المفاضلة بين القراءات

إنضم
27/06/2011
المشاركات
2
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أورد النحاس-رحمه الله- في تفسيره لسورة البلد أن المفاضلة بين القراءات لا تجوز وقال: " ....فهما قراءاتان حسنتان لا يجوز أن تقدم احداهما على الأخرى" إعراب القرآن - (ج5-231)، والإشكال الذي وقع لي هو أني وجدت ابن القيم-رحمه الله- يقدم بعض القراءات على الأخرى .
و السؤال هل فعلا لا تجوز المفاضلة بين القراءات؟ والمقصود المتواترة
 
للقراءات معنيان

للقراءات معنيان

لا يعني النحاس أن المفاضلة بين أي قراءتين لا تجوز بل بين هتين القراءتين المعينتين في هذا الموضع لأنهما "حسنتان" ، لكن تساءلكم وجيه وموضوعه قديم حديث.
فلكلمة "قراءات" معنيان، أحدهما يطلق على الحرف من القرآن أي الكلمة الواحدة وقد اختلف القراء السبعة بنحو 1200 كلمة في جميع القرآن ، والسبب في صعوبة عدّ الفرش ، لا استحالته، هو وجود ما نسميه بأصول الفرش وهي قراءة قارئ ما لكلمة معينة باطراد، ولذلك اعتاد القراء أن يقولوا في مثل ذلك: حيث وقع. أما القراءات التي في كتاب الكامل في القراءات فاختلف فيها القراء بنحو 1700 كلمة في جميع القرآن. وهذه القراءت على درجات منها ما هو انفرادات ومنها ما هو تساوي الفريقين أو الفرقاء من القراء الذين قرأوا الحرف.

وتطلق كلمة قراءات لتعني جمع قراءة أي إحدى طرق تلاوة القرآن المروية من اختيار شخص معين معدود بين القراء، فإن كان هذا الشخص من ضمن السبعة فالقراءة سبعية وإن كان من الثلاثة فوق السبعة فالقراءة عشرية وإن كان فوق ذلك فقراءته بحسب حظها من التصنيف ولكنها شاذة عن العشرة.
فعلى المعنى الثاني لا توجد قراءة متواترة من أول القرآن إلى آخره عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقل بتواترها أحد يعتد بقوله.ولكنها صحيحة مقبولة مشهورة مستفيضة.
وإن كانت بالمعنى الأول فإن كان الحرف القرآني مما أجمع القراء على قراءته فلا شك أنه متواتر وإن كان مما اختلفوا فيه ففيه تفصيل، وخلاصته أنه يجوز الترجيح بحسب السياق وعادة القرآن في خطابه وكلام العرب وكون القراءة مستفيضة بين أهل المدينة ومكة أم لا إلى غير ذلك من المرجحات التي يعتمدها ابن جرير وكل من ألف ممن له اختيار إلى جانب كتابه.فلا يستطيع عالم في الدنيا أن يفضّل قراءة حفص "ورجِلِك" بكسر الجيم على قراءة القراء العشرة "ورجْلِك" بسكون الجيم مثلاً.
فعلى المعنى الثاني أي حين نأخذ القراءات كاملة وهي الأشهر في معنى القراءة يجوز الترجيح بحسب الأغلب ولذلك ورد عن أهل العلم قراءة نافع سنة، وهو قول الشافعي ومثله عن ابن وهب وزاد "كيف برجل قرأ عليه مالك". وقالوا إن أفصحها قراءة الكسائي وأبي عمرو.
وقالوا عن أقربها إلى لغة النبي صلى الله عليه وسلم أبو عمرو إذا أدرج وورش عن نافع لقول النحاة "كانت قريش لا تهمز".
وأما الترجيح بين القراءات في الحرف الواحد فالصواب من مذهب أهل العلم أنه يجوز وهو مذهب ابن جرير.
ويوجد خلاف بين تنظير العلماء وبين واقع حالهم.
فابن الجزري حين نقل أن قول كل من يعتد به من أهل العلم أن أركان القراءة الصحيحة (للحرف) هي صحة السند آحادا لا تواتراً وموافقة العربية ولو بوجه وموافقة خط المصحف ولو احتمالا ، فإذا اختل ركن منها فأثبتن شذوذه لو أنه في السبعة.
لكن حين وجد اختلال لهذا الركن في القراءات السبع والعشر تعصب ابن الجزري وخالف تنظيره وهو عادة بين أهل القراءات لا ندري سببا علميا مقنعًا لها.وما يزال الموقف الرسمي بين أهل القراءات على هذه الحال.والله الموفق
 
بسم الله الرحمن الرحيم​
أولاً أنا لم أبحث في هذا الموضوع، ولكن أنقل ما قد يفيد، وما ينبغي أن يوضع في الاعتبار عند بحث هذا الموضوع.
قال أبو حيان رحمه الله في تفسيره البحر المحيط [ط. دار الفكر]:

1 - عند تفسيره وذكره للقراءات في قوله تعالى : "وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة" [البقرة : 51] :
"وقد رجح أبو عبيد : "وعَدْنَا" بغير ألف، وأنكر قراءة من قرأ : "وَاعَدْنا" بالألف. وافقه على ما قال أبو حاتم ومكي. وقال أبو حاتم أكثر ما تكون المواعدة من المخلوقين المتكافئين، كل واحد منهما يعد صاحبه، وقد مر تخريج "واعد" على تلك الوجوه السابقة، ولا وجه لترجيح إحدى القراءتين على الأخرى، لأن كُلًّا منهما متواتر، فهما في الصحة على حدٍّ سواء". (1/ 321)

2 - عند ذكره للقراءة بفتح الغين وضمها في قوله تعالى : "غرْفة" [البقرة : 249] :
" ..... قال ابن عطية : وكان أبو علي يرجح ضمَّ الغين، ورجحه الطبري أيضًا : أن غرفة بالفتح إنما هو مصدر على غير اغتراف. انتهى.
وهذا الترجيح الذي يذكره المفسرون والنحويون بين القراءَتين لا ينبغي؛ لأن هذه القراءات كلها صحيحة ومروية ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكل منها وجه ظاهر حسن في العربية، فلا يمكن ترجيح قراءة على قراءة". (2/ 588)

3 - وفي القراءة بالراء والزاي في قوله تعالى : "ننشزها" [البقرة : 259] :
"والقراءة بالراء متواترة، فلا تكون القراءة بالزاي أولى". (2/ 638)

4 - وعند توجيهه للقراءة بضم القاف وفتحها في قوله تعالى : "قرح" [آل عمران : 140] :
" .... قال أبو علي : والفتح أولى انتهى. ولا أولوية إذ كلاهما متواتر". (3/ 354)

5 - وعند تفسيره لقوله تعالى : "بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون" [آل عمران : 79]:
" .... وتكلموا في ترجيح إحدى القراءتين على الأخرى، وقد تقدَّم أني لا أرى شيئًا من هذه التراجيح، لأنها كلها منقولة متواترة قرآنًا، فلا ترجيح في إحدى القراءتين على الأخرى". (3/ 232)

6 - وفي القراءة بالياء والنون في "نُـؤتيهم" من قوله تعالى : "أولئك سوف نؤتيهم أجورهم" [النساء : 152] قال :
" .... وقول أبي عبد الله الرازي : قراءة النون أولى من وجهين ...... ، ليس بجيد، ولا أولوية في ذلك؛ لأن القراءتين كلتاهما متواترة، هكذا نزلت، وهكذا أنزلت". (4/ 120)

وذكر الدكتور يوسف بن خلف العيساوي في كتابه الرائع "علم إعراب القرآن تأصيل وبيان" ضمن ضوابط إعراب القرآن الكريم في الضابط الرابع : لا تفضل قراءة متواترة على مثلها بالإعراب
"بيَّن المحققون من العلماء أنه لا ترجيحَ بين القراءات المتواترة. قال ثعلب : "إذا اختلف الإعراب في القرآن عن السبعة، لم أفضل إعرابًا على إعراب في القرآن، فإذا خرجتُ إلى الكلام، كلامِ الناس، فضَّلتُ الأقوى". ونعم السلف لنا أحمد بن يحيى، كان عالمًا بالنحو واللغة، متدينًا ثقة". (258) ثم ذكر نقولًا عن أبي حيان والسمين الحلبي - رحمهما الله - تأييدًا لقاعدته.
 
وتطلق كلمة قراءات لتعني جمع قراءة أي إحدى طرق تلاوة القرآن المروية من اختيار شخص معين معدود بين القراء، فإن كان هذا الشخص من ضمن السبعة فالقراءة سبعية وإن كان من الثلاثة فوق السبعة فالقراءة عشرية وإن كان فوق ذلك فقراءته بحسب حظها من التصنيف ولكنها شاذة عن العشرة.
فعلى المعنى الثاني لا توجد قراءة متواترة من أول القرآن إلى آخره عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقل بتواترها أحد يعتد بقوله.ولكنها صحيحة مقبولة مشهورة مستفيضة..
أرجو التوضيح فيما يخص المقتبس بضرب الأمثلة وإيراد بعض مواقف تعصب فيها ابن الجزري خارقا قاعدته. وشكرا مسبقا على الرد
 
قال ابن عطية عند قوله تعالى { إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله }

وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم في رواية حفص قرح بفتح القاف، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر قرح بضم القاف، وكلهم سكن الراء .
قال أبو علي: هما لغتان كالضعف والضعف والكره والكره ،والفتح أولى لأنها لغة أهل الحجاز، والأخذ بها أوجب لأن القرآن عليها نزل
قال القاضي أبو محمد : هذه القراءات لا يظن إلا أنها مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وبجميعها عارض جبريل صلى الله عليه وسلم مع طول السنين توسعة على هذه الأمة وتكملة للسبعة الأحرف حسب ما بيناه في صدر هذا التعليق، وعلى هذا لا يقال هذه أولى من جهة نزول القرآن بها وإن رجحت قراءة فبوجه غير وجه النزول
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرا، وبارك لكم في علمكم ونفعكم به في الدنيا والآخرة.
 
توسّع بعض العلماء كأبي حيان فعدُّوا الشهرة والاستفاضة تواتراً، وبهذا الرأي تأثر ابن الجزري في شبابه وانتصر له ولكنه رجع إلى الصواب في آخر أمره فقال كنت أميل إلى هذا القول (أي القول بتواتر السبع) لكن تبين لي خطؤه. فتبين لنا أن سبب الخلاف هو تحديد مصطلح متواتر، فإن التواتر ليس الصحة ولا الشهرة ولا الاستفاضة بل هو شيء فوق ذلك. ومن خلال حواري مع كثير من الإخوة الفضلاء في هذا المنتدى المبارك تبين لي أن كثيرين ما يزالون على رأي ابن الجزري في شبابه أي رأي أبي حيان في عد القراءات السبع أو العشر متواترة كلها أي ما اتفقوا عليه وما اختلفوا فيه من فرش الحروف.
ولكي يتضح الأمر نضرب أمثلة: فنحن نؤدي الصلاة بأن نقرأ فيها الفاتحة بأحاديث صحيحة ولكنها ليست متواترة فالمتواتر هو فقط عدد الصلوات والركعات ولذلك لم يختلف المسلمون فيما هو متواتر ولكنك واجد في كتب الفقه أقوالا للحسن البصري ت110هـ ولأبي حنيفة ت150هـ على سبيل المثال لا يقولان بقراءة الفاتحة في كل ركعة
فالصحة تختلف عن التواتر.
أحاديث الصحاح معظمها صحيح آحادا وليس فيها إلا القليل جدا من المتواتر.
فالتواتر ليس أمرا سهل الحصول لأنه فوق قدرة التاريخ نفسه على التدوين والنقل إلا ما كان منه معلوما من الدين بالضرورة.
وفي القرآن الكريم تواتر لدينا عن الصحابة رضي الله عنهم المصحف مجردا من النقط والشكل لأن الخط لم يكن في عصر كتابة المصحف عام 12 هـ ولا في عصر توزيعه على الأمة عام 30هـ لم يكن الخط قد تطور بالنقط والشكل بعد.
والخط دون نقط وشكل أعجز من أن ينقل النص بل كان مساعدا للحفظ فقط.
وقد كان ابن الجزري محقا بقوله لأن التواتر لو وجد لم يحتج إلى الشرطين الآخرين أي موافقة المصحف والعربية.
وهذا السبب في قصور أحكام أبي حيان التي أوردها الأخ وائل مشكورا فهي مبنية على مفهومه هو للتواتر ولو وافقناه على مفهومه لقلنا بقوله، ولكنا لا نوافقه عليه لأنه خلاف قول المحققين من علماء أصول الفقه.
ولا قدرة للذاكرة البشرية أن يتواتر المصحف كاملا لأنه نص طويل جدا يفوق قدرة الذاكرة على الحفظ دون خط مساعد. ولذلك خشي عمر بن الخطاب على كتاب الله حين قتل سبعون من القراء، لأن القراء يصحح بعضهم بعضا ويذكر بعضهم بعضا وقد كان لبعضهم مصاحف منذ حياة النبي صلى الله عليه وسلم
ولأن االقراءة بذاتها تختلف عن الكتابة إذ يمكن في الكتابة أن تقول:" وفي رواية.." أو أن تصف الكلمة لكن لم يمكن للقراء أن يقرئوا بالوجهين أو بكل الوجوه بل كانوا يختارون من بين ما يعرفون من وجوه جائزة وراجحة ومرجوحة وفق ضوابط لم تُنقل إلينا. إلا أنا نعلم أن نافعا قد أقرأ ورشا بوجه أسميناه رواية، وقالون بوجه أسميناه رواية أيضاً. ونعتقد أن نافعا كان يعرف أغلب خلاف الناس في القراءات ولكنه اشتهر عنه أقوى وجوه اختياره التي اشتُهر بها وعرف بها.
تعددت القراءات للقرآن ونسبت لأسباب تاريخية إلى أسماء من لزموا وجها يختلف عن سواه ويجمع إلى ذلك موافقة أحد المصاحف العثمانية وصحة السند والأخذ عن شيوخ معتبرين. إلى أن جمع ابن مجاهد من بين المشهور بين الناس من قراءات قراءات سبعة قراء واختار لكل منهم راويين. وقد سار علم القراءات على نحو خدم القرآن أداءً ولكنها لم تكن أحسن المناهج لتاريخية النصّ.
فاختيار القراءة لتُقْبل من أول القرآن إلى آخره لم يكن أفضل المناهج لحفظ الحروف المختلف فيها.
فقراءة ابن محيصن نبذها ابن مجاهد لأن فيها مخالفة ظاهرة لخط المصحف في نحو عشرة مواضع! فكان الأولى تضعيف العشرة المواضع وحدها لا تشذيذ القراءة كلها! فمثلا يقرأ أبو عمرو حرف {بورِقكم} بسكون الراء أي {بورْقكم} فلم يمكن معه الإدغام ولو قرأها كعاصم {بورِقِكم} لأدغم القاف في الكاف. ولما كان ابن محيصن قد قرأها كعاصم فإنه أدغمها فقرأها {بِوَرِقكُّم} واليوم لو قرأ بها إمام في الصلاة لعده التقليديون من تلاميذ القراء ممن يقرأ بالشاذّ! لأن حكم الشاذ الذي يصح فقط في العشرة المواضع التي خالفت فيها قراءة ابن محيصن خط المصحف قد انسحب بسبب المنهج القاصر لابن مجاهد ومن وليه على جميع قراءة ابن محيصن!
وهكذا لم يكن بد بسبب المنهج الذي يقبل القراءة كلها أو يشذذها كلها من أن نفقد حروفا وقراءات أصح من حروف السبعة أو بعضهم في مواضعها.

فالترجيح بين القراءات على فهم قراءة فلان وفلان قد صرح به بعض العلماء ففضلوا قراءة اهل المدينة ثم فاضلوا بين غيرها من حيث الفصاحة والقرب الى لغة قريش.
وأما الترجيح بين الحروف المفردة أي بين فرش الحروف واختلاف القراءات فيها فجائز سار عليه المحققون كابن جرير وغيره وتورع عنه المتأخرون لمزجهم بين الشهرة والتواتر، ومعلوم أن حجة أبي حيان ومن وافقه أو سبقه في قوله تصح فقط إذا كان فرش الحروف متواترا وهو لم يتواتر قطعاً.
وقد هداني الله تعالى إلى وضعه في مرتبة فوق الصحيح ودون المتواتر المجمع على تواتره فأسميه بـ"ـالمتواتر احتمالاً" لأن له علاوة على ميزة الصحة المتوفرة في كثير من الأحاديث ميزةً أخرى لا يجوز بخسها أهميتها وهي تواتر رسمِه أي "موافقة أحد المصاحف العثمانية ولو حتمالاً"
في هذا المقال
ولي عودة بإذن الله
 
أرجو التوضيح فيما يخص المقتبس بضرب الأمثلة وإيراد بعض مواقف تعصب فيها ابن الجزري خارقا قاعدته. وشكرا مسبقا على الرد
الأستاذ بوصو المحترم: تحية طيبة لكم ولمحبيكم
ما عنيتُه في المقتبس الذي أوردتموه أن مفهوم "قراءة" أطلق على شيئين أحدهما "طريقة إقراء واختيار من أول القرآن إلى أخره" وثانيهما "طريقة نُطق كلمة [حرف] من كلمات القرآن". وقد جزمتُ (وما أزال أجزم) أن لبسا قد حصل بسبب "الاشتراك اللفظي في المفهوم" أي استخدام المصطلح "قراءة" ليدلّ على شيئين مختلفين. فمعيار ابن مجاهد الذي استبعد على أساسه قراءة ابن محيصن من فضيلة السبعة أن قراءة ابن محيصن فيها مخالفة صريحة مكشوفة لخط المصحف في نحو عشر مواضع. وعلى حين كون الحقّ معه في استبعاد تلك العشرة المواضع، لم يكن معه الحق في استبعاد كل القراءة بما فيها حروف لم ترد في السبعة ولا في العشرة لأن تلك المواضع [الفرش] التي وردت في قراءة ابن محيصن مما لم يخالف فيه خط المصحف فيها ما لا يقلّ عما في المقبول المشهور من القراءات. من مثل قراءته (لكلّ امرئٍ منهم يومئذٍ شأنٌ يَعْنيه) فالحرف يعنيه حقه القبول وأن تجوز به الصلاة كسائر حروف العشر لكن اللبس الذي جلبه مصطلح (قراءة) حين أطلق على أمرين [على القراءة كاملة وعلى قراءة حرف معين بذاته] اضطر ابن مجاهد من الناحية العملية أن يستبعد قراءة ابن محيصن بما فيها من حروف صحيحة وفرش حروف هو من القرآن الصحيح الذي فيه ما يفوق حروفا معينة في مواضع من السبعة.

هذا ما عنيته من أن ابن الجزري رحمه الله كان متسقا مع تنظيره لكنه لم يستطع تطبيقه على حروف معينة [فرش حروف معين] داخل القراءات السبعة أيضا لأسباب عملية ودينية وإقرائية.
وبعبارة أوضح وأصرح فإنّه لا توجد قراءة [من أول القرآن إلى آخره] لا تُخل بأحد الشروط الثلاثة لكن الناحية العملية تستوجب قبول القراءة لكامل القرآن لقلة ما ينقض المعايير فيها أو عدم قبولها كلها لكثرة ما ينقض معيار موافقة ظاهر المصحف فيها.
وقد ربح علم القراءات عمليا مما حصل ولكن تاريخ القرآن و"حصر كل الحروف الصحيحة" قد خسر من هذا المعيار، لأننا لا نشك" أننا فقدنا حروفا صحيحة في الفرش بسبب عدم إمكانية ذلك عمليا.
وما نطمح إليه اليوم هو أن نعيد الاعتبار للفرش الصحيح على الأقل على صعيد الوعي بوجود حروف صحيحة لم تتضمنها القراءات العشر كلها.
أرجو أن يكون القصد واضحا. ولكم التقدير والودّ
 
المفاضلة العندية و العنادية

المفاضلة العندية و العنادية

أخي خالد؛
هناك مفاضلة عندية ومفاضلة عنادية. المفاضلة التي لا تجوز هي المفاضلة العنادية، أما العندية فداخلة في "فاقرؤوا ما تيسر منه" والذي يتسير عندي غير ما يتيسر عندك أو عند الآخر. الأئمة متفقون على رفض المفاضلة العنادية، ومختلفون في المفاضلة العندية. النحاس حول إعراب سورة المزمل يقول "والسلامة من هذا عند أهل الدين إذا صحت القراءتان عن الجماعة أن لا يقال: إحداهما أجود من الأخرى لأنهما جميعا عن النبي صلى الله عليه وسلم فيأثم من قال ذلك، وكان رؤساء الصحابة ينكرون مثل هذا". ويقول أبو شامة حول قراءة {مالك}: "أكثر القراء والمفسرون في الترجيح بين القراءتين حتى إن بعضهم يبالغ في ذلك إلى حد يكاد يسقط الأخرى، وهذا ما لا يحمد بعد ثبوت القراءتين".

لا يظهر من كلام النحاس المفاضلة التي يقصدها لكن القول بأن القراءة لذاتها أجود من الأخرى، هو من المفاضلة العنادية، أما أن تقول هذه القراءة عندي أجود، فهي مفاضلة عندية. الترجيح الذي يسقط قراءة ثابته، مفاضلة عنادية.

المفاضلة العندية: من الجامع لأحكام القرآن - فصل في القراءات ونسبتها، للقرطبي:
قال كثير من علمائنا كالداودي وابن أبي صفرة وغيرهما: هذه القراءات السبع التي تنسب لهؤلاء القراء السبعة، ليست هي الأحرف السبعة التي اتسعت الصحابة في القراءة بها، وإنما هي راجعة إلى حرف واحد من تلك السبعة، وهو الذي جمع عليه عثمان المصحف، ذكره ابن النحاس وغيره. وهذه القراءات المشهورة هي اختيارات أولئك الأئمة القراء، وذلك أن كل واحد منهم اختار فيما روى وعلم وجهه من القراءات ما هو الأحسن عنده والأولى، فالتزمه طريقة ورواه وأقرأ به واشتهر عنه، وعرف به ونسب إليه، فقيل: حرف نافع، وحرف ابن كثير؛ ولم يمنع واحد منهم اختيار الآخر ولا أنكره بل سوغه وجوزه وكل واحد من هؤلاء السبعة روي عنه اختياران أو أكثر، وكل صحيح. وقد أجمع المسلمون في هذه الأعصار على الاعتماد على ما صح عن هؤلاء الأئمة مما رووه ورأوه من القراءات وكتبوا في ذلك مصنفات، فاستمر الإجماع على الصواب، وحصل ما وعد الله به من حفظ الكتاب، وعلى هذه الأئمة المتقدمون والفضلاء المحققون كالقاضي أبي بكر بن الطيب والطبري وغيرهما.

طبعا هذا النص يحتاج إلى تحليل إذ الظاهر أن القرطبي رحمه الله لا يميز بين الحرف والقراءة والإختيار (الأستاذ وكاك لحسن بن أحمد في مقدمة تحقيقه لمنبهة الداني يذهب أبعد من ذلك ويرى أن الإختلاف والإختيار والحرف والمذهب والقراءة هي ألفاظ بمعنى واحد) ثم ينتصر للحرف الواحد على الحروف السبعة، فهل وقع في التناقض؟ من ناحية يقول "القراءات المشهورة راجعة إلى حرف واحد" ومن ناحية أخرى يقول "ولم يمنع واحد منهم اختيار الآخر ولا أنكره بل سوغه وجوزه"، لكن إذا أسقط الصحابة الأحرف الستة في الجمع العثماني، فما معنى الكلام في جواز المفاضلة أصلا؟ ولنلاحظ أيضا تعبيره بـ "قيل" عندما يقول "فقيل: حرف نافع، وحرف ابن كثير". أظن أنه لو لم يقل "قيل" لتناقض مرتين.

بما أن القرطبي ذكر الإمام الطبري. الطبري عرف عنه المفاضلة العندية والعنادية. المفاضلة العندية عندما يفضل قراءة دون إسقاط القراءة الأخرى (الثابتة طبعا)؛ أما المفاضلة العنادية ففي ترجيحه لقراءة على حساب أخرى (الثابتة طبعا).

عليه أخي خالد، أظن -بما أنك ذكرت ابن القيم- أن الذي يلزمك هو رفع سؤالك إلى مستوى أعلى لتحديد الأصل قبل الخوض في الفرع. وإن لم تفعل فسؤالك لا معنى له لأن القول بإسقاط الأحرف الستة (وهذا مذهب بن القيم) هو إعتراف بالمفاضلة. فهل كتب المصحف الإمام، أو هل كتبت المصاحف العثمانية (1) بحرف واحد، أم (2) بالأحرف السبعة، أم (3) إشتملت على ما يحتمله رسمها من الأحرف السبعة [ما لا يحتمله الرسم: بالحرف القرشي]، أم (4) إشتملت على الأحرف السبعة وحذفوا منها ما لم يثبت متواتراً ؟
 
عليه أخي خالد، أظن -بما أنك ذكرت ابن القيم- أن الذي يلزمك هو رفع سؤالك إلى مستوى أعلى لتحديد الأصل قبل الخوض في الفرع
السلام عليكم شيخنا شايب
هل من الممكن ذكر نماذج لترجيح ابن القيم ؟
 
أخي عابر سبيل؛
أنظر "عناية الإمام ابن القيم بالقراءات. إعداد د. يحيى بن محمد زمزمي، أستاذ مشارك بكلية الدعوة وأصول الدين، جامعة أم القرى": الصفحة 31 (ترجيحه بين القراءات).

يقول الدكتور زمزمي: "مع وضوح منهج الامام ابن القيم في اعتبار أن القرآن الكريم بجميع قراءاته هو كلام الله تعالى، وأنه يجب قبول جميع ما تواتر من القراءات، فهو الحجة والحكم، إلا أنه في مواضع غير قليلة رجّح بين قراءات متواترة،، مفضلا قراءة على أخرى، مع تعليل سبب هذا الترجيح".

تعليق: صحيح منهجه واضح (أنظر الصفحة 24: قبول جميع القراءات الثابتة). لا تناقض بين منهجه في قبول القراءات الثابتة، ومفاضلته بين القراءات، وأن هذه المفاضلة على مستوى أدنى من المفاضلة على المستوى الذي هو أعلى وهو مذهبه في الحروف السبعة. التناقض حاصل إن كانت مفاضلته عنادية، وهي ليست كذلك، إذن هي مفاضلة عندية، نجدها عند كثير من المفسرين في علاقتهم بين القراءة من جهة والتفسير من جهة أخرى.

ملحوظة: لست شيخا أخي، ولا المشيخة بضاعة تباع وتشترى في الأسواق الإلكترونية، بل مجرد قارئ وباحث أكتب في هذه المواضيع وأنا أعرف أني متطفل فيها، وإنما أفعل لهدف؛ أكتب وأعلّق ليتفاعل أهل هذا الشأن مع ما أكتب فيؤكدوا الصحيح منه وينتقدوا الخطأ فيه، كما أكتب لعلاقة بعض مباحث القراءات بالمبحث الذي أهتم به وهو الإنتصار والفكر الإسلامي، وجزاك الله خيرا.
 
عودة
أعلى