القواعد الكلية للسنن الإلهية

محمد جابري

New member
إنضم
10/07/2008
المشاركات
121
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
مدينة وجدة - المغرب
القواعد الكلية للسنن الإلهية

وقد يقول القائل: جميل أن نتخذ السنن الإلهية القرآنية ضوابط للعلوم والمعارف لكن هناك اعتراض يكمن في كون السنن الإلهية وإن كانت من عند الله, فقد يداخلها فهم البشر، إما لقصور عن إدراكها ومعرفتها، وإما باتخاذها ذريعة بسوء نية.
والجواب بيّن في كون السنن الإلهية تتجلى في شقين :
1- شق يتعلق بكل سنة على حده، وهنا تتفاوت المدارك والاستنباطات.
2- وشق يتجلى في القواعد الكلية، والضوابط الكلية، والخصائص الكلية للسنن الإلهية، وهذا ليس موطن خلاف، ولا يمكن أن يكون كذلك، لما سنرى من ضوابط تكبل الانحراف، وهو ما يزيدنا ثقة بالسنن الإلهية الربانية واعتمادها مقياسا علميا دقيقا.

لم تأت السنن الإلهية في كتاب الله عهودا ربانية مجردة من قواعدها العامة وضوابطها وخصائصها.
ولئن سعى الفقهاء لتقعيد القواعد الأصولية والفقهية رغم كونها نسبية تشمل معظم أجزائها الفقهية، وقد تشذ عنها شواذ لا تنضبط بضوابط القاعدة، واعتبروا الشذوذ نادرا، والنادر لا حكم له في عرف الفقهاء.
فإن ما يميز السنن الإلهية القرآنية وقواعدها الكلية أنها تنطبق على كل جزئياتها، فلا تفلت سنة من قواعدها الكلية، ولا يتبرم ضابط من ضوابطها، ولا خاصية من خصائصها.

قد نجد استثناءات، لكن تحكمها قواعد كلية أخر مما يجعلها غير شاردة، ولا شاذة عن قاعدة أخرى.
وتتفوق السنن الإلهية عن غيرها من القواعد بكونها من أفعال الله الحكيم العليم، وهذا ما يقتضي بأن التعامل مع السنن الإلهية جولة في أفعال الله العلي الكبير ؛ وأفعال الحق عز وجل تعالت عن النسبية والعبثية، بل وسمت ووصفت بالحكمة وهي عين الكمال الذي لم يأت به كتاب غير كتاب الله الذي جاء بكماله، وما فرط فيه الله من شيء.ولا ريب فيه.

وجدير بالمرء الاحتياط من التقول على الله : أعظم الذنوب إطلاقا ؛ إذ كل زيغ وانحراف لا يسلم من مخاطر. ويقتضي الأمر لا محالة ربانية مرهفة الحس، منيبة إلى ربها في كل حين ليكشف اللبس ويفك الإشكال، حسب وعده سبحانه : ((( ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ))) القيامة : 19. هذا فضلا عن الإحاطة بما علمنا سبحانه وتعالى من صفاته وأسمائه وأفعاله، وما اتسمت به ذاته القدسية، وما لا يجوز في حقه سبحانه وتعالى.

وأفعال الله كلها حكمة، وفي كل فعل من أفعاله سبحانه وتعالى قد يتطلع المرء إلى مواصفات عديدة لأسمائه وصفاته ؛ فهو رب حكيم عليم، وهو غفور رحيم، فضلا عن كونه جل وعلا :الله الواحد القهار، وهو قوي عزيز، وعزيزذو انتقام..

والكلام عن الأمور الكلية للسنن الإلهية يتأتى ضمن :
1- القواعد الكلية.
2- الضوابط الكلية.
3-الخصائص الكلية.
وفيما يلي تفصيل ذلك.


-Iالقواعد الكلية​

وتأتي لبيان الغاية من التشريع والهدف منه، وتستمد هذه المعطيات مما جاء منثورا من صدف غاليات من آي الكتاب تميزها إرادة الله من وراء التشريع، بصيغة (((يريد الله...))) (((والله يريد بكم... )))
وتجلت القواعد فيما يلي :
1- قواعد التشريع اعتنى بها الأصوليون :
1. التخفيف.
2. اليسر.
3. التدرج.
4. رفع الحرج.

وأغفل الأصوليون الكلام عن المقاصد التشريع التالية:
5. إتمام النعمة.
6. إحقاق الحق.
7. إذهاب الرجس عن آل البيت وتطهيرهم.
8. البيان الشافي.
9. التوبة.
10.العاقبة للمتقين.
11.قطع دابر الكافرين.
12.نصرة المستضعفين.
13.الهداية لسنن السابقين
ولئن اختصت اجتهادات الأصوليين بالأبحاث الكلية لو ضعوا اليد على هذه الغايات ولتجلت لهم بحور علوم السنن الإلهية.


-
II الضوابط الكلية للسنن الإلهية

ولئن جاءت القواعد الكلية لبيان الغاية من التشريع كما سبق القول، قد تأتي الضوابط لمراعاة الشكل التشريعي، وهي كالتالي :

1- الربانية : فهي ربانية المصدر، فمنه تمد وتستمد، واستمداد العلم الرباني يتطلب تقوى العبد : (((وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ))) سورة البقرة : 282.
فمن الناس من أخلَصهم الله لنفسه، فكانوا عبادا مخُُُْْلَْصين،-بصيغة المفعولية- ومنهم المكرمون-بصيغة المفعولية- ومنهم المُطَهَّرون، ومنهم السابقون بالخيرات بإذن الله. وهي درجات لا حظ فيها للعبد، وإنما تجلى فيها فضل الله وتكريمه لعباده، وليس للعبد فيها من كسب، إلا الضراعة والتذلل بين يدي الكريم.
إنهم أولو الألباب : أصحاب الحس المرهف للفهم عن الله، لتجتمع بين أيديهم كل خيوط الأمر، سواء منها ما تعلق بعالم الغيب أو عالم الشهادة :
أدرك المرء من كتاب ربه إرادته في كونه وقرآنه من خلال عهوده الربانية،والله لا يخلف الميعاد؛ وفي عالم الشهادة خبر أمر واقعه، وما مضى من الأحداث، أو ما يتوقع من تغييرات مستقبلية كي يرسم مستقبله على ضوء معطيات عالمي الغيب والشهادة.
وحذرنا الشارع من مخالفة فراسة المؤمنين ؛ وذلك لكونهم أعلم الناس بأن لا حول ولا قوة إلا بالله، وأيقنوا بأن لا سبيل للتصرف بحول الله وقوته إلا بإذنه، فإن أرادوا فهم شيء طرقوا باب ربهم الذي تعهد ببيان ما أبهم : (((فَالْحُكْمُ ِللََّهِ العَلِيِ الكَبِيرِ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ ))) غافر : 12- 13.
وتمسكوا بهذه الأسماء عاكفين بها على باب الله لاستمداد الفهم الرباني.
إنه سلوك رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ما حزبه أمر إلا وفزع إلى الصلاة.

2- الشمولية:

جاءت السنن الإلهية بضوابط كلية جامعة مانعة : لا عبثية ولا لعب، فالكل لحكمة معلومة، وغاية منشودة، وهدف مرصود :
((( وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ))) الرعد : 8.
((( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ))) الأنعام : 101.
((( وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ))) يس : 12.
((( صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ))) النمل : 88.
إنها الشمولية التي لا تستثني أي جانب من جوانب الحياة.

3- الاطراد :

فالثبات صفة للاستقرار والدوام على الحال، أما الاطراد فمعناه التتابع والجري على نسق واحد، وكل من أتى مقدمة سنة من السنن أصابته نتائجها :
((( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ))) الأنعام 123
((( مَا آمَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ))) الأنبياء : 6.
(((وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ))) الأنبياء : 11.
(((قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ))) النمل : 69.
((( فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ))) الزخرف : 8.
وقانون واحد لكل من سار على نفس الدرب، ونتيجة واحدة، ولن تجد لسنة الله تبديلا ولا يعتريها تغيير، وما ربك بظلام للعبيد. (((سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً))) الفتح : 23.

4- مبدأ مراعاة استمرارية الحياة

فالذي خلق الكون خلقه ليتوفر فيه مناخ الحياة على وجه يكفل ضمان استمراريتها واستبدال الأمم :
((( وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى))) النحل : 61.
لو جعل الله الدنيا دار جزاء لانتهى أمر الناس ؛ لكون جميعهم يستحقون الإعدام جراء ذنوبهم، ولكنه جعل الدنيا دار عمل، والآخرة دار جزاء، ليستوفي المرء أجله وعمله فيها، ولتستمر الحياة إلى يوم القيامة.
(((زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ))) آل عمران : 14.
لولا هذا التزيين لما كانت المحافظة على النسل، وعلى المال، ومتاع الدنيا جميعا. واصطدمت الشيوعية بهذه السنة فتخلصت أناسها منها لما وجدوا منفذا ومسلكا لذلك.

5- الأجل :

جعل الله لكل شيء أجلا، ويختلف الأجل باختلاف السنن، فمنها :
أ- ما يدوم بدوام الدنيا :
(((وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ))) الرعد : 2.
ب- ما يعبر عنه بالعمر :
((( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ))) الأعراف : 34.
ج- ما يعتبر فيه بضع سنين :
(((فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَاراً))) القصص : 29.
وهذا الضابط أكثر ارتباطا بالسنن الإلهية من حيث الآجال.
د- ما يعبر بالشهور :
(((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً))) الحج : 5

6- الواقعية:

تأتي السنن الإلهية القرآنية لا لتحلق في مجال الخيال الواسع، وإنما لتفسر أحداث الواقع أفضل تفسير وأبينه. نزل القرآن منجما حسب ما اقتضته الضرورة الظرفية، وما جاء بحل لظرف معين، وإنما جاء يسنن قوانين خضعت لها كل ظروف الزمان والمكان.
وإذا ما أخذنا سنة من السنن وعرضناها على الأحداث المعاصرة مثلا تبين بما لا مجال للشك فيه بأن الغرب بفلسفاته الاجتماعية والعلوم الإنسانية ما استطاع فك لغز ترابط الأحداث، وعوامل الصراع السياسي، وذلك لإعراضهم عن سنن الله القرآنية.
وللمس واقعية القرآن نفحص مجال رد الله جل جلاله لدعاء أنبيائه:

لماذا رد الله دعاء الأنبياء عليهم السلام ؟

لما كان الكلام منصبا على عدالة الله في سننه القرآنية وواقعيتها ؛ تطل أسئلة برأسها من شرفة هذا البنيان المتراص : لماذا رد الله دعاء الأنبياء عليهم السلام وهم أطهر الخلق وأزكاهم عند الله ؟

أ- مع دعاء سيدنا إبراهيم عليه السلام :
طلب سيدنا إبراهيم عليه السلام الله جل جلاله أن يخص الذي آمنوا من أهل مكة بالرزق، فأبى جل جلاله أن يكون في نظامه حيف, حيث سيكون أجبر الناس على الإيمان من أجل الرزق. ومن شأن إجابة الدعاء عدم الإخلال بقوانين الكون, وكلمات الله لا يجاوزهن بر ولا فاجر ولا تبديل لها إنها عهود الله والله لا يخلف وعده :
(((وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ))) البقرة : 126.
أبى الجليل جل جلاله أن يكون حيف في قانونه يخلف به وعده، فقال عز من قائل ((( قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ))) البقرة : 126. وخص الله مكة بأن تجبي إليها ثمرات كل شيء وبقي الأمر إلى أن جاء المصطفى صلى الله عليه وسلم وأتم الله دعوة نبيه إبراهيم, و حرم دخولها على الكافر، و لم تبدل كلمات الله ولم يحدث في سننه تغييرا, بل اختصت مكة بفضل الله والله يختص برحمته من يشاء وما يشاء.

ب - مع سيدنا موسى عليه السلام:
ويخاطب الجليل سبحانه وتعالى سيدنا موسى عليه السلام :
((( وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنْ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِي وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِي قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ))) الشعراء : 10-17.
رفض أيضا طلب سيدنا موسى عليه السلام, لكونه أيضا مخالفا لعهد الله : إذ أوحى الله جل جلاله إلى أم موسى : ((( أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ))) القصص : 7.

ج - مع سيدنا محمد صل1 :
ويشفق سيدنا محمد صل1, على عمه, ويدعوه بالإلحاح للنطق بكلمة التوحيد, ويجهد الرسولr في هداية عمه ويموت عمه على الكفر ويأتي التوجيه الرباني.
‏ ((( إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)))- القصص : 56
إنها رغبة عارمة وعازمة من حبيب الله r لهداية عمه (انظر القصة برمتها في سيرة ابن هشام , 2/26 وما بعدها)؛.لكن سنن الله اقتضت أن لا يخلف الله وعده, وقد وعد جل وعلا :
((( فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ))) النحل : 37.
و لقد كان عمه من رؤساء قريش الضالين المضلين رغم ما خص النبي صلى الله عليه وسلم من عطف و حنان ورحمة كانت كلها بدافع القرابة والدم, لا بدافع الحب في الله والبغض فيه.

وغي مثال آخر عن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
فيما يرؤيه ثَوْبَانَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ :" … [وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي أَنْ لَا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ وَأَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ وَإِنَّ رَبِّي قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ وَأَنْ لَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ وَلَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا أَوْ قَالَ مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا]"..(صحيح مسلم بشرح النووي ج18/11 كناب الفتن و أشراط الساعة باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض)
- وعن بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  أَقْبَلَ ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ الْعَالِيَةِ حَتَّى إِذَا مَرَّ بِمَسْجِدِ بَنِي مُعَاوِيَةَ دَخَلَ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ وَصَلَّيْنَا مَعَهُ وَدَعَا رَبَّهُ طَوِيلًا ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْنَا فَقَال [ : " سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثًا فَأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ ِ فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا] "( - أخرجه مسلم كتاب الفتن و أشراط الساعة, باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض, حديث رقم : 2890.).
يتبين لنا من خلال هذين الحديثين أن الله جل وعلا لم يخلف وعده الذي ورد في قوله تعالى :
(((وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا))) النساء : 141
إلا إذا كان بعض المؤمنين يهلك بعضا وبعضهم يسبي بعضا فإن سنن الله لا تتخلف إذ وعد سبحانه وتعالى بأن ينتقم من المجرمين وأن يولي بعض الظالمين بعضا. إذ يقول سبحانه وتعالى :
(((إِنَّا مِنْ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُون))) السجدة : 22.
(((وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ))) الأنعام : 129.
(((وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُون))) القصص : 59.
فلا غرابة إن رد جل وعلا دعاء نبينا محمدصل1 أن لا يجعل بأس الأمة بينها لتعارض الدعاء مع السنن الإلهية في قوله تعالى :
((( وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا))) الفرقان : 20.
واستجاب الله جل وعلا دعاء النبي  بأن لا يهلك الأمة بسنة عامة وبالغرق بأنه لا يمكن أن تجتمع الأمة عامة على ضلالة وإلا ضاع الدين، والدين باق إلى يوم القيامة لوعده عز وجل :
(((وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ))) الحج : 55.
أما الهلاك الجزئي فلا يمكن نفيه لوعده عز وجل :
(((وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا)))الإسراء : 58.
إنها بخلاصة عدالة الله في سننه الكونية التي لا تحابي أحدا, فلا مجال للمحاباة ولن تجد لسنة الله تبديلا حتى ولو كان المعترض حبيب الله وصفيه محمد بن عبد الله صل1 أو أي رسول أو نبي فبالأحرى من دونهم.

7- الوسطية :
جعل الله سبحانه وتعالى الأمة الإسلامية أمة وسطا، والوسطية نقطة بين نقيضين مذمومين : فالبخل مذموم مثلا وعكسه الإسراف وهو مذموم أيضا، والإنفاق من غير تقتير ولا إسراف مطلوب شرعا.
(((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً )))[البقرة : 143]
وكل نهج خالف الوسطية برئت منه شريعة الله، ولئن غالت قريش بنكران الإله الواحد فقد غالت أيضا اليهود فقالت عزير بن الله، وغالت النصارى فقالوا المسيح بن الله.
وجاء الإسلام بالحنفية السمحة، والوسطية المعتدلة، وبالقول الفصل الذي يعلو ولا يعلى عليه.

وبهذا ننهي الكلام عن معالم الضوابط الكلية للسنن الإلهية، وننتقل إلى الخصائص الكلية للسنن الإلهية.


-
IIIالخصائص الكلية للسنن الإلهية

تعددت خصائص السنن الإلهية وتنوعت, فمنها الخصائص الذاتية ومنها الموضوعية. ويأتي الكلام عن ثلاث خصال ذاتية وثلاث موضوعية :
1- الخصائص الذاتية :
تميزت بأنها صفات مرتبطة بالسنة الإلهية ؛ إذ حيثما حلت حل الصدق والعدل وكلمة الفصل، وبتلك المواصفات كانت كلمات الله هي العليا.
أ- الصدق كلام الله :
(((قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ))) ص : 84.
(((قُلْ صَدَقَ اللَّهُ))) آل عمران : 95.
أ‌- والعدل تشريع الله :
(((وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ))) المائدة : 50.
(((إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ))) النحل : 90. (((وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ))) الشورى : 15.
فالجزاء لديه من جنس العمل، إلا فيما لا يليق بجلاله جل وعلا : (((وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ )))[الأنفال : 30] (((وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )))[الأنفال : 71]

ث- العلو والرفعة :
(((وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ))) التوبة : 40.
(((وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ))) الزخرف : 4.
د- القول الفصل :
((( إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ ))) الطارق : 13-14.

2- الخصائص الموضوعية :
أ- ثبيت الله للمؤمنين :
(((يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ))) إبراهيم : 27.
ب- الهداية :
(((إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ))) الإسراء : 9.
ث- الرحمة :
(((وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ))) الإسراء : 82.
(((وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ))) الأنعام : 54.
(((فَقَدْ جَاءكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ))) الأنعام : 157.

وهكذا طرقنا دراسة السنن الإلهية في خطوة هادفة ومستعجلة، اقتصرت على الإشارات - مراعاة لنوعية المخاطبين ؛ إذ اللبيب تغنيه الإشارة والإثارة عن العبارة.

خلاصة : إنها شريعة كلية متكاملة

تكشف لنا السنن الإلهية بألا قانون يعلوها، وكل ضابط لم تقره السنن القرآنية فهو إلى اضمحلال وزوال، وسنن الله ثوابت لا زوال لها.
كل شيء لحكمة، ولكل شيء قدْر، وكل شيء بقدر، ولكل أمة شرعة ومنهاج، وكل يجري لأجل مسمى، والقرآن جاء تبيانا وتفصيلا لكل شيء وهدى وموعظة.
تلك لمحة موجزة ونظرة خاطفة عن أفعال الله ؛ إذ أفعاله سبحانه قول، وقوله سبحانه فعل. لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه. وما يستخلص العبر والعظات إلا كل عبد منيب، أو كل صبار شكور، وليس كل من هب ودب.
فهل نسجد لله شكرا، ونقبل على السنن إقبال العبد المطيع لنتخذها نبراسا نستضيء به في حلك ظلمتنا، أم نستغني بما عندنا من العلم ونلوي ونعرض ونتبرم عن سبيل الحق ؟! وما ذلك من شيم العلماء.
(((وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ))) العنكبوت : 43.
 
بارك الله فيكم أهتم بالسنن كثيراً وأقرأ كل من تحدث عنها فهل تدلني على مراجع للإستزادة
 
بارك الله فيكم أهتم بالسنن كثيراً وأقرأ كل من تحدث عنها فهل تدلني على مراجع للإستزادة

الأستاذ بريق هدى؛
لي شخصيا سلسلة كتب بلغت لحد الساعة تسعة تحت عنوان السنن الإلهية ضوابط العلوم والمعارف، وأرشدك إلى موقعي ففيه مجموعة من الكتب للتحميل والدراسات حول الموضوع، وعنوانه في توقيعي.
 
رسالة الدكتور حسن الحميد ـ التي نال بها الدكتوراه: عنوانها: (السنن الإلهية في ضوء القرآن الكريم) ، وهي نفيسة في بابها، لكنها للأسف غير مطبوعة!
فيمكن الاطلاع على محتوياتها عن طريق فهرسها في موقع جامعة الإمام.
 
رسالة الدكتور حسن الحميد ـ التي نال بها الدكتوراه: عنوانها: (السنن الإلهية في ضوء القرآن الكريم) ، وهي نفيسة في بابها، لكنها للأسف غير مطبوعة!
فيمكن الاطلاع على محتوياتها عن طريق فهرسها في موقع جامعة الإمام.

الأستاذ عمر مقبل؛
شكر الله لك هذه الإشارة العلمية وأطلعكم أيضا بأن د. رشيد كهوس أيضا حصل على درجة الدكتوراه في رسالته تحت عنوان سنة الله في جهاد رسول الله صل1، وهذه الرسالة مطبوعة في المشرق.
وحبذا لو تم تيسير سبل الاستفادة من بحث الأستاذ عبد الحميد نظرا للأهمية وجدية الموضوع. ولو تفضلت كرما بذكر سنة مناقشة لرسالته. بارك الله فيك.
 
عنوان الرسالة: سنن الله في الامم من خلال آيات القرآن.
تاريخ المناقشة: 1414هـ.
ولا أملك سوى هذه المعلومات ، ولو وجدتها على النت، لرفعهتا.
 
لي بعض الدراسات التطبيقة على السنن مثل سنة الله في التمكين وسنة الله في غهلاك الأمم وسنة الله في القلة والكثرة ونحوها منشورة في صيد الفوائد وغيره من الملتقيات اسعد باطىلاعكم عليها
 
عودة
أعلى