القوانين الثلاثة في تفسيرالقرآن.

أبو عبد المعز

Active member
إنضم
20/04/2003
المشاركات
596
مستوى التفاعل
25
النقاط
28
القوانين الثلاثة في تفسيرالقرآن:

هذه القوانين" قبلية " و"كلية "

هي قبلية لأنها تستحضر قبل الشروع في التفسير ،
وهي كلية لأنها توجه المفسر في تفسير أي آية من آيات القرآن..عكس القواعد الجزئية التي تطبق على الآية بخصوصها كما هو الشأن مع القواعد الأصولية والبلاغية ..
فتكون هذه القوانين الكلية "خلقية "أكثر منها "آلية"...أو قل :هي قوانين قبلية وقلبية!!
هذه القوانين هي:
1- قانون العزة.
2-قانون الكرم.
3-قانون مثلية الجزاء.
منطلقنا لاكتشاف وشرح هذه القوانين الثلاث الحديث الذي رواه البخاري:
7536 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ الهَرَوِيُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ، قَالَ: «إِذَا تَقَرَّبَ العَبْدُ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَإِذَا أَتَانِي مَشْيًا أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً»

الحديث عن أفعال الله تعالى وصفاته لكنه ينطبق على القرآن أيضا:
1-العزيز ضد الذليل...
ومن شأن العزيز ألا يكلمك إلا إذا كلمته، ولا يأتيك إلا إذا أتيته، ولا يحتفي بك إلا إذا احتفيت به،وهكذا....
وقد جلى الحديث صفة العزة في التركيب اللغوي حيث جعل الجمل شرطية /ظرفية، .يكون فعل العبد في حيز "المقدم" وفعل الرب في حيز "التالي"...فالتقرب لا يعقل إلا من مخلوق إلى خالق، لأن الذليل محتاج إلى العزيز، والفقير باحث عن الغني وليس العكس...وقد ضل اليهود ضلالا كبيرا عندما أملى عليهم هواهم أن الرب هو الذي ينبغي أن يبحث عن شعبه المختار لا العكس، وهذا غير غريب من مغرورين شأنهم تعظيم أنفسهم والتنقيص من غيرهم حتى لو كان رب العالمين.

2- الكرم فضل وزيادة..
وجاءت قاعدة الكرم مقترنة بقاعدة العزة... وقد تجلت صفة الكرم في ذلك التفاوت بين فعل العبد وفعل الرب كميا ونوعيا:
الشبر-الذراع،
الذراع -الباع،
المشي –الهرولة..
هو فضل وليس عدلا...
فمقتضى قاعدة العزة الابتدائية أن لا يتقرب إليك الرب إلا إذا تقربت إليه..
وبموجب قاعدة الكرم التابعة إذا تقربت إليه بشبر تقرب إليك بذراع..
وهذا سر الابتداء بصفة العزيز في الثنائيات الصفاتية في القرآن العظيم:
العزيز الحكيم ،العزيز الرحيم ،العزيز الحميد ..
وهي نكتة نفيسة فاحفظها...فلا تطلبن- مثلا- من الرب أن يصرف عنك إثما وأنت متلبس به ،وهذا مع الأسف كثيرا ما يصدر عن الجهال..فتجدهم ينفثون دخان سجائرهم وهم يدعون الله أن ينجيهم من آفة التدخين!!
هؤلاء لا يفهمون معنى العزيز قطعا!

3- القانون الثالث هو مثلية الجزاء أو الجزاء من جنس العمل..
فإذا تقربت إليه تقرب إليك، وإذا ابتعدت عنه ابتعد عنك...
هذه القاعدة مفهومة من رواية البخاري ،وهي منصوص عليها في رواية مسلم:
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَأَزِيدُ، وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَجَزَاؤُهُ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا أَوْ أَغْفِرُ وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا، وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً، وَمَنْ لَقِيَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطِيئَةً لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَقِيتُهُ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً "، قَالَ إِبْرَاهِيمُ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، بِهَذَا الْحَدِيثِ.
وفي روايتي الشيخين جميعا ذلك الاقتران الحكيم بين: العزة ،والفضل، والعدل!

آن الوقت لتحويل هذه الصفات إلى القرآن :
1-صفة العزة
جاء في الصحيح
231 - (791) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَرَّادٍ الْأَشْعَرِيُّ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «تَعَاهَدُوا هَذَا الْقُرْآنَ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الْإِبِلِ فِي عُقُلِهَا». رواه مسلم.
نبه الرسول صلى الله عليه وسلم على صفة العزة القرآنية....فالقرآن بمقتضى العزة لا يمكن أن يبقى في صدر لا يأبه به صاحبه ..!فمن تهمله ومع ذلك يتمسك بك فهو ذليل ....
فلا يبقى القرآن في الصدور إلا إذا استبقي فيها ،ومن ثم كان الأمر بتعاهد القرآن...
وهذا مشاهد ومجرب ، فقد تحفظ سورة من القرآن حفظا جيدا ،حتى إذا غفلت عنها لم يبق منها شيء في ذاكرتك!
2-صفة الكرم:
{إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} [الواقعة : 77]
وقد جرب أيضا أن من نسي شيئا من القرآن فإنه يسترجعه بمنتهى اليسر، يكفي أن يراجعه ويعتني به، وإن كان الأمد بعيدا...ففيه حظ من معنى:
«إِذَا تَقَرَّبَ العَبْدُ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا... »
3-صفة مثلية الجزاء:
صفة نستنبطها من هذه الآيات:
{إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26)} [البقرة : 26]
{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [فصلت : 44]
{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء : 82]

لننظر الآن إلى سلوك المفسر في ضوء هذه القوانين الثلاث:
-بموجب قانون العزة لا مكان لترف التفسير...فليس التفسير هواية أو تلذذا بالقرآن في أوقات الفراغ...فلا بد أن يهب المفسر كل ماهو نفيس عنده في سبيل القرآن :جهده ووقته وماله...وأنا على يقين أن القرآن لن يمنح شيئا ذا بال لمتدبر مستلق على أريكة ينظر في القرآن، في انتظار وقت الذهاب إلى عمله..
-وبموجب قانون الكرم يتيقن المفسر أنه لن يحيط بعطاء الآية الواحدة ولو أنهك فيها عمره...فالعطاء متجدد والمسؤول كريم...وهذا مجرب أيضا فقد يخطر بالبال أننا فرغنا من معاني الآية ،أوأن المفسرين لم يتركوا فيها شيئا...ثم إذا تدبرتها من جديد حصل عطاء غير متوقع...
هو قانون الشبر والباع...!
-وبموجب القانون الثالث يكون تفسير القرآن بحسب الرصيد في القلب...فالقرآن لا ينفتح إلا للمتقين...ولا يزيد الظالمين إلا خسارا...
ولهذه القاعدة حذر السلف من المنافقين المجادلين في القرآن وبالقرآن...فكما أن القرآن يمد أهله بالخيرات لأنهم يريدون الهداية ،فكذلك يمد أعداؤه بالشبهات ليزدادوا ضلالا...!!
ولهذا نحن إذ نستأنس بتفسير المتقين ،فإننا نرتاب مبدئيا في تفسير الفلاسفة والمستشرقين والمستغربين والحداثيين، مهما بدا تفسيرهم براقا مقنعا ،فالقرآن العزيز يمكر بمن يريد المكر به!!
 
شكر الله لك أخي الكريم..

ولكن لدي استشكال وأرجو مزيدا من التوضيح والبيان وفقك الله تعالى.

قلت:"فالتقرب لا يعقل إلا من مخلوق إلى خالق، لأن الذليل محتاج إلى العزيز، والفقير باحث عن الغني وليس العكس"
جميل,, ولكن أليس الله عاتب الصحابة بقوله تعالى: ((ألم يأن للذين ءامنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله و مانزل من الحق))..الآية [الحديد:16]
والله تعالى غني عن الصحابة -رضوان الله عليهم جميعا- و عن المؤمنين عامة.
أيضا أليس البلاء يصيب المسلم فيعود إلى ربه ويستغفره ويستقيم على أمره, ولربما لو لم يقع به البلاء لما أناب, بيد أن الله غني عن خلقه جميعا ولكن قد يهيء لهم من الأقدار مايهدي به قلوبهم .

كيف نجمع بين هذا وبين قانون العزة ؟ وجزاك الله خيرا.
 
هي قوانين مع غيرها لصياغة نظرية التلقي في القرآن الكريم .
أتحفنا بها الفاضل أبو عبد المعز ، جزاه الله خيرا وأحسن إليه .
وقد تساءل الكاتب المصري أسامة عبد العزيز جاب الله في إحدى مقارباته عن عدد من الأسئلة في سبيل الولوج إلى صياغة نظرية قرآنية للتلقي . وهذا رابطها : http://vb.tafsir.net/tafsir39822/#.VAuDjMJ5Nqp
 
قيل أعلى:
حذر السلف من المنافقين المجادلين في القرآن وبالقرآن ......
ولهذا نحن إذ نستأنس بتفسير المتقين ،فإننا نرتاب مبدئيا في تفسير الفلاسفة والمستشرقين والمستغربين والحداثيين، مهما بدا تفسيرهم براقا مقنعا ،فالقرآن العزيز يمكر بـ من يريد المكر به!!

نقول:
وهل يَخِيْل على الذين قال الله تعالى فيهم "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي" ... التفسير البراق المقنع من أهل النفاق والمكر؟!

لا .. لا يخيل عليهم ذلك أبداً، وإلا لم يكونوا على بصيرة كما قال الله تعالى!!

وعليه .. فإمّا أن الممدوحين - الجاري تحذيرهم - ليسوا على بصيرة، وقد ظنهم صاحب الكلام كذلك، (وهذا نستبعده)
أو أن الطرف الآخر - الذين جاء تفسيرهم براقاً مقنعا - ليسوا بأهل نفاق ومكر، كما ظن بهم أيضاً (وهذا نُرجِّحُه). ويكون إلحاقهم بهذه الأصناف المنبوذة (الفلاسفة والمستشرقين والمستغربين والحداثيين) - في أعراف القراء - إمعاناً في التنفير والاتهام، لأنهم ليسوا منهم.

ويكون - كلام المتكلم أعلى - مشحون بالتشكيك والظن، ويتهم بعض المسلمين بعظائم التُّهم، بما لا دليل يعضده، فضلاً عن أن يثبته!!

وما كان هذا حاله من كلام، لم يصح أن يُتَّخذ منه قاعدة!!

بل إن الأمر ليتطلب من أهل البصيرة مراجعة صاحب الكلام ليثنوه عنه،
واضعين قول الله تعالى ".. فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى" راية فوق الأعناق والأبصار.
ولألا يخدش المتكلم فيما بعد، القاعدة الأثبت التي تقول: "يُعرف الرجال بالحق".
 
بسم الله الرحمن الرحيم
اضحك الله سنك .. اخي عزالدين
اقصد الرفق ، رفق الحديث..
 
عودة
أعلى