القراءة المقاصدية للقرآن الكريم

إنضم
9 يوليو 2011
المشاركات
75
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
الجديدة ، المغرب
إن القرآن الكريم رسالة الله إلى العباد وهو مرتبط بمقصد هام هو تحقيق هداية البشر. لذلك لا يمكن أن يكون مُشرَعا أمام كل القراءات، ومن ثم فإنه لا يمكن أن يحتمل من القراءات إلا ما كان محققا لمقصد الوقوف على مضمون الرسالة الربانية ، والذي حدده علماء التفسير في تعريفهم للتفسير بقولهم: "علم يُبحث فيه عن القرآن الكريم من حيث دلالته على مراد الله تعالى، بقدر الطاقة البشرية " .
ويستفاد من ذلك أن قراءة القرآن يجب أن تكون قراءة مقاصدية لأننا لا نقرأ القرآن من أجل القراءة كما لا يمكن أن نجعله مفتوحا أمام أية قراءة ،لأن الهدف سيضيع منا ألا وهو تعبيد الحياة - كلِّ الحياة - لله رب العالمين.
ومن هنا فالإنسان يقرأ القرآن بهدف معرفة الرسالة الربانية، ليحقق التواصل بينه وبين الله تعالى، عن طريق معرفة الأوامر و النواهي الإلهية ، فيعمل على التزامها وتطبيقها في الحياة، ليسعد في الدنيا بحياة آمنة مطمئنة، وليفوز برضا الله تعالى في الآخرة: ﴿ وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة و لا تنس نصيبك من الدنيا و أحسن كما أحسن الله إليك و لا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين ﴾ القصص / 77
ومن هنا فالقراءة المشروعة للقرآن الكريم هي القراءة المقاصدية التي تهدف إلى معرفة مراد الله تعالى من خطابه ، وإحالته إلى واقع عملي كما كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم عندما كان يعمل على تحويل تعاليم السماء إلى واقع معيش، حتى وصفته السيدة عائشة - رضي الله عنها - بأنه كان قرآنا يمشي على الأرض، كما وُصف صلى الله عليه وسلم بأن خُلقه القرآن (صحيح مسلم :باب صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض ، ج 2 رقم الحديث 133 ) ، وأنه صلى الله عليه وسلمكان يتأول القرآن (صحيح مسلم : كتاب الصلاة ، باب ما يُقال في الركوع و السجود ، ج 2 رقم الحديث 189 ) أي أنه صلى الله عليه وسلم كان يعمل على تنزيل القرآن على الواقع.
إن لهذه القراءة المقاصدية مستويات متعددة، يجسدها تراثنا التفسيري المنضبط بآداب وشروط المفسر، أي بأخلاقيات العالم المتصف بالإخلاص والصدق، وطهارة النفس وقوة البيان. لا يرغب مفسر القرآن إلا فيما عند الله ، ولا يخاف إلا الله جل وعلا ، رجل فاضل ندب نفسه لخدمة القرآن و تمثَّلت فيه هذه الشروط الذاتية – السالفة الذكر - التي اصطلح عليها علماؤنا القدماء بآداب العالم - و التي نصطلح عليها اليوم بأخلاقيات العالم – كما تَجَسَّدت في المفسر شروط معرفية يمكن تقسيمها إلى قسمين:
- قواعد التفسير: وهي شروط علمية محضة هدفها تأهيل العالم لخوض غمار تفسير القرآن الكريم.
- أصول التفسير: وهي شروط منهجية هدفها عصمة المفسر من الوقوع في الخطأ.
فكلُّ ما تَفَلَّتَ من القراءات من هذه الشروط الذاتية والمعرفية فهو مُجافٍ للصواب بقدر تَفَلُّتِه منها.
و الموقف نفسه يمكن اتخاذه ممن يريدون مقاربة القرآن الكريم بمناهج لا تراعي خصوصياته، ولا تحفظ له فرادته وتميزه عن معهود كتابات البشر. ومن هنا لا يمكن أن نقبل أن تكون القراءة إعادة كتابة للنص، أو ما يمكن الاصطلاح عليه بإعادة إنتاج النص، بحيث نجعل من النص فاقدا للمعنى، و كل قارئ يُضَمِّنه معنى خاصا به .
إن القراءة بهذا المعنى ستكون مجافية للحقيقة التي يقرها الواقع، فلا يمكن أن نتصور نصا كتبه صاحبه دون أن يُودِعه معنى محددا . فيمكن لقارئ نصٍ ما أن يختار معنىً غير الذي قصده صاحب النص، فيُودِعه معنى آخر، ولكنه ساعتها لن يكون قارئا لهذا النص بقدر ما سيكون قارئا لأفكاره ومعتقداته وقيمه ومواقفه في ثنايا هذا النـص.
لذلك كان علماء التفسير حريصين على تدوين أسباب النزول وملابسـاته و السياق اللغوي وغير اللغوي للقرآن الكريم الذي يمثل الواقع الذي نزل فيه القرآن الكريم - أي الظروف السياسية والاقتصادية، والاجتماعية والفكرية المواكبة لنزول القرآن الكريم -لأن عدم استحضار هذه الأمور قد يُوقِعُنا في مزالق تفسيرية حيث سنضل الطريق المفضي إلى مراد الله تعالى من خطابه ، مثلما حدث للكثيرين .
و بالإضافة إلى استحضار قارئ القرآن للأمور السابقة لا بد أن يستحضر كذلك واقع المتَلَقِّين للقرآن الكريم و هي البشرية جمعاء ، وهذا هو سبب تعدد التفاسير لأن القرآن الكريم نزل ليتعبد به الناس في كل زمان ومكان ، وما دامت ظروف الناس ليست بالضرورة واحدة - بل الواقع يؤكد تمايزها واختلافها في أشــياء وكذلك اتفاقها في أشياء أخرى - فإن هذا يستدعي الحديث عن الثابت والمتطور في التفسير، وعن تطور التفسير، بمعنى رصد اختلاف المعاني المستفادة من القرآن الكريم مع تعاقب الأزمنة.
وهذا الذي يجعلنا أيضا نُصِر على ضرورة مراعاة واقع المفسر، حتى نتمكن من إدراك خصوصيات الزمان والمكان، وما واكبهما من فهوم مختلفة عما سبقها، ولكنها مناسبة لزمانها ومكانها.
وقد مكننا الربط بين تفسير القرآن الكريم، والواقع الذي أُنتج فيه هذا التفسير من التوصل إلى أن التفسير ليس ترفا فكريا بقدر ما هو مشروع حضاري، يتوخى تنزيل القرآن الكريم على الواقع، بغية تثبيته وتزكيته إذا كان موافقا للشرع، أوالعمل على تعديله وتقويمه لينسجم مع مقتضيات الشرع الحكيم، إذا كان مخالفا له . ومن ثم تعبيد الحياة -كل الحياة - لله رب العالمين.
من كل ما سبق يتبين لنا أن قراءة القرآن الكريم تأخذ أبعادا ثلاثا وكلها عبادةٌ بنـص القرآن الكريم:
1 - التلاوة: أي قراءة القرآن الكريم من المصحف، أو عن ظهر قلب، أو الاستماع إليه يقول جل جلاله: { فاقرأوا ما تيسر منه } المزمل / 20
2 - التدبر: أي إعمال الفكر والنظر في آي الذكر الحكيم بغية استنباط مراد الله تعالى، يقول سبحانه وتعالى :{أفلا يتدبرون القرآن و لو مكان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا كثيرا } النساء / 82
3 - التطبيق: أي تنزيل النص القرآني على الواقع، وفق ما وعاه الإنسان المؤمن العالم عن ربه ، يقول عز وجل : { لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه و قرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه } القيامة / 16 إلى 19
فصلاح الإنسان في الدنيا و الآخرة يقتضي اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والنزول عند أمر الله تبارك وتعالى : { و ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا و اتقوا الله إن الله شديد العقاب }الحشر /7
 
الدكتورة الفاضلة أنا من المتابعات لمشاركاتك القيمة في هذا الملتقى إلا أن هذه المشاركة استوقفتني وقد كنت تساءلت في الملتقى من قبل عن استخدام مصطلح (قراءة)رديفاً لمصطلح (التفسير أو التأويل) وبما أنك دكتورة لغة عربية فأنت أولى من أوجه له السؤال وقد استخدمت في مشاركتك مصطلح( القراءة المقاصديةبدل التفسير المقاصدي)وإليك أسئلتي وولا مانع إن كانت كثيرة أن تجيبيها على التراخي :
-مصطلح (قراءة )اصطلح عليه الحداثيون لوضع النص تحت سلطة قارئه فكل قراءة هي إعادة إنتاج للمعنى وأنت كما فهمت من مشاركتك ترفضين أن يخضع النص لسلطة قارئه ألا تعتقدين أن في استخدام المصطلح ورفض الفلسفة التي أنتجته نوع من التناقض؟
-هل تحتمل اللغة العربية أن يستخدم مصطلح القراءة بمعنى التفسير ؟
-ذكرت مستويات للتفسير المقاصدي ولم أجد هذه المستويات في مشاركتك فليتك تذكريها لنا وأنا حقيقة من المهتمات بالتفسير المقاصدي ؟
-فرقت بين قواعد التفسير وأصول التفسير وحسب ما فهمت أن قواعد التفسير هي الشروط العلمية وهي ما أعرفه أنا بقواعد التفسير إلا أني لم أفهم ما معنى أن أصول التفسير هي شروط منهجية؟ ليتك تزيدين الأمر وضوحاً بإيراد بعض الشروط المنهجية لا سيما أن قضية الاهتمام بالمنهج من القضايا الحديثة .
-بالرغم من رفضك لسلطة القارئ على النص أرجعت اختلاف المفسرين للواقع وهذا كلام فيه تناقض ولا يخلومن التعميم
وللدكتورة رقية العلواني كتاب قيم اسمه(أثر العرف في تفسير النصوص) وما أميل إليه هنا أن الاختلاف بين المفسرين هواختلاف في إنزال النصوص على الواقع لا في فهم النصوص بمعنى أن الاختلاف في التطبيق لا في التنظير والفصل والدليل في هذه القضية للتفسير المقارن .
-استوقفني كذلك قولك :من كل ما سبق يتبين لنا أن قراءة القرآن الكريم تأخذ أبعادا ثلاثا وكلها عبادةٌ بنـص القرآن الكريم وهذا يعني أنك في بداية المشاركة كان مصطلح قراءة يعني(التفسير أو التأويل )وفي نهاية المشاركة حمل مصطلح (قراءة )معنى أوسع وهو القراءة التي نعرفها والتدبر والتطبيق فهل هذا توسع تقبله اللغة ؟وجزاك الله خيراً
 
الأخت الفاضلة سهاد قنبر
ـــــ إن السياق الذي تمت فيه مقاربة القراءة المقاصدية هو سياق الرد على الحداثيين في زعمهم أن القراءة العلمية للقرآن الكريم هي "القراءة المطلقة " فهي في نظرهم القراءة العلمية و الموضوعية التي يجب تبنيها .
ـــــ إن المرَكَّب الوصفي الذي استعملتُه وهو " القراءة المقاصدية " هو مصطلح واحد لايمكن تجزيئه إلى : قراءة + مقصد لأنه سيفقد بهذا التجزيء قيمته العلمية ، فلا بد من فهمه كمصطلح واحد مُعادل و مُرادف لمصطلح " تفسير " . فلا علاقة للقراءة المقاصدية بالتفسير المقاصدي ـــ كما زعمتِ ــــ وحتى يتضح لك الأمر فإن التفسير المقاصدي ليس مصطلحا بقدر ما هو منهج تفسيري يحاول الاستناد إلى مقاصد الشريعة الإسلامية ، بينما القراءة المقاصدية مصطلح يَعتبر أن القراءة العلمية و الموضوعية الخطاب القرآني هي القراءة المرتبطة بمقصد العبودية لله عز و جل باعتبار القرآن الكريم رسالة ربانية تتضمن الأوامر و النواهي التي يجب على الإنسان الالتزام بها . فاستعمالي لمصطلح " القراءة المقاصدية " هو من باب كلامهم باللغة التي يفهمونها ، فكيف أستخدم مصطلح " تفسير " وهم لا يؤمنون به بل لا يؤمنون حتى بقداسة القرآن الكريم الذي يُفَسَّر ؟.
ـــــ أما عن مسألة التفريق بين القواعد و الأصول فهذا اجتهادٌ مني خلافاً لما هو موجود و شائع في أدبيات التفسير حيث لا يفرّقون بينهما ، فيوردون القواعد بمعنى الأصول ، في حين أن قواعد التفسير هي القواعد التي يُبنى عليها التفسير أي العلوم التي يقوم عليها علم التفسير و التي لا بد من تَوَفُّرها في المفسر . أما الأصول فهي ما يمكن الرجوع إليه لتحديد وجهة المفسر وبالتالي عِصمته من الخطأ في التفسير ، و هذه الأصول قسمان :
* أصول توقيفية وهي ما كان مصدره القرآن الكريم و صحيح السنة النبوية . وهذه الأصول مُلزمة للمفسر .
* و أصول اجتهادية يرجع إليها المفسر للاستئناس .
ــــ أظن أنه ليس هناك أي تناقض في كلامي ، فالاختلاف في التفسير ليس مَرَدُّه للواقع فقط ، بل يرجع إلى أمرين :اختلاف المتلَقّين ، و اختلاف ظروف التَّلَقّي ( أي الواقع )
إن أي نص لا بد أن يُنظر إليه من هاتين الزاويتين فليس كل المُتَلَقين متساوين في التكوين الثقافي و في الميولات النفسية و...و ...وهنا لا بد من استحضار البُعد التداوُلي و أهميته في ضبط دلالة و معنى النص الذي ليس أمرا هينا . فالمعنى تتضح صعوبته و تعقيده في ارتباطه بصاحب النص أولا و بالنص ذاته ثانيا و بالمتلقي ثالثا ، فلا بد ـــ لكي نضبط دلالةَ نص ما ــــ أن نعود لظروف و زمن إنتاج النص ، و لزمن النص ، و لزمن التلقي .
إن المتلقي هو الذي يقوم بتحيين النص ، هل مقصدُه هو المتعة الفنية ؟ أم غرضُه فهم مراد المتكلم ؟ و الناس ـــ طبعا ـــ ليسوا سواسية في الفهم .
ــــ و أخيرا إن هدفي من مصطلح القراءة المقاصدية ليس هو إلغاء دور القارئ ـــ كما فهمتِ ـــ و إنما تقييدُ حرية القارئ و ضبطُه و تفعيلُ حريته في اتجاه مقصد واحد وهو معرفة مراد الله سبحانه و تعالى من خطابه له .
و دمتِ في طاعة الله .
 
-شكر الله لك الدكتورة خديجة هذه التوضيحات ولا شك أن مخاطبة القوم بلغتهم ومصطلحاتهم في موقع ردود شبهاتهم منهج معتبر ومعتمد وهو منهج قرآني ،ولا زال سؤالي قائماً هل يصح لغة استخدام مصطلح (قراءة )بدل مصطلح(الوصول للمعنى أو التأويل) في غير موضع ردود الشبهات ؟
-لازال الفرق بين قواعد التفسير وأصولها غير واضح في ذهني ،فما ذكرته عن الأصول التوقيفية هي جزء من قواعد التفسير عندأهل التفسير،فإن استطعت أكرمك الله أن تعطيني مثالاً عن الأصول الاجتهادية التي يرجع لها المفسر ليستانس بها أكون لك من الشاكرين .
-بالرغم من أن الأصوليين تحدثوا عن معهود العرب ودوره في ضبط الدلالة ،وعن المقام ودوره في فهم الدلالة إلا أنني أتحفظ على( زمن إنتاج النص)إلا إذا كان هذا أيضاً من باب مخاطبة أهل الشبهات بلغتهم ومصطلحاتهم ،ولو قلنا زمن نزول النص لكان أجدر فالنص ليس منتجاً تاريخياً فهو كلام الله وخارج الزمان والمكان،ولا يوجد ظروف أنتجته .بل أنزله الله بحكمته مفرقاً متزامناً مع حوادث وأسباب وفي سياق زماني اشتدت فيه الحاجة للهدي الرباني ليأتي الامتثال في أكمل وجه .
-الدكتورة الفاضلة استخدمت مصطلحات ثلاث ولا أدري هل استخدمتها كمترادفات أم أنها تعني أمور ثلاثة لم أفهمها(زمن إنتاج النص)(زمن النص)(زمن التلقي)؟
 
الموقف نفسه يمكن اتخاذه ممن يريدون مقاربة القرآن الكريم بمناهج لا تراعي خصوصياته، ولا تحفظ له فرادته وتميزه عن معهود كتابات البشر. ومن هنا لا يمكن أن نقبل أن تكون القراءة إعادة كتابة للنص، أو ما يمكن الاصطلاح عليه بإعادة إنتاج النص، بحيث نجعل من النص فاقدا للمعنى، و كل قارئ يُضَمِّنه معنى خاصا به .
إن القراءة بهذا المعنى ستكون مجافية للحقيقة التي يقرها الواقع، فلا يمكن أن نتصور نصا كتبه صاحبه دون أن يُودِعه معنى محددا . فيمكن لقارئ نصٍ ما أن يختار معنىً غير الذي قصده صاحب النص، فيُودِعه معنى آخر، ولكنه ساعتها لن يكون قارئا لهذا النص بقدر ما سيكون قارئا لأفكاره ومعتقداته وقيمه ومواقفه في ثنايا هذا النـص.

جزاكم الله خيرا دكتورة خديجة
فهذا النص الجامع فيه رد على فكر د. جابر عصفور، وتلميذه نصر حامد ابو زيد عن النصوص الأدبية والنصوص الدينية التي يسمون كلها منها أي الديني والدنيوي " نصا".
ومسألة إعادة إنتاج النص، هي من مسائلهم ومصطلحاتهم
 
الأخت الفاضلة سهاد قنبر
قبل أن أجيبك على تساؤلاتك أريد أن أنبه على مسألة هامة و هي أن مما يوقعنا في اللَّبس هو أننا في كثير من الأحيان لا نقرأ ما هو مكتوب بل نُسقط عليه ما نعتقده ، فنقرأ أفكارنا في النص لا الأفكار المبثوثة فيه ، لذلك لا بد من حُسنُ قراءة ما يُكتب خاصة أنك قَوَّلتِني أموراً لم أَقُلْها و الدليل على ذلك هذا المقطعُ من كلامي السابق :(( إن أي نص لا بد أن يُنظر إليه من هاتين الزاويتين فليس كل المُتَلَقين متساوين في التكوين الثقافي و في الميولات النفسية و...و ...وهنا لا بد من استحضار البُعد التداوُلي و أهميته في ضبط دلالة و معنى النص الذي ليس أمرا هينا . فالمعنى تتضح صعوبته و تعقيده في ارتباطه بصاحب النص أولا و بالنص ذاته ثانيا و بالمتلقي ثالثا ، فلا بد ـــ لكي نضبط دلالةَ نص ما ــــ أن نعود لظروف و زمن إنتاج النص ، و لزمن النص ، و لزمن التلقي .
إن المتلقي هو الذي يقوم بتحيين النص ، هل مقصدُه هو المتعة الفنية ؟ أم غرضُه فهم مراد المتكلم ؟ و الناس ـــ طبعا ـــ ليسوا سواسية في الفهم .))
فأنا لا أتحدث هنا عن النص القرآني و إنما عن النص بشكل عام لذلك لم أُتْبع كلمة "نص " بوصف " قرآني " لأن الحديث ليس عن القرآن الكريم .
أما عن مصطلح " القراءة " فقد كررتُ بأن استعماله متعلق بسياق الرد على الحداثيين ، أما ما عدا ذلك فلا يمكن أن نستخدمه لأن القرآن الكريم له خصوصية لابد أن نحترمها و نستعمل مصطلحات خاصة به ككتاب مقدس ، و لا أدل على ذلك من أن علماءنا تحدثوا عن مصطلحات مثل الروي و القافية في الشعر و لكنهم خَصّوا القرآن الكريم بمصطلح معادل وهو " الفاصلة " وهومصطلح خاص بالقرآن دون سواه ، كما أننا نتحدث عن الواقع الثقافي في النصوص بصفة عامة ، ولكننا نستعمل مصطلح " أسباب النزول و ملابسات النزول " حين الحديث عن كتاب الله تعالى .
بالنسبة للأصول الاجتهادية للتفسير فهي تفسير القرآن بالقرآن ، و تفسير القرآن بالسنة ، وتفسير القرآن بأقوال الصحابة ، و تفسير القرآن بأقوال التابعين . فهذه كلها أصول اجتهادية إلا ما كان تفسيراً مباشرا من الله سبحانه و تعالى ، أو من الرسول صلى الله عليه و سلم ، فهذا ليست فيه واسطة الإنسان ( المفسر ) و لذلك يُعتبر مصدراً توقيفيا . فحين يقوم المفسر بتفسير القرآن يصبح المصدر توقيفيا ( الوحي ) ولكن الأداة المُوَظَّفة فيه اجتهادية ( إعمال العقل و النظر ) ، فلا بد من التفريق هنا بين المصدر و الأداة الموظفة فيه .
و أخيرا ليست المصطلحات الثلاث :زمن إنتاج النص / زمن النص / زمن التَّلقي مترادفة ، فلكل واحد منها دلالته الخاصة ، و لكي تُفهم لابد أن يكون الإنسان مطلعا على مناهج تحليل الخطاب ، وتبسيطا للأمر فزمن إنتاج النص ـــ أقول النص وليس النص القرآني ــــ هي الظروف التي أُنتِج فيها النص ، و نقصد بها الواقع الثقافي المواكب لإنتاج النص . و زمن النص ـــ أقول كذلك النص و ليس النص القرآني ـــ هو النص في حد ذاته أي العناصر اللغوية الشكلية المعروفة من صوت و صَرْف و تركيب ( نحو ) و معجم و سياق لغوي بدون مقام . أما زمن التَّلَقَي فهو الواقع الثقافي الذي يُتَلَقَّى فيه النص ـــ أقول هنا أيضا النص و ليس النص القرآني ــــ أي الظروف النفسية و الاجتماعية و الفكرية و السياسية ، و يمكن إجمالُها في " الثقافة " بالمفهوم الأنتروبولوجي .
و إذا عُدنا إلى القرآن الكريم سنجد أن له أسبابَ و ملابساتِ نزول ، وله كذلك أسباب تنزيل ( أي تنزيله على الواقع ) لذلك قال علماؤنا القدماء : " العبرة بعموم النص لا بخصوص السبب " علماً منهم بأن هناك أسباب و ملابسات نزول ، و أسباب تنزيل للقرآن الكريم . فإذا لم نَتَبَنَّ مفهوم علمائنا هذا وقعنا في تاريخانية القرآن التي يقول بها الحداثيون بجعلهم القرآن الكريم رَهينَ ظروف النزول ، حيث يدَّعون أن للقرآن ظروف نزول مخالفة للواقع المَعيش و بالتالي يجب تَكييفُه مع الواقع فيصبح القرآن تابعاً للواقع ، لأنه مرتبط بفترة و بظروف و بتاريخ معين فلا يمكن أن نقوم بتنزيله على واقعنا و ظروفنا نحن ــــ حسب زعمهم ـــ و هذا خلاف ما هو مُقرَّر عند أهل السنة و الجماعة من جعل القرآن مُهَيْمنا على الواقع استنادا لقاعدة :" جعل القرآن أميراً يُقتَدى و يُتَّبع على كل حال "
إن النص القرآني إما أن يكون تابعاً للواقع ( وهذا زَعْم الحداثيين ) ، و إما أن يكون الواقع تابعاً له ، وهو منهج أهل السنة و الجماعة و هذا هو ما قصدتُه من خلال مقالي حول القراءة المقاصدية .
 
جزاك الله خيراً ،وأنا أستميحك عذراً في ظني أن ما قصدته بالنص هو النص القرآني ،فأنا بحكم تخصصي وتخصص الملتقى انصرف ذهني على أن كلمة النص عنيت بها النص القرآني ،وقد أجبت مشكورة عن الكثير من تساؤلاتي.
 
بارك الله فيك د.خديجة على طرحك العلمي .
وهنا أسجل إعجابي بالنقاش العلمي بين الدكتورة خديجة والأستاذة سهاد فإن فيه تحريراً لمسائل علمية هامة مع حسن الأدب في الحوار فبارك الله فيكما، وهكذا ليكن ملتقانا بالنقاش العلمي الهادف مع حسن الأدب في الاختلاف .
 
الأخت الفاضلة سهاد قنبر
ـــــ إن السياق الذي تمت فيه مقاربة القراءة المقاصدية هو سياق الرد على الحداثيين في زعمهم أن القراءة العلمية للقرآن الكريم هي "القراءة المطلقة " فهي في نظرهم القراءة العلمية و الموضوعية التي يجب تبنيها .

أود التنبيه على أن كثيراً من الحداثيين العرب يدّعون أنهم حداثيين وهم في الحقيقة يتبنون كثيراً من مواقف وأفكار رموز ما بعد الحداثة مثل جاك ديريدا أو غيره من المنتسبين للمدرسة التفكيكية. ولذلك يجد الباحث كثيراً من التناقضات بين الشعارات التي يدّعي أولئك العرب الإنتماء إليها وممارساتهم الفكرية. أقول هذا لأنك أختي خديجة إن كنت تقصدين بالحداثيين التعميم - أي كل الحداثيين - فهذا غير صحيح، والسبب، بالإضافة لما ذكرتُ أعلاه، هو أن هناك إشكالات كثيرة حول تحرير مصطلح الحداثة وتمييز مضامينه تمييزاً واضحاً عن مضامين مصطلح ما بعد الحداثة، حتى أن بعض النقاد يرى أن ما يُسمى بــ "حقبة ما بعد الحداثة" اصطلاحاً سابق لأوانه. اللهم إلا إن كنتِ تقصدين أن السمة الطاغية على مدرسة الحداثة في صورتها المثالية - أي نسختها النظرية التي شيدتها أدبيات القرنين المنصرمين - هو الغلو في المطالبة بالموضوعية وتحييد دور الخبرة البشرية الشخصية فهذا صحيح، وإن كان هذا أيضاً مستحيل في الواقع، والأدلة والشواهد على ذلك كثيرة.
أخوكم.
 
أود التنبيه على أن كثيراً من الحداثيين العرب يدّعون أنهم حداثيين وهم في الحقيقة يتبنون كثيراً من مواقف وأفكار رموز ما بعد الحداثة مثل جاك ديريدا أو غيره من المنتسبين للمدرسة التفكيكية. .
إن مصطلح الحداثة مصطلح عصي على التحديد المصطلحي وتعد أفضل طريقة للتعرف عليه هي تعريفه تعريفاً وصفياً إجرائياً ،وإذا كانت الحداثة في الغرب هي مشروعه الفكري الذي تبناه في طريقه إلى الإلحاد والتخلص من دينه المحرف يصبح الفصل بين الفلسفات التي ساعدت الغرب في الوصول إلى هدفه فصلاً شكلياً لا قيمة له وهذا هو جوهر الخلاف بين المدرسة الفرانكفوتية الألمانية والمدرسة الفرنسية ،والقارئ في الفكر الغربي يجد أن المشروع الفكري الغربي بالرغم من تشابكه هدفه واحد ولهذا يعد الفصل بين الحداثة وما بعد الحداثة قضية شكلية بالنسبة للعالم الإسلامي لا قيمة لها فالفرق بين المصطلحين كالفرق بين الماركسية والتفكيكية كلها مذاهب إلحادية ،أما بالنسبة للحداثيين العرب فقد خلطوا بطريقة طفولية فلسفات الحداثة مع فلسفات ما بعد الحداثة بالرغم من عدم إمكان الخلط للتناقض بين هذه الفلسفات وعولوا في هذا على جهل القارئ العربي ولهذا من الصعب أن نطلق عليهم مصطلحاً واحداً،وقد تراوحت تسميتهم من خلال ما قرأت بين الحداثيين ،العلمانيين الجدد،الماركسيين الجدد،وغيرها..، ولو جاز لي الاجتهاد لأطلقت عليهم مصطلح (المستغربون )لشدة تبعيتهم للغرب .
 
أود تسجيل إعجابي بهذه المشاركة المتميزة من د. خديجة, وما تبعها من نقاش علمي راقٍ, يُعَد من المناذج الرائعة في النقاش العلمي الهادف, كما ذكر أخي د. حاتم القرشي,فشكر الله لكل من شارك في هذا الموضوع وأثراه بفوائد واستفسارات نافعة, وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه ورزقنا جميعا العلم النافع والعمل الصالح والفقه في الدين, والإخلاص في القول والعمل.
 
منطلق هذا النقاش عنوان وضعته الدكتورة خديجة إيكر جزاها الله خيرا، جاء فيه: "القراءة المقاصدية للقرآن الكريم"، أعقب هذا العنوان " تأصيل" وتحليل لمدلول هذه القراءة، وكلام عن ضوابطها وأسسها المنهجية ومنطلقاتها الأولية المقيدة لفم من تصدوا لـ"صناعة التفسير" وهذا كله لرد مزاعم وافتراءات وأباطيل أصحاب "القراءة الأخرى" إذا صح تسميتها بالقراءة، وهي في حقيقتها سموم لايكتشفها إلا المتخصصون والنقاد المتمرسون و طعون خفية للنيل من الإسلام بصفة عامة ومن القرآن والسنة بصفة خاصة.
تساؤلات الأخت الفاضلة سهاد قنبر في مجملها مشروعة وفي محلها، وكان بالإمكان الاستغناء عن الإجابة عليها(حفاظا على الجهد العقلي والفكرى للدكتورة خديجة) باختيار الألفاظ والعبارات المناسبة التي يفهما المتلقي، القارئ لمثل هذه المشاركات، فالمقام مقام حديث عن القرآن؛ وضبط الألفاظ والمصطلحات يجعل القارئ المتخصص وغيره يفهم ويستوعب بسرعة تعفي الكاتب من السؤال ومن الإجابة عليه، ويجعله يأخذ ما يقرأ بسرعة كذلك، أو يتركه إذا تبين له أنه عديم الفائدة.
فهذه العبارة "... وإحالته إلى واقع عملي..." غير دقيقة وغير منسجمة مع ما قبلها ومع ما بعدها مهما كان المعنى الذي أعطيناه لكلمة الإحالة.
وهذه العبارة "تعاليم السماء" غير دقيقة كذلك ولا يمكن القبول بها، إذ كيف يمكن أن تكون للسماء تعاليم؟ وهي من خلق الله جل جلاله ومن صنعه. هذا مع العلم أن لله الأسماء الحسني (إذا كان المقصود التعبير عن الذات الإلهية) وعرف سبحانه بنفسه في كتابه، وأسماؤه غزيرة لا تعد ولا تحصى، فالتعبير عن الذات الإلهية يكون بما سمى الله تعالى به نفسه. وإذا كان المقصود "أوامر الله ونواهيه" التي جاء بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فالتعبير عن ذلك يكون بالألفاظ والعبارات المناسبة، وهي كثيرة.
فلم أقف على هذه العبارة "تعاليم السماء" لا في كتب اللغة ولا في غيرها، إنما سمعتها من أستاذ شيوعي/ماركسي درست عنده في الباكلوريا سنة 1987م.
قد تقول الأخت الفاضلة إنها تستعمل بعض الألفاظ لإفهام الحداثيين والتحاور معهم بلغتهم التي يفهمونها؛ هذا الأمر قد يكون مجديا إذا كان الحوار مباشرا أو في مؤتمر علمي أو في ندوة أو في شئ من هذا القبيل، أما في مثل هذه المواقع فلا أرى أنه صائب لأن القارئ غير معروف، والمشكلة في أتباع الحداثيين الذين أغلبهم أميين لا يقرؤون ولا يسمعون بوجود ملتقى اسمه " ملتقى أهل التفسير".
نعم إن لما قالته الأخت الكريمة مناسبة (حسب ما ذكر)، هي مناسبة الرد على مزاعم الحداثيين عن الإسلام والقرآن، وهي جليلة وذات فائدة كبيرة تهدف إلى الذب عن الإسلام وأهله. ولكن في نفس الوقت علينا أن لا نشغل أنفسنا كثيرا ونسخر أجود طاقاتنا في الرد على الأموات، فيصبحوا في عداد الأحياء ومنهم، فمن مات مات، والموت آت.
كذالك "تحيين النص" يمكن أن يكون بالنسبة للمعاصر منه، فيقوم صاحبه بتحيينه بنفسه، يعني: نخله والتخلي عما بدا أنه أصبح متجاوزا أو خاطئا؛ فالتحيين وثيق الصلة بالنصوص المرتبطة بالشأن الإداري و بالمؤسسات المعاصرة، أما النص التفسيري أو الفقهي أو الأدبي وغيره من "النصوص التراثية" فلا يمكن تحيينها، إنما يمكن تحقيقها ودراستها وتوثيقها والتأكد من نسبتها إلى أصحابها والتعرض بالنقد لما جاء فيها، فلكل نص منها زمانه ورجاله، فكيف يمكن تحيين هذه النوعية من النصوص؟ إذ التحيين يعني المراجعة والغربلة للنص مما علق به من الأخطاء وجعله في متناول القارئ أو "المستغل له"؛ وهذا متعذر بالنسبة للنص القديم كيفما كان؛ نعم يمكن أن لا نأخذ به جملة فنتخلي عنه أو عن بعض ما جاء فيه من اجتهادات وأحكام، لكن تحيينه غير ممكن. هذا مع العلم أن "تحيين النص التراثي" بانتقاء ما جاء فيه من الشبهات والاجتهادات غير الصائبة أحيانا من مداخيل الذين يطعنون في الإسلام ومما ترمي إليه كتابات وآراء الحداثيين. وهنا أقدر حسن نية الدكتورة خديجة، إلا أن حسن النية هنا غير كاف، فصاحب الكلمة لايفهم إلا بكلمة مثلها لن تكون بالضرورة من جنسها، وصاحب الرأي يناقش رأي غيره.
أما عبارة "كتاب مقدس" فلم أقف على وصف القرآن بها في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عند صحابته أو عند المتقدمين أو المعاصرين ممن تعتبر آراؤهم في مجال الدرس القرآني أو عند غيرهم من المفكرين، فهذه العبارة في حدود علمي دخلت إلى لغتنا وتعابيرنا من الفكر الغربي/النصراني، رغـم أن " كتبه المقدسة" دخل عليها تحريف وتبديل. نعم قرآننا فوق رؤوسنا وحمايته بأقلامنا وأبحاثنا وألسنتنا ودمائنا واجبة علينا، إلا أن وصفه بما ذكر يبدو لي غير صائب. وأرجو الإفادة في هذا الجانب.
وعبارة "الواقع الثقافي" و"الثقافة" بمعناها الذي تتداول به مما شاع استعماله في لغتنا العربية وتحتاج إلى دراسة معجمية للتأكد من نسبتها إلى المعجم العربي الأصيل.
إن التعابير والألفاظ الوافدة "أو المولدة" أو المكتوبة بحروف عربية أو التي ترجمت من لغة الآخرين ليست كلها صائبة ولا يمكن استعمالها بمجرد ترجمتها أو سماعها أو قراءتها في كتب المترجمين والمتهافتين عليها، بل لابد من عرضها على القاموس الواسع للغة الضاد، والتأكد من سلامة استعمالها حتى لا يأخذها المتعلمون من أمثالي على أنها هي الصواب، ففي لغتنا وما يشتق من ألفاظها ما يكفي للتعبير عما نريده ونسعى إلى إيصاله للآخرين؛ فهي أوسع من كل اللغات "اللاتينية".
لذلك، فإن تحديد الألفاظ وانتقاء المصطلحات والعبارات المناسبة أثناء الكتابة وحين التواصل مع الأشخاص ومع الأمم والناس أمر ضروري، حتى يتم التخاطب والتفاهم بسهولة ويسر؛ ويتم الاستيعاب بسرعة. فاستعمال المصطلحات الفصيحة والآراء الحصيفة يكون أيسر في إيصال مرادنا إلى الحداثيين وإلى غيرهم حتى نضمن استمرار استعمال هذه الألفاظ والعبارات بمعانيها ومضامينها الصحيحة والسليمة ونضمن التعب ولو قليلا لهؤلاء المشككين فيبحثوا عنها وعن مدلولاتها، فالحرب حرب مصطلحات وكلمات وهي تبدأ كذالك. وسلاحنا مصطلحاتنا وهي فتاكة مع هؤلاء، ولنقرأ كتابات السلف والخلف لنرى هذا. وبالله التوفيق.
 
جزاك الله خيرا د/ حاتم القرشي على حسن اطلاعك و على تعليقك ، خاصة أنك أثرت مسألة النقاش العلمي الهادف ـــ و هو قليلٌ ـــ
تحيتي إليك
 
د/ عبد القادر محجوبي
الأَوْلى أن نناقش ما نعرف ، أما ما لا نعرفُه فيجب ألا نخوض فيه ، بل نسأل عنه لمعرفته .
و أرجو أن تُعيد قراءة المقال و الردود المُصاحبة له حتى تتضح لديك الرؤية . فما قُلتَه عبارة عن انطباعات عامة و إخراج للقضية الأساس عن سياقها وجُنوح إلى مناقشة قضايا جانبية لا علاقة لها بالموضوع باعتبارها شُرودا ، بدل التركيز على مناقشة القضية الأساس ألا و هي القراءة المقاصدية للقرآن الكريم ، بينما المنهج العلمي لا يُؤمِن بالانطباعات العامة و الإسقاط . و كلامك عبارة كذلك عن ادعاءات الاستقراء التام للكلمات و الألفاظ في اللغة العربية ، ومَن يَدَّعي المَسْح الكامل الشامل للفظٍ ما فهو كاذب ، لأن هذا ليس في مقدرة البشر . هذا بالإضافة إلى عدم تفريقك بين الاستعمال الاصطلاحي ـــ الذي استخدمتُه ــــ وبين الاستعمال اللغوي العام .
كما أن دعوتك إلى الإعراض عن الآخر المُخالِف تُذكِّرني بحادثة الأعرابي الذي دعا بقوله :" اللهم ارحمني و ارحم محمدا و لا ترحم معنا أحدا " مع تذكيرك أن الدعوة الإسلامية ليس معناها أن الآخر هو الذي يبحث عن الإسلام و إنما المسلم هو المُطالَب بمحاولة إقناعه بجميع الوسائل المُتاحة لديه . إن الدعوة الإسلامية دعوة عالمية مصداقا لقوله تعالى : ((و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )) . و هذا يقتضي منا ـــ كمسلمين ـــ ليس فقط فتح جسور التواصل مع الآخر و إنما السعي الحثيث إليه مع الصبر على إذايته .
وأُحب أن أُضيف إلى عِلمك أن شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابيه : (منهاج أهل السنة) ، و (درء تعارض العقل و النقل) قد واجه و أفحم الباطنية و الشيعة و الفلاسفة و أصحاب الثقافات الوافدة بصفة عامة التي كانت تبذل كل ما في وسعها للنيل من الإسلام عامة و القرآن و السنة خاصة ، فأقام عليهم الحُجَّة بأسلحتهم ـــ هُمْ ـــ وهي الفلسفة و المنطق . فاستطاع بذلك ليس فقط إفحامهم ، بل القدرة على الابتكار و الإبداع و الإضافة العلمية باكتشافه للمنهج العلمي التجريبي . و لعل رجوعك إلى كتاب د/ علي سامي النشار رحمةُ الله عليه ( مناهج البحث عند مفكري الإسلام ) يبين لك كم نحن في حاجةٍ إلى إعادة قراءة تراثنا برؤية متبصِّرة ، لأننا أصبحنا متخلِّفين جدا عن هذا التراث بأشواط و مراحل كبيرة .
كما أخبرُك أنني أدرى بجُهدي العقلي و الفكري ، و أدرى بالموضع الذي ينبغي توظيفهما فيه .
و أخيراً يُؤسفني أن يصدُر هذا الكلام و هذا "الشرود " ممن هو متخصص في الدراسات القرآنية !!!
أرجو أن تقوم بتصحيح كلمة " مداخيل " لأنها تُكتَب بدون ياء .فمداخيل جمْع مدخول ، بينما أنت تَقصد " مداخِل" جمع مَدْخَل .
 
في البداية أهنئكِ على حيازة الجائزة بـ"المركز الأول م" في المسابقة الرمضانية لأحسن مشاركة في موسمها الثاني (ملتقى أهل التفسير)، وأخبركِ أنني قرأت مقالك منذ أن وضع في الملتقى وقبل أن تأتي الردود عليه. وأخبرك كذلك أني شغوف بمعرفة الصواب وباتباع الحق مهما يكن الشخص أو الجهة التي صدر منها وعنها؛ ولست من المهوسين بالرد على من يخالفني أو على من لا يتفق معي فيما أرى، ولست أيضا ممن يتتبع عثرات الآخرين، وكذاك لست من المعجبين بآرآئهم "فمن أعجب برأيه ضل"ولـو بعد حين. وأسأل الله أن يظهر الصواب على يديك أو يد غيركِ.
تقول الدكتورة خديجة حفظها الله:" الأولى أن نناقش ما نعرف، أما ما لا نعرفه فيجب ألا نخوض فيه، بل نسأل عنه لمعرفته" والكلام موجه لعبد ربه عبد القادر؛ فمن قال لك إنني لا أعرف؟ أو إن القارئ كيفما كان لا يعرف وغير قادر على الخوض فيما تقولينَ أو فيما يقوله غيركِ؟ عجبا لك كيف سمحتِ لنفسك بإبداء رأيك؟ وعلى الآخر أن يسأل؟ من أعطاكِ حق احتكار النقاش لمثل هاته المسائل، ولم يعطيه لغيركِ؟ فهذا فهم "فرعوني" أو هو أقرب إليه، لم يعد يقول به أحد.
نزول عند طلبكِ فقد قرأت مقالك للمرة الرابعة، كما قرأت ردودك اللاحقة عليه وردود غيرك(وسجلت المزيد من الملاحظات والأخطاء التي أحتفظ بها)، والردود المصاحبة له بعضها علمي يستحق التنويه، وبعضها عاطفي لا يتجاوز الإعجاب والثناء والشكر بعبارات متفاوتة (وهذا أمر محمود يقبل به الجميع). وتبين لي أن ما قلتُهُ صوابًا أو في حكمه.
إن ردِّي على ما كتبتِ يخص بالأساس العبارات الآتية:"...وإحالته إلى واقع عملي..." مع مراعاة سياقها، و" تعاليم السماء" و" تحيين النص" و" الواقع الثقافي" و" الثقافة" و" كتاب مقدس" في وصف القرآن الكريم؛ وطلبت منكِ الإفادة في هذا الجانب ولازلت أنتظرها.
ولم تأت هذه الإفادة ولا الإجابة ولا التصحيح لما زعمتِ أنها " انطباعات عامـة" و" اسقاطات" و" شرود" و" ادعاءات "...إلخ. نعم إن المنهج العلمي لا يقبل بهذه الأمور ولا يقبل بالغموض ولا بالبيان الناقص، كما لايقبل السرعة والتسرع؛ فمن حق القراء الأعزاء أن يعرفوا وأن تبيني لهم ولي كل هذه الأشياء التي لم يراه فيما قلتُه إلا أنتِ.
أعتقد جازما أن ردَّكِ الأخير، رد جاهز وسريع مألوف، خال من العلمية المطلوبة هدفه التأثير على نفسية القاريء للقبول بما تقولينَ والضغط على "الكاتب" ليتخلى عما قاله، وهذا ألفتُ سماعه منذ زمن بعيد، وهو ليس بجديد. وسأتخلى عما قلتُهُ عندما يظهر لي الصواب.
لقد قلتُ "...لم أقف على..." وذكرتُ هذه العبارة أكثر من مرة ولم أدع "الاستقراء التام للكلمات والألفاظ في اللغة العربية..." ولا " المسح الكامل الشامل للفظ ما..." كما زعمتِ، فكلامي لا يتحمل هذا الزعم. والمنهج العلمي يقضي بإيراد ما قاله الآخرون بحروفه وعباراته لا بما فهمنا نحن، مع حقنا في التعقيب والتعليق أو الإضافة؛ فما فهمتِه شيء وما قلتُه شيئا آخر، وإن كان فعلا ما قلتُه "انطباعات عامة" و...و... فأرجو منكِ تنوير القراء الأعزاء وأنا منهم، وهذا واجب عليكِ بما أفاء الله عليك من العلم؛ وذلك حتى لايتم "...إخراج القضية الأساس عن سياقها وجُنوح إلى مناقشة قضايا جانبية..." كما جاء في كلامكِ. فإطلاق العبارات العامة والألفاظ دون التدقيق في مدلولاتها مخالف لقواعد الكتابة العلمية خصوصا عندما يتعلق الأمر بالحسم في المسائل الخلافية.
أما عن أسفك لما كتبتُه وأنا "متخصص في الدراسات القرآنية" أبحث عن الصواب فأتَّبِعُهُ وأقول به وأدعو إليه؛ فهذا الأسف لا يغير من الأمر شيئا ولا يفيد القراء الأكارم، إنما المطلوب والنافع أن توضحي وتبيني ما تدعين أنه صوابا وأن تدافعي عن رأيكِ برأي آخر وبحجج عقلية واستشهادات دامغة فتدحضي "ادعاءاتي...و....و..." وسقطاتي فيأخذ عنكِ القراء الأعزاء.
أخبركِ أن الاستعمال اللغوي للألفاظ والكلمات هو الأصل وهو الأوسع، وأن الدلالة الاصطلاحية أو الاستعمال الاصطلاحي لهذه الألفاظ فرع عنها، وهي طارئة على اللفظ؛ فتفريقي بين الاستعمالين تحصيل حاصل.
أما عن تصحيحكِ لبعض الأخطاء والتي لايسلم منها أحد، فالإنسان سمي إنسانا لأنه يسهى وينسى ويخطيء، "فلكل حصان كبوة ولكل حسام نبوة" كما قيل. كما يمكن أن تتعدد أخطاؤه وعثراته.
إن الآية 82 من سورة النساء والمستشهد بها في مقالكِ بها خطأ هو"... ولو مكان من..." والصواب "... ولو كان من..." فالميم الزائدة زيادة في كلام الله عز وجل، وهذا لا يقبل به أحد، ولا يقبل به الباحثون في القرآن والمتخصصون في الدراسات القرآنية. وهنا أطلب من فريق الإشراف في ملتقى أهل التفسير أن يتفضل بتصحيح هذا الخطأ الذي هو في كلام الله جل جلاله وهو غير متعمد.
كما أدعوكِ لقراءة ما كتبتُ مرة ثانية وثالثة إن اقتضى الحال فالقراءة بالنظر السريع لا تفي بالمطلوب.
 
عودة
أعلى