عبد الحكيم عبد الرازق
New member
- إنضم
- 09/04/2007
- المشاركات
- 1,499
- مستوى التفاعل
- 1
- النقاط
- 36
القول المتين ..في تجويد قصر اللين
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ،من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه و سلم .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيما
ثم أما بعد :
فإن أصدق الحديث كتاب الله و خير الهدى هدى محمد صلى الله عليه و سلم ..وبعد ..
فالحمد لله القوي المتين ، الذي خلق الإنسان من طين ، والصلاة والسلام علي النبي الأمين سيدنا محمد أشرف الخلق أجمعين الذي دعا الكفار بالعفو واللين ، وصبر وصابر حتي أتاه اليقين ، فكان دينه يعرف التوسط والاعتدال ، وكان نهجه بحرا يعرف الإشباع والإفضال ، فقرَّت بجمال هديه العين ، وطربت بسماع قرأنه الأذنين ، وبعد ...
فما زال الأنام يبحثون في كنوز الذكر ليزيدوا بقلائده الفكر ، ومازالوا يجنون من ثمار روضة النضير الطيب الزرع والنشر ، حتي صاروا أعز الناس بشرفه ، وأكرم الخلق بأدبه ، وأغني الناس بحفظه ، فقد ورثوا الكتاب وهو خير ميراث ،وأعرق تراث ، فصاروا أعزة بلا كبر ، ومتواضعين بلا ذل ، وكان أداء تجويده من أنفس هذه الكنوز الذي لا بد أن يزيل الباحث عنها غبار الخلاف ، ويخرجه من ظلمات المراء إلي نور الترجيح وأضواء الحسم والتنقيح ،ولذا هذَّبت قلمي ، وقومتُ لساني ، لأتكلم في مسألة بحتة خالصة لا أشك أن الطريق إلي حسمها وبيان الفصل فيها شئ يحتاج منا الي التمهل والتأني ، حتي يمكننا أن ننصف القول والحجة ، ولا نحيد عن الصواب والمحبة وهي مسألة تعين قدر " قصر اللين" وما قيل في قصر "عين" مريم والشوري وسقوط المد فيهما .
وأسأل الله أن أكون وفقت ولم يعثر جوادي ، وبالله توفيقي وعليه توكلي واعتمادي ..وصلي الله علي سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم .
تعريف اللين :
قال العلامة المرصفي في "هداية القاري " :
(الصفة الثالثة: اللين وهو في اللغة السهولة وقيل في معناه ضد الخشونة. وفي الاصطلاح خروج الحرف من مخرجه من غير كلفة على اللسان وله حرفان: الواو والياء والساكنتان المفتوح ما قبلهما نحو: {الْخَوْفُ} {الْبَيْتِ} وسميا بذلك لخروجهما بلين وعدم كلفة على اللسان.)ا.هـ
وقال العلامة أحمد البنا في الإتحاف : وأما حرفا اللين فهما الواو والياء الساكنتان المفتوح ما قبلهما ويصدق اللين على حرف المد فيقال حرف مد ولين بخلاف العكس فلا يوصف اللين بالمد على ما اصطلحوا عليه فبينهما مباينة حينئذ وإن تساويا من حيث قبول حرف اللين للمد ))ا.هـ
العلاقة بين أحرف المد وحرفي اللين :
العلاقة بينهما وثيقة وتربطهما علاقة المد بحيث يوجد في كل منهما صفة المد وإن قلَّ في اللين ـ كما سيأتي إن شاء الله ـ .
فأحرف المد سبب مدها ـ بقدر زائد ـ إما همز أو سكون :
أما السكون علي قسمين : أصلي وعارض ، وفي كلمة وفي كلمتين .
أما السكون الأصلي في كلمة مثل " الضالين ـ أتحاجوني " ومثل (محياي) علي قراءة من أسكن الياء .وهذا النوع لا خلاف في مده مدا مشبعا (ست حركات) بين القراء .
وما كان من كلمتين فحذفه لجميع القراء مثل (في السموات ـ قالوا اتخذ ) إلا ما كان من البزي في نحو : "كنتمو تمنون ـ ولا تَّعاونوا" ونحوهما وهي المعروفة بتاءات البزي لطروء الإسكان علي هذه التاءات .
أما السكون العارض فهو علي قسمين :
سكون من أجل الوقف أو سكون من أجل الإدغام .
السكون من أجل الوقف :
في نحو "العالمين ـ تعلمون ـ أفنان " والنونات في أواخر هذه الكلمات متحركات سُكنت لأجل الوقف وهو ما يسمي بالسكون العارض . فهذا النوع جاز للقراء فيه ثلاثة أوجه (القصر والتوسط والإشباع)
السكون من أجل الإدغام .
وهذا النوع في قراءة السوسي من الشاطبية وأبي عمرو ويعقوب (بخلفهما) من الطيبة وهو المسمي بالإدغام الكبير ، حيث يعرض السكون من أجل الإدغام في نحو " فيه هدي ـ أخاه هارون ـ فاعبدوه هذا " فإن قرأت بالإدغام سكنت الهاءات الأولي لأجل الإدغام في الهاءات الثانية فيلتقي ساكنان فلك حينئذ (القصر والتوسط والإشباع )
أما حرفي اللين فمثل أحرف المد تماما إلا أنه لا يوجد مثال للين مع سكون أصلي في كلمة أو في كلمتين ، وأمثلة اللين العارض نحو" (الصيف) و(البيت) و(الموت) و(الخوف) "
وأمثلة اللين العارض للإدغام نحو: " كيف فعل ـ يا قوم مالي " ففيهما الحكم السابق في المد (القصر والتوسط والإشباع )
أما الهمز قال الشيخ المرصفي ـ رحمه الله ـ : فالهمز سبب لثلاثة أنواع منه وهي : المد المتصل والمنفصل والبدل.
فإن تقدم الهمز على حرف المد فهو المد البدل نحو {ءامَنَّا بِاللَّهِ}.
وإن تأخر عنه وكان معه في كلمة واحدة فهو المد المتصل نحو {مَا شَآءَ اللَّهُ} .
وإن انفصل عنه بأن كان حرف المد آخر الكلمة والهمز أول الثانية فهو المد المنفصل نحو {آمَنتُ بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ}.ا.هـ1/170
أما المتصل : فممدود بإجماع وإن تفاوت القراء في مقادير المد فلم يرد عن أحد أنه قصره قال ابن الجزري "... فوجب أن لا يعتقد أن قصر المتصل جائز عند أهل القراء وقد تتبعته فلم أجده في قراءة صحيحة ولا شاذة بل رأيت النص مده..ثم ذكر حديث ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ وفيه أنه أمر قارئا بأن يمد " الفقراء" لأنه هكذا قرأه علي النبي صلي الله عليه وسلم "
أما المنفصل : فقد تفاوتت فيه مذاهب القراء بين قصره ومده واختلفوا في مقدار المد فمنهم من أشبع ومنهم من كان دون ذلك.
أما البدل : فقصره جميع القراء إلا ما كان من ورش فقد أجاز فيه الثلاثة أوجه (القصر والتوسط والإشباع) وقد استثني له بعض الكلمات فارجع إليه في كتب القراءات .
أما اللين مع الهمز : فإن تقدم الهمز على حرف اللين نحو"ينئَون " فلا يمده أحد من القراء .
وإن تأخر عنه وكان معه في كلمة واحدة نحو: {شيء ـ شيئا} فقد قصره سائر القراء إلا ما كان من ورش فله التوسط والإشباع ، وله من الطيبة قصر جميع اللين ما عدا (شيئ ) كيف تصرفت ،،وكذا لحمزة التوسط في شئ فقط سواء كان بالرفع أو النصب أو الجر من بعض طرق الطيبة ،.
فائدة :
قد ذكرد/ حميتو نقلا عن الشيخ الصفار فقال :... وقد حدد الشيخ الصفار كيفية النطق بذلك على وجهه فقال في كتابه "جواب الخل الأولاد":
"وكيفية مد الياء من "شيء" وشبهه أن ترفع وسط اللسان إلى ما يقابله من الحنك كارتفاعه إذا لفظت بالياء من "بيت" و"غيث" ونحوهما، ويمكث ثمة بقدر ما يحصل التوسط، ويزيد المكث إن كنت مشبعا.
"وكيفية مد الواو من السوء ونحوه أن تضم شفتيك كانضمامها إذا نطقت بالواو من "عتوا" و"شروا" ونحوهما ويمكث ذلك الضم بقدر ما يحصل التوسط، ويزاد في المكث إن زيد في المد على ما تقدم"(1). - نقله ابن المجراد في شرحه على الدرر اللوامع لوحة 52.
وإن انفصل عنه بأن كان حرف اللين آخر الكلمة والهمز أول الثانية فهو اللين المنفصل نحو {خلوا إلي ـ ابني ءادم }.فلا مد فيه لأحد .
ومما سبق يتضح لنا تأثر أحرف المد واللين بسببي السكون والهمز وإن اختلفوا في تفاوت المد . فيمد اللين في بعض الأحوال ويقصر في بعض ـ كما سبق ـ .
وحديثنا في هذا البحث إنما يكون علي كيفية نطق اللين في حالة القصر .
فقد اختلف القراء في مقدار القصر بالنسبة لحرف اللين في أحوال قبولها للزيادة مثل اللين العارض لسكون الوقف وكذا للإدغام وفي حالة الروم وكذا في "عين " من فاتحتي مريم والشورى .
قال الشيخ محمود خليل الحصرى " ...هذا وقد بينا فيما سبق أن عبارة النشر يفيد ظاهرها أن المراد بالقصر فى حرفى اللين حذف المد منهما مطلقا بحيث يكون النطق بهما عند الوقف كالنطق بهما عند الوصل إجراء لها مجرى الحروف الصحيحة .
وذهب بعضهم إلى أن المراد بالقصر فيهما حركتين كالقصر فى حروف المد إجراء لحرفى اللين الذين بعدهما سكون عارض مجرى حرفى المد اللذين بعدهما سكون عارض تسهيلا للنطق بحرفى اللين لأن حذف المد منهما بالكلية عند الوقف يؤدى إلى ثقل النطق بهما هذا الثقل إلا بمدهما بمقدار حركتين .ا.هـ 207
ثم ذكر في الصفحة التي تليها : ...........كما ينبغي أن تعلم أن حرف اللين عند الوقف بالروم لا يمد مطلقا لأن الروم كالوصل كما تقدم وهو لا يمد مطلقا حال الوصل فكذلك لا يمد حال الروم بخلاف حرف المد عند الوقف بالروم فإنه يمد بمقدار حركتين لأنه عند الوصل يمد هذا المقدار فكذلك عند الروم "ا.هـ208
وقال الشيخ عطية قابل نصر ـ رحمه الله ـ في كتابه غاية المريد (وإن كان السكون العارض قبله حرف لِين مثل: {خَوْفٍ} ، {بيْت} ، {شَيء} ، {سُوْء}، فإنه يأخذ الأوجه السابقة حيثما أتى إلا أنهم اختلفوا في وجه القَصْرِ فبعض العلماء يقول : بأن المراد بالقصر المد حركتين إجراء له مجرى المد العارض للسكون واعتبار حرف اللِّين كحرف المد عند الوقف على ما بعده تسهيلا للنطق، وهكذا قال صاحب العميد.
وأكثر شرَّاح الشاطبية يقولون في معنى قول الإمام الشاطبي "وعنهم سقوط المد فيه" : أن المراد به القصر حركتين كالمد العارض للسكون.
والبعض الآخر من العلماء يقول : بأن المراد بالقصر حذف المد مطلقًا بحيث يكون النطق بحرفي اللِّين عند الوقف كالنطق بهما حالة الوصل إجراء لهما مجرى الحروف الصحيحة.
كما اختلفوا في وجه الرَّوم فأكثرهم يقول: بأن الروم يأتي مع القَصْر الذي هو عدم المد أصالة لأن حرف اللِّين في حالة الوصل لم يكن فيه مدٌّ مطلقًا عكس المد العارض للسكون الذي يكون في الوصل مدًّا طبيعيًّا كما سبق بيانه.
وبعضهم يقول: بأن الروم يأتي مع القصر الذي هو بمعنى "مدٍّ ما" وقدَّروه بأنه دون المد الطبيعي وقد أورد ذلك العلامة الضبَّاع في كتابه "الإضاءة في أصول القراءة"، وذكر بأن ممن قال بهذا الرأي الدَّاني ومكي إذ قالا: "في حرفي اللين من المد بعض ما في حروف المد"، وكذلك الجعبري قال: "واللِّين لا يخلو من أيسر مد فيمد بقدر الطبع" وعلى هذا فالرَّوم فيه يكون على مثل ذلك ولا يضبط هذا إلا بالمشافهة.))ا.هـ
وقد ناقش فضيلة الشيخ عبد الفتاح المرصفي ـ رحمه الله ـ المسألة بأوضح من ذلك في كتابه "هداية القاري" فقال المرصفي ـ رحمه الله ـ : ..... وقد تكلم في هذه المسألة غير واحد من علمائنا ونورد هنا ما قاله العلامة الضباع في كتاب الإضاءة قال : "إن في حروف المد واللين مدًّا أصليًّا وفي حروف اللين فقط مدًّا ما يضبط كل منهما المشافهة والإخلال بشيء منهما لحن وهذا معنى قول مكي: "في حروف اللين من المد بعض ما في حروف المد" وقد نص عليه سيبويه... إلى أن قال: والدليل على أن في حرفي اللين مدًّا ما من العقل والنقل - .
أما العقل : فإن علة المد موجودة فيهما والإجماع على دوران المعلول من علته. وأيضاً فقد قوي شبههما بحروف المد لأن فيهما شيئاً من الخفاء ويجوز إدغام الحرف بعدهما بإجماع في نحو :{كَيْفَ فَعَلَ} {قَوْمِ مُوسَى} بلا عسر" ويجوز مع إدغامهما الثلاثة الجائزة في حروف المد بلا خلاف وأيضاً جوز أكثر القراء التوسط والطول فيهما وقفاً. وجوز ورش مدهما مع السبب.
وأما النقل : فنص سيبويه وناهيك به على ذلك وكذلك الداني ومكي إذ قالا: في حرفي اللين من المد بعض ما في حروف المد. وكذلك الجعبري قال: واللين لا يخلو من أيسر مد فيمد بقدر الطبع.
فإن قلت: أجمع القائلون به على أنه دون ألف. والمد لا يكون دون ألف.
(قلت): الألف إنما هي نهاية الطبيعي وهذا لا ينافي أن ما دونها يسمى مدًّا لا سيما وقد تضافرت النصوص الدالة على ثبوت مدهما.
فإن (قلت) : قال أبو شامة : فمن مد {عَلَيْهِم} و{إِلَيْهِمْ} و{لَدَيْهِمْ} ونحو ذلك وفقاً أو وصلاً أو مد نحو {وَالصَّيْفِ} و{البَيْتِ} و{الْخَوْفُ} و{الْمَوْتِ} في الوصل فهو مخطىء ، وهذا صريح في أن اللين لا مد فيه (قلتُ): ما أعظمه مساعداً لو كان في محل النزاع. لأن النزاع في الطبيعي وكلامه هنا في الفرعي بدليل قوله قبل: فقد بان لك أن حرف اللين لا مد فيه إلا إذا كان بعده همزة أو ساكن عند من رأى ذلك. وأيضاً فهو يتكلم على قول الشاطبي "وإن تسكن اليا بين فتح وهمزة" وليس كلام الشاطبي إلا في الفرعي بل أقول في كلام أبي شامة تصريح بأن اللين ممدود وأن مده قدر حرف المد وذلك أنه قال في الانتصار لمذهب الجماعة على ورش في قصر اللين : وهنا لما لم يكن فيهما مد كان القصر عبارة عن مد يسير يصيران به على لفظهما إذا كانت حركة ما قبلهما من جنسهما .
فقوله "على لفظهما" دليل المساواة. وعلى هذا فهو برىء مما فهم السائل من كلامه وهذا مما لا ينكره عاقل والله أعلم أهـ بحروفه.
هذا: وما ذكرناه من كلام العلامة الضباع هنا قد نص عليه الإمام النويري في شرحه على الطيبة بكلام أوسع مما هنا كما نص عليه شيخه الحافظ ابن الجزري في النشر.
وبعد: فقد ظهر لك مما قدمنا من نصوص أئمتنا :أن الوقف بالروم على المد العارض للسكون الذي سكونه العارض بعد حرفي اللين لا يكون على القصر الذي هو حركتان كما قد يتبادر ، بل على القصر الذي هو بمعنى مدٍّ ما لأنه في حالة الوصل يكون كذلك كما قدمنا.
ومن ثم تعلم أن ما قاله الدكتور محمد سالم محيسن في كتابه الرائد في تجويد القرآن ص (34) "واعلم أن المد العارض للسكون إذا كان حرف لين مثل "بيت وخوف" فإن الروم يكون على عدم المد مطلقاً لأن الروم مثل حالة الوصل وقد علمت أنه في حالة الوصل لا يمد أصلاً" أهـ. هو كلام لا يلتفت إليه ولا يعول عليه وكاتبه يعوزه الإطلاع وصحة الفهم وضبط المسائل العلمية.))ا.هـ 1/194
وقال فضيلته في موضع آخر : ((أما إذا سكنت الواو الأولى وانفتح ما قبلها وجب إدغامها في المتحركة بعدها نحو قوله تعالى: {ثُمَّ اتَّقَواْ وَآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ} {آوَواْ وَّنَصَرُواْ} وذلك لأن حرف اللين بمنزلة الصحيح.)1/145
وعلي هذا يحمل تشبيه الشيخ المرصفي حرفي اللين بالأحرف الصحيحة علي أنه يقصد "مدذًا ما ".
ويحسن بنا لتقريب وجهات النظر العودة لنصوص القدامي ، فهناك من قال بقول الشيخ الضباع والمرصفي ومن تبعهما ، وهناك من قال بقول الدكتور محمد سالم محيسن ومن تبعه .
ونعود إلي ما قاله الشيخ الحصري حيث ذكر " سبق أن عبارة النشر يفيد ظاهرها أن المراد بالقصر فى حرفي اللين حذف المد منهما مطلقا بحيث يكون النطق بهما عند الوقف كالنطق بهما عند الوصل إجراء لها مجرى الحروف الصحيحة .)ا.هـ
وقال ابن الجزري في النشر : (وأما السكون فهو على أقسام المد أيضاً : لازم وعارض وكل منهما مشدد وغير مشدد.
فاللازم غير المشدد حر واحد وهو (عين) من فاتحة مريم والشورى فاختلف أهل الأداء في إشباعها في توسطها وفي قصرها لكل من القراء فمنهم من أجراها مجرى حرف المد فأشبع مدها لالتقاء الساكنين (ثم ذكر أصحاب هذا الرأي )
..... ومنهم من أجراها مجرى الحروف الصحيحة فلم يزد في تمكينها على ما فيها وهذا (ثم ذكر أصحاب هذا الرأي ...)ا.هـ
وقوله "تمكينها علي ما فيها " فسره ووضحه رحمه الله في موضع آخر من نشره ( .. وقد اختلف في إلحاق حرفي اللين بهما وهما الياء والواو المفتوح ما قبلهما ، فوردت زيادة المد فيهما بسببي الهمز والسكون إذا كانا قويين. وإنما اعتبر شرط المد فيهما مع ضعفه بتغيير حركة ما قبله لأن فيهما شيئاً من الخفاء وشيئاً من المد وإن كانا أنقص في الرتبة مما في حروف المد.
ولذلك جاز الإدغام في نحو (كيف فعل)....وقالوا في تصغير مدق وأصم. مديق وأصيم فجمعوا بين الساكنين وأجروهما مجرى حروف المد فلذلك حملا عليها وإن كانا دونها في الرتبة لقربهما منها وسوغ زيادة المد فيهما سببه الهمز وقوة اتصاله بهما في كلمة وقوة سببيه السكون....)ا.هـ
وقول ابن الجزري " لأن فيهما شيئاً من الخفاء وشيئاً من المد" فقد أثبت مسألة وجود شئ من المد ، وهذا بخلاف ما فهمه فضيلة الشيخ محمود خليل الحصري ، وعليه فإن الوقوف علي حرفي اللين من مذهب ابن الجزري وكلامه الموهم بعدم وجود المد يعتبر من باب الاختصار أو التجوز . وليس علي حقيقته لما سبق .
وقد تقدم قول أبي شامة وغيره من العلماء ممن قالوا بهذه المدة التي هي دون الطبيعي .
وأما أقوال الأئمة الذين ينفون وجود المد رأسا أو مطلقا فإليك بعضها :
يتبع بإذن الله .
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ،من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه و سلم .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيما
ثم أما بعد :
فإن أصدق الحديث كتاب الله و خير الهدى هدى محمد صلى الله عليه و سلم ..وبعد ..
فالحمد لله القوي المتين ، الذي خلق الإنسان من طين ، والصلاة والسلام علي النبي الأمين سيدنا محمد أشرف الخلق أجمعين الذي دعا الكفار بالعفو واللين ، وصبر وصابر حتي أتاه اليقين ، فكان دينه يعرف التوسط والاعتدال ، وكان نهجه بحرا يعرف الإشباع والإفضال ، فقرَّت بجمال هديه العين ، وطربت بسماع قرأنه الأذنين ، وبعد ...
فما زال الأنام يبحثون في كنوز الذكر ليزيدوا بقلائده الفكر ، ومازالوا يجنون من ثمار روضة النضير الطيب الزرع والنشر ، حتي صاروا أعز الناس بشرفه ، وأكرم الخلق بأدبه ، وأغني الناس بحفظه ، فقد ورثوا الكتاب وهو خير ميراث ،وأعرق تراث ، فصاروا أعزة بلا كبر ، ومتواضعين بلا ذل ، وكان أداء تجويده من أنفس هذه الكنوز الذي لا بد أن يزيل الباحث عنها غبار الخلاف ، ويخرجه من ظلمات المراء إلي نور الترجيح وأضواء الحسم والتنقيح ،ولذا هذَّبت قلمي ، وقومتُ لساني ، لأتكلم في مسألة بحتة خالصة لا أشك أن الطريق إلي حسمها وبيان الفصل فيها شئ يحتاج منا الي التمهل والتأني ، حتي يمكننا أن ننصف القول والحجة ، ولا نحيد عن الصواب والمحبة وهي مسألة تعين قدر " قصر اللين" وما قيل في قصر "عين" مريم والشوري وسقوط المد فيهما .
وأسأل الله أن أكون وفقت ولم يعثر جوادي ، وبالله توفيقي وعليه توكلي واعتمادي ..وصلي الله علي سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم .
تعريف اللين :
قال العلامة المرصفي في "هداية القاري " :
(الصفة الثالثة: اللين وهو في اللغة السهولة وقيل في معناه ضد الخشونة. وفي الاصطلاح خروج الحرف من مخرجه من غير كلفة على اللسان وله حرفان: الواو والياء والساكنتان المفتوح ما قبلهما نحو: {الْخَوْفُ} {الْبَيْتِ} وسميا بذلك لخروجهما بلين وعدم كلفة على اللسان.)ا.هـ
وقال العلامة أحمد البنا في الإتحاف : وأما حرفا اللين فهما الواو والياء الساكنتان المفتوح ما قبلهما ويصدق اللين على حرف المد فيقال حرف مد ولين بخلاف العكس فلا يوصف اللين بالمد على ما اصطلحوا عليه فبينهما مباينة حينئذ وإن تساويا من حيث قبول حرف اللين للمد ))ا.هـ
العلاقة بين أحرف المد وحرفي اللين :
العلاقة بينهما وثيقة وتربطهما علاقة المد بحيث يوجد في كل منهما صفة المد وإن قلَّ في اللين ـ كما سيأتي إن شاء الله ـ .
فأحرف المد سبب مدها ـ بقدر زائد ـ إما همز أو سكون :
أما السكون علي قسمين : أصلي وعارض ، وفي كلمة وفي كلمتين .
أما السكون الأصلي في كلمة مثل " الضالين ـ أتحاجوني " ومثل (محياي) علي قراءة من أسكن الياء .وهذا النوع لا خلاف في مده مدا مشبعا (ست حركات) بين القراء .
وما كان من كلمتين فحذفه لجميع القراء مثل (في السموات ـ قالوا اتخذ ) إلا ما كان من البزي في نحو : "كنتمو تمنون ـ ولا تَّعاونوا" ونحوهما وهي المعروفة بتاءات البزي لطروء الإسكان علي هذه التاءات .
أما السكون العارض فهو علي قسمين :
سكون من أجل الوقف أو سكون من أجل الإدغام .
السكون من أجل الوقف :
في نحو "العالمين ـ تعلمون ـ أفنان " والنونات في أواخر هذه الكلمات متحركات سُكنت لأجل الوقف وهو ما يسمي بالسكون العارض . فهذا النوع جاز للقراء فيه ثلاثة أوجه (القصر والتوسط والإشباع)
السكون من أجل الإدغام .
وهذا النوع في قراءة السوسي من الشاطبية وأبي عمرو ويعقوب (بخلفهما) من الطيبة وهو المسمي بالإدغام الكبير ، حيث يعرض السكون من أجل الإدغام في نحو " فيه هدي ـ أخاه هارون ـ فاعبدوه هذا " فإن قرأت بالإدغام سكنت الهاءات الأولي لأجل الإدغام في الهاءات الثانية فيلتقي ساكنان فلك حينئذ (القصر والتوسط والإشباع )
أما حرفي اللين فمثل أحرف المد تماما إلا أنه لا يوجد مثال للين مع سكون أصلي في كلمة أو في كلمتين ، وأمثلة اللين العارض نحو" (الصيف) و(البيت) و(الموت) و(الخوف) "
وأمثلة اللين العارض للإدغام نحو: " كيف فعل ـ يا قوم مالي " ففيهما الحكم السابق في المد (القصر والتوسط والإشباع )
أما الهمز قال الشيخ المرصفي ـ رحمه الله ـ : فالهمز سبب لثلاثة أنواع منه وهي : المد المتصل والمنفصل والبدل.
فإن تقدم الهمز على حرف المد فهو المد البدل نحو {ءامَنَّا بِاللَّهِ}.
وإن تأخر عنه وكان معه في كلمة واحدة فهو المد المتصل نحو {مَا شَآءَ اللَّهُ} .
وإن انفصل عنه بأن كان حرف المد آخر الكلمة والهمز أول الثانية فهو المد المنفصل نحو {آمَنتُ بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ}.ا.هـ1/170
أما المتصل : فممدود بإجماع وإن تفاوت القراء في مقادير المد فلم يرد عن أحد أنه قصره قال ابن الجزري "... فوجب أن لا يعتقد أن قصر المتصل جائز عند أهل القراء وقد تتبعته فلم أجده في قراءة صحيحة ولا شاذة بل رأيت النص مده..ثم ذكر حديث ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ وفيه أنه أمر قارئا بأن يمد " الفقراء" لأنه هكذا قرأه علي النبي صلي الله عليه وسلم "
أما المنفصل : فقد تفاوتت فيه مذاهب القراء بين قصره ومده واختلفوا في مقدار المد فمنهم من أشبع ومنهم من كان دون ذلك.
أما البدل : فقصره جميع القراء إلا ما كان من ورش فقد أجاز فيه الثلاثة أوجه (القصر والتوسط والإشباع) وقد استثني له بعض الكلمات فارجع إليه في كتب القراءات .
أما اللين مع الهمز : فإن تقدم الهمز على حرف اللين نحو"ينئَون " فلا يمده أحد من القراء .
وإن تأخر عنه وكان معه في كلمة واحدة نحو: {شيء ـ شيئا} فقد قصره سائر القراء إلا ما كان من ورش فله التوسط والإشباع ، وله من الطيبة قصر جميع اللين ما عدا (شيئ ) كيف تصرفت ،،وكذا لحمزة التوسط في شئ فقط سواء كان بالرفع أو النصب أو الجر من بعض طرق الطيبة ،.
فائدة :
قد ذكرد/ حميتو نقلا عن الشيخ الصفار فقال :... وقد حدد الشيخ الصفار كيفية النطق بذلك على وجهه فقال في كتابه "جواب الخل الأولاد":
"وكيفية مد الياء من "شيء" وشبهه أن ترفع وسط اللسان إلى ما يقابله من الحنك كارتفاعه إذا لفظت بالياء من "بيت" و"غيث" ونحوهما، ويمكث ثمة بقدر ما يحصل التوسط، ويزيد المكث إن كنت مشبعا.
"وكيفية مد الواو من السوء ونحوه أن تضم شفتيك كانضمامها إذا نطقت بالواو من "عتوا" و"شروا" ونحوهما ويمكث ذلك الضم بقدر ما يحصل التوسط، ويزاد في المكث إن زيد في المد على ما تقدم"(1). - نقله ابن المجراد في شرحه على الدرر اللوامع لوحة 52.
وإن انفصل عنه بأن كان حرف اللين آخر الكلمة والهمز أول الثانية فهو اللين المنفصل نحو {خلوا إلي ـ ابني ءادم }.فلا مد فيه لأحد .
ومما سبق يتضح لنا تأثر أحرف المد واللين بسببي السكون والهمز وإن اختلفوا في تفاوت المد . فيمد اللين في بعض الأحوال ويقصر في بعض ـ كما سبق ـ .
وحديثنا في هذا البحث إنما يكون علي كيفية نطق اللين في حالة القصر .
فقد اختلف القراء في مقدار القصر بالنسبة لحرف اللين في أحوال قبولها للزيادة مثل اللين العارض لسكون الوقف وكذا للإدغام وفي حالة الروم وكذا في "عين " من فاتحتي مريم والشورى .
قال الشيخ محمود خليل الحصرى " ...هذا وقد بينا فيما سبق أن عبارة النشر يفيد ظاهرها أن المراد بالقصر فى حرفى اللين حذف المد منهما مطلقا بحيث يكون النطق بهما عند الوقف كالنطق بهما عند الوصل إجراء لها مجرى الحروف الصحيحة .
وذهب بعضهم إلى أن المراد بالقصر فيهما حركتين كالقصر فى حروف المد إجراء لحرفى اللين الذين بعدهما سكون عارض مجرى حرفى المد اللذين بعدهما سكون عارض تسهيلا للنطق بحرفى اللين لأن حذف المد منهما بالكلية عند الوقف يؤدى إلى ثقل النطق بهما هذا الثقل إلا بمدهما بمقدار حركتين .ا.هـ 207
ثم ذكر في الصفحة التي تليها : ...........كما ينبغي أن تعلم أن حرف اللين عند الوقف بالروم لا يمد مطلقا لأن الروم كالوصل كما تقدم وهو لا يمد مطلقا حال الوصل فكذلك لا يمد حال الروم بخلاف حرف المد عند الوقف بالروم فإنه يمد بمقدار حركتين لأنه عند الوصل يمد هذا المقدار فكذلك عند الروم "ا.هـ208
وقال الشيخ عطية قابل نصر ـ رحمه الله ـ في كتابه غاية المريد (وإن كان السكون العارض قبله حرف لِين مثل: {خَوْفٍ} ، {بيْت} ، {شَيء} ، {سُوْء}، فإنه يأخذ الأوجه السابقة حيثما أتى إلا أنهم اختلفوا في وجه القَصْرِ فبعض العلماء يقول : بأن المراد بالقصر المد حركتين إجراء له مجرى المد العارض للسكون واعتبار حرف اللِّين كحرف المد عند الوقف على ما بعده تسهيلا للنطق، وهكذا قال صاحب العميد.
وأكثر شرَّاح الشاطبية يقولون في معنى قول الإمام الشاطبي "وعنهم سقوط المد فيه" : أن المراد به القصر حركتين كالمد العارض للسكون.
والبعض الآخر من العلماء يقول : بأن المراد بالقصر حذف المد مطلقًا بحيث يكون النطق بحرفي اللِّين عند الوقف كالنطق بهما حالة الوصل إجراء لهما مجرى الحروف الصحيحة.
كما اختلفوا في وجه الرَّوم فأكثرهم يقول: بأن الروم يأتي مع القَصْر الذي هو عدم المد أصالة لأن حرف اللِّين في حالة الوصل لم يكن فيه مدٌّ مطلقًا عكس المد العارض للسكون الذي يكون في الوصل مدًّا طبيعيًّا كما سبق بيانه.
وبعضهم يقول: بأن الروم يأتي مع القصر الذي هو بمعنى "مدٍّ ما" وقدَّروه بأنه دون المد الطبيعي وقد أورد ذلك العلامة الضبَّاع في كتابه "الإضاءة في أصول القراءة"، وذكر بأن ممن قال بهذا الرأي الدَّاني ومكي إذ قالا: "في حرفي اللين من المد بعض ما في حروف المد"، وكذلك الجعبري قال: "واللِّين لا يخلو من أيسر مد فيمد بقدر الطبع" وعلى هذا فالرَّوم فيه يكون على مثل ذلك ولا يضبط هذا إلا بالمشافهة.))ا.هـ
وقد ناقش فضيلة الشيخ عبد الفتاح المرصفي ـ رحمه الله ـ المسألة بأوضح من ذلك في كتابه "هداية القاري" فقال المرصفي ـ رحمه الله ـ : ..... وقد تكلم في هذه المسألة غير واحد من علمائنا ونورد هنا ما قاله العلامة الضباع في كتاب الإضاءة قال : "إن في حروف المد واللين مدًّا أصليًّا وفي حروف اللين فقط مدًّا ما يضبط كل منهما المشافهة والإخلال بشيء منهما لحن وهذا معنى قول مكي: "في حروف اللين من المد بعض ما في حروف المد" وقد نص عليه سيبويه... إلى أن قال: والدليل على أن في حرفي اللين مدًّا ما من العقل والنقل - .
أما العقل : فإن علة المد موجودة فيهما والإجماع على دوران المعلول من علته. وأيضاً فقد قوي شبههما بحروف المد لأن فيهما شيئاً من الخفاء ويجوز إدغام الحرف بعدهما بإجماع في نحو :{كَيْفَ فَعَلَ} {قَوْمِ مُوسَى} بلا عسر" ويجوز مع إدغامهما الثلاثة الجائزة في حروف المد بلا خلاف وأيضاً جوز أكثر القراء التوسط والطول فيهما وقفاً. وجوز ورش مدهما مع السبب.
وأما النقل : فنص سيبويه وناهيك به على ذلك وكذلك الداني ومكي إذ قالا: في حرفي اللين من المد بعض ما في حروف المد. وكذلك الجعبري قال: واللين لا يخلو من أيسر مد فيمد بقدر الطبع.
فإن قلت: أجمع القائلون به على أنه دون ألف. والمد لا يكون دون ألف.
(قلت): الألف إنما هي نهاية الطبيعي وهذا لا ينافي أن ما دونها يسمى مدًّا لا سيما وقد تضافرت النصوص الدالة على ثبوت مدهما.
فإن (قلت) : قال أبو شامة : فمن مد {عَلَيْهِم} و{إِلَيْهِمْ} و{لَدَيْهِمْ} ونحو ذلك وفقاً أو وصلاً أو مد نحو {وَالصَّيْفِ} و{البَيْتِ} و{الْخَوْفُ} و{الْمَوْتِ} في الوصل فهو مخطىء ، وهذا صريح في أن اللين لا مد فيه (قلتُ): ما أعظمه مساعداً لو كان في محل النزاع. لأن النزاع في الطبيعي وكلامه هنا في الفرعي بدليل قوله قبل: فقد بان لك أن حرف اللين لا مد فيه إلا إذا كان بعده همزة أو ساكن عند من رأى ذلك. وأيضاً فهو يتكلم على قول الشاطبي "وإن تسكن اليا بين فتح وهمزة" وليس كلام الشاطبي إلا في الفرعي بل أقول في كلام أبي شامة تصريح بأن اللين ممدود وأن مده قدر حرف المد وذلك أنه قال في الانتصار لمذهب الجماعة على ورش في قصر اللين : وهنا لما لم يكن فيهما مد كان القصر عبارة عن مد يسير يصيران به على لفظهما إذا كانت حركة ما قبلهما من جنسهما .
فقوله "على لفظهما" دليل المساواة. وعلى هذا فهو برىء مما فهم السائل من كلامه وهذا مما لا ينكره عاقل والله أعلم أهـ بحروفه.
هذا: وما ذكرناه من كلام العلامة الضباع هنا قد نص عليه الإمام النويري في شرحه على الطيبة بكلام أوسع مما هنا كما نص عليه شيخه الحافظ ابن الجزري في النشر.
وبعد: فقد ظهر لك مما قدمنا من نصوص أئمتنا :أن الوقف بالروم على المد العارض للسكون الذي سكونه العارض بعد حرفي اللين لا يكون على القصر الذي هو حركتان كما قد يتبادر ، بل على القصر الذي هو بمعنى مدٍّ ما لأنه في حالة الوصل يكون كذلك كما قدمنا.
ومن ثم تعلم أن ما قاله الدكتور محمد سالم محيسن في كتابه الرائد في تجويد القرآن ص (34) "واعلم أن المد العارض للسكون إذا كان حرف لين مثل "بيت وخوف" فإن الروم يكون على عدم المد مطلقاً لأن الروم مثل حالة الوصل وقد علمت أنه في حالة الوصل لا يمد أصلاً" أهـ. هو كلام لا يلتفت إليه ولا يعول عليه وكاتبه يعوزه الإطلاع وصحة الفهم وضبط المسائل العلمية.))ا.هـ 1/194
وقال فضيلته في موضع آخر : ((أما إذا سكنت الواو الأولى وانفتح ما قبلها وجب إدغامها في المتحركة بعدها نحو قوله تعالى: {ثُمَّ اتَّقَواْ وَآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ} {آوَواْ وَّنَصَرُواْ} وذلك لأن حرف اللين بمنزلة الصحيح.)1/145
وعلي هذا يحمل تشبيه الشيخ المرصفي حرفي اللين بالأحرف الصحيحة علي أنه يقصد "مدذًا ما ".
ويحسن بنا لتقريب وجهات النظر العودة لنصوص القدامي ، فهناك من قال بقول الشيخ الضباع والمرصفي ومن تبعهما ، وهناك من قال بقول الدكتور محمد سالم محيسن ومن تبعه .
ونعود إلي ما قاله الشيخ الحصري حيث ذكر " سبق أن عبارة النشر يفيد ظاهرها أن المراد بالقصر فى حرفي اللين حذف المد منهما مطلقا بحيث يكون النطق بهما عند الوقف كالنطق بهما عند الوصل إجراء لها مجرى الحروف الصحيحة .)ا.هـ
وقال ابن الجزري في النشر : (وأما السكون فهو على أقسام المد أيضاً : لازم وعارض وكل منهما مشدد وغير مشدد.
فاللازم غير المشدد حر واحد وهو (عين) من فاتحة مريم والشورى فاختلف أهل الأداء في إشباعها في توسطها وفي قصرها لكل من القراء فمنهم من أجراها مجرى حرف المد فأشبع مدها لالتقاء الساكنين (ثم ذكر أصحاب هذا الرأي )
..... ومنهم من أجراها مجرى الحروف الصحيحة فلم يزد في تمكينها على ما فيها وهذا (ثم ذكر أصحاب هذا الرأي ...)ا.هـ
وقوله "تمكينها علي ما فيها " فسره ووضحه رحمه الله في موضع آخر من نشره ( .. وقد اختلف في إلحاق حرفي اللين بهما وهما الياء والواو المفتوح ما قبلهما ، فوردت زيادة المد فيهما بسببي الهمز والسكون إذا كانا قويين. وإنما اعتبر شرط المد فيهما مع ضعفه بتغيير حركة ما قبله لأن فيهما شيئاً من الخفاء وشيئاً من المد وإن كانا أنقص في الرتبة مما في حروف المد.
ولذلك جاز الإدغام في نحو (كيف فعل)....وقالوا في تصغير مدق وأصم. مديق وأصيم فجمعوا بين الساكنين وأجروهما مجرى حروف المد فلذلك حملا عليها وإن كانا دونها في الرتبة لقربهما منها وسوغ زيادة المد فيهما سببه الهمز وقوة اتصاله بهما في كلمة وقوة سببيه السكون....)ا.هـ
وقول ابن الجزري " لأن فيهما شيئاً من الخفاء وشيئاً من المد" فقد أثبت مسألة وجود شئ من المد ، وهذا بخلاف ما فهمه فضيلة الشيخ محمود خليل الحصري ، وعليه فإن الوقوف علي حرفي اللين من مذهب ابن الجزري وكلامه الموهم بعدم وجود المد يعتبر من باب الاختصار أو التجوز . وليس علي حقيقته لما سبق .
وقد تقدم قول أبي شامة وغيره من العلماء ممن قالوا بهذه المدة التي هي دون الطبيعي .
وأما أقوال الأئمة الذين ينفون وجود المد رأسا أو مطلقا فإليك بعضها :
يتبع بإذن الله .