القرآن الكريم ولفظ اللغة

إنضم
23/07/2007
المشاركات
522
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
لفت انتباهي موضوع الأخ الفاضل أبو فهر السلفي المدون على هذا الرابط (http://vb.tafsir.net/showthread.php?t=10514) ولقد هممت بالمشاركة والإسهام، إلا أني توقفت وقد بدأت في تحرير الكلام ، وبدا لي أن أفرد الموضوع بحديث مستقل ، لكوني سأتناوله من ناحية تأصيلية، مبتدأ بقول القرآن فيه ، معرجا على ذكر كلام العرب الذين نزل القرآن بلسانهم ، وفي الحقيقة لا أختلف مع أبي فهر كثيرا وأشكره على موضوعه وكل من أفادنا بمشاركته فيه. والفضل للمتقدم كما قيل.
وبالنسبة لتخطيء الجصاص - رحمه الله- بقولكم : " فقول الجصاص وغيره إن لفظ اللسان وضع في أصل اللغة لذلك اللحم الذي في الفم وهو حقيقة في ذلك اللحم مجاز في غيره،وهو يدل على ذلك اللحم من غير قرينة ولايدل على الكلام الذي يُنطق به إلا بقرينة كل ذلك زعم باطل لا حجة لهم به ".
ففي ذلك نظر ؛ فالقسم الأول من كلامه صحيح لا بس فيه ولا يعارضه أحد، أما القسم الثاني فأعتقد - والله أعلم - أن مادعاه لذلك هو ما اشتهر من الاهتمام الكبير من جانب المعتزلة بالمجاز، وما يقابله من موقف يصل إلى حد الإنكار له من جانب أهل السنة - رحمهم الله جميعا- وقوله هذا لا أستطيع دفعه، وكذلك لا أقبله كلية دون تفصيل، والأمر يحتاج إلى تحقيق وتدقيق من أهل العلم ولست منهم؛ لكن ما أحسبه صحيحا أن كلا الأمرين صحيح : فاللسان هو الجارحة المعروفة ، وهو كذلك اللغة دونما الحاجة إلى تصنيف مجازيته من عدمه ( والأمر منظور للعلماء في الملتقى).

والذي يهمني في هذه المشاركة هو أن القرآن الكريم لم يستخدم لفظة " لغة" مطلقا ( واستخدم الجذر ( ل غ و ), إحدى عشرة مرة على ثلاث صور: فعل أمر في صيغة الجمع ( مرة واحدة) اسم فاعل بصيغة المؤنث( مرة واحدة ),( والمصدر, لغو) ( تسع مرات ) . وإنما استخدم في كثير من الآيات المصطلح "لغو"، الذي يشير بدلالته إلى ما لا فائدة فيه من الكلام أو الساقط منه، قال الراغب :" ويستعمل اللغو فيما لا يُعْتَدُّ به، ومنه اللغو في الأيمان. أي: ما لا عَقد عليه، وذلك ما يجري وصلا للكلام بضـرب من العادة. قال تعـالى {لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ}( البقرة : 225) ومنه أخذ الشاعر فقال:

ولستَ بمأخوذ بلغو تقوله * إذا لم تعمّد عاقدات العزائم ". ( مفردات الراغب مادة(لغو).

ومتى أراد القرآن التعبير عن اللغة العربية وغيرها يستخدِم مصطلح"اللسان" (وقد ورد في القرآن التنصيص على ذلك في أربعة عشر موضعا كالآتي: المائدة:78، إبراهيم:4، النحل:103، مريم:50 ، مريم:97، طه:27، الشعراء:13، الشعراء:84 ، الشعراء:195 ، القصص: 34، الدخان:58، الأحقاف:12، القيامة:16، البلد: 9 ). "فاللسان أصدق وأدق من اللغة في الإفصاح والبيان عن المكنون الذاتي للمتكلم " - كما يقول أستاذنا الدكتور فريد الأنصاري-( انظر مفهوم العالميةص75) ؛ فمثلا في قوله تعالـى { لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ }النحل103 يقول أبو حيان :" واللسان في كلام العرب اللغة" ( البحر المحيط : 519/5).

والمُلاحظ: أن العرب لم تستخدم لفظة " لغة " إلا بمعنى اللهجة في استخدامها المعاصر، فتقول: لغة طئ، وقريش، وقيس، وكنانة، وبكر، وتغلب، وربيعة، ومضر، وتميم، وغطفان ..الخ (انظر أمثلة (النوع السابع والثلاثون:فيما وقع فيه بغير لغة الحجاز) من الإتقان:/1 190- 193. ومن مجمل كل الأمثلة المتعددة لا تجد سوى نص واحد مخالف عن الحسن بقوله: اللهو بلسان اليمن المرأة، والنادر لا حكم له، بل ولعل من رواه عنه نقله بمعناه فَغَيَّرَهُ من غير - قصد، إذ من غير المعقول أن يجهل الحسن الفرق بين اللغة واللسان). وعندما تتحدث عن اللغة بمعناها الشامل والمحدد لجنس من الناس، فإنها تستخدم التعريف بـ" اللسان "، فتقول لسان عربي، وحبشي، وفارسي، ورومي، وسرياني، وعجمي عموما ( .مثلا / قولهم: غساق:البارد المنتن بلسان الترك؛ انظر الإتقان:197/1. أو المنسأة :العصا بلسان الحبشة؛ ومُزجاة:قليلة بلسان العجم، وقيل بلسان القبط. انظر الإتقان:199/1..الخ).

وهو ما راعاه القرآن في استخدامه ، ولعل في ذلك تأكيد على عربية القرآن، وأنه استخدم الألفاظ والمعاني بحسب الاستعمال العربي في الكلام والأساليب.
وعليه فنحن في حاجة إلى تعميم ذلك في استعمالنا لهذا المصطلح بصورة أكثر من مصطلح اللغة، كون مدلوله قاصرا عن المدلول القرآني في مصطلح (اللسان ).
 
استقراء القرآن يختلف عن استقراء لغة العرب.

فالأول سهل يستطيعه كل أحد، والثاني صعب جدا، لا يستطيعه إلا الأئمة الفحول، والاستقراء مسلم لأهل الاستقراء.

فإن قلنا: القرآن لم يستعمل لفظة ( اللغة ) بمعنى ( اللسان ) فهذا صواب.

ولكن هل يبيح لنا هذا أن نقول: أن استعمال ( لغة ) بمعنى ( اللسان ) لا يوجد في كلام العرب ؟

الجواب لا؛ لأن كثيرا من كلام العرب لا يوجد في القرآن، بل كثير من الألفاظ المتواترة في كلام العرب لا توجد في القرآن، وقد ذكر بعضها السيوطي في المزهر.

والناظر في كلام العرب يجدهم استعملوا ( اللغة ) بمعنى ( اللسان )، واستعملوا ( اللسان ) أيضا بمعنى ( اللغة ) التي هي اللهجة في الاستعمال المعاصر.

والذي يظهر للناظر أصلا أن العرب لم تكن تفرق بين ( اللسان ) بمعنى لغة قوم، وبين (اللسان) بمعنى كلام العرب عموما، فعندهم لغة قريش ولغة هذيل وأيضا لغة الحبشة ولغة السودان وغير ذلك.
وكذلك فعندهم لسان قومي ولسان جرهم، ولسان تميم ونحو ذلك، كما عندهم لسان الترك وغيره.

ونفي مثل هذه الأمور صعب جدا؛ لأنه كلية سالبة.

أما الإثبات أو نقض هذه الكلية السالبة فيكفي فيه ذكر شاهد واحد يدل على خلافها.

فإذا أضفنا إلى ذلك أن هذا الأمر موضع إجماع من أهل العلم لم يخالف فيه أحد منهم ظهر لنا أن هذا النفي لا يصح ولا يجوز إطلاقه.

الشافعي رحمه الله استعمل اللغة بمعنى اللسان، وقتادة رحمه الله فسر اللسان باللغة، وغير هذين كثير.

فإذا كان هؤلاء الأئمة أخطئوا في ذلك فإما أن نقول: إن خطأهم هذا ظل مخفيا حتى عرفناه نحن الآن، وفي هذا القول ما فيه.
وإما أن نقول: إن خطأهم هذا قد عرفه أهل العلم في زمنهم وبعد زمنهم، وحينئذ يلزمنا أن نذكر من من أهل العلم عرف ذلك أو أشار إليه، ولم أجد ذلك فيما وقفت عليه، فإن كان عند أحد علم في ذلك فليتحفنا.

فإذا افترضنا أنه لم يوجد أحد ينكر ذلك عليهم، ظهر لنا بجلاء أن إنكار مثل هذا لا يسوغ.

والله أعلم.
 
وقد فسر أهل العلم قوله تعالى: {بلسان قومه} أي بلسان قريش، وهذا يدل على أن اللسان عندهم يطلق على اللهجة أيضا.

وبوب البخاري في صحيحه (باب نزل القرآن بلسان قريش)، ثم ذكر أثر عثمان بن عفان: إذا اختلفتم في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم.

وهذا شديد الوضوح في أن اللسان معناه اللهجة.

وقوله تعالى: {واختلاف ألسنتكم} يشمل اختلاف لغات العالم، وكذلك يشمل اختلاف اللهجات، كما صرح بذلك المفسرون.

فقصر معنى (اللسان) على لغات العالم فقط خطأ واضح.

فالخلاصة أن إطلاق (اللسان) يشمل اللهجة ويشمل اللغة، و(اللغة) أيضا تشمل اللسان واللهجة.
 
الحمد لله ، وبعد ..

ينظر تحرير أصل مادة ( اللغة ) في التفسير اللغوي للشيخ المفيد أبي عبد الملك رفع الله قدره .
 
جزاك الله خيرا يا أبا مالك وأشكر لك مشاركتك واهتمامك بالتصويب، وأود أن أنبه أن ملاحظتي اعتمدت على الغالب ،والقليل لا يؤخذ به كما هو معلوم، ولو استقرأت الموضوع لتبين لك ذلك بجلاء، ثم أننا اتفقنا في بيت القصيد كما يقال ولو بإشارة منك في أن اللسان أشمل ومدلوله أكبر ، وهذا هو الأهم والذي أحرص على أن يتم توسيعه في خطاباتنا وتعليم إجيالنا ، كون الاستخدام القرآني لم يتجاوزه ، ولإن القرآن نزل بلسان عربي مبين ، مع عدم إغفال الوضع اللغوي وقت تنزل القرآن ، ووفق الله الجميع لكل خير.
 
وفقك الله وسدد خطاك

اتساع مفهوم اللسان كما تفضلت لا أنازعك فيه، ولكن النزاع مع من يقول: ( اللسان لا يطلق على اللهجة ) لأن في ذلك مخالفة صريحة لما ورد عن الصحابة أن القرآن نزل بلسان قريش.

واستعمال اللغة بمعنى اللسان واللسان بمعنى اللغة ليس بقليل في كلام العرب، ويؤيد ذلك إجماع أهل العلم على ذلك.

وخلو القرآن من لفظة (اللغة) لا يعني أنها قليلة؛ لأن كثيرا من ألفاظ العرب وتراكيبها لا يوجد في القرآن مع أنه كثير في كلام العرب.

والله أعلى وأعلم.
 
[frame="2 80"]أبو مالك العوضي;48861]وفقك الله وسدد خطاك

اتساع مفهوم اللسان كما تفضلت لا أنازعك فيه، ولكن النزاع مع من يقول: ( اللسان لا يطلق على اللهجة ) لأن في ذلك مخالفة صريحة لما ورد عن الصحابة أن القرآن نزل بلسان قريش.

واستعمال اللغة بمعنى اللسان واللسان بمعنى اللغة ليس بقليل في كلام العرب، ويؤيد ذلك إجماع أهل العلم على ذلك.[/frame]


آ مين وإياك أخي الحبيب.

كما أني لا أخالفك في استعمال اللسان بمعنى اللغة والعكس، ولكن الفرق أن استعمال اللغة مكان اللسان قليل ، وليس العكس صحيحا. كما بيَّنَّاه سابقا.
وحبذا لو تثبت لنا - كي نستفيد - ما ذكرته من إجماع اهل العلم مفصلا إن أمكن، ولا عدمنا علمكم، وجزاكم الله عنا كل خير.
 
وفقك الله

نحن اتفقنا الآن على أن استعمال (اللسان) بمعنى اللغة والعكس موجود في كلام العرب، وهذه نقطة وفاق جيدة.

ونقطة الخلاف بيننا في الكثرة والقلة، وهذه المسألة قد يكون الخلاف فيها واسعا، ولكن أحب أن أسأل سؤالا:

ما المراد بالكثرة والقلة؟ هل المراد مثلا أن استعمال اللغة 40% واستعمال اللسان 60% ؟
إن كان هذا هو المقصود، فخلافنا لفظي أو يكاد؛ لأن كل شيء في لغة العرب - وحتى في القرآن - تستطيع تصنيفه بهذه الطريقة إن استطعت الاستقراء، وستجد كثيرا من ألفاظ القرآن كذلك؛ لأن القرآن أحيانا يستعمل استعمالين أحدهما أكثر من الآخر.

أما إن كنت تقصد بالقلة والكثرة أن استعمال اللغة نادر لا يكاد يذكر، واستعمال اللسان هو الكثير الشائع الفاشي جدا في كلام العرب، فهذا هو الخطأ الذي أزعم أنه لم يقل به أحد من أهل العلم.

لم أقف على عالم واحد ممن صنف فيما يتعلق بالقرآن زعم هذا الزعم، فإن كان أحد قد وقف فليتفضل بذكره مشكورا.
وبغض النظر عن ذلك، فبالتتبع والنظر تجد عشرات العلماء المعروفين المشهورين المشهود لهم بأنهم أئمة في هذا المجال قد استعملوا هذين الاستعمالين، ولم يفرقوا بينهما، مثل الخليل وأبي عمرو وأبي عبيد وابن قتيبة وابن فارس والأزهري وغيرهم كثير جدا.
فحتى لو افترضنا أن بعض الناس فرق هذا التفريق فسيكون قولا شاذا مخالفا لباقي كلام أهل العلم، والشاذ لا عبرة به.

1- يستعمل الطبري وغيره من أهل العلم كثيرا قولهم (العلم بلغة العرب) أو (العلماء بلغة العرب) وإنكار شهرة هذا الاستعمال لا يمكن، وغاية ما يمكن أن يقال: إن هذا الاستعمال منهم بعد عصور الاحتجاج.
وهذا إنما يقال عند عدم شهرة الكلام، أما عند الشهرة والاستفاضة البالغة مبلغ التواتر، فهو يغني عن النقل، مع أن النقل أيضا موجود.
وإذا سألنا من يقول إن هذا لحن لم تعرفه العرب عن أول من استعمل هذا الاستعمال ( الملحون ) فسيكون بين أمرين: إما أن ينكر كل ما ورد عن أهل العلم في عصور الاحتجاج كما سيأتي، وإما أن يدعي أن هؤلاء جميعا قد لحنوا، ويدعي أيضا أنهم مع لحنهم لم يجدوا عاقلا عارفا واحدا يصوب لهم هذا اللحن.

2- عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: ابلعي ماءك: اشربي بلغة الهند

3- عن الضحاك أنه قال: إستبرق: الديباج الغليظ بلغة العجم

4- في مسائل نافع بن الأزرق عن ابن عباس أنه قال: حوبا إثما بلغة الحبشة

5- عن ابن عباس قال: السجل بلغة الحبشة الرجل

6- عن وهب بن منبه قال: ما من اللغة شيء إلا منها في القرآن شيء، قيل: وما فيه من الرومية؟ قال: فصرهن يقول قطعهن.

7- عن سعيد بن جبير قال: القسطاس بلغة الروم الميزان

8- عن مجاهد قال: المشكاة الكوة بلغة الحبشة.

9- عن داود بن أبي هند قال: يحور: بلغة الحبشة يرجع، ومثله عن عكرمة وابن عباس.

10- عن سعيد بن جبير قال: يس: يا رجل بلغة الحبشة

وغير ذلك كثير تجده مبثوثا في كتب التفسير، ويمكنك الرجوع إلى النوع الثامن والثلاثين من الإتقان للسيوطي.


ومن شواهد ذلك في كلام العرب قول أمية بن أبي الصلت:
والوحش والأنعام كيف لغاتها ........................ والعلم يقسم بينهم ويبدد

وفي الطبري : (لغات أحياء من قبائل العرب مختلفة الألسن)
وفيه أيضا: (لا تدافع بين جميع أهل المعرفة بلغات العرب وألسنها)
وفيه أيضا: (فنقول الآن .... بأي ألسن العرب أنزل: أبألسن جميعها أم بألسن بعضها؟ إذ كانت العرب وإن جمع جميعها اسم أنهم عرب، فهم مختلفو الألسن بالبيان)
وفيه أيضا: (صح وثبت أن الذي نزل به القرآن من ألسن العرب البعض منها دون الجميع، إذ كان معلوما أن ألسنتها ولغاتها أكثر من سبعة)

والله تعالى أعلم.
 
بارك الله فيك أخي الحبيب وأقدر لك هذا المجهود الطيب وهمتك العالية عموما.
ولكونك لا تختلف معي في اتساع مفهوم اللسان، وأنه هو الأشمل، وهذا لا شك ليس بغائب عن علماء الأمة سلفا و خلفا، ومن ثم يمكنك تصور كم سيكون كم الأمثلة في ذلك.
ثم يا أخي الكريم يقول الخالق عز وجل{ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ }النحل103، أترى الخالق سبحانه استخدم لفظ اللسان وأعرض عن اللغة وهما مستويان في الدلالة؟! أم أنه - وكما تعلم- أن القرآن نزل بالأفصح والأشهر، وهل تجد في القرآن الكريم ذكر اللسان بمعنى اللهجة أم بمعنى لغة شعب من الشعوب المتباينة ؟ !أفنتبع اختيار القرآن أم أقوال الإنسان؟!
أما قولك سابقا :" وقد فسر أهل العلم قوله تعالى: {بلسان قومه} أي بلسان قريش، وهذا يدل على أن اللسان عندهم يطلق على اللهجة أيضا.

وبوب البخاري في صحيحه (باب نزل القرآن بلسان قريش)، ثم ذكر أثر عثمان بن عفان: إذا اختلفتم في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم" .
فمن الطبيعي قول ذلك لأن لسان قريش يمثل اللسان العربي أكثر من غيره - لما تعلمه وإخوتنا في الملتقى من أسباب ذلك- فكأن لسان قريش هو الممثل للسان العربي في قمة فصاحته قاطبة.

ومربط الفرس والذي أردت الوصول إليه منذ البداية ولم تخالفني فيه - كما ذكرت- إتساع مدلول اللسان، ومن ثم فعندما نطلق هذا اللفظ على لغة خاصة وأقوام مختلفة في الدين والعرق والثقافة الخ، فهذا هو الدقيق والأصح تلاءما مع الاستخدام القرآني الذي نزل بلسان عربي مبين جريا على أساليب العرب في الخطاب.
وعليه يطلق لفظ اللغة على ما دون ذلك كقضية اللهجات في الاصطلاح المتأخر.
ودعني أسالك - أخي العزيز- أنت بشخصك الكريم إذا تحدثت عن لغة قوم آخرين كالروم أو الفرس أو اليونان في بحث لك شرعي ،هل ستصف لغتهم بقولك: لسان الفرس أو الروم الخ؟ أم أنك تفضل القول: لغة كذا؟!
وفقني الله وإياك.
 
وفقك الله

عندما قال الصحابة في تفسير قوله تعالى: {بلسان قومه} أي بلسان قريش، هل كانوا يعنون أن لسان قريش يعبر عن اللسان العربي عموما؟ أو لأن لسان قريش يعبر عن لسان العرب أكثر من غيره؟

أراك يا أستاذي الكريم قد انطلقت في فهم هذا الأثر انطلاقا عكسيا من مفهوم معين لديك، فأردت أن تفهم النص بناء عليه، وهذا خطأ منهجي لا ينبغي أن يقع فيه الباحث.

فالأثر الذي رواه البخاري رحمه الله واضح الدلالة في أن المقصود أن القرآن نزل بلسان قريش دون لسان غيرهم من العرب، وبغض النظر عن وجود لغات قبائل أخرى في القرآن، فإن المراد من الأثر واضح، وهو أنهم عند الاختلاف في كتابة ألفاظ القرآن يكتبونها بلسان قريش، وهذا واضح جدا في أن المراد به ألسنة القبائل المختلفة.

وأما قولك:
((( أترى الخالق سبحانه استخدم لفظ اللسان وأعرض عن اللغة وهما مستويان في الدلالة؟! أم أنه - وكما تعلم- أن القرآن نزل بالأفصح والأشهر، وهل تجد في القرآن الكريم ذكر اللسان بمعنى اللهجة أم بمعنى لغة شعب من الشعوب المتباينة ؟ !أفنتبع اختيار القرآن أم أقوال الإنسان؟ )))

فأقول:
ذكرت سابقا أنه لا يشترط أن يكون المذكور في القرآن أفصح من غيره، بل قد يستويان في الفصاحة، وقد يختلفان مع فصاحة كل منهما، ولذلك يستعمل القرآن ألفاظا في موضع ويستعمل غيرها في موضع آخر في نفس القصة، مثل (انفجرت) و(انبجست) وغير ذلك كثير، ولم يقع في القرآن النداء بالهمزة وهو فصيح اتفاقا.
ولو سلمنا أن لفظ اللسان استعمل في القرآن دون اللغة لسبب، فلا نسلم أن هذا السبب هو أن اللسان أفصح من اللغة، بل قد يكون السبب أن اللسان أدق في المقصود وأقرب إلى المراد، وقد يكون السبب أن هذه هي لغة قريش، وقد يكون السبب غير ذلك، فلا حاجة لحصر السبب في الفصاحة، وحتى لو كان السبب هو الفصاحة فلا يلزم من فصاحة لفظ أن غيره خطأ أو نادر أو شاذ، بل قد يكون صحيحا فصيحا وإن كان دون غيره.
وقد استعمل النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا من الألفاظ والتعبيرات التي لم ترد في القرآن وهو أفصح العرب، كما في حديث (حمدك واسترجع) فإن الفصيح المذكور في القرآن (قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون) ولم يقل: (استرجعوا) أفترى أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل لفظا غير فصيح لأن ما ورد في القرآن بخلافه؟!

وأما أن القرآن فيه ذكر اللسان بمعنى اللهجة، فقد قدمت ذكر الأثر الذي في صحيح البخاري، وهو واضح الدلالة في أن المراد اللهجة، ولو لم يكن في الباب غيره لكفى، فما بالك وفي الباب كثير من الآثار عن السلف.

وأما أننا نتبع اختيار القرآن أم أقوال الإنسان، فنحن نتبع القرآن ولا شك، ولكن من الذي يبين لنا المراد من القرآن؟ ومن الذي يشرح لنا معاني القرآن؟ لا سيما وقد اختلفنا الآن في بيان المراد، فإذا لم يكن أهل العلم الذين أفنوا أعمارهم في خدمة هذا الدين بهذه المنزلة فمن يكون؟

وأما سؤالك عني إذا أردتُ التعبير عن لغة قوم آخرين، فسأستعمل لفظ (اللغة) ولفظ (اللسان) على حد سواء؛ وهذا ما كنت أفعله بالفعل في مدوناتي وبحوثي من قبل؛ لأن هذا ما جرى عليه أهل العلم قديما وحديثا، وأتمنى أن أجد عن واحد منهم خلاف ذلك حتى أعرف أني مخطئ.

وأشكر لكم سيدي الفاضل سعة صدركم وحواركم المثمر، وجزاكم الله خيرا.
 
حفظك الله أبا مالك وسدد خطاك:
فكيف توجه قولك:" فالأثر الذي رواه البخاري رحمه الله واضح الدلالة في أن المقصود أن القرآن نزل بلسان قريش دون لسان غيرهم من العرب، وبغض النظر عن وجود لغات قبائل أخرى في القرآن" وقولي :" فمن الطبيعي قول ذلك لأن لسان قريش يمثل اللسان العربي أكثر من غيره " مع قول الحق عز وجل {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ ...}إبراهيم4، المؤطر بقوله تعالى {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ }الشعراء195.
ثم كيف تقول:" وأما أن القرآن فيه ذكر اللسان بمعنى اللهجة، فقد قدمت ذكر الأثر الذي في صحيح البخاري، وهو واضح الدلالة في أن المراد اللهجة، ولو لم يكن في الباب غيره لكفى، فما بالك وفي الباب كثير من الآثار عن السلف. فهل التنصيص والتفسير لا فرق بينهما. وهل هذا المنهج سليم.؟!!
أما قولك :" حتى أعرف أني مخطئ". فما خطأتك في شئ - أيها الشيخ الفاضل- ولا خلاف جوهري بيننا، ولو أفترضناه حتى، لن نحيد عن قول الإمام الشافعي : "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب"!! وقوله أيضًا: "والله، لوددت لو أن الله يظهر الحق ولو على لسان خصمي"؛ فما بالك وفضيلتك وصاحبك، في حوار شيق نهدف من خلاله إلى الخروج بفائدة لعل أحدهم يطلع عليها ويدعو لنا في ظهر الغيب.
وعموما ولما كان الخلاف بسيطا ولكوننا متفقين في كبريات هذا الموضوع ، فإني أتوجه إليك بجزيل الشكر وفائق الإحترام، على إثرائك هذا الموضوع ، فجزاك الله خيرا وبارك في علمك وعملك. ووفقنا لما يحبه ويرضاه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
 
حفظك الله أبا مالك وسدد خطاك:
فكيف توجه قولك:" فالأثر الذي رواه البخاري رحمه الله واضح الدلالة في أن المقصود أن القرآن نزل بلسان قريش دون لسان غيرهم من العرب، وبغض النظر عن وجود لغات قبائل أخرى في القرآن" وقولي :" فمن الطبيعي قول ذلك لأن لسان قريش يمثل اللسان العربي أكثر من غيره " مع قول الحق عز وجل {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ ...}إبراهيم4، المؤطر بقوله تعالى {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ }الشعراء195.
ثم كيف تقول:" وأما أن القرآن فيه ذكر اللسان بمعنى اللهجة، فقد قدمت ذكر الأثر الذي في صحيح البخاري، وهو واضح الدلالة في أن المراد اللهجة، ولو لم يكن في الباب غيره لكفى، فما بالك وفي الباب كثير من الآثار عن السلف. فهل التنصيص والتفسير لا فرق بينهما. وهل هذا المنهج سليم.؟!!
أما قولك :" حتى أعرف أني مخطئ". فما خطأتك في شئ - أيها الشيخ الفاضل- ولا خلاف جوهري بيننا، ولو أفترضناه حتى، لن نحيد عن قول الإمام الشافعي : "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب"!! وقوله أيضًا: "والله، لوددت لو أن الله يظهر الحق ولو على لسان خصمي"؛ فما بالك وفضيلتك وصاحبك، في حوار شيق نهدف من خلاله إلى الخروج بفائدة لعل أحدهم يطلع عليها ويدعو لنا في ظهر الغيب.
وعموما ولما كان الخلاف بسيطا ولكوننا متفقين في كبريات هذا الموضوع ، فإني أتوجه إليك بجزيل الشكر وفائق الإحترام، على إثرائك هذا الموضوع ، فجزاك الله خيرا وبارك في علمك وعملك. ووفقنا لما يحبه ويرضاه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
 
ومعذرة على الخطأ الفني في دخول التعليق السابق باسم زميلي الكعبوني.
 
أحسن الله إليك يا شيخنا الفاضل

لم أفهم المراد من مشاركتكم الأخيرة، فهلا أوضحت المطلوب ؟
 
فالخلاصة أن إطلاق (اللسان) يشمل اللهجة ويشمل اللغة، و(اللغة) أيضا تشمل اللسان واللهجة.
نريد تحديد واحدا يشمل الآخر ، أما القول أن اللسان يشمل اللغة واللغة تشمل اللسان فيه شيء ما
مسألة " لسان قومه " يعني قريش إذن هو لسان قرشيّ وليس عربيّ
 
[frame="2 80"]أبو مالك العوضي : أحسن الله إليك يا شيخنا الفاضل[/frame]
وإياك شيخنا الحبيب، مع التأكيد أن صاحبك ليس بشيخ، بل طالب علم عادي.
[frame="2 80"]
لم أفهم المراد من مشاركتكم الأخيرة، فهلا أوضحت المطلوب ؟[/frame]

مثل فضيلتكم بقليل من التمعن تفهم مرادي. وليس سوى ردود على طرحكم أو ردكم السابق علي.

ثم - أخي الحبيب - لا تكلف نفسك في الخروج عن ظاهر الألفاظ فيها، فلا إشارات أو باطن تعمدته بها.

وحتى لو غضضت الطرف عنها، أو أرحت البال منها، فلا ضير، إلا إذا أصررت على إفادتنا بمعلومات جديدة، فيا حبذا، وهكذا عودتنا. بارك الله فيك.

وكما أسلفت فلا كبير خلاف يستحق كثرة الوقوف عنده، وأنار الله بصيرتكم، وسدد خطاكم، ووفقني وإياكم لخدمة كتابه الكريم، وبارك في هذا الملتقى المبارك والقائمين عليه، لما يفتحه من آفاق رحبة في مجال علم كتاب الله ودينه العظيم، وما يتيحه من حوارات ماتعة مفيدة، ووفق الله الجميع لكل خير.
 
عودة
أعلى