مساعد الطيار
مستشار
- إنضم
- 15/04/2003
- المشاركات
- 1,698
- مستوى التفاعل
- 5
- النقاط
- 38
لا يخفى على من يريد معرفة سر الإعجاز ؛ لا يخفى عليه أن يطلب الكتب المعينة على ذلك . ولقد كتب العلماء في ذلك كتبًا مستقلةً ، فضلاً عن ما أودعه آخرون في تفاسيرهم ، بل قد بنى بعضهم تفسيره على النظر في بلاغة القرآن ، وكان فارس هذا الميدان ـ بلا نزاع ـ محمود بن عمر الزمخشري المعتزلي ( ت: 538 ) ، الذي صار كتابه موئلاً للناهلين من بلاغة القرآن ، ومرجعًا للمضيفين والمتعقبين في هذا المجال ، وكان من أنفس التعليقات عليه في هذا المجال كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب ؛ للطِيبي ، شرف الدين، الحسن بن محمد بن عبد الله ( ت : 743 ) .
ولئن كان كشاف الزمخشري سببًا في خروج مثل هذه الحاشية النفيسة ، فلقد كان سببًا في خروج كتاب نفيس عُنِي ببلاغة القرآن ، وهو كتاب ( الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وحقائق الإعجاز ) ليحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم العلوي اليمني المعتزلي ، وهو من أئمة الزيدية ( ت : 749 ) .
قال في مقدمة كتابه ( ص : 5 ) : ( ثم إن الباعث على تأليف هذا الكتاب هو أن جماعة من الإخوان شرعوا في قراءة كتاب الكشاف ؛ تفسير العالم المحقق أستاذ المفسرين محمود بن عمر الزمخشري ، فإنه أسسه على قواعد هذا العلم ، فاتضح عند ذلك وجه الإعجاز من التنْزيل ، وعُرِف من أجله وجه التفرقة بين المستقيم والمعوج من التأويل .
وتحققوا أنه لا سبيل إلى الاطلاع على حقائق إعجاز القرآن إلا بإدراكه ، والوقوف على أسراره واغواره ، ومن اجل هذا الوجه كان متميزًا عن سائر التفاسير ؛ لأني لا أعلم تفسيرًا مؤسسًا على علمَي المعاني والبيان سواه ، فسألني بعضهم أن أُملي فيه كتابًا يشتمل على التهذيب والتحقيق ، فالتهذيب يرجع إلى الألفاظ ، والتحقيق يرجع إلى المعاني ؛ إذ كان لا مندوحةلأحدهما عن الثاني ).
وكثيرًا مايقع السؤال عن كيفية معرفة إعجاز القرآن الموصل إلى ذلك التذوق العربي الأول ، الذي به أدرك المعاصرون لنُزوله ما تميَّز به هذا القرآن عن أفضل كلامهم ، فأذعنوا له من هذه الجهة ، ولم يرد عن احد منهم إنكارٌ عليه من جهة بلاغته وعربيته ، فكان انقضاء ذلك الجيل من المعاندين للدعوة بدون أن يعترضوا عليه من هذه الجهة = دلالة على صحتها ، ودلالة على سلامة القرآن من أن يمكن لأحد أن يأتي بمثله ، ولو كان الجن للإنس ظهيرًا في هذا .
ولا شك أن إدراك سر الإعجاز أوسع من ما أريد أن أطرحه في هذه المقالة التي أتمنى أن يشارك فيها الأعضاء بطرح الكتب وبيان مميزاتها التي تعين على تفهُّم بلاغة القرآن ، وإدراك إعجازه المرتبط بعربيته نظمًا وأسلوبًا وبيانًا .
كما أنه لا شكَّ أن معرفة أعلى كلام تكلمت به العرب ، وهو شعرها الذي تميزت به ، ووصلت فيه إلى درجات عليا في الفصاحة والبيان = لا شك أنه الطريق الموصل إلى معرفة سر الإعجاز ، وإلى إدراك بلاغة القرآن على الوجه اللائق به ، غير أنَّا انقطعنا عن هذا الشعر، وقلَّ من يقرؤه منا قراءة فكٍّ وتفهُّمٍ وتعلُّمٍ ، فكم في شعرهم من الوفائد العلمية ، واللذائذ النفسية .
غير أن المراد الآن الرجوع إلى الكتب النقدية التي درست شعر الشعراء ، واعترضت عليهم في اختيار الألفاظ والمعاني ؛ لكي نستفيد من تجارب بعضنا قي هذا المجال .
وإليك هذا المثال من كتاب ( العمدة في محاسن الشعر وآدابه : 85 ) : ، قال ابن رشيق القيرواني : ( ... ومنهم من يقابل لفظتين بلفظتين، ويقع في الكلام حينئذ تفرقة وقلة تكلف: فمن المتناسب قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه في بعض كلامه " أين من سعى واجتهد، وجمع وعدد، وزخرف ونجد، وبنى وشيد " فأتبع كل لفظة ما يشاكلها، وقرنها بما يشبهها. ومن الفرق المنفصل قول امرئ القيس:
كأني لم أركب جواداً للذة ... ولم أتبطن كاعباً ذات خلخال
ولم أسبإ الزق الروي، ولم أقل ... لخيلي كري كرة بعد إجفال
وكان قد ورد على سيف الدولة رجل بغدادي يعرف بالمنتخب، ولا يكاد يسلم منه أحد من القدماء والمحدثين، ولا يذكر شعر بحضرته إلا عابه، وظهر على صاحبه بالحجة الواضحة، فأنشد يوماً هذين البيتين، فقال: قد خالف فيهما وأفسد، لو قال:
كأني لم أركب جواداً، ولم أقل ... لخيلي كري كرة بعد إجفال
ولم أسبإ الزق الروي للذة ... ولم أتبطن كاعباً ذات خلخال
لكان قد جمع بين الشيء وشكله؛ فذكر الجواد والكر في بيت، وذكر النساء والخمر في بيت، فالتبس الأمر بين يدي سيف الدولة، وسلموا له ما قال، فقال رجل ممن حضر: ولا كرامة لهذا الرأي، والله أصدق منك حيث يقول:
" إن لا ألا تجوع فيها ولا تعرى، وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى " فأتى بالجوع مع العري ولم يأت به مع الظمأ، فسر سيف الدولة، وأجازه بصلة حسنة.
قال صاحب الكتاب: قول امرئ القيس أصوب، ومعناه أعر وأغرب؛ لأن اللذة التي ذكرها إنما هي الصيد، هكذا قال العلماء، ثم حكى عن شبابه وغشيانه النساء: فجمع في البيت معنيين، ولو نظمه على ما قال المعترض لنقص فائدة عظيمة، وفضيلة شريفة تدل على السلطان، وكذلك البيت الثاني: لو نظمه على ما قال لكان ذكر اللذة حشواً لا فائدة فيه؛ لأن الزق لا يسبأ إلا للذة، فإن جعل الفتوة كما جعلناها فيما تقدم الصيد قلنا: في ذكر الزق الروي كفاية ولكن امرأ القيس وصف نفسه بالفتوة والشجاعة بعد أن وصفها بالتملك والرفاهة.
وأما احتجاج الآخر بقول الله عز وجل فليس من هذا في شيء؛ لأنه أجرى الخطاب على مستعمل العادة، وفيه مع ذلك تناسب؛ لأن العادة أن يقال: جائع عريان، ولم يستعمل في هذا الموضع عطشان ولا ظمآن، وقوله تعالى: " تظمأ " و " تضحى " متناسب؛ لأن الضاحي هو الذي لا يستره شيء عن الشمس، والظمأ من شأن من كانت هذه حاله ).
فحيَّهلا بإضافاتكم النفيسة .
ولئن كان كشاف الزمخشري سببًا في خروج مثل هذه الحاشية النفيسة ، فلقد كان سببًا في خروج كتاب نفيس عُنِي ببلاغة القرآن ، وهو كتاب ( الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وحقائق الإعجاز ) ليحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم العلوي اليمني المعتزلي ، وهو من أئمة الزيدية ( ت : 749 ) .
قال في مقدمة كتابه ( ص : 5 ) : ( ثم إن الباعث على تأليف هذا الكتاب هو أن جماعة من الإخوان شرعوا في قراءة كتاب الكشاف ؛ تفسير العالم المحقق أستاذ المفسرين محمود بن عمر الزمخشري ، فإنه أسسه على قواعد هذا العلم ، فاتضح عند ذلك وجه الإعجاز من التنْزيل ، وعُرِف من أجله وجه التفرقة بين المستقيم والمعوج من التأويل .
وتحققوا أنه لا سبيل إلى الاطلاع على حقائق إعجاز القرآن إلا بإدراكه ، والوقوف على أسراره واغواره ، ومن اجل هذا الوجه كان متميزًا عن سائر التفاسير ؛ لأني لا أعلم تفسيرًا مؤسسًا على علمَي المعاني والبيان سواه ، فسألني بعضهم أن أُملي فيه كتابًا يشتمل على التهذيب والتحقيق ، فالتهذيب يرجع إلى الألفاظ ، والتحقيق يرجع إلى المعاني ؛ إذ كان لا مندوحةلأحدهما عن الثاني ).
وكثيرًا مايقع السؤال عن كيفية معرفة إعجاز القرآن الموصل إلى ذلك التذوق العربي الأول ، الذي به أدرك المعاصرون لنُزوله ما تميَّز به هذا القرآن عن أفضل كلامهم ، فأذعنوا له من هذه الجهة ، ولم يرد عن احد منهم إنكارٌ عليه من جهة بلاغته وعربيته ، فكان انقضاء ذلك الجيل من المعاندين للدعوة بدون أن يعترضوا عليه من هذه الجهة = دلالة على صحتها ، ودلالة على سلامة القرآن من أن يمكن لأحد أن يأتي بمثله ، ولو كان الجن للإنس ظهيرًا في هذا .
ولا شك أن إدراك سر الإعجاز أوسع من ما أريد أن أطرحه في هذه المقالة التي أتمنى أن يشارك فيها الأعضاء بطرح الكتب وبيان مميزاتها التي تعين على تفهُّم بلاغة القرآن ، وإدراك إعجازه المرتبط بعربيته نظمًا وأسلوبًا وبيانًا .
كما أنه لا شكَّ أن معرفة أعلى كلام تكلمت به العرب ، وهو شعرها الذي تميزت به ، ووصلت فيه إلى درجات عليا في الفصاحة والبيان = لا شك أنه الطريق الموصل إلى معرفة سر الإعجاز ، وإلى إدراك بلاغة القرآن على الوجه اللائق به ، غير أنَّا انقطعنا عن هذا الشعر، وقلَّ من يقرؤه منا قراءة فكٍّ وتفهُّمٍ وتعلُّمٍ ، فكم في شعرهم من الوفائد العلمية ، واللذائذ النفسية .
غير أن المراد الآن الرجوع إلى الكتب النقدية التي درست شعر الشعراء ، واعترضت عليهم في اختيار الألفاظ والمعاني ؛ لكي نستفيد من تجارب بعضنا قي هذا المجال .
وإليك هذا المثال من كتاب ( العمدة في محاسن الشعر وآدابه : 85 ) : ، قال ابن رشيق القيرواني : ( ... ومنهم من يقابل لفظتين بلفظتين، ويقع في الكلام حينئذ تفرقة وقلة تكلف: فمن المتناسب قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه في بعض كلامه " أين من سعى واجتهد، وجمع وعدد، وزخرف ونجد، وبنى وشيد " فأتبع كل لفظة ما يشاكلها، وقرنها بما يشبهها. ومن الفرق المنفصل قول امرئ القيس:
كأني لم أركب جواداً للذة ... ولم أتبطن كاعباً ذات خلخال
ولم أسبإ الزق الروي، ولم أقل ... لخيلي كري كرة بعد إجفال
وكان قد ورد على سيف الدولة رجل بغدادي يعرف بالمنتخب، ولا يكاد يسلم منه أحد من القدماء والمحدثين، ولا يذكر شعر بحضرته إلا عابه، وظهر على صاحبه بالحجة الواضحة، فأنشد يوماً هذين البيتين، فقال: قد خالف فيهما وأفسد، لو قال:
كأني لم أركب جواداً، ولم أقل ... لخيلي كري كرة بعد إجفال
ولم أسبإ الزق الروي للذة ... ولم أتبطن كاعباً ذات خلخال
لكان قد جمع بين الشيء وشكله؛ فذكر الجواد والكر في بيت، وذكر النساء والخمر في بيت، فالتبس الأمر بين يدي سيف الدولة، وسلموا له ما قال، فقال رجل ممن حضر: ولا كرامة لهذا الرأي، والله أصدق منك حيث يقول:
" إن لا ألا تجوع فيها ولا تعرى، وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى " فأتى بالجوع مع العري ولم يأت به مع الظمأ، فسر سيف الدولة، وأجازه بصلة حسنة.
قال صاحب الكتاب: قول امرئ القيس أصوب، ومعناه أعر وأغرب؛ لأن اللذة التي ذكرها إنما هي الصيد، هكذا قال العلماء، ثم حكى عن شبابه وغشيانه النساء: فجمع في البيت معنيين، ولو نظمه على ما قال المعترض لنقص فائدة عظيمة، وفضيلة شريفة تدل على السلطان، وكذلك البيت الثاني: لو نظمه على ما قال لكان ذكر اللذة حشواً لا فائدة فيه؛ لأن الزق لا يسبأ إلا للذة، فإن جعل الفتوة كما جعلناها فيما تقدم الصيد قلنا: في ذكر الزق الروي كفاية ولكن امرأ القيس وصف نفسه بالفتوة والشجاعة بعد أن وصفها بالتملك والرفاهة.
وأما احتجاج الآخر بقول الله عز وجل فليس من هذا في شيء؛ لأنه أجرى الخطاب على مستعمل العادة، وفيه مع ذلك تناسب؛ لأن العادة أن يقال: جائع عريان، ولم يستعمل في هذا الموضع عطشان ولا ظمآن، وقوله تعالى: " تظمأ " و " تضحى " متناسب؛ لأن الضاحي هو الذي لا يستره شيء عن الشمس، والظمأ من شأن من كانت هذه حاله ).
فحيَّهلا بإضافاتكم النفيسة .