بسم الله الرحمن الرحيم
فإن القرآن الكريم نزل مرتلا من عند الله ، قال الله : " ورتلناه ترتيلا " ، وأمرنا بترتيله في شخص النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " ورتل القرآن ترتيلا " ، وقد تكفل الله بحفظ كتابه من التصحيف والتحريف والزيادة والنقصان فقال : " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " فهيأ لذلك الأسباب ، وقيض لذلك الأئمة الأخيار ، والعلماء الأبرار ، فقاموا " بوضع ضوابط وقواعد تحفظ للنص القرآني صحة أصواته ودقة ألفاظه"، وذلك وفق ما تلقوه من مشايخهم ، فوصفوا ذلك وصفا دقيقا تخطى شكل الكلمة إلى حروفها بل إلى زمن هذه الأحرف وهيئة النطق بها ، لذا كان لزاما علينا حال الخلاف الرجوع إلى كلامهم ، وإثباته والعمل به ، لأن وصف العالم الذي لا يفصله عن النبي سوى عدة قرون للحرف أولى ممن يبعد تلقيه عن النبي خمسة عشر قرنا من الزمان ، لاحتمال دخول بعض التغيرات في الأخير مع طول سلسلة الإسناد ، فإذا كانت الرواية مشفوعة بنصوص هؤلاء _أعني العلماء المتقدمين _ كانت أولى في الاعتبار ، وأجدر في الأخذ بها من رواية لم تشفع بنص ولم تستند إلى أثر سوى التلقي عن المشايخ رحمهم الله
قال الإمام مكي بن طالب القيسي _رحمه الله_ : " والرواية إذا أتت بالنص في الكتب والقراءة كانت أقوى وأولى من رواية لم تنقل في كتاب ولا صحبها نص .
وما نقل بتلاوة ولم يؤيده نص كتاب فالوهم والغلط ممكن ممن نقل إذ هو بشر.
وإنما تعلق القراء بنصوص الكتب لأنه عندهم أثبت في الحفظ ، لأن الحفظ يدخله الوهم والشك . فليس رواية يصحبها النقل والنص في الكتب _من تأليف المتقدمين والمتأخرين_ مثل رواية لا يصحبها غير أن يقول ناقلها : كذلك قرأت ولا يدخل قوله بنص كتاب " رسالة في تمكين المد في: " آتى" و" آمن " و " آدم" صـ48
ونحن في هذا الموضوع سنتناول إحدى مسائل الخلاف جاعلين ما ذكره الإمام مكي رحمه الله أصلا نعتمد عليه بمعنى أننا سنرجح القول الذي استند إلى أقوال العلماء رحمهم الله ، والمسألة التي سنتناولها هي مسألة القلقلة هل تميل إلى الحركة على القول المشهور المعتبر ، أم هي ساكنة في نفسها كما زعم بعضهم .
منذ أن بدأنا في دراسة علم التجويد ونحن نعلم أن القلقلة مائلة إلى الحركة وكان هذا أمر من المسلمات لا يختلف عليه اثنان إنما كان الخلف في نوع الحركة هل تتبع ما قبلها أم تميل إلى الفتح مطلقا ، والقولان كلاهما معتبر ، ثم ظهرت في الآونة الأخيرة بعض الأقوال تزعم بأن القلقلة ساكنة في نفسها ، وهو القول الذي ذكره أحد العلماء المعاصرين ثم تمسك به بعض طلابه وبعض مؤلفي كتب التجويد ممن جعلوا عقولهم قوالب يصب فيها العلم ، فقالوا إنه هذا هو القول المعتبر الذي عليه جمهور العلماء من المتقدمين والمتأخرين والقول بأن القلقلة مائلة إلى الحركة قول مستحدث ، فقلبوا الآية وعكسوا الأمر .
ولا شك أن القول بأن القلقلة ساكنة في نفسها قول يرده العقل والنقل ، لأن أغلب نصوص العلماء
تفيد بأن القلقلة مائلة إلى الحركة ، وسننقل هنا بعض هذه النصوص ، دون ذكر تعريف للقلقلة وحروفها ومراتبها . . . الخ كما هي عادة كُتَّاب المواضيع وذلك لأجل الاختصار