبار العرب)، و 2- التفسير النبوي، و 3- ظاهر القرآن.
 
أولا : كلام السلف في معنى "الطير الأبابيل ", في الآية 3 من سورة الفيل. - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: {طيرا أبابيل} [الفيل: 3] قال: " الأبابيل: المختلفة، تأتي من هاهنا، وتأتي من هاهنا، أتتهم من كل مكان " وذكر أنها كانت طيرا أخرجت من البحر. وقال بعضهم: جاءت من قبل البحر. ثم اختلفوا في صفتها، فقال بعضهم: كانت بيضاء.
-حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن ابن عون، عن محمد بن سيرين، في قوله: {طيرا أبابيل} [الفيل: 3] قال: قال ابن عباس: «هي طير، وكانت طيرا لها خراطيم كخراطيم الطير، وأكف كأكف الكلاب».
-حدثنا يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حسين، عن عكرمة، في قوله: {طيرا أبابيل} [الفيل: 3] قال: كانت طيرا خرجت خضرا، خرجت من البحر، لها رءوس كرءوس السباع ".
-حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن عبيد بن عمير، {طيرا أبابيل} [الفيل: 3] قال: «هي طير سود بحرية، في مناقرها وأظفارها الحجارة».
-حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: ثنا فضيل بن عياض، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، في قوله: {طيرا أبابيل} [الفيل: 3] قال: طير خضر، لها مناقير صفر، تختلف عليهم ". تفسير الطبري : 24/ 630 وما بعدها.
* الطير الأبابيل في تفسير السلف هي طير حقيقية , كما هو ظاهر القرآن.
ثانيا: قول الشيخ المراغي " كنموذج لمفسري المدرسة العقلية " في تفسيره:
(وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ. تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ) أي إنه تعالى أرسل عليهم فرقا من الطير تحمل حجارة يابسة سقطت على أفراد الجيش، فابتلوا بمرض الجدري أو الحصبة حتى هلكوا.

وقد يكون هذا الطير من جنس البعوض أو الذباب الذي يحمل جراثيم بعض الأمراض،أو تكون هذه الحجارة من الطين اليابس المسموم الذي تحمله الرياح، فيعلق بأرجل هذا الطير، فإذا اتصل بجسم دخل فى مسامّه، فأثار فيه قروحا تنتهى بإفساد الجسم وتساقط لحمه.
ولا شك أن الذباب يحمل كثيرا من جراثيم الأمراض، فوقوع ذبابة واحدة ملوّثة بالمكروب على الإنسان كافية فى إصابته بالمرض الذي يحمله، ثم هو ينقل هذا المرض إلى الجمّ الغفير من الناس،"
* الطير الأبابيل عند المفسر العقلي , قد تكون الطير كما هو ظاهر القرآن , وقد تكون " بعوض" أو "ذباب" يحمل الجراثيم!!! ولست أدري أين نجد في كلام العرب أن " البعوض" و"الذباب" من أنواع الطيور ؟؟
ثالثا : مايتعلق بتفسير المنار :
رغم مايذكر فيه العلماء من مؤاخذات مثل رد بعض الأحاديث, أو تأويل المعجزات, أو إنتقاد العلماء السابقين بقسوة , أو الإعتماد على الرأي والعقل في التفسير , إلا أن إتجاهه " المأثور" الذي حاد فيه عن أصول المدرسة , يجعلنا لانستطيع إعتماده كنموذج " راجع موضوع الشيخ عبد الرحمن الشهري في هذا الملتقى بعنوان :

[h=1]"قراءة في منهج رشيد رضا في تفسير المنار وموقف النقاد منه) ..[/h]ولكن في التفاسير الأخرى التي تتبنى أصول المدرسة العقلية الإجتماعية ’ تستطيع تلمس ماقلناه بسهولة .
 
قال عبد الله بن المبارك رحمه الله: "إذا أردتَ أن يصح لك الحديث ، فاضرب بعضه ببعض" !

وقال ابن خلدون رحمه الله في أول مقدمته: "... لأن الاخبار إذا اعتمد فيها على مجرد النقل ، ولم تحكم أصول العادة وقواعد السياسة وطبيعة العمران والاحوال في الاجتماع الانساني ، ولا قيس الغائب منها بالشاهد والحاضر بالذاهب ، فربما لم يؤمن فيها من العثور ، ومزلة القدم والحيد عن جادة الصدق ، وكثيرا ما وقع للمؤرخين والمفسرين وأئمة النقل من المغالط في الحكايات والوقائع لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غثا أو سمينا ولم يعرضوها على أصولها ولا قاسوها بأشباهها ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات وتحكيم النظر والبصيرة في الاخبار فضلوا عن الحق ..." إلى أن قال: " وأبعد من ذلك وأعرق في الوهم ما يتناقله المفسرون في تفسير سورة الفجر في قوله تعالى : (ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد ) فيجعلون لفظة إرم اسما لمدينة وصفت بأنها ذات عماد أي أساطين وينقلون أنه كان لعاد ...". (راجع المناقشة هنا: مناهج المفسرين التي في غير مظنتها).

والغريب فعلا أن تجد في هذا العصر، عصر القلق الفكري والفتن المفاهيمية التصورية، من يتزندق وربما يميل كل الميل نحو اللادين ثم يتهجم ويستهزئ بسبب تناقضات يعثر عليها وهي ليست من الدين، لا من صريح القرآن ولا من القطعي الثبوت والدلالة عن المعصوم، ولا حتى من أي نص شرعي محكما أم غير ذلك كان.. وهذا لأن تلك التناقضات تترك في النفس شيئا وتتعلق، فكيف إذا تسلسلت وتراكمت؟ نعم، إن رجال الإصلاح المؤسسين كالأستاذ الإمام، و رشيد رضا، وشيخ الإسلام مصطفى صبري، وشيخ الإسلام محمد بن العربي العلوي، وغيرهم من الذي انتفضوا على وقع الصدمة الفكرية الحضارية، كلهم انتبهوا لخطورة إستمرارية تدجين العقل المسلم باسم التراث، علما أنه يحتوي على الغث والسمين.

ومن العلماء المتقدمين من انتبه لخطورة مثل هذه التناقضات التي هي من نتاج اتصال الواقع المستحدث بالنص التراثي والشرعي.. أما الاتصال بالنص الشرعي فمحال أن يؤدي إلى تناقض حاد بحيث لا يمكن رفعه؛ بشرط أن يتحرك الفعل العقلي بين صريح المعقول وصحيح المنقول، كما أطر لهذه الحركة شيخ الاسلام ابن تيمية في كتابه درء التعارض وفي كثير من فتاويه في المجموع، في المعالم العريضة دون الجزئيات لأنها خاضعة للتطور المعرفي.

فهاهو الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية يحاول معالجة إشكالية من جنس تلك الإشكاليات: "وقد سأل بعضهم ههنا سؤالا، فقال: قد أحل الله سبحانه بأصحاب الفيل ـ وكانوا نصارى ـ ما ذكره في كتابه، ولم يفعلوا بمكة شيئا مما فعله هؤلاء، ومعلوم أن القرامطة شر من اليهود والنصارى والمجوس، بل ومن عبدة الأصنام، وأنهم فعلوا بمكة ما لم يفعله أحد، فهلا عوجلوا بالعذاب والعقوبة، كما عوجل أصحاب الفيل؟ .."! (الفتوى) وليس القرامطة فقط، بل غيرهم من التاريخ، فكيف إذا أضفنا إلى سؤال التحقق العلمي من قصة أبرهمة ككل، أسئلة أخرى تتعلق بالسؤال الذي حاول ابن كثير الرد عليه في اتصاله بأسئلة أخرى حول روايات صحيحة مثل "إن الله حبس عن مكة الفيل - أو القتل - ... وإنها لا تحل لأحد بعدي"؟.

هذا وجواب ابن كثير من محض إفتراضه للتشريف وغير ذلك، فهو إجتهاد مجرد عن كل ما يمكن أن يتم في حقل حجاجي إستدلالي.. وهذا من تأويل المشكل، بينما ظاهره شيء آخر أكثر وضوحا، هو عدم تطبيق النقد على الروايات ككل، لا بالمنهج التاريخي، ولا بالصناعة الحديثية، ولا بالجمع بينهما كما أشار إلى ذلك ابن خلدون في إطار تمحيص الأخبار المتعلقة بالأحداث والوقائع التاريخية.. عليه: ليس المشكل هو هل يصح تأويل الفيل بجيش إستعمل فيلا، وهل يصح تأويل أصحاب بالجيش، أم (أصحاب الفيل) إسم مركب.. وليس المشكل الطير ما هو، ولماذا إضافة {يطير بجناحيه} (الأنعام 38) كما تساءل فخر الدين الرازي في تفسيره وقبله محمد بن جرير، هل للتأكيد فحسب أم الطير كل ما له أجنحة سواء كان يدب أو يطير، أم هذا وذاك إضافة للمجاز حيث يستعمل اللفظ لكل ما يتحرك بخفة و-أو بسرعة، أم (طيرا أبابيل) إسم مركب، فما الأبابيل وهل له واحد، هي عربية خالصة أم عربية من المعرب أصله حبشي أو فارسي، أو غير ذلك.. هذا البحث الفيلولوجي مهم، لكن بعد التحقق من القصة ككل..

ثم هي الكعبة تهدم ثم يتم إعادة تدشينها فكيف هذا يكون حلا؟؟ لكن أن تحرك جيشا كاملا مع فيل ضخم، أو فيلة أخرى تحسبا لهلاك الفيل الواحد على الطريق، هو في حاجة لإعتناء عجيب به كي ينتقل يومذاك من اليمن إلى مكة عبر منطقة جغرافية لا تصلح لهذا المخلوق العجيب.. هذا كله غير مقبول ماديا واستراتيجيا، إذن القصة أكبر من مجرد هدم الكعب، وإذا صح أن سجيل وأبابيل من المعرب، أصلهما في الفارسية، فيجب أن نبحث عن القصة وراء خطة سياسية عظيمة كانت تجري بين روم الشرق والفرس .. لا تقف عند حد ما ورد في الحكايات الشعبية، كما لا يمكن أن نقبل الحكايات الشعبية التي نسجت أثناء - ولا أقول بعد - عملية بارباروسا: ألم تعلم ماذا فعل ربك بالجيوش النازية؟ ألم يجعل حسرتهم في ثقتهم بالمعدات العسكرية؟ وأرسل عليهم العواصف الثلجية؟ فجعلهم مشتتين في الأراضي السوفيتية ؟ ..

أريد أن أقول: نحن لسنا من الدهريين لنعتقد بالكوارث الطبيعية بائنة عن الإرادة الإلهية، لكن في نفس الوقت معتقدنا لا يسمح لنا بإقحام المعجزات الإلهية في كل حادثة لا نفهم مجرياتها، لأنه قد ثبت عندنا أن السنن الإلهية لا تبديل ولا تحويل لها.. وأن الإستثناء ليس بقاعدة، وإنما خوارق العادات تقترن بدعوى النبوة، .. إذا عقليتنا مستمدة من القرآن الكريم، والسنة التي هي واجهة قرآنية، تنير لنا الطريق في كيفية التعامل مع مثل تلك الفلكلوريات والحكايات الشعبية، هل نأخذها بالرمزية أم على الحقيقة:
" أخبرنا سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي مسعود الأنصاري قال: " انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم بن رسول الله فقال الناس انكسفت الشمس لموت إبراهيم فقال النبي إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله وإلى الصلاة " .

ونعود إلى الموضوع، قلت في المشاركة 14:
ويمكننا الآن أن نطرح سؤالا جديدا وهاما , وذا صلة وثيقة بالموضوع وهو : ماهي علاقة الإتجاه العقلاني الإجتماعي في التفسير بالخط الحداثي ؟؟

والجواب: الخط الحداثي هو أول خط يقف مع أشياء قيلت في تأويل سورة الفيل، خاصة أتباع المدرسة الوضعية من الحداثيين، لأن تلك التأويلات هي التي تثبت عندهم مقولتهم -بالتصريح أو بالتلميح- أن النص القرآني منتج ثقافي.. فتأمل!

وأعيد السؤال: هل من نص تفسيري من المنار أو من غيره من التفاسير السلفية النهضوية تم إنتاجه بالدعامتين (الوحدة الموضوعية وتحكيم العقل) ويظهر منه مخالفته 1- التفاسير السلفية (التفسير بالسنة والآثار وأخبار العرب)، و 2- التفسير النبوي، و 3- ظاهر القرآن.. وذلك لإثبات العلاقة بين "المدرسة الإصلاحية النهضوية السلفية" و التيار الحداثي.
 

[FONT=&quot]قال عبد الله بن المبارك [/FONT]رحمه الله[FONT=&quot]: "[/FONT][FONT=&quot]إذا أردتَ أن يصح لك الحديث ، فاضرب بعضه ببعض[/FONT][FONT=&quot]" ![/FONT] ماهو المقصود من هذه المقولة ؟؟؟ 1- "قام علم نقد الحديث عند أئمة هذا الشأن منذ الأيام الأولى على منهج علمي متين، يمكن إبرازه في ثلاث نقاط، هي: إذا كان الراوي من المكثرين، فيتم جمع طرق حديثهم التي انتشرت بين تلاميذهم، ليعرف منهم الضابط الصادق، من الواهي الكاذب، وهو ما عبر عنه الإمام ابن المبارك في قوله: "إذا أردت أن يصح لك الحديث فاضرب بعضه ببعض". أنظر " منهج نقد المتن عند علماء الحديث النبوي" صلاح الدين بن أحمد الأدلبي.

[FONT=&quot]2- لما كانت العلة سبباً خفياً غامضاً كان لا بد من وجود طرق ترشد إلى وجودها ، ووسائل تعين على الوقوف عليها ، ومن خلال كلام العلماء في هذا العلم وممارستي له تبين لي أنه لا بد من عدة خطوات حتى يمكن معرفة سلامة الحديث من العلة أو وجودها فيه .[/FONT]
[FONT=&quot]وإليك هذه الخطوات :[/FONT]
[FONT=&quot]أولاً : جمع طرق الحديث :[/FONT]
[FONT=&quot]وقد كان المحدثون يهتمون بذلك ويؤكدون عليه :[/FONT]
[FONT=&quot]قال أحمد : ( الحديث إذا لم تُجمع طرقه لم تفهمه ، والحديث يفسر بعضه بعضاً ).[/FONT]
[FONT=&quot]وقال علي بن المديني : ( الباب إذا لم تُجمع طرقه لم يتبين خطؤه ).[/FONT]
[FONT=&quot]وقال عبدالله بن المبارك : ( إذا أردت أن يصح لك الحديث فاضرب بعضه ببعض ).[/FONT]
[FONT=&quot]ولهذا قال يحيى بن معين : ( اكتب الحديث خمسين مرة ، فإن له آفات كثيرة ).[/FONT]
[FONT=&quot]وقال أيضاً : ( لو لم نكتب الحديث من ثلاثين وجهاً ما عقلناه ).[/FONT]
[FONT=&quot]وقال أيضاً : ( لو لم نكتب الحديث من مائة وجه ما وقعنا على الصواب ).[/FONT]
[FONT=&quot]وقال أبوحاتم الرازي : ( لو لم يُكتب الحديث من ستين وجهاً ما عقلناه ).[/FONT]
[FONT=&quot]وكان بعض الحفاظ يقول : ( إن لم يكن الحديث عندي من مائة طريق فأنا فيه يتيم ).
راجع كتاب " أرشيف ملتقى أهل الحديث " كتاب آلي " الموسوعة الشاملة".
*- يتبين من خلال ماسبق أن عبد الله بن المبارك لايقصد بعبارته أكثر مما حملها عليه أهل الحديث, وهو جمع طرق الحديث , ومقارنة بعضها إلى بعض , للوصول إلى تمييز الصحيح منها من السقيم.
*- أما ابن خلدون فليس من أهل الصتعة في الحديث , ولاعرف عنه أنه من علماء التفسير , حتى يعتد بقوله في الحكم على مناهج العلماء في التعامل مع الروايات !!! وذلك - طبعا - إذا لم يقصد بالأ خبار, الأخبار الوقائع والروايات التاريخية .
*- أما إعتماد " الإتجاه العقلي الإجتماعي في التفسير على مجموعة من المبادئ والأسس في الدرس التفسيري منها " الوحدة الموضوعية " و " تحكيم العقل" و غيرها ,وتطبيقاتها في الأعمال العلمية لرجال المدرسة العقلية الإجتماعية , فلا يخفى على طالب علم في علوم القرآن , أن ذلك حقيقة " أكاديمية " , تتداول في المقررات والمصادر الجامعية.[/FONT]
 
أخي الأستاذ مسعود،
فلت الحقيقة " أكاديمية " أنهم يحكمون العقل، لكن من المفسرين من لم يحكم العقل في نقل الروايات، والحكم عليها، وتأويلها، والترجيح، والإجتهاد في ربط معنى أو ظاهر الرواية بظاهر أو معنى الآية؟

عليه، المهم : إلى أين يؤدي تحكيم العقل والوحدة الموضوعية وو.. إلى تفسير يخالف التفسير النبوي، تفسير السلف، وظاهر القرآن؟ لا نتكلم هنا عن منهج وصف بوصف عام، بل نريد تطبيقا واضحا ، ثم بعد ذلك - وهو الأهم - تحديد علاقة هذا التطبيق التفسيري بالمدرسة الحداثية.

أما تأويل سورة الفيل بأخبار العرب، فالسلف -إن صح ما ينسب إليهم- ينقلون ما وصل إليهم من حكايات شعبية مختلطة بأشياء تخالط الحكايات عادة، من تخيلات أدبية فنية، وتأويلات كما نفعل مع حادثة من الحوادث وقعت أمس في مصر من الأمصار، تأتي بعشرة محللين (استراتيجيين او سياسيين او اقتصاديين) وتحصل على عشرة تأويلات، وفي أحسن الأحوال خمسة تأويلات.. والذين نستفيد منهم في تفسير هذه الظاهرة هو إبن خلدون ومن سار على نهجه، لأن التفسير هنا خاضع لأصول علمية أخرى تتعلق بعلوم دنيوية. أما تفسير السلف للقرآن بالقرآن، بالسنة، بإجتهادهم، باللغة، بأسباب النزول، فتفسير يختلف تماما، جملة وتفصيلا، عن تفسيرهم بأخبار العرب، وبالإسرائيليات، مثلا.

في الحقيقة لا أدري ما علاقة تفسيرك أخي لمقولة ابن المبارك رحمه الله، وقد ذكرته في سياق ما ذكره ابن خلدون. إذ نستفيد منه أن المقولات نخضعها للتخطئة والتصويب بالمقارنة مع غيرها أو حيثياتها وشواهدها وأشباهها ، أو النماذج الواقعية سواء كانت مادية أو معنوية.
 
بارك الله فيك أخي الأستاذ المكرم : شايب زاوشثتي. -- أما الإستشهاد بأحوال العرب في التفسير , فهو بكل تأكيد ليس حاله مثل حال " الإسرائليات" , فإنه ليس في أخبار " الإسرائليات " في الغالب إلا تفصيل بعض وقائع وقصص القرآن المتعلقة بحياة الأنبياء والصلحاء الدعوية , والعامة . أما " أخبار العرب" فإن فيها ماهو شديد العلاقة بفهم بعض " مجملات " القرآن و " مبهماته" , حتى إعطى بعض أهل التفسير قيمة بارزة ل " عادات العرب" في فهم مدلولات الآي , ولعله يحضرني من ذلك قوله تعالى{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189) }سورة البقرة.فما هو تفسير قوله تعالى [ وليس البر أن تأتوا البيوت من ظهورها ]؟؟, وما دخل إتيان البيوت من أبوابها أو من ظهورها في سياق آية تستهل بالحديث عن " الأهلة " و" الحج" ؟؟.<br>في مثل هذا الموضع يكون معرفتنا لما ينقله السلف من " أسباب نزول" تحكي بعض أعراف العرب وأخبارهم أمرا ضروريا في فهم كثير من آيات القرآن , وكأننا بهذا نتحدث عن الظروف المحتفة بالنص , وهو ما أشار إليه الواحدي في قوله " لايمكن معرفة تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها ".قال ابن كثير في تفسيره ,522/1:وَقَوْلُهُ: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ (6) بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: كَانُوا إِذَا أَحْرَمُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أتَوْا الْبَيْتَ مِنْ ظَهْرِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} (7) . -- أنا معك في تمحيص الأسانيد , ورد الأخبار التي لاتصح أسانيدها إلى السلف الكرام , لكن نقول أن السلف ينقلون وقائع من " أيامهم " , لها صلة بتقريب معنى الآية , أو أنها تفصل أحداثا وردت في مضامين الآيات الكريمة , أما أن نحكم على نقول السلف في الإستشهلد بالأخبار على أنها - بالجملة -" حكايات شعبية " , فهذا لاأحسبه الا مجرد تخريج شخصي , ورأي فردي يحتاج إلى إقامة الحجة القاطعة!!!. - وفيما يتعلق بمقولة " ابن المبارك رحمه الله , فقد وضحتها , موافقة لك , حتى لايفهم أحد من إقدام أخي "شايب" على إدراجها في مستهل موضوعه غير المعنى المراد منها. مرة أخرى أعود فأشكرك أخي الأستاذ الفاضل على إهتمامك بتجريد الحقيقة ..
 
يا أخي أ. مسعود ؛
أقول من جهة الشرق ( أخبار العرب ) في سياق الكلام حول الحكايات، وتعلق أنت غربا في ( عادات العرب ) و ربما أضفت أحوال العرب ، وبعد قليل معهود العرب، ربما. أخبار العرب هكذا وبالمثال في منطقة ساخنة من سوريا أثناء الحرب تسقط قنبلة ولا تنفجر ، وآخرون من نفس المنطقة يتناقلون نزول ملائكة تقاتل على خيول بيضاء ، والثالث سيركب من الحكايتين قصة جديدة توسع فيها من إعمال الخيال، لحاجة أو لرغبة أخرى أو للترفيه بالمبالغة والتهويل، فيقول: ملائكة قامت بتعطيل القنبلة. هذا سيخبر غيره، وفي نهاية المطاف تتحول حكاية بأربعة كلمات إلى قصة كاملة أن طيارا حربيا كتب على قنبلة كلاما يتحدى به فأنزل الله ملكا أمسك بالقنبلة فككها في السماء ثم ركب على دابة بيضاء .. وبطرق مختلفة. فنحن هنا نتحدث عن أخبار السوريين، لا أوضاعهم وأحوالهم ومأكولاتهم..

والمهم أين العلاقة بين تفسير المدرسة العقلية الإجتماعية والإتجاه الحداثي؟ الإتجاه الحداثي يعشق التفاسير التي وظفت أخبار العرب وما ينسب لأخبارهم من أجل إثبات تاريخانية القرآن، وأنه منتوج ثقافي، وأن القرآن خاطبهم بمخيالهم الجمعي، بل حتى المعتدلون منهم يذهبون إلى القول بأن القصص القرآني نسيج فني خضع لما يخضع له الفن من خيال وابتداع وتخليق (محمد أحمد خلف الله نموذجا) ..

هذا كان سؤالي :
تفضل أخي الكريم بنص تفسيري من المنار أو من غيره من التفاسير السلفية النهضوية تم إنتاجه بالدعامتين (الوحدة الموضوعية وتحكيم العقل) ويظهر منه مخالفته ل:
1- التفاسير السلفية (التفسير بالسنة والآثار وأخبار العرب)، و
2- التفسير النبوي، و
3- ظاهر القرآن.

بعد ذلك تشرح لنا علاقة الاتجاه هذا بالتوجه الحداثي .

الإتجاه الإصلاحي في التفسير قام على "ثلاثة لا أصل لها: التفسير والملاحم والمغازي" (الإمام أحمد). فأكثر التأويلات بالأحاديث والآثار، تأويلات لا إسناد لها، فما بالك بالتأويلات المبنية على أخبار العرب والإسرائيليات؟ التأويل بأخبار العرب مشكل بغض النظر عن صحة السند ، وهنا يجب إعمال حكمة عبد الله بن المبارك رحمه الله: "إذا أردتَ أن يصح لك الحديث ، فاضرب بعضه ببعض" وهذه حكمة من الصعوبة بمكان تطبيقها على التأويل بالإسرائليات، لأن الذي هو عندك " مسكوت عنه " هو ليس كذلك عند غيرك من أهل الإستنباط من مصادر التشريع، والذي هو عندك "يوافق شرعنا" هو ليس كذلك عند من فسر الشرع بغير تفسيرك وتأول الحكاية الإسرائيلية بغير تأويلك، والذي هو عندك "يخالف شرعنا" هو ليس كذلك عند غيرك.

وجزاك الله خيرا.
 
ياأخي الأستاذ المكرم : شايب زاوشثتي
* يكاد مفسرو السلف واللغويون يجمعون على أن " الطير" في قوله تعالى [ وأرسل عليهم طيرا أبابيل ] الفيل "03", محمول على معناه المتبادر من ظاهر القرآن , وهو الكائن الحي المعروف.
قال إبن جرير الطبري 605/24 : وقوله: (وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ) يقول تعالى ذكره: وأرسل عليهم ربك طيرا متفرقة، يتبع بعضها بعضا من نواح شتي..".
وقد أورد مجموعة من أقوال السلف حول المعنى نفسه :
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن ابن عون، عن محمد بن سيرين، في قوله: (طَيْرًا أَبَابِيلَ) قال: قال ابن عباس: هي طير، وكانت طيرا لها خراطيم كخراطيم الطير، وأكفّ كأكفّ الكلاب.
حدثني الحسن بن خلف الواسطي، قال: ثنا وكيع وروح بن عبادة، عن ابن عون، عن ابن سيرين عن ابن عباس، مثله.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن ابن عون، عن ابن عباس، نحوه.
حدثنا يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حسين، عن عكرمة، في قوله: (طَيْرًا أَبَابِيلَ) قال: كانت طيرا خرجت خضرا، خرجت من البحر، لها رءوس كرءوس السباع.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي سفيان عن عبيد بن عمير (طَيْرًا أَبَابِيلَ) قال: هي طير سود بحرية، في مناقرها وأظفارها الحجارة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن عبيد بن عمير: (طَيْرًا أَبَابِيلَ) قال: سود بحرية، في أظافيرها ومناقيرها الحجارة.
قال: ثنا مهران، عن خارجة، عن عبد الله بن عون، عن ابن سيرين، عن ابن عباس قال: لها خراطيم كخراطيم الطير، وأكفّ كأكفّ الكلاب.
حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعى، قال: ثنا فضيل بن عياض، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، في قوله: (طَيْرًا أَبَابِيلَ) قال: طير خُضْر، لها مناقير صُفْر، تختلف عليهم.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن عبيد بن عمير، قال: طير سود تحمل الحجارة في أظافيرها ومناقيرها.
- هذا هو مجمل قول السلف , إتفاق على أنها " طيور" على المعنى الذي تعرفه العرب من لغتها , وعلى ظاهر القرآن , وعلى قرينة السياق , إذ الطيور قادرة على أن ترمي بالحجارة .
أما الشيخ مصطفى المراغي في تفسيره , فقد حمل الطيور محملا " عقليا بحتا " , وكأنه يستبعد أن تكون الطيور بالمعنى المعهود , قادرة على إحداث هذا القدر الإلهي , الذي جعله الله تعالى من فعله فقال [ الم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ] , لقد حمل الطير في الآية على " البعوض " أو الذباب !! ربما كان يرى رحمه الله أن هذه الكائنات أقدر فعلا على إحداث الدمار بالجيش المهاجم من الطيور , ثم أنني أكاد أفهم من تفسيره للآية أنه يحمل " حجارة من سجيل" , على الميكروبات , والجراثيم !! فقد ذكر " الجراثيم" صراحة في نصه كوسيلة إهلاك قد تحملها أرجل البعوض والذباب !!
قال الشيخ - رحمه الله - في تفسيره 243/30 :
"وقد يكون هذا الطير من جنس البعوض أو الذباب الذي يحمل جراثيم بعض الأمراض، أو تكون هذه الحجارة من الطين اليابس المسموم الذي تحمله الرياح، فيعلق بأرجل هذا الطير، فإذا اتصل بجسم دخل فى مسامّه، فأثار فيه قروحا تنتهى بإفساد الجسم وتساقط لحمه.
ولا شك أن الذباب يحمل كثيرا من جراثيم الأمراض، فوقوع ذبابة واحدة ملوّثة بالمكروب على الإنسان كافية فى إصابته بالمرض الذي يحمله، ثم هو ينقل هذا المرض إلى الجمّ الغفير من الناس، فإذا أراد الله أن يهلك جيشا كثير العدد ببعوضة واحدة لم يكن ذلك بعيدا عن مجرى الإلف والعادة، وهذا أقوى فى الدلالة على قدرة الله وعظيم سلطانه، من أن يكون هلاكهم بكبار الطيور، وغرائب الأمور، وأدل على ضعف الإنسان وذله أمام القهر الإلهى، وكيف لا وهو مخلوق تبيده ذبابة، وتقضّ مضجعه بعوضة، ويؤذيه هبوب الريح.
"

هل أراد الشيخ أن يحافظ على " الوحدة الموضوعية " لموضوع " الطيور" ودلالاته في القرآن الكريم ؟؟
هل إستعمل الشيخ - رحمه الله دعامة "تحكيم العقل " في مثل هذا الموطن من أجل المحافظة على دعامة " الوحدة الموضوعية " ؟؟
لقد سمى الله " البعوضة " بعوضة في كتابه , وسمى " الذباب " ذباب " , ولم يسميهما لاتصريحا ولاتلميحا " طيورا " !!
أنا لست ضد الإتجاه " الإصلاحي " النهضوي في التفسير , بالعكس فقد أفدت منه في كثير من القضايا المتعلقة بالتفسير , ومنها موقفهم من " الإسرائليات " كمصدر لفهم مراد الله تعالى , ومنها قضية " النسخ " في القرآن , وأنا أيضا لست ضد مبدإ " الوحدة الموضوعية " للقرآن الكريم , وللسورة القرآنية , ولاضد مبدأ " تحكيم العقل" في حدود إختصاصه , ومجال قدراته !!.كيف وقد كانت هذه المبادي في كتابات " الإصلاحيين " تأصيلا قويا لدعم أسلوب التفسير الموضوعي للقرآن الكريم من جهة , ولدفع إتجاه " التفسير البياني نحو " الظهور" . ولكنني تعودت أن لاأقبل " الإغراب " في المواقف , والأقوال , والتصورات , مهما كان مصدره .
وبارك الله فيك أخي شايب , وجزاك خيرا, وزادك علما وفتحا.
 
أخي الأستاذ مسعود:
نحن هنا في ملتقى علمي، وعندما نناقش مسألة ما فأنا أهتم بالفكرة، وعليه لا حاجة لقولك (أنا لست ضد الإتجاه " الإصلاحي " النهضوي في التفسير ..) حتى لا نشخصن النقاش وأرد عليك فأقول: وهل أنا مع هذا الإتجاه؟ أي نناقش الفكرة وهذه هنا هي :
(التفسير بنوه على دعامتين خطيرتين هما : " الوحدة الموضوعية " و" تحكيم العقل", والذي ردوا به كثيرا من التفاسير " السلفية" وحتى "النبوية " و بل وربما أحيانا ظاهر القرآن من أجل أن يتوافق مع العقل والموضوع القرآني . هذا الإتجاه الذي دفعهم أيضا إلى الإيغال في تفاسير غريبة للآيات القرآنية مما تجاوزوا به منطق العقل الذي مجدوه.)

وعلاقته بالتوجه الحداثي.

ولا معنى للإجماع هنا. الظاهر أنها حكاية شعبية عربية أسطورية موجودة في أخبار العرب، فالسلف ينقلون هذه الحكايات ، وربما توهموا أن لها علاقة بالقرآن، بل من السلف من كان يتوهم شيئا في فهم آية قرآنية ثم ينزل القرآن لينسخ (يبطل) هذا الوهم أي ينسخ المعنى المتوهم في الآية، وهذا معروف. فإذا وقع الوهم في فهم القرآن، فوقوعه في فهم أخبار العرب هو من باب أولى ؟ إلا إذا كنت ستحتج بحجة "خبر مرفوع" لأنه كلام "في الغيب"، فسنضرب كل كلام يخالفه عرض الحائط، بدون أدنى شك.

وأنا أقول: إذا أمكن فهم السورة بالسنن الإلهية فما الحاجة إلى الغرائب والعجائب ؟ وحتى البعوضة لا نحتاج إليها . هي طيور أبابيلية بمعنى طيور تحمل فيروسات الجدوى (smallpox).
وفي هذه المقالة (ترجمها بجوجل) تشرح أنواع الفيروسات والطيور التي تنقل هذه الفيروسات : Poxvirus Infection in Birds: Causes, Signs, Treatment, and Prevention .

ماذا يريد التُّسْتَري (ت 283 هـ) بقوله في تفسيره: (فجعلت ترميهم بالحجارة لتجدر جلودهم ، وكان أول يوم رئي فيه الجدري)؟ وكذلك ابن أبي حاتم (ت 327هـ) في تفسيره، والسيوطي (ت 911هـ) في الدر المنثور، وغيرهم ؟

ونحن نبدأ نبحث في الطير ، تطلق على ماذا؟ والحجارة تطلق على ماذا ؟ هذا بعيد، فالبحث عن معنى (طيرا أبابيل) ومعنى (حجارة من سجيل) وليس الطير والحجارة. الظاهر أن "أبابيل" و "سجيل" كلمتين دخيلتين، من المعرب. والعرب كانوا أمة أمية لا تقرأ ولا تكتب ولا تحسب، والأمة التي كانت متقدمة (نسبيا) في مسائل الطب الثقافة الفارسية واليونانية. عليه إبحث عن فهم بالسنن الإلهية ، إذ لن تجد لسنة الله تبديلا ولا تحويلا، بعيدا عن الغرائب والعجائب وخوارق العادات فإنها مستبعدة كليا في هذا السياق، ولا مجال لتخيلها لا بقليل ولا بكثير.

هل إستعمل المراغي العقل المجرد عن الوحي؟ لا. إذن، تفضل بمثال آخر توضح به رأيك. أقول رأيك، ولا أقول قناعتك، حتى لا نتدخل في القناعات وشخصنة الموضوع.

وجزاك الله خيرا أستاذنا المحترم.
 
أخي الأستاذ : شايب المكرم
1- أنا لا اقصد أبدا إلى " شخصنة النقاش" من خلال قولي بأنني لست ضد الإتجاه الإصلاحي النهضوي , إنما قصدت إلى التعبير عن موقفي الشخصي من مباديء المدرسة العقلانية الإصلاحية , وأحسب أن ذلك ليس من نافلة القول , حتى تقول أنت أنه لا حاجة إلى ذلك !! فإن توضيح المواقف يسد الباب أمام القراءات الخاطئة للآراء , التي قد تأتي تارة موافقة , وأخرى مخالفة.
2- أما قولك " ولا معنى للإجماع هنا. الظاهر أنها حكاية شعبية عربية أسطورية موجودة في أخبار العرب، .."
فقولك " ولامعنى للإجماع هنا " تقصد إجماع السلف , بما فيهم الصحابة , على معنى " طيرا أبابيل" , فغير مسلم , لأن نقض الإجماعات لايكون بمجرد " النفي " , بل يكون ذلك بالحجة والدليل على الإنتقاض , أما " جرة القلم" فليست تصلح دليلا لذلك . فما هو دليلكم العلمي على أنه " لامعنى لهذا الإجماع "؟؟ خاصة من قوم أقوالهم في التفسير حجة بنفسها و أو بمجملها عند أغلب علماء التفسير وعلوم القرآن.
- أما قولولك " الظاهر أنها حكاية شعبية غير أسطورية و موجودة في اخبار العرب .." فهذا أيضا غير مسلم , فقصة أصحاب الفيل , لم تكن مجرد قصة تتناقلها أجيال العرب منذ الآف السنين , بل كانت " حادثة " قريبة , مازال شهود عيانها أحياء يوم نزلت هذه السورة المباركة , شهدها من آمن بعد بالقرآن , ومن كفر به , ولقد كان كفار قريش أحرص على الطعن في القرآن من كل طاعن فيه , ولو لم تكن القصة موافقة لما حدث ما سكتوا عنه , وهذه الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم وبعض أصحابه تبين أن الحادثة كانت قريبة ومعروفة بكل تفاصيلها الواقعية عندهم :
- حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رُسْتَةَ، ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي الْمُنْذِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي حَبِيبَةَ مَوْلَى الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَمِعْتُ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ، يَقُولُ: «وُلِدْتُ قَبْلَ قَدُومِ أَصْحَابِ الْفِيلِ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَأَنَا أَعْقِلُ حِينَ أَرَادَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ أَنْ يَذْبَحَ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ، وَذَلِكَ قَبْلَ مولدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ سِنِينَ»
- حدثنا يحيى بن موسى، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا الأوزاعي، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، قال: حدثني أبو هريرة رضي الله عنه، قال: لما فتح الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مكة قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «إن الله حبس عن مكة "
- أخرجه البخاري (112 و2434و6880) ، ومسلم (4/110) ، والدارمي (2/265) ، وأحمد (2/238) ، وعنه أبو داود (2017) ، والدارقطني (3/96/58) ، والبيهقي في "السنن " (8/52) و"الدلائل " (5/84) كلهم من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة:
- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما خلأت القصواء، وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل» صحيح البخاري 2731
- وجاء في الأثر : فضل الله قريشا بسبع خصال : فضلهم بأنهم عبدوا الله عشر سنين لا يعبد الله إلا قريش و فضلهم بأنهم نصرهم يوم الفيل و هم مشركون و فضلهم بأنه نزلت فيهم سورة من القرآن لم يدخل فيها أحد من العالمين و هي { لإيلاف قريش } و فضلهم بأن فيهم النبوة و الخلافة و الحجابة و السقاية .
* قال الشيخ الألباني : ( حسن ) انظر حديث رقم : 4208 في صحيح الجامع
- فليس من الخرافات والأساطير العربية , أن ينقل " سعيد بن جبير " شيئا من تفاصيل تلك القصة , فيقول عن " الطير الأبابيل" :
"حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي إِسْمَاعِيلَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، قَالَ : أَقْبَلَ أَبُو يَكْسُومَ صَاحِبُ الْحَبَشَةِ وَمَعَهُ الْفِيلُ ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى الْحَرَمِ ، بَرَكَ الْفِيلُ ، فَأَبَى أَنْ يَدْخُلَ الْحَرَمَ ، قَالَ : فَإِذَا وُجِّهَ رَاجِعًا أَسْرَعَ رَاجِعًا ، وَإِذَا أُرِيدَ عَلَى الْحَرَمِ أَبَى ، فَأُرْسِلَ عَلَيْهِمْ طَيْرٌ صِغَارٌ بِيضٌ ، فِي أَفْوَاهِهَا حِجَارَةٌ أَمْثَالُ الْحِمَّصِ ، لاَ تَقَعُ عَلَى أَحَدٍ إِلاَّ هَلَكَ." مسند ابن أبي شيبة 14/283 الحديث رقم 37689
3- أما قولك " فالسلف ينقلون هذه الحكايات ، وربما توهموا أن لها علاقة بالقرآن، بل من السلف من كان يتوهم شيئا في فهم آية قرآنية ثم ينزل القرآن لينسخ (يبطل) هذا الوهم أي ينسخ المعنى المتوهم في الآية، وهذا معروف. فإذا وقع الوهم في فهم القرآن، فوقوعه في فهم أخبار العرب هو من باب أولى ؟ إلا إذا كنت ستحتج بحجة "خبر مرفوع" لأنه كلام "في الغيب"، فسنضرب كل كلام يخالفه عرض الحائط، بدون أدنى شك. "
- فقد جئت به مجرد دعوى عارية عن الدليل , وإذا قد وقع ذلك من بعضهم , أو نسب إليهم من طرف غيرهم , فلا ينبغي أن يتحول ذلك إلى حكم عام , بهذا " العموم" الذي يصفه به قولكم , أم أن هذا من تأثير مبدأ " تهوين التفسير بالمأثور" , والذي هو دعامة أخرى من دعامات المدرسة الإصلاحية النهضوية !!!!
- أما أن نقول أنه في حكم المرفوع , فهذا نقول به – نعم – كما قرره علماؤنا من أهل علوم القرآن , والحديث , والأصول , ولكن ذلك يكون فيما لايقال مثله بالرأي , أما في مسألتنا , فنحن نتكلم عن " حادثة " من عالم الشهادة , والحس, والمعايشة.
4- أما قولك " ماذا يريد التُّسْتَري (ت 283 هـ) بقوله في تفسيره: (فجعلت ترميهم بالحجارة لتجدر جلودهم ، وكان أول يوم رئي فيه الجدري)؟
الدر المنثور، وغيرهم ؟
- فالظاهر أن هذا خارج محل النزاع , لأننا نتكلم عن السبب , وليس على الأثر.
5- قولك " لظاهر أن "أبابيل" و "سجيل" كلمتين دخيلتين، من المعرب. والعرب كانوا أمة أمية لا تقرأ ولا تكتب ولا تحسب، والأمة التي كانت متقدمة (نسبيا) في مسائل الطب الثقافة الفارسية واليونانية. عليه إبحث عن فهم بالسنن الإلهية ، إذ لن تجد لسنة الله تبديلا ولا تحويلا، بعيدا عن الغرائب والعجائب وخوارق العادات فإنها مستبعدة كليا في هذا السياق، ولا مجال لتخيلها لا بقليل ولا بكثير.
- فهذا قد رد عليه الإمام الطبري – رحمه الله -بنفسه في مقدمة تفسيره, وبين بما لامزيد عليه و ضعف حجة من يقول بوجود " الكلام الأعجمي " في القرآن الكريم .
6- قولك "هل إستعمل المراغي العقل المجرد عن الوحي؟ لا"
- أنت تقول " لا" , وأنا أقول – نعم –لازت مقتنعا بأنه " حكم العقل " في توجيه الآية الكريمة ..
- وبارك الله فيك على روحك العلمية , ونقاشك الهاديء , وزادك علما.
 
أخي الأستاذ مسعود، ما معنى كلامك هذا: (لم تكن مجرد قصة تتناقلها أجيال العرب منذ الآف السنين , بل كانت " حادثة " قريبة , مازال شهود عيانها أحياء يوم نزلت هذه السورة المباركة , شهدها من آمن بعد بالقرآن , ومن كفر به , ولقد كان كفار قريش أحرص على الطعن في القرآن من كل طاعن فيه , ولو لم تكن القصة موافقة لما حدث ما سكتوا عنه) ؟؟

لحظة ، نحن نتكلم في مسألة دقيقة ، في قصة الفيل وليس في سورة الفيل.
لا، بل نتكلم في جزء من قصة الفيل.
لا، بل نتكلم في جزئية تتعلق بالطير في القصة.
لا، بل نتكلم في علاقة هذه الجزئية الدقيقة بالدعامتين الخطيرتين (الوحدة الموضوعية وتحكيم العقل).
لا، بل نحن نتكلم في علاقة "الإتجاه العقلاني الإجتماعي" بالخط الحداثي.
لا، بل نتكلم في علاقة "الإتجاه العقلاني الإجتماعي" بالخط الحداثي - الطير الأبابيل نموذجا.
لا، لا، بل نتكلم في علاقة "الإتجاه العقلاني الإجتماعي" بالخط الحداثي - تفسير المراغي للطير الأبابيل نموذجا.

إذن، قبل قص ولصق الأسماء مع الأرقام على الشكل التالي:
- أخرجه البخاري (112 و2434و6880) ، ومسلم (4/110) ، والدارمي (2/265) ، وأحمد (2/238) ، وعنه أبو داود (2017) ، والدارقطني (3/96/58) ، والبيهقي في "السنن " (8/52) و"الدلائل " (5/84) كلهم من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة:
ولا أدري ماذا تعني هذه الأرقام، يجب الإلتزام بنقطة النقاش. فإذا أردت الدفاع عن رأيك بهكذا أسلوب، وهذا حقك هو على الرأس والعين، فليكن بطريقة صحيحة، وتقول مثلا:
إن المراغي إعتمد الوحدة الموضوعية وتحكيم العقل في تأويل (الطير الأبابيل) فخالف السلف، والدليل : ... أخرجه البخاري (112 و2434و6880) ثم تحديد الترقيم هل العالمية أم ديب البغا أم ترقيم فتح الباري أم ماذا بالضبط؟ ماذا تعني هذه الأرقام، وفي أي إصدار وفي أي طبعة ومن نشرها؟

وأنا أقول إن المراغي خالف ( أخبار العرب ) في جزئية هي من نسيج خيالات أسطورية عربية قبل وبعد الإسلام. وأن الإجماع لا معنى له هنا. فخذ جزئية دقيقة جدا من "الجماعات الكثيرة من الطيور وكل طير يحمل حجراً قد أمسكه برجله ثم يرسله على الواحد منهم حتى يضربه مع هامته حتى يخرج إلى دبره" وهي: من أين دخلت الحجارة ومن أين خرجت، وبماذا كانت تمسكها، وكيف كانت تقذفها ؟ إذا جمعت كل ما قيل في هذه الجزئية الدقيقة "جماعات من الطير تشن هجمات بالحجارة" فسوف تحصل على قصة كاملة وصالحة لفيلم خيالي، وإذا أضفت كل ما قيل في وصف الطير فستنتج فيلمين، وأما إذا جمعت كل ما قيل في القصة فأنت حصلت على مادة صالحة لمسلسل درامي خيالي بنكهة مغامرتية . ثانيا، حتى لو وجدت إجماعا على وصف حادثة مهاجمة الطير لأصحاب الفيل بالحجارة، فإنه إجماع لا معنى له.

وما تبقى من كلامك كله خارج الموضوع، ولا يوجد تعارض بين أعجمية الكلمتين (أبابيل وسجيل) وما قاله الإمام الطبري كما حقق ذلك الإمام ابن القيم، ثم "إن الله حبس عن مكة" تكلمت عنها في المشاركة (21#) في هذا الموضوع، وقد أوردتها في سياق أهمية التيار الإصلاحي في مناقشة الإستشكالات، وهذا هو المهم لا النتائج التي توصلوا إليها.

هذا وأرجو إلتزام نقطة النقاش بما يحقق الوحدة الموضوعية للنقاش :
(الخط الحداثي) <> (الإتجاه العقلاني الإجتماعي) <> (الوحدة الموضوعية وتحكيم العقل) <> (تأويل الطير الأبابيل) <> (مخالفة: التفسير بالمأثور، التفسير بالسنة، التفسير النبوي، ظاهر القرآن).

أو إبحث عن مثال آخر تبين به دعوى مخالفة الإتجاه العقلاني الإجتماعي للتفسير العلمي باعتماده الوحدة الموضوعية وتحكيم العقل، ثم علاقة هذه المخالفة بالتيار الحداثي. أما قصة الفيل فلن تصل بها إلى شيء لأن توظيف الأسطورة في التأويل من دعائم التفكير الحداثي في القول بالتاريخانية، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى : ( خوارق العادات ) ترافق المسيرة النبوية .

وبارك الله فيك.
 
منذ عصر الصحابة ظل تفسير القرآن محميا بسياج من " الأصول" , أمام تطفل القاصرين, وتسلق العابثين , وقد عمل علماء التفسير على المضي على تلك القواعد إلى أيامنا هذه . ولكن مايعرفون ب"العقلانيين " أو "الحداثيين" , يسعون جادين إلى تجاوز هذه الأصول في التفسير , والتعامل مع النص القرآني على أنه مجرد "كلام" مثل أي نص بشري , ولذلك تراهم لايتورعون في فهم آياته حسب ماتملي عليهم ثقافاتهم, وأهوائهم , وبيئاتهم . 1- قال تعالى عن القرآن :{هذا بيان للناس}, قال ابن كثير في تفسيره 126/2: " يعني: القرآن فيه بيان للأمور على جليتها،..".وفي هذا تأصيل لمسلك تفسير القرآن بالقرآن , إذ هو بيان بمجمله , يبين بعضه بعضا .قال ابراهيم الأبياري في "الموسوعة القرآنية "78/8: " ..وسمى الكلام بيانا لكشفه عن المعنى المقصود إظهاره نحو هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وسمى ما يشرح به المجمل والمبهم من الكلام بيانا نحو قوله تعالى: ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ ويقال بينته وأبنته إذا جعلت له بيانا تكشفه نحو لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وقال: نَذِيرٌ مُبِينٌ- إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ-.."
2- قال تعالى عن علاقة رسوله بالقرآن الكريم " {وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل:44],قال عبد القاهر الجرجاني في "درج الدرر في تفسير الآيات والسور" 17/1: " ثم إن الله حَمَّلَ هذه الأمانة العظيمة نبيه محمد عليه الصلاة والسلام وأمره ببيان هذا المنزل، قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} .
وتعهَّد الله لنبيِّه أن يكون عونًا له في هذا البيان في كلِّ ما يحتاجه المسلم لفهم هذا القرآن العظيم ليظهر الله فيه هذا البيان {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)}.
فقرأ النبي عليه الصلاة والسلام هذا المُنَزَّلَ على أصحابه وأقبلوا عليه بقلوبهم الصادقة ذليلين منكسرين خاشعين دراسةً وفهمًا وتدبُّرًا وحفظًا، فبذل عليه الصلاة والسلام كلَّ وسعه وجهده في بيانه، فكان إمام المفسِّرين وقدوتهم، وتفسيره لهذا المنزل هو في حدِّ ذاته منزل لأنه وحيٌ من عند الله فلا يفسر عليه الصلاة والسلام من اجتهاده الخاص أو مما تمليه عليه نفسه، بل كان تفسيره معصومًا لا يقبل الخطأ بوجه من الوجوه، ويشهد لذلك قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} وقوله عليه الصلاة والسلام: "ألا إني أوتيتُ القرآنَ ومثله معه" .
ولذا كان تفسير القرآن بالسنة النبوية هي المرتبة الثانية من مراحل التفسير بعد تفسير القرآن بالقرآن، فروَّض نفسه عليه الصلاة والسلام وشمَّرَ عن سواعد أفكاره وتصدَّى لبيان المنزل من كتاب الله - عَزَ وَجَلَّ - فلم يترك صغيرة ولا كبيرة، ولا شاردة ولا واردة تحتاج إلى إيضاح وتفسير وبيان إلا بيَّنها، فتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، حتى تتلمذ على يديه عليه الصلاة والسلام نخبة من أصحابه هم أعلام المفسّرين ."
3- وقال صلى الله عليه وسلم عن أجيال السلف " - حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد الله رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ..الحديث"صحيح البخاري باب فضائل الصحابة 3/5 حديث رقم 3651..وفي الحديث تزكية نبوية للسلف بالخيرية المطلقة , وعلى رأسها خيرية الفهم , والبيان, وخيرية العلم , والدراية بمراد الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم..بل أنه صلى الله عليه وآله وسلم قد زكى بعض أصحابه في التفسير بالتعيين , فقد دعا لابن عباس فقال " اللهم فقهه في الدين , وعلمه التأويل " صحيح ابن حبنان 531/15 حديث رقم7055 قال محققه شعيب الأرناؤوط :"اسناده صحيح على شرط مسلم..
4- وقال الله عن مدى اعتبار " معهود العرب في الكلام " , ولغتهم في فهم القرآن " بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) , قال محمد صديق خان في "فتح البيان في مقاصد القرآن "418/9 :...وقال أبو البقاء: بلسان عربي، أي برسالة أو لغة. وقال أبو السعود باللغة العربية، وإنما جعل الله سبحانه القرآن عربياً بلسان الرسول العربي، لئلا يقول مشركو العرب: لو نزل بالأعجمي لسنا نفهم ما تقوله بغير لساننا فقطع بذلك حجتهم، وأزاح علتهم ودفع معذرتهم. قال ابن عباس: أي بلسان قريش، ولو كان غير عربي ما فهموه، وعن بريدة قال بلسان جُرْهُم".
وقد قرر هذه القواعد كثير من أهل العلم إبتداء بشيخ الإسلام في مقدمته في قواعد التفسير , ومرورا بابن كثير الذي طبق تلك القواعد في تفسيره ..
هذه هو المنهج , بقواعده, وضوابطه , ومسالكه , واصوله في تفسير كلام الله تعالى , والكشف عن مراده في القرآن . وليت شعري كيف يسعى أقوام إلى طرح كل هذه القواعد , والتعويل على آرائهم الشخصية في بيان مراد الله تعالى من آياته ؟؟ فلربما فاجأك أحدهم بقوله : أنا لاأريد التفاسير التقليدية - يقصد المنقولة عن السلف - بل أعطني رأيك الشخصي في الآية !!!!
هؤلاء يسعون - مهما كانت مقاصدهم - إلى تمييع " قدسية" النص القرآني, والا فكيف ينزلون به إلى درجة أدنى من "تحليل الخطاب" الذي صار اليوم فنا أدبيا له ضوابطه لايكتب فيه قلم إلا بمراعاة تلك الضوابط !!!
هذا الصوت أضمه إلى كل من له غيرة صادقة على القرآن , بمواجهة هذا التيار الخطير , الذي يتخفى وراء " العقلانية" و"الحداثة "..
السلام عليكم الاخ مسعود
اشكرك على موضوعك المفيد و جزاك خيرا
اريد ان اسالك عن شيء و هو ما الفرق بين تدبر ايات الله و التفسير بالرأي ؟ و ما هي شروطه ؟

و شكرا
 
1- التدبر في الآيات : عرفه عبد القاهر الجرجاني , في " درج الدرر" 510/1, فقال " و (التّدبّر): هو التّأمّل في عواقب الأمور وأدبارها وتصرف الرّأي في مفهومها ومعقولها ".
وعرفه الإمام الزمخشري في الكشاف, طبعة دار الكتاب العربي بيروت 1407 , 540/1 فقال :" تدبُّر الأمر: تأمُّله والنظر في إدباره وما يؤل إليه في عاقبته ومنتهاه، ثم استعمل في كل تأمل فمعنى تدبر القرآن: تأمل معانيه وتبصر ما فيه ..".
- فمادة التدبر تدور على معنى إعمال النظر , والتأمل في معاني آيات القرآن الكريم , وإدراك ماتتضمنه الآيات من الدلالات والأسرار, وهذا هو الخطوة الأولى نحو الوصول إلى " الإجتهاد في التفسير " , والذي نسميه عادة التفسير بالرأى , والمقصود بالرأي في إصطلاح علماء علوم القرآن هو " الإجتهاد " كما قرره "حسين الذهبي في التفسير والمفسرون 183/1.
2- التفسير بالرأي :
عرفه الشيخ حسين الذهبي في " التفسير والمفسرون " 183/1 فقال " وعليه فالتفسير بالرأى، عبارة عن تفسير القرآن بالاجتهاد بعد معرفة المفسِّر لكلام العرب ومناحيهم فى القول، ومعرفته للألفاظ العربية ووجوه دلالاتها، واستعانته فى ذلك بالشعر الجاهلى ووقوفه على أسباب النزول، ومعرفته بالناسخ والمنسوخ من آيات القرآن، وغير ذلك من الأدوات التى يحتاج إليها المفسِّر،..".
- ويطلق على التفسير بالرأي بهذا المفهوم " التفسير بالرأي المحمود " , وهو الذي تتوفر فيه شروط التأهيل للتفسير [ سأذكرها قريبا], ويقابله " التفسير بالرأي المذموم ", وهو الذي لايصدر إلا عن الهوى والتشهي , وهو من باب الدخيل في التفسير , ومنه تفاسير المبتدعة , مثل الباطنية , وغلاة الصوفية.
شروطه :
وإذ قد علمنا أن التفسير بالرأى قسمان: قسم مذموم غير جائز، وقسم ممدوح جائز، وتبين لنا أن القسم الجائز محدود بحدود، ومقيَّد بقيود، فلا بد لنا من أن نعرض هنا لما ذكروه من العلوم التى يحتاج إليها المفسِّر، وما ذكروه من الأدوات التى إذا توافرت لديه وتكاملت فيه، خرج عن كونه مفسِّراً للقرآن بمجرد الرأى، ومحض الهوى.
ولقد تناول الدكتور مساعد الطيار شروط " التفسير بالرأي المحمود " فقال :
شروط الرأي المحمود في التفسير:
متى يكون الرأي محموداً؟
سبق في بيان حدِّ الرأي المحمود أنه ما كان قولاً مستنداً إلى علمٍ؛ فإن كان كذلك فهو رأيٌ جائز، وما خرج عن ذلك فهو مذموم.
ولكن.. هل لهذا العلم حدّ يُعْرَفُ به، بحيث يمكن تمييزه والتعويل عليه في الحكم على أيِّ رأيٍ في التفسير؟
لقد اجتهد بعض المتأخرين في بيان جملة العلوم التي يحتاجها من يفسر برأيه حتى يخرج عن كونه رأياً مذموماً.
فالراغب الأصفهاني (ت: القرن الخامس) جعلها عشرة علوم، وهي: علم اللغة، والاشتقاق، والنحو، والقراءات، والسّيَر، والحديث، وأصول الفقه، وعلم الأحكام، وعلم الكلام، وعلم الموهبة [SUP](39)[/SUP].
وجعلها شمس الدين الأصفهاني (ت: 749هـ) خمسة عشر علماً، وهي: علم اللغة، والاشتقاق، والتصريف، والنحو، والمعاني، والبيان، والبديع، والقراءات، وأسباب النزول، والآثار والأخبار، والسنن، وأصول الفقه، والفقه والأخلاق، والنظر والكلام، والموهبة [SUP](40)[/SUP].
وقد ذكر الأصفهانيان أن من تكاملت فيه هذه العلوم خرج عن كونه مفسراً للقرآن برأيه (أي: المذموم).
وقد نبّه الراغب على أن (من نقص عن بعض ما ليس بواجبٍ معرفته في تفسير القرآن، وأحسّ من نفسه في ذلك بنقصه، واستعان بأربابه، واقتبس منهم، واستضاء بأقوالهم، لم يكن - إن شاء الله - من المفسرين برأيهم) [SUP](41)[/SUP]. (أي: المذموم).
وفيما يظهر - والله أعلم - أن في ذكر هذه العلوم تكثّراً لا دليل عليه، مع ما على بعضها من ملاحظة؛ كعلم الكلام.
إن تكامل هذه العلوم أشبه بأن يكون شرطاً في المجتهد المطلق لا في المفسر؛ إذ متى يبلغ مفسر تكامل هذه العلوم فيه؟
مساعد الطيار من موقعه" لتفسير بالرأي مفهومه.. حكمه.. أنواعه
التاريخ: 17/ 5/ 1433هـ الموافق 09/04/2012
- ولك أن تقف على مجموعة " العلوم " التي أوردها الشيخ " حسين الذهبي " في كتابه " التفسير والمفسرون ", والتي يرى - مثلما يرى من نقل عنهم - أنه ينبغي توفرها في المفسر حتى يكون تفسيره بالرأي من باب " التفسير بالرأي الجائز المحمود "..
- ومما تقدم يتبين أن علاقة " التدبر في القرآن " وطيدة الصلة ب " التفسير الإجتهادي " , وذلك إذا كان مقصد التدبر الوصول إلى ما في القرآن من الحق , وكان الإجتهاد الذي ينجم عنه منضبطا بالشروط التي قررها أهل الفن.
- ولهذا المعنى " أن التدبر هو وسيلة الإجتهاد في التفسير , جاء في رسالة " الدخيل في التفسير , جامعة المدينة المنورة العالمية 398/1:
"..وأيضًا لو لم نفسر القرآن بالاجتهاد؛ لفات معني التدبر والتأمل في القرآن، الذي حثنا الله عليه في غير آية، ولفات الكثير مما اشتمل عليه الكتاب الكريم من الأحكام والآداب، وليس من شك في أن الصحيح الثابت المروي في تفسير القرآن عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قليل بالنسبة إلى ما لم يروَ عنه فيه شيء، وكذلك ما روي عن الصحابة والتابعين لم يستوعب كل آيات القرآن الكريم هذا ما فيه من بعض الضعيف الموضوع والإسرائيليات".
أرجو أن أكون قد أفدتك - أخي الفاضل - حول ما سألت , وإن كان الموضوع يتطلب إستفاضة أكبر , وبسطا أكثر.
 
1- التدبر في الآيات : عرفه عبد القاهر الجرجاني , في " درج الدرر" 510/1, فقال " و (التّدبّر): هو التّأمّل في عواقب الأمور وأدبارها وتصرف الرّأي في مفهومها ومعقولها ".
وعرفه الإمام الزمخشري في الكشاف, طبعة دار الكتاب العربي بيروت 1407 , 540/1 فقال :" تدبُّر الأمر: تأمُّله والنظر في إدباره وما يؤل إليه في عاقبته ومنتهاه، ثم استعمل في كل تأمل فمعنى تدبر القرآن: تأمل معانيه وتبصر ما فيه ..".
- فمادة التدبر تدور على معنى إعمال النظر , والتأمل في معاني آيات القرآن الكريم , وإدراك ماتتضمنه الآيات من الدلالات والأسرار, وهذا هو الخطوة الأولى نحو الوصول إلى " الإجتهاد في التفسير " , والذي نسميه عادة التفسير بالرأى , والمقصود بالرأي في إصطلاح علماء علوم القرآن هو " الإجتهاد " كما قرره "حسين الذهبي في التفسير والمفسرون 183/1.
2- التفسير بالرأي :
عرفه الشيخ حسين الذهبي في " التفسير والمفسرون " 183/1 فقال " وعليه فالتفسير بالرأى، عبارة عن تفسير القرآن بالاجتهاد بعد معرفة المفسِّر لكلام العرب ومناحيهم فى القول، ومعرفته للألفاظ العربية ووجوه دلالاتها، واستعانته فى ذلك بالشعر الجاهلى ووقوفه على أسباب النزول، ومعرفته بالناسخ والمنسوخ من آيات القرآن، وغير ذلك من الأدوات التى يحتاج إليها المفسِّر،..".
- ويطلق على التفسير بالرأي بهذا المفهوم " التفسير بالرأي المحمود " , وهو الذي تتوفر فيه شروط التأهيل للتفسير [ سأذكرها قريبا], ويقابله " التفسير بالرأي المذموم ", وهو الذي لايصدر إلا عن الهوى والتشهي , وهو من باب الدخيل في التفسير , ومنه تفاسير المبتدعة , مثل الباطنية , وغلاة الصوفية.
شروطه :
وإذ قد علمنا أن التفسير بالرأى قسمان: قسم مذموم غير جائز، وقسم ممدوح جائز، وتبين لنا أن القسم الجائز محدود بحدود، ومقيَّد بقيود، فلا بد لنا من أن نعرض هنا لما ذكروه من العلوم التى يحتاج إليها المفسِّر، وما ذكروه من الأدوات التى إذا توافرت لديه وتكاملت فيه، خرج عن كونه مفسِّراً للقرآن بمجرد الرأى، ومحض الهوى.
ولقد تناول الدكتور مساعد الطيار شروط " التفسير بالرأي المحمود " فقال :
شروط الرأي المحمود في التفسير:
متى يكون الرأي محموداً؟
سبق في بيان حدِّ الرأي المحمود أنه ما كان قولاً مستنداً إلى علمٍ؛ فإن كان كذلك فهو رأيٌ جائز، وما خرج عن ذلك فهو مذموم.
ولكن.. هل لهذا العلم حدّ يُعْرَفُ به، بحيث يمكن تمييزه والتعويل عليه في الحكم على أيِّ رأيٍ في التفسير؟
لقد اجتهد بعض المتأخرين في بيان جملة العلوم التي يحتاجها من يفسر برأيه حتى يخرج عن كونه رأياً مذموماً.
فالراغب الأصفهاني (ت: القرن الخامس) جعلها عشرة علوم، وهي: علم اللغة، والاشتقاق، والنحو، والقراءات، والسّيَر، والحديث، وأصول الفقه، وعلم الأحكام، وعلم الكلام، وعلم الموهبة [SUP](39)[/SUP].
وجعلها شمس الدين الأصفهاني (ت: 749هـ) خمسة عشر علماً، وهي: علم اللغة، والاشتقاق، والتصريف، والنحو، والمعاني، والبيان، والبديع، والقراءات، وأسباب النزول، والآثار والأخبار، والسنن، وأصول الفقه، والفقه والأخلاق، والنظر والكلام، والموهبة [SUP](40)[/SUP].
وقد ذكر الأصفهانيان أن من تكاملت فيه هذه العلوم خرج عن كونه مفسراً للقرآن برأيه (أي: المذموم).
وقد نبّه الراغب على أن (من نقص عن بعض ما ليس بواجبٍ معرفته في تفسير القرآن، وأحسّ من نفسه في ذلك بنقصه، واستعان بأربابه، واقتبس منهم، واستضاء بأقوالهم، لم يكن - إن شاء الله - من المفسرين برأيهم) [SUP](41)[/SUP]. (أي: المذموم).
وفيما يظهر - والله أعلم - أن في ذكر هذه العلوم تكثّراً لا دليل عليه، مع ما على بعضها من ملاحظة؛ كعلم الكلام.
إن تكامل هذه العلوم أشبه بأن يكون شرطاً في المجتهد المطلق لا في المفسر؛ إذ متى يبلغ مفسر تكامل هذه العلوم فيه؟
مساعد الطيار من موقعه" لتفسير بالرأي مفهومه.. حكمه.. أنواعه
التاريخ: 17/ 5/ 1433هـ الموافق 09/04/2012
- ولك أن تقف على مجموعة " العلوم " التي أوردها الشيخ " حسين الذهبي " في كتابه " التفسير والمفسرون ", والتي يرى - مثلما يرى من نقل عنهم - أنه ينبغي توفرها في المفسر حتى يكون تفسيره بالرأي من باب " التفسير بالرأي الجائز المحمود "..
- ومما تقدم يتبين أن علاقة " التدبر في القرآن " وطيدة الصلة ب " التفسير الإجتهادي " , وذلك إذا كان مقصد التدبر الوصول إلى ما في القرآن من الحق , وكان الإجتهاد الذي ينجم عنه منضبطا بالشروط التي قررها أهل الفن.
- ولهذا المعنى " أن التدبر هو وسيلة الإجتهاد في التفسير , جاء في رسالة " الدخيل في التفسير , جامعة المدينة المنورة العالمية 398/1:
"..وأيضًا لو لم نفسر القرآن بالاجتهاد؛ لفات معني التدبر والتأمل في القرآن، الذي حثنا الله عليه في غير آية، ولفات الكثير مما اشتمل عليه الكتاب الكريم من الأحكام والآداب، وليس من شك في أن الصحيح الثابت المروي في تفسير القرآن عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قليل بالنسبة إلى ما لم يروَ عنه فيه شيء، وكذلك ما روي عن الصحابة والتابعين لم يستوعب كل آيات القرآن الكريم هذا ما فيه من بعض الضعيف الموضوع والإسرائيليات".
أرجو أن أكون قد أفدتك - أخي الفاضل - حول ما سألت , وإن كان الموضوع يتطلب إستفاضة أكبر , وبسطا أكثر.

جزاك الله خيرا الاخ مسعود على المعلومات المفيدة ....

لقد قلت #وأيضًا لو لم نفسر القرآن بالاجتهاد؛ لفات معني التدبر والتأمل في القرآن، الذي حثنا الله عليه في غير آية، ولفات الكثير مما اشتمل عليه الكتاب الكريم من الأحكام والآداب#


و هناك حديث يقول: حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعي ، قال : حدثنا شريك ، عن عبد الأعلى ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار .

فكيف يتم الجمع بين الامرين ؟

بارك الله فيك
 
بارك الله فيك أخي الأستاذ المكرم " بهجة الرفاعي ". أولا : المعالجة الحديثية : 234 -[37] (ضَعِيف): مشكاة المصابيح للتبريزي , تحقيق : الألباني 79/1.
1- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار» رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ.
2-عن جندب بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ ".
[ضعيف ]- المشكاة 235، نقد التاج (ضعيف سنن أبي داود 2 / 789 / 3652)) .

هذا حديث غريب.
- هذه اهم ألفاظ الحديث , وقد علمت مافيها .
ثانيا : توجيه النهي الوارد في الحديث على فرض صحته: - اما من يصحح بعض الفاظه مثل تصحيح الترمذي للفظ " من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار " فقد قال فيه " حسن صحيح " كما في [ ضعيف سنن الترمذي], 359/1, فقد جمع العلماء بينه , وبين آثار جواز التفسير بالإجتهاد من وجوه منها :
1- قال الأمير الأميرالصنعاني , في [ التنويرشرح الجامع الصغير], 334/10 :
عن ابن عباس".
(من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار) قال ابن الأثير : النهي يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون له في الشيء رأي وإليه يميل طبعه وهواه فتناول القرآن على وفقه محتجًّا به لفرضه ولو لم يكن له هوى لم يلح منه ذلك المعنى أي لم يظهر له وهذا يكون تارة مع العلم كمن يحتج بآية منه على تصحيح بدعته عالمًا أنه غير مراد من الآية. وتارة يكون مع الجهل: بأن تكون الآية تحتمله فيميل فهمه إلى ما توافق غرضه ويرجحه برأيه إذ لولاه لم يترجح عنده ذلك الاحتمال وتارة يكون له غرض صحيح يتطلب له دليلًا من القرآن فيستدل بما يعلم أنه لم يرد به كمن يدعو إلى مجاهدة القلب القاسي بقوله: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [النازعات: 17] ويشير إلى قلبه ويوميء إلى أنه المراد بفرعون وهذا
يستعمله بعض الوعاظ في المقاصد الصحيحة تحسينا للكلام وترغيبًا للسامع وهو ممنوع.
الثاني: أن يتسارع إلى تفسيره بظاهر العربية بغير استظهار بالسماع والنقل الذي يتعلق بغرائب القرآن وما فيه من الألفاظ المبهمة والمبدلة والاختصار والحذف والإضمار والتقديم والتأخير فمن لم يحكم ظاهر التفسير وبادر إلى استنباط المعاني بمجرد فهم العربية كثر غلطه ودخل في زمرة من فسر القرآن بغير علم إلى هنا كلامه. عن ابن عباسو سكت عليه المصنف، وفي الكبير قال الترمذي: صحيح وقد أخرجه أبو داوود وغيره، قال الشارح: وفيه من جميع جهاته عبد الأعلى بن عامر الكوفي قال أحمد وغيره ضعيف وردوا تصحيح الترمذي له."
2 - أما الشيخ " حسين الذهبي " في [ التفسير والمفسرون] , 185/1 فقد حمل النهي الوارد في هذا الحديث وأشباهه , عدة محامل فقال :
" منها: أن النهى محمول على مَنْ قال برأيه فى نحو مشكل القرآن، ومشتابهه، من كل ما لم يُعلم إلا عن طريق النقل عن النبى صلى الله عليه وسلم والصحابة عليهم رضوان الله.
ومنها: أنه أراد - بالرأى - الرأى الذى يغلب على صاحبه من غير دليل يقوم عليه، أما الذى يشده البرهان، ويشهد له الدليل، فالقول به جائز، فالنهى على هذا متناول لمن كان يعرف الحق ولكنه له فى الشئ رأى وميل إليه من طبعه وهواه، فيتأوَّل القرآن على وفق هواه، ليحتج به على تصحيح رأيه الذى يميل إليه، ولو لم يكن له ذلك الرأى والهوى لما لاح له هذا المعنى الذى حمل القرآن عليه. ومتناول لمن كان جاهلاً بالحق ولكنه يحمل الآية التى تحتمل أكثر من وجه على ما يوافق رأيه وهواه، ويُرَجِّح هذا الرأى بما يتناسب مع ميوله، ولولا هذا لما تَرَجَّحَ عنده ذلك الوجه. ومتناول أيضاً لمن كان له غرض صحيح ولكنه يستدل لغرضه هذا بدليل قرآنى يعلم أنه ليس مقصوداً به ما أراد، مثل الداعى إلى مجاهدة النفس الذى يستدل على ذلك بقوله تعالى: {اذهب إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى} ، [طه: 24] ويريد من فرعون النفس.. ولا شك أن مثل هذا قائل فى القرآن برأيه.
ومنها: أن النهى محمول على مَنْ يقول فى القرآن بظاهر العربية، ومن غير أن يرجع إلى أخبار الصحابة الذى شاهدوا تنزيله، وأدُّوا إلينا من السنُن ما يكون بياناً لكتاب الله تعالى، وبدون أن يرجع إلى السماع والنقل فيما يتعلق بغريب القرآن، وما فيه من المبهمات. والحذف، والاختصار، والإضمار، والتقديم، والتأخير، ومراعاة مقتضى الحال، ومعرفة الناسخ والمنسوخ، وما إلى ذلك من كل ما يجب معرفته لمن يتكلم فى التفسير، فإنَّ النظر إلى ظاهر العربية وحده لا يكفى، بل لا بد من ذلك أولاً، ثم بعد ذلك يكون التوسع فى الفهم والاستنباط.
فمثلاً قوله تعالى: {وَآتَيْنَا ثَمُودَ الناقة مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا} [الإسراء: 59] معناه: وآتينا ثمود الناقة معجزة واضحة، وآية بيِّنة على صدق رسالته، فظلموا بعقرها أنفسهم، ولكن الواقف عن ظاهر العربية وحدها بدون أن يستظهر بشئ مما تقدَّم، يظن أن "مبصرة" من الإبصار بالعين، وهو حال من الناقة، وصف لها فى معنى، ولا يدرى بعد ذلك بِمَ ظلموا، ولا مَنْ ظلموا.
كل من هذه الأجوبة الثلاثة. يمكن أن يُجاب به على مَنْ يستند فى قوله بحُرْمة التفسير بالرأى على هذين الحديثين المتقدمين، وهى أجوبة سليمة دامغة، كافية لإسقاط حُجَّتهما والاعتماد عليهما.".
- ارجو أن يكون الأمر قد إتضح . والله أعلم.
جزاك الله خيرا , وزادك علما, وفتحا, وفهما.
 
عودة
أعلى