القرآن ترياق الصالحين

إنضم
24/07/2015
المشاركات
27
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
الإقامة
المغرب
في زحمة أمواج الفتن المتلاطمة، وتكالب الناس غنيِّهم وفقيرهم، شبابهم وشيبهم على الدنيا ؛ يجد السالك إلى ربه نفسه في غربة تامة، وذهول عظيم، ويحدث أن يصيبه لهيب أو شرارة من تلك الفتن فيتيه ويظلم قلبه، وتجتاح الوحشة والانقباض جنانه حتى يضحى كريشة في مهب الريح. تتداركه رحمة الله عز وجل التي وسعت كل شيء فينادي عليه القرآن{قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ}.
يفتح كتاب ربه تبارك وتعالى وينتقل بعين قلبه بين آياته وسوره، فتفك أغلال القسوة والضيق عن صدره، وتنجلي غمم الغفلة عن بصيرته فينذهل أمام حقائق الغفلة والبعد التي لطالما رزح ويرزح فيها الكثير من العباد، ويعي أهمية الدعوة إلى القرآن بعد أن ارتوت روحه بزُلال {عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ}.

تدب الحياة في القلب بعد أن لا مس سويداءه غيث الفرقان، فتعلو الهمة وتتوق إلى تسنُّم مقامات الخواص وأهل الحضرة الرحمانية بعد الاستظلال ب:
{بَلْ هُوَ آيَات بَيِّنَات فِي صُدُور الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْم}.

ما أعظم تلك الساعة التي ينبلج فيها فجر اليقين بصدق هذا الكتاب العظيم، والمعجزة الباهرة؛ ما أعظم تلك اللحظة التي تعِب فيها القلب ونصَب من كثرة التنقل في سبل تَطَلُّبِ الراحة والطمأنينة، فإذا بالقرآن يهدي ويدل { إنَّ هَذَا القرآن يهدي للتي هي أقوم}.
القلب المعمور بالقرآن وتعظيم القرآن لا يتطرق إليه شك ولا ريبة مهما عظمت اختراعات البشر وتقنياتهم، وقصورهم وأبنيتهم ،
{مافَرَّطنا في الكتابِ مِنْ شَيْء}.
المصطلِح مع القرآن لا ترعبه الآلام والأذواء والأسقام لأنه راسخ الإيمان ثابت العقيدة بالقرآن{قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ}لا كلام أعجز من القرآن بلاغة وبيانا، وأسرارا وحِكمًا، ومع ذلك كله يسره الله عز وجل على العباد، وفتح مغاليق فهمه على مصراعيها أمام الصادقين منهم{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ من مدَّكرٍ}
القرآن ترياق الصالحين، وملاذ الحائرين، والموفق السعيد من أقبل عليه بقلبه وعقله، وعمَّر ما بقي من عمره بالتبحر في أسراره، والارتواء من معين حياضه، والشقي المخذول الطريد من اتخذ هجران الفرقان خِدْناً، والإعراض عن نسماته ونوره ملجأ وحصنا
 
الهجرة إلى القرآن

الهجرة إلى القرآن

يطالع الكثير منا سير أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعيهم وتابعي تابعيهم بإحسان، فينذهل وايم الله من قوة اتصالهم بكتاب الله جل وعلا، ويتساءل :كيف تيسر لهؤلاء البشر تحصيل هذه المقامات العلية والمراتب الزكية؟؟
الجواب قد يبدو بسيطا وبديهيا:إنهم هاجروا إلى القرآن ، وعرفوا الطريق إلى القرآن.
عرفوا السبيل إلى القرآن حين تحققت قلوبهم بعظمته، وأنه الفصل ليس بالهزل، وهو كلام رب العالمين.
هاجروا إلى القرآن لما رباهم سيد ولد آدم ،بأبي وروحي وكلي هو عليه الصلاة والسلام، على السمع والطاعة لأوامر القرآن. وتحليل حلاله وتحريم حرامه.
يجد المهاجر إلى القرآن نفسه أمام جيل قرآني فريد، جيل كانوا رجالا بالقرآن ، لم تلههم تجارة ولا بيع عن القرآن ، صدقوا ما عاهدوا الله عليه بالقرآن، أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ، أمروا بالمعروف ، نهوا عن المنكر بالقرآن. تفطرت أقدامهم من القيام بالقرآن، خشعت جوارحهم، وعمشت أبصارهم بالقرآن.
جيل حديثهم القرآن، وحركاتهم وسكناتهم بالقرآن وفي القرآن وللقرآن.
والسؤال الملح : كيف نهاجر ونعرف الطريق إلى القرآن، كما هاجروا وعرفوا؟؟
لاشك إن الإجابة عنه شاقة ومجهدة للعقل والروح، وذلك الإجهاد مرده إلى أن القول والتخطيط والتنظير يحسنه غالب الناس، والقول يحتاج إلى تجميله بحسن العمل، وظلُّ العمل المجاهدة وشدة البلاء والمحن، وهو الفيصل بين {​الذين يؤمنون بالغيب}والذين{في قلوبهم مرض}.
الهجرة إلى القرآن أحبتي تحتاج فطرة مصفاة منقاة من درن جاهلية المادة، وجاهلية الكبر، وجاهلية النفاق، وجاهلية حب الرياسة والجاه، وجاهلية النفس الأمارة بالسوء، وجاهلية اتباع الهوى، وجاهلية عبادة الله بالهوى ، هي جاهليات كثيرة، وبقدر تكسيرها تهون الهجرة إلى القرآن.
الهجرة إلى القرآن تحتاج إلى قلب معمور بالتوحيد النقي الصافي العملي لا المتون المحفوظة والمناظرات والجدالات السامجة العقيمة.التوحيد الذي لا تقلب صفحة من صفحات كتاب الله إلا وجدتها داعية إليه.
الطريق إلى القرآن تحتاج إلى إعداد العدة والتزود بزاد التوبة المتجددة والاستغفار المتواصل، والمحاسبة الشديدة للنفس؛التوبة من تعظيمنا المجمل لكتاب الله، ومن تقصيرنا في تلاوته وتدبره.
الهجرة إلى القرآن بدايتها أشواك وأودية وجبال شاهقات وعرة، لكن نهايتها نور عظيم يسري في القلب ويعرج بالروح إلى الحضرة الرحمانية ويصلها بالذي على العرش استوى. نور يبصر به السالك كل شيء على حقيقته، نور يعيش به جنة الدنيا.
الهجرة إلى القرآن أحبتي لا تتحقق إلا بجعل هذا الكتاب هم الهموم، وآكد المهمات، ورأس المشاريع، وأنه لا غنى للعبد عنه ألبتة.
المهاجر إلى القرآن لابد له من اجتياز مراحل ثلاثة:
١- مرحلة التعرف على القرآن، وسهولة تجاوزها تكون بقدر استعداد القلب لتحمل مسؤولية القرآن، وأهم ركائزها الوصول بالقلب إلى إدراك حقيقة كلام الله، في إعجازه وعظمته، وأنه كلام رب واحد عظيم جبار خالق متصف بصفات الكمال كلها.كلام تقشعر له الجلود وتخر له الجبال وتنهد وتتصدع؛ وكلما استغرق فكره هذه المعاني أحس بسكينة تسري في قلبه، وأحس بأن ذرات جسمه كلها تتمنى لو تعمل بهذا القرآن.
٢- مرحلة عمل ومكابدة ومجاهدة بغية الثبات على طريق القرآن؛ هذه المرحلة يحتاج فيها القرآني الرباني إلى تعاني الحفظ وكثرة التلاوة والتدبر، والتهجد والمراجعة والتعاهد؛ كذلك النظر في أخلاق أهل القرآن وسيرهم والتخلص من أضدادها كالسفه والجهل...طول هذه المرحلة يختلف من عبد إلى عبد وهذا الاختلاف راجع إلى درجة امتيازهم في اجتياز المرحلة الأولى.
هذه المرحلة هي العمود الفقري في الهجرة إلى القرآن، لأن النجاح في اجتيازها يعني مسايرة موكب الأسلاف الصالحين في علاقتهم بكلام الله تقدس وتبارك.
٣- هي غاية الغايات ونهاية النهايات، وهي حلم الربانيين أهل الله وخاصته الذين اختلط حبهم للقرآن بدمائهم، مرحلة ثبات القدم على حب الفرقان ، مرحلة لا يكاد يميل فيها القلب إلى الأغيار الملهية عن القرآن.
مرحلة القرآن الذي يمشي على الأرض، ولا تنازل فيها عن أوراد أهمها: كثرة التلاوة+ ورد التدبر+ التهجد بالليل+ الحفظ والمذاكرة، ثم العمل وتنزيل الآيات على الواقع وتحكيمها في كل شيء.
ثم لابد من الإشارة إلى مسألة مهمة وهي التخفيف من الذنوب والشعور بأن حسنات الأبرار سيئات المقربين.
وما أقر عين صاحب هذا المقام بخاتمة حسنة.
 
التعرف على القرآن

التعرف على القرآن

كنت قد ذكرت في منشور "الهجرة إلى القرآن" أن أول مراحل هذه الهجرة هي مرحلة التعرف على القرآن، إنها مرحلة رفع الغبش والعمش عن القلب لإبصار نور القرآن وإدراك عظمته وجلالة قدره.
غالب المسلمين اليوم إلا من رحم الله مؤمنون بكلام الله ككتاب منزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، يتلى في المناسبات، وتزين به رفوف المساجد، وتعقد له المسابقات ، لكن القلة القليلة من هؤلاء المسلمين هي من آمنت بهذا الكتاب الجليل كنور وهدى وفرقان وشفاء وموعظة للمؤمنين ، وكتاب يهدي للتي هي أقوم..
إن التعرف على القرآن مرحلة من الأهمية بمكان، لأنها تفتح أمام الروح آفاقا فسيحة لشهود عظمة هذا النور الرحماني واستمداد القلب من شعاعاته، وإدراك هذه العظمة -بلا ريب- قائد اضطرارا إلى معرفة قدر المتكلم بالقرآن جل جلاله وتقدست أسماؤه.
التعرف على القرآن خطوة مصيرية يكابد فيها العبد آلام قلع جذور الغفلة عن القرآن من قلبه، ويصابر فيها لهيب تصدع جنانه بتجليات الفرقان؛ مرحلة يقرر فيها العبد التجرد من هوى النفس ، والميل إلى الأغيار، وزخرف الدنيا، ويؤسس فيها بنيان قلبه على تقوى من الله ورضوان.
مرحلة التعرف على القرآن شعارها الانتقال من التعظيم المجمل لكتاب الله جل وعلا إلى التعظيم المفصل له، ومن حال التقديس العامي المغروس في الفطرة المسلمة ، إلى حال التقديس الخاص الذي ربى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فكانوا بحق جيلا قرآنيا فريدا.
سأضرب لكم مثلا أحبتي :لو سئل أحد المسلمين من أهل السنة والجماعة عن الإمام أحمد لوُجد أنه يعظمه ويكن له المحبة والتقدير لأنه ربما طرق سمعه يوما شيء من قصة خلق القرآن؛ ولكن لو قدر الله جل وعلا وطالع هذا المسؤول سيرة هذا الإمام في كتب التراجم المعروفة وأحاط بتفاصيل حياته وجهاده وربانيته، فستتغير الصورة المرسومة في ذهنه عن الإمام وسيزداد تعظيمه وإجلاله له؛ بل سينتقل من مرحلة التعظيم إلى مرحلة الاقتداء ؛ وسيقوى إقباله على الله جل وعلا بسبب ما غرسته سيرة هذا الإمام في قلبه من العبر والعظات.
فما بالك حبيبي في الله لو عومل كتاب الله جل وعلا بنفس الطريقة وفُرٍّغ له القلب والعقل وتُدبِّرت آياته وامتُقِلَ في أسراره وكشْف حقائقه؛ لاشك أن النظرة إلى القرآن ستتغير من نظرة تعظيمية سطحية إلى نظرة منهاجية تمثلية لأخلاقه وأحكامه، ولاستحضر المسلم عظمة هذا الكتاب كلما هم بقراءته ، أو نظر إليه أو استمع إليه.
لقد آن الأوان أحبتي لنقبل على القرآن ، ونشمر عن ساعد الجد في سبيل التعرف عليه لتفتح لنا مغاليق التدبر وتهون علينا عقبات طريق السير إلى الله.
وفي المنشور المقبل إذا أمد في العمر انتظروا خطوات عملية للتعرف على القرآن.
 
خطوات عملية للتعرف على القرآن

خطوات عملية للتعرف على القرآن

كنت قد وعدت أحبتي بذكر خطوات عملية تعين المهاجر إلى القرآن على التعرف الصادق على القرآن، إذ لا يمكن تعظيم كتاب الله إلا إذا تحقق القلب بحقيقة قدره وعظمته فأقول مستعينا بالله:
١- أول خطوات التعرف على القرآن هو الإكثار من الدعاء والإلحاح على الله بأن ييسر لك سلوك طريق أهل القرآن ، فتتحرى مواطن الإجابة كالسجود وساعة الجمعة وعند نزول المطر ودعاء الوالدين مع لزوم آداب الدعاء .. ومن أدام الطرق يفتح له وعليه.
٢- مداومة النظر في سير أهل الله وخاصته ومحاولة سلوك طريقهم في مكابدة العيش مع التنزيل، بالإضافة إلى كتب أخلاق أهل القرآن كالتبيان للنووي وأخلاق أهل القرآن للآجري ومقدمات تفاسير أهل السنة، وشروح كتب السنة لا سيما أحاديث القرآن وبعض الرسائل النافعة كالطريق إلى القرآن لإبراهيم السكران؛ ينصح بالتسجيل في منتديات نافعة كملتقى أهل التفسير ومنتدى الفطرية والألوكة وملتقى أهل الحديت وغيرها من الملتقيات النافعة والتركيز على المواضيع التي تتعلق بالقرآن وكيفية تدبره والتأثر به والعمل به.
٣- الاستماع إلى محاضرات العلماء الربانيين الصادقين الذي رباهم القرآن ، كمحاضرات الشيخ العلامة مصطفى البيحياوي والرباني فريد الأنصاري والشيخ والعلامة محمد الحسن ولد الددو الشنقيطي والعلامة محمد المختار الشنقيطي والشيخ المغامسي وغيرهم من الصادقين نحسبهم كذلك ولا نزكيهم على الله، إنما مثلت ولم أقصد الحصر.
٤- مداومة التعبد بالخلوات كالقيام بالليل وساعات التفكر والمحاسبة وخبيئة من العمل الصالح لا يطلع عليها إلا الله.
٥- غشيان حلق القرآن ومجالس القرآن ومدارسته وحفظه على الأقل مرة في الأسبوع.
٦- كثرة الاستماع للقرآن لاسيما القراء المتقنون الأمناء على أحرفه وقواعد القراءة والضبط.
٧-التخطيط لحفظ القرآن بوضع برنامج ميسر لا تمل منه النفس ولا تفتر.
٨- أن تجعل في حيز المستحيلات أن يمر عليك نهارك دون النظر في كتاب الله وتلاوة ما تيسر منه.
٩- اتخاذ صفوة من الصحاب والخلان تتعاون معهم على حب القرآن والعمل به والتخلق بأخلاقه.
١٠- تجنب الذنوب ولزوم الاستغفار والتوبة إذ الخطايا من موانع الانتفاع بالقرآن، مع استشعار مسؤولية الانخراط في صف أهل القرآن وأنه حجة للعبد أو عليه.
١١- تجنب الخصام والجدال في الدين لأنه سبب في قسوة القلب وضيق الصدر.
هذا ما تيسر والموفق من وفقه الله عز وجل.
 
المرحلة الثانية من الهجرة إلى القرآن : مرحلة المجاهدة والمكابدة

المرحلة الثانية من الهجرة إلى القرآن : مرحلة المجاهدة والمكابدة

بعد أن يتعرف المهاجر إلى القرآن على حقيقة القرآن وعظمته وعلو قدر المتكلم به جل في علاه ، يكون القلب في أهبة الاستعداد وفي حالة تهيؤ تام للدخول في مكابدات آي القرآن، ويُضمن اجتياز هذه المرحلة المصيرية إذا باتباع بعض الخطوات كالتالي :
1- تجديد النية بشكل مستمر وتجريدها لله جل وعلا كلما أحس المهاجر أنها مدخولة وأن شيئا من الرياء قد تطرق إلى قلبه.
2- الإلحاح على الله جل وعلا في الدعاء أن يقويك على مجاهدة النفس للإقبال على القرآن، مع تحري مواطن الاستجابة كالأسحار وبين الأذان والإقامة وغيرهما..
3- وضع برنامج معقلن ميسر للحفظ والمراجعة مع ضرورة وجود متقن حافظ رباني تستظهر عليه حسب الإمكان..
4- كثرة تلاوة القرآن، بحيث يصبح الورد عند المهاجر كالماء للسمك.
5- قيام الليل بالمحفوظ قصد المراجعة والتدبر.
4- عقد مجلس تدبري أسبوعي أو حضوره في مسجد، أو الاستماع لمحاضرات حول القرآن..
6- اختيار صحبة صالحة من أهل القرآن..
7- الاجتهاد في مطالعة سير أهل القرآن، والتخلق بأخلاقهم.
8- تعلم أحكام التلاوة مع الإلمام بشيء من علم القراءات.
10- كثرة ذكر الله والاستغفار من الذنوب والخطايا لأن العبد يحرم فهم القرآن وحب القرآن بالذنب يصيبه.
11- مشارطة النفس على الاجتهاد في القيام بالأوراد القرآنية على أحسن وجه ، مع محاسبتها إذا ركنت إلى الدعة والتفريط.
12- أن يكون للمهاجر أوقات يختلي فيها بربه يستكين فيها له ويتذلل ويعترف فيها بتقصيره في خدمة كتاب ربه لعل الله جل وعلا أن يزيده من فتوحاته وأنوار فرقانه.
والحمد لله


 
عودة
أعلى