القراءة التفسيرية: ألها حكم الرفع ؟

إنضم
13/01/2006
المشاركات
245
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
ما القول في القراءة إن ثبتت عن أحد من الصحابة، كأن تثبت قراءة ابن مسعود {ثلاثة أيام متتابعات}، هل تُعامل معاملة ما لا مجال للرأي فيه، وهذا هو الأظهر، فإن عوملت معاملة ما لا مجال للرأي فيه، فهل لها حكم الرفع، فإن كان لها حكم الرفع، فهل هي حجة؟ فيكون - مثلاً - القول بالتتابع في صيام الكفارة واجباً بالنصّ. وقس على ذلك غير هذا المثال من القراءات المحكية. القول الدارج أنها تعتبر للتفسير فحسب، أي تكون تفسيرية في أحسن الأحوال، ولكن حتى على هذا القول لو قلنا أن حقيقتها تنتهي إلى القول بأن لها حكم الرفع - مثلما أن الآثار الثابتة عن عدد من الصحابة مما لا مجال للرأي فيه لها حكم الرفع - فهل تعامل معاملة النص الشرعي (أي قرآن أو سنة ثابتة) في المسألة، أياً كانت هذه المسألة ؟.
 
قال الإمام جلال الدين السيوطي: اختلف العلماء في العمل بالقراءة الشاذة فنقل إمام الحرمين في (البرهان) عن ظاهر مذهب الشافعي أنه لايجوز، وتبعه أبو نصر القشيري وجزم به ابن الحاجب لأنه نقله على أنه قرآن ولم يثبت، وذكر القاضيان: أبو الطيب والحسين والرُّوياني والرافعي، العمل بها تنزيلاً لها منزلة خبر الآحاد، وصححه ابن السبكي في (جمع الجوامع) و (شرح المختصر) وقد احتج الأصحاب على قطع يمين السارق بقراءة ابن مسعود.
وعليه أبو حنيفة أيضاً، واحتج على وجوب التتابع في صوم كفارة اليمين بقراءته (متتابعات)، ولم يحتج به أصحابنا لثبوت نسخها كما سيأتي. (الإتقان 2/ 535).
 
القول الدارج أنها تعتبر للتفسير فحسب، أي تكون تفسيرية في أحسن الأحوال
قال السيوطي عن مثل هذه القراءات إذا كانت مروية عن كبار الصحابة أنه أكثر من التفسير وأقوى، لأن أدنى ما يستنبط من مثل هذه الحروف صحة التأويل. انظر: الإتقان (2/ 534).
 
بسط الأصوليون الحديث عن هذا النوع من القراءة - وهو القراءة الشاذة - التي سماها أخونا عبد الله الشهري القراءة التفسيرية، ولم أقرأ لعالم أنه قد سمى هذا النوع بالقراءة التفسيرية، ومصطلح القراءة التفسيرية بدأ يشيع في أوساط القراء فيما يتعلق باختيار مقام من المقامات ليناسب موضوع الآية أو الآيات، مع العناية بالنبر، والوقف والابتداء، ورفع الصوت وخفضه، والتمهل أثناء القراءة، وإعادة القراءة مرة أو مرات للتوكيد على معنى من المعاني، وإظهار صوت الاستفهام أو التعجب أو الاستنكار فيما يحتاج إلى ذلك، فهذه هي القراءة التفسيرية، أي إن القارئ يفسر القرآن من خلال قراءته، وهي بذلك تكون من باب التوضيح والبيان.
وأما ما يتعلق بالقراءة الشاذة فأنا سأنقل لك نصاً حرره وحققه الزركشي رحمه الله تعالى في كتابه الماتع البحر المحيط، نقل أقوال الأصوليين وبين لنا الأمر بجملته، يقول رحمه الله:
"اعلم أن الآمدي نسب القول بأنها ليست بحجة إلى الشافعي، وكذا ادعى الإبياري في شرح البرهان أنه المشهور من مذهب مالك والشافعي، وتبعه ابن الحاجب، وكذلك النووي، فقال في شرح مسلم: "مذهبنا أن القراءة الشاذة لا يحتج بها، ولا يكون لها حكم الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن ناقلها لم ينقلها إلا على أنها قرآن، والقرآن لا يثبت إلا بالتواتر، وإذا لم يثبت قرآناً لم يثبت خبراً"، والموقع لهم في ذلك دعوى إمام الحرمين في البرهان: أن ذلك ظاهر مذهب الشافعي، وتبعه أبو نصر بن القشيري، والغزالي في المنخول، وإلكيا الطبري في التلويح، وابن السمعاني في القواطع، وغيرهم، فقال إلكيا: "القراءة الشاذة مردودة، لا يجوز إثباتها في المصحف، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء".
قال: "وأما إيجاب أبي حنيفة التتابع في صوم كفارة اليمين لأجل قراءة ابن مسعود، فليس على تقدير أنه أثبت نظمه من القرآن، ولكن أمكن أنه كان من القرآن في قديم الزمان، ثم نسخت تلاوته، فاندرس مشهور رسمه فنقل آحاداً، والحكم باقٍ، وهذا لا يستنكر في العرف".
قال: "والشافعي لا يرد على أبي حنيفة اشتراط التتابع على أحد القولين من هذه الجهة، ولكنه يقول: لعل ما زاده ابن مسعود تفسيراً منه، ومذهباً رآه، فلا بعد في تقديره، ولم يصرح بإسناده إلى القرآن. فإن قالوا: لا يجوز ضم القرآن إلى غيره، فكذلك لا يجوز ضم ما نسخت تلاوته إلى القرآن تلاوة. وهذا قد يدل من وجهة على بطلان نقل هذه القراءة عن ابن مسعود، فإنا على أحد الوجهين نبعد قراءة ما ليس من القرآن مع القرآن".
وقال: "والدليل القاطع على إبطال نسبة القراءات الشاذة إلى القرآن؛ أن الاهتمام بالقرآن من الصحابة الذين بذلوا أرواحهم في إحياء معالم الدين يمنع تقدير دروسه وارتباط نقله بالآحاد".
قلت: وذكر أبو بكر الرازي في كتابه أنهم إنما عملوا بقراءة ابن مسعود لاستفاضتها وشهرتها عندهم في ذلك العصر، وإن كان إنما نقلت إلينا الآن بطريق الآحاد؛ لأن الناس تركوا القراءة بها، واقتصروا على غيرها، وكلامنا إنما هو في أصول القوم.​
وذكر أبو زيد في الأسرار وصاحب المبسوط من الحنفية اشتراط الشهرة في القراءة عند السلف، ولهذا لم يعملوا بقراءة أبي بن كعب، فعدة من أيام أخر متتابعة؛ لأنها قراءة شاذة غير مشهورة، وبمثلها لا يثبت الزيادة على النص، فأما قراءة ابن مسعود فقد كانت مشهورة في زمن أبي حنيفة، حتى كان الأعمش يقرأ ختماً على حرف ابن مسعود، وختماً من مصحف عثمان، والزيادة عندنا تثبت بالخبر المشهور".
وملخص الأمر أن القراءة الشاذة لا تعامل معاملة النص، وأن أبا حنيفة رحمه الله عندما أعملها - هذا على تقدير أن إعماله هو إعمال لقراءة شاذة - أعملها بشروط وضوابط، قد لا تتوافر في عصر آخر، ومنتهى الأمر وتفصيلاته مباحث الأصوليين، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
 
يبدو لي أن تكرار أقوال العلماء لا يزيل غموضا ولا يفيد علما أبداً.
فليس في الأقوال التي نقلت ما يجعل القارئ يفهم شيئا ألبتة.
ما الشاذ؟ وهل استخدم الشافعي المصطلح لنحيل إليه أو نعزو إليه فإن استخدمه فأين عبارته لنفهمها من سياقها؟
استخدم ابن جني في المنصف الشاذ لما شذ عن سبعة ابن مجاهد فما الشاذ إذن عند أبي حنيفة والشافعي والسلف وما قبل الـ300؟
فإن قال أحد الباحثين القدماء "العلماء" إن كذا ظاهر كلام الشافعي وجب علينا إيراد كلام الشافعي لنرى ما ظاهر كلامه
وما مفهوم الشاذ لديه وهو بالتأكيد ليس ما شذ عن السبعة ولا ما شذ عن العشرة ولا ما شذ عن الأربع عشرة أليس هو من قال لو أشاء أقول إن القرآن نزل بلغة الحسن لقلت لفصاحته، وإن كانت عبارته هذه في الحسن لا تعدو أن تكون رأياً أشبه بالشعر منه بالعلم فقد عرف الناس أن قراءة الحسن بين القراءات لا تتناسب مع مكانته بين العلماء والفصحاء، على الأقل في ضوء ما اشتهر من نحو وبلاغة.
ما استرعيت إليه أنظار الإخوة الفضلاء ههنا أن الحديث قد استعاد أخطاء القدماء في الكلام دون تحديد المصطلحات وهذا ما أدى إلى سوء فهم كبير متوارث بين العلماء لأقوال بعضهم. وما الفائدة أن نردد طريقتهم التعميمية دون تحديد المصطلح تحديدا قائما على مقارنة الأسيقة واستقصاءات الورود؟
أستميحكم عذراً عن التنظير ولكن ما ينبغي أن نكونه قراءً وباحثين ليس السير على طريقة النووي والسيوطي وابن الحاجب وكل من وردت أسماؤهم، فهي طريقة لا تجعل القارئ يفهم شيئاً.
إنهم حين يتحدثون عن الشاذ والحكم الشرعي له فإنهم يتحدثون عن ضباب وسراب يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً.

إن أردنا أن لا نضيع أوقاتنا فعلينا حين نورد رأياً منسوبا إلى الشافعي في الشاذ مثلا أن نورد أمثلة لاستخدامه لها من عبارات الشافعي نفسه.
فإذا استطعنا ذلك أو حاولناه فإنه وحده الصواب وغيره اجترار لطريقة غير علمية سار عليها العلماء ولسنا نلومهم ولكنا نلوم من ما يزال يسير عليها لأنها كانت "علماً" في عصرهم وليست من العلم في شيء في عصرنا.
وأعتذر عن الخروج عن جوهر الموضوع لأن هذا الأمر هو الذي استوقفني
 
سأبدأ من حيث انتهى أخي الدكتور عبد الرحمن الشهري في كون القاسم بن سلام رحمه الله هو أول من أطلق القراءات التفسيرية، وأنا لم أقف على عبارة القراءات التفسيرية أو القراءة التفسيرية عند أبي عبيد أو غيره باعتبارها مصطلحاً على تلك القراءة التي قرأ بها صحابي، ونستطيع أن نجلي الأمر بالنقاط الآتية:
1- لم يذكر أبو عبيد رحمه الله مصطلح القراءة التفسيرية وغاية ما قاله في فضائل القرآن: "فهذه الحروف وأشباه لها كثيرة قد صارت مفسرة للقرآن"، فهو يتحدث عن غاية هذه القراءات، فلما ذكر الغاية وهي التفسير قال: صارت مفسرة، لا أنها من حيث المصطلح والاسم تفسيرية.
2- بين الزركشي مقصد أبي عبيد فقال في البرهان: "وقال أبو عبيد في فضائل القرآن: المقصد من القراءة الشاذة تفسير القراءة المشهورة، وتبيين معانيها؛ كقراءة عائشة وحفصة "والصلاة الوسطى صلاة العصر"، وقراءة ابن مسعود: "فاقطعوا أيمانهما" وقراءة جابر: "فإن الله من بعد إكراههن لهن غفور رحيم" قال: فهذه الحروف وما شاكلها قد صارت مفسرة للقرآن، وقد كان يروى مثل هذا عن التابعين في التفسير فيستحسن، فكيف إذا روي عن كبار الصحابة ثم صار في نفس القراءة؟ فهو أكثر من التفسير وأقوى، فأدنى ما يستنبط من هذه الحروف معرفة صحة التأويل".
3- القول بأن القراءة الشاذة لها اسم آخر هو القراءة التفسيرية، بحيث يصبح لها اسمان متداولان يحتاج إلى دليل نقلي عن العلماء، وهذا يثبت بالنص من كتب القوم.
4- نعم لا يماري أحد بأن العلماء أثناء كلامهم يقولون تجوزاً عن القراءة الشاذة بأنها تفسيرية، أو تعين على التفسير، فذلك لبيان مقصد القراءة التي ينتفع بها المفسر أثناء توجيه رأي أو تأويل، وليس من قبيل إطلاق مصطلح القراءة التفسيرية على الشاذة.
5- هناك محذور في تسمية القراءة الشاذة القراءة التفسيرية بحيث يصبح اصطلاح عليها، وهو أن هذه القراءة ستفقد ماهيتها في كونها قراءة، وتصبح رأياً للصحابي، وعند ذلك فلن تعدو أن تكون رأياً في التفسير؛ لأننا عندما نقول قراءة تفسيرية أي أن الصحابي قرأ بها ليفسر الآية، فقراءته هذه تفسير وليست رواية، وهذا المحذور يرتفع عند قولنا قراءة شاذة؛ لأن النظر سينصب حينئذ إلى روايتها وصحة نقلها، ولذلك قال العلماء عنها قراءة شاذة، ولم يقولوا قراءة تفسيرية مع أن غرض التفسير حاضر في الأذهان.
6- تتفق القراءة الشاذة والقراءة المتواترة في كونهما قراءة تفسيرية في المقصد وهو التفسير؛ فتكون الآية القرآنية المتواترة تفسيرية لآية قرآنية متواترة أخرى، وهو تفسير القرآن بالقرآن، فقولنا قراءة تفسيرية هو بالنظر إلى المقصود والغاية لا إلى المصطلح، وفرق بين الأمرين كما لا يخفى.
7- إذا كانت تلك القراءة المنسوبة لأحد الصحابة هي من باب تفسيره للآية، كما قرأ ابن مسعود رضي الله عنه: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهم} ويقصد بذلك تفسير الأيدي بالأيمان لا أنها قراءة أداها كما سمعها، فهذا لا غبار عليه البتة لكن بشرط واحد وهو إثبات الدليل على صحة هذه الدعوى، مما وردنا عنهم من ألفاظ تعبر عن هذا المعنى المراد دون سواه، ودون ذلك خرط القتاد.
وما ذكره الشيخ مساعد حفظه الله في هذا الجانب له حظوة كبيرة عندي، في تحرير مسائله وإثارة بعض التساؤلات حول القراءة التفسيرية، والذي يعنيني في هذا المقام أن إطلاق المصطلحات على غير المراد سيدخلنا في إشكالية المصطلح التي لا زلنا نعاني من قلة التحرير فيه، من باب كثرة التجوزات، وعدم النظر إلى خطورة بعض المآلات.
وما ذكره أخي الدكتور عبد الرحمن الصالح حفظه الله فأنا أتفق مع جزء كبير فيما طرح، لكن المقام هاهنا ليس مقام تحرير هذه القضية، ومناقشة أرباب الأصوليين فيما نسب إلى الشافعي يحتاج منا إلى وقفات طويلة منها:
1- دراسة جميع المسائل التي فيها اختلاف بين الفقهاء بسبب الاعتماد على قراءة شاذة.
2- تحرير استناد الشافعي للقراءة الشاذة كموضوع تحريم الرضاع، فهل حرم الرضاع بخمس رضعات مشبعات، أو بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من آثار.
3- الأصوليون عندما يسندون رأياً لإمام ويقرونه فذاك دليل على الاتفاق على أن هذا الرأي قاله صراحة أو فهم معناه من عموم أصول المذهب.
4- مناقشة الآراء ليست بتلك البساطة التي يظنها بعض الباحثين، خصوصاً فيما يتعلق بالمدارس الأصولية وطرق تقرير أصول المذهب، فالأمر يحتاج إلى دراسة عميقة متبحرة لإثبات وجهة استدلال أو نفيها، وليس الأمر مجرد نقل عبارة أو قول أو عبارات ومن ثم مناقشتها، والخلوص إلى رأي جديد بكل هذه البساطة والسماحة.
5- من السهل جداً علينا نحن أبناء هذا القرن أن نسمع بعض المنهجيات المطروحة، ونعيد التنظير تلو التنظير في النقد واتهام التراث بأنه غير صالح لهذا الزمان، وأن علوم المتقدمين ليست علوماً للمتأخرين، بل ليست علماً أصلاً، وكأننا قد سلخنا عنهم سلخ الإهاب.
6- من المقرر عند العلماء المنصفين احترام أهل التخصص، وهذا شأن علمائنا رحمهم الله جميعاً، فلم يكن الواحد منهم يهجم على الآخرين بتخصصه الذي لا يتقن سواه، بل كان شأنهم الثقة المتبادلة القائمة على احترام التخصصية، وكما قيل من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب، فعلينا أن نتروى قليلاً قبل إعلان لوحة الانتقاد.
وهذه المناغشات فيها إن شاء الله فائدة لمن رامها، وبحث عن الحق والخير، نسأله سبحانه أن يقينا الزلل ويجنبنا الخطل، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
 
جزاكم الله خيرا فرداً فرداً على ما كتبتم. إخواني وأخواتي ما ذكرتموه في جله نقولات من باب حكم القراءة الشاذة وكيف تُعامل وهي مسائل مشهورة قرأتها مراراً وأعرفها جيداً، وسؤالي دقيق ولم أجد من عامل السؤال بما يطابقه ويجانسه في الجواب. إن أسئلتي مقصودة في كل جزء منها ولم أكتبها إلا بعد أن انقدحت في ذهني ولم أجد الجواب عنها في كتب العلماء إلا من طرف خفي كقول الزركشي وغيره أنها إذا جاءت عن كبار الصحابة فإن "أدنى" ما تعامل به أن تعامل على أنها تفسيرية أو نحو ذلك، ورغم جهودكم التي أعجز عن شكركم عليها إلا أن البعض أسهب في تمحيص المصطلح ولم يكن هذا مرادي من ظاهر أسئلتي المطروحة. آمل من المشايخ وأهل العلم أن يتأملوا أسئلتي وأن يتعاملوا معها بحسب ما يوحي به ظاهرها، واقبلوا فائق عذري واحترامي.
 
عودة
أعلى