النسخ في القرآن - رأي آخر

الخطيب

New member
إنضم
24/04/2003
المشاركات
113
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
يعتبر موضوع النسخ من أخطر الموضوعات المطروحة في فكرنا الإسلامي ، بل إننا نكاد نجزم بأنه أخطرها على الإطلاق حيث رفضته بعض الطوائف ولم تستوعبه بعضها ، وهو اتجاه في يتجدد الان أو قل يتمدد.

أقسام النسخ في القرآن:
يتحدث العلماء عن النسخ في القرآن ويقسمونه أقساما ثلاثة
1. نسخ الحكم دون التلاوة وهو الأصل الذي لا خلاف حوله إلا من قبل من لا يقرون النسخ أصلا ويمزجون بينه وبين البَداء وعلى النقيض رأينا كثيرين يسرفون في القول به ويعمدون إلى كل ما توهموه متعارضا من كل وجه فيسقطون عليه الحكم بالنسخ حتى ألفينا كتبا طوالا عراضا حملت اسم " الناسخ والمنسوخ " فوهموا في ذلك وأوهموا ولو أمعنوا النظر في أكثر ما أوردوه لما جعلوه في باب النسخ وكم كان السيوطي حصيفا في قوله – في الإتقان - : وهذا الضرب هو الذي فيه الكتب المؤلفة وهوعلى الحقيقة قليل جدًا وإن أكثر الناس من تعديد الآيات فيه فإن المحققين منهم كالقاضي أبي بكر بن العربي بين ذلك وأتقنه‏.أ.هـ
وقد حصر السيوطي مواضع النسخ في القرآن في بضعة عشر موضعا وبالنسبة لنا فيها نظر أيضا ، فمن أين جاءت هذه الكتب الكاملة في الناسخ والمنسوخ بمواضعها ؟
لست أدري !!!!

لكن مما لا يغيب عن وعينا أن الحكم بالنسخ وعدمه في أكثر مواضع النسخ المطروحة هو محض اجتهاد ولذا نجد كثيرا من المواضع التي قال فيها البعض بالنسخ يلجأ البعض الآخرفيها إلى النفي لماذا؟
لأن النسخ في جوهره ما هو إلا ورود دليلين متعارضين من كل وجه لا يستطيع الفقيه التوفيق بينهما بأي وجه من الوجوه فيلجأ إلى القول بالنسخ بأن يحكم بأن المتأخر من الدليلين ناسخ للمتقدم.
وهنا تتفاوت الرؤى فبينما يبدو لفقيه أن التعارض التام حاصل بين الدليلين يبدو لغيره أن التوفيق بينهما ممكن بحيث يعمل الدليلان معا في آن.
ولنضرب مثالا لذلك حتى يكون الأمر بينا واضحا:
لجأ البعض إلى أن قوله تعالى في سورة آل عمران: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } منسوخ بقوله تعالى في سورة التغابن: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } بالنظر إلى أن حد حق التقوى أرفع من حد الاستطاعة ومن ثم لجأوا إلى القول بالنسخ في ضوء الطرح المذكور
لكن هذا الكلام غير مقبول من قبل الكثيرين – وهو الأرجح – لماذا لأن الدليلين ليسا متعارضين كل التعارض كما فهم القائلون بالنسخ بل من السهل في فهمٍ آخر للنصين الحكمُ بأنه لا نسخ فيهما وأن كليهما يعملان فمن استطاع أن يقيم حق التقوى فقد بلغ رأس الأمر وذروة سنامه ومن لم يستطع فله ما استطاع لأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها وبذا يتضح لنا أنه لا نسخ في ذلك
أقول: هذا التسرع من قبل البعض أفرغ كمًّا من الأدلة قضوا فيها بالنسخ بينما الأمر على خلاف ذلك ومن ثم وضعت قاعدة تقول " إعمال الدليلين من وجه أولى من إعمال أحدهما وإهمال الآخر من كل وجه " وقد تختصر إلى " الإعمال أولى من الإهمال "
2. نسخ التلاوة والحكم وهو القسم الذي انحسر التمثيل له في موضع واحد
دل عليه حديث مسلم عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: كان فيما أنزل الله عشر رضعات معلومات فنسخت بخمس معلومات، فحكم العشر رضعات غير معمول به إجماعاً وإنما الخلاف في التحريم برضعة واحدة على نص القرآن في قوله: { وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ } وبظاهر نص القرآن أخذت الحنفية والمالكية فحرّموا برضعة وبحديث عائشة أخذت الشافعية والحنابلة فحرموا بخمس رضعات. وهذه رواية آحاد لا تثبت قرآنا ولا حتى قراءة فمثل هذا لا يتعدى أن يكون خبر آحاد تضمن حكما شأنه شأن غيره من أخبار الآحاد ولا أدل على عدم اعتباره من كون جمهرة الفقهاء لم يعولوا عليه في تحديد عدد الرضعات التي تثبت الحرمة فلا منسوخه وهو عشر رضعات ولا ناسخه وهو خمس عندهم بمعتبر حيث قليل الرضاع وكثيره عندهم سواء بلا حد ولا عد.
3. نسخ التلاوة دون الحكم وهو كسابقه يعتمد في إثباته على خبر آحاد هو المعروف بآية الرجم " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة "

ما قيمة هذه الرواية وما مدى قدرتها على إثبات قرآنية حتى لو كانت منسوخة ؟
هذا ما سنعرفه الآن !!!!
هذه الرواية آحادية ولا داعي لتكرار القول بأن الآحادية لا تثبت قرآنا ومع ذلك فهناك من الشواهد الأخرى ما يحجب كونها قرآنا ومن ذلك ما يلي:
1- لا يعرف القرآن الكريم ولا السنة النبوية ولا لغة العرب استعمال كلمة شيخ وشيخة في معنى المحصن أو المحصنة فهذان اللفظان لا يعنيان سوى الوصف بالهرم للرجل أو للمراة ولندلف إلى هذه الكلمة في استخدام القرآن الكريم محل البحث لنرى في أي المعاني يستخدم هذه الكلمة
وردت هذه الكلمة في القرآن الكريم ثلاث مرات :
الأولى في سورة هود في قوله تعالى: { قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ 72 } والثانية في سورة يوسف في قوله تعالى: { قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ 78 } والثالثة في سورة القصص في قوله تعالى: { وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ 23 } وهي في هذه المواطن جميعها لا تعني سوى الهرم والطعن في السن وبالطبع يستوي في ذلك لفظ شيخ أو شيخة
2- إن الحكمة غير واضحة في تقرير هذا النوع من النسخ فما فائدة أن يظل الحكم باقيا ورفع اللفظ الدال عليه
تكلف بعضهم فقال: إن الحكمة في ذلك راجعة إلى شناعة الحكم وهو الرجم فهو مما تقشعر منه الأبدان عند سماعه
وهو تكلف ممقوت وتعليل غير سائغ لأن القرآن الكريم تحدث صراحة عن القصاص وعن قطع يد السارق وعن حد الحرابة الذي يشتمل على قطع الأيدي والأرجل من خلاف أو الصلب ......... فيس هناك ما يدعو إلى تخصيص الرجم بالشناعة لأن هذا شأن العقوبات فواضح من اسمها هي عقوبة وليست جائزة أو مكافأة وكلما كانت العقوبة على الجرم عظيمة كان ذلك أردع وأدعى لعدم قربانه
3- الروايات الواردة في شأن آية الرجم هذه مضطربة في ألفاظها مختلفة في دوالها فكيف يدعى كونها قرآنا والقرآن لا يختلف فيه
أنظر إلى هذا الكتاب الخالد وهو يتلى في مختلف أصقاع الدنيا دون تمايز أو اختلاف في حرف أو شكل إلا في ضوء ما نزل من قراءات وأما هذه المفتراة قرآنيتها فقد اضطربت فيها الألفاظ فبينا تقتصر بعض الروايات على هذا المقطع " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة " تزيد روايات أخرى " نكالا من الله والله عزيز حكيم " ثم يؤكد الحاكم في المستدرك تشككنا حين يذكرها بهذا اللفظ " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة " ونتساءل: ما موقع بما قضيا من اللذة هنا مع كون قضاء اللذة بالمباشرة ليس خاصا بالشيخ والشيخة وماذا لو أنهما باشرا دون انقضاء لذة هل عليهما حد أو لا ؟

4- ورد عن عمر قوله إبان الجمع: لولا أن يقال : زاد عمر في كتاب الله لأثبتها.
فأين هذا الكلام من دعوى قرآنيتها ولو كانت منسوخة
5- هذا القول لا يتسق والدليل القرآني على مشروعية النسخ وأعني قوله تعالى سورة البقرة: { مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 106 } وكذلك قوله تعالى في سورة النحل: { وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ 101 } فمقتضى الآيتين أن النسخ ينبغي أن يكون ببدل وأين بدل هذه المدعاة قرآنيتها ؟
والحاصل أننا لا نقر من أقسام النسخ سوى القسم الأول مع نحفظ على الإسراف الذي وقع من البعض في سرد الايات المنسوخة
ويحق لنا العجب من اعتماد هذا التقسيم الذي بلغ من الشهرة ما بلغ وهو في قسميه الأخيرين لا يعتمد إلا على رواية واحدة لكل منهما لا تنهضان لأحاديتهما لإثبات قرآنية كما لا تنهضان لوحدانيتهما لإقرار قسمين للنسخ ما أغنانا عنهما
ولقد ألفينا كثيرين ممن يوثق بهم من أهل العلم يعتمدون هذا الرأي ويتبنونه :
1. فيقول الخضري: "أنا لا أفهم معنى لآيةٍ أنزلها الله تعالى لتفيد حكماً ثمّ يرفعها مع بقاء حكمها ، لأنّ القرآن يقصد منه إفادة الحكم والإعجاز معاً بنظمه، فما هي المصلحة في رفع آية مع بقاء حكمها؟ إنّ ذلك غير مفهوم، وقد أرى أنّه ليس هناك ما يدعو إلى القول به".
2. ويقول الدكتور صبحي الصالح في كتابه مباحث في علوم القرآن : "أمّا الجرأة العجيبة ففي الضربين الثاني والثالث اللذين نسخت فيهما بزعمهم آيات معينة، إمّا مع نسخ أحكامها وإمّا دون نسخ أحكامها، والناظر في صنيعهم هذا سرعان ما يكتشف فيه خطأً مركباً، فتقسيم المسائل إلى أضرب إنّما يصلح إذا كان لكلّ ضربٍ شواهد كثيرةٍ أو كافيةٍ على الأقل ليتيسّر استنباط قاعدةٍ منها، وما لعشّاق النسخ إلا شاهدٌ أو اثنان على كلّ من هذين الضربين، وجميع ما ذكروه منها أخبار آحاد، ولا يجوز القطع على إنزال قرآن ونسخه بأخبار آحاد لا حجّة فيها"9
3. وكذلك الدكتور مصطفى زيد الذي قال : "ومن ثمّ يبقى منسوخ التلاوة باقي الحكم مجرّد فرض لم يتحقّق في واقعةٍ واحدةٍ، ولهذا نرفضه، ونرى أنّه غير معقولٍ ولا مقبول"
4. وقال عبد الرحمن الجزيري صاحب الفقه على المذاهب الأربعة : "إنّ الأخبار التي جاء فيها ذكر كلمةٍ 'من كتاب الله' على أنّها كانت فيه ونسخت في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهذه لا يُطلق عليها أنّها قرآن، ولا تُعطى حكم القرآن باتّفاق، ثمّ ينظر إنّ كان يمكن تأويلها بما يخرجها عن كونها قرآناً، فإنّ الإخبار بها يعطي حكم الحديث، وإن لم يمكن تأويلها فالذي أعتقده أنّها لا تصلح للدلالة على حكم شرعي ، لأنّ دلالتها موقوفةٌ على ثبوت صيغتها. وصيغتها يصحّ نفيها باتّفاقٍ، فكيف يمكن الاستدلال بها؟! فالخير كلّ الخير في ترك مثل هذه الروايات"
هذا ما ندين به ولئن انبرى علماء الأسانيد للتصحيح فإن لفقهاء المتون رأيا آخر ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ورب مبلَّغ أوعى من سامع فلا يعجلن متعجل بالنقل من كتب القوم جاهرا بأن الروايات صحيحة فمهما يكن من شيء فهي أحادية لا تثبت ما يشترط في إثباته التواتر.
 
ليس هناك آيةٌ في القرآن اتفق العلماء على أنها منسوخة إلا في موضعين :

الأول : قوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً [المجادلة : 12] .
الثاني : قوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا [المزمل : 1 ، 2 ، 3] .

وما سواهما من الآيات ففيها خلاف .
 
لم أفهم يا شيخنا الحبيب ما هو المذموم أو المرفوض عقلاً أو شرعًا في نسخ التلاوة !؟!
 
أخي الحبيب د. هشام عزمي
إقرار قسمين للنسخ لم تظهر لهما جدوى إلا ما أثاراه من شبه ومشكلات واتهامات ، وبلا اعتماد على ما يصلح أن يكون تأصيلا لهما ، هذا وحده كاف في عدم القناعة بهذا التقسيم ، وهذا أخف ما يمكن أن أعبّر به في هذا المقام.
كيف وقد حللنا خبر "الشيخ والشيخة" وبينا أنه لا يتسم بسمات القرآن في التعبير ، ولا يحقق مقصود القرآن من حيث معناه ، فضلا عن كونه لأحاديته لا ينهض لإثبات قرآنية ولو وصفت بالنسخ.
ويظهر لي -والله أعلم- أن من أغراض اعتماده دليلا على شرعية حد الرجم هو تلمس دليل من القرآن -المنسوخ تلاوة حسب الدعوى - على شرعيته ، فرارا من أن تكون السنة وحدها ، هي التي استقلت بتشريعه.
وهذا الحدس لو صح فهو محظور جديد ينضاف إلى ما ذُكر ، ولو تيقظ له القرآنيون منكرو السنة ، لاعترفوا بالرجم الذي ينكرونه.
هذا عن قسم نسخ التلاوة دون الحكم.
وأما عن قسم نسخ التلاوة والحكم ، فدليله الأوحد بجانب ما وصفناه به من كونه آحادا لا يثبت قرآنية حتى مع وصفها بالنسخ ، وأيضا كون جمهور الفقهاء لم يعتمدوا ما تضمنه معناه في أحكام الرضاع ، وغير ذلك مما مضى ذكره. أقول: إضافة إلى هذا فإن هذا الخبر يحمل إشكالية كبرى ، وهي تلك الإضافة " فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ"
وهي عبارة مشكلة وقد تكلف لها العلماء جوابا نقله السيوطي في الإتقان فقال: وقد تكلموا في قولها: وهن مما يقرأ من القرآن، فإن ظاهره بقاء التلاوة وليس كذلك. وأجيب بأن المراد قارب الوفاة، أوأن التلاوة نسخت أيضاً ولم يبلغ ذلك كل الناس إلا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتوفي وبعض الناس يقرؤها.أ.هـ
لكن أهل الخبرة بالحديث رفضوا هذه الجملة وذكروا أنها من أوهام عبد الله بن أبي بكر بن حزم وفي هذا يقول الطحاوي في مشكل الآثار:
وهذا ممن لا نعلم أحدا رواه كما ذكرنا غير عبد الله بن أبي بكر وهو عندنا وهم منه ،- أعني : ما فيه مما حكاه عن عائشة رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو مما يقرأ من القرآن - لأن ذلك لو كان كذلك لكان كسائر القرآن ، ولجاز أن يقرأ به في الصلوات وحاش لله أن يكون كذلك ، أو يكون قد بقي من القرآن ما ليس في المصاحف التي قامت بها الحجة علينا ، وكان من كفر بحرف مما فيها كافرا ، ولكان لو بقي من القرآن غير ما فيها لجاز أن يكون ما فيها منسوخا لا يجب العمل به ، وما ليس فيها ناسخ يجب العمل به ، وفي ذلك ارتفاع وجوب العمل بما في أيدينا ، مما هو القرآن عندنا ، ونعوذ بالله من هذا القول وممن يقوله .
ولكن حقيقة هذا الحديث عندنا ، والله أعلم ، ما قد رواه من أهل العلم ، عن عمرة ، عن عائشة رضي الله عنها من مقداره في العلم ، وضبطه له فوق مقدار عبد الله بن أبي بكر وهو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق
- كما قد حدثنا محمد بن خزيمة قال : حدثنا حجاج بن منهال قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن القاسم بن محمد ، عن عمرة ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : « كان مما نزل من القرآن ثم سقط : أن لا يحرم من الرضاع إلا عشر رضاعات ، ثم نزل بعد : أو خمس رضاعات » . فهذا الحديث أولى من الحديث الذي ذكرناه قبله ، وفيه أنه أنزل من القرآن ثم سقط ، فدل ذلك أنه مما أخرج من القرآن نسخا له منه ، كما أخرج من سواه من القرآن مما قد تقدم ذكرنا له وأعيد إلى السنة ، وقد تابع القاسم بن محمد على إسقاط ما في حديث عبد الله بن أبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي ، وأن ذلك مما يقرأ من القرآن ، إمام من أئمة زمنه ، وهو يحيى بن سعيد الأنصاري.
 
مشايخي الكرام
اسمحوا لي المشاركة وذلك بنقل ما قد يكون له صلة بالموضوع أو ببعض نقاطه ...
(ورب حامل فقه لمن هو أفقه منه)
وهذا أول نقل وهو للعلامة ابن القيم رحمه الله من كتابه زاد المعاد :
حُجّةُ مَنْ عَلّقَ التّحْرِيمَ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ ]​
قَالَ أَصْحَابُ الْخَمْسِ : الْحُجّةُ لَنَا مَا تَقَدّمَ فِي أَوّلِ الْفَصْلِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصّحِيحَةِ الصّرِيحَة وَقَدْ أَخْبَرَتْ عَائِشَة ُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تُوُفّيَ وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ.
قَالُوا : وَيَكْفِي فِي هَذَا قَوْلُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّم لِسَهْلَةَ بِنْتِ سُهَيْلٍ أَرْضِعِي سَالِمًا خَمْسَ رَضَعَاتٍ تَحْرُمِي عَلَيْهِ قَالُوا : وَعَائِشَةُ أَعْلَمُ الْأُمّةِ بِحُكْمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هِيَ وَنِسَاءُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا إذَا أَرَادَتْ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا أَحَدٌ أَمَرَتْ إحْدَى بَنَاتِ إخْوَتِهَا أَوْ أَخَوَاتِهَا فَأَرْضَعَتْهُ خَمْسَ رَضَعَاتٍ .
قَالُوا : وَنَفْيُ التّحْرِيمِ بِالرّضْعَةِ وَالرّضْعَتَيْنِ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ تَعْلِيقِ التّحْرِيمِ بِقَلِيلِ الرّضَاعِ وَكَثِيرِهِ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ بَعْضُهَا خَرَجَ جَوَابًا لِلسّائِلِ وَبَعْضُهَا تَأْسِيسُ حُكْمٍ مُبْتَدَأٍ .
قَالُوا : وَإِذَا عَلّقْنَا التّحْرِيمَ بِالْخَمْسِ لَمْ نَكُنْ قَدْ خَالَفْنَا شَيْئًا مِنْ النّصُوصِ الّتِي اسْتَدْلَلْتُمْ بِهَا وَإِنّمَا نَكُونُ قَدْ قَيّدْنَا مُطْلَقَهَا بِالْخَمْسِ وَتَقْيِيدُ الْمُطْلَقِ بَيَانٌ لَا نَسْخٌ وَلَا تَخْصِيصٌ . وَأَمّا مَنْ عَلّقَ التّحْرِيمَ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَإِنّهُ يُخَالِفُ أَحَادِيثَ نَفْيِ التّحْرِيمِ قَالَ مَنْ لَمْ يُقَيّدْهُ بِالْخَمْسِ حَدِيثُ الْخَمْسِ لَمْ تَنْقُلْهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا نَقْلَ الْأَخْبَارِ فَيُحْتَجّ بِهِ وَإِنّمَا نَقَلَتْهُ نَقْلَ الْقُرْآنِ وَالْقُرْآنُ إنّمَا يَثْبُتُ بِالتّوَاتُرِ وَالْأُمّةُ لَمْ تَنْقُلْ ذَلِكَ قُرْآنًا فَلَا يَكُونُ قُرْآنًا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ قُرْآنًا وَلَا خَبَرًا امْتَنَعَ إثْبَاتُ الْحُكْمِ بِهِ . قَالَ أَصْحَابُ الْخَمْسِ الْكَلَامُ فِيمَا نُقِلَ مِنْ الْقُرْآنِ آحَادًا فِي فَصْلَيْنِ أَحَدُهُمَا : كَوْنُهُ مِنْ الْقُرْآنِ وَالثّانِي : وُجُوبُ الْعَمَلِ بِهِ وَلَا رَيْبَ أَنّهُمَا حُكْمَانِ مُتَغَايِرَانِ فَإِنّ الْأَوّلَ يُوجِبُ انْعِقَادَ الصّلَاةِ بِهِ وَتَحْرِيمَ مَسّهِ عَلَى الْمُحْدِثِ وَقِرَاءَتِهِ عَلَى الْجُنُبِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ فَإِذَا انْتَفَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ لِعَدَمِ التّوَاتُرِ لَمْ يَلْزَمْ انْتِفَاءُ الْعَمَلِ بِهِ فَإِنّهُ يَكْفِي فِيهِ الظّنّ وَقَدْ احْتَجّ كُلّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمّةِ الْأَرْبَعَةِ بِهِ فِي مَوْضِعٍ فَاحْتَجّ بِهِ الشّافِعِيّ وَأَحْمَدُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَاحْتَجّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ فِي وُجُوبِ التّتَابُعِ فِي صِيَامِ الْكَفّارَةِ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ " فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ " . وَاحْتَجّ بِهِ مَالِكٌ وَالصّحَابَةُ قَبْلَهُ فِي فَرْضِ الْوَاحِدِ مِنْ وَلَدِ الْأُمّ أَنّهُ السّدُسُ بِقِرَاءَةِ أُبَيّ " وَإِنْ " كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوْ امْرَأَةً وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ مِنْ أُمّ فَلِكُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السّدُس " فَالنّاسُ كُلّهُمْ احْتَجّوا بِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ وَلَا مُسْتَنَدَ لِلْإِجْمَاعِ سِوَاهَا . قَالُوا : وَأَمّا قَوْلُكُمْ إمّا أَنْ يَكُونَ نَقْلُهُ قُرْآنًا أَوْ خَبَرًا قُلْنَا : بَلْ قُرْآنًا صَرِيحًا . قَوْلُكُمْ فَكَانَ يَجِبُ نَقْلُهُ مُتَوَاتِرًا قُلْنَا : حَتّى إذَا نُسِخَ لَفْظُهُ أَوْ بَقِيَ أَمّا الْأَوّلُ فَمَمْنُوعٌ وَالثّانِي مُسَلّمٌ وَغَايَةُ مَا فِي الْأَمْرِ أَنّهُ قُرْآنٌ نُسِخَ لَفْظُهُ وَبَقِيَ حُكْمُهُ فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ قَوْلِهِ " الشّيْخُ وَالشّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا " مِمّا اُكْتُفِيَ بِنَقْلِهِ آحَادًا وَحُكْمُهُ ثَابِتٌ وَهَذَا مِمّا لَا جَوَابَ عَنْهُ . وَفِي الْمَسْأَلَةِ مَذْهَبَانِ آخَرَانِ ضَعِيفَانِ .

زاد المعاد (ج 5ص508)
المكتبة الشاملة.
 
(قوله ... ونسخ ما يتلى بدون الحكم ... والعكس أو كليهما عن علم ...

هذه مسألة نسخ التلاوة دون الحكم والعكس نسخ الحكم دون التلاوة أو الكل فهي ثلاث صور كلها في الكتاب العزيز وفي كل سورة خلاف والحق مع الجمهور كما في النظم لوقوعه في الثلاثة الأقسام
أما الأول فكحديث عمر الذي رواه الشافعي وغيره لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة فإنا قد قرأناها وروي عن غيره من الصحابة فهذا منسوخ التلاوة دون الحكم
وأما الثاني فآية الصدقة عند النجوى وآية اعتداد الحول فإنه قد نسخ الحكم مع بقاء التلاوة
وأما الثالث فما رواه مسلم عن عائشة كان فيما أنزل عشر رضعات محرمات ثم نسخ بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه و سلم وهي فيما يقرأ من القرآن وهذا صريح بأنها قرآن كما أن قول عمر قرأناها صريح في القرآنية وما قيل من أن شرط القرآن التواتر وهذه المثل بها آحادية فلا يتم أنه من نسخ القرآن إذ القرآن هو المتواتر؟ فقد أجيب عنه بأن شرطية التواتر فيما أثبت[بين]الدفتين وأما المنسوخ فلا نسلم ,ذلك بأن المقصود فيما ذكرناه ثبوت النسخ لما كان قرآنا لا ثبوت قرآنيته بذلك...)

إجابة السائل شرح بغية الآمل - الصنعاني​
ص371
المكتبة الشاملة
 
أخي الحبيب الخطيب ليتك تأنيت ولم تسارع إلى طرح الموضوع حتى يتحرر
شكر الله لك أخي الحبيب صالح الفايز ، نصيحتك مقبولة وأشكرك عليها ، لكن كما ترى أن أصل الموضوع طرحته منذ أكثر من ست سنوات ، وليس جديدا ، وخلال هذه الفترة الطويلة لم أقع على ما يغير قناعتي بما كتبت ، وعلى أية حال هي وجهة للباحث مسبوق إليها ، وليست من مبتدعاته ، وكان أروع من كتب عن وجهة النظر هذه وأفاض فيها ، الشيخ محمد الصادق عرجون في كتابه النفيس "محمد رسول الله - منهج ورسالة بحث وتحقيق"
ويسعدني أيما سعادة مداخلة العلماء وإثراء الموضوع بأفكارهم وآرائهم ، فليس لنا من هدف إلا الحق الذي يخدم الكتاب.
أحسن الله إليكم
 
عودة
أعلى