القراءات المعاصرة للقرآن محاولة في نقد الأسس والمرتكزات

إنضم
19 أبريل 2011
المشاركات
7
مستوى التفاعل
0
النقاط
1

القراءات المعاصرة للقرآن محاولة في نقد الأسس والمرتكزات[1]

إنجاز د. محمد خروبات​
أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش.








بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه، وبعد :

فهذه محاولة في نقد أسس ومرتكزات القراءات الجديدة للقرآن الكريم، حُدِّدَت في ستة عناصر : الأول حول القرآن وواحدية التفسير، والثاني في مبررات الإقبال على القرآن، وهي : مُبرر الحرية الفكرية، ومُبرر البحث العلمي، ومُبرر خدمة القرآن، والثالث في ضرورة قراءة هذه القراءات، قراءة علمية وموضوعية، أفضت هذه القراءة إلى بيان أن هذه القراءات ليست على صورة واحدة أو على نمط واحد من العلم والفهم بل هي على ثلاثة أنواع متباينة : نوع بنائي، ونوع هدمي وآخر نقدي تصحيحي، وهو ما تضمنه العنصر الرابع، أما العنصر الخامس فأُفرد خالصا لنقد الأسس العامة لهذه القراءات، وهي أربعة : نقد الحداثة، ونقد التوجه والقصد، ونقد المناهج ، ونقد الأسلوب، ثم خُتم البحث بالعنصر السادس والأخير المتضمن لنظرات نقدية لقراءة الدكتور محمد عابد الجابري .
وفيما يلي بسط ذلك :

1- القرآن الكريم وواحدية التفسير :
القرآن الكريم ميدان واسع للبحث، ومجال فسيح للدراسة والتنقيب، لو لم يكن كذلك لما تعددت تفاسيره عبر القرون، ولما تنوَّعت في القرن الواحد، وهذا التعدد والتنوع ليس راجعا إلى التفاسير والدراسات القرآنية في حد ذاتها بل هوراجع إلى القرآن ذاته، لقد دعا القرآن إلى الإقبال عليه بالتأمل والتدبر والتفكر، وحمل مع هذه الدعوة قيودا وضوابط، من الباحثين والدارسين من تقيد بها، ومنهم من تركها ولم يلتزم بها، بل منهم من دعا إلى التحرر منها، وما وُضعت هذه القيود والضوابط إلا لتنظيم العلاقة مع القرآن من كل الوجوه ، ومن الشروط الأولى: (الطهارة) .
قراءة القرآن أمر مطلوب، وواجب شرعي، ويكفي أن تكون أول كلمة نزلت من السماء هي كلمة (اِقرأ)[2]، لكنها مشروطة بشروط منها :
أ- أن تكون باسم الرب الذي خلق ، وهو الله الخالق منزل القرآن، والقراءات المعاصرة لا تقرأ القرآن باسم الرب، وليس فيها ما يدل على ذلك، إذ أن من شرط القراءة البداية على الأقل ب "البسملة" .
ب- القراءة من العلم، والعلم هبة من الله ، يكتسبه الإنسان، ولذلك يجب أن يكون منه وإليه، القراءة في ثقافتنا ليست بالمعنى الليبرالي للكلمة، أن يقول القارئ ما شاء وكيف شاء وبما شاء بل هي جزء من العبادة، بل كل العبادة، وبما أن الإنسان ليس حرا في أن يعبد الله كما شاء فهو ليس حرا في أن يقبل على القرآن بالطريقة التي يريد.
ج-القراءة في ثقافتنا هي قراءة مقاصدية، ومن مقاصدها اعتبار ربانية النص مع قصد المعنى الذي قصده الشارع، فالقراءة التي تؤمن بأن نص القرآن هو من كلام الله، وأنه معجز، وأنه يتضمن الحق والحقيقة، وانه أصل الأصول، وأنه مرجع في كل شيء ليست مثل القراءة التي تتعامل مع القرآن كما تتعامل مع النصوص البشرية، يُقرأ كما تُقرأ قصيدة شعرية، ويُحلل كما يُحلل نص أدبي أو فلسفي، وتصدر عليه الأحكام بطريقة صلبة وقاسية، مُجردة من كل قدسية وشرف.
حين دعا القرآن إلى الإقبال عليه يكون قد خالف الفكرة اليونانية والرومانية القديمة التي تتضمن أن لكل فكرة تفسيرا واحدا، ثم إنه لما دعا إلى ذلك يكون قد باين كل المباينة أسلوب أهل الكتاب في حبسهم لكتبهم المقدسة على علمائهم وأحبارهم وكهنتهم، إذ لا يحق لليهودي أو المسيحي العادي أن يتعامل مع "النص المقدس" إلا عبر وساطة الراهب أو القسيس أو الحاخام، وهي على كل حال وساطة بشرية، لكن المستشرقين ومن نهج نهجهم استغلوا هذه الدعوة، وركبوا عليها للعبث بمعانيه، فكانت فرصة لتفريغ كل الحمولات الفكرية والتصورات الدينية والميولات العاطفية والآراء المصلحية، وهو الأسلوب نفسه الذي نهجه الأفراد والطوائف والفرق في التعامل مع القرآن خلال القرن الأول والقرون التي تلته، وهو الأمر الذي دفع علماء الأمة إلى أن ينشئوا للقرآن تفسيرا متقيدا بما جاء به القرآن نفسه، وبما جاء في اجتهدات العلماء المعتبرين لتوسيعه وتكملته، فأنشأوه علما مُلزما لكل من أقبل على القرآن ببيان معانيه، ولست بحاجة الآن إلى التذكير بكل ذلك.
إننا بقدر ما نروم النظر في هذه الجهود بقدر ما ننفتح على مختلف الأبحاث والدراسات للاستفادة منها إن كان فيها ما يطعم المنهج وينضج الرؤية، والواقع أن القضايا والإشكالات التي أثارتها بعض الدراسات المسماة ب "الجديدة " تثير في الباحث المهتم الانفعال أكثر مما توفر له الهدوء والسكينة، ومع ذلك فالتسلح بالموضوعية والتحلي بالصبر يوصلان إلى بَرِّ الأمان العلمي، الانفعال سببه الغضب، والغضب يبعث على التوتر، وهذه كلها تنقص من جهود العقل، وتلقي بصاحبها نحو العاطفة الجياشة ، وأعتقد أن في ما تروجه القراءات المعاصرة باسم المنهج والبحث العلمي فيه انتهاك صريح لحرمات الله، وفيه استهتار بَيِّن ومكشوف لشعائره التي أمر بتعظيمها كلها أمور تدعو إلى القلق، فلا لوم إذن على من انفعل .
بإلغاء القرآن لواحدية التفسير يكون قد فسح في المجال للتعدد ، لكن القراءات المعاصرة تعود لتنقد هذا التعدد، وتعتبره أزمة قائمة حيال القرآن، وتسعى جادة لتحرير القرآن من ركام التفاسير التي حامت حوله، وهي بذلك تستغل دعوة القرآن إلى التعدد لتدخل ضمنه، ثم تحاول في الوقت نفسه طرد التفاسير المتنوعة لتحل محلها كقراءة واحدة وكمنهج واحد، وبذلك تكون قد وقعت في ضد ما طمحت إلى إلغائـه.
2- مبررات الإقبال على القرآن :
ماهي المبررات التي تستند إليها القراءات المعاصرة في إقبالها على القرآن؟
ذكرت بعض المبررات آنفا وأستطيع الآن أن أُجمل مستندات الحداثيين في الإقبال على القرآن الكريم، وفيما بلي بسط ذلك :
أولا: الحرية الفكرية : الفكر حسب تصورهم مشاع إنساني، وليس للبحث العلمي وطن ولا جنس ولا قارة، وبما أن الإنسان خلق حرا فلا قيود لأحد على أحد، فمن هنا ضرورة ممارسة "الحرية الفكرية" على كل النصوص، وإعمال العقل فيها من دون قيود ولا حدود.
ثانيا : البحث العلمي : لا شك أن القراءات المسماة ب " الجديدة" أو " المعاصرة" تتقدم إلى التراث الإسلامي باسم "البحث العلمي"، وهي كلمة مشحونة بعدة دلالات ، أقواها أنها تشكل ذريعة للمرور إلى الخصوصيات، وقد لاحظنا كيف تمكن المستشرقون باسمها من خوض غمار البحث في التراث العربي الإسلامي الذي من مقدماته "القرآن الكريم" ، ثم بها ومن خلالها يتم تحقيق ما عجز الاستعمار الفكري على استكماله على يد هذه الجهود المعاصرة التي لاتختلف عن جهود المستشرقين من حيث المنهج والرؤية.
ثالثا : خدمة القرآن : يتم التعامل مع القرآن من موقع هذه الدعوى ، لأن القرآن نزل للناس كافة ، ومن حق سائر الناس أن يتعاملوا معه من دون حواجز ولا موانع ، ثم إن عنصر التعامل معه بهذه الكيفية هي ظاهرة وُجدت –حسب تصورهم- منذ القرن الأول، وهي المحاولات التي قام بها المعتزلة والأشاعرة والجهمية والمعطلة والقدرية والصوفية والفلاسفة ...وهي دعوى يحاولون من خلالها إضفاء عنصر الشرعية على هذا التعامل العصري والجديد.
لكن هل هذه المبررات كافية في أن تسوغ لهم المرور إلى القرآن بهذه الكيفية؟ وهل يمكن اعتبارها مستندات أساسية في مقارعة القرآن والتسلط عليه؟
أعتقد أن فيما يأتي من كلام مزيد من البيان والتوضيح.
3- ضرورة قراءة "القراءات المعاصرة" :
لا نُنكر أن هذه القراءات بدأت تشغل بال كثير من الباحثين المهتمين، والسبب في ذلك أن مشاريعها العلمية قد ذاعت واشتهرت، وتم الترويج لها عبر مؤتمرات وندوات وملتقيات وطنية ودولية بل أصبح لرواد هذه القراءات مؤسسات ونوادي ومعاهد تروج لأفكارهم وتعمل على طبع إصداراتهم وإنتاجاتهم، ثم إنهم اجتهدوا فوسعوا الدائرة في إقامة دورات تكوينية وملتقيات تدريبية يُستدعى لها عدد من الطلبة الباحثين، وجل هذه الأعمال منحصرة في القرآن وحده، وليس هذا فحسب بل مالت إلى – جانب نقد الموروث- نقد الدراسات والأبحاث المخلصة للنص التي في غالبيتها دراسات تلقينية وتعليمية ، ومن هنا فرضت نفسها على الساحة من الجهات الآتية :
الأولى : إنها محاولات جديدة في لغتها وأسلوبه ومنهجها ، جعلت من القرآن موضوعا لها ، تدعي فيه فهما متطورا ، ودرسا متحررا ، فجلبت إليها الانتباه من هذا الوجه.
الثانية : أنها تسلحت بمناهج جديدة، جلها مناهج مستمدة من علوم إنسانية وافدة من ثقافة الآخر، مثل اللسانيات والسيميائيات كما نجد عند محمد أركون، والهيرمنيوطيقا عند نصر حامد أبوزيد، والسوسيولوجيا والأنثروبولوجيا والفيلولوجيا والفلسفة كما نجد عند محمد عابد الجابري والمنصف بن عبد الجليل ومقدمه عبد المجيد الشرفي وغيرهم .
لقد حاولوا مقررين أن القرآن يجب أن يتحرر من الكتابات الموروثة، وأن المناهج التي سادت يجب أن تُعزل أو يُعاد فيها النظر، وأنه كامل بذاته وليس في حاجة إلى غيره، وأنهم هم البديل الأوحد لفهمه وتقريبه .
بقدر ما سمحت لنفسها أن تقرأ القرآن بطريقتها، وتتأول علومه والتراث المصاحب له في التاريخ بقدر ما تكون قد قدَّمت نفسها موضوعا للبحث والدرس، وبقدر ما رسمت لنفسها الحرية في إصدار الأحكام وتوليد الاستنتاجات التي تقول : إنها جزء من البحث العلمي، بقدر ما سمحت للمشتغلين بالدراسات الإسلامية أن يُصدروا عليه أحكاما، ويستخلصوا من تجربتها استنتاجات قد تبدو صلبة وقاسية في بعض الأحيان، وليس هذا المؤتمر في عمومه إلا جزءا من ذلك، وليس عملنا هذا إلا جزء من أعمال هذا المؤتمر الذي لا يُراد منه سد الباب في وجهها، ولا حجب رؤيتها في مقاربة القرآن لكننا نريد النظر فيها قبل الشروع في العمل بها.
4-أنواع القراءات المعاصرة : محاولة في التصنيف والتقويم.
إذا نظرنا في مجمل الاهتمامات الحديثة بالقرآن من جهة البحث والدرس نجدها على ثلاثة أنواع : نوع بنائي، ونوع هدمي، وآخر دفاعي تصحيحي .
وفيما يلي بسط ذلك:
- النوع البنائي: وهو النوع الذي يخدم القرآن في جانبه العلمي ، مثل الكلام في علوم القرآن وعلوم التفسير وعلم القراءات والإعجاز واللغة... أو الكلام في قاعدة من قواعده مثل : تفسير القرآن بالقرآن، وتفسير السنة للقرآن، أو الكلام في المحكم والمتشابه أو الناسخ والمنسوخ أو أسباب النزول إلى غير ذلك، ويدخل في هذا النوع أيضا تحقيق المخطوطات المتعلقة بالقرآن، أو اختصارها أو استخراج الشواهد منها.
هذا النوع هو نوع بنائي لأنه يبني القرآن من الداخل، ولا أدري هل يجوز أن نطلق على هذا النوع نعت (القراءات المعاصرة أو الجديدة) ، نعم قد تكون بعض الجهود قامت بترجمة القرآن إلى اللغات الحية العالمية، أو ترجمة إحدى مصادر التفسير أو بعض علوم القرآن متحليةً في ذلك بالقواعد العلمية والضوابط المنهجية، وقد تكون جهود أخرى قد استخدمت العلوم الإنسانية والطبيعية في تحليل آيات القرآن الكريم أو بعضٍ منها، وبحكم أنها حديثة فهي تدخل ضمن ما يسمى ب " القراءات المعاصرة " ، إلا أن التميز يتجلى في كونها محاولات في البناء لا في الهدم، ومبرراتنا في وصفها ب " البنائية " يكمن في جهتين :
الأولى تكمن في التركيز على بِنية العلم المتعلق بالقرآن، والثانية في كونها تتلمس بكل وعي وتدبر الخط المرسوم لتنطلق من النقطة التي تم التوقف عندها في محاولة لوصل خط العلم، وهذه هي سمة الثقافة الإسلامية، فهي "بنـاء"، المتأخر يبني على جهود المتقدم ، ثم يواصل.
- النوع الهدمي : وهو النوع الذي يطلقون عليه " الاتجاهات المنحرفة "[3] ، وهي مجمل الجهود التي تجعل من القرآن مجالا لترويج آرائها ومعتقداتها ، بحيث يصبح القرآن أداة لتطبيق مناهج وافدة ، وقواعد دخيلة ، مستحدثة بذلك تأويلات منحرفة ، واستنتاجات شاذة ، يكمن الخلل في كونها أخلَّت بالقواعد والضوابط التي تحلَّى بهـا النـوع الأول .
- النوع الدفاعي : وهو النوع الذي تصدى للنوع الثاني، فَرَدَّ ونَقَدَ، وصوَّب وصحَّحَ، هذا النوع في الحقيقة هو من صنف النوع الأول غير أنه عِوض أن يتفرَّغ لخدمة القرآن على نهج سالفه وجد أمامه مُشوِّشا، وصادف في طريقه عائقا، فمارس الدفاع والتصحيح إيمانا منه أن النقد والرد هو جزء من خدمة القرآن الكريم، وأعتقد أن عملنا هذا يدخل ضمن انشغالات هذا النوع، والنموذج التي سنذكره يدخل – حسب تصوري- في النوع الثاني، ولا مجاملة في العلم.
5- نقد الأسس العامة للقراءات المعاصرة :
5-1- في نقد الحداثة :
لا تُخفي القراءات المعاصرة توجهها الحداثي، فبعضها يُصرح به، والبعض الآخر يدعو إليه، ولا ندري ما وجه الحداثة المرتبطة بالقرآن الكريم؟ هل الحداثة تعني الجدة، جدة اللغة، وجدة الأسلوب والمنهج؟ هل تعني الطرح المتميز عن الأطروحات الأصيلة والموروثة ؟ هل هي بالمعنى الغربي أم لها دلالة غير معروفة ولم تحدد بعد؟ وعلى كل حال فما أصبح معروفا عن القراءات الحداثية هي المطالبة بإعادة النظر في كل الثوابت بما فيها دلالة معاني الآيات الكريمة، والعلوم والقواعد التي تعين على استنباط المعاني ...
لا يفهم من القراءات الجديدة أن أصحابها جدد في أسنانهم، ولا من حداثة قراءاتهم أنهم أحداث في أعمارهم بل إنهم شيوخ طاعنون في السن وقد توارت منهم فئة عن الأنظار بفعل الموت، إنهم جيل نهلوا من معين الثقافة الاستشراقية ردحا من الزمن فطبعتهم بأساليبها وأفكارها ومناهجها فراحوا يحكونها في قوالب فكرية أسقطوها على الثقافة الإسلامية مثل محمد أركون وحسن حنفي ومحمد عابد الجابري وغيرهم.
5-2- نقد التوجه والقصد :
ليس لدينا شك في أن غالبية هذه القراءات وقعت امتدادا للدراسات الإستشراقيةEtudes Orientalistesحول القرآن، تلك الدراسات التي أسسها تيودور نولدكه الألماني ) theodor noldeke (1836-1931بكتابه "تاريخ القرآن"[4]، وتبعه في ذلك تلامذته المباشرون من أمثال فريدريك شوالي schwallyوبرجستراسر BERGESTRASSER وأوطـو برتـزل Otto pretzl (1893-1933) جيل آخر من الباحثين المستشرقين المتخصصين فـي الدراسات القرآنيـة مثـل أجنتس كولـد زيهر (1850 – 1921) IGNAZ GOLD ZIHERوريجيس بلاشيرREGIS BLACHERE (1900-1973) ، وتوالت الجهود حول تاريخ القرآن وعلومه وشرح معانيه مع رعيل من الباحثين الشرقيين أولئك الذين أخذوا عن المستشرقين بصفة مباشرة أو غير مباشرة ، تبدَّى لنا ذلك في أن ما يثيره هؤلاء المحدثون يتماشى مع تكلم فيه المستشرقون منذ مدة ، فقد اتحدوا معهم في القصد والغاية ، وذلك بالأسباب الآتيـــــــة:
1- تسلحها بمناهج جديدة ، هي عين المناهج التي تسلح بها المستشرقون بالأمس ، وجلها مناهج تولَّدت في ظل الهيمنة والاستعمار تَمَّ العمل بها في دراسة الشرق ، مناهج لم تنتقد كما يجب ، دفعوا بها في مجاري الرؤية العلمية للتراث الإسلامي ، وكأنَّ الثقافة الإسلامية خالية من مناهج وعلوم دراسة النص.
2- لم تكن هذه القراءات تراعي الرؤية المقاصدية للقرآن بقدر ما كانت تراعي أهداف المنهج ، ولا شك في أن أهداف بعض هذه المناهج تُخالف روح القرآن ومقاصده بوصفها نبتت في بيئة غربية ، طُبعت بطابعها ، وتأثرت بمناخها الفكري والعقدي والفلسفي.
3- أدَّت عملية ربط الرؤية بالمنهج الجديد إلى تحريف معاني القرآن ، والتشويش على تاريخه النقي ، وهو تاريخ مخالف لتاريخ التوراة والإنجيل ، فكانت العملية الفكرية أنهم أخرجوا ما تَمَّ الاتفاق عليه إلى دائرة ما تَمَّ الاختلاف فيه ، وأخرجوا ما تَمَّ التسليم به إلى دائرة ما تَمَّ التشكيك فيه .
4- وقع الإقبال على القرآن من موقع ترك العلوم والمعارف والأدوات والضوابط التي رافقته عبر التاريخ والميل إلى قواعد وضوابط أخرى وذلك في إطار عقلنة فهم النص ، كانت النتيجة تحقيق ما يلي :
- تحطيم تحكم الغيب في الرؤية.
-رفع القداسة عن النص.
- إجلال علوم وقواعد أخرى وازدراء علوم وقواعد النص.
- توجيه أحكام الاتهام إلى المعارف المصاحبة للنص والمنبثقة عنه والمتحكمة في عملية الفهم والتقريب بدعوى أنها : تقليدية ، سلفية ،بالية ، ماضوية ورجعية.
5-3- نقد المناهج :
ليس الغرض من إثارة هذا العنوان هو محاكمة المناهج المعمول بها في حقل التراث الإسلامي بصفة عامة وحقل الدراسات القرآنية بصفة أخص في كونها نشأت في أحضان المجتمعات الاستعمارية وأنه دفع بها لتحقيق أغراض استعمارية بحثة مثل المناهج المنبثقة من اللسانيات والسوسيولوجيا والانثروبولوجيا والسيكولوجيا والفيلولوجيا الخ، لكن الذي نريد أن نشير إليه هو نوع متميز من المناهج الحديثة التي تطوَّرت مع الدراسات القرآنية بعد تيودور نولدكه على أيدي التفكيكيين Déconstructeurs، والتفكيك Déconstruction هو منهج نقدي تأسس على يد الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا Jacque Dérida (1930-2004) ، ثم تطور على يد جون واسنبرو John Wansbro وتلامذته من بعده من أمثال الدانماركي باتريشيا كراونPatricia Crown ، ومايكل كوك البريطانيMichael Cock (1942) ، ثم تأثر بهم رهط من المفكرين العرب من أمثال محمد أركون وصادق جلال العضم ونصر حامد أبو زيد ومحمد شحرور ومحمد عابد الجابري وغيرهم ، ولما كان الغرض من تأسيس المنهج التفكيكي هو دراسة النصوص التي غلبت عليها صفة المطلق والمثالية وتقويض مفاهيم الحقيقة التي تتضمنها ، لذلك كان الحكم مسبقا، وكانت النتيجة معلومة، طبق هذا المنهج بشكل تعسفي على دراسة الآيات القرآنية بل حصل التعسف على المنهج ذاته، فهو تفكيك وليس بتفكيك، إنه تجميع من مناهج عدة، لأن أصحاب القراءات الجديدة لا يلتزمون بطريقة واحدة في التحليل، ولا بمنهج واحد في المعالجة ، إن جهودهم خليط غير متجانس من الفهوم ، فيها اللساني والتاريخي والبنيوي والتفكيكي والمادي التاريخي والجدلي والسوسيولوجي ثم تَتِمُّ الإغارة على علوم النصوص الإسلامية فيغرفون من علوم القرآن والتفسير والفقه والمقاصد الخ بطريقة غير مهذبة ولا منظمة، بل منهم من يردد موضوعات في علوم القرآن والتفسير تلقن للمبتدئين الجدد، وللطلبة الراغبين في التحصيل في السنوات الأولى من التعليم الجامعي تطعم هذه المعلومات بشيء من التأويل المجحف والتحليل المقرف .
"التفكيك" كلمة مغرية، لكنها بالنسبة للباحثين في الدراسات القرآنية هي من أسهل ما يكون، بوسع أي متخصص أن يفكك بشرط أن يجيد التركيب، "التركيب" من أصعب المناهج في المعرفة لا سيما في المعرفة الإسلامية لأنها " معرفة بنائية"، إن إغفال عنصر "بنائية المعرفة الإسلامية" من شأنه أن يوقع في أخطاء لا تغتفر، وقد عمد دعاة تفكيك النص الإسلامي إلى إلغاء أهم عوامل البناء التي تشكل السلطات الأساسية للنص، وهي : السلطة الصورية، والسلطة المنهجية، والسلطة الفاعلة، والسلطة المادية ، والسلطة الغائية، والسلطة الاعتبارية . [5]
"التفكيك" و "التركيب" منهجان لا يجب الفصل بينهما، من فكَّكَ يلزمه التركيب، وأعتقد أن دعاة القراءات الجديدة يدعون إلى التفكيك من دون تركيب ، لسبب واحد هو أن التركيب يتطلب ما يلي :
أ- تمثل الأجزاء تمثلا علميا، ومعرفة العلاقات السائدة بين أجزاء الكل المفكك، وقد بدأ الكلام يسري اليوم عن البحث في " الكليات القرآنية".
ب- تحكيم الرؤية المقاصدية عند التركيب، لا أتكلم هنا عن "المقاصد الشخصية" بل عن "المقاصد الشرعية"، المقاصد التي أرادها الشارع من سن النص، لا المقاصد التي التي سعى إليها الناس لمصلحة الذات.
ج- لا يكون التركيب إلا بالأدوات والقواعد والضوابط التي تتلاءم مع طبيعة النص، لأن هذه جميعا هي جزء من البناء العام للنص، ومن جهة ثانية حث عليها النص وأمر باستخدامها فيه، إن التماس عناصر أخرى في عملية "التركيب" هي أشبه ما تكون بمن أراد أن يشيد صرح بيت بأدوات الطبخ أو أراد حرث الأرض بأدوات البناء .
5-4-نقد الأسلوب:
أعني ب " الأسلوب " الطريقة العامة في التعامل مع الثقافة الإسلامية ومع أصولها المعتبرة مثل : القرآن والسنة وشخص النبي الكريم، من أساليبهم في ذلك :
أ- حذف العبارات التوقيرية والتعظيمية للشعائر التي تدل على الإيمان، فلا بسملة ولا تصلية ولا ترضية، استبدل كل هذا بأساليب ممقوتة مستوحاة من التجربة الباطنية في استخدام الرموز، والمحاولات الإستشراقية التي تستخدم الفكرة التي تدل على القضية ونقيضها.[6]
ب- سيادة الترجيح وفق نظرة أحادية جامدة ، إذا تعارض الوحي مع التاريخ قُدِّم التاريخ ، وإذا تعاكس العقل مع النقل قُدِّم العقل ، وإذا تباينت الحقائق الشرعية مع الحقائق العلمية قدم العلم على الدين، وإذا تعارضت الأحكام الشرعية مع مقتضيات الواقع قدم الواقع وهكذا.
ج- توليد المفاهيم وتغيير المصطلحات بحيث تُسمى الأشياء بغير مسمياتها، بدل الآية وضعت "العبارة" و"النص الديني"، وبدل " نزول القرآن " وضعوا "الواقعة القرآنية"، واستخدموا بدل مصطلح " علوم القرآن " نعت "الظاهرة القرآنية"، وميزوا بين أهل السنة والجماعة والفرق المخالفة والمنحرفة، فنعتوا الأولى ب "المركزية الإسلامية" ووصفوا الثانية ب "الفرقة الهامشية" في محاولة إلى قلب حقائق التاريخ، ما أطلقوا عليه "مركزا" جعلوه بفعل التعسف في التحليل هامشا، وما نعتوه "هامشا" يصبح في نظرهم مركزا. مع استخدام عبارات جديدة مثل: أنسنة وعقلنة وأرخنة و "الشأن الديني" و "الحقل الديني" والمقدس على المعتبر من الدين، والمدنس على غير المعتبر،[7] ويمكن للباحث المهتم ان يجمع قاموسا من المفاهيم القلوبة التي شُحنت بها لغة القراءات الجديدة للقرآن.
د- مُجمل العمل عند هؤلاء يقدم باسم الاجتهاد، ولم يسلم الاجتهاد من لَيِّ مفهومه، فهو يتم ب "العقل" من دون نقل، ولا ينحصر سوى في تطويق الموروث النقلي ودحضه، وذلك بفعل الالتواءات الفكرية ومدارات التحليل المتعسف، والغرض من ذلك هو محاولة إقناع القرَّاء بأن القرآن ليس في حاجة على غيره، لا سنة ولا لغة ولا قواعد ولا ضوابط، وأنهم جاءوا لإنقاذه مِمَّا ران به، لقد أوهموا أن القرآن ليس في حاجة إلى شيء لكنه في حاجة إليهم في كل شيء.
6- نظرات في قراءة الدكتور محمد عابد الجابري :
أحببت أن أقدم من النماذج التطبيقية السائدة محاولة الدكتور محمد عابد الجابري .
إن المتتبع لأعمال هذا المفكر، والأستاذ الباحث المتخصص في "الفلسفة العامة" يجده قد تدرَّج في دراساته بأعمال متنوعة في حقل التراث الإسلامي من مثل كتابه : (العصبية والدولة)، و(نحن والتراث)، و(تكوين العقل العربي) ، و(نقد العقل العربي)، و(التراث والحداثة)، و(مسألة الهوية)، و(الدين والدولة وتطبيق الشريعة الإسلامية) ودراسات أخرى عامة ومتفرقة شملت قضايا فكرية متنوعة لتنتهي به التجربة إلى إصدار كتاب حول القرآن الكريم عنونه ب ( مدخل إلى القرآن الكريم) ، وإذا كانت كل هذه الأعمال تدخل في القراءات الجديدة للتراث بصفة عامة فإن هذا الكتاب يدخل في هذه القراءات التي تستهدف القرآن برؤية لا تتباين كثيرا مع القراءات الأخرى السائدة في ساحة الثقافة ، والتي سبق الكلام على بعضها ، إنها تدخل فيها من الباب الواسع.
لماذا تأخر بحث الجابري في القرآن مع العلم أنه باشر البحث في التراث الإسلامي منذ أن صنف كتاب (العصبية والدولة ) سنة 1971م ؟
أقول هذا الكلام لأن مدار التراث العربي الإسلامي على القرآن والسنة، فكل معرفة بالتراث تستلزم معرفة هذين الأصلين، فالمعرفة الحقيقية بالتراث تبدأ من المعرفة بهما، والجهل الحقيقي بالتراث يبدأ من الجهل بهما، ولذلك فكل معرفة بالتراث العربي الإسلامي في غيابهما هي مجرد تخرص وظنون .
لقد تعاطى الدكتور محمد عابد الجابري للدراسات القرآنية على طريقته، ووفق تصميمه ومنهجه، لكن ماذا لو غَيَّرت له هذه الصلة الجديدة بالقرآن النظرة إلى التراث، وإذا تغيرت النظرة كيف يتعامل بالتصحيح والمراجعة مع كل ما كتب ؟
أعتقد أن الجابري أخَّر بحث ما يجب أن يبدأ به، وقدَّم ما يجب أن يُؤخِّره، وما تعلَّل به في مقدمة كتاب المدخل في ربط هذا العمل بما سبق[8]8 هو مدفوع بما تمت الإشارة إليه.
لتقريب هذا العمل للمتابع المهتم نقول: إن الجابري خصص الجزء الأول من مؤلفه للتعريف بالقرآن، وهو الجزء الذي صدر في شتنبر من سنة 2006م عن دار النشر المغربية بالدار البيضاء في حوالي407 صفحة، لكن ماذا في هذا العمل ؟
العمل في عمومه هو جمع لمعلومات عديدة ومتنوعة، أُريد لها أن ترتب بطريقة معينة داخل هذا الإصدار، جمعها وكيفها في أقسام ثلاثـة :
- القسم الأول أطلق عليه ( قراءات في محيط القرآن الكريم)، بناه على خمسة فصول: الأول حول وحدة الأصل في الديانات السماوية الثلاث، والثاني في الدعوة المحمدية وعلاقاتها الخارجية، والثالث النبي الأمي هل كان يقرأ ويكتب؟ ، والفصل الرابع في حديث الوحي وإثبات النبوة، والخامس: حقيقة النبوة وآراء في الإمامة والولاية.
- القسم الثاني سماه (مسار الكون والتكوين)، بناه على خمسة فصول أيضا، الأول – وهو السادس بالامتداد- عنونه ب ( الكتاب وإعادة ترتيب العلاقات)، الثاني في ( الأحرف والقراءات والمعجزات)، الثالث (قرآن عربي في أم الكتاب وترتيب العلاقة مع أهل الكتاب)، الرابع في مسألة جمع القرآن ومسألة الزيادة في والنقصان، والخامس في (ترتيب المصحف وترتيب النزول).
- القسم الثالث خصصه للقصص القرآني، ميَّز فيه بين القَصَص القرآني المكي، والقَصَص القرآني المدني.
ليس الغرض من هذا التقديم هو الوقوف الشكلي بعرض المضامين والمحتويات بل الغرض هو أن نضع بين أيدينا فحوى هذه المحاولة التي أدخلها الجابري تحت اسم: (التعريف بالقرآن)، والتي يُراد لها أن تكون من المحاولات الجديدة والقراءات العصرية الحديثة للقرآن الكريم. فما هي النظرات العامة حول هذا الجهد ؟
1- الجهد العلمي الذي بذله الجابري في هذا الإصدار هو جهد عادي جدا، جهد بسيط، وأرجوا أن أكون على صواب إذا قلت : إنه جهد المتعلم الذي بدأ مرحلة جديدة من حياته في اكتساب أشياء لها صلة بالقرآن الكريم.
2- يلتمس النصوص من مصادرها، ويكثر من النقول لا سيما في القسم الثالث، ويعرض قضايا معروفة في علوم القرآن ومألوفة عند الباحثين والمتخصصين.
3- عدم الاهتمام بعنصر الانسجام في تقديم المادة العلمية ، فهو حريص على عرض الخلافات الموجودة في موضوع معين ولو بين أطراف متناقضة مثل آراء أهل السنة والشيعة والمستشرقين واليهود والنصارى ...
4- تعليقه على الآراء هو تعليق باهت جدا ، وإذا استخلص أشياء معينة فمن دون ترجيح ، وكأن الغرض هو التأليف في القرآن لأجل التأليف لا لأجل بحث قضية ما.
5- عدم اعتماد منهج العلماء في ضبط الأخبار، ومعلوم أن الموضوع الذي تصدى للبحث فيه عمدته الخبر والرواية ، وضبط المرويات والأخبار له منهج معروف، ومسلك مألوف، وهو جزء من مناهج خدمة النص.
6- الكتاب خليط من الموضوعات، بعضها له صلة ب "القراءات القرآنية"، وبعض له صلة ب "التفسير"، والبعض الآخر له علاقة ب "علوم القرآن" و " العقيدة " و " مقارنة الأديان " و " والفلسفة الإسلامية " و " وعلم الكلام " و " السيرة النبوية " و " الفرق والمذاهب " .
7- في الكتاب من السرد والحكي الشيء الكثير، فكأنه يقدم أخبارا للمبتدئين، فهو يتكلم عن الحنيفية السمحة، والحنفاء في الجاهلية، وإسلام بعض الصحابة من أهل الكتاب مع عرض سيرهم وأخبارهم مثل: سيرة سلمان الفارسي رضي الله عنه، وقضايا أخرى كثيرة.
8- في الكتاب حشو وإطناب وإقحام للنصوص في غير مقامها مع التعسف في وضع عناوين جذابة وبراقة.
9- وصل الحد بالأستاذ محمد عابد الجابري إلى التعريف بمصادر علوم القرآن مثل كتاب الإتقان للسيوطي والبرهان في علوم القرآن للزركشي، ثم أغار على كتاب السيوطي فَقَدَّم فهرسته كاملة [9]، وأغار على كتاب الزركشي فعرض فهرسته [10] .
10- مع كل هذا فالكتاب وإن حاول توخِّي العلمية في عرض بعض القضايا البديهية التي أثارها والتي لها صلة بالقرآن الكريم فإنه لم يكن موفقا ولا بريئا في أهم ما يجب الحسم فيه لاسيما في قضايا علمية وعقدية مثل الزيادة في القرآن والنقصان منه، وهو يعلم أن الإجماع منعقد عند أهل السنة والجماعة وبعض فرق الشيعة أيضا أن القرآن الذي نتعبد الله به اليوم لا زيادة فيه ولا نقصان ، لكن يحلو للجابري أن يجعل من هذه القضية موضوعا خصص له الفصل التاسع الذي سماه ( جمع القرآن ومسألة الزيادة فيه والنقصان)، عالجه بأسلوب هو أقرب إلى أسلوب المستشرقين ، يحسم ثم يعود لينقض ما حسم ، متذبذب في الأحكام ومضطرب في الخلاصات، تأمَّل هذه الخلاصة التي ختم بها هذا الفصل : ( وخلاصة الأمر أنه ليس ثمة أدلة قاطعة على حدوث زيادة أو نقصان في القرآن كما هو في المصحف بين أيدي الناس ، منذ جمعه زمن عثمان، أما قبل ذلك فالقرآن كان مفرقا في "صحف" ، وفي صدور الصحابة، ومن المؤكد أن ما كان يتوفر عليه هذا الصحابي أو ذاك من القرآن – مكتوبا أو محفوظا – كان يختلف عما كان عند غيره كما وترتيبا ، ومن الجائز أن تحدث أخطاء حين جمعه زمن عثمان أو قبل ذلك فالذين تولوا هذه المهمة لم يكونوا معصومين ، وقد وقع تدارك بعض النقص كما ذكر في مصادرنا ) ، ثم يعلق على الآية 9 من سورة الحجر، والآيتين6- 7من سورة الأعلى، والآية 101 من سورة النحل، والآية 52 من سورة الحج، والآية 106 من البقرة، والآية 39 من الرعد فيقول : ( ومع أن لنا رأيا خاصا في معنى الآية في بعض هذه الآيات فإن جملتها تؤكد حصول التغير في القرآن، وإن ذلك حدث بعلم الله ومشيئته). [11]








1- بحث مقدم إلى المؤتمر العلمي الذي نظمه مختبر الدراسات والأبحاث الحضارية وشعبة الدراسات الإسلامية بالجديدة في موضوع : (القراءات المعاصرة للقرآن الكريم) الذي عقد بكلية الآداب بالجديدة أيام : 19-20-21- ماي 2011م.[1]

- 2- كما في سورة العلق – الآيات ( 1-5).[2]

3 - أنظر على سبيل المثال لا الحصر الذهبي محمد حسين في كتابه ( الاتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن دوافعها ودفعها ) ، الأولى – دار الاعتصام- 1976م.

4 - نقله إلى العربية عن أصله الألماني جورج تامر ، وصدر في طبعته الأولى ببيروت سنة 2004م.

5- أنظر سلطات النص الستة التي أثبتناها في بحثنا المنشور ضمن أعمال ندوة "أهمية اعتبار السياق في المجالات التشريعية وصلته بسلامة العمل بالأحكام" الموسوم ب " خطة السياق ومحاولة تطبيقها على النص الحديثي" ص 463- ندوة الرابطة المحمدية للعلماء- الأولى 2007م.

- أنظر على سبيل المثال الجابري محمد عابد ، مدخل إلى القرآن ص 397 و398 و400.[6]

7 - يمكن الرجوع في ذلك إلى المنصف بن عبد الجليل ومقدمه عبد المجيد الشرفي في كتابه : الفرقة الهامشية في الإسلام : بحث في تكوين السنية الإسلامية ونشأة الفرقة الهامشية وسيادتها واستمرارها 1999م، الأولى ، مركز النشر الجامعي بتونس، وانظر الجابري محمد عابد ، مدخل إلى القرآن، وشحرور محمد في " الكتاب والقرآن " 1990م ، وأركون محمد في " نقد الخطاب الدينــي "....

8 - لا يخفي الجابري حيرته من موقع هذا العمل ضمن أعماله المتقدمة ، أنظر ما استهل به تقديم الكتاب .ص 7.

- 9- الجابري محمد عابد ، ص 22.[9]

- 10- الجابري محمد عابد ، ص 232.[10]

- 11-الجابري محمد عابد ، مدخل إلى القرآن الكريم ص 210.[11]
 
إن من أهم الأسس في التعرف على مناهج العلمانيين الجدد أوالحداثيين هو معرفة الأساس الفلسفي النظري الذي أنتج المنهج في بيئته، وبما أن المنهج التفكيكي الذي اعتمده الحداثيون العرب هونتاج الفلسفة التفكيكية فإن الحكم على المنهج يستلزم الحكم على العمود الفلسفي الذي أنتجه ،وتفكيكية دريدا نتجت كرد فعل لفشل الفكر الغربي في التخلص من آثارالغيبيات ومن أي ربط للمفاهيم والقيم باللاهوت،فالفلسفة الغربية في القرن الماضي كان هدفها تحديداً تكريس الإلحاد وعندما فشل هذا المشروع الفكري تماماً قام اليهودي دريدا بمراجعة الأسس والمفاهيم التي أقام عليها الفكر الفلسفي الغربي بنيانه وأقر حقيقة فشل هذا الفكر في الوصول إلى الإلحاد الذي كان ينشده ،والسؤال الذي يطرح نفسه هنا كيف يمكن لمنهج مستنده الإلحاد أن يدرس به كتاب الله؟ أم أن القراءات المعاصرة تعول كثيراً على جهل القارئ العربي بالمستند المعرفي للمنهج المستخدم ؟أم لعل القراءة الحداثية للنص تعول على جهل القارئ العربي بالمفهوم الإلحادي القابع وراء المصطلح المترجم والمنقول خارج بيئته.
 
إنهم جيل نهلوا من معين الثقافة الاستشراقية ردحا من الزمن فطبعتهم بأساليبها وأفكارها ومناهجها فراحوا يحكونها في قوالب فكرية أسقطوها على الثقافة الإسلامية مثل محمد أركون وحسن حنفي ومحمد عابد الجابري وغيرهم.
جزاكم الله خيرا اخي محمد خروبات وهي مرحلة اولية-اي تسلحهم بأسلحة الإستشراق واخذهم عنها (مقدمات) باطلة- توبعت بالمرحلة الثانية في التأثر والتقليد والأخذ كما ذكرتمم اعلاه في النص التالي
تسلحت بمناهج جديدة، جلها مناهج مستمدة من علوم إنسانية وافدة من ثقافة الآخر، مثل اللسانيات والسيميائيات كما نجد عند محمد أركون، والهيرمنيوطيقا عند نصر حامد أبوزيد، والسوسيولوجيا والأنثروبولوجيا والفيلولوجيا والفلسفة كما نجد عند محمد عابد الجابري والمنصف بن عبد الجليل ومقدمه عبد المجيد الشرفي وغيرهم .
 
واحب ان اضيف ان نتائج هذه البحوث العلمية هي نتائج صائبة، جاءت بعد إعمال فكر بعد هضم واضح للمادة وسيطرة كاملة عليها- استطاعت غالبا ان تلم بالمقاصد العلمانية والاغراض المعاصرة لاصحاب المناهج الجديدة المستحدثة في الغرب، وهو مايدل على نضج لم يتوقعه العلمانيون بل غالبا ماوصفونا بالمراوحة في الكتب المدرسية وعدم المام ولو ضعيف بالفكر الغربي المعاصر او محاولة فهمه، اما هنا فنرى كثير من المواضيع الموضوعة اخيرا في الملتقى -ملتقى الانتصار للقرآن- تثبت ليس فقط القراءة الذكية للكتابات المتعالية المتأثرة بالغرب وانما الحكم الدقيق عليها بعد اعمال تفكير افقي وعمودي فيها حيث جاءت النتائج مهيمنة بعد تفكيك وراصدة بعد تحقيق او العكس،فلله الحمد والمنة
هكذا ولدت في الامة المكرمة من فقه - من علماء وخبراء- خلل علوم العصر المادية مهما بلغت من وقاحتها الفكرية وادعاءاتها الابداعية!
 
لماذا تأخر بحث الجابري في القرآن مع العلم أنه باشر البحث في التراث الإسلامي منذ أن صنف كتاب (العصبية والدولة ) سنة 1971م ؟
أقول هذا الكلام لأن مدار التراث العربي الإسلامي على القرآن والسنة، فكل معرفة بالتراث تستلزم معرفة هذين الأصلين، فالمعرفة الحقيقية بالتراث تبدأ من المعرفة بهما، والجهل الحقيقي بالتراث يبدأ من الجهل بهما، ولذلك فكل معرفة بالتراث العربي الإسلامي في غيابهما هي مجرد تخرص وظنون .
لقد تعاطى الدكتور محمد عابد الجابري للدراسات القرآنية على طريقته، ووفق تصميمه ومنهجه، لكن ماذا لو غَيَّرت له هذه الصلة الجديدة بالقرآن النظرة إلى التراث، وإذا تغيرت النظرة كيف يتعامل بالتصحيح والمراجعة مع كل ما كتب ؟
أعتقد أن الجابري أخَّر بحث ما يجب أن يبدأ به، وقدَّم ما يجب أن يُؤخِّره، وما تعلَّل به في مقدمة كتاب المدخل في ربط هذا العمل بما سبق[8]8 هو مدفوع بما تمت الإشارة إليه.
هذه الجملة استاذنا تحتاج لتوضيح فلم استطع استيعابها.
كما ان الجابري هو نفسه من قال ان ساعة او اوان النقد اللاهوتي لم يحن بعد ، وهذه الجملة قالها قبل كتابة المدخل الى القرآن بعقود او اعوام ، بيد أن طرابيشي حرضه اثناء نقده في مشروعه الخاص بنقد الجابري، حرضه ووسوس له، ولم يرد الجابري فيما اعلم على واحدة مما نقد طرابيشي الا انه فاجأ الجميع بالمدخل والتفسير الثلاثي!
ولم يقم فيه بنقد كنقد اركون المعتمد فيه وبصورة مباشرة وواضحة على قوانين مدرسة الحوليات الفرنسية وغيرها من العلوم الحديثة جدا مما افرزته قريحة الماديين الفرنسيين وغيرهم ، وبعضهم من اصدقاء اركون نفسه.
فقط وضع بعض صور نقدية حشرها في تفسير كأنه تفسير سلفي لكن داخل مسار الكون والتكوين الخاص بالجابري نفسه.
لقد قال الجابري يوما ان ساعة النقد اللاهوتي تحتاج لقرن او قرنين لكن الطرابيشي هيجه على جريمته الكبرى في حق القرآن وقد امهله الله ليكتب سلسلة العقل العلماني (المدخل وثلاثيته)المتأثر بالغرب من جهة المغرب!
وبعدها بقليل لم يدعه الله ليعيش، بل اخذته وقد اخرج كل مافي جعبته ولم يبق له شيء ليقوله، فكان الجابري آخر فم -الى الآن-يفوه بما يظن-بمشروعه الاخير المكتوب والمسطور- انه اخراج الامة للحداثة الغربية ولايتم له ذلك الا بالمساس بمصباح النور القرآني ولكن هيهات ويأبى الله الا أن يتم نوره.
 
تحية وتوضيح

تحية وتوضيح

تحية إلى الأخ الفاضل حاتم القرشي وفاطمة الزهراء الناصري وسهاد قنبروطارق منينة وما تفضل به الأخ طارق واضح جدا ، يعلم الجميع شرقا وغربا والجابري أيضا أن القرآن الكريم وما صح من سنة النبي صلى الله عليه وسلم هما الأصل للتراث الإسلامي ، ومعلوم أن الأصول تتصدر الأولوية في سلم الاهتمامات العلمية والمعرفية ، ولا تتقدم فروعها عليها ، يقول الله عز وجل في سورة الحجرات :{ يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله}، وهؤلاء قدموا على القرآن والسنة أشياء كثيرة مما عرفت ومما تمت الإشارة إليها في المقال وفي كلامكم ، وهذا التقديم ألحق قبحا بالمنهج وفسادا في الرؤية ، والمحاولة التي بين أيدينا أنموذج في ذلك ، كيف ذلك ؟
أولا : قدم اهتمامه بالتراث الإسلامي على القرآن الكريم ، وقد أخذ منه الاهتمام بالتراث كل جهده وشغل كل حياته. وهي قضية كان من الممكن أن لا تثار لو لم يتكلم الجابري في القرآن ، أما وأنه قد تكلم فالموازنة من هذا المنظور أصبحت لازمة.
ثانيا : تقديمه لمناهج الآخر على مناهج الذات ، وأسلوب الآخر على أسلوب الذات ، لذلك لم تتباين النتيجة التي حصل عليها على نتائج المستشرقين في هذا المجال.
 
تحية طيبة إلى أستاذنا الباحث الدكتور محمد خروبات والذي حصل لنا شرف التمدرس على يديه بجامعة القاضي عياض شعبة الدراسات الاسلامية سنوات 2003/2004، وكذا مشاركتنا إلى جانبه كمشرف على معرض الكتاب الذي نظم على هامش الندوة الدولية بخصوص العالم الرباني بديع الزمان سعيد النورسي والمؤقت المغربي العلامة محمد بن الموقت .
والاستاذ محمد خروبات معروف بكتاباته الجريئة والنقدية والتي تروم نفض الغبار على ملحق العقل العربي المسلم من جمود على ظاهر النصوص وتقليد أعمى مذموم. وما بحثه هذا إلا دليل على مكنته الثقافية الواسعة وذوذه عن كل مايمس قداسة ثراثنا المجيد.
ومحمد عابد الجابري ما هو إلا واحد ممن تتلمذوا على أساتذة الإلحاد والتشكيك وتأثروا بالفكر الاستشراقي المغرض ، وهو ماعلى ذلك له إسهامات فكرية محترمة< نقد العقل العربي/ بنية العقل العربي، نحن والثرات ، لكن قفزه على القران والسنة لدراسة التراث لم تكن موفقة بل أضاعت عليه كثيرا من الجهد الذي لو سخره لقراءة أصول الشريعة الاسلامية <خاصة القران الكريم> لربما غيرت مسار مشروعه الفكري من أجل إعادة تشكيل العقل العربي المسلم ليزاوج مابين الحسنيين
شكر الله لك أستاذنا محمد خروبات على هذه القراءة النقدية البنائية .
 
جزاكم الله خيرا شيخي الكريم وأستاذي الفاضل الدكتور محمد خروبات،لله دركم ،فدائما تطلون علينا بكل جديد ،فمنه ننهل ومنه نستفيد ،بارك الله في علمكم وعملكم، وأطال عمركم وحفظكم وسدد خطاكم لأجل هذا الدين الذي أنتم حماته تذوذون عنه سرا وعلانية.
 
عودة
أعلى