المنطلقات التربوية من المنزلات المكية

محمد رشيد

New member
إنضم
04/04/2003
المشاركات
308
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]

[align=left]كتبه/ محمد رشيد[/align]

الحمد لله وبعد..

فكم كنت مشتاقا ـ وقد رزقني الله سبحانه شبق القراءة والاطلاع والطلب ـ أن اقدم (إنجازا) حقيقيا لله عز وجل، نعم، إن كلماتي تلك لا مبالغة فيها، فقد درست الفقه والأصول وعلوم الآلة دراسة حرة وأكاديمية ، وجربت المناهج والطرق والتوجهات وانشغلت بها سنينا، ولكن.. أين كل ذلك من العمل الحقيقي الذي يرضي الله جل وعلا؟
لنكن صادقين مع أنفسنا وصريحين في مجابهتها بحقيقتها وواقعيين في نظرتنا لتقييم الأمور.. إن دين الله جل وعلا لم ينزله الله لهذه الدراسات التي كنا ـ في حقيقة الأمر ـ نتمتع بها ونخدم من خلالها ميولنا النفسية تجاه الدراسة والتحقيق بحيث تعكس كل نفس ميولها الدراسية فتروي من خلال الدراسات تلك الميول الذاتية متذرعة مغطاة في ذلك كله بأن هذا هو علم شرعي يرضي الله جل وعلا.. فإذا بالنفس اللوامة تخدع فتستكين، أو تكمم فينكتم صوتها إلى حين.. إن دين الله جل وعلا نزل ليكون عبادة حية وحركة خاضعة من ضمن حركات الكون.. } وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون { ..
وحينما ننظر إلى تعريف (الفقه) اصطلاحا فهو: " العلم بالأحكام الشرعية العملية المستنبط ـ أو المستنبطة ـ من الأدلة التفصيلية " .. هل لاحظت؟ إنه الأحكام العملية.. فدين الله عمل، وذاك هو الأصل والغالب فيه.. وحينما تكون الأمور التي نتعبد بها هي نظرية أو تصورية لا عملية فإن ذلك نابع من طبيعة تلك الأمور في ذاتها ، لا من حيث إن العبادة هي تصور فقط أو هي نظرية ابتداءا..

إنه.. ودون جدال، لابد من التحرك بالدين ليتحقق الدين، وهو مراد الله تعالى الذي علينا تحقيقه، ولا تعلق لنا بما وراء ذلك قيد أنملة. والجدال في ذلك هو جدال لا يستحق الاحترام ولفت الانتباه ـ.

ولكن.. كما يقال: الطريق الوحيد لعدم التعثر هو أن تظل مكانك لا تتحرك.. ولكني أضيف عليه: وبقاؤك هو قرارك في القاع وهو منتهى التعثر وآخره. من هنا كانت مواجهة تلك الإشكالات هي الخيار الرباني الذي لا محيص عنه.. فعليك ربنا توكلنا.. وبك استعنا..

حيرة الأريب..

إن الأريب ليحتار حين يسلك ـ واقعا ـ طريقه التربوي على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وليس هذا من الكتاب أو السنة ـ حاشاهما ـ وإنما هو من الملابسات وسوء التصورات التي هي من سمات البشر والتي تظهر ـ تقريبا ـ في كل ممارسة لهم واقعية ، في حين أن عامل الهداية والاستبصار هو متحقق في ذات المصدر الذي يعلن العاملون ـ نظرا ـ أنهم ساعون في إقامته.

مناط الخلل في تصور المنهج:

إن مناط الخلل في تصور المنهج التربوي ـ العملي ولا يكون إلا عمليا ـ هو تخطينا الذهني لأبسط المعالم والمحطات التربوية في الكتاب والسنة التي نعرفها جميعا ويعرفها أطفالنا.. وتصورنا أن الأمر طالما تعلق بالتربية فهو قضية معقدة تحتاج إلى كثير تأمل وبحث وتنقيب، وتحتاج إلى أدوات الاجتهاد الفروعية.. إلى غير ذلك من تصورات الواقع .. والأمر في حقيقته أوضح في دين الله من ذلك! دعونا على المعالم..

[align=center]معالم التربية في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم[/align]

دعونا لا نتخطى المعالم الواضحة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.. دعونا نحاول أن نطبق ـ وبكل يسر ودون تعقيد ـ منهج القرآن التربوي وكيف كان النبي صلى الله عليه وسلم مترجما له إلى واقع البشر الحركي العملي ـ ولا يكون إلا كذلك ـ ولكن كيف يكون ذلك؟.. إنه يكون بداية بتصورنا لطبيعة وحدة الفعالية التربوية في الجيل الأول من المسلمين.. وهذه الوحدة الفعالة ترتكز في محورها على طبيعة الخطاب التربوي الذي يتنزل إليهم ويبلغهم إياه مربيهم العظيم محمد صلى الله عليه وسلم ويحوله ـ من خلالهم ـ إلى واقع عملي حركي مشاهد بالعين مسموع بالأذن.

فحص تنزلات القرآن .. هي نقطة الانطلاق

حينما ننظر إلى كتاب الله تعالى نجده الكتاب الوحيد من الكتب السماوية الذي تنزل منجما ـ مفرقا ـ بحسب الحوادث والوقائع.. فلم ينزل كتابا واحدا يطبق المسلمون ما يمكنهم تطبيقه منه ويؤجلون الباقي.. وهذه قاعدة لابد أن ندركها من طبيعة ديننا ـ الإسلام ـ إنه ليست لدينا نظرية للنظرية.. ليست لدينا أفكارا لمجرد التفكير الذهني دون التحقيق، ولو كان ذلك من طبيعة الدين لتنزلت آيات للتفكر المجرد.. بل إن ما حواه قرآنا من آيات التفكر القلبي والذهني إنما هو كذلك محاط بإطار من الواقعية من خلال سبب النزول والواقعة التي نزل بها ولأجل التوجيه بها.. من هنا.. ومن خلال التصور الصحيح لهذه الطبيعة.. نستطيع أن نضع أيدينا على الكنز الحقيقي للتربية.. إنه القرآن.. لا بحرفيته البحتة أو ترتيله المجرد.. وإنما كخطاب توجيه يتنزل بحسب المرحلة والحدث والواقعة ليرشد أمة تتحرك به فعلا..

من هنا.. هنا فقط .. اكتسبت قناعتي ويقيني بصحة المنهج الذي لابد وأن يتبع من بين كل تلك المناهج التي تعج بها الساحة الدعوية والتي هي لا تتعدى (طرقا) للمشايخ، بل لا يندرج أغلبها ـ ولو نظريا ـ تحت هذا المفهوم التربوي الذي تربى عليه الصحابة رضي الله عنهم.. نعم، إن منهج الله في تربية عبيده واضح.. ولا يقولن قائل إنه واضح دون تطبيقه.. بل هو واضح تمام الوضوح.. وعلى المؤمن المستقين الذي يملك أدنى درجة من العقل أن يكون على يقين من ذلك المنهج ، ولا يقبل بالدخول في جدالات ومهاترات تشكيكية حوله.. فهي حلقة مفرغة من الفتن لا تنتهي.. لا تنتهي إلا بأن يقطعها الحسم والعمل..

أما المحكات في تطبيق هذه المنهجية في أرض الواقع الآني.. فلن ننتظر كثيرا حتى يتمخض عنها الذهن.. إنما لدينا مفهوم، وهو حتمية البدء والتحرك.. فالمحكات تتبين لنا حين النزول إليها بالفعل.. ويكون تعاملنا معها حين تولدها ومواجهتنا لها.. فالقضية أن.. حتمية التحرك والعمل بالمنهج الرباني.. أمر محسوم..

من هنا.. كانت الانطلاقة بدراسة هذا المنهج و محوره الخطابي.. وأبرز ما في هذا المحور هو قضية التقسيم المكاني والزماني لتنزلات القرآن .. وليس هنا موضع التفصيل العلمي في تلك القضية؛ فإن الغاية هي تناول دراسات مختصرة نعكس من خلالها الطبيعة التحركية الواقعية لخطاب الله تعالى لنا بهذا القرآن.. وفي الجزئية التي سنتناولها بالدراسة يكفينا ما لدى القارئ الكريم من تصور عام حول القرآن المكي وطبيعته التربوية، وكذلك ضابطه ـ بغض النظر عن النقاشات العلمية في هذا الضابط أهو المكاني أم الزماني ـ فإن الغرض يتحقق بالتصور العام للقرآن المكي وذلك في السور الثلاث التي سنتناولها باستخراج ما تعكسه من منهج تربوي واقعي حركي يتحتم أن نطبقه في عصرنا كما طبقه الجيل الأول فكان من حاله ما كان مما لا يحلم به مسلموا اليوم.


[align=center]القرآن المكي.. هو نقطة الانطلاق الواقعي للمربين[/align]

نظرة مختلفة!
القرآن المكي تنزل في 13 عاما، كان دوره هو التربية العقيدية الواقعية للمؤمنين.. الجمهور يعبر عن طبيعة القرآن المكي بأنه هو الرقائق والمواعظ والخطاب الرقيق.. ولكني ـ محمد رشيد ـ يشهد الله سبحانه أرى الأمر مختلفا واقعا حينما أقرأ القرآن المكي.. إنه يحمل سمة الحسم والبت والتهديد والهول والبطش والسرعة!

{ تبت يدا أبي لهب وتب }
{ قتل أصحاب الأخدود* النار ذات الوقود* إذا هم عليها قعود }
{ أرأيت الذي يكذب بالدين }
وحسبكم سورتي الأنعام والأعراف!
إن الوعظ في الدين لا ينبغي أن نحاكمه أو نقايسه على ما نعرفه من خلفيات كونها الواقع المريض الهزيل التوظيفي.. حتى نقول إن القرآن المكي هو وعظ ـ بالمعنى المتبادر عرفاـ !! إن القرآن المكي خلاف ذلك تماما.. إنه يبتر بترا ويحسم حسما ويجزم جزما في قضايا الاعتقاد.. وكما أقول دائما: إن التربية التي تعني الأخذ بالتدرج والهويني والتدريب هي ـ بديهة ـ محلها الأعمال والجوارح، لا الاعتقاد والتسليم بمقتضايته.. فالطبيعة هنا تختلف تماما.. فهي ـ من بدايتهاـ إما يمين وإما يسار.. إما أبيض وإما أسود.. نعم هناك السلوك الحسن والحكمة في الدعوة.. أما مادة الدعوة ذاتها فلا شأن لها سوى البت والقطع.. وهذا بارز تمام البروز في آيات الله تعالى وأحاديث نبيه صلى الله عليه وسلم وسلوك الدعوة المضطرد من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى العصور الخيرة.. ومن هنا فطبيعة القرآن المكي ليس هي (الوعظ!!) وإنما هي (الخلع) من الاعتقاد الباطل، ومن ثم (الغرس) في الاعتقاد الحق، وذلك باتباع سلوك الدعوة بالآيات البينات التي لا يجادل فيها إلا مكابر.. وهنا تكون القضية قضية عناد وتكذيب لا قضية عدم قناعة وتشكيك.. والآيات في هذا المعنى كثيرة جدا في كتاب الله تعالى وليس هو مكان بيان تلك القضية الدعوية.


[align=center]أركان التربية[/align]
حينما ننظر إلى السيرة النبوية وإلى أسباب النزول.. لا سيما لو كانت قراءة شاملة كدراسة لمعاني الآيات وما نزلت به وما ترجمه الصحابة من عمل لا كدراسة تخصصة أحادية الجانب.. حينما ننظر هنا إلى السيرة وإلى أسباب النزول بتلك المنهجية يتبين لنا ركنا التربية .. ومن هنا أستطيع أن أعلن عن ركني التربية ـ في نظري ـ وهو ما يدل عليه منهج القرآن التربوي، فأقول:


[align=center]التربية = حدث + خطاب[/align]

وهذا هو مصداق ما يذكره بعض الدعاة من كون التربية (معايشة) و (سلوك) وليست مجرد أوامر لفظية وليست محددة بفترة زمانية تحت اعتبار من الاعتبارات الشائعة ..
ولنحاول ـ باختصار ـ أن نلقي تصورا على الواقع الذي يجري نتيجة اختلال ركن من الركنين:


حدث بلا خطاب: ينتج عنه عماء وخبط عشواء وشعور بالضياع لدى الشباب المتدين ـ خاصة حديثي العهد بالتدين ـ وهذا أثره مشاهد معهود فلا يفتقر إلى بياني.


خطاب بلا اعتبار الحدث: فهذا هو الجاري في المحاولات التربوية المعاصرة من قبل جمهور الدعاة ـ الذين نحسبهم على خير وإخلاص والله حسيبهم ـ فمشكلة الدعاة هي (ضخ) التوجيهات في غير محالها والبعد عن غير عمد ـ وفي أحيان كثيرة عن عمد ـ عن قوالب تلك التوجيهات من الأحداث الحية المعاصرة.. بحجة البعد عن السياسة أو المشاكل أو استفزاز البعض ممن لهم علينا قدرة.. إلخ وهذه قضية ليس هذا محل تفصيلها وإنما المقصود هو تصور الأثر الواقعي لاختلال هذا الركن التربوي.

[mark=FFFF00]تربويات واقعية في سور مكية [/mark]


الفاتحة هي في أول المصحف.. ولكنها الخامسة من حيث النزول.. لماذا نزلت الفاتحة كسورة خامسة؟ ما القضية؟

لقد سبقت الإشارة إلى أن القرآن منهج تربوي ، وكان يتنزل للتربية بالواقائع والأحداث.. ومن هنا نواجه قضيتين إذا أردنا أن نتناول سورة من السور بدروسها التربوية:

أ ـ حادثة نزول السورة ( وذلك لتصور الدرس التربوي الواقعي للتوجيه بالسورة )

ب ـ السياق قبل السورة ( وذلك لتصور دور السورة كمرحلة تربوية ضمن سلسلة وليست كوحدة منفصلة انفصالا تاما )

فإن فعلنا ذلك مع كافة السو رالمكية.. ثم السور المدنية.. فاستوفينا سور القرآن، استطعنا هنا ـ بحول الله توفيقه ـ وضع تصور تطبيقي كامل للتربية السلفية (الحقيقية) على منهج الله الذي طبقه النبي صلى الله عليه وسلم مع جيل الصحابة وطبق من ثم في القرون الخيرة.

وسوف نتناول بتلك المنهجية ـ منهجية المحكات التربوية - سورا ثلاث مرتبة من القرآن المكي، هي سور/ الفاتحة – المسد – التكوير.. فأقول مستعينا بالله تعالى:
لو أني اخترت البداءة بسورة الفاتحة فإن هذه السورة لها من الفضل والكلام حولها ما لا يحتاج إلى أن يعاد هنا، وأفضل من تكلم عليها ـ في حدود معرفتي ـ هو الإمام ابن القيم في مدارج السالكين، فالراغب فيما حولها يمكنه مراجعة هذا السفر العظيم.. وإنما يعنيني هنا الوقفة التربوية الحركية من تلك السورة!

يبدو ـ لأول وهلة ـ أنها تحوي ثناءا على الله ودعاءا له وأنها يصعب أن نستخرج منها تربويات يمكن تطبيقها مباشرة في عالم الواقع وتحديدا (المحكات).. ولكن أقول: لو طبقنا عنصري الكشف عن حركيات السورة لتوصلنا إلى الحركة التربوية منها.. وهذا نسلكه إن شاء الله تعالى مع السور الثلاث مراعين عنصري الكشف وهما: سبب النزول والسياق.. وهذا يجرنا إلى تغيير منهجنا في التناول.. حيث لن نتناول سورة سورة.. وإنما سنبدأ بالحركة التربوية من أول ما نزل من القرآن المكي فننتهي إلى السور الثلاث محل البحث.. فإننا لن نتصور الحركة التربوية إلا إن تصورنا وحدة الحركة كاملة. والله تعالى المستعان وعليه التكلان.

[align=center]التربية القرآنية.. بناء المؤمن من العلق إلى التكوير[/align]

[align=center] سورة العلق.. البدء باسترداد الإنسان إنسانيته! [/align]

كان أول ما أنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم سورة العلق لتكون إعلاما بإنسانية الإنسان!! نعم.. ربما تتعجب من كلامي.. فتقول: إنما ليكون العلم هو أو لالطريق.. فأقول: نعم، ولكن لماذا العلم؟ أليس الله ربك؟ أليس خلقك؟ أليس قادر على إفنائك؟ أليس قادر على أن يحول قلبك وعقلك لتكون أشد الناس إيمانا في لحظة حيث يقول كن فيكون؟.. ولكن شيئا من ذلك لم يحدث مع قدرته تعالى عليه.. لقد قال لك (( اقرأ )) .. لتؤمن عن بينة وعلم.. لا عن قدر إلهي محض خالص من أسبابه على طريقة المعجزات.. اقرأ أيها الإنسان لتعرف ما تؤمن به فسوف تحاسب عليه.. اقرأ.. فهو أول الطريق.. العلم.


الحركة التربوية:

من هنا يكون محكنا الأول في تربية الشباب المسلم في العام 2009 اقرأ.. تحتاج إلى أن تقرأ..

- اقرأ القرآن من جديد كخطاب لك أنت..

- اقرأ السيرة النبوية لتستلهم منها حركتك التي تعبد بها ربك

- اقرأ الرحيق المختوم لتعرف مختصرا عن الدعوة كيف قامت وإلى أين انتهت

- اقرأ كتاب التوحيد لابن عبد الوهاب لتدرك الشرك الأكبر الذي يحدث في قبور الصالحين

- اقرأ زاد المعاد لابن القيم لتعرف أنه لا فرق بين الفقه والسيرة والحركة إلا في أذهاننا التي خربطت الرواسب برامجها التلقائية

- اقرأ حصن المسلم ليكون جزءا من يومك ذكر لله تعالى ثابت لا يتبدل بحال

- اقرأ مقدمة ابن خلدون لتعرف حقيقة المجتمع وضرورة بناء المجتمعات وأنه لا إنسانية ولا قيام إلا بذلك

- اقرأ اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية لتعرف موقفك المفاصل من الكفر وأهله.
وهكذا لابد من إعداد برنامج (تأهيلي) للشباب السالك للطريق.. يتم إعداد بعناية و(أمانة) ومن لا يجد في نفسه القدرة على (تكاليف) الأمانة فليوكل الأمر لمن هو أقدر عليه.

ولا حجة في مبدأ (البداءة بالعلم) للدعاة الذين يشغلون الشباب بالمفضول عن الفاضل، أو بما لا يناسب الحال الذي يتطلب منهم تكاليف خاصة تناسب الموقف. فإن سورة العلق جاء العلم فيها متناسبا مع حال من يتم تعليمه ! انظر :

[align=center](( اقرأ .. باسم ربك الذي خلق.. خلق الإنسان من علق..))[/align]

فلما كان حال من يتم تعليمه هو الاحتياج للتوحيد فإن أول ما علمه إياه هو ما يكون من لازمه ومقتضاه التوحيد.. فهو الخالق.. خالق الإنسان من علق.. فعلمه ما يتناسب مع حاله .. علمه ما يحتاجه من العلم..

وهكذا على الدعاة أن يكونوا أكثر (أمانة) في أن يعلموا الشباب ما يجتاجونه – حقا – من العلم.. لا أن يشغلوهم على طريقة البيزنطيين والمتنطعين.

فكما أن العلم نقل محمدا صلى الله عليه وسلم من الجاهلية إلى الإسلام.. فعلينا أن ننقل الشباب في عام 2009 بالعلم من الحال التي هم فيها إلى الحال التي نريد.. وهذا يقتضي أن نجهز لهم برنامجا للقراءة محددا بمدة وممنهجا بعناية ويخضع لاختبار مخطط كذلك وعمليات تصفية وانتقاء لوضعهم بعدها في البرنامج المناسب لهم..


سورة القلم.. التأهيل النفسي للداعية بعد البرنامج العلمي..

تحيرت نوعا في قضية سورة القلم وأنها نزلت بعد العلق.. فموضوع السورة يدل على أنها نزلت في شدة احتدام الدعوة والاتهام بالجنون.. ولا يتناسب أبدا مع الفترة التي تلي نزول سورة العلق وقبل نزول المدثر والمزمل اللتين تشيران إلى نزولهما قبل المواجهة بالدعوة.. بل ولا تتناسب كذلك مع الفترة التي كانت الدعوة فيها فردية قبل أن تكون جماعية جهرية والتي هي ثلاث سنوات.. ولم أر أنه صحّ في سبب نزولها شيء ـ إلا أثر ابن عباس في وصف الزنيم ففيه كلام بالصحة وهو جزئي كذلك لا يدل على السورة كوحدة ـ !

وبناءا على ذلك كدت أجزم أن سورة القلم ليست الثانية بعد العلق ـ خاصة أني لا أعرف مدى صحة الروايات التي تجعلها الثانية والأمر كله إلى الآن عندي ظني محتمل ـ إلا أن ثمة إشارة ربطت المناسبة بين سورتي العلق والقلم.. ألا وهي مناسبة ذكر (القلم).. والاتفاق المعنوي بين القراءة والقلم الذي هو أداة الكتابة المقروءة.. وهذه المناسبات التي تلقي روحها الخفية في النفس معهودة بالقرآن وقد وقفت عليها كثيرا..
ولسائل هنا أن يسأل: وما ارتباط المحتوى التربوي بالسورة بسياقه المناسب من سورة العلق إذا قلنا بنزول القلم بعد العلق؟

الجواب – وهو ظني - : إن محتوى السورة ـ والله سبحانه أعلم ـ لا يدور حول قضية وقعت بالفعل؛ وإنما يدور حول قضية ستقع حتما للنبي صلى الله عليه وسلم وهو التكذيب واتهامهم له بالجنون ـ بأبي هو وأمي ـ .


الحركة التربوية:

من هنا يمكننا تصور المحك التربوي، فأقول:

بعد الإعداد العلمي الثقافي المناسب والنسبي كذلك لشباب 2009 ـ مع اقتران ذلك بالعمق التربوي الفردي من عبادات وأخلاق ـ وبعد تصفية الطائفة المناسبة والبدء في تجنيدها بالمهام الدعوية ـ حيث الدعوة هي الوظيفة الرئيسية للمسلم ـ هنا لابد من توعية تلك الطائفة بما سيلاقونه من إيذاء وتسفيه من خلال أجهزة الإعلام الخاضعة لأنظمة تعادي الإسلام روحا وهيكلا.. وهنا لابد من تنبيه الشباب الجدد إلى تضخم هذا المد السرطاني الأبله المسمى بـ(العلمانيين).. وأنهم سيتهمونهم بالتخلف العقلي والهوس الديني والجنون كما نراه على الفضائيات.. ولابد ـ اتباعا لمنهج سورة القلم ـ من أن نذكر لهم هذا الأمر على أنه قطعي الوقوع؛ حتى أننا نقصه عليهم بأمر واقع بالفعل.. وذلك للوصول بالشباب إلى أكبر درجة من الاستعداد النفسي لمواجهة مثل تلك الاتهامات..

ولابد من تصبير الشباب وتذكيرهم بأن أعمارهم قصيرةوأنهم سيجتمعون بأعدائهم أمام الله جل وعلا.. وأن الله تعالى هو أعلم بحال هؤلاء الشباب الدعاة وحال العلمانيين والقائمين على أجهزة الإعلام العفنة.. فعلى الشاب أن يستمر في طريقه ولا يأبه لما يصيبه.. فهو أمر مؤكد الوقوع.. وليس من شأنه أن يفت في عزيمة الشاب الداعي إلى الله.

وتبع هذا الإعداد النفسي إعداد تربويا فيه الصلة بالله تعالى صلة مباشرة لتكون زادا للطريق.. فنزلت المزمل!

[align=center]سورة المزمل.. الإعداد التعبدي الفردي بجوار إعداد المواجهة.. [/align]

ما يروى من قصة نزول المزمل وهو الحديث الذي رواه البخاري ومسلم والذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم:" دثروني وصبوا عليّ ماءا باردا" الصحيح أنه نزل في سورة المدثر.. لا المزمل.. ولم يصح – والله أعلم – في نزول سورة المزمل شيء يعد من أسباب النزول .. وإنما هو خبر ابي داوود عن ابن عباس: " لما نزلت أول المزمل كانوا يقومون نحوا من قيامهم في شهر رمضان حتى أنزل آخرها وكان بين أولها وآخرها نحو من سنة".

والذي أراه ـ والله سبحانه أعلم بمراده ـ أن سورة المزمل نزلت بعد القلم لتكتمل بها عناصر التربية.. ففي العلق كان العلم.. وفي القلم كان الإعداد النفسي لمواجهة العتاة المجرمين العلمانيين.. ثم في العلق تربية المؤمن تعبديا.. أي التربية الفردية وتقوية الصلة بالله تعالى من خلال (الصلاة).


وحينما تأملت وجدت هناك أربعة أسباب تقنع بذلك الترتيب :

أ – هجمات الأعداء الكافرين تبدأ من فورها بعد العلم واعتناق العقيدة الذي كان في العلق وهو أسبق على مرحلة النضوج النفسي الكامل؛ فالعداء يبدأ مع المخالفة.. لذا قدم التأهيل النفسي لمواجهة الأعداء على الإعداد التعبدي التربوي الفردي بطول القيام – وهذا جواب لسؤال محتمل: لماذا قدم الإعداد النفسي تجاه الأعداء على الإعداد التربوي بتقديم القلم على المدثر –

ب – جاء في كلام السلف حول معنى الأثر آنف الذكر أن قدم النبي صلى الله عليه وسلم تورمت من الصلاة في السنة التي بين نزول النصف الأول من المزمل ونزول نصفها الأخير.. فلما نزل الأخير خفف من الصلاة.. وهذا له أثره الغريب في عملية التربية! إنه يعتنق عقيدة جديدة.. ويكتسب أعداءا جددا! إنه يحتاج إلى مرحلة صلة أطول بالله.. في حين يعتنق عقيدة جديدة ويواجه أعداءا جددا.. فلابد من تلك المبالغة لتستقر القضية في النفس.. قضية الاعتقاد وقضية مواجهة الأعداء بها..

ج – المواجهة مع العدو لابد أن تكون لمعيار واحد وهو العقيدة في الله تعالى.. ومن هنا كان الأمر بالتعبد؛ ووكانت الصلة بالله التي في سورة المزمل مناسبة أشد المناسبة للاتهام بالجنون والمعاداة في سورة القلم! تأمل

د – سورة القلم فيها التسلية والمواساة.. والمواساة وسورة المزمل فيها الأمر بالتعبد؛ وهذا فيه مناسبة الداء بالدواء! نعم.. في القلم أخبره بما يقولونه وما سيلقونه.. وفي المزمل أمره بدوره في مواجهة تلك الاتهامات وأنها لا يداويها إلا التعلق الشديد بالله تعالى.. فسبحان الله! لقد ناسبت المبالغة في العبادة حتى تتورم القدم المبالغة في شدة استهزاء الكفار التي تكون في مبدئها قوية عنيفة قبل أن تستقر الأمور وتصير أمرا واقعا يقبل التفاوض!

الحركة التربوية:

من هنا يمكن أن نتصور الحركة التربوية ـ أو التربوية الحركية ـ من خلال سورة المزمل؛ فأقول: على الدعاة أن يعملوا على وضع برنامج تعبدي ـ متناسب طردا مع أحوالهم الآنية ـ بحيث لا يشغلهم ذلك البرنامج عن القضية لاأولى وهي العلم ، وبحيث لا يشغلهم كذلك عن (الجندية) التي هي الخطورة التربوية الحركية القادمة في تربية القرآن المكي..

ومن هنا كذلك يتبين لنا خطأ بعض المدارس التي (توخم) عقول أتباعها فتقيمهم في عبادات توقيفية بحتة ـ وأقول توقيفية لإثباتي وصف العبادة في غير العبادات المعهودة من صيام وصلاة ـ فتتوخم علومهم، وتخمل أو تعدم لديهم قضايا هي من أصول الاعتقاد ، وهي قضايا الولاء والبراء بحيث يظهر هذا في القول والعمل والاهتمام بأمور المسلمين.. وهؤلاء الدعاة غالبا لا يؤدون دورهم تجاه مواساة وتحفيز وتصبير المبتلين من المؤمنين.. بل إنهم ممن يصدم فيهم من يظنهم الصدر الحاني الدافئ من برد الابتلاء والقهر..

وهذه التوجهات ـ وأصحابها منهم من مهم من الأفاضل فعلا ـ قد اصيبوا بذات (التطرف) الذي أصيب به من هم على الطرف النقيض منهم.. فكما أصيب أناس بتطرف الحماسة من غير ضبط ولا تأصيل ولا تربية؛ فيحسبون كل دعوة للتربية هي تخاذل وتماوت وخيانة.. فكذلك أصيب هؤلاء بذات الداء؛ فيحسبون كل دعوة أو تذكرة بالجهاد ومتابعة قضايا الأمة هي تطرف ورعونة وسخونة غير منضبطة.. وكأن الانضباط هو التماوات والانغلاق في المساجد بحيث يتخلون حتى عن تدريس العلم الشرعي .. حتى قال لي أحدهم يوما: " إن علم أصول الفقه يدخلك النار! " ـ ومفهوم توجييه ولا شك ولا هذا الإطلاق حمل هيئته فعلا من المبالغة وتخلى هؤلاء عن أمانة التعليم..

وما هذا وذاك (التطرف) من الفريقين إلا لبعدهما ـ معا ـ عن وحدة كتاب الله تعالى المتكاملة.. فالنبي صلى الله عليه وسلم هو خير مثال وكان قرآنا يمشي على قدمين.. وقد رباه الله رب العالمين!! هو من كان تحمر حدقته كأنه منذر جيش! وهو من كان يقوم الليل حتى تتورم قدماه! وهو من كان ييقوم وينام ويصوم ويفطر ويجامع النساء! إنه التكامل القرآني يا أيها الدعاة.. كان النبي صلى الله عليه وسلم متكاملا لأن القرآن متكامل؛ وهو قد صار قرآنا يمشي على قدمين صلى الله عليه وسلم.
فعلى الدعاة ـ جميعا ـ أن ينوبوا إلى مصدر منهجهم حركيا، وأن يتحركوا حركية واقعية منهجية بهذا القرآن.. لا مجرد التسليم النظري.

[align=center]سورة المدثر.. الجندية! بعد التعليم والتربية الروحية.. [/align]

سبب نزول سورة المدثر معروف ومشهور .. والذي يعنينا بقوة هنا هو قضية السياق.. لقد نزلت المدثر بعد المزمل .. فتأمل

المزمل = تربية روحية وصلة بالله
المدثر = جندية
ماذا يعني ذلك؟ .. نتبينه مباشرة من الحركة التربوية


الحركة التربوية:

مرحلة الجندية للدعوة والتبليغ مرحلة ضرورية ولا يفرط فيها عملا إلا من لا يلفتنا أن نسود صفحات الورق بالرد عليه.. ولكن القضية هي: متى تكون مرحلة الجندية في الدعوة؟

سنذهب يمينا وشمالا ونجتهد ونخرج بأفكار ونجرب .. إلخ!

الرسول صلى الله عليه وسلم كان داعية وكان أعظم مجند للإسلام في التاريخ..
والقرآن كان هو خطاب التربية..

فالقضية يسيرة إذا ورغم ذلك لا نراها!

نرى كيف كانت مرحلية الخطاب التربوي لأعظم داعية.. أليس كذلك؟

بدأت القضية بالعلم(العلق).. ثم التأهيل النفسي للمواجهة مع المخالفين(القلم).. ثم التأهيل الروحي والصلة بالله(المزمل).. والآن .. وبعد حصول العلم والتأهيل النفسي والروحي.. يناسب جدا أن يأتي دور الدعوة والتحرك للتبليغ، فكانت سورة المدثر!
سبحان الله تأمل؛ السابق لها: يا أيها المزمل قم الليل.. ثم التالي لها: يا أيها المدثر قم فأنذر!!

ماذا يعني ذلك؟

إنها التربية الروحية قبل التحرك للدعوة والتلبس بالجندية.. ولا نطيل فهو واضح.. نشرع في بيان المحك الحركي..


الحركة التربوية:

على الدعاة أن ينتخبوا الشباب الذين مروا بالتربية العلمية والتأهيل النفسي والتربية الروحية بصورة معقولة.. وذلك لتأهيلهم للتحرك للدعوة بصورة حركية .. وهنا يبدأ التخطيط الواقعي (المحكي) فننظر؛ هل ظروفه تسمح للدعوة المنبرية؟ أم هي للفردية؟ أم من خلال الإنترنت؟ أم التحرك في الأماكن العامة؟ .. إلخ. فالتخطيط الحركي الجاد والمنطقي كذلك لابد أن يبدأ فور وصول المتربي إلى تلك المرحلة.

[align=center]سورة الفاتحة.. تعهد المؤمن بتواصله العبودي بعد اكتمال أركانه![/align]

بصورة المدثر يكون قد اكتمل البناء بأركانه.. حيث العلم.. والاستعداد النفسي لمواجهة المخالفين.. والتربية الروحية حيث الصلة بالله في زمن الابتداء في تولي هذه العقيدة.. وأخيرا التحرك الواقعي لتبليغ هذا الدين.. فهنا يكون المؤمن قد انتهى إلى الخط الأفقي المناسب والذي سيسير عليه أفقيا.. بينما كان قبل ذلك يندفع عدة اندفاعات إليه خروجا من جاذبية الأرض.. الاندفاعة الأولى كانت العلم.. والثانية التأهيل النفسي.. والثالية تقوية الصلة والاستعداد الروحي.. والرابعة التحرك للدين.. الآن قد استقر المؤمن في صورته التي يريده الله فيها.. فجاء وقت التعهد بالرعاية لكافة ما سبق.. أو التعهد بمتابعة المؤمن لتفعيل كافة ما سبق وترجمته. فكانت الفاتحة.

فتبدأ السورة بالثناء على الله تعالى، فالحمد لك يا رب العالمين، يا رحمن يا رحيم، يا مالك يوم الدين.. وهذا تقرير للعقيدة التي تعلمها المؤمن في أول ما نزل من القرآن، فبعد أن علم أن الله هو الرب الذي خلق، هنا يحمد رب العالمين! ويدعوه بصفاته التي يرجو بها المؤمن الخير، فهو الرحمن الرحيم، ثم هو مالك يوم الدين، وهو اليوم الذي يتعق به قلب المؤمن في الحساب والجزاء واسترداد الحقوق، فالمؤمن لا يتعلق بحق من الدنيا على سبيل الغاية والإطلاق.

ثم ينطلق المؤمن في السورة مترجما لواقع ما سبقها من القرآن المكي.. فيستعين بالله تعالى.. على ماذا؟ على كل شيء.. على التأهيل النفسي لمواجهة الأعداء في سورة القلم، وعلى التأهيل التعبدي وإقامة الصلاة في سورة المزمل، وعلى مشاق الدعوة في سورة المدثر.. فالله قال له في المزمل (قم الليل إلا قليلا) وقال له في المدثر (ولربك فاصبر) .. فيقول المؤمن هنا (إياك نعبد وإياك نستعين)!.. نعم ، إنها منهجية التربية في القرآن المكي!

ثم ينطلق المؤمن يدعو ربه أن يهديه الصراط المستقيم.. يساله ذلك بعد أن تبين له الصراط كاملا.. نعم.. تبين له الصراط أنه علم وصبر وصلة بالله ودعوة شاقة.. تلك هي مقومات الصراط، قد تعلمها المؤمن في السور السابقة على، وهو هنا ـ وقد نضجت لديه تلك التصورات والتحركات ـ يستجمعها في دعاء واحد هو سورة الفاتحة!


الحركة التربوية:

لدينا شباب منتخب قد تحرك بالفعل للدعوة في مرحلة المدثر، هذا الشباب لابد من تعهده بالرعاية والتذكير بالصراط ومقوماته، وهي العلم من العلق، والدعوة من المدثر، والإعداد الروحي والتربية الفردية من المزمل، والتأهيل النفسي في مواجهة الأعداء من القلم.. فهو علم وعلاقة بالله وتبيلغ للعلم واستعداد للعدو.. فلابد من تعهد الشباب بذلك؛ بتذكيرهم به في خطاب واحد يجمعها وهو من جوامع الكلم.. محاكاة لسورة الفاتحة التي أجملت كل ما سبق عليها من الخطاب المكي.

[align=center]سورة المسد..تثبيت المؤمنين بذكر واقع أعدائهم..وهو نهج رباني![/align]

سبب نزول سورة المسد معروف مشهور، فقد رواه البخاري عن ابن عباس – فهو مرسل صحابي لأن ابن عباس لم يكن قد ولد بعد ولا ضير فيه – لما نزل قوله تعالى (وأنذر عشيرتك الأقربين) وما كان فيه من القصة المشهورة، ومما فيها أن أبا لهب قال للنبي صلى الله عليه وسلم: تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟.. فأنزل الله تعالى سورة المسد.

لا شك أن القرآن ليس لغو! وما ينزل منه من كلام إلا بتدبر الملك جل جلاله، ومثله سورة المسد، إنها إخبار بحال فاسق عن أمر الله وحال امرأته الفاسقة عن أمر الله..
ولكن بالآية شيء عجيب يمكن أن نستل منه الحركة التربوية – أو التربوية الحركية - .. إنه رغم كفر أبي لهب وكفر امرأته إلا أن غيرهما كذلك هم من أشد الناس كفرا، وكذلك الآيات لا تدور حول بسبب نزولها حول مجرد كفره وإن كان هو محور لخطاب الله حول أبي لهب وامرأته.. فالآيات تدور في محورها خصيصا حول موقف أبي لهب وامرأته من النبي صلى الله عليه وسلم.. من حيث الإيذاء بالقول والفعل.. فقول أبي لهب " تبا لك سائر اليوم " .. وما كانت امرأته تقوم به من الإيذاء البدني كذلك.. ذلك هو ما أنزل الله لأجله السور.. وليس هو مجرد الكفر، وإلا فغيرهما كان من أشد الناس كفرا كما سبق، ولم ينزل بهم قرآن، ولم يكونوا على تلك الدرجة من الاهمية أن ينزل بهم قرآن!.. فتتضح لدينا الغاية التربوية هنا والتي ننتقل غليها مباشرة فلا نطيل..


الحركة التربوية:

إن الشباب في عصرنا – وقد استقروا في العلم والدعوة – يواجهون منغصات عديدة، من أبرزها هو تعرضهم للأذى على أيدي أناس بلغوا من العتو والإيذاء ما بلغ أبو لهب وامرأته أو يزيد!.. والله تعالى علمنا هنا أن نسري عن أرواح المؤمنين بتشميتهم في أعداء الله الذين يسومونهم سوء العذاب.. فلاالتفات هنا إلى الاجتهادات الشخصية التي يحاول أو يبتكرها بعض الدعاة سواء بالسلب أو الإيجاب ، بالموافقة أو المخالفة، فهي مجرد تصورات بعيدة عن تفصيل وفعاليات السلوك الرباني.. وكلها ـ مع غيرها من التصورات الدخيلة ـ هي ثمرة البعد عموما عن كتاب الله تعالى كمنهج (مفصل) في قضايا التربية.

أما كيفية أداء ذلك فهي بتذكير الشباب المبتلى بالآيات والآثار التي توعد الله تعالى بها المتعرضين لأوليائه.. وكذلك يصلح سرد قصص خواتيم الطغاة من المعاصرين ممن آذوا المؤمنين في أبدانهم وأعرضهم، ممن ختم الله تعالى لهم بالسوء، فجعلهم عبرة.. فإن ذلك يسري على قلب المؤمن المبتلى.. كما سرى الله على قلب النبي صلى الله عليه وسلم بحال أبي لهب وامرأته الذين بلغا من الإيذاء مبلغا بحيث إن الإخبار بمصيرهما ليسري على قلب أرحم البشر!

بقيت قضية يمكن أن تشكل؛ وهي أن أبا لهب وامرأته كانا كافرين.. فأقول:هذا لا دخل له في المعنى عموما؛ فمعنى التسرية والترويح والتشميت حاصل ومتعد.. أما وصف الكفر من عدمه فإنه يظهر في وصفنا للمتسرى به والمشموت فيه، فكل بقدره.. ويبقى المعنى وهو أن من أكبر عوامل التثبيت هو التشميت والاطلاع بأحوال من عادوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.. وهذا ما يعلمنا إياه المنهج القرآني في غير ما موضع، وكما يثبت في كثير مواقف من السنة. فعلينا أن ننتهج النهج القرآني المتكامل لا التورم في جانب على حساب جوانب لاكتساب مسحة عامة في أحدها تعكس الميول العامة للمكلف ولا تعكس تكامل التربية القرآنية. فتفطن.

والحمد لله رب العالمين
 
جزاك الله خيراً أخي محمد
ولا شك في وجود أثر تربوي واقعي في نفوس المؤمنين من جراء تنزل القرآن بذلك الترتيب , ويبقى بعد ذلك الاجتهاد في تلمس ذلك الأثر , واستنباط روابط الآيات مع الأحوال والأوقات التي عايشتها .
وقد وقفت على محاولات جيدة للربط التربوي بين السور بترتيبها المعهود في المصحف , وفيها نتائج جميلة .
ويبقى بعد ذلك من الوجوه العناية بمجموعات السور التي ورد في النص الشرعي وصفها بصفة جامعة لها تتميز بها عن غيرها (السبع الطوال - المئون - المفصل - الزهراوان .. ) فهناك متسعٌ من الكلام والاستنباط فيها جدير بالنظر والاستفادة .
 
وأرى من الضروري التنبيه على أن أعظم ما يطلب من أهل العلم والدعوة في هذا الوقت -وكل وقت- الأخذ بذلك المنهج الرباني في التربية , وهو : تنزيل الآيات على الوقائع , والربط بين معاني الآيات والأحداث . فهذا أعظم أسلوب تربوي في بناء الفئة المؤمنة .
وذلك يستلزم مقدمات مهمة :
أولاً : استظهار آيات القرآن الكريم .
ثانياً : فهم معانيها ودلالاتها بوضوح .
ثالثاً : حسن الربط بين الآيات والوقائع بلا تكلف .
فهنالك نرى أعظم الأثر لهذه الآيات في واقع الناس , وهذا لعمري واجب العلماء والدعاة الصادقين .
 
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم أستاذ نايف

نحن بحاجة ـ بالفعل ـ إلى ذلك المنهج

ولكن لدينا إشكالية عظيمة جدا.. ألا وهي تحول وتحور وتبلور كافة المشروعات التربوية لتصير مشروعات علمية بحثية بحتة.. فلو دققت ربما ترى البعض من الدعاة أو المربين يؤمنون بتلك النظرية وربما يتباحثونها معك، بينما حينما تفحص بل تلقي نظرة عابرة على منهجهم التربوي الواقعي تراه لم يتغير عن مفاهيمه القديمة التي يسير عليها قبل أن يستنير عقله بتلك النظرية.
وحينما تأملت في سبب ذلك وجدت أنه ( هول ) القضية !

نعم، إن القرآن نزل لأحياء يتحركون في أرض الواقع ، وهذا يعني أنه ـ أي القرآن ـ سيوجههم في حركتهم الواقعية وفعاليات حياتهم الواقعة بالفعل.. وهذا له ( رهبة ) عظيمة في النفوس.. القرآن كان يخاطب حول أحداق وربما بأسماء أصحاب الأحداث.. فقد كان طرفا في الاحداث ولكنه طرف توجيهي مستعل، وهذا لا يملك جمهور المعاصرين أن يعايشوه، لأنهم لم يصلوابعد لمرحلة من الجندية أن يخوضوا الواقع بالقرآن.. القرآن بصراحته ووضوحه وحسمه.. فنحن في عصر الاحتياط والمداراة وإلصاق قاعدة لا ضرر ولا ضرار بكل قضية أو دعوة وإجراء الحسنى حتى على لب الاعتقاد ومتن الشريعة وليس فقط في أسلوب أو سلوك الدعوة.. كذلك الأصل الآن هو الأمان وتجنب وقوع الاعتراض أو التعنيف أو الإيذاء من المخالفين. وهذا (كله) مخالف لما يستقرئه المرء من معايشته للقرآن وإنزاله على واقع الصحابة الذين نزل إليهم كطرف في معركتهم مع الباطل.

كذلك نحن في عصر تصور إمكان تجنب الخلافية الفكرية بنوع تعريض أو مداراة على طول الخط ! وهذا خلاف كل شيء .. قرآن .. ومنطق .. وواقع.. فنتصور أن تقليل الفجوة ممكن.. وهنا أقول: لو أن الفجوة غير موجودة أو أنها صغيرة جدا فلماذا نزل القرآن إذا؟!

كنت في لقاء مع أحد الدعاة الأفاضل نناقش هذه القضية ـ وهو داع فاضل أحسبه من المخلصين والله حسيبه ـ

فقلت له : نحن يا شيخنا نظل نقول الواقع الواقع الواقع والتطبيق في الواقع ومعرفة الواقع .. إلخ ولكن نحن ضربنا لأنفسنا خطا أحمرا على الواقع لا نتجاوزه فكيف نظل نتكلم ونأمل أن نخوضه؟ فمثلا لو أردت الآن أن أتحدث عن الواقع وأن الداعية ينصح الشباب بالدعوة إلى الله في أرض الواقع.. فلماذا نجبن عن بيان الواقع لهذا الشاب؟.. أخبره.. أخبره أن هناك أجهزة أمنية ستتعرض له بالقمع والضرب والتعذيب بالكهرباء.. كأحد إخواننا بالقاهرة في معرض الكتاب الأخير قام بالتصدي لحملات التنصير بالمعرض من خلال توزيع كتيبات دعوية على الخارجين من مكتبات النصارى.. فقبض عليه جهاز الأمن المصري وأودعه بالزنزانة وخرج بعدها بفترة .. ألا تخبر الشاب بـ (الواقع) الذي ينتظره؟.. يخبره الداعية ويعلمه كيف يتعامل مع هذه المواقف .. ولكن الواقع أن هذه المناطق حولها خطوط حمراء لا يمكن القرب منها!

هذا هو أستاذ نايف.. إن الأمر أكبر بكثير من أن ندرك مجرد (الفكرة).. إننا لابد وأن نتحرك منفذين تلك الفكرة.. وهنا يظهر الخطر وتنكشف القلوب .. فالقضية ليست علمية بحثية .. بل هي قضية إيمان ويقين وتعلق بالآخرة.

انظر إلى السور المكية في تربيتها للمؤمنين.. وانظر إلى العمل بحركتها التربوية في واقعنا ونحن في العالم 2009 هنا لن يثبت بالقرآن إلا من اختاره الله للثبات به وعليه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ما رأيكم بكتاب قواعد التدبر الأمثل في هذا المضمار ؟
 
مرت على ذهني خاطرة

مرت على ذهني خاطرة

اخي الكريم

مرت بذهني خاطرة وانا اقرأ موضوعك المفيد فأحببت تقييدها بالكتابة

كتابين قرأتهما منذ زمن طويل وهما للكاتب
محمد منير الغضبان



المنهج التربوي للسيرة النبوية
المنهج الحركى للسيرة النبوية

فقد افدت منهما في حينها
 
الكتاب الثاني عرفت أنه جيد وهو في جدول القراءة إن شاء الله

ما دار نشره؟
 
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حياكم الله تعالى وجزاكم خيرا, فهذا الموضوع حيوي وهام, لا بد من الاهتمام به.
دعائي
 
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حياكم الله تعالى وجزاكم خيرا, فهذا الموضوع حيوي وهام, لا بد من الاهتمام به.
دعائي

هذا الموضوع هو عندي مشروع

لكني غير متعجل عليه .. لا لعدم حساسيته وأهميته؛ وإنما تعلمنا كذلك من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ألا نعجل وألا نسابق سنة الله الكونية.. فليأخذ كل مشروع حقه إن كنا نريده أن يكون مشروعا حقيقيا.

والحمد لله رب العالمين
 
سلمت يداك يا ابن رشيد ، وأسأل الله أن يمن عليك بإكمال هذا المشروع التربوي وأن ينفع به
 
جزاكم الله خير الجزاء بالرغم من إني عضوة جديدة إلا إني استفدت كثيرا فموضوعاته هامة ومفيدة خاصة أن مجالة هو مجال دراستي أسأل الله أن ينفع بها الجميع.... دعواتكم
 
أحسن الله تعالى إلينا جميعا وأنار بصائرنا بنورالقرآن وجعلنا أقداما للقرآن يمشي عليها ويتحرك بها
 
عودة
أعلى