إتماماً لهذه الفائدة إليكم مجالاتُ عنايةِ الشيخِ بالتفسير :
لقد تنوعت مجالاتُ عنايتهِ بهِ ؛ إذْ بلغ مجموعها سبع مجالات هي :
المجال الأول : التدريس وهو على قسمين :
القسم الأول : التدريسُ النظاميُّ : حيث درَّسَ الشيخُ مادّةَ التفسير في كلية الشريعة أَوَّلَ ما انتقل إليها مِن المعهد العلميّ ، وهي أولُ مادّةٍ درّسَهَا الشيخُ في الكليـةِ قبلَ أنْ ينتقـلَ إلى تدريسِ مادّةِ العقيدة .
القسم الثاني : التدريسُ في المسجدِ ، وللشيخِ فيه طريقتان :
الطريقة الأولى : التفسيرُ مِن المصحفِ مباشرةً .
وقد ابتدأه بسورة الفاتحة عام ( 1407 هـ ) ومات رحمه الله عند الآية ( 52 ) مِن سورة الأنعام عامَ ( 1421 هـ ) ، وهو أوسعُ تفسيرٍ للشيخِ رحمه الله .
طريقته في التفسير تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : يبدأ أولاً بتفسير الآية تفسيراً تحليلياً ويشتمـلُ غالباً على معاني الكلمـاتِ العربية ، واشتقاقها ثم يقوم بإعراب ما يحتاج إلى إعراب، وذكر القراءات الواردة في الآية مع توجيهها ، وخلاف المفسرين.
القسم الثاني : الفوائدُ المستنبطة مِن الآيةِ ،ويستطردُ فيها كثيراً وفيها أشياء دقيقة تدلُّ على فَهْمِ الشيخِ وسَعَةِ عِلْمِهِ وتَضَلُّعِهِ في التفسيرِ وفيها أشياء واضحة جداً ويكرر هذهِ الفوائد عند وجودها في آية أخرى وقد صرّح الشيخُ بذلك في مَعْرض ردِّه على الجبرية بقوله :" ولْيُعْلم أن هذا الدليل في الردِّ على الجبْرية كثيرٌ في القرآن وإنما نذكره عند كل آية لينتفع بذلك من أراد إحصاء الأدلة على هؤلاء ، وإلا فالدليل الواحد كافٍ لمن أراد الحق ".
الطريقة الثانية : التعليق على تفسير الجلالين .
-وهو أشْبَهُ مَا يكونُ بحاشيةٍ على تفسيرِ الجلالين ، وحسب علمي أنه بدأ بسورة النور وانتهى بسورة الزخرف فيكون مجموع ما فسره يزيد على سبعة أجزاء قليلا
وطريقته كطريقة ما قبله من ذكر التفسير والفوائد بيد أنه هنا ارتبط بكتاب ولذا ظهر إضافة جديدة الاستدراكُ على المؤلِّفِ ، ولهذا الاستدراك صور منها :
أ – أنْ يَحْصُرَ المؤلِّفُ اللفظَ العامَّ بشيءٍ مخصوصٍ بينما يرى الشيخُ عُمُومَه وهذا كثيراً ما ينبه عليه الشيخ رحمه الله ، وإن كانَ يظهرُ أنّ كثيراً مما نازعَ الشيخُ المؤلِّفَ فيه ، أنّه مِن بابِ التمثيلِ وليسَ الحصْر، والتفسيرُ بالمثالِ أحدُ أنواعِ التفسير عندَ السلفِ
التنبيهُ على الأخطاء العقدية التي وقعَ فيها المؤلِّف :مثاله :
عند تفسيرِ المؤلِّفِ لقوله تعالى { وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ }(الزمر: من الآية67)
قالَ : " بقدرته " وتعقّبه الشيخُ بقوله :" وهذا تحريفٌ على مذهبِ مَن لا يُؤمِنُونَ بصفاتِ الله تعالى الخبرية ، والصوابُ أنّ المرادَ باليمينِ : اليدُ اليُمْنى
-الردُّ على المؤلِّف في تعيين مُبهماتِ القرآنِ بلا دليل
-مخالفةُ المؤلِّفِ في تقديرِ المحذوفِ
-مخالفةُ المؤلِّفِ فيما ذهبَ إليه في إعرابِ الآية
-الاستدراكُ على المؤلِّفِ في تفسيرِ الآيةِ ومَعناها
-الاستدراكُ على المؤلِّفِ فيما أوردهُ مِن الإسرائيلياتِ في تفسيره
المجال الثاني : التفسير في اللقاءات العامة
وهو على نوعين :
أ – اللقاء المفتوح : حيثُ درجَ الشيخُ على افتتاحِ لقاءهِ المفتوح -وكان يعقده كل خميس- بتفسير آياتٍ مِن القرآن الكريم ؛ وبما أنه ليس لقاءً خاصاً بطلبة العلم فقد بدأ الشيخ بتفسير سورة الفاتحة والجزء الثلاثين ( جزء عمّ ) لأن الناس محتاجون إلى معرفة تفسيرها لكثرة قراءة هذا الجزء ، قال الشيخ :" اخترنا هذا الجزء لأنه يُقرأ كثيراً في الصلوات ، فيحسن أن يُعرف معاني هذا الجزء .
وأتمّ الشيخ هذا الجزء في شهر جمادى الثاني من عام ستة عشر وأربعمائة وألف ، ثم بدأ الشيخُ مِن سورة الحجرات حتّى بلغَ الآيةَ السادسة عشرة مِن سورة المجادلة
يذكرُ المعنى العام للآية بأسلوبٍ ميسّر مناسبٍ للمخاطَبين ، حيث كانَ الشيخُ يُلقِيهِ على عامّةِ الناسِ في اللقاء المشهور: البابُ المفتوح ، وهو لقاءٌ لم يكنْ خاصاً بطلبةِ العلم كما قدّمتُ ، قالَ الشيخُ في تفسير سورة العاديات :" هذا هو التفسير اليسير لهذهِ السورة العظيمة ومَن أرادَ البَسْطَ فعليهِ بكتب التفاسير التي تَبْسُطُ القولَ في هذا ، ونحنُ إنما نشير إلى المعاني إشارةً مُوجَزة ".
وهو في هذا الجُزْء أَشْبَهَ طريقةَ شيخهِ عبد الرحمن السعدي في تفسيره , كما أنه لم يتعرّض الشيخُ لإعرابِ الآيات واستنباطِ الفوائدِ مِنها على عادتهِ في التفسير ؛ إلاّ في القليلِ النَّادِر .
ب – دروسُ الحرمِ المكيِّ في رمضان : حيث يختارُ آياتٍ ممّا قرأ الإمامُ في صلاةِ العشاء أو صلاة التراويح ثم يقوم بتفسيرها
المجال الثالث : التفسير في وسائل الإعلام
كانَ للشيخِ رحمه الله برنامجٌ إذاعيٌّ في إذاعة القرآن الكريم بعنوان : أحكامٌ مِن القرآنِ الكريم ،ابتدأهُ في عام ( 1408هـ ) بسورة الفاتحة ؛ وتوفي رحمه الله وهو في أوائلِ سورة آل عمران عند الآية الحادية والثلاثين ، وكان يذاعُ البرنامج يوم السبتِ بعد الساعة السادسة والنصف صباحاً في بدايته ، ثم زِيدَ حلقةً ثانية يومَ الثلاثاء في نفس الموعد.
أنّه ليس خاصًّا في آياتِ الأحكامِ كما قدْ يُفْهمُ مِن عنوانه ، وإنما فَسَّرَ رحمه الله جميعَ الآياتِ ، ولذا قالَ في مقدمته :" وأحكامُ القرآنِ العظيم هي ما تتضمنهُ الآياتُ الكريمةُ مِن الفوائدِ الدينيةِ والدنيويةِ والفرديةِ والاجتماعيةِ ".
2 - طريقته فيه : يذكرُ معنى الآيةِ إجمالاً ثم يَتوسَّعُ بذكرِ الفوائدِ المستنبطةِ مِنها .
قالَ رحمه الله :" ونحنُ في هذا الكتابِ لن نتكلم كثيراً عن تفسيرِ الآياتِ وبيانِ وجوهها اللغويةِ مِن البلاغةِ والإعرابِ وغير ذلكَ ؛ لأنّ هذا – والحمد لله – موجودٌ في كتب كثير مِن المفسِّرينَ ، ولكن يُهِمُّنِي أنْ أُبَيِّن الفوائدَ التي تُستنبط مِن هذهِ الآياتِ وأُبّيِّنَ وجهَ ذلكَ غالباً فيما يحتاجُ إلى بيانٍ وفيما خَفِيَتْ دلالته ".
وبناءً على مَنهجهِ فقد خلامِن الإعرابِ وخلافِ المفسِّرينَ وذِكْر القراءاتِ وتوجيهها في الغالبِ ، وهذا هو الفرقُ بينه وبينَ تفسيرهِ المسمَّى : تفسير القرآن الكريم .
المجال الرابع : التأليف
أ – لقد أُسْندَ إلى الشيخِ رحمه الله تأليف مادّة التفسير في المعاهد العلمية لمرحلتيه المتوسطة والثانوية ، فقام بتأليفها عدا السنة الثالثة الثانوي ؛ كما سيأتي بيانه ، وكان خاصًّا في تفسير آيات الأحكام وسماه : الإلمام ببعض آيات الإحكام تفسيراً واستنباطاً ، وهو المؤَلَّفُ الوحيد في التفسيرِ الذي كتبهُ الشيخُ تأليفاً .
وهو عبارةٌ عن مقرر المعاهد العلمية التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في مرحلتيها المتوسطـة والثانويـة وِفْقَ المنهجِ المقَرِّ مِن مَجلس الجامعةِ عامَ ( 1397 / 1398 هـ ) للمرحلة المتوسطة ، وعامَ ( 1401/1402 هـ ) للمرحلة الثانوية، وقد أُسْنِدَ إلى الشيخِ ابن عثيمين رحمه الله القيامُ بتأليفه ، فَأَلَّفَهُ ، فهو أول كتـابٍ ألَّفهُ في التفسير ، كما أنّه الوحيدُ مِن كُتُبِهِ في التفسيرِ التي ألَّفَهَا ابتداءً ، وهذه التسميةُ – الإلمام ببعض آيات الأحكام – مِن تسميةِ الشيخ رحمه الله .
وأبرز ملامح هذا المؤلَّفِ ما يلي :
1 - الكتابُ في آياتِ الأحكامِ ، وقد رُتِّبَ على أبوابِ الفقه ولم يُرتَّبْ علـى ترتيبِ المصحفِ ، فبدأ بالطهارةِ وختم بالوصية والأصل أن يختم بآيات الإقرار كما هو مذكور في الخطة المعتمدة لمنهج المرحلة الثانوية للمعاهد العلمية صـ ( 57 ) إلا أن الشيخ رحمه الله لم يؤلف منهج الصف الثالث الثانوي .
فيقول : آياتُ الطهارةِ ، ويذكر ما تحتها مِن الأنواعِ ، وهي بمثابةِ الأبوابِ
ب – لَمْ يكتب الشيخ في التفسير ابتداءً سوى ما تقدّم ، ولكن نظراً للتطور في العَصْـر الحديث ، فقد سُجِّلَ كلام الشيخ أثناء دروسه في التفسير ، ومن ثم عمد الطلاب إلى تفريغها من الأشرطة
المجال الخامس : تفسيرُ الآياتِ التي تَرِدُ في المتونِ العلمية التي يقومُ بشرحها
ومن أمثلته :
أ – القول المفيد على كتاب التوحيد وبلغ عدد الآيات المفسرة مائة آية .
ب – شرح العقيدة الواسطية وبلغ عدد الآيات المفسرة آيتين ومائة آية .
المجال السادس : تفسير سور وآيات خلال خُطَبِ الجمعة أو في الدورات العلمية والمحاضرات
وهو يمثل القسم الثالث من القسم الثاني من كتابه : الضياء اللامع من الخطب الجوامع ( ) وقد اشتمل على خمس خطب :
الخطبة الأولى : في تفسير آيات من سورة ق .
الخطبة الثانية : في تفسير بعض الآيات من سورة الطور .
الخطبة الثالثة : في تفسير آيات من سورة الواقعة .
الخطبة الرابعة : في تفسير سورة العصر .
أما في الدورات فكان تفسير سورة الكهف
قام الشيخ رحمه الله بعقدِ دَوْرَةٍ صَيفيّة مسائيّة لتفسيرِ هَذهِ السورةِ ، وذلك عـامَ ( 1419 هـ ) ابتدأها في يومِ الجمعةِ ليلة السبت ( 3 / 3 / 1419 هـ ) وخَتَمَهَا يومَ الخميسِ ليلة الجمعة الموافق( 9 / 3 / 1419 هـ ) ، فيكون مجموع المجالسِ التي عقدها سبعة مجالس ؛ ولذا يَتَّضِحُ أنّه تفسيرٌ مختصَر لم يتوسّع الشيخُ فيه ، ، وقد راجعَ الشيخُ مِنها ستّة دروسٍ وبقيَ درْسٌ واحد ، وبالنظرِ إلى التفسيرِ نرى أنّ الشيخَ لَمْ يتّبعْ طريقته والتي كانت تَتمثَّلُ غالبًا باستخراجِ فوائد الآيات ؛ وإنّما كانَ يُفسِّرُ الآياتِ تفْسيرًا عامًّا ، وهو يُشبه إلى حَدٍّ كبير طريقتهُ فيما فسَّرهُ مِن المفصَّلِ
أما المحاضرات فكان منها :
تفسير آية الكرسي
جُزْءٌ صغير طُبع في سبع وثلاثين صفحة،طبعته دار ابن الجوزي ، وتُرْجمَ إلى عدَّةِ لغات.
وأهمُّ ملامح هذا الكتاب ما يلي :
1- الكتابُ ليسَ مَأخوذًا مِن تفسيرِ سورة البقرة المتقدّم ، وإنما هو مُستقِلٌّ نظراً لبعضِ الزياداتِ فيه ، وإنْ كانَ تفسيرهُ لهما متقاربًا ؛ إلاّ أنّ هناكَ اختلافًا في بعض اختياراتهِ ، ومِن أمثلته :
في الرسالةِ ذكرَ أنّ ابنَ عباسٍ قيلَ إنه يأخذُ عن الإسرائيلياتِ ؛ بينما في التفسير قالَ :" ومَـا قِيلَ مِن أنّ ابنَ عباسٍ رضي الله عنهما يأخذُ عن بني إسرائيلَ فلا صِحَّةَ لَهُ ، بلْ الذي صَحَّ عنه في البخاري أنّه كانَ يَنْهى عن الأخذِ عن بني إسرائيل "
-مجموع ما ذكره من الفوائد بلغت ( 40 ) فائدة .
تفسير آيةِ الطهارةِ مِن سورة المائدة
وهي رسالة صغيرة تقع في ( 49 ) صفحة ، وليست مَأخوذة مِن تفسير سورة المائدة ، وإنما هي محاضرة ألقاها الشيخ فنُسخَت وطُبعَت في رسالةٍ مستقلة
تفسير آيات الوصايا العشر من سورة الأنعام ثلاثُ آياتٍ هي : الآية (151) والآية (152) والآية (153) مِن سـورة الأنعام التي قالَ عنها ابن مسعود :" مَن سرَّه أنْ يَنْظُرَ إلى الصحيفةِ التي عليها خاتم محمد فليقرأ هذهِ الآيات{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } الآية ،إلى قوله { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}".
ونظراً لأهميتها فقد قامَ الشيخُ بتفسيرها في محاضرة ألقاها وطبعت فيما بعد ضِمْنَ مجموع فتاوى ورسائلِ الشيخ ،وتقع في ( 28 )صفحة ، مع العلم أنّ الشيخَ قد شَرَحَهَا أيضاً في كتابهِ : القولُ المفيد
تفسير قوله تعالى : {يَا نِسَاءَ النَّبِيّ}(الأحزاب: من الآية32)
وهي رسالةٌ لطيفة قيّمةٌ في شرْحِ الآيةِ ، نُقلَتْ مِن شريطٍ للشيخ ؛ ثمّ عُرضت عليه وأضافَ عليها بعضَ الفوائدِ والتصْحيحات ؛ ثمّ طُبعتْ في كُتيِّبٍ صغير ، وقد فسَّرَهَا أيضًا في تفسيرهِ لسورة الأحزاب .