المعرفة وطريق التمكين

إنضم
08/08/2007
المشاركات
67
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
[align=center]المعرفة و طريق التمكين[/align]

[align=right]جمع وإعداد/محمد المصري.[/align]
[align=right]
المقدمة
[/align]
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله صلي الله عليه وسلم وبعد:-
[align=right]موضوع فقه التمكين في القرآن يحتاج لبحث تحليلي عميق لخطورته ولأهميته في حياتنا المعاصرة حيث إن الأمة تمر بفترة عصيبة من تاريخها, فهي في أشد الحاجة لفهم فقه التمكين حتى ترسم أهدافها وتسعى لتحقيق آمالها وفق سنن الله الجارية في الشعوب والأمم والمجتمعات والدول، ولقد لاحظت في دراستي للقرآن الكريم أن أصول فقه التمكين واضحة المعالم في كتاب الله الكريم, فما على الباحث إلا أن يجمعها ويرتبها ويحللها ويبين أثرها على حياة الأمة عندما حرصت على تطبيقه في كل شئون حياتها، وماذا أصابها عندما ابتعدت عن كتاب ربها وسنة نبيها صلي الله عليه وسلم، إن وصول الأمة الإسلامية في هذا الزمان إلى التمكين ليس بالأمر السهل، ولكنه كذلك ليس بالأمر المستحيل، إذ على الرغم من التضييق الشديد والحرب الضروس التي تشن على الإسلام والمسلمين، فإن كثيرًا من المسلمين يرون أن التمكين لدين الله قاب قوسين أو أدنى من ذلك، ومهما رأى الأعداء أن التمكين للإسلام بعيد يشبه المستحيل فإن المسلم واثق بوعد الله أن الأرض يرثها عباده الصالحون، وهذا ليس من باب الأحلام والتمنيات، ولكن من باب الثقة في الله تعالى، واليقين بوعده، إن كثيرًا من علماء الأمة وطلاب العلم فيها أجادوا في التصنيف في فنون متعددة ومتنوعة من علوم الدين، كما أنهم أفادوا الأمة في شرح الداء الذي أصيبت به الأمة, وفي بيان المؤامرات التي تحاك ضدها من قبل اليهود والنصارى وأعداء الإسلام، وبينوا شراسة الحملة التي شنها أعداء الإسلام بضراوة، وبكل الصور والأساليب على الأمة الإسلامية لتثبيط المسلمين، وخنق الأمل في صدورهم، وبث روح الهزيمة النفسية بين جوانحهم حتى لا ترتفع رؤوسهم، ولا تقوى عزائمهم، فيظلون في ذلك الضعف والهوان الذي صاروا إليه، فيصل بهم الأمر إلى الذوبان، والضياع، والتمزق بين سطوة الأمم التي تداعت عليها كما تتداعي الأكلة إلى قصعتها، لقد تحدث بعض الخطباء والوعاظ عن مشاكل الأمة، وفساد أحوالها، بصورة تنشر اليأس وتوصد أبواب الأمل في وجه أبناء الأمة الغيورين، وشاعت روح الهزيمة بين صفوفهم، وأصبحنا كثيرًا ما نسمع من يقول: ماذا نفعل؟ ضاع الإسلام والمسلمون!..ويقفون على ذكريات الماضين ويتغنون بأمجادهم، فأدركت أن الأمر كبير, والقضية خطيرة ورأيت أن الأمة في أمسَّ الحاجة إلى ما يرد إليها ثقتها بربها، ومنهجها، في حاجة إلى من يوقظ الإيمان في قلبها، ويرشدها للأخذ بأسباب التمكين وشروطه، ويبين لها طبيعة الطريق، وكيفية السير فيه، ويوضح لها المعالم لتعرف كيف تعمل؟ وإلى أين تسير؟(1)
ولهذا جاء هذا المبحث المتواضع الذي أقوم فيه بعرض أحد العوامل اللازمة للتمكين لدين الله في الأرض وهي العلم والمعرفة ،ولا أزعم أن قدمت جديد في هذا المبحث وإنما قمت فقط بتسليط الضوء علي أحد المعالم التي أحسبها هامة في فقه التمكين لدين الله ،وعملي في هذا المبحث لا يعدو عن قيامي بتجميعات نقولات وابحاث مختلفة مترامية هنا أو هناك ،أقوم بتجميعها وتهذيبها وإلقاء الضوء عليها لتخرج في صورة تبين المعني وتجلو المقصود،وإن تكررت في هذا المبحث بعض المعاني والكلمات فبغرض تثبيت المعني وتقرريه ،فالعبارات إذا تكررت تقررت كما يقولون ،وطبيعة المبحث نفسها تفرض الإسهاب أحيانا ً والتكرير ،وما هي إلا محاولة أقوم بها فإن كانت موّفقة فهذا فضل من الله وحده،وإن كان فيها من خلل فمن نفسي والشيطان والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
[/align]
العلم قبل القول والعمل(2)
[align=right]اصطفى الله ـ تبارك وتعالى ـ رسله ـ عليهم الصلاة والسلام ـ، وتولاهم بحسن النشأة، وتعهدهم بتمام الرعاية، ونبأهم بما يحـتـــاج إليه العباد من العلم؛ فكان للعلم في دين الله شأن ينبئك عنه أول القرآن نزولاً على نـبـيـنا-صلى الله عليه وسلم- حين خاطبه ـ تبارك وتعالى ـ بقوله: ((اقْراً بِاسْمِ رَبِّكَ الَذِي خَلَقَ)) (3) وبـهـــذه الآيــــــات وضع الله ـ تعالى ـ معالم الرسالة الإسلامية الخالدة في عمومها المطلق وشمولها الأعم مـبـيناً أنها رسالة العلم والمعرفة والعقل، وهي أعظم نعم الله ـ تعالى ـ على الإنسان)(4) وبهــذه الآيات البينات، وما تضمنته من الإشادة بالقراءة والكتابة والعلم، أبان الله ـ عز وجل ـ لنبيه-صلى الله عليه وسلم- ولأمة الإسلام أن المعرفة بوسائلها: من قراءة وكتابة وتعلّم هي الأسلوب الأمثل لتبليغ الرسالة.
وبـهـــذه الآيــات أعطيت الأمة مفاتيح الإصلاح والتقدم والرقي؛ لتعلم أنه لا إصلاح ولا مدنـيــــة ولا حـضــارة بغير علم ومعرفة؛ فالجهل ـ وهو نقيض العلم ـ لا يأتي إلا بالشر والفساد والتخلف، كـمـا أن الهداية إلى معرفة الحق واعتناقه والحرص على إقامة معالمه والدعوة إليه لا يكون إلا مـــع العلم، ولا يكتب للعلم النمو والانتشار إلا إذا سجله القلم ونشره وأعلن عنه(5) ومن اللافت للنظر أن استفتاح الوحي بـهـــذه الآيات البينات فيه دلالة واضحة على أن العلم في دائرة سنن الله في الحياة يعد من أهــــداف الأمــــة الإسلامية في تبليغها رسالة الإسلام؛ (لأن العلم هو العنوان الأعظم على خلود هذه الرسالة، وهو العنصر الحيوي في تكوين حقيقتها الهادية الراشدة، وهو الآية الكبرى على صدقها وصدق رسولها)(6) ، وبقي شـعــاره التمثل لهذا الأمر مع طلب الزيادة منه: ((وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً))7 وذكر بعـض الـمـفـسـريـن أنه -صلى الله عليه وسلم- ما أمر بطلب الزيادة من شيء سوى العلم، وكان يقول: (اللــهــم انفعني بما علمتني، وعلمني ما ينفعني، وزدني علماً) وكان يستعيذ من العلم الذي لا ينـفــــع.8 ، فأعلن مـنهـجـه أبلجَ يضاهي وضوحه ضياء الشمس: ((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّـبَـعَـنِـي...))9.
مـن هـنـــــا كـانــت سنة الدعاة ـ المقتدين بالرسل في الوظيفة ـ تري طريقتهم في التكوين والنشأة.. فصارت الـركـيــزة الأولى في تكوين الداعية: العلم، فهو الذي يهتدي به العمل، ويُحفظ به الدين.
قــــوام الـديـــن: علم يهدي، وسيف ينصر ((وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً)) 10،وكما حرس الله بـيـضـــة الإسلام بالمجاهدين في سبيله، فقد حفظ شريعة الإيمان بالعلماء والمتعلمين. والجهاد لا يتم على وجهه الحق إلا بالعلم المؤهل المؤصل المفصل بالقرآن الكريم والسنة النبوية. فالعلم ضــــــرورة فوق ضرورة المأكل والمشرب والملبس والدواء؛ إذ به قوام الدين والدنيا، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ولا غرو فإن الدعوة إلى الله إذا كــانـت (أشـــــرف مقامات العبد وأجلها وأفضلها فهي لا تحصل إلا بالعلم الذي يدعو به وإليه، ولا بد فـي كمال الدعوة من البلوغ في العلم إلى حد يصل إليه السعي) 11 ،ولـقـد كان من أعظم أسباب ضعف المسلمين في هذا العصر: الجهل، وقلة العلماء العاملين، وسوء الخـطــط في مراحل الدراسة المختلفة في البلاد الإسلامية، وضعف الهمم والعزائم في الجد والبحث والتحصيل، والتخصصات الجزئية التي أضعفت العلوم الشرعية، والانهزام النفسي أمام بعض العلوم المادية، والنظر إلى التخصصات الشرعية نظرة دونية.
هذه الأسباب وغـيـرهـا جزء من واقع الأمة ـ في الجانب العلمي ولا شك أن بُعْد الهوّة بين الأمة وماضيها أذهل دعاتها الغيورين عن كثير من مصالحهم، وأفقد بعضهم شيئاً مــــن الـتـــوازن ســواء في تربيتهم لأنفسهم، أو في برامجهم التربوية المطروحة التي يسعون لتحقيقها؛ فلربما كانت الحركة الدؤوب على حساب بعض العلم، فإذا وضع هذا في الحسبان عرفنا ما يجب الفئة التي تضلع لإحياء الأمة والعمل للتمكين للدين تجاه العلم، وأنه لا بد من منح الهدف العلمي أولوية تليق به، بل يجــب أن تصاغ الأهداف الأخرى على ضوئه؛ لأن التعليم والتربية صنوان لا ينفكان: ((هُوَ الَذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ))12
إن العاملين للتمكين لدين الله في الأرض اليوم يجب أن تصاغ خطـطـهـم ومناهجهم في كل الجوانب الدعوية والتربوية والفكرية صياغة كاملة شاملة على أساس عـلـمي متين؛ لأن التغيير الذين يرمون إليه عبء ثقيل وأمانة عظمى لا تتأتى إلا ببناء العقول وإصــــلاح الفكر؛ وهو أمر غاية في الخطورة والصعوبة، لا يحصل بالأحلام والأمنيات، ولا بالعـواطــف والانفعالات، ولا بالارتجال والاحتمالات.
إن قـاعـدة هذا التغيير والبناء والإصلاح متينة، ترسم أهدافاً عنوانها: الشرعية والوضوح والمرونة والملاءمة، وتنهج طريقاً واضحة علائمه، بيّنة منائره.. إنه منهج تعظيم النصوص الشرعـيــة من الكتاب والسنة الصحيحة، وفهمها بفهم سلف الأمة ـ الذين اختارهم الله لإقامة دينه وحمل رسالته ـ، ثم التسليم والانقياد لها خِلْواً من المعارضات المرفوضة التي تتكئ إلى القياسات العقلية الفاسدة، والأذواق الرديئة، والمنامات الفارغة.. التي ما ناب الأمة منها إلا التفرق والشقاق والتيه والتأخر.
بهذا الـمـنـهــج السلفي يجب أن تدرس وتفهم أصول الدين ومهماته من مسائل الاعتقاد والسلوك، ثم فروعه وأحكام الحلال والحرام، وبه تُدرك سبيل المجرمين، ويُفهم الواقع، وتُصنع الحياة.
ويوم أن نهـجــــت الأمــة ذلك النهج سطع نجمها، وعلا ذكرها، وامتد سلطانها، وبقي ذكرها، ونالت المجد والسؤدد... يومها وأدت نوابت السوء في مهدها، وكان السيف ينصر يوم أن كان العلم يهدي.
يتبع إن شاء الله....
ثبت المراجع
*القرآن الكريم.
1- مقدمة كتاب فقه التمكين في القرآن للدكتور علي بن محمد الصلابي.
2-مجلة البيان العدد 132شوال 1418هـ-فبراير 1998م افتتاحية العدد.
3-سورة[العلق:1].
4-(محمد الصادق عرجون: محمد رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، ج1، ص 542.)
5- (المصدر السابق ج1 543).
6- المرجع السابق، ج1، ص 545.
7-سورة[طه: 114].
8- أصول التربية والتعليم كما رسمها القرآن)) د.. أحمد بن شرشال
دار الحرمين لنشر التراث.
9-سورة[يوسف: 108].
10-سورة[الفرقان: 31].
11- مفتاح دار السعادة 1/154.
12-سورة[الجمعة: 2].
[/align]
 
*المعرفة والقراءة:-
[align=right]إن المتأمل لحياة وواقع الـشـعـوب الـغـربـيـة يجد أنها شعوب قارئة متعلمة ، بل ومولعة بالقراءة ، تحب الثقافة بمفهومها العام ، وليس هذا إعجاباً بهم.. لا.. فالطريق مختلف.. لكنها حقيقة يعيشونها وسلوك يحيونه ، فلا تجد شخصاً (بشكل عام) إلا ويقرأ جريدة أو صحيفة مجلة أو قصة أو كتاباً.. تلمح ذلك في الشوارع والمحلات التجارية.. في المكاتب ، في الحدائق العامة والأماكن الترفيهية، في الحافلات العامة والقطارات ، ولن أخوض في ماهية ما يقرؤون من روايات تافهة أو قصص سخيفة أو مقتطفات سطحية أو أو.. فهذا ينعكس عموماً على طبيعة شعوبهم ونمط حياتهم الاجتماعية والفكرية.. ولن أتعمق أيضاً في خلفيات هذه القراءة وهذا النشاط.. ولا الأسباب التي دعتهم ، بل ونمت فيهم حب المطالعة والقراءة.. من أساليب تربوية ومناهج تعليمية أثناء مراحل الدراسة.. لكن شيئاً واحداً ملاحظاً ونؤكد عليه كظاهرة عامة واضحة ، إنها شعوب قارئة13،وانعكست هذه المعرفة علي التقدم التقني عندهم، فتعلم الصناعات الكبرى عندهم تبدأ نظرية وتطبق أولاً في الجامعات الغربية ، حيث يطلب الجيش الأميركي أو الفرنسي تطويراً لجهاز ما ويتحدثون عن المشكلة الصناعية أو الجهاز الذي يريدون مع أستاذ في الجامعة وسرعان ما يقوم المدرس وعدد من تلاميذه وأكثرهم وللأسف من دول العالم الإسلامي بدراسة المشكلة وحلها ، وما هو إلا زمن يسـيــر حتى تنتهي وتتحسن الصناعة وهكذا بقية الشركات وأغلب المؤسسات العلمية العلم عندهم يعني العمل والتطبيق المباشر .
أما السياسة عندهم فهي علم يدرس في الجامعات ، يدرّسه مهرة يعيشون في موقع القرار في الدولة، أو عايشوا ذلك في الماضي، وهم على صلة قريبة جداً بكل ما يحدث ، وما تسمعه اليوم من خبر في وسيلة إعلام قد يكون موضع نقاش ودرس وبـحــــث عن السبب والحل في الجامعة والصحافة ، لأنهم كما قالوا : سياستهم علم وسياستنا كهانة.
ولقد قالت زوجة بوش تصف زوجها يوماً : إنه رجل دراسة لما كان ينفق من الوقت في قراءة ما يصله ، وعندهم للأسف أمثلة من رجال السياسة والمعرفة ما لا يوجد له قرين عندنا في زمن الانحدار ، إذ لا يمكن أن يهدي أمته جاهل أو ينتصر لها 14.
والعجيب أن أمة الإسلام التي بدأت رسالتها بأول آية نزلت من السماء ((اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَذِي خَلَقَ)). قلما تجد قارئاً ونادراً ما تجد مولعاً بالعلم أو شرهاً للمطالعة وحب المعرفة. بل حتى طلبة العلم انتقلت إليهم العدوى، وكأنهم مرغمون أو مجبرون على القراءة والتعلم.
وإنها لمفارقة أن تجد أعداء الإسلام والعلمانيين وأصحاب الفكر والمذاهب الهدامة والتيارات المنحرفة لا يكلون ولا يملون من المطالعة والبحث والكتابة ، فتجد مؤلفاتهم وكتبهم تملأ الأسواق ومقالاتهم تغطي الصحف والمجلات والجرائد ، ويتناولون مواضيع مهمة ، ويتطرقون لأبحاث جديدة.. فيبدو وكأنهم رواد الحضارة والثقافة العربية المعاصرة.
[/align]
[align=right]*الدواعي التي تدعو إلي أهمية القراءة وجعلها هدفاً مدى الحياة:-[/align]

[align=right]إن هناك دواعي كثيرة، تفرض علي الفئة التي تريد التمكين لدين الله في الأرض و على الواحد منا أن يتعلم، ويقرأ، ويكتسب الخبرات مدى الحياة، منها :
1- إن الذي يدعو الإنسان إلى مزيد من التعلم، هو العلم نفسه، إذ إنه كلما زادت المعرفة، اتـسـعـت مـنطـقــة المجهول، والتقدم نفسه يعمل على زيادة حاجة الإنسان الشديدة إلى المعرفة، حيث إن التوغل في حقول المعرفة، يتيح إمكانات ومجالات جديدة، ويولَّد دوافع جديدة للتقدم الأوســـع نطاقاً. والمثقف الذي يرغب في الحفاظ على قيمة ثقافته وكرامتها، مطالب بأن يعيد تكوين ثقافته على نحو مستمر ومتجدد، وعندما يشعر بالاكتفاء بما لديه من معلومات، سيضع نفـســــه على شفا الانحطاط. وإذا كان متخصصاً فإن أمواج القفزات العلمية في تخصصه، ستقذف به نحو الشاطئ، ليجد نفسه في النهاية خارج التخصص. الوضع الذهني للرجل متوسـط الـثـقــافة - فضلاً عن الضعيف - يسف وينحط بسبب ما يحتشد من النظريات والأفكار والمذاهب التي لم يعد بإمكانه المساهمة فيها، حتى لو أبدى اهتماماً بها. إن جهلنا ينبسط مع تقدم المعرفة، كما ينبسط سطح التماس لكرة ما مع العالم الخارجي عندما يكبر قطرها، وهذا يشكل تحدياً متزايداً لكل قارئ.
2- لم يكن لدى الناس قديماً إحـســــاس قوي بارتباط كسب الرزق بمدى ما يحصلَّونه من علم، لكن الوضع قد تغير اليوم؛ حـيـث تتضاءل على نحو متصاعد المهن والوظائف التي يمكن للأميين ومحدودي الثقافة الاضـطـلاع بها. وسوف تجد الأمة التي لا يحسَّن أبناؤها مستوى معارفهم - على نحو مستمر- نفـسـهـــــا مـؤهـلـة لأن تكون تابعة للأمم الأخرى، ومستغلة لها على كل المستويات!
3- إن مـا نمـتـلـكـــــه اليوم من معارف وخبرات، لا يتمتع بقيمة مطلقة؛ فسكان الأرض يشكلون عالماً واحداً، وأهـمـيــة كل جزء من أجزاء هذا العالم، تنبع دائماً من قدرته على الصمود والمنافسة وحل المشكلات، وما يمتلكه من وزن في الساحات العالمية. وشيوع الأمية الأبجدية والحضارية، قد جلب على أمة الإسلام مشكلات هي أكبر مما نظن؛ وليس ذلك على صعيد المعيشة والإنتاج فحسب؛ وإنما على صعيد فهم الإسلام أيضاً؛ فالإسلام بما أنه بنية حضارية راقية، لا يتجلى على نـحــو كامل إلا عبر تجربة معرفية وحضارية رائدة؛ مما يعني أن التخلف الذي نعاني منه قد حال بيننا وبين رؤية المنهج الرباني على النحو المطلوب.
4- إن الـعـقـــــل البشري، يميل دائما إلى تكوين عادات ورسم أطر لعمله، وهي مع مرور الوقت، تشكل نــوعـاً من البرمجة له؛ والبيئة - بكل أنواعها - هي التي توفر مادة تلك البرمجة. وكلما كانت ثـقـافـــــة الإنسان ضحلة، وكانت مصادر معرفته محدودة، ضاقت مساحة تصوراته، وأصبح شـديــد المحلية في نماذجه ورؤاه، عاجزاً عن تجاوز المعطيات الخاطئة التي تشربها من مجـتـمـعـــه. والقراءة الواسعة، والاطلاع المتنوع هو الذي يعظم الوعي لديه من خلال المقارنة وامتداد مساحات الرؤية، وقد كان علماء السلف، لا يثقون بعلم العالم الذي لم يرحل، ولم يغبِّر قدميه في طلب العلم، إدراكاً منهم لمخاطر البرمجة الثقافية القائمة على معطيات محلية محدودة.
5- التدفق الهائل للمعلومات، وتراكم منتجات البحث العلمي في اتساع مستمر؛ والنتيجة المباشرة لذلك هي تقادم ما بحوزتنا من معارف ومعلومات. وتفيد بعض التقديرات أن نحواً من 90 % من جميع (المعارف العلمية) قد تم استحداثه في العقود الثلاثة الأخيرة. وسوف تتضاعف هذه المعارف خلال نحو من 12 سنة. ويقول أحد الباحثين : إن على المتخصص المعاصر أن يضع في حسبانه أن نـحــــواً من 10 - 20 % من معلوماته قد شاخ، وعليه أن يجدده. ويرى أحد الباحثين أن أعراض الشيخوخة تعتري المعلومات بنسبة 10 % في اليوم بالنسبة إلى الجرائد، و10 % في السنة بالنسبة إلى المجلات، و10 % في السنة بالنسبة إلى الكتب.
6- إن تقـادم المعلومات يتجلى في صور شتى، فتارة في ظهور زيفها أو عدم دقتها، وتارة يتجلى في عـــدم ملاءمتها للخطط الجديدة، وأحياناً بتحوّل الاهتمام عنها، لأنها لم تعد ذات قيمة في البناء المعرفي، وأحياناً بقراءتها قراءة جديدة، أي : إنتاجها مرة أخرى على نحو يبعدها عن مضامينها الأولى...
والـعـلاج لذلك كله دوام الاطلاع والمتابعة، حتى لا يتدهور ما لدينا من معرفة، وحتى لا نغرق في الضلالات والأوهام التي تنتشر باعتبارها مفرزات جانبية للتقدم العلمي.[/align]

[align=right]القراءة ومصادر المعلومات الأخرى :[/align][align=right]عصرنا عصر انفـجـار المعرفة، فالأعداد الهائلة من العلماء الذين يشتغلون بالبحث العلمي، والوسائل المتطورة في حفظ المعلومات ونقلها وبثها، والتواصل الكوني الفريد والمتزايد، كل ذلك جعل الناس مغمورين بالأخبار والمعلومات والمفاهيم التي ترد إليهم كل لحظة من شتى أصقاع الأرض. هذه الوضعية حملت الناس على طرح سؤال حول ما تبقى من وظيفة للقراءة والكتاب، كما حملت كثيراً من المثقفين على الجهر بمر الشكوى من هـجــــر الكـتـــاب، والافتتان بما تعرضه وسائل الإعلام المختلفة من برامج ومواد ثقافية متنوعة. والحقيقة أن لتلك الشكوى ما يسوغها، إذ إن هناك مؤشرات واضحة إلى إعراض الناس عن الـقــــراءة واقتناء الكتاب، والى إقبالهم على قضاء أوقات طويلة أمام الوسائل الإعلامية المختلفة. ويكفي أن نعلم أن متوسط ما يطبع من معظم الكتب في البلاد العربية لا يتجاوز ثلاثة آلاف نسخة للكتاب الواحد.
وهذا العدد المحدود لا ينفد في الغالب في أقل من ثلاث سنوات عادة، على حين تتجاوز أرقام التوزيع في الدول المتقدمة ذلك بكثير، بما لا يدع أي مجال للمقارنة!
إن وسائل الإعلام تقدم برامج على درجة عالية من الزخرفة والإتقان؛ مما يعطيها جاذبية عالية. فاذا أضفنا إلى ذلك انعدام البواعث على القراءة وانعدام التقاليد الثقافية المحبذة لاقتناء الكتاب واصطحابه - أدركنا وضعية القراءة في عالمنا الإسلامي!
إن وسائل الإعلام تقدم معلومات متشظية، قلما تتصل بالحاجة المعرفية الحقيقية للمتابع لها، كما أن المعروف أن المعلومات الكثيفة حول أي شيء قد تقف حائلاً دون فهمه على الوجه الصحيح، تماماً مثل الحقائق والمعلومات القليلة عنه؟ فللعقل طاقة محدودة على التحليل والتصنيف والغربلة لما يرد عليه، وحين يزيد على طاقته، فإنه يربكه ويشتته.
من وجه آخر فإن وسائل الإعلام الحديثة، قد سببت أضراراً بالغة للشعور بالحاجة إلى التفكير، فكتَّابها ومعدُّو برامجها قاموا بذلك نيابة عن المتلقين. إن مشاهد (التلفاز) ومستمع الإذاعة وقارئ المجلة أو الجريدة.. يتلقى مركَّباً كاملاً من البيانات والإحصاءات المنتقاة بعناية، والمصوغة بأسلوب بلاغي بارع، مما يدهش القارئ، ويدفعه إلى نوع من الاستسلام لها، والانقياد إلى توجهاتها دون القيام ببذل أي جهد شخصي؛ وهذا كله مغاير لمتطلبات التطور العلمي والاجـتـمــــاعي الحديث، والذي يتطلب منا القدرة على الإبداع، وترشيد المحاكمة العقلية أكثر من الانشغال باستيعاب بعض مفردات المعرفة واستظهارها. هذا كله لا يجعلنا ننكر أن الدفق الإعلامي والمعلوماتي الهائل، قد أوجد نوعاً من الاستنارة العامة، ورفع درجة الوعي لدى الناس، كما أنه ملكهم الكثير من المعلومات العامة.
إن الهامش الذي يفصل بين التسـلـيـــة وبين التثقيف الحق هامــش ضيِّق، ومن السهل أن يكون ما نستمع إليه ونشاهده ضرباً من ضروب التسلية، وتزجـيـة الوقت، ونحن نظن أننا نتعلم. واعتقد أن الكتاب ما زال هو الوسيلة الأساسية للتثـقـيف الجيد، حيث نستطيع أن نمارس حريتنا كاملة في اختيار ما نحتاج إليه، وهو لا يــحتاج إلى آلات مساعدة للاطلاع عليه، كما أنه رخيص الثمن إذا ما قورن بغيره. ولســـت مع هذا أميل إلى التقليل من شأن مصادر المعلومات الأخرى؛ فالمهم دائـمـــاً أن تـكــــون أهدافنا في التثقيف والارتقاء المعرفي واضحة، ثم نبحث عن الأدوات والوسائل التي تبلغنا إياها15.
يتبع إن شاء الله.....
13-القراءة خالد الموسي مجلة البيان عدد 37 رمضان1411هـ-1991م.
14-عودة إلي المعرفة د.محمد بن حامد الأحمري البيان عدد65 المحرم 1414هـ-يوليو 1993بتصرف .
15-القراءة مدي الحياة د.عبد الكريم بكار .[/align]
 
[align=center]توجيهات للمربين للتحفيز علي القراءة16:-[/align][align=right]

1-تحميس الطلاب وتشجيعهم على القراءة ، وذكر الإحصائيات عن معدلاتها ، وذكر النماذج التي استطاعت أن تتعود عليها. ولابد من طرق هذا الموضوع عدة مرات وفي عدة مناسبات لتشحذ الهمم للقراءة …
2-يبدأ مع القارئ بأن يطلب منه تحديد صفحات معينة ينتظم في قراءتها يومياً، فإن ذكر عدداً كبيراً كعشر صفحات مثلاً، فإن المربي يرده إلى خمس، وإن ذكر خمساً رده إلى صفحتين . وليس غريباً أن يبدأ القارئ بالانتظام على صفحتين يومياً لا يتجاوزها مطلقاً إلا بالاتفاق مع المربي على الزيادة . ولو كانت المعلومة في نهاية الصفحة الثانية لم تكتمل فلا يستمر في القراءة بل يجب عليه أن يتوقف . والغرض من هذا هو : أن يعود إلى القراءة في اليوم الثاني ونفسه في شوق استكمال ما قرأه بالأمس.
3- إذا شعر المربي بتكاسل القارئ فيخفف عنه في مقدار القراءة حتى لا يمل.
4- إذا شعر المربي أن القارئ متلهف للقراءة فلابد من إشباعها- ولكن لا يكون ذلك إلا بعد مضي ثلاثة أشهر على الأقل- ويكتفى بزيادة مقدار القراءة اليومي بالتدريج وعلى فترات متباعدة . أما بعد مضي الثلاثة أشهر فيمكن إعطاؤه كتباً من كتب المرحلة تكون قراءته اختيارية لا تخضع لعدد معين من الصفحات ولا لانتظام يومي .
5- يمكن المربي أن يتجاوز عن بعض كتب المرحلة إلى المرحلة التي تليها إذا شعر بأن الأهداف المطلوبة في المرحلة قد تحققت ، ولكن عليه الحذر من التعجل فإن بقاء القارئ في مرحلته بعد ظهور تحقق الأهداف فترة طويلة يكون هذا أفضل وأحسن .
6- يمكن المربي أن يضيف ما يشاء من كتب لمعالجة بعض المخالفات عند القارئ شريطة أن تتوفر فيها السمات العامة لكتب المرحلة .
7- قد يلاحظ المربي أن القارئ قد تبين له توجه واضح كالشعر مثلاً أو الميل إلى القراءات الأدبية أو الفقهية الشرعية، فيضيف له في برنامجه ما يدعم ذلك التوجه، ويمكن تمكينه من حضور دورات في الشعر أو علم العروض أو فن الخطابة، وكذلك الندوات الشرعية ونحو ذلك .
8-مع كل ذلك يجب على المربي أن يراعي الرصد الدقيق لما يظهر على القارئ من سمات ، أو توجهات، ويهذّب ذلك دائماً بالنصيحة الفردية، والكلمة العامة التي تحثه على الإخلاص وعدم العجب ، والحذر من الرياء.
9-لابد للمربي أن يعزز برنامج القراءة في نفس القارئ، وذلك بالثناء عليه أمام زملائه ، وشكره منفرداً أوأمام زملائه ، وتذكيره ببعض المعلومات التي سبق أن قرأها وهكذا .
10- يجب على المربي أن يتذكر دائماً أن الهدف من هذه القراءة فتح آفاق جديدة للدعوة والتربية والعمل علي التمكين لدين الله في الأرض، واكتشاف المواهب وتوجيهها. فكم من عالم لم تظهر علامات نبوغه إلا بيد المعلم ، وكم من شاعر لم يكتشف موهبته إلاّ معلم مربي .
وإليك هذين الحدثين :
طالبان كانا في فصلين متجاورين كتب كلّ منهما قصيدة. فعرض الأول قصيدته على معلمه ، فرأى المعلم ما كتبه الطالب وإذا به لم يلتزم بوزن ولا قافية بل نظمها على بحور الشعر الستة عشر، فسخر منه، فوأد تلك الموهبة وأطفأ شمعتها المتوهجة .
والآخر فعل كما فعل صاحبه مع معلمه، ولكنه قوبل بالتشجيع والثناء والإطراء وأُخذ بيده فصار في مستقبل أيامه شاعراً بارعاً .
1-لا يستعجل المربي في نقل القارئ من مرحلة إلى مرحلة أخرى ما لم تتحقق أهداف تلك المرحلة وتثبت في نفس القاريء . وأيضاً لابد أن يكون سنّه مناسباً للانتقال.
2- كلما كان بقاء الطالب في المرحلة أكثر كان هذا أنفع إلا في حالات خاصة، وفي حدود ضيقة .
3- يمكن تطبيق هذا البرنامج على طلاب المرحلة الثانوية وأواخر المتوسطة. كما يمكن أن يطبق على من هم أكبر من ذلك ولكن بشيء من التحوير والاهتمام بما يناسبه، مع المحافظة على السمات العامة لكتب المرحلة .
4- لا يعني اجتياز المراحل الثلاث أن القارئ قد أصبح طالب علم، بل يعني ذلك أن القارئ قد اكتسب موهبة حب القراءة، وهو لا زال في حاجة المتابعة والتهذيب والتزكية . وكلما كان القارئ صغيراً كان الاستمرار أوجب .
أ- حتى يحقق البرنامج الهدف المراد منه وهو : دعوة القارئ فلابد أن يعرّض المربي القارئ لأنشطة وبرامج دعوية أخرى كالتوعية الإسلامية بالمدرسة، وحضور محاضرة خارجية ، والرحلات ونحوها .. حتى تعزز الجانب الديني عنده .
ب- هب أن هذه القراءة الموجهة لم يكن لها أثر في استقامة القارئ فلا يعني هذا أن الجهود قد باءت بالفشل، بل لا يخلو الحال من توجيه فكر القارئ ليفكر ويقارن بطريقة شرعية قد تثمر في مستقبل الأيام لتنتج لنا رجلاً صالحاً، أو مفكراً إسلامياً بارعاً، أو على أقل الأحوال شخصاً متعاطفاً محباً مدافعاً.
[/align]

[align=center]الذاكرة والقراءة[/align]
[align=right]رُبَّمَا كان دماغ الإنسان أعجب وأعقد جهاز عُرف حتى الآن بما فيه من أقسام مختلفة سواء في مراكز الإبصار والسمع والحس والشك والذوق ، أو مراكز اللغة والحركة والاختزان للمعلومات والتوجيه للمشاعر والحفاظ على التوازن في كل ذلك .
والذاكرة تختزن المعلومات في الدماغ بعد تمريرها من خلال إحدى الحواس الخمس إلى مراكز الذاكرة ، وكلما كانت الحواس التي من خلالها تم استيعاب المعلومات أكثر كلما كان إمكانية الاحتفاظ بالمعلومة أكبر ، وأكثر الحواس ترسيخاً للمعلومات في الذاكرة هي حاسة الإبصار ، ولذلك إذا كانت وسيلة حفظ المعلومة حاسة أخرى غير الإبصار ، فحاول أن تقرن المعلومة المسموعة أو المتذوقة أو المشمومة بصورة مرئية .
وأعطِ نفسك وقتاً كافياً لاستيعاب الصورة بكل تفاصيلها من خلال التدقيق والتركيز والحرص .
وصقل الذاكرة وتقويتها أو إضعافها له أسباب خلقية تكوينية إمَّا وراثية وإمَّا بسبب صحة الأم أثناء الحمل وتغذيتها وما قد تتناوله من أدوية أو تستنشقه من غازات ، وله أسباب كسبية مثل تغذية المرء نفسه وتهوية المكان الذي يقيم ويمارس عملية التفكير والحفظ والاستذكار فيه ومثل بعض التمارين التي تساعد علي التركيز.
وثمة نوعان للذاكرة هما:
1- الذاكرة الدورية: وهي التي تعتمد على الترداد والتكرار وهي مفيدة في حفظ النصوص المختلفة.
2- الذاكرة المنطقية: وهي التي تعتمد على الترتيب والربط المنطقيين، ويجب أن تفعّل دور هذه الذاكرة بقدر استطاعتك.

والقراءة لها الشأن الأكبر في اكتساب العلوم والمعارف والثقافات بل هي الوسيلة التقليدية لذلك والتي لا يعرف كثير من الناس غيرها ، وكلما طور الإنسان من طريقته وأساليبه في القراءة والتعامل مع الحرف كانت استفادته من ذلك أكبر .
والإنسان القارئ الذي يجعل القراءة جزءاً من حياته وتصبح هواية ملازمة له هو الذي يستطيع بعد فترة وجيزة من حياته أن يتميز على أقرانه في تفكيره وأسلوب تعامله مع الحياة بل وفي نظر الآخرين أيضاً ، وبإدمان القراءة سيصبح تناول الكتاب بالنسبة لك ليس وسيلة للعلم والمعرفة والثقافة والتجول في الكون فحسب بل سيصبح أيضاً متعة وترويحاً ونزهة لايدانيها شيء آخر على الإطلاق .
ولنرى كم من المعلومات يُمكنك استيعابها والحصول عليها بالقراءة ، إليك بعض هذه الأرقام :
يستطيع الإنسان أن يقرأ في الدقيقة (500) كلمة علماً أن البعض يستطيع أن يقرأ إلى حدود (900) كلمة لكن هذا نادر .
وأل (500) كلمة تساوي صفحتين من كتاب متوسط الحجم ، أي أن الإنسان يستطيع في ساعة من الزمن أن يقرأ مقدار 120 صفحة ، فإذا كان الكتاب المتوسط يبلغ 400 صفحة ، فهذا يعني أنك تحتاج إلى ثلاث ساعات وعشرين دقيقة لقراءته .
ولنفترض أنك تحتاج إلى أربع ساعات لقراءته فلو أعطيت كل يوم ساعة للقراءة لقرأت في كل أربعة أيام كتاباً أي في السنة يُمكنك أن تقرأ حوالي تسعين كتاباً .
وتأمل أي أثر سيكون في حياتك إذا قرأت في كل عام تسعة كتب مختارة فضلاً عن تسعين كتاباً ، كم يا ترى من الأوقات الثمينة تضيع مناً في اللهو والعبث والضياع ولا ندرك مقدار الخسارة فيها إلاً إذا غربت شمس الحياة وأذنت بالمغيب .
وأفضل أحوال القراءة هو أن تقرأ قراءة صامتة متمعنة في جو هادئ وارتياح نفسي ، وألا يكون بعد الأكل حتى الشبع مباشرة أو أثناء الشعور بالجوع الشديد ، وأن تكون الإضاءة والتهوية والحرارة والبرودة جيدة ومناسبة، وأن تكون الجلسة مريحة ومعتدلة، وحبذا أن يكون في يد القارئ قلم يخط به بعض الخطوط تحت العبارات المهمة ويكتب به بعض العناوين ويرقم به بعض الأرقام ويلخص بعض الأفكار وكذلك اختيار الوقت المناسب بعد النوم الكافي17.
يتبع إن شاء الله .......الحلقة القادمة ((المعادلة الثلاثية))16-الدعوة إلي الله بالقراءة عابد الثبيتي شبكة التبيان ،وانظر مفكرة الإسلام.
17-حتي لا تكون كلاً د.عوض بن عبد الله القرني[/align]
 
المعادلة الثلاثية

المعادلة الثلاثية

[align=center]*المعادلة الثلاثية (المعرفة- العقل- الفكر):-[/align]م

[align=right]الفكر:- هو ناتج معادلة التفاعل بين العلم والعقل،ولذلك سنقوم بتعريف الناتج من التفاعل أولاً ،وقد تكلمنا علي أحد شرطي التفاعل وهو العلم ويبقي أن نتكلم عن شرط التفاعل الثاني وهو العقل.
تعريفات للفكر:-
الفكر بإنه (إعمال العقل في المعلوم للوصول إلى معرفة مجهول)، ويقولون: فكّر في مشكلة: أعمل عقله فيها ليتوصل إلى حلها18.
-ويعّرف التفكير بأنه (إعمال الإنسان لإمكاناته العقلية في المحصول الثقافي المتوفر لديه بغية إيجاد بدائل أو حل مشكلات أو كشف العلاقات والنسب بين الأشياء)19.
ويقولون: فكّر في مشكلة: أعمل عقله فيها ليتوصل إلى حلها،
والتفكير:- هو عملية معالجة للمعلومات، فهناك كم كبير من الصور والأصوات والإحساس من الخارج عن طريق الحواس ومن الداخل من الذاكرة. والتفكير هو عملية تصنيف ومقارنة وتقييم لهذه المعلومات على ضوء منظومة الإيمان والاعتقاد والقيم … وبالتالي صياغة استراتيجية ينتج عنها تعبير لغوي أو سلوكي كما ينتج عنها تأثيرات فسيولوجية في العضلات والتنفس ولو البشرة وتعبيرات الوجه..)20.

ولـعـلـنــا نعرف تعريف آخر لعملية التفكير بأنها (إعمال الإنسان لإمكاناته العقلية في المحصول الثقافي المتوفر لديه بغية إيجاد بدائل أو حل مشكلات أو كشف العلاقات والنسب بين الأشياء)( ومن خلال هـــذا التعريف ندرك أن الفكر ليس شيئاً مطابقاً للأحكام والمبادئ، ولا مطابقاً للثقافة أو العـقــــل أو العلم، وإنما هو استخدام نشط لكل ذلك بغية الوصول إلى المزيد من الصور الذهنية عما يحيط بنا من أشياء وأحداث ومعطيات حاضرة وماضية وتوسيع مجال الرؤية لآفاق المستقبل.
وبناء على هذا فـإن العالم غير المفكر، فقد يكون المرء عالماً ولايكون مفكراً. وقد يكون مفكراً ولايكون عالماً، وذلك لأن الميدان الأساس للعلم هو الإلمام بالجزئيات؛ أما ميدان الفكر فهو إبصار (الكليات) والاشـتـغـــال عليها؛ وقليل أولئك الذين يسمح لهم الاشتغال بالجزئيات بالتوجه إلى النظر الكلي، كـمــا أن طـبـيـعـة الاشتغال بالقضايا الكبرى (تزهد) المفكرين في الاهتمام بالمسائل الجزئية، حيث يرون أنها مندرجة في أنظمة أشمل تتحكم فيها.
مهمة الفكر رسم مخطط الحركة وجعلها اقتصادية، بحيث تتكافأ نتائجها مع الجهد والوقت المبذول فيها، كما أنه يحيّد كل الوسائل والأساليب التي ثبت قصورها ويكثف الخبرات والتجارب المكتسبة في بعض المقولات والمحكات النهائية، ويساعد على طرح البدائل والخيارات في كل حقل من حقول العمل، وهذا كله لايتأتى عن غير طريق الفكر.
إذن فلابد من وجود معرفة تمر علي جهاز العقل فيتفاعل معها تفاعل إيجابي وينتج فكر إيجابي،وإذا كنا قد تكلمنا شذراً عن المعرفة ،فلابد أن نلقي ضوءاً علي الجهاز المتلقي للمعرفة وهو العقل وهو شرط التفاعل الثاني .
- إن العقل البشري نعمة عظمى من الله ـ جل وعلا ـ وله قدرات هائلة، هي أكثر مما يظن. ويمـكـــن القول: إنه أشبه بعملاق نائم! وقد دلّت الدراسات النفسية والتربوية، وأبحاث الكيمياء والفيزياء والرياضيات أن ما تم استخدامه من إمكانات العقل لا يزيد على 1% من إمكاناتــــه الحقيقية. الحاسب الآلي (كراي) حاسوب عملاق يزن سبعة أطنان، فإذا عمل بطاقة 400 مـلـيـــون معادلة في الثانية مدة مئة عام، فإنه لن ينجز سوى ما يمكن للدماغ البشري أن ينجزه في دقيقة واحدة21 ((فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ))22.
العقـل:- لغة مصدر عقل، يعقل، عقلاً، فهو معقول، وعاقل. وأصل معنى العـقــل الـمـنـع، يقال: عقل الدواء بطنه ، أي أمسكه ، وعقل البعير: إذا ثنى وظيفه إلى ذراعه ، وشدهما بحبل؛ لمنعه من الهروب. وأطلق العقل على معان كثيرة، منها: الحجر والنهي، والديـة؛ لأن القـاتـل يســوق الإبل إلـى فناء المقتول ثم يعقلها هناك ، ويطلق - أيضاً - على الملجأ والحصن، وكذلك القلب23؛ ولذا قال عمر ابن الخطاب - رضي الله عنه - في ابن عباس - رضي الله عنهمـا ((ذاكم فتى الكهول ، إن له لساناً سؤولاً ، وقلباً عقولاً))24 وما تقدم من إطلاقات فهي تدور حول المنع.
وفي الاصطلاح فالمختار هو أن يقال : العقل يقع بالاستعمال على أربعة معان 25: الغريزة المدركة ، والعلوم الضرورية ، والعلوم النظرية ، والعمل بمقتضى العلم.
التفاوت في العقول:
الحق أن يقال : إن العقول تتفاوت من شخص إلى شخص ، بل قد يحصل هذا التفاوت في الشخص الواحد ، كما قال الشاطبي - رحمه الله -: ((فالإنسان - وإن زعم في الأمر أنه أدركه ، وقتله علماً - لا يأتي عليه الزمان ، إلا وقد عقل فيه ما لم يكن عقل ، وأدرك من علمه ما لم يكن أدرك قبل ذلك ، كل أحد يشاهد ذلك من نفسه عيانا ، ولا يختص ذلك عنده بمعلوم دون معلوم..26
وحديث:»..ما رأيت من ناقصات عقل ودين، أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن..«27 مـمـا يـمـكـن الاستدلال به على هذا التفاوت، إذ الحديث دل بمنطوقه على الـنقـصـان، وبمفهومه على الزيادة وهو معنى التفاوت ، بل هو دليل على تفاوت العقل الغريزي أيضاً لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قرر أن جنس النساء فيه نقصان العقل ، وهذا لا يكون إلا في الغريزة التي خلقن بها، ولأن التـفـــاوت فـي الـجـانب الكسبي فرع عن التفاوت في الجانب الغريزي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : »الصحيح الذي عليه جماهير أهل السنة ، وهو ظاهر مذهب أحمد، وأصح الروايتين عنه، وقول أكثر أصحابه ، أن العلم والعقل ونحوهما يقبل الزيادة والنقصان28.
مكان العقل :
اختلف أهل العلم في مكان العقل من جسم الإنسان، والتحقيق أن العقل له تعلق بالدماغ والقلب معاً، حيث يكون مبدأ الفكر والنظر في الدماغ ، ومبدأ الإرادة والقصد في القلب، فالمريد لا يكون مريداً إلا بعد تصور المراد، والتصور محله الدماغ 29، ولهذا يمكن أن يقال: إن القلب موطن الهداية ، والدماغ موطن الفكر؛ ولذا قـد يوجد في الناس من فقد عـقــــــل الهداية - الذي محله القلب - واكتسب عقل الفكر والنظير - الذي محله الدماغ - كما قد توجد ضد هذه الحال.
يتبع إن شاء الله ......العلاقة بين الفكر واللغة.
ثبت المراجع:-
18- المعجم الوسيط، مادة فكر.
19-د.عبد الكريم بكار مقدمات لـلـنـهـوض بالـعـمـل الدعوي، انظـر تعريفـا آخر في: الأزمـة الفكريــة المعاصرة: 27.
20-حتي لا تكون كلاً.
21-تجديد البعد العقلي د.عبد الكريم بكار مجلة البيان عدد 136 ذو الحجة 1419هـ-أبريل 1999م.
22-[المؤمنون: 14].
23-- انظر: لسان العرب 11/458 وما بعدها مادة : عقل ، والقاموس المحيط وما بعدها مادة : عقل.
24- رواه الحاكم في مستدركه 3/ 539 وقال عنه الذهبي : منقطع.
25-- انظر: إحياء علوم الدين لأبي حامد بن محمد الغزالي 1/85-86 ، ومجموع فتاوى ابن تيمية 9/287 ، 305 ، 16/336، ودرء تعارض العقل والنقل 1/89 والمسودة ص: 558-559، والذريعة إلى مكارم الشريعة للراغب الأصفهاني ص:93 والفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي 2/20،وانظر مجلة البيان عدد56 .
26- انظر الاعتصام 2/322.
27- صحيح البخاري 1/405.
28- انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية 10/721-722
29- انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية 9/304.[/align]
 
اللغة والفكر

اللغة والفكر

[align=center]*اللغة والفكر:-[/align]

[align=right]
[align=right]لا شـــك أن اللغة وعاء الفكر؛ ولذا كانت عناية السلف عظيمة بالحفاظ على لغة القرآن الذي نـزل بـلـســــــان عربي مبين، وازداد حرصهم ذلك بعد دخول الأعاجم في دين الله وإقبالهم على كتاب الله وســــنـة رســـوله صلى الله عليه وسلم ، فكان منهم من لا يعرف الألفاظ في أصل اللغة ولا قانونها، كما كــان منهم ـ وهذا هو الغالب والأخطرـ من لا يعرف مراد الشارع بالألفاظ؛ لأنه لا يعرف سنته في الخطاب ولا يحيط بجميع النصوص الوارجة في الموضوع محل الفهم أو البحث30.
ثمة علاقة عضوية متينة بين اللغة والتفكير ، فاللغة هي القالب الذي ينصبّ فيه الفكر ، والفكر هو المضمون الذي يحتويه ذلك القالب اللغوي. ويعبر البعض عن هذه الوشيجة بالقول بأن اللغة والفكر يعتبران وجهين لعملة واحدة.
يتعذر التفكير التجريدي (الذي هو في المعنويات لا في المحسوسات) في حالة انعدام اللغة ويتسطح بضعفها؛ ذلك أنها السبيل الأوحد لتحويل التفكير الحسي (في المحسوسات) إلى تفكير تجريدي نافع. ويستلزم التفكير العميق ثراءً لغوياً وعمقاً في فهم دلالات وإيحاءات الكلمات المكونة للبناء اللغوي ، وفي هذا المعنى يقول د. محمد الشنيطي: »وليس من شك في أننا حين نفكر لا سبيل لنا إلى التفكير إلا في لغة ، ولا حيلة لنا إلى ضبط هذا التفكير إلا إذا كان القالب اللغوي واضح المعالم لا يفضي إلى غموض ولا يدعو إلى لبس ، ولا ينم عن قلق واضطراب ينعكس بالتالي على تفكيرنا))31
ولتأكيد هذه الأهمية المتناهية للثراء اللغوي ، أشير إلى أن التفكير في أي مشكلة إنما يعتمد على مجموعة محددة من الكلمات والمصطلحات ، وبدهي أن من كان فهمه أعمق لهذه الكلمات والمصطلحات فإن تفكيره سيكون أعمق وأنضج ، فهب أن مشكلة ما تعتمد على الكلمات التالية:
أناس ـ حق ـ واجب ـ استطاعة ـ كذب ـ صدق ـ حرية ـ دقة ـ ضوابط ـ حوافز ـ نجاح ـ تحقق ذات ـ استشعار المسؤولية ـ اجتهاد ـ صواب ـ خطأ ـ استئناف العمل ـ ثقافة ـ أزمة ـ إدارة.
ومن هنا فإن كل من يتفهم هذه الكلمات والمصطلحات ، بجانب سيرورة تفكيره وفق المنهج العلمي سيكون أحظى بالصواب وأظفر بالنجاح ـ بعد توفيق الله تعالى له ـ من كل من تتمنع عليه هذه الكلمات ، وتتشوه في عينيه هذه المصطلحات! [يمكنك لاحقاً مراجعة معنى ما يلي: الصدق ، تحقق الذات ، الاستئناف].
ولقد أثبتت بعض الدراسات قوة العلاقة بين اللغة والتفكير؛ حيث اكتشفت دراسة متخصصة أن لغة قبيلة هوبي الهندية لا تحتوي على صيغة الماضي والمستقبل ، وإنما تحتوي فقط على صيغة الحاضر ، ولذا فإن أفراد هذه القبيلة يتكلمون كل شيء وكأنه يحدث الآن ، مما أثّر على تفكيرهم!!32،33.[/align]

[align=center]*أنواع التفكير:-[/align]
للفكر صفات محمودة وصفات مذمومة ولكي يحاول الإنسان أن يخلص تفكيره من الصفات المذمومة ويتحلى بالصفات الايجابية النافعة أذكر لك أهم أنواع الفكر سواء كان سلبياً أم إيجابياً.
1- التفكير التوليدي : وهو الفكر الذي يبدع ويضيف للحياة جديداً أي الذي يولد المشاريع الناجحة والحلول الجيدة والقرارات الصائبة القادر على استخراج الذهب من التراب واللؤلؤ من أعماق البحار، ويُمكن أن نسميه الفكر الاجتهادي.
2- التفكير النقدي : وهو القادر على رؤية النقص والأخطاء والعيوب في أي عمل قائم وإن لم يكن قادراً على إيجاد البدائل المناسبة لما ينقده.
3- التفكير الاستيعابي: وهو الفكر القادر على استيعاب ما يبدعه الآخرون وإن لم يكن قادراً على الإبداع والتجديد والإضافة والعطاء، ويُمكن أن نسميه الفكر المقلد.
4- التفكير الغامض: وهو التفكير المشوش العاجز عن إدراك العلاقات بين الأشياء وحجم كل شيء في الموضوع الذي يفكر فيه ويعجز أيضاً عن التعبير عما يدور في نفسه من أفكار بصورة واضحة.
5- التفكير المتشكك : وهو تفكير المؤامرة الذي يتشكك في كل عمل وفي كل شخص ويعتقد أن وراء كل شيء مؤامرة، وأنه المقصود من وراء كل مؤامرة ، وأنه لا جدوى من أي عمل ولا فائدة من أي محاولة.
6- التفكير المبالغ: وهو التفكير الذي يعطي كل شيء أضعاف حجمه الحقيقي سواء كان ساراً أو ضاراً أي يصوّر لك أن الحبة قبه كما يقال ، فعند سماعك له تذهل من ضخامة الأمر وهوله الذي سيكون له من الآثار الشيء الكثير وعند مباشرتك للأمر ورؤيتك له تجد الأمر عادياً وأقل من العادي.
7- التفكير السطحي: وهو التفكير الذي يكتفي بظواهر الأشياء، ولا ينفذ إلى معرفة حقائقها وجوهرها كمن يحكم على الإنسان بملابسه أو بسيارته دون أن يعرف حقيقة تفكيره وأخلاقه وسلوكه وثقافته وتعامله وغير ذلك مما به يتفاوت قدر الناس.
8- التفكير الادعائي : وهو التفكير الذي يدعي صاحبه أنه فعل وفعل مما لم يفعله لكنه مع كثرة التمادي في الدعاوي الفارغة والبطولات الخيالية يصدق نفسه في النهاية فما يزال يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً ، وما يزال يكذب ويكذب حتى يصدّق نفسه.
وأكثر من يقع في حبائل هذا التفكير الوبائي هم الفارغون الذين لا يعملون فيخدعون أنفسهم ويرضونها بالدعاوى العريضة الفارغة ويكتفون بذلك.
9- التفكير التحليلي السببي : وهو التفكير المتمعن الذي يميل صاحبه إلى البحث عن أسباب كل حادث ومقدماته ونتائجه ومقاصد القائمين عليه وما هو الموقف المناسب حيال هذا الحادث وما هو دوره هو فيه.
10- التفكير التبريري القدري : وهو التفكير الذي يبادر صاحبه إلى إخلاء نفسه من أي مسئولية حيال أي أمر يقع ويقلى بتبعة ذلك على الأقدار ويبرر كل تصرف منه مهما كانت نتائجه.
11- التفكير الجزئي : وهو التفكير الذي ينظر صاحبه إلى الحدث مبتوراً من سياقه ومنفصلاً عن قاعدته الكلية العامة الذي هو في الحقيقة جزء منها.
12- التفكير الكلي التجميعي : وهو التفكير الذي يهتم بالنظر في الأمور الكلية العامة غير ملتفت إلى التفاصيل والجزئيات في الأشياء والأحداث.

ماهو التفكير المثالي ؟
بعد هذا الاستعراض السريع لبعض أنواع التفكير مع عدم التوسع في ذكرها، وفي ضرب الأمثلة لها أشير إلى ما يمكن أن نسميه التفكير المثالي مستنبطاً ذلك من الأنواع السابقة.
فالتفكير المثالي: هو التفكير التوليدي النقدي الاستيعابي السببي الكلي التمعن مع ملاحظة أن كل شيء بقدر ، وأن هذا لا ينفي البحث عن الأسباب ، فالله هو خالق الأسباب والمسببات.
خصائص الفكر المثالي:
والمرء القادر على التفكير المثالي له خصائص يتميز بها عن غيره، وهذه الخصائص هي:
1- الرؤية النافذة لحقائق الأشياء وجوهرها وعدم الاكتفاء بالنظرة السطحية للأمور.
2- الصدق والجد والمثابرة في التفكير والاستغراق في ذلك بعمق حتى يصل الإنسان إلى الصورة المثالية التي ذكرها قبل قليل.
3- الاستقلال عن التقليد للآخرين لمجرد ذلك حيث أن البعض يكوِّن تفكيره آخر كلام سمعه أو آخر كتاب طالعه؛ ولذلك تجده ينتقل من الفكر إلى نقيضه فهو كالإسفنجة التي تتشرب أي سائل توضع فيه.
4- المزاوجة بين العالم الخارجي من حولك والذي سيكون موضوع تفكيرك من خلال ما تتلمسه بأحاسيسك وبين مشاعرك الداخلية وخبراتك وتجاربك ومعلوماتك السابقة وليكن هذا المزج والتزواج بتوازن.
5- التميز والوضوح في اللفظ الذي يعبر عن هذه الرؤية إذا أن الفكر الناضج ما لم يعبر عنه بلغة بليغة فصيحة بينه ويبقى كالدرة المدفونة في التراب بل إن دقة ووضوح التعبير دليل على دقة ووضوح التفكير.
6- التقويم للمشاعر والانفعالات وعدم الانسياق وراءها دائماً ؛ إذ قد تكون مضللة وخاطئة وغير صائبة، فمثلاً رجل رأى سائقاً يتوقف في الطريق وينزل من سيارته ويحمل طفلاً والدماء تنزف منه وحين تأمل الرجل في الطفل عرف أنه ابنه فانهال على السائق ضرباً ظاناً أنه آذى ابنه بالسيارة، بينما الحقيقة أن الذي آذاه سائق آخر فرَّ وتركه ينزف في الطريق فهرع هذا السائق لإنقاذه.34،35
يتبع إن شاء الله.....
30-اللغة والفكر افتتاحية مجلة البيان عدد 147 ذو القعدة 1420-مارس2000 .
31-د. محمد الشنيطي ، أسس المنطق والمنهج العلمي ، ص137.
32-د. محمد نجاتي ، علم النفس في حياتنااليومية،ص258.
33-التفكير العلمي والإبداعي د.عبد الله البريدي.
34-حتي لا تكون كلاً د.عوض القرني.
35-سيأتي إن شاء الله في مبحث ((حصافة الفكر وحسن التدبير وعلاقته بالتمكين))توسع في موضوع التفكير والذكاء وكيف نتعلم التفكير.[/align]
 
تقسيم المعرفة بالنسبة إلي الحقوق

تقسيم المعرفة بالنسبة إلي الحقوق

[align=right]*تقسيم المعرفة بالنسبة إلي الحقوق:-
يمكن تقسيم المعرفة المطلوبة للفئة المسلمة المتحركة للتمكين لدين الله في الأرض إلي ثلاث حقوق واجبة* ...وهي كالآتي:-
1-حق الله. 2-حق الناس 3-حق النفس.
1-حق الله :-وهو التوحيد حق الله علي العبيد،أو ما يعرف اصطلاحا ((بعلم العقيدة))، والتوحيد : هو قاعدة كل ديانة جاء بها من عند الله تعالى رسولٌ. ويقرر الله سبحانه وتعالى هذه الحقيقة ويؤكدها ، ويكررها في قصة كل رسول على حدة ، كما يقررها في دعوة كل الرسل إجمالاً ، على وجه القطع واليقين :
((ولَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إلَهٍ غَيْرُهُ))36 ، ((وإلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إلَهٍ غَيْرُهُ))37.
((وإلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إلَهٍ غَيْرُهُ))38.
وهي الكلمة نفسها التي تكررت على لسان شعيب وموسى وعيسى -عليهم الصلاة والسلام- ، حتى أصبحت قاعدة عامة ، قررها الله سبحانه وتعالى فقال : ((ومَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إلاَّ نُوحِي إلَيْهِ أَنَّهُ لا إلَهَ إلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ))39 .
((ولَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ واجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ))40 .
فالتوحيد مفتاح دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام ، وهو أول ما يدخل به المرء في الإسلام ، وأخر ما يخرج به من الدنيا ، فهو أول واجب وآخر واجب. ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ بن جبل-رضي الله عنه-عندما بعثه إلى اليمن : ((إنك تأتى قوماً أهل كتاب ، فليكن أول ما تدعوهم إليه : عبادة الله وحده ، وفي رواية : فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله ، عز وجل ، افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله تعالى ، افترض عليهم صدقة في أموالهم ، تؤخذ من أغنيائهم وتُردُّ إلى فقرائهم ، فإن هم أطاعوا لذلك فإيّاك وكرائم أموالهم ، واتق دعوة المظلوم ، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب))41. وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله عز وجل))42،43،ولا أريد الاسترسال في الكلام عن التوحيد وأقسامه ،فهذا له موضعه ، ولكن ما يسعنا قوله هنا عن ضرورة تشبع الفئة المسلمة التي تتحرك للتمكين لدين الله في الأرض بقضية التوحيد وأن تكون هذه القضية منطلق تحركها في المواجهة مع الشيطان وحزبه ،ثم يتوجهوا بتلك الدعوي إلي الجماهير لملء الفراغ العقيدي لديهم وذلك أن أساس الإصلاح الإسلامي هو الـتـوحـيد الخالص لله (تعالى)، فهو الذي يرتقي بالإنسان المكان اللائق به، وهو الذي ينقذه من رق العبودية لغير الله، ويحرره من استعباد الإنسان، ومن استعباد الخرافة والأهواء، وهو الذي ينقذه من المحتالين الدجالين أحبار السوء الذين يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً، وإذا لم يتـعـبد الإنسان لله (تعالى) فسوف يقع في الوثنية - لا محالة - بشتى صورها وأشكالها؛ فإن الإنسان كما جاء في الحديث (حارثٌ وهمّام)، فلا بد أن يمتلئ بشيء، فإذا لم تكن العبودية لله فـهـي لغيره مهما تظاهر بأنه حر، فالعبودية هي عبودية القلب كما يقول ابن تيمية (رحمه الله)، فمن ركض وراء الشهوات فهو الأسير المملوك، ولو كان حاكماً يستعبد الناس.
الـتـوحـيـد الخالص لله (تعالى) هو الذي يجعل المسلم شخصية تستعصي على الطغيان، ولا تخضع للـمــلأ أو الـمــــال، كما استعصى الصحابي الجليل بلال بن رباح حين قالها لملأ قريش: أحد أحد، والتوحـيد هو الذي يحفظ الإنسان من الانفلات بلا قيد أو ضابط، كما حُفظت الأفلاك بالجاذبية.
التوحيد الخالص لله (تعالى) هو الذي أنقذ العرب من وهدة النسيان والخمول، وجعلهم أمة تحـمـل رسالة وتشعر بالمسؤولية، وتحول العربي إلى إنسان لا تأسره الأوهام والتقاليد، ولا القبيلة والعشيرة، ولا الإقليمية والقومية.
إن مــن أصعب الأشياء على الإنسان الذي يحب الفساد في الأرض أن يسمع كلمة التوحيد ((أَجَعـَـلَ الآلِهَةَ إلَهاً وَاحِداً إنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ))44 وكأنهم يقولون: كيف يكون إله واحــــد ينـظـر في أمر الجميع؟ ((وَإذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ...))45 ، وقد خشي فرعون من هذا التوحيـد الـذي جـاء بـه موسـى (عليه الـســلام) فـقــال: ((إنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ...))46 ، والدين هنا يعني الحكم، وكأنه يقول: إن هـــــذا الـنـبـــي الذي جاء بالتوحيد خطير جدّاً؛ لأنه سيذهب بملككم وسيادتكم وطريقتكم في العيش. فــــلا مــانــع عند الطغاة أن يكون الدين حركة ثقافية أو حضارية تتكلم عن الزخرفة الإسلامية أو الـعـمــــارة الإسلامية، وتذكر ما أنتجه العلماء القدامى في الطب، والهندسة، وعلم الفلك، ولا مــانــع من تشجيع الطرق الصوفية التي تربط الفرد بالشيخ والولي والأقطاب والأوتاد وما هنالك من خيالات وخرافات،لأن ذلك لا يضر بسلطان الطغاة في شئ .
إذا أردنــا الـنـهـــوض فلا بد أن نرتفع بمستوى الأمة كي تفهم وتمارس التوحيد الخالص، وحتى لا تكون قطيعاً يُنادى من مكان بعيد، وتكون أمة تقوم بواجباتها وتحمل الرسالة.47
وعـلـى العموم، فإن العلم بالعقيدة فريضة على كل مسلم، فضلاً عن كل داعية؛ لما لها من أهمية واعتبار في معرفـــــة المنطلقات والثوابت وتحديد الأهداف والغايات، والتمييز بين الواقع المنحرف عن التوحيد والواقع الإيماني، وتأصيل المنهج الشرعي لئلا تنحرف الدعوة عن أهدافها المرسومة.
تلك هي الخـطـــــوط الكبرى لهذه العقيدة التي ركز عليها القرآن المكي خلال ثلاثة عشر عاماً، ووقف عندهــا لا يتجاوزها، وكانت غايته تقريرها في النفوس، بحيث تكون عقيدة إيجابية ثابتة مستقرة، قائمة على العلم والعمل، مبنية على الوعي والنظر والمعايشة.
يتبع إن شاء الله...
*ثبت المراجع:-
* ملحوظة جميع الحقوق راجعة إلي حق الله عزوجل ولكن التقسيم لتسهيل الفهم وتبسيط المعني...

36-[المؤمنون:23].
37-[الأعراف:65].
38-[الأعراف:73].
39-[الأنبياء:25].
40-[النحل:36].
41-[اخرجه الشيخان].
42-[رواه الشيخان ].
43-التوحيد مفتاح دعوة الرسل للشيخ عثمان جمعة ضميرية.
44-[ص: 5].
45-[الزمر: 45].
46- [غافر: 26].
47-د.محمد العبدة (التوحيد أولاً وأخيراً) مجلة البيان عدد 102 صفر 1417هـ-يوليو 1996م بتصرف بسيط.
[/align]
 
حق الناس

حق الناس

[align=right]2-حق الناس:-وهو ما يمكن أن نطلق عليه ((فقه الواقع)) وفقه الواقع علم أصيل، تبنى عليه كثير من العلوم والأحكام، وفي ضوئه تتخذ المواقف المصيرية.
تعريف فقه الواقع
هو علم يبحث في فقه الأحوال المعاصرة، من العوامل المؤثرة في المجتمعات، والقوى المهيمنة على الدول، والأفكار الموجهة لزعزعة العقيدة، والسبل المشروعة لحماية الأمة ورقيها في الحاضر والمستقبل. 48 ،49.
*العوامل الداعية إلي الاهتمام بفقه الواقع:-أ-استجابة لأمر الله عزوجل وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم وصحابته الكرام:-
فأما أمر الله:- يقول الله عزوجل (وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ))50 ومن فقه الواقع استبانة سبيل المجرمين، ومعرفة أهدافهم ومخططاتهم
لهذا جاءت كثير من الآيات مفصلة ومبينة سبيل أعداء الله، وفاضحة لمآربهم وغاياتهم، أما السنة فقد حفلت بكثير من الوقائع والشواهد، التي تدل على عناية المصطفى صلى الله عليه وسلم بهذا الجانب.
فها نحن نراه صلى الله عليه وسلم يوجه المستضعفين من صحابته بالهجرة إلى الحبشة، وهذا برهان ساطع على معرفته صلى الله عليه وسلم بما يدور حوله، وأحوال الأمم المعاصرة له.
فلماذا لم يرسل الصحابة إلى فارس أو الروم أو غيرهم؟ ولماذا اختار الحبشة؟ يبين ذلك صلى الله عليه وسلم بقوله: " إن فيها ملكا لا يظلم عنده أحد " وفي السيرة النبوية أمثلة كثيرة تبين اهتمام النبي صلي الله عليه وسلم بالواقع المحيط به صلي الله عليه وسلم ،أما عن أهتمام الصحابة الكرام به فيقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه "لست بالخب ولا الخب يخدعني" لست بالماكر المخادع -وحاشاه عن ذلك- ولكنه لا يمكن أن يخدعه الماكر المراوغ.
ويقول عبد الله بن مسعود "رحم الله امرئ عرف زمانه فاستقامت طريقته"
ويذكر الشيخ عبد الرحمن بن سعدي في تفسيره أن فقه المسلم لواقعه من لوازم معرفة (لا إله إلا الله) على معناها الصحيح، ولم لا ؟ وبفقه الواقع يكتمل مبدأ تحقيق الولاء والبراء، وهذا المبدأ أصل من أصول عقيدة التوحيد التي جاءت بها (لا إله إلا الله) 51.
ب-انه سبيل إلي تكوين فقهاء التمكين:-وذلك أنه في هذه الأيام التي لا نزال نتلمس فـيـهـا طـريق النهضة وطريق التغيير ، نحن بحاجة إلى مفكرين (فقهاء) وبالمعنى العام لكلمة (فقه) وهـي : الفهم العميق للإسلام ، كما دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس »اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل«.
نحن بحاجة إلى فقهاء علماء يعرفون سنن التغـيـيـر وأمـراضـنـــا الاجتماعية وواقعنا وواقع غيرنا تمام المعرفة ، وما هي الخطوات المرحلية التي يجب أن نبدأ بها ، إن مشكلة (المسلم) لا تحل إلا بتحديدها تحديداً دقيقاً، والتفكير فيها، وهذا لا يؤتاه إلا (أولو الألباب) وعندمـــا ذكر القرآن الكريم أن عشرين من المؤمنين. يغلبون مائتين من الذين كفروا قال : ((ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ)).
ولذلك قال عبد الله بن مسعود يـصـف بـعـض المظاهر في آخر الزمان : (يكثر الخطباء ويقل الفقهاء)52.
ولتكوين "أولي الالباب"نحتاج إلي علم "الواقع"ذلك إن علوم فقه الواقع اليوم أشبه بالحواس والنوافذ العقلية للفئة التي تسعي للتمكين لدين الله عز وجل، والفئة التي تفتقد المعرفة بفقه الواقع في عالم اليوم فئة تعيش فيما يشبه مدارس الصم والبكم.
ومن هنا نقول: إن النفرة للتخصص في شعب المعرفة، وإحياء الفروض الكفائية، والنزول إلى الميدان والانخراط بالمجتمع هو من فقه الدين قال تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ }53.
لذلك نقول: إن الانخراط في المجتمع، والاندماج فيه، والتعرف على مكوناته ومؤثراته، ودراسة الظواهر الاجتماعية، ومعرفة أسبابها، والمساهمة في دوائر الخير، ومحاولة التوسع فيها، على هدى وبصيرة، وعدم تشكيل أجسام بعيدة عن المجتمع، منفصلة عنه، وإقامة هياكل وكيانات وخيام خارج المجتمع والحياة، أو السير خلف المجتمع ورصد تصرفاته والحكم عليها، بدل الدخول في المجتمع وإغرائه بفعل الخير، هو سبيل الخروج ومعاودة إخراج الأمة من جديد.
وكل ذلك لا يتأتي إلا بعلم وفقه الواقع ،لقد أصبح فقه الواقع، أو فقه المجتمع، علم له أدواته ووسائل قياسه، بل نستطيع أن نقول: إنه أصبح خلاصة لمجموعة علوم إنسانية واجتماعية وتاريخية، ولم تعد تنفع معه النظرة العابرة، أو الملاحظة الآنية، أو الأُمنية المخلصة.
وقد لا نكون بحاجة إلى التأكيد بأن علوم فقه الواقع تتقدم بسرعة، وتتأصل بشكل مذهل ، وتتشعب إلى شعب تخصصية دقيقة، في محاولة لتغطية جميع مساحات الحياة.. ففي علم الاجتماع والمجتمع بات هناك علوم اجتماع متنوعة بحسب موضوعاتها في الميادين السياسية والاقتصادية.. وعلوم الإنسان بلغـــت شأوًا، وبــدأت تضــع يـدها على حقائق لا يمكـن تجــاهـلها ولا تجاوزها.. وعلم النفس يتقدم ليدخل المواقع كلها، ويحتل مكانه، ويدلي بشهادته على كل حالة، ولعلنا نقول: إنه تجاوز إمكانية قراءة الحاضر إلى محاولة صناعة المستقبل، وتحضير الناس له بزرع اهتماماتهم وتشكيل أهدافهم.
حتى أنه يمكن القول: بأن وسائل وأدوات سبر حقيقة المجتمع، وكشف خفاياه، ومعرفة واقعه، وتحديد وجهاته، أصبحت علوماً. فعلم الإحصاء وحصر الإمكانات والاستطاعات والمسح والبحث الاجتماعي بوسائل منهجية للتقويم والقياس لم يعد أرقاماً جامدة، وإنما يعبر عن مؤشرات ويحمل دلالات لا يمكن تجاهلها عند أي دراسة أو تخطيط أو تجديد أو تنمية للموارد البشرية والمادية.. فلم يعد علم الإحصاء أداة ووسيلة، وإنما أصبح مقوماً لا يمكن تجاوزه.
حتى أن استطلاع الرأي والتعرف على التحولات الاجتماعية وأسبابها، أصبح علماً وفناً، لا يقتصر على قراءة الحاضر وإنما يتجاوز إلى التأثير فيه والتوجيه له.

وليست الاستبيانات وفنية وضعها وما يطرح فيها من أسئلة، وما يتوصل إليه من نتائج، بأقل شأنًا في فقه الواقع وامتلاك مفاتحه، والدخول إليه من أبوابه، بعيداً عن المجازفات والخبط الأعشى.54
وفي دول الغرب الآن نجد أن السر في قوتها (هو تـكـامـل الفكر والسياسة ، واعتماد رجال التخطيط والتنفيذ في دوائر السياسة والإدارة على ما يقدمه رجال الفكر العاملون في مراكز البحوث والدراسات خـلال الـلـقــاءات الــدوريــــة التي تجمع بين الفريقين لمناقشة وتقويم القضايا الداخلية والخارجية ، ففي بلد كالولايات المتحدة هناك حوالي تسعة الآف مركز بحوث ودراسات متخصصة في بحث شؤون السياسة والاجتماع والاقتصاد والثقافة والتربية...))55.
ج-فقه الواقع وفتح المفات:-تتبني حركة الإحياء الإسلامي التي تسعي للتمكين لدين الله في الأرض سياسة فتح الملفات،و سياسة فتح الملفات في الواقع هو أننا نقوم بفتح ملفات للموضوعات الهامة والشائكة التي تواجه الأمة وتواجه الفئة المسلمة،ونترك هذه الملفات مفتوحة لاستيعاب المستجدات الطارئة والمتغيرات الحادثة في مثل هذه العقبات والتحديات ،والهدف من فتح الملفات هو "حل المغاليق المختلفة التي تواجه العمل الإسلامي"و"اكتساب للخبرة اللازمة للعمل الإسلامي للتعاطي وفق المتغيرات المختلفة"حتي يستطيع العمل الإسلامي مواكبة المتغيرات وبإذن الله يكون هو البادئ بصناعة الحدث وليس المستقبل له،فضلاً عن ضرورة تواجد "العمل الإسلامي"في ساحة العمل،وحتى لا يفاجئ العمل الإسلامي بمشاكل لم تكن في الحسبان عند الوصول إلى التمكين بإذن الله،والملفات التي ينبغي أن تفتح كثيرة ومتجددة حسب حاجة العمل الإسلامي فهي ليست ملفات ورقية ، ولذلك فسياسة فتح الملفات ينبغي أن تكون سياسة عملية وليست نظرية وإن كان الدور النظري له بعد ليس بالهين،ولكن البُعد الواقعي في فتح الملفات يضفي علي فتحها مصداقية ويساعد في إيجاد الحلول الصحيحة بعيداً عن التنظير الأجوف،وعي سبيل المثال فعند فتح ملف( للنصارى) في البلدان التي تعلو فيها وتيرة الصراع مع النصارى والصراع الطائفي مثل مصر والسودان ولبنان وغيرها من الدول علي سبيل المثال ينبغي أن نكون متابعين لآراء وشبهات النصارى من خلال مواقعهم ،ومن خلال غرف البالتوك المختلفة والتعرف علي شبهتاهم التي يثيرونها بين الفينة والأخرى،والتعرف علي مؤسساتهم و تواجدهم في الأحزاب وتسليحهم ودرجة استفزازهم لمسلمين ،ومثل ذلك الخطاب العلماني والتطور الحادث فيه ونوعه إن كان خطاب واضح غير ملتبس أو خطاب ملتبس مموّه غير واضح ،وذلك حتي لا تخدع الفئة المسلمة وهي لا تدري أو يسرق كفاحها ،نتيجة غفلة أهل الحق عن تدبير وسوء أهل الباطل، وقس علي ذلك باقي الملفات التي ينبغي أن تفتح،ولا شك أن هذا يتطلب من العاملين للإسلام (امتلاك القدرة على فقه الـتـعــامــــل مـــع المجتمعات، والانفتاح المتزن أكثر، وفـتــــح منافذ جديدة للدعوة، وامتلاك قدر أكبر من المرونة، مع الإبصار الكامل والدقيق والأمين للأهداف، والتقدير للإمكانيات.. ولايعني هذا بحال من الأحوال أن يكون دعاة الإسلام دمـــــاً جـديـــداً فـي قوة الباطل، أو أن يوظف الإسلاميون لغير الأهداف الإسلامية، وإنما يعني: النزول إلى الساحة، وفهم واقع الناس؛ حتى يجيء الأخذ بيدهم ثمرة لهذا الفهم، ذلك أن الناس هم محل الدعوة، وهم جديرون بالشفقة والإنقاذ56.
يحتاج علم فقه الواقع إلى شيئين مهمين: أ- سعة الاطلاع:- نظرا لتشعب هذا العلم وشموله، فيحتاج المتخصص فيه إلى كثير من الفنون، سواء العلوم الشرعية كالعقيدة والفقه، أو العلوم الاجتماعية كالتاريخ، أو العلوم المعاصرة كالسياسية والإعلام، وهلم جرا. وإذا قصر في أي علم من هذه العلوم أو غيرها مما يحتاج إليه، فسينعكس ذلك سلبا على قدرته على فقه الواقع، وتقويم الأحداث، والحكم عليها.
ب- التجدد والاستمرار: فهذا العلم يحتاج إلى قدرة فائقة على المتابعة، والبحث في كل جديد، فهو يختلف عن كثير من العلوم - كما بينت آنفا -، لذا يلزم المتخصص أن يكون لديه دأب لا يكل في متابعة الأحداث، ودراسة أحوال الأمم والشعوب، فلو انقطع عنه فترة من الزمن أثر على تحصيله، وقدرته في فهم مجريات الأحداث وتقويمها. فهو أشبه بالطبيب الذي يلزمه أن يتابع كل جديد في مهنته، فلو أن طبيبا تخرج في الجامعة منذ عشر سنوات، بقي يعالج الناس من خلال دراسته الماضية، دون النظر لما استجد من مخترعات في وسائل العلاج، وما اكتشف من أدوية، لأصبح طبيبا متخلفا عن الركب، فجديد اليوم يصبح قديما في الغد وهكذا.
ولا أبالغ إذا قلت: إن الذي ينقطع عن متابعة الأحداث بضعة أشهر يحتاج إلى فترة مكثفة ليتمكن من ملاحقة الأحداث من جديد، وبخاصة في عصرنا الحاضر، الذي أصبح فيه العالم كقرية، ما يقع فيه شرقه يؤثر يوميا في غربه، وإذا وقع حادث ذو بال في أمريكا أثر على أسواق اليابان في اليوم نفسه، وارتفاع الأسهم في (وول ستريت) بلندن، يؤثر على قيمة الفول في البرازيل57.
*الآثار المترتبة علي تجاهل فقه الواقع:-
إذا تجاهلت الواقع تمامًا فربما فاتك:-1-سد الذرائع:- وهى قاعدة أصيلة وركن ركين من أركان الشريعة58، كذلك وقعت في كثير من الزلل بسبب عدم النظر في المآلات والنظر في المآلات معتبر شرعًا وبه تصح الفتوى59.
2- اعتبار المناط الخاص:-
فكل رسول يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له وايجاب الفرائض والنهى عن المحرمات. وهناك محرمات أبدية خالدة لا تختلف من رسالة إلى أخرى، وهناك فرائض لا تخلو منها رسالة، ومع ذلك نجد أن القرآن يركز على قضايا معينة في رسالات معينة. والرسول من غير شك في سبيل بيان القواعد الشرعية يتناول كل المحرمات وكل الفرائض ويضعها في مكانها الصحيح في نطاقها الديني، وفي معالجة الانحرافات الواقعية ينشغل بقضايا معينة هى الانحرافات القائمة بالفعل وليس غيرها بحيث تكون هى ودعوة التوحيد صلب حواره معهم، وذلك في مثل قوله تعالى: ((وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ)60،ومثل هذا مع قوم لوط، مع اختلاف الانحرافات.
ويقول الشاطبى في ”الموافقات“: «فمن ذلك أن النبى صلي الله عليه وسلم سئل في أوقات مختلفة عن أفضل الأعمال وخير الأعمال وعرف بذلك في بعض الأوقات من غير سؤال فأجاب بأجوبة مختلفة، كل واحد منها لو حمل على إطلاقه أو عمومه لاقتضى مع غيره التضاد في التفضيل.
ففي الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام: سئل أي الأعمال أفضل؟ فقال: «إيمان بالله». قيل: ثم ماذا؟ قال: «الجهاد في سبيل الله». قيل: ثم ماذا؟ قال: «حج مبرور»، وسئل :صلي الله عليه وسلم «أي الأعمال أفضل؟ قال: «الصلاة لوقتها». قال: ثم أي؟ قال: «بر الوالدين». قال: ثم أي؟ قال: «الجهاد في سبيل الله« .
وفي النسائي عن أبي أمامة: أتيت النبي صلي الله عليه وسلم فقلت: مرنى بأمر آخذه عنك، قال: «عليك بالصوم فإنه لا مثل له»، وفي الترمذي: أي الأعمال أفضل درجة عند الله يوم القيامة؟ قال: «الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات»، وفي البزار: أي العبادة أفضل؟ قال: «دعاء المرء لنفسه»، وفي الترمذي: «ما من شيء أفضل في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من خلق حسن»، وفي الصحيح: «وما أعطى أحد عطاء هو خير وأوسع من الصبر»، وفي الترمذي: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه»، وفيه: «أفضل العبادة انتظار الفرج»، إلى أشياء من هذا النمط جميعها يدل على أن التفضيل ليس بمطلق، ويشعر إشعارًا ظاهرًا بأن القصد إنما هو بالنسبة للوقت أو إلى حال السائل؛ وقد دعا عليه الصلاة والسلام لأنس بكثرة المال فبورك له فيه وقال لثعلبة: «قليل تؤدى شكره خير من كثير لا تطيقه»، وقال لأبى ذر: «يا أبا ذر إنى أراك ضعيفًا، وإني أحب لك ما أحب لنفسى؛ لا تأمّرنّ على اثنين ولا تولّينّ مال يتيم»، ومعلوم أن كلا العملين من أفضل الأعمال لمن قام فيه بحق الله، وقد قال في الإمارة والحكم: «إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن»، وقال: «أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة»، وفي الصحيح: «أن أناسًا جاءوا إلى النبى صلي الله عليه وسلم فقالوا: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به. قال: «وقد وجدتموه؟» قالوا: نعم، قال: «ذلك صريح الإيمان»، وفي حديث أخر: «من وجد من ذلك شيئًا فليقل آمنت بالله»، وعن ابن عباس في مثله قال: «إذا وجدت شيئًا من ذلك فقل: هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شى عليم»، فأجاب بأجوبة مختلفة والعارض كله واحد.
وقبل عليه الصلاة والسلام من أبي بكر ماله كله، وندب غيره إلى استبقاء بعضه وقال: «أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك»، وجاء آخر بمثل بيضة من الذهب فردها في وجهه. وعن أبى رجاء العطاردى قال: قلت للزبير بن العوام: مالى أراكم يا أصحاب محمد من أخف الناس صلاة ؟ قال: نبادر الوسواس. هذا مع أن التطويل مستحب ولكن جاء ما يعارضه»، إلخ61
ويعرف الشاطبى هذا المناط الخاص فيقول: «هو نظر في كل مكلَف بالنسبة إلى ما وقع عليه من الدلائـل التكليفية؛ بحيث يتعرف منه مداخل الشيطان ومداخل الهوى والحظوظ العاجلـة حتى يلقيها ـ يقصد التكاليف ـ هذا المجتهد على ذلك المكلَف مقيدة بقيود التحرز من تلك المداخل، هذا بالنسبة إلى التكليف المنحتم وغيره، ويختص غير المنحتم بوجه آخر: وهو النظر فيما يصلح بكل مكلَف في نفسه بحسب وقت دون وقت، وحال دون حال، وشخص دون شخص؛ إذ النفوس ليست في قبول الأعمال الخاصة على وزان واحد كما أنها في العلوم والصنائع كذلك»62.
جـ- تجاهل الواقع ربما أدى إلى تقديم الإسلام للناس في صورة نظرية مجردة لا ترتبط ارتباطا وثيقًا بالحياة والسلوك اليومي، وهذا على العكس من طريقة القرآن:((وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً) 63 الذى أخرج للناس عقيدة من خلال حركة الجماعة وأحداثها وصراعها مع غيرها ونموها وتفاعلها مع نفسها وغيرها.. وأخرج للناس جماعة من خلال تأصيلات العقيدة وتوجيهاتها.
فربط بين الحدث والتوجيه ربطًا دقيقًا مع الحفاظ على تجرد توجيهات العقيدة وقوة تأصيلها إذا ما أردت أن تستخلصها من التنزيل. وهذا أمر في منتهى الأهمية(64).
يتبع إن شاء الله....
ثبت المراجع
48--فقه الواقع د.ناصر العمر
49-( فقه الواقع أصـــــــــــــول وضوابط) للأستاذ أحمد بوعود كتاب الأمة عدد 75.
50-[ سورة الأنعام آية: 55 ].
51- فقه الواقع د.ناصر العمر.
52-صناعة الفكر مجلة البيان عدد 28.
53-[التوبة:122].
54-الأستاذ عمر عبيد حسنة مقدمة كتاب الأمة ( فقه الواقع أصـــــــــــــول وضوابط) عدد75.
55-ماجد عرسان الكيلاني (هكذا ظهر جيل صلاح الدين و هكذا عادت القدس ).
56-د.محمد محمد بدري (تحت رأية أهل السنة والجماعة).
57-فقه الواقع للشيخ ناصر العمر ،ورغم كونه مبحث صغير في الحجم إلا أنه يحوي فوائد كثيرة جداً.
58- راجع أعلام الموقعين لابن القيم.
59- راجع الموافقات، الجزء الرابع.
60-[هود86:84].
61-الموافقات، جـ4، ص 99-103. بتصرف يسير.
62-الموافقات، جـ4، ص 98.
63-[الاسراء:106].
64-انظر (آداب يتحلى بها الداعية والباحث ومبادئ يلتزم بها)للشيخ عبد المجيد الشاذلي بتصرف يسير.[/align]
 
حق النفس

حق النفس

[align=center]3-حق النفس:-[/align]

[align=right]وهو ما نطلق عليه "تزكية النفس"،والتزكية في اللغة الطهارة والنماء والبركة 65،وسمّي المال الذي أوجب الله إخراجه من مال العبد زكاة لأنه ينمي المال ويباركه ،كما يزكي نفس مخرجه ويطهرها.
وتزكية النفس-في الشرع-بتطهيرها من الفساد الذي يخالط النفوس ،وتنميتها بالخيرات والبركات،ويتحقق ذك كله بفعل الخيرات وترك المنكرات والإيمان بالله.
والنفس الزكية التي تطهرت وفق شرع الله هي النفس الطيبة التي تستحق في الدنيا الأوصاف المحمودة ،وفي الآخرة الأجر والمثوبة.
وقد أعلن القرآن أكثر من مرة أن الفلاح الإنساني مرهون بتزكية المرء نفسه،وأن الخيبة والخسران مرهونة بتدسية المرء نفسه،وقد أقسم الحق سبحانه وتعالي علي هذه الحقيقة أقساماً سبعة مما يدل علي خطورتها ،فقال تعالي ((وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)) 66 ،67.
يقول ابن كثير رحمه الله وقوله: { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } يحتمل أن يكون المعنى: قد أفلح من زكى نفسه، أي: بطاعة الله -كما قال قتادة-وطهرها من الأخلاق الدنيئة والرذائل. ويُروَى نحوه عن مجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير. وكقوله: { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى }68.
{ وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } أي: دسسها، أي: أخملها ووضع منها بخذلانه إياها عن الهُدَى، حتى ركب المعاصي وترك طاعة الله عز وجل.
وقد يحتمل أن يكون المعنى: قد أفلح من زكى الله نفسه، وقد خاب من دَسَّى الله نفسه، كما قال العوفي وعلي بن أبي طلحة، عن ابن عباس.69
-وإذا كان الإسلام قد أمر بتزكية النفس وإصلاحها –فإنه أيضاً جاء بالمنهج الذي يتم به الإصلاح والتزكية، يقول الحق سبحنه وتعالي (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) 70 ،فقد وصف الله تبارك وتعالي هذا الموحي به بوصفين :الأول :-أنه روح ،والثاني أنه نور .
وبالروح تكون الحياة ،وبالنور تكشف الظلمات ،ولذلك قال الحق فيمن هداه بكتابه ((أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) )71.
-و من الأمور الهامة لحياة وتزكية النفس تلقي العلم بنية العمل لا بنية التثقف أو التشدق أو التفيهق ،ولكن بنية العمل ،ولذلك كان السلف رحمهم الله يكرهون السؤال الذي لا يقع تحته عمل قول الإمام الشاطبي _رحمه الله تعالى_: "كل مسألة لا ينبني عليها عمل، فالخوض فيها خوض فيما لم يدل على استحسانه دليل شرعي، وأعني بالعمل عمل القلب وعمل الجوارح من حيث هو مطلوب شرعاً، و الدليل على ذلك: استقراء الشريعة فإنّا رأينا الشارع يعرض عمّا لا يفيد عملاً مكلفا به، ففي القرآن الكريم "يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج" فوقع الجواب بما يتعلق به العمل، ومن هنا نهى _صلى الله عليه وسلم_ (عن قيل وقال وكثرة السؤال)72 ،لأنة مظنة السؤال عما لا يفيد، وقد كان مالك بن أنس يكره الكلام فيما ليس تحته عمل)73.
ويترتب علي ذلك - أن العلم الشرعي وسيلة إلى عبادة الله و(ذلك أن روح العلم هو العمل وإلا فالعلم عارية وغير منتفع به،قال تعالى: "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ"74 ، قال سفيان الثوري: "إنما يتعلم العلم ليتقي به الله وإنما فضل العلم على غيره؛ لأنة يتقي اللّه به".
وكل ذلك يحقق أن العلم وسيلة من ا لوسائل ليس مقصوداً لنفسه من حيث النظر الشرعي، وإنما هو وسيلة إلى العمل75.
*أهمية تزكية النفس للعاملين للدعوة إلي الله عزوجل:-
عندما تجد خللاً في الدعوة، وبـطـؤاً في السير، ففتش عن القلب، فأمراضه أشد من أمراض الأبدان، كما أن اكتشافه أخفى، ويحتاج إلى خبير في ذلك، وليس هناك وصف أدق لمكانة القلب من وصف الرسول -صلى الله عليه وسلم- حين يقول : «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب»76
عجيب أمر القلب !! فهو لا يثبت على حال أبداً وما سمي القلب قـلـبـاً إلا لكـثـرة تـقلبه... فكل شيء يؤثر فيه !! وكل أمر يغير منه بقدر... إذاً فلابد من تعاهده والمحافظة على استقامته وإصلاح هفواته ولهواته ،فإذا كان العاملين للدعوة إلي الله مرضي القلوب أو أهملوا نفوسهم فسيقعوا صرعي في الطريق لا محالة ولا يكون في إستطاعتهم مواصلة السير والعمل لله ،لأن ذلك يتطلب زاد، وخير الزاد التقوي، والتقوي لا تقع إلا علي محلٍ نظيف،لذلك لابد من محاسبة النفس بين الفينة والأخري حتي لا نقع في غوائل الشيطان ويبطء سيرنا إلي الله عز وجل، قال لقمان الحكيم لابنه: (يا بنيّ: إن الإيمان قـائــد، والعمل سائق، والنفسَ حرون؛ فإن فتر سائقها ضلّت عن الطريق، وإن فتر قائدها حرنت، فإذا اجتمعا استقامت. إنّ النفس إذا أُطمعت طمعت، وإذا فوّضْت إليها أساءت، وإذا حمــلـتـهــا عـلـى أمر الله صلحت، وإذا تركت الأمر إليها فسدت؛ فاحذر نفسك، واتهمها علـى دينك، وأنـزلـهــا منزلة من لا حاجة له فيها، ولا بُدّ له منها. وإنّ الحكيم يذلّ نفسه بالمكاره حتى تعترف بـالـحــــق، وإنّ الأحمق يخيّر نفسه في الأخلاق: فما أحبّت منها أحبّ وما كرهت منها كره)77 .
ومـن هـنــا كـان لزاماً على كل عبدٍ يرجو لقاء ربّه أن يطيل محاسبته لنفسه، وأن يجلس معها جلسات طـِــوالاً؛ فينظر في كل صفحة من عمره مضت: ماذا أودع فيها، ويعزم على استدراك ما فات ويشحذ همّته لسفره الطويل إلى الله ـ تبارك وتعالى ـ.
وقبل أن أنهي هذه الجزئية من المبحث أحب أن أوضح أن مجال العلم النافع لتزكية النفس لا بد وأن ينبع من دراسة أمرين وهما القرآن الكريم ،والتعبد وفق اسماء الله وصفاته عزوجل.
أولاً القرآن الكريم : ويتم ذلك بأن نعيش في ظلال القرآن ،فالعيش في ظلال القرآن الكريم ،كما يقول سيد قطب رحمه الله تعالي واصفاً العيش في ظلال القرآن وما ذاقه من حلاوته "ذقت فيها من نعمته ما لم أذق قط في حياتي . ذقت فيها هذه النعمة التي ترفع العمر وتباركه وتزكيه . لقد عشت أسمع الله - سبحانه - يتحدث إلي بهذا القرآن . . أنا العبد القليل الصغير . . أي تكريم للإنسان هذا التكريم العلوي الجليل ؟ أي رفعة للعمر يرفعها هذا التنزيل ؟ أي مقام كريم يتفضل به على الإنسان خالقه الكريم "78.
فالمسلم يحتاج إلي من يذكره ويعظه في نفسه ، ويرقق له قلبه ، ويضعه دائماً على الطريق السوي بلا إفراط ولا تفــريط ، وهذا التذكير إذا قابل نفساً معتدلة فإنها تقبل وتتأدب ،إن النفس البشرية لا يكفيها مجرد تأليف الكتب ووضع الأنظمة، التي تقول لهم : هذا حق وهذا باطل ، أو هذا حلال وهذا حرام ، بل لا بد أيضاً من الإذعان الوجداني ، والقناعة الداخلية والتأثير النفسي . وإن قصص القرآن وأمثاله المضروبة وأحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - كافية في إصلاح النفس وردعها ووضعها على الصراط المستقيم . 79
إن الـقـرآن الـكـريـم لـيـس آيــات تهـتـز لـها الرؤوس، وتتمايل بها العمائم، ويطرب لها الدراويش في الموالد والمآتم والاحتفالات، ولـيـس آيات تُهَذُ هَذّ الشعر، أو تنثر نثر الدقل، بل هو آيات بينات تتنزل على قلوب المؤمنين فتغمرها بالسكينة والطمأنينة، وتملؤها بالثقة والثبات. وتدبرُ آيات الله (عز وجل) ومعرفة مـقـاصــدها ومراميها، والوقوف عند عظاتها وعبرها، والتفكر في معانيها وفقهها وأسرارها: نعمة عظيمة من أجل النعم التي يوفق إليها العبد المسلم. قال الله (تعالى):- ((إنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَذِينَ إذَا ذُكِـــرَ اللَّهُ وَجـِلَــتْ قُلُوبُهُمْ وَإذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ))80 ، ولهذا وصف أبو عبد الرحمن السلمي الصحابة (رضي الله عنهم) بقوله: (حدثنا الذين كانوا يقرئونـنـا القرآن، كعثمان بن عفان و عبد الله بن مسعود وغيرهما، أنهم كانوا إذا تعلموا من النـبـي -صلى الله عليه وسلم- عشر آيات، لم يجاوزوها حتى يتعلموا مافيها من العلم والعـمــل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً)81 وقال عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما): (لأن أقرأ البقرة في ليلة فأَدّبّرها وأرتلها، أحب إلي من أن أقرأ القرآن أجمعَ هذرمة)82.
وإذا طغى الران على القلـب، وانتكـس الإنسـان بعبثــه ولهـوه حجبه الله (تعالى) عن نور القرآن، وحال بينه وبين الهدى والحق، قـال الله (تعالى): ((أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا))83 ، وقال الله (تعالى): ((وإذَا قَـــــرَاًتَ القُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً (45) وَجَعَلْنَا عَلَى قُــــلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي القُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِـــمْ نُفُوراً))84 وتوعد الله (تعالى) المعرضـين عن كتابـه العزيز بقوله (عز وجـــل): ((أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْــــرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ))85 .
وأما أهل الإيمان فقد وصفهم الله بقوله (تعالى): ((وبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (105) وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً (106) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إنَّ الَذِينَ أُوتُوا العِلْمَ مِن قَبْلِهِ إذَا يُـتْـلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَـمَـفْـعُـــــولاً (108) وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً))86 ،87.
وذلك يستلزم منا معايشة القرآن عن طريق حفظه وتفسيره والعمل به والعمل علي تحكيم شريعته ،فينبغي علينا أن ندوام ـالإقـبـــــال على القرآن وتفهمـه وتدبره واستخراج كنوزه وآثار دفائنه، وصرف العناية إليه، والعكـــــوف بالهمـة عليـه؛ فإنه الكفيل بمصالح العباد، في المعاش والمعاد، والموصل لهم إلى سبيل الرشاد)،فالقرآن هو البيئة الصالحة لإنبات أنضر النبات.. نبات الإيمان، وإخراج أطيب الثمار.. ثمار العمل والوعي والجهاد88.
ومدرسة القرآن هي السبيل الأوحــــد إلـى تربـيـــة الجيل المسلم، وإحياء الأمة الفاضلة.
اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين يعـظـمـونــه حق التعظيم، فيؤمنون بمتشابهه، ويعملون بمحكمه ويحلون حلاله، ويحرمون حرامه، ويحكمونه في جميع أمورهم.. وصلى الله على محمد وآله وسلم".
ثانياً:-مدراسة آثار التعبد بأسماء الله وصفاته :-
عايشت فترة من عمري وأنا استمع وأتعلم من دروس الأسماء والصفات التي كان يلقيها الشيخ فوزي السعيد حفظه الله فكان لهذا الأمر أثر نفسي قوياً معي وكانت بعون الله هذه الدروس سبباً في ثبات الكثير بفضل الله وحوله،ولذلك كان تعلم "آثار الأسماء والصفات وأثرها علي حركة الفئة التي تعمل لنصرة الدين أمر في غاية الأهمية ،وأنا في هذا المقام سأقوم بنقل مختصر لمبحث أحسبه رائع عن "آثار التعبد بأسماء الله وصفاته"للشيخ محمد بن عبد الله الزغيبي.
يقول الباحث حفظه الله " إن البحث في أسماء الله وصفاته ـ وفــــق ما جاء في الكتاب والسنة ـ هو من أجلِّ المعارف وأشرفها.
ولن نتعرض في هذا البحث المتواضع لكـل ما يتعلق بالأسماء الحسنى ، ولكننا سنعرض لجزئية صغيرة، ولكنها مهمة وعظيمة، ألا وهي الـتـعـبد بأسماء الله وصفاته الحسنى، فإنه باب عظيم يضم بين جوانبه مسائل من التعبد، فـمـنهـــا: إحـصـاء ألفاظها وعددها، وكذلك: الدعاء بها، وثالثها: ما نحن بصدده، وهو فهم معانيها ومدلولها.
وفهم معانيها ومدلوها له مترادفات أخرى ذكرها ابن القيم في ثنايا كـتـبــه، وهي: إدراك موجبها، وآثارها، ومقتضياتها، ومتعلقها، ولوازمها، وأحكامها.. فكل هـــــذه المترادفات المتقاربة تعني التعبد لله بأسمائه وصفاته، إذ كل اسم له تعبد مختص به علـمــــاً ومعرفة وحالاً، وله صفة خاصة، وكل صفة لها مقتضى وفعل، إما لازم، وإما متعدٍّ، ولذلك الفعل تعلق بمفعول هو من لوازمه، وهذا في خلقه، وأمره، وثوابه، وعقابه، وكل ذلك آثــــــار الأسماء الحسنى وموجباتها.
ومــن المـحــــال تعـطـيــــل أسمائه عن أوصافها ومعانيها، وتعطيل الأوصاف عما تقتضيه وتستدعيه من الأفعال.
فمثلاً اسم (السميع) من أسـمـــاء الله الحسنى، ولا بد من إثبات حكمه ومقتضاه، وهو أنه يسمع السر والنجوى، ويسمع ضجيج الأصوات، على اختلاف اللغات.. وإدراك هذا الأثر من اسمه (تعالى) يورث العبد حالاً من التعبد والمراقبة والإنابة إلى ربه (سبحانه وتعالى).
واعلم أن التعبد بالأسماء والصفات الحسـنى درجات ومراتب وأنواع كما سبق، وكلما زاد علم العبد بالله (جل وعلا) ارتـفـــــع في درجــة التعبد، وأكمل الناس عبودية هو المتعبد بجميع الأسماء والصفات التي يطلع عليها البشر، فلا تحجبه عبودية اسم عن آخر، كمن يحجبه التعبد باسمه (القدير) عن التعبد باسمه (الحـلـيــم) (الرحيم)، أو يحجبه عبودية اسم (المعطي) عن عبودية اسم (المانع)، أو عبودية اسم (الرحيم) و (العفو) و (الغـفـور) عن اسمه (المنتقم)، أو التعبد بأسماء التودد والبر واللطف والإحـســـان عـــن أســمـــاء العدل والجبروت والعظمة والكبرياء.. ونحو ذلك.
وهو (سبحانه) يحب موجب أسمائه وصفاته، فهو عليم ويحب كل عليم، جواد يحب كل جواد، عفو يحب العفو وأهله، حيي يحب الحياء وأهله، شكور يحب الشاكرين، صبور يـحــــب الصابرين، حليم يحب أهل الحلم، وإذا كان (سبحانه) يحب المتصفين بأثر صفاته فهو معهم بحسب نصيبهم من هذا الاتصاف، وهو ما يسمى بالمعية الخاصة.
ومن آثار التعبد بأسماء الله وصفاته :-
1-الأنس بالله ولمّ شعث القلب.
2- تعظيم الله (سبحانه وتعالى).
3- إدراك مقتضيات الصفات طريق لإثباتها.
4- إدراك أسرار الشريعة وحقيقة الأحكام الشرعية.
5- الطمأنينة. 89
- هذا ومن أراد التوسع فعليه بالرجوع إلي المبحث والدراسات الأخرى المكملة في هذا الباب ،ومنها سلسة صوتية للشيخ فوزي السعيد" سلسلة أسماء الله الحسنى"90.
وآخيراً ما يسعنا أن أقوله هنا أنه إذا أردنا التغيير والعمل للتمكين لابد أن نكون ذو نفوس زكية ،فزكاة النفس وصدق الإلتجاء إلي الله هو الذي يعطي قوة في العمل وقوة في الإنطلاق ،وأصحاب العزمات الصادقة أصحاب قلوب امتلأت بذكر الله وبمحبة الله فهي تسعي لله وبالله،قلوب تحررت من حب الدنيا آنست ذكر الله عزوجل فلا يخيفها تجبر الطغاة ولا جبروتهم لأنها تعلم أن هناك يوماً لا ريب فيها ،والله أسال بكرمه وفضله أن نكون أصحاب ألسنة ذاكرة وقلوب خاشعة وعقول متفكرة وأبدان عاملة للتمكين للدين الله .

أسال الله بكرمه وعفوه أن أكون وفقت في عرض هذا الجزء من المبحث ، وأن أكون من العاملين به الداعين إليه بعملي قبل قولي.
يتبع إن شاء الله....
ثبت المراجع:-

65-النهاية لابن الأثير:2/307.
66-[سورة الشمس :ا-10].
67-منهاج تزكية النفس في الإسلام د.عمر سليمان الأشقر دار النفائس.
68-[الأعلى: 14 ، 15] .
69-تفسير ابن كثير نسخة إليكترونية المكتبة الشاملة.
70-[الشورى:52].
71-(الأنعام:122).
72- البخاري.
73- تهذيب الموافقات للجيزاني طبعة مكتبة ابن الجوزي37.
74-(فاطر: من الآية28).
75- تهذيب الموافقات للجيزاني طبعة مكتبة ابن الجوزي37.
76-صحيح البخاري فصل من استبرأ لدينه.
77-ذم الهوى لابن الجوزي (40).
78-مقدمة كتاب "في ظلال القرآن"
79-د.محمد العبدة "خواطر في الدعوة"إصدارات المنتدي الإسلامي.
80-[الأنفال: 2].
81-سير أعلام النبلاء: 4/269.
82-فضائل القرآن، ابن كثير: ص 75.
83-[محمد: 24].
84-[الإسراء: 45، 46].
85-[الزمر:22].
86-[الإسراء: 105-109].
87-مجلة البيان عدد 97 رمضان 1416هـ-فبراير 1996م.
88-كتاب الله يا أختاه للأستاذة نجوي الدمياطي موقع نور الحق www.nouralhaq.net
89-مجلة البيان العدد 113.
90-موقع طريق الإسلام ،رابط الصفحة http://www.islamway.com/?iw_s=Scholar&iw_a=series&series_id=3036
[/align]
 
[align=right]الخاتمة


وبعد ففي نهاية هذا المبحث الذي أسال الله أن يكون موفقاً،أحب أن أوضح عدة نقاط ألا وهي :-

أولاً-إذا كنا قررنا في المبحث أن المعرفة أو العلم في جميع المجالات ضرورة شرعية ومنهجية ومعلم هام للذين يسعون لإحياء الأمة والتمكين لدين الله في الأرض فإننا نؤكد علي أن المعرفة المطلوبة ليست المعرفة التي تدعو صاحبها إلي الإخلاد في الأرض وعدم التحرك لنصرة الدين فهذه معرفة باردة لا نريدها ولا نقصدها وهي شغلة الفارغين يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالي حول هذا المعني " إن فقه الحركة يختلف اختلافاً أساسيا عن فقه الأوراق ،مع استمداده أصلاً وقيامه على النصوص التي يقوم عليها ويستمد منها فقه الأوراق، والتجارب تجزم بأن الذين لا يند مجون فى الحركة بهذا الدين لا يفقهونه مهما تفرغوا لدراسته فى الكتب لأنها دراسة باردة، وأن اللمحات الكاشفة فى هذا الدين إنما تتجلى للمتحركين به حركة جهادية لتقريره في حياة الناس ولا تتجلى للمستغرقين في الكتب العاكفين على الأوراق)91.
ويقول الشاطبي رحمه الله(والعلم لا يراد به أصلاً إلا العمل، وكل علم لا يفيد عملاً، ولا يتوقف عليه حفظ مقاصد الشريعة، فليس في الشرع ما يدل على استحسانه، والعلم المعتبر شرعاً، الذي مدح الله تعالى ورسوله أهله، على الإطلاق، هو العلم الباعث على العمل، الذي لا يخلِّي صاحبه جارياً مع هداه كيفما كان. بل هو المقيد صاحبه بمقتضاه، الحامل له على قوانينه طوعاً أو كرهاً. وعندئذ يصير العلم وصفاً من الأوصاف الثابتة لصاحبه، يأبى للعالم أن يخالفه ؛ لأن ما صار كالوصف الثابت لا ينصرف صاحبه إلا على وفقه اعتياداً وإن تخلّف فإنما يكون تخلّفه لعنادٍ أو غفلة.92
وليس عالماً ذاك الذي لم يعمل بعلمه، ولا يستحق وصف التكريم هذا، فعن علي رضي الله عنه قال: 'يا حملة العلم: اعملوا به، فإن العالم من علم ثم عمل، ووافق علمه عمله، وسيكون أقوام يحملون العلم، لا يجاوز تراقيهم، تخالف سريرتهم علانيتهم، ويخالف علمهم عملهم، يقعدون حِلقاً، يباهي بعضهم بعضاً ؛ حتى إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه، أولئك لا تصعد أعمالهم إلى الله عز وجل'.
وقال الحسن البصري رحمه الله: 'العالم الذي وافق علمه عمله، ومن خالف علمه عمله فذلك راوية سمع شيئاً فقاله' .
وقال الثوري:'العلماء إذا علموا عملوا، فإذا عملوا شُغِلوا...'. وقال:'العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل'93
فالذين لا يعملون بعلمهم، ولا يتسق سلوكهم مع عملهم، فضلاً عن أن يكونوا من الراسخين في العلم، وإنما هم رواة أخبار، وحفظة أسفار، والفقه فيما رووه أمر آخر وراء هذا، أو هم ممن غلب عليهم الهوى فغطّى على قلوبهم.)94
ثانياً-أن المعرفة المطلوبة هي لجميع الأفراد في العمل الإسلامي كل بحسبه ووفق قدراته وذلك من أجل أن تتكون "البصيرة"لدي العاملين لدين ،وهي الصفة المطلوبة للعاملين سواء كانوا رؤوس أو اتباعا، يقول تعالى فى سورة يوسف (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين )95)
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد : هذه الدعوة التي أدعو إليها والطريقة التي أنا عليها من الدعاء إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأوثان والانتهاء إلى طاعته وترك معصيته { سبيلي } وطريقتي ودعوتي أدعو إلى الله وحده لا شريك له { على بصيرة } بذلك ويقين علم مني به أنا ويدعو إليه على بصيرة أيضا من اتبعني وصدقني وآمن بي .
يقول الهروى رحمه الله في المنازل في الكلام على نفس الآية :- يريد أن تصل باستدلالك إلى أعلى درجات العلم وهى البصيرة التي تكون نسبة المعلوم فيها إلى القلب كنسبة المرئي إلى البصر، وهذه هي الخصيصة التي اختص بها الصحابة عن سائر الأمة ، وهى أعلى درجات العلماء،قال تعالى(قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) أي أنا واتباعى على بصيرة، ومن اتبعني كذلك يدعو إلى الله على بصيرة، وعلى القولين:-
فالآية تدل على أن أتباعه هم أهل البصائر الداعون إلى الله تعالى،ومن ليس منهم فليس من أتباعه على الحقيقة والموافقة وإن كان أتباعه على الانتساب والدعوى)96.
ثالثاً:-انه من الضرورة لحل مشكلات الأمة الإسلامية وحل المغاليق التي تعترض طريق العمل الإسلامي أن يكون عندنا علم ووعي ،فأول طرق الحل هي "تحديد المشكلة"وهذا لا يتأتي إلا بمعرفتنا بالمشكلة وظروفها وهذا يتطلب وعي وإحاطة بالواقع المعاش.
رابعاً:-هذا المبحث جزء من عدة مباحث تكتب إن شاء الله في موضوع فقه التمكين ،وذلك أن طريق التمكين وإحياء الأمة لابد فيه من :-
[تصحيح المفاهيم- إرادة التغيير- قوة الشعور الديني- المعرفة- ترسيخ القيم- القدرة- وعي بالواقع- الحصافة وحسن التدبير].
أسال الله بفضله ومنته أن أكون قد وفقت في عرض الفكرة وأن أكون قد وفقت في توضيحها،وأسال الله أن يجعل هذا المبحث يشير إلي إحدي المعالم الهامة في طريق إحياء الأمة والتمكين لدين الله عز وجل ،وأسأله تعالي أن يوفقني في إنهاء باقي العناصر الأخرى المتعلقة بفقه التمكين وإحياء الأمة، وما ذلك علي الله بعزيز.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
ثبت المراجع:-
91-طريق الدعوة في ظلال القرآن أحمد فائز.
92-الموافقات1/61 وما بعدها.
93-الموافقات 1/75 - 76.
94- مجلة البيان العدد1 مقالة للأستاذ جمعة ضميرية" لما تقولون ما لا تفعلون".
95-[سورة يوسف: 108 ].
96- فتح المجيد شرح كتاب التوحيد طبعة دار الفتح ص77 .[/align]
 
جزاك الله خيرا
جهد مشكور ومأجور بإذن الله تعالى
ولكن رابط التحميل لا يعمل .
والسلام عليكم
 
عودة
أعلى