محمد المصري
New member
- إنضم
- 08/08/2007
- المشاركات
- 67
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 6
[align=center]المعرفة و طريق التمكين[/align]
[align=right]جمع وإعداد/محمد المصري.[/align]
[align=right]
المقدمة[/align]
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله صلي الله عليه وسلم وبعد:-
[align=right]موضوع فقه التمكين في القرآن يحتاج لبحث تحليلي عميق لخطورته ولأهميته في حياتنا المعاصرة حيث إن الأمة تمر بفترة عصيبة من تاريخها, فهي في أشد الحاجة لفهم فقه التمكين حتى ترسم أهدافها وتسعى لتحقيق آمالها وفق سنن الله الجارية في الشعوب والأمم والمجتمعات والدول، ولقد لاحظت في دراستي للقرآن الكريم أن أصول فقه التمكين واضحة المعالم في كتاب الله الكريم, فما على الباحث إلا أن يجمعها ويرتبها ويحللها ويبين أثرها على حياة الأمة عندما حرصت على تطبيقه في كل شئون حياتها، وماذا أصابها عندما ابتعدت عن كتاب ربها وسنة نبيها صلي الله عليه وسلم، إن وصول الأمة الإسلامية في هذا الزمان إلى التمكين ليس بالأمر السهل، ولكنه كذلك ليس بالأمر المستحيل، إذ على الرغم من التضييق الشديد والحرب الضروس التي تشن على الإسلام والمسلمين، فإن كثيرًا من المسلمين يرون أن التمكين لدين الله قاب قوسين أو أدنى من ذلك، ومهما رأى الأعداء أن التمكين للإسلام بعيد يشبه المستحيل فإن المسلم واثق بوعد الله أن الأرض يرثها عباده الصالحون، وهذا ليس من باب الأحلام والتمنيات، ولكن من باب الثقة في الله تعالى، واليقين بوعده، إن كثيرًا من علماء الأمة وطلاب العلم فيها أجادوا في التصنيف في فنون متعددة ومتنوعة من علوم الدين، كما أنهم أفادوا الأمة في شرح الداء الذي أصيبت به الأمة, وفي بيان المؤامرات التي تحاك ضدها من قبل اليهود والنصارى وأعداء الإسلام، وبينوا شراسة الحملة التي شنها أعداء الإسلام بضراوة، وبكل الصور والأساليب على الأمة الإسلامية لتثبيط المسلمين، وخنق الأمل في صدورهم، وبث روح الهزيمة النفسية بين جوانحهم حتى لا ترتفع رؤوسهم، ولا تقوى عزائمهم، فيظلون في ذلك الضعف والهوان الذي صاروا إليه، فيصل بهم الأمر إلى الذوبان، والضياع، والتمزق بين سطوة الأمم التي تداعت عليها كما تتداعي الأكلة إلى قصعتها، لقد تحدث بعض الخطباء والوعاظ عن مشاكل الأمة، وفساد أحوالها، بصورة تنشر اليأس وتوصد أبواب الأمل في وجه أبناء الأمة الغيورين، وشاعت روح الهزيمة بين صفوفهم، وأصبحنا كثيرًا ما نسمع من يقول: ماذا نفعل؟ ضاع الإسلام والمسلمون!..ويقفون على ذكريات الماضين ويتغنون بأمجادهم، فأدركت أن الأمر كبير, والقضية خطيرة ورأيت أن الأمة في أمسَّ الحاجة إلى ما يرد إليها ثقتها بربها، ومنهجها، في حاجة إلى من يوقظ الإيمان في قلبها، ويرشدها للأخذ بأسباب التمكين وشروطه، ويبين لها طبيعة الطريق، وكيفية السير فيه، ويوضح لها المعالم لتعرف كيف تعمل؟ وإلى أين تسير؟(1)
ولهذا جاء هذا المبحث المتواضع الذي أقوم فيه بعرض أحد العوامل اللازمة للتمكين لدين الله في الأرض وهي العلم والمعرفة ،ولا أزعم أن قدمت جديد في هذا المبحث وإنما قمت فقط بتسليط الضوء علي أحد المعالم التي أحسبها هامة في فقه التمكين لدين الله ،وعملي في هذا المبحث لا يعدو عن قيامي بتجميعات نقولات وابحاث مختلفة مترامية هنا أو هناك ،أقوم بتجميعها وتهذيبها وإلقاء الضوء عليها لتخرج في صورة تبين المعني وتجلو المقصود،وإن تكررت في هذا المبحث بعض المعاني والكلمات فبغرض تثبيت المعني وتقرريه ،فالعبارات إذا تكررت تقررت كما يقولون ،وطبيعة المبحث نفسها تفرض الإسهاب أحيانا ً والتكرير ،وما هي إلا محاولة أقوم بها فإن كانت موّفقة فهذا فضل من الله وحده،وإن كان فيها من خلل فمن نفسي والشيطان والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.[/align]
العلم قبل القول والعمل(2)
[align=right]اصطفى الله ـ تبارك وتعالى ـ رسله ـ عليهم الصلاة والسلام ـ، وتولاهم بحسن النشأة، وتعهدهم بتمام الرعاية، ونبأهم بما يحـتـــاج إليه العباد من العلم؛ فكان للعلم في دين الله شأن ينبئك عنه أول القرآن نزولاً على نـبـيـنا-صلى الله عليه وسلم- حين خاطبه ـ تبارك وتعالى ـ بقوله: ((اقْراً بِاسْمِ رَبِّكَ الَذِي خَلَقَ)) (3) وبـهـــذه الآيــــــات وضع الله ـ تعالى ـ معالم الرسالة الإسلامية الخالدة في عمومها المطلق وشمولها الأعم مـبـيناً أنها رسالة العلم والمعرفة والعقل، وهي أعظم نعم الله ـ تعالى ـ على الإنسان)(4) وبهــذه الآيات البينات، وما تضمنته من الإشادة بالقراءة والكتابة والعلم، أبان الله ـ عز وجل ـ لنبيه-صلى الله عليه وسلم- ولأمة الإسلام أن المعرفة بوسائلها: من قراءة وكتابة وتعلّم هي الأسلوب الأمثل لتبليغ الرسالة.
وبـهـــذه الآيــات أعطيت الأمة مفاتيح الإصلاح والتقدم والرقي؛ لتعلم أنه لا إصلاح ولا مدنـيــــة ولا حـضــارة بغير علم ومعرفة؛ فالجهل ـ وهو نقيض العلم ـ لا يأتي إلا بالشر والفساد والتخلف، كـمـا أن الهداية إلى معرفة الحق واعتناقه والحرص على إقامة معالمه والدعوة إليه لا يكون إلا مـــع العلم، ولا يكتب للعلم النمو والانتشار إلا إذا سجله القلم ونشره وأعلن عنه(5) ومن اللافت للنظر أن استفتاح الوحي بـهـــذه الآيات البينات فيه دلالة واضحة على أن العلم في دائرة سنن الله في الحياة يعد من أهــــداف الأمــــة الإسلامية في تبليغها رسالة الإسلام؛ (لأن العلم هو العنوان الأعظم على خلود هذه الرسالة، وهو العنصر الحيوي في تكوين حقيقتها الهادية الراشدة، وهو الآية الكبرى على صدقها وصدق رسولها)(6) ، وبقي شـعــاره التمثل لهذا الأمر مع طلب الزيادة منه: ((وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً))7 وذكر بعـض الـمـفـسـريـن أنه -صلى الله عليه وسلم- ما أمر بطلب الزيادة من شيء سوى العلم، وكان يقول: (اللــهــم انفعني بما علمتني، وعلمني ما ينفعني، وزدني علماً) وكان يستعيذ من العلم الذي لا ينـفــــع.8 ، فأعلن مـنهـجـه أبلجَ يضاهي وضوحه ضياء الشمس: ((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّـبَـعَـنِـي...))9.
مـن هـنـــــا كـانــت سنة الدعاة ـ المقتدين بالرسل في الوظيفة ـ تري طريقتهم في التكوين والنشأة.. فصارت الـركـيــزة الأولى في تكوين الداعية: العلم، فهو الذي يهتدي به العمل، ويُحفظ به الدين.
قــــوام الـديـــن: علم يهدي، وسيف ينصر ((وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً)) 10،وكما حرس الله بـيـضـــة الإسلام بالمجاهدين في سبيله، فقد حفظ شريعة الإيمان بالعلماء والمتعلمين. والجهاد لا يتم على وجهه الحق إلا بالعلم المؤهل المؤصل المفصل بالقرآن الكريم والسنة النبوية. فالعلم ضــــــرورة فوق ضرورة المأكل والمشرب والملبس والدواء؛ إذ به قوام الدين والدنيا، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ولا غرو فإن الدعوة إلى الله إذا كــانـت (أشـــــرف مقامات العبد وأجلها وأفضلها فهي لا تحصل إلا بالعلم الذي يدعو به وإليه، ولا بد فـي كمال الدعوة من البلوغ في العلم إلى حد يصل إليه السعي) 11 ،ولـقـد كان من أعظم أسباب ضعف المسلمين في هذا العصر: الجهل، وقلة العلماء العاملين، وسوء الخـطــط في مراحل الدراسة المختلفة في البلاد الإسلامية، وضعف الهمم والعزائم في الجد والبحث والتحصيل، والتخصصات الجزئية التي أضعفت العلوم الشرعية، والانهزام النفسي أمام بعض العلوم المادية، والنظر إلى التخصصات الشرعية نظرة دونية.
هذه الأسباب وغـيـرهـا جزء من واقع الأمة ـ في الجانب العلمي ولا شك أن بُعْد الهوّة بين الأمة وماضيها أذهل دعاتها الغيورين عن كثير من مصالحهم، وأفقد بعضهم شيئاً مــــن الـتـــوازن ســواء في تربيتهم لأنفسهم، أو في برامجهم التربوية المطروحة التي يسعون لتحقيقها؛ فلربما كانت الحركة الدؤوب على حساب بعض العلم، فإذا وضع هذا في الحسبان عرفنا ما يجب الفئة التي تضلع لإحياء الأمة والعمل للتمكين للدين تجاه العلم، وأنه لا بد من منح الهدف العلمي أولوية تليق به، بل يجــب أن تصاغ الأهداف الأخرى على ضوئه؛ لأن التعليم والتربية صنوان لا ينفكان: ((هُوَ الَذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ))12
إن العاملين للتمكين لدين الله في الأرض اليوم يجب أن تصاغ خطـطـهـم ومناهجهم في كل الجوانب الدعوية والتربوية والفكرية صياغة كاملة شاملة على أساس عـلـمي متين؛ لأن التغيير الذين يرمون إليه عبء ثقيل وأمانة عظمى لا تتأتى إلا ببناء العقول وإصــــلاح الفكر؛ وهو أمر غاية في الخطورة والصعوبة، لا يحصل بالأحلام والأمنيات، ولا بالعـواطــف والانفعالات، ولا بالارتجال والاحتمالات.
إن قـاعـدة هذا التغيير والبناء والإصلاح متينة، ترسم أهدافاً عنوانها: الشرعية والوضوح والمرونة والملاءمة، وتنهج طريقاً واضحة علائمه، بيّنة منائره.. إنه منهج تعظيم النصوص الشرعـيــة من الكتاب والسنة الصحيحة، وفهمها بفهم سلف الأمة ـ الذين اختارهم الله لإقامة دينه وحمل رسالته ـ، ثم التسليم والانقياد لها خِلْواً من المعارضات المرفوضة التي تتكئ إلى القياسات العقلية الفاسدة، والأذواق الرديئة، والمنامات الفارغة.. التي ما ناب الأمة منها إلا التفرق والشقاق والتيه والتأخر.
بهذا الـمـنـهــج السلفي يجب أن تدرس وتفهم أصول الدين ومهماته من مسائل الاعتقاد والسلوك، ثم فروعه وأحكام الحلال والحرام، وبه تُدرك سبيل المجرمين، ويُفهم الواقع، وتُصنع الحياة.
ويوم أن نهـجــــت الأمــة ذلك النهج سطع نجمها، وعلا ذكرها، وامتد سلطانها، وبقي ذكرها، ونالت المجد والسؤدد... يومها وأدت نوابت السوء في مهدها، وكان السيف ينصر يوم أن كان العلم يهدي.
يتبع إن شاء الله....
ثبت المراجع
*القرآن الكريم.
1- مقدمة كتاب فقه التمكين في القرآن للدكتور علي بن محمد الصلابي.
2-مجلة البيان العدد 132شوال 1418هـ-فبراير 1998م افتتاحية العدد.
3-سورة[العلق:1].
4-(محمد الصادق عرجون: محمد رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، ج1، ص 542.)
5- (المصدر السابق ج1 543).
6- المرجع السابق، ج1، ص 545.
7-سورة[طه: 114].
8- أصول التربية والتعليم كما رسمها القرآن)) د.. أحمد بن شرشال
دار الحرمين لنشر التراث.
9-سورة[يوسف: 108].
10-سورة[الفرقان: 31].
11- مفتاح دار السعادة 1/154.
12-سورة[الجمعة: 2].[/align]
[align=right]جمع وإعداد/محمد المصري.[/align]
[align=right]
المقدمة[/align]
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله صلي الله عليه وسلم وبعد:-
[align=right]موضوع فقه التمكين في القرآن يحتاج لبحث تحليلي عميق لخطورته ولأهميته في حياتنا المعاصرة حيث إن الأمة تمر بفترة عصيبة من تاريخها, فهي في أشد الحاجة لفهم فقه التمكين حتى ترسم أهدافها وتسعى لتحقيق آمالها وفق سنن الله الجارية في الشعوب والأمم والمجتمعات والدول، ولقد لاحظت في دراستي للقرآن الكريم أن أصول فقه التمكين واضحة المعالم في كتاب الله الكريم, فما على الباحث إلا أن يجمعها ويرتبها ويحللها ويبين أثرها على حياة الأمة عندما حرصت على تطبيقه في كل شئون حياتها، وماذا أصابها عندما ابتعدت عن كتاب ربها وسنة نبيها صلي الله عليه وسلم، إن وصول الأمة الإسلامية في هذا الزمان إلى التمكين ليس بالأمر السهل، ولكنه كذلك ليس بالأمر المستحيل، إذ على الرغم من التضييق الشديد والحرب الضروس التي تشن على الإسلام والمسلمين، فإن كثيرًا من المسلمين يرون أن التمكين لدين الله قاب قوسين أو أدنى من ذلك، ومهما رأى الأعداء أن التمكين للإسلام بعيد يشبه المستحيل فإن المسلم واثق بوعد الله أن الأرض يرثها عباده الصالحون، وهذا ليس من باب الأحلام والتمنيات، ولكن من باب الثقة في الله تعالى، واليقين بوعده، إن كثيرًا من علماء الأمة وطلاب العلم فيها أجادوا في التصنيف في فنون متعددة ومتنوعة من علوم الدين، كما أنهم أفادوا الأمة في شرح الداء الذي أصيبت به الأمة, وفي بيان المؤامرات التي تحاك ضدها من قبل اليهود والنصارى وأعداء الإسلام، وبينوا شراسة الحملة التي شنها أعداء الإسلام بضراوة، وبكل الصور والأساليب على الأمة الإسلامية لتثبيط المسلمين، وخنق الأمل في صدورهم، وبث روح الهزيمة النفسية بين جوانحهم حتى لا ترتفع رؤوسهم، ولا تقوى عزائمهم، فيظلون في ذلك الضعف والهوان الذي صاروا إليه، فيصل بهم الأمر إلى الذوبان، والضياع، والتمزق بين سطوة الأمم التي تداعت عليها كما تتداعي الأكلة إلى قصعتها، لقد تحدث بعض الخطباء والوعاظ عن مشاكل الأمة، وفساد أحوالها، بصورة تنشر اليأس وتوصد أبواب الأمل في وجه أبناء الأمة الغيورين، وشاعت روح الهزيمة بين صفوفهم، وأصبحنا كثيرًا ما نسمع من يقول: ماذا نفعل؟ ضاع الإسلام والمسلمون!..ويقفون على ذكريات الماضين ويتغنون بأمجادهم، فأدركت أن الأمر كبير, والقضية خطيرة ورأيت أن الأمة في أمسَّ الحاجة إلى ما يرد إليها ثقتها بربها، ومنهجها، في حاجة إلى من يوقظ الإيمان في قلبها، ويرشدها للأخذ بأسباب التمكين وشروطه، ويبين لها طبيعة الطريق، وكيفية السير فيه، ويوضح لها المعالم لتعرف كيف تعمل؟ وإلى أين تسير؟(1)
ولهذا جاء هذا المبحث المتواضع الذي أقوم فيه بعرض أحد العوامل اللازمة للتمكين لدين الله في الأرض وهي العلم والمعرفة ،ولا أزعم أن قدمت جديد في هذا المبحث وإنما قمت فقط بتسليط الضوء علي أحد المعالم التي أحسبها هامة في فقه التمكين لدين الله ،وعملي في هذا المبحث لا يعدو عن قيامي بتجميعات نقولات وابحاث مختلفة مترامية هنا أو هناك ،أقوم بتجميعها وتهذيبها وإلقاء الضوء عليها لتخرج في صورة تبين المعني وتجلو المقصود،وإن تكررت في هذا المبحث بعض المعاني والكلمات فبغرض تثبيت المعني وتقرريه ،فالعبارات إذا تكررت تقررت كما يقولون ،وطبيعة المبحث نفسها تفرض الإسهاب أحيانا ً والتكرير ،وما هي إلا محاولة أقوم بها فإن كانت موّفقة فهذا فضل من الله وحده،وإن كان فيها من خلل فمن نفسي والشيطان والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.[/align]
العلم قبل القول والعمل(2)
[align=right]اصطفى الله ـ تبارك وتعالى ـ رسله ـ عليهم الصلاة والسلام ـ، وتولاهم بحسن النشأة، وتعهدهم بتمام الرعاية، ونبأهم بما يحـتـــاج إليه العباد من العلم؛ فكان للعلم في دين الله شأن ينبئك عنه أول القرآن نزولاً على نـبـيـنا-صلى الله عليه وسلم- حين خاطبه ـ تبارك وتعالى ـ بقوله: ((اقْراً بِاسْمِ رَبِّكَ الَذِي خَلَقَ)) (3) وبـهـــذه الآيــــــات وضع الله ـ تعالى ـ معالم الرسالة الإسلامية الخالدة في عمومها المطلق وشمولها الأعم مـبـيناً أنها رسالة العلم والمعرفة والعقل، وهي أعظم نعم الله ـ تعالى ـ على الإنسان)(4) وبهــذه الآيات البينات، وما تضمنته من الإشادة بالقراءة والكتابة والعلم، أبان الله ـ عز وجل ـ لنبيه-صلى الله عليه وسلم- ولأمة الإسلام أن المعرفة بوسائلها: من قراءة وكتابة وتعلّم هي الأسلوب الأمثل لتبليغ الرسالة.
وبـهـــذه الآيــات أعطيت الأمة مفاتيح الإصلاح والتقدم والرقي؛ لتعلم أنه لا إصلاح ولا مدنـيــــة ولا حـضــارة بغير علم ومعرفة؛ فالجهل ـ وهو نقيض العلم ـ لا يأتي إلا بالشر والفساد والتخلف، كـمـا أن الهداية إلى معرفة الحق واعتناقه والحرص على إقامة معالمه والدعوة إليه لا يكون إلا مـــع العلم، ولا يكتب للعلم النمو والانتشار إلا إذا سجله القلم ونشره وأعلن عنه(5) ومن اللافت للنظر أن استفتاح الوحي بـهـــذه الآيات البينات فيه دلالة واضحة على أن العلم في دائرة سنن الله في الحياة يعد من أهــــداف الأمــــة الإسلامية في تبليغها رسالة الإسلام؛ (لأن العلم هو العنوان الأعظم على خلود هذه الرسالة، وهو العنصر الحيوي في تكوين حقيقتها الهادية الراشدة، وهو الآية الكبرى على صدقها وصدق رسولها)(6) ، وبقي شـعــاره التمثل لهذا الأمر مع طلب الزيادة منه: ((وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً))7 وذكر بعـض الـمـفـسـريـن أنه -صلى الله عليه وسلم- ما أمر بطلب الزيادة من شيء سوى العلم، وكان يقول: (اللــهــم انفعني بما علمتني، وعلمني ما ينفعني، وزدني علماً) وكان يستعيذ من العلم الذي لا ينـفــــع.8 ، فأعلن مـنهـجـه أبلجَ يضاهي وضوحه ضياء الشمس: ((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّـبَـعَـنِـي...))9.
مـن هـنـــــا كـانــت سنة الدعاة ـ المقتدين بالرسل في الوظيفة ـ تري طريقتهم في التكوين والنشأة.. فصارت الـركـيــزة الأولى في تكوين الداعية: العلم، فهو الذي يهتدي به العمل، ويُحفظ به الدين.
قــــوام الـديـــن: علم يهدي، وسيف ينصر ((وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً)) 10،وكما حرس الله بـيـضـــة الإسلام بالمجاهدين في سبيله، فقد حفظ شريعة الإيمان بالعلماء والمتعلمين. والجهاد لا يتم على وجهه الحق إلا بالعلم المؤهل المؤصل المفصل بالقرآن الكريم والسنة النبوية. فالعلم ضــــــرورة فوق ضرورة المأكل والمشرب والملبس والدواء؛ إذ به قوام الدين والدنيا، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ولا غرو فإن الدعوة إلى الله إذا كــانـت (أشـــــرف مقامات العبد وأجلها وأفضلها فهي لا تحصل إلا بالعلم الذي يدعو به وإليه، ولا بد فـي كمال الدعوة من البلوغ في العلم إلى حد يصل إليه السعي) 11 ،ولـقـد كان من أعظم أسباب ضعف المسلمين في هذا العصر: الجهل، وقلة العلماء العاملين، وسوء الخـطــط في مراحل الدراسة المختلفة في البلاد الإسلامية، وضعف الهمم والعزائم في الجد والبحث والتحصيل، والتخصصات الجزئية التي أضعفت العلوم الشرعية، والانهزام النفسي أمام بعض العلوم المادية، والنظر إلى التخصصات الشرعية نظرة دونية.
هذه الأسباب وغـيـرهـا جزء من واقع الأمة ـ في الجانب العلمي ولا شك أن بُعْد الهوّة بين الأمة وماضيها أذهل دعاتها الغيورين عن كثير من مصالحهم، وأفقد بعضهم شيئاً مــــن الـتـــوازن ســواء في تربيتهم لأنفسهم، أو في برامجهم التربوية المطروحة التي يسعون لتحقيقها؛ فلربما كانت الحركة الدؤوب على حساب بعض العلم، فإذا وضع هذا في الحسبان عرفنا ما يجب الفئة التي تضلع لإحياء الأمة والعمل للتمكين للدين تجاه العلم، وأنه لا بد من منح الهدف العلمي أولوية تليق به، بل يجــب أن تصاغ الأهداف الأخرى على ضوئه؛ لأن التعليم والتربية صنوان لا ينفكان: ((هُوَ الَذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ))12
إن العاملين للتمكين لدين الله في الأرض اليوم يجب أن تصاغ خطـطـهـم ومناهجهم في كل الجوانب الدعوية والتربوية والفكرية صياغة كاملة شاملة على أساس عـلـمي متين؛ لأن التغيير الذين يرمون إليه عبء ثقيل وأمانة عظمى لا تتأتى إلا ببناء العقول وإصــــلاح الفكر؛ وهو أمر غاية في الخطورة والصعوبة، لا يحصل بالأحلام والأمنيات، ولا بالعـواطــف والانفعالات، ولا بالارتجال والاحتمالات.
إن قـاعـدة هذا التغيير والبناء والإصلاح متينة، ترسم أهدافاً عنوانها: الشرعية والوضوح والمرونة والملاءمة، وتنهج طريقاً واضحة علائمه، بيّنة منائره.. إنه منهج تعظيم النصوص الشرعـيــة من الكتاب والسنة الصحيحة، وفهمها بفهم سلف الأمة ـ الذين اختارهم الله لإقامة دينه وحمل رسالته ـ، ثم التسليم والانقياد لها خِلْواً من المعارضات المرفوضة التي تتكئ إلى القياسات العقلية الفاسدة، والأذواق الرديئة، والمنامات الفارغة.. التي ما ناب الأمة منها إلا التفرق والشقاق والتيه والتأخر.
بهذا الـمـنـهــج السلفي يجب أن تدرس وتفهم أصول الدين ومهماته من مسائل الاعتقاد والسلوك، ثم فروعه وأحكام الحلال والحرام، وبه تُدرك سبيل المجرمين، ويُفهم الواقع، وتُصنع الحياة.
ويوم أن نهـجــــت الأمــة ذلك النهج سطع نجمها، وعلا ذكرها، وامتد سلطانها، وبقي ذكرها، ونالت المجد والسؤدد... يومها وأدت نوابت السوء في مهدها، وكان السيف ينصر يوم أن كان العلم يهدي.
يتبع إن شاء الله....
ثبت المراجع
*القرآن الكريم.
1- مقدمة كتاب فقه التمكين في القرآن للدكتور علي بن محمد الصلابي.
2-مجلة البيان العدد 132شوال 1418هـ-فبراير 1998م افتتاحية العدد.
3-سورة[العلق:1].
4-(محمد الصادق عرجون: محمد رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، ج1، ص 542.)
5- (المصدر السابق ج1 543).
6- المرجع السابق، ج1، ص 545.
7-سورة[طه: 114].
8- أصول التربية والتعليم كما رسمها القرآن)) د.. أحمد بن شرشال
دار الحرمين لنشر التراث.
9-سورة[يوسف: 108].
10-سورة[الفرقان: 31].
11- مفتاح دار السعادة 1/154.
12-سورة[الجمعة: 2].[/align]