القول الراجح في المراد بالأحرف السبعة

إنضم
1 مارس 2010
المشاركات
3
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
ذكر الشيخ : مناع القطان أن الراجح في الأحرف السبعة أنها سبع لغات من لغات العرب بالمعنى الواحد .

وبلغنا عن بعض العلماء كمحمد الأمين الشنقيطي وغيره أن الذي يترجح عندهم أنهم لايعلمون معنى الأحرف السبعة .

وذكر الدكتور فهد الرومي ( أن المراد بالأحرف السبعة وجوه القراءات المتغايرة في سبع لغات من لغات العرب )

ما الفرق بين قول الشيخ مناع القطان وقول الدكتور فهد الرومي ؟

وهل نبين للطالبات أن مارجحه الشيخ مناع القطان ليس بالقول الراجح في المسألة حيث أن عليه ردود في كتاب الدكتور فهد الرومي ؟

نرجوا الإفادة في هذا الموضوع .
 
أولاً : مرحباً بكم أختي الكريمة في ملتقى أهل التفسير ونسأل الله لكم التوفيق والنفع .

ثانياً : طرح موضوع الأحرف السبعة يرد مبكراً في كتب علوم القرآن عند الحديث عن جمع عثمان بن عفان رضي الله عنه للقرآن عند التعرض للقول القائل بأن عثمان بن عفان رضي الله عنه قد اقتصر على حرف واحد من الأحرف السبعة في ذلك الجمع . فيضطر المدرِّس أو المدرِّسة إلى تعريف الطلاب أو الطالبات بالمقصود بالأحرف السبعة على وجه الاختصار، ولكنَّ الطلاب يطرحون الأسئلة وربما لا تقنعهم الأجوبة التي لم تقنع من هم أعمق منهم بحثاً في الأمر . وموضوع الأحرف السبعة موضوع طويل، والخلاف فيه قديم وغير محسوم بدليل يجب الرجوع إليه، وقد سبق نقاش هذا الموضوع كثيراً في ملتقى أهل التفسير ويمكنك الرجوع لما كتب في الملتقى باستخدام خاصية البحث ، ومن تلك الموضوعات ما يلي :
- مفهوم الأحرف السبعة التى نزل عليها القرآن للأستاذ الدكتور أحمد سعد الخطيب .
- نزول القرآن على سبعة أحرف للدكتور أبي مجاهد العبيدي .
- الطريق إلى حل مشكلة الأحرف السبعة ( 1 ) للدكتور مساعد الطيار .
- الأحرف السبعة للطيار .
- بحث "دراسة نقدية حول الأحرف السبعة" للحسن ماديك .

أرجو أن تجيب هذه المشاركات - على طولها - على أسئلتك المذكورة والله يحفظكم .
 


الأخت الكريمة جميلة ، ... حتى لا يثقل الأمر عليك وعلى الطلبة أنصح أن يقتصر الكلام على الآتي:
تعريف الطلاب بأن القرآن الكريم قد نزل على حرف، وعندما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ذلك يشق على الناس طلب التخفيف فتم له الإذن أن يكون التعليم على سبعة أحرف. وهذا يُشعر بأن المسألة تتعلق بالقدرة على اللفظ، أي يتعلق باختلاف اللهجات العربية. ومن نشأ على لهجة يشق عليه أن يتعلم لهجة أخرى، إلا ما ندر، وهذا ملحوظ في الناس وعلى وجه الخصوص كبار السن والأميين.
مثال: كانت قريش لا تهمز فتقول مومنون، وهناك من يهمز فيقول مؤمنون. ولكن ذلك ليس في كل الهمزات ومن هنا يشق التعلّم.
فأساس القراءات القرآنية هو الأحرف السبعة، ولكن لا ترادف، لأن الحرف الواحد فيه أكثر من قراءة.
مثال: تعملون ويعملون قراءتان في حرف واحد، وكذلك أرجلًكم (بفتح اللام) وأرجلِكم (بكسر اللام) ...الخ. أما كلمة مثل: نبيين ونبيئين فقراءتان مرد كل قراءة إلى حرف مختلف.
 
كَـان بعضُ المشايخِ في الجَـامعةِ يحبُّ إحيـاءَ الثقةِ في نفسِ الطالبِ ويُحفِّزُهُ للقراءةِ والبحثِ , فيقولُ دائماً في الأسئلةِ على سبيل المثال: مالذي يترجَّـحُ عندكَ في الأحرفِ السبعة , وما دليلك.؟ , أو رجِّحْ من بين هذه الأقوالِ ما تراهُ الأصحَّ بدليلهِ؟
وهذا يعني انَّ مدرسَ المُقرَّر ليس مضطراً للترجيح في كل خلافٍ.
 
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لايشكر الله من لايشكر الناس ).

أود أن أشكر الدكتور : عبد الرحمن الشهري المشرف على هذا الموقع المبارك وكما أشكره على رده على تساؤلي فجزاه الله خيرا وحفظه وسدد خطاه .

كما أشكر الأستاذة : عزيزه العتيبي المعيدة في التفسير والتي هي أحد أعضاء هذا الموقع المبارك ( باسم مستعار ) على إشارتها علي بالتسجيل في الموقع وطرح السؤال ومساعدتها لي في ذلك فجزاها الله خيرا ويسر الله قبولها في دراستها العليا وسدد خطاها .

وفي الحقيقة أنا درست هذا الموضوع نحو عشر سنين من كتاب " مباحث في علوم القرآن " وكان يشكل علي موضوع مناقشة الأراء في المراد بالأحرف السبع ولا أدري من القائل بها فمثلا كنت أظن أن القائل بأن الأحرف السبع هي القراءات السبع بعد ابن مجاهد ت 324 هـ وقد وجدت بعض الإطلاع على التوجيهات أن القائل به الخليل ابن أحمد الفراهيدي ت 170 هـ وقرأت صلة المصاحف العثمانية بالأحرف السبعة وغيرها من الفوائد التي لم أذكرها حتى لاأطيل .
وقد قمت بمراجعة درس جمع القرآن وذلك لصلتها بالموضوع وأرجأت مناقشة الآراء ..... وانشرح صدري عندما وجدت الدكتور عبد الرحمن الشهري يشير إلى هذه الصلة وقد اطلعت على معظم ماأشار إليه في الموضوع .
كما أشكر الأخ : سنان الأيوبي حفظه الله على التنبيه بأن القرآن نزل أولا على حرف وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب التخفيف فتم له الإذن على أن يكون التعليم على سبعة أحرف .
كما أشكر الأخ : محمود الشنقيطي ( ذرية بعضها من بعض ) على إجابته وتوجيهه .
 
وفي الحقيقة أنا درست هذا الموضوع نحو عشر سنين من كتاب " مباحث في علوم القرآن "

لو رجعت إلى كتاب الشيخ مناع القطان : نزول القرآن على سبعة أحرف لكان أولى؛ ففيه تفصيل جيد، وهو في نظري من أحسن الكتب التي عرضت الأقوال في هذه المسألة.

الكتاب في ملف مرفق مع هذا التعليق
 
لو رجعت إلى كتاب الشيخ مناع القطان : نزول القرآن على سبعة أحرف لكان أولى؛ ففيه تفصيل جيد، وهو في نظري من أحسن الكتب التي عرضت الأقوال في هذه المسألة.

الكتاب في ملف مرفق مع هذا التعليق
جزاكم الله خيرا .
 
الأحرف السبعة من معجم مفاتيح التفسير

الأحرف السبعة من معجم مفاتيح التفسير

حاولت قراءة ما كتبت سلفا عن الأحرف السبعة من خلال الرابط الذي أشار إليه أخونا الدكتور عبد الرحمن الشهري - حفظه الله- لأقارن بينه وبين ما هو مدون في المعجم، فلم يتيسر لي فتحه، فآثرت أن أنقل هنا ما كتبته في معجم مفاتيح التفسير تحن مصطلح الأحرف السبعة 1/52
الأحرف السبعة:
مبحث الأحرف السبعة التي نزل عليها القرآن من المباحث التي كثر الجدل حول بيان حقيقة المراد منها، حيث تعددت الآراء في ذلك لدرجة أن بعضهم حصر من ذلك أربعين قولا، وفرّ بعضهم من الخوض فيها مدعيا أن ما ورد في ذلك من أحاديث مشكل0
الحرف في اللغة: يطلق لفظ الحرف في اللغة على عدة معان منها: ذروة الشئ وأعلاه ومنه حرف الجبل أي قمته، ويطلق أيضا على حرف التهجي، وعلى طرف الشئ، وعلى الوجه، وهو المناسب لموضوعنا0
آراء العلماء حول المراد بالأحرف السبعة:
لقد وردت آراء كثيرة حول هذا الموضوع نختار منها هنا أشهرها وأهمها:
1-قيل: الأحرف السبعة هي سبع لغات متفرقة في القرآن كله وهي لغات قبائل من العرب على معنى أن بعض القرآن نزل بلغة قريش وبعضه بلغة هذيل وبعضه بلغة هوازن 000وهكذا، واختار هذا الرأي أبوعبيد القاسم بن سلام وثعلب وابن عطية وآخرون0 ودليلهم عدم معرفة بعض الصحابة القرشيين لبعض ألفاظ القرآن إلا من بعض العرب كما وقع لابن عباس في كلمة"فاطر"وأجيب عن ذلك بما يلي:
أ- أن عدم معرفة ابن عباس لمعنى هذه الكلمة لا يدل على أن اللفظة غير قرشية لجواز أن يكون قد غاب معناها فقط عن ابن عباس وليس بلازم أن يحيط المرء بكل معاني لغته أو بألفاظها ( وهو جواب متكلف كما ترى خصوصا مع صحابي توّاق للمعرفة كابن عباس رضي الله عنهما) 0
ب- ومما يضعف هذا الرأي أن القائلين به لم يجمعوا على اللغات السبع المختارة بل كل طائفة اختارت من القبائل ما لم تختره الطائفة الأخرى.
ج- ويضاف إلى ذلك أن التوسعة ورفع الحرج والمشقة المقصود من الأحرف السبعة لا يتفق وهذا الرأي لأنه يترتب عليه أن يكون القرآن الكريم أبعاضا، وأن كل بعض بلغة، ويلزم من ذلك أن كل شخص لا يقرأ من القرآن إلا ما نزل بلغته،كما يلزم أيضا أن تكون التوسعة خاصة بأقوام دون أقوام فلا ينعم بهذه التوسعة من هم خارج السبع المختارة، وهذا مناف لمقاصد الشريعة التي لا تفرق مطلقا بين المكلفين إيجابا ولا سلبا.
2-وقيل: الأحرف السبعة هي سبعة أوجه من الأمر والنهي والوعد والوعيد والجدل والقصص والأمثال، أو هي: الأمر والنهي والحلال والحرام والمحكم والمتشابه والأمثال0 ورد هذا الوجه بأن التوسعة كما هو مفهوم من الأحاديث والروايات الواردة في نزول القرآن على سبعة أحرف هي خاصة بالألفاظ وليس بالمعاني، وذلك بأن تقرأ الكلمة على وجهين أو ثلاثة، ولا يمكن أن تكون التوسعة في تحريم حلال ولا في تحليل حرام، ولا في تغيير شيء من المعاني المذكورة0
3-وقيل: الأحرف السبعة هي القراءات السبع0 وهذا قول واه جدا،وسببه اتحاد العدد بين الأحرف السبعة والقراءات التي اعتمدها ابن مجاهد وجمعها وهي قراءات سبع لقراء سبعة، والواقع أن الأحرف السبعة أعم من القراءات السبع لأنها تشملها وتشمل غيرها، ومما يدل على قلة إدراك أصحاب هذا القول هو أن هؤلاء القراء السبعة لم يكونوا قد ولدوا وقت أن قال النبي صلى الله عليه وسلم: { أنزل القرآن على سبعة أحرف } فهل معنى ذلك أن هذا الحديث كان عاريا عن الفائدة وبعيدا عن الواقع إلى أن ظهر هؤلاء القراء ؟ وماذا فهم الصحابة إذن من الحديث ؟
4-وذهب جمع غفير من العلماء من أبرزهم أبو الفضل الرازي وابن قتيبة وابن الجزري وغيرهم إلى أن الأحرف السبعة هي سبعة أوجه لا يخرج عنها الاختلاف في القراءات وهى:
- اختلاف الأسماء من إفراد وتثنية وجمع وتذكير وتأنيث0
- اختلاف تصريف الأفعال من ماض ومضارع وأمر0
- اختلاف وجوه الإعراب0
- اختلاف بالنقص والزيادة0
- الاختلاف بالتقديم والتأخير0
- الاختلاف بالإبدال0
- اختلاف اللهجات كالفتح والإمالة والتفخيم والترقيق والإظهار والإدغام0
وقد لقي هذا الرأي شهرة ورواجا عند كثير من العلماء وقد تعصب له الشيخ عبد العظيم الزرقاني في مناهل العرفان ورجحه على غيره وساق الأمثلة لكل وجه منها وقرر أنه الرأي الذي تؤيده الأحاديث الواردة في هذا المقام، وأنه الرأي المعتمد على الاستقراء التام دون غيره، ورد على كل اعتراض وجه إليه وإن بدا عليه التكلف في بعض هذه الردود0
* واعترض على هذا الرأي بأن الرخصة في التيسير على الأمة بناء على هذا الرأي غير واضحة ولا ظاهرة، فأين الرخصة في قراءة الفعل المبني للمعلوم مبنيا للمجهول أو العكس، وأين هي أيضا في إبدال حركة بأخرى، أو حرف بآخر، أو في تقديم وتأخير، فإن القراءة على وجه من هذه الوجوه المذكورة لا يوجب مشقة في شيء، يُحتاج معها إلى أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه المعافاة لعلة أن الأمة لاتطيق القراءة على وجه واحد ولا اثنين ولا ثلاثة من هذه الوجوه المذكورة، كما جاء ذلك في الأحاديث النبوية التي تدثت عن قضية نزول القرآن على سبعة أحرف0
5-وذهب سفيان بن عيينة وابن جرير وابن وهب والقرطبي ونسبه ابن عبد البر لأكثر العلماء إلى أن المراد بالأحرف السبعة سبع لغات في كلمة واحدة تختلف فيها الألفاظ مع اتفاق المعاني وتقاربها مثل ( هلم، أقبل، تعال، إلى، قصدي، نحوي، قربي ) فإن هذه سبعة ألفاظ مختلفة يعبر بها عن معنى واحد وهو طلب الإقبال، والمقصود أن منتهى ما يصل إليه عدد الألفاظ المعبرة عن معنى واحد هو سبعة وليس المقصود أن كل معنى في القرآن عبر عنه بسبعة ألفاظ من سبع لغات 0
وأصحاب هذا الرأي أيدوا كلامهم بأن التيسير المنصوص عليه في الأحاديث متوفر في هذا الرأي ثم هم يرون أن الباقي من هذه اللغات الست أو الحروف الستة هو حرف قريش دون غيرهم0
واعترض على هذا الرأي بأنه يترتب عليه أن يكون عثمان رضي الله عنه قد نسخ الأحرف الستة التي توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي مما يقرأ بها0 وأجيب عن ذلك بأن ذلك لا يعد نسخا ولا رفعا ولا إهمالا من الأمة للأحرف الستة الأخرى لأن الأمة قد أمرت بقراءة القرآن وخيرت في قراءته بأي من الأحرف السبعة ولم يجب عليها قراءته بجميعها، فاختيار حرف منها لا يعد جرما ولا نسخا للأحرف الباقية خاصة أن الحاجة قد دعت إلى ذلك بعد وقوع الاختلاف والتنازع بين الصحابة في فتح أرمينية وأذربيجان، الأمر الذي اضطُر معه عثمان إلى جمع المصحف وكتابته بحرف قريش لأن لغة قريش كانت تعتبر مركزا لسائر اللغات العربية، بسبب موقع البيت الحرام ببلدهم مكة المكرمة وانتقال سائر القبائل إليهم لحج البيت0
واعترض عليه أيضا بأن هناك قراءات متواترة هي من الأحرف السبعة وردت في الموضع الواحد ولا تفيد الاتفاق في المعنى، بل لكل منها معنى مغاير فكيف يدَّعى أن الأحرف السبعة سبع لغات متحدة المعنى ؟
وبعد هذا العرض يتضح لنا أنه ما من رأي إلا واعترض عليه بما قد عرفت غير أن الرأيين الأخيرين هما أكثر الآراء شهرة وقبولا لدى أهل العلم، والأخير منهما أولى الرأيين من وجهة نظري لكن مع بعض التصورات والإضافات التي سأطرحها الآن:
وذلك أنه يترجح لديّ أن الأحرف السبعة هي سبع لغات أو لهجات من لهجات العرب بما تحويه صوتيات هذه اللغات وهيئات النطق فيها كالإمالة والإدغام والروم والإشمام والتفخيم والترقيق ....إلخ وليس شرطا أن تكون المعاني في كل هذه اللغات واحدة بل الثابت أن تعدد القراءات التي هي تابعة للأحرف السبعة بلا ريب قد ترتب عليه اتساع المعاني وتنوعها، والقراءة مع القراءة كالآية مع الآية، ولا شك أن هذه حكمة عليا من الحكم التي انطوى عليها نزول القرآن على سبعة أحرف، فلم يكن التهوين والتيسير على الناس في النطق خاليا من ثراء في المعنى، ونماء في الأفكار التي يحويها النص الكريم، ويعرف ذلك جيدا كل من يقوم بموازنة بين القراءات القرآنية الواردة على محل واحد.
- كما أنه يترجح لدي أن كتابة القرآن الكريم من لدن عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تكتب بالحرف القرشي دون غيره وذلك على المستوى الرسمي - أما على المستوى الفردي فلربما كان لأفراد الصحابة هيئات مختلفة في الكتابة تتسق وقبائلهم ولربما ساعدهم على ذلك أن لهم في الأحرف السبعة نصيبا كابن مسعود رضي الله عنه الذي يعرف عنه تبنيه للحرف الهذلي - وليس من دليل ينفي هذه الحقيقة التي أتصور كذلك أنها نفس الطريقة التي كتب بها القرآن في العهدين البكري والعثماني، لكن الظاهر أن عثمان رضي الله عنه قد أضاف إلى الرسم من الطرق ما يجعله مهيئا لاستيعاب عدد من الأحرف السبعة بطريقة مبتكرة غير مسبوقة كان عدم النقط والشكل من العوامل المساعدة على نجاحها بلا شك، وما فعله عثمان هو ما سوّغ نسبة ذلك الرسم إليه، ولو كان مجاريا لمثال سبقه في الرسم ما كان هناك مسوغ لهذه النسبة إذ لا خصوصية تميز رسمه عما سبقه، وقد وقع إجماع الصحابة رضي الله عنهم على هذا الرسم ومن هنا اكتسب قوته. يقول علي كرم الله وجهه – فيما صح عنه عند ابن أبي داود -: "لا تقولوا في عثمان إلا خيراً فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا قال: ما تقولون في هذه القراءة فقد بلغني أن بعضهم يقول: إن قراءتي خير من قراءتك وهذا يكاد يكون كفراً قلنا‏:‏ فما ترى؟ قال‏:‏ أرى أن يجمع الناس على مصحف واحد فلا تكون فرقة ولا اختلاف قلنا‏:‏ فنعم ما رأيت‏"
*و يجب أن يوضع في الحسبان أن الحديث عن الأحرف السبعة لم ينشأ إلا في العهد المدني كما تدل الروايات على ذلك ومعنى ذلك أن العهد المكي لم تكن تلاوة القرآن فيه إلا على حرف واحد وبدهي أنه حرف قريش ومن ثم فإن قارئا كعبد الله بن مسعود رضي الله عنه لابد من أنه كان يقرأ بذلك الحرف وهو بمكة حين جهر بتلاوة القرآن أمام القرشيين ولو أنه قرأ بطريقة مخالفة لما ألفوه وعرفوه لأنكروا عليه ذلك ولعل هذا ما قصده عثمان رضي الله عنه حين قال للرهط القرشين إبان جمع القرآن:"إذا اختلفتم أنتم وزيد في شيء فاكتبوه بلغة قريش فإنه نزل بلغتهم "
- وتشير الدلائل إلى أن التيسير بإنزال الأحرف السبعة كان خاصا بقبائل دخلت الإسلام في العهد المدني وثقل عليها النطق ببعض الكلمات أو ببعض هيئاتها فسمح لهم في إطار ما نزل بتلاوته بما يطوع له لسانهم لأنه كان فيهم "الغلام الصغير والمرأة العجوز والشيخ العاني"
- كما أتصور أن القراءات المشهورة حاليا ليست راجعة إلى حرف قريش وحده ولكن إلى الأحرف السبعة فلا يمكن أن تكون هذه الهيئات المتفاوتة في التلاوة والتي يحدث فيها تمايز كبير بين القراء السبعة أو العشرة لا يمكن أن تكون راجعة كلها إلى حرف واحد أو لهجة واحدة هي لهجة قريش فتصوَّر معي قراءة هذه الكلمات بالإمالة وبدونها "موسى، عيسى، الضحى، سجى، مجراها "وتصوَّر أيضا قراءة كلمة الصراط بالسين والصاد وبإشمام الصاد صوت الزاي في قراءة حمزة فهل يعقل أن تكون قريش نطقت بذلك كله؟
وقد بدا لي أيضا أن هذه القراءات ليست كل الأحرف السبعة بل هي جزء منها ساعد على بقائه موافقته لرسم المصحف بدليل ما ينقل كثيرا على أنه من قراءة أبي أو ابن مسعود أو علي أوغيرهم مما ليس ثابتا في مصاحفنا – وفيه صحيح السند كقراءة متتابعات عند ابن مسعود - فهذا راجع من وجهة نظري إلى ما ألغاه عثمان من الأحرف السبعة كتابةً.
وهذه التصورات جميعها جعلتني أكوِّن رأيا في الأحرف السبعة هو:
"أن الأحرف السبعة عدد من اللهجات العربية استعصى على أهلها التكيف مع لهجة قريش وهذا العدد غير محصور في سبع إذ المقصود التيسير والشريعة لا تفرق في قواعد التيسير بين القبائل، ويساعد على استيعاب هذا الرأي أن هذا اللفظ – سبعة – هو في العربية يفيد الكثرة لا حقيقة العدد، وليس مشروطا في الأحرف المتعددة الترادف في المعنى بل الظاهر أن قصد إثراء المعنى كان يمضي جنبا إلى جنب مع التيسير في النطق، وأن عبقرية عثمان رضي الله عنه قد تجسدت في كتابته القرآن بطريقة تستوعب عددا من هذه الأحرف السبعة بحيث يجتمع الناس على ما يستوعبه هذا الرسم ويكون ما عداه خارجا عن هذا المجمع عليه ولا يقرأ به ولا يتعلمه الصغار، لأن المسار قد تغير فما كان بالأمس مظهر تيسير أصبح اليوم مع كثرة الفتوحات الإسلامية ودخول أهالي البلاد المفتوحة في الإسلام وتفرق الصحابة في الأمصار وعدم استيعاب حقيقة الأحرف السبعة والهدفِ منها أصبح ذلك كله سبب فتنة، فكان لابد من تدخل سياسي من قائد الأمة وخليفة المسلمين لحسمها ودرئها فكان ما كان مما أشرنا إليه "
* قال لي قائل: كيف تخلى أصحاب هذه اللغات التي نزل عليها القرآن عن قراءاتهم وانضووا تحت إمرة ما كتبه عثمان رضي الله عنه ؟
قلت: لابد عند الإجابة عن هذا التساؤل من أن نستحضر أمامنا إيمان القوم في هذه الأيام فقد كان إيمانا فوق الوصف كما تدل له مواقفهم في سبيل الإسلام والقرآن والرسول صلى الله عليه وسلم، فهم الذين ضحوا في سبيل ذلك كله كما حكى التاريخ بالغالي والرخيص،وضحوا بالنفس والأهل والولد والوطن وراحة البدن وغير ذلك مما نعرفه وما لا نعرفه،كل ذلك في سبيل الله فهل يستحيل على قوم هذه صفاتهم أن يطوعوا لسانهم وإن بشيء من المجاهدة على هيئة نطق تغاير ما ألفوه في عدة كلمات لا إخالها كثيرة ؟
إنه لمن المجانبة للصواب تصورأن هذا الأمر مستحيل أو بالغ المشقة أو بعيد الشقة عليهم، وإن صدقنا أن هذا ممكن في أول الأمر فكيف نتصوره في آخره ؟
وماذا نقول إذن فيمن لا ينطقون العربية أصلا ثم هم يجيدون حفظ القرآن الكريم فضلا عن إتقان تلاوته ؟ وهذا أمر ملموس منا فأمامنا كثيرون من دول شرق آسيا نعجب حين نستمع لقراءتهم بالغة الدقة في الصحة، وحفظهم المتميز لكتاب الله العزيز وكذلك في دول أفريقيا وغيرها من بلاد العالم.
وقد دل واقعنا المعاصر على قدرات كثيرين منا قد أجادوا لغات غير لغاتهم إجادة تامة فكيف نتصور إذن صعوبة ما ذكرنا مع أن هذا التغيير هو في ضوء اللغة نفسها وهي اللغة العربية، وتدلنا الروايات الثابتة على أن من بين الصحابة من كان لديه الاستعداد على إجادة عدد من اللغات غير العربية كزيد بن ثابت الذي كان يجيد الفارسية وتعلم السريانية في أيام قليلة ([1] ) بطلب من النبي صلى الله عليه وسلم .
ربما يكون من العسير إلى حد ما نطق بعض الكلمات بالإمالة عند من لم يعتد عليها أو بعدمها عند من اعتادها ويظهر هذا عندما نقارن لهجتنا – نحن المصريين أو أهل الجزيرة العربية - بلهجة أهل الشام خاصة اللبنانيين حيث يبدو من العسير حقا أن ينطق المصريون أو سكان الجزيرة بذات اللهجة اللبنانية مثلا،ولهذا لم تكن الإمالة وأشباهها مما هو راجع إلى هيئة النطق وليس إلى اختلاف الرسم مما ألغاه عثمان رضي الله عنه فهي وغيرها ثابتة في بعض القراءات المتواترة خاصة في رواية ورش عن نافع ونفس الشيء قله في التفخيم والترقيق خاصة في الراءات، والتسهيل وعدمه ونحو ذلك مما قلت إنه راجع إلى هيئة النطق بالكلمة لا تبديلها بأخرى وقد عرفنا أن ذلك كله باق في القراءات القرآنية – التي هي في نظري راجعة إلى الأحرف السبعة وليس إلى حرف قريش وحده - ولم يلغ في شيء والرسم العثماني قد احتمله.
*مما يدل على أن الأحرف السبعة سبع لغات وأن الباقي منها حرف واحد وما احتمله الرسم من الأحرف الأخرى هو أن كثيرا من اللهجات قد اندرست بعد توحيد الناس في القراءة على لغة قريش أفصح لغات العرب حتى صرنا لا نلمس عنعنة تميم، ولا عجرمية قيس، ولا كشكشة أسد، ولا ثلثلة نهراء، ولا كسكسة ربيعة، ولا إمالة أسد وقيس، ولا طمطمانية حمير .
من فوائد نزول القرآن على سبعة أحرف:
1- التهوين والتيسير على الأمة والتوسعة عليها في قراءتها للقرآن الكريم0
2- إثراء التفسير والأحكام الشرعية بتعدد الأحرف0
3- إظهار كمال الإعجاز بغاية الإيجاز لأن كل حرف مع الآخر بمنزلة الآية مع الآية في دلالتها وفيما اشتملت عليه0

[1] - بدهي فهم تعلم سالم للسريانية في هذه الأيام القليلة على أنه مقصور على تعلم المصطلحات الدينية التي كان يستخدمها اليهود وليس المقصود تعلم السرياينة محادثة وحوارا فهذا لا يمكن أن يتفق في أيام قليلة
 
عودة
أعلى