د.خديجة إيكر
New member
إن القرآن الكريم رسالة الله إلى العباد وهو مرتبط بمقصد هام هو تحقيق هداية البشر. لذلك لا يمكن أن يكون مُشرَعا أمام كل القراءات، ومن ثم فإنه لا يمكن أن يحتمل من القراءات إلا ما كان محققا لمقصد الوقوف على مضمون الرسالة الربانية ، والذي حدده علماء التفسير في تعريفهم للتفسير بقولهم: "علم يُبحث فيه عن القرآن الكريم من حيث دلالته على مراد الله تعالى، بقدر الطاقة البشرية " .
ويستفاد من ذلك أن قراءة القرآن يجب أن تكون قراءة مقاصدية لأننا لا نقرأ القرآن من أجل القراءة كما لا يمكن أن نجعله مفتوحا أمام أية قراءة ،لأن الهدف سيضيع منا ألا وهو تعبيد الحياة - كلِّ الحياة - لله رب العالمين.
ومن هنا فالإنسان يقرأ القرآن بهدف معرفة الرسالة الربانية، ليحقق التواصل بينه وبين الله تعالى، عن طريق معرفة الأوامر و النواهي الإلهية ، فيعمل على التزامها وتطبيقها في الحياة، ليسعد في الدنيا بحياة آمنة مطمئنة، وليفوز برضا الله تعالى في الآخرة: ﴿ وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة و لا تنس نصيبك من الدنيا و أحسن كما أحسن الله إليك و لا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين ﴾ القصص / 77
ومن هنا فالقراءة المشروعة للقرآن الكريم هي القراءة المقاصدية التي تهدف إلى معرفة مراد الله تعالى من خطابه ، وإحالته إلى واقع عملي كما كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم عندما كان يعمل على تحويل تعاليم السماء إلى واقع معيش، حتى وصفته السيدة عائشة - رضي الله عنها - بأنه كان قرآنا يمشي على الأرض، كما وُصف صلى الله عليه وسلم بأن خُلقه القرآن (صحيح مسلم :باب صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض ، ج 2 رقم الحديث 133 ) ، وأنه صلى الله عليه وسلمكان يتأول القرآن (صحيح مسلم : كتاب الصلاة ، باب ما يُقال في الركوع و السجود ، ج 2 رقم الحديث 189 ) أي أنه صلى الله عليه وسلم كان يعمل على تنزيل القرآن على الواقع.
إن لهذه القراءة المقاصدية مستويات متعددة، يجسدها تراثنا التفسيري المنضبط بآداب وشروط المفسر، أي بأخلاقيات العالم المتصف بالإخلاص والصدق، وطهارة النفس وقوة البيان. لا يرغب مفسر القرآن إلا فيما عند الله ، ولا يخاف إلا الله جل وعلا ، رجل فاضل ندب نفسه لخدمة القرآن و تمثَّلت فيه هذه الشروط الذاتية – السالفة الذكر - التي اصطلح عليها علماؤنا القدماء بآداب العالم - و التي نصطلح عليها اليوم بأخلاقيات العالم – كما تَجَسَّدت في المفسر شروط معرفية يمكن تقسيمها إلى قسمين:
- قواعد التفسير: وهي شروط علمية محضة هدفها تأهيل العالم لخوض غمار تفسير القرآن الكريم.
- أصول التفسير: وهي شروط منهجية هدفها عصمة المفسر من الوقوع في الخطأ.
فكلُّ ما تَفَلَّتَ من القراءات من هذه الشروط الذاتية والمعرفية فهو مُجافٍ للصواب بقدر تَفَلُّتِه منها.
و الموقف نفسه يمكن اتخاذه ممن يريدون مقاربة القرآن الكريم بمناهج لا تراعي خصوصياته، ولا تحفظ له فرادته وتميزه عن معهود كتابات البشر. ومن هنا لا يمكن أن نقبل أن تكون القراءة إعادة كتابة للنص، أو ما يمكن الاصطلاح عليه بإعادة إنتاج النص، بحيث نجعل من النص فاقدا للمعنى، و كل قارئ يُضَمِّنه معنى خاصا به .
إن القراءة بهذا المعنى ستكون مجافية للحقيقة التي يقرها الواقع، فلا يمكن أن نتصور نصا كتبه صاحبه دون أن يُودِعه معنى محددا . فيمكن لقارئ نصٍ ما أن يختار معنىً غير الذي قصده صاحب النص، فيُودِعه معنى آخر، ولكنه ساعتها لن يكون قارئا لهذا النص بقدر ما سيكون قارئا لأفكاره ومعتقداته وقيمه ومواقفه في ثنايا هذا النـص.
لذلك كان علماء التفسير حريصين على تدوين أسباب النزول وملابسـاته و السياق اللغوي وغير اللغوي للقرآن الكريم الذي يمثل الواقع الذي نزل فيه القرآن الكريم - أي الظروف السياسية والاقتصادية، والاجتماعية والفكرية المواكبة لنزول القرآن الكريم -لأن عدم استحضار هذه الأمور قد يُوقِعُنا في مزالق تفسيرية حيث سنضل الطريق المفضي إلى مراد الله تعالى من خطابه ، مثلما حدث للكثيرين .
و بالإضافة إلى استحضار قارئ القرآن للأمور السابقة لا بد أن يستحضر كذلك واقع المتَلَقِّين للقرآن الكريم و هي البشرية جمعاء ، وهذا هو سبب تعدد التفاسير لأن القرآن الكريم نزل ليتعبد به الناس في كل زمان ومكان ، وما دامت ظروف الناس ليست بالضرورة واحدة - بل الواقع يؤكد تمايزها واختلافها في أشــياء وكذلك اتفاقها في أشياء أخرى - فإن هذا يستدعي الحديث عن الثابت والمتطور في التفسير، وعن تطور التفسير، بمعنى رصد اختلاف المعاني المستفادة من القرآن الكريم مع تعاقب الأزمنة.
وهذا الذي يجعلنا أيضا نُصِر على ضرورة مراعاة واقع المفسر، حتى نتمكن من إدراك خصوصيات الزمان والمكان، وما واكبهما من فهوم مختلفة عما سبقها، ولكنها مناسبة لزمانها ومكانها.
وقد مكننا الربط بين تفسير القرآن الكريم، والواقع الذي أُنتج فيه هذا التفسير من التوصل إلى أن التفسير ليس ترفا فكريا بقدر ما هو مشروع حضاري، يتوخى تنزيل القرآن الكريم على الواقع، بغية تثبيته وتزكيته إذا كان موافقا للشرع، أوالعمل على تعديله وتقويمه لينسجم مع مقتضيات الشرع الحكيم، إذا كان مخالفا له . ومن ثم تعبيد الحياة -كل الحياة - لله رب العالمين.
من كل ما سبق يتبين لنا أن قراءة القرآن الكريم تأخذ أبعادا ثلاثا وكلها عبادةٌ بنـص القرآن الكريم:
1 - التلاوة: أي قراءة القرآن الكريم من المصحف، أو عن ظهر قلب، أو الاستماع إليه يقول جل جلاله: { فاقرأوا ما تيسر منه } المزمل / 20
2 - التدبر: أي إعمال الفكر والنظر في آي الذكر الحكيم بغية استنباط مراد الله تعالى، يقول سبحانه وتعالى :{أفلا يتدبرون القرآن و لو مكان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا كثيرا } النساء / 82
3 - التطبيق: أي تنزيل النص القرآني على الواقع، وفق ما وعاه الإنسان المؤمن العالم عن ربه ، يقول عز وجل : { لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه و قرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه } القيامة / 16 إلى 19
فصلاح الإنسان في الدنيا و الآخرة يقتضي اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والنزول عند أمر الله تبارك وتعالى : { و ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا و اتقوا الله إن الله شديد العقاب }الحشر /7
ويستفاد من ذلك أن قراءة القرآن يجب أن تكون قراءة مقاصدية لأننا لا نقرأ القرآن من أجل القراءة كما لا يمكن أن نجعله مفتوحا أمام أية قراءة ،لأن الهدف سيضيع منا ألا وهو تعبيد الحياة - كلِّ الحياة - لله رب العالمين.
ومن هنا فالإنسان يقرأ القرآن بهدف معرفة الرسالة الربانية، ليحقق التواصل بينه وبين الله تعالى، عن طريق معرفة الأوامر و النواهي الإلهية ، فيعمل على التزامها وتطبيقها في الحياة، ليسعد في الدنيا بحياة آمنة مطمئنة، وليفوز برضا الله تعالى في الآخرة: ﴿ وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة و لا تنس نصيبك من الدنيا و أحسن كما أحسن الله إليك و لا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين ﴾ القصص / 77
ومن هنا فالقراءة المشروعة للقرآن الكريم هي القراءة المقاصدية التي تهدف إلى معرفة مراد الله تعالى من خطابه ، وإحالته إلى واقع عملي كما كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم عندما كان يعمل على تحويل تعاليم السماء إلى واقع معيش، حتى وصفته السيدة عائشة - رضي الله عنها - بأنه كان قرآنا يمشي على الأرض، كما وُصف صلى الله عليه وسلم بأن خُلقه القرآن (صحيح مسلم :باب صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض ، ج 2 رقم الحديث 133 ) ، وأنه صلى الله عليه وسلمكان يتأول القرآن (صحيح مسلم : كتاب الصلاة ، باب ما يُقال في الركوع و السجود ، ج 2 رقم الحديث 189 ) أي أنه صلى الله عليه وسلم كان يعمل على تنزيل القرآن على الواقع.
إن لهذه القراءة المقاصدية مستويات متعددة، يجسدها تراثنا التفسيري المنضبط بآداب وشروط المفسر، أي بأخلاقيات العالم المتصف بالإخلاص والصدق، وطهارة النفس وقوة البيان. لا يرغب مفسر القرآن إلا فيما عند الله ، ولا يخاف إلا الله جل وعلا ، رجل فاضل ندب نفسه لخدمة القرآن و تمثَّلت فيه هذه الشروط الذاتية – السالفة الذكر - التي اصطلح عليها علماؤنا القدماء بآداب العالم - و التي نصطلح عليها اليوم بأخلاقيات العالم – كما تَجَسَّدت في المفسر شروط معرفية يمكن تقسيمها إلى قسمين:
- قواعد التفسير: وهي شروط علمية محضة هدفها تأهيل العالم لخوض غمار تفسير القرآن الكريم.
- أصول التفسير: وهي شروط منهجية هدفها عصمة المفسر من الوقوع في الخطأ.
فكلُّ ما تَفَلَّتَ من القراءات من هذه الشروط الذاتية والمعرفية فهو مُجافٍ للصواب بقدر تَفَلُّتِه منها.
و الموقف نفسه يمكن اتخاذه ممن يريدون مقاربة القرآن الكريم بمناهج لا تراعي خصوصياته، ولا تحفظ له فرادته وتميزه عن معهود كتابات البشر. ومن هنا لا يمكن أن نقبل أن تكون القراءة إعادة كتابة للنص، أو ما يمكن الاصطلاح عليه بإعادة إنتاج النص، بحيث نجعل من النص فاقدا للمعنى، و كل قارئ يُضَمِّنه معنى خاصا به .
إن القراءة بهذا المعنى ستكون مجافية للحقيقة التي يقرها الواقع، فلا يمكن أن نتصور نصا كتبه صاحبه دون أن يُودِعه معنى محددا . فيمكن لقارئ نصٍ ما أن يختار معنىً غير الذي قصده صاحب النص، فيُودِعه معنى آخر، ولكنه ساعتها لن يكون قارئا لهذا النص بقدر ما سيكون قارئا لأفكاره ومعتقداته وقيمه ومواقفه في ثنايا هذا النـص.
لذلك كان علماء التفسير حريصين على تدوين أسباب النزول وملابسـاته و السياق اللغوي وغير اللغوي للقرآن الكريم الذي يمثل الواقع الذي نزل فيه القرآن الكريم - أي الظروف السياسية والاقتصادية، والاجتماعية والفكرية المواكبة لنزول القرآن الكريم -لأن عدم استحضار هذه الأمور قد يُوقِعُنا في مزالق تفسيرية حيث سنضل الطريق المفضي إلى مراد الله تعالى من خطابه ، مثلما حدث للكثيرين .
و بالإضافة إلى استحضار قارئ القرآن للأمور السابقة لا بد أن يستحضر كذلك واقع المتَلَقِّين للقرآن الكريم و هي البشرية جمعاء ، وهذا هو سبب تعدد التفاسير لأن القرآن الكريم نزل ليتعبد به الناس في كل زمان ومكان ، وما دامت ظروف الناس ليست بالضرورة واحدة - بل الواقع يؤكد تمايزها واختلافها في أشــياء وكذلك اتفاقها في أشياء أخرى - فإن هذا يستدعي الحديث عن الثابت والمتطور في التفسير، وعن تطور التفسير، بمعنى رصد اختلاف المعاني المستفادة من القرآن الكريم مع تعاقب الأزمنة.
وهذا الذي يجعلنا أيضا نُصِر على ضرورة مراعاة واقع المفسر، حتى نتمكن من إدراك خصوصيات الزمان والمكان، وما واكبهما من فهوم مختلفة عما سبقها، ولكنها مناسبة لزمانها ومكانها.
وقد مكننا الربط بين تفسير القرآن الكريم، والواقع الذي أُنتج فيه هذا التفسير من التوصل إلى أن التفسير ليس ترفا فكريا بقدر ما هو مشروع حضاري، يتوخى تنزيل القرآن الكريم على الواقع، بغية تثبيته وتزكيته إذا كان موافقا للشرع، أوالعمل على تعديله وتقويمه لينسجم مع مقتضيات الشرع الحكيم، إذا كان مخالفا له . ومن ثم تعبيد الحياة -كل الحياة - لله رب العالمين.
من كل ما سبق يتبين لنا أن قراءة القرآن الكريم تأخذ أبعادا ثلاثا وكلها عبادةٌ بنـص القرآن الكريم:
1 - التلاوة: أي قراءة القرآن الكريم من المصحف، أو عن ظهر قلب، أو الاستماع إليه يقول جل جلاله: { فاقرأوا ما تيسر منه } المزمل / 20
2 - التدبر: أي إعمال الفكر والنظر في آي الذكر الحكيم بغية استنباط مراد الله تعالى، يقول سبحانه وتعالى :{أفلا يتدبرون القرآن و لو مكان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا كثيرا } النساء / 82
3 - التطبيق: أي تنزيل النص القرآني على الواقع، وفق ما وعاه الإنسان المؤمن العالم عن ربه ، يقول عز وجل : { لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه و قرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه } القيامة / 16 إلى 19
فصلاح الإنسان في الدنيا و الآخرة يقتضي اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والنزول عند أمر الله تبارك وتعالى : { و ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا و اتقوا الله إن الله شديد العقاب }الحشر /7