القرآن العربي..رؤية أخرى..

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع فاروق
  • تاريخ البدء تاريخ البدء

فاروق

New member
إنضم
27/12/2005
المشاركات
39
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
[align=center]
810.gif
[/align]

[align=center]أخي الكريم عبد الرحيم كان سؤالي في مشاركة "سؤال من أحد النصارى"
وأحببت أن يوسع النقاش في هذه المسألة فأفردت له في إطار موضوع جديد:
اقتباس:
ولكن هب أن أحدهم سأل هذا السؤال بعد هذا الرد:
قال ابن قتيبة: " ولو أنَّ كل فريق من هؤلاء [ قبائل العرب ] أُمِرَ أن يزول عن لغته وما جرى عليه اعتياده طفلاً وناشئاً وكهلاً، لاشتدَّ عليه، وعظُمَت المحنة فيه، ولم يمكنه إلا بعد رياضة للنفس طويلة، وتذليل للِّسان، وقطعٍ للعادة. فأراد الله ـ برحمته ولطفه ـ أن يجعل لهم متسعاً من اللغات.. كتيسيره عليهم في الدين ".

إذا كان هذا رحمة بالعرب فما بالك بأقوام لسانهم أعجمي..!؟ وأين تتحقق عالمية القرآن هنا؟؟!!
كان هذا سؤالي في تلك المشاركة.. وكان يحمل خطأ في الحقيقة .!كان الصواب أن يقال
إذا كان هذا رحمة بقوم لغتهم عربية فما بالك بأقوام لا ينطقون بها..!!؟؟


اقتباس:
فإن الله تعالى إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين. فقال ابن عباس: سلاني عما بدا لكما.. ". فكان ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ يجيبهم على كل شبهة، ببيان أصالة الألفاظ المسؤول عنها، مستدلاً بأبيات من كلام العرب. [3]

فإذا كان القرآن بلسان عربي مبين يعني أن القرآن أُنزل بلغة قوم هم العرب،فهذا يتنافى مع
عالميته وكونه للبشرية جمعاء..فمنهج البشريّة جمعاء-القرآن الكريم- لا بُدّ أن يكون بلسانٍ فطريٍّ يجمع البشريّة جمعاء ، وبلغة فطريّة هي اللغة الأولى التي عرفتها البشريّة ..
إنّ كلّ اللغات العالميّة ( ما عدا المفردات القرآنيّة ) هي لغات وضعيّة تفرّعت وابتعدت عن اللغة الفطريّة التي نزل بها آدم عليه السلام ، وتقترب هذه اللغات من الفطرة ، وتبتعد عنها ، بمقدار اقترابها وابتعادها عن اللغة الفطريّة التي علّمها الله تعالى لآدم عليه السلام ..
وهكذا فإنّ اللغة الفطريّة التي تحمل مفاتيح التسمية الحق لكلِّ ما هو موجود في هذا الكون ، انحصرت داخل إطار لغة حافظت عليها أمّة فطريّة ، استمرّت بفطرتها منذ آدم عليه السلام إلى محمّد صلى الله عليه وسلم.. لقد وضعت هذه الأمّة الكثير من المسمّيات الوضعيّة داخل لغتها ، لكنّها حافظت على المفردات التي نزل بها آدم عليه السلام ..
وحسب البعض أنّ بعض المفردات القرآنيّة التي قلّ استعمالها عند العرب وانتقلت إلى لغات أُخرى ، أو حافظت عليها لغات أخرى .. حسبها ليست عربيّة بالمعنى القومي .. مع أنّها عربيّة بالمعنى الفطري الموحى من الله تعالى ، واستعمالها القومي لا يلغي فطريّتها ، لأنّها أصلاّ ليست وضعيّة من قبل البشر..
وحكمة الله تعالى اقتضت أن يُنزِّل منهجه المُعجِز للبشريّة جمعاء ، والحامل لمنهج الهداية للبشريّة جمعاء ، بلغة فطريّة أوحاها لأبي البشريّة جمعاء ( آدم عليه السلام ) ، على رسول أُمّي فطري ، يعلم اللغة الفطريّة الموحاة من الله تعالى ، وينتمي إلى مجتمع أُمّي فطري يعلم هذه اللغة الفطريّة ، حتى يكون هذا المنهج وهذه المعجزة للبشريّة جمعاء التي تفرّعت لُغاتها عن لغة صياغة هذا المنهج ..
وهكذا فآدم عليه السلام تعلّم المفردات الفطريّة من الله تعالى في عالم الأمر ، وهبط بها إلى الأرض كأوّل إنسان مُمتحن على هذه الأرض .. ومحمّد صلى الله عليه وسلم نزل عليه قول الله تعالى من العالَم ذاته ( عالم الأمر ) كآخر رسول على وجه الأرض.. فالمسألة بدأت بآدم عليه السلام واكتملت بمحمّد صلى الله عليه وسلم، لتشمل البشريّة جمعاء، عبر منهج ومعجزة للبشريّة جمعاء..
إنّها حكمة الله تعالى، فرسول البشريّة جمعاء لسانه ولغته لسانٌ ولغةٌ تجمع البشريّة جمعاء قبل تفرّع لغاتها المختلفة عن اللغة الفطريّة الأم التي نزل بها القرآن الكريم.. وبالتالي فإنّ تعلّم لغة القرآن الكريم لإدراك دلالاته ، هو في الحقيقة عودةٌ للغة الفطريّة الأم ، وعودةٌ إلى التسميات الحق التي علّمها الله تعالى لآدم عليه السلام ..
وهذه الصفة التي يتّصف بها القرآن الكريم ، بأنّ كلماته فطريّة موحاة من الله تعالى ومصاغة صياغة مُطلقة تحمل كلّ أسرار الكون .. هذه الصفة بيّنها الله تعالى في كتابه الكريم ..
( إنّا أنزلنـــه قرءناً عربيّاً لعلّكم تعقلون ) [ يوسف : 12/2 ]
فالكلمتان ( قرءناً عربيّاً ) تعنيان بإطارهما العام ، قرآناً كاملاً شاملاً تامّاً مفصّلاً لا عوج فيه وخالياً من أيِّ عيب أو نقص ، ومعناهما ليس محصوراً بإطار التفسير المعروف - تقليديّاً - بأنّه قرآن بلغة قوم العرب ... هو قرآنٌ بلغة قوم العرب ، ولكنّ هذا المعنى يأتي من جملة المعاني المُرادة ، لأنّ لغة قوم العرب تحمل المفردات القرآنيّة الفطريّة الموحاة من الله تعالى كما رأينا .. و الدليل في هذا المذهب من التفسير هو الآتي :
1 - قوله تعالى ( لعلّكم تعقلون ) في نهاية الآية الكريمة ، هو خطاب للبشريّة جمعاء ، وليس خطاباً خاصّاً بالعرب دون غيرهم ، لأنَّ القرآن الكريم أنزله الله تعالى لجميع البشر وليس للعرب وحدهم ..
( يـــأيّها الناس قد جاءكم برهـــن من ربّكم وأنزلنا إليكم نوراً مُبيناً (174) فأمّا الذين ءامنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمةٍ منه وفضل ويهديهم إليه صرطاً مستقيماً ) [ النساء : 4/174-175 ]
( وما أرسلنـــك إلاّ كافَّة للناس بشيراً ونذيراً ولــكن أكثر الناس لا يعلمون [ سبأ : 34/28 ] ) ..
وإنَّ الجزم بإنّ الكلمتين ( قرءناً عربيّاً ) لا تعنيان إلاّ قرآناً بلغة قوم العرب ، يقتضي أنّ نهاية الآية الكريمة ( لعلّكم تعقلون ) خطابٌ موجّهٌ حصراً للعرب .. وهذا يتعارض مع حقيقة القرآن الكريم ككتاب للبشريّة جمعاء ..
2 - ودليلٌ آخر على أنّ كلمة ( عرب ) تعني التمام والكمال والخلو من العيب والنقص ، هو قول الله تعالى : ( إنّا أنشأنــهنَّ إنشاءً (35) فجعلنـــهنَّ أبكاراً (36) عُرُباً أتراباً ) [ الواقعة : 56/35-37 ]
فكلمة ( عُرُباً ) مشتقّة من الجذر ( ع ر ب ) ، ولا تخرج في معناها عن إطار المعنى الذي يحمله هذا الجذر ، ونرى أنّها لا يمكن أن تعني أنَّ أُولئك اللاتي سينشأهنّ الله تعالى في الآخرة لأصحاب اليمين ينتمين لقوميّة مُحدّدة .. فالأولى بمعيار القرآن الكريم عقلاً ومنطقاً أن يكون معنى كلمة ( عُرُباً ) هو أنّ اللاتي سينشأهنّ الله تعالى في الآخرة ، كاملات تامّات خاليات من أيِّ عيب أو نقص ..
3 - ومن متعلّقات القرآن الكريم كونه عربيّاً أنّه غير ذي عوج ..
( ولقد ضربنا للناس في هذا القرءان من كلِّ مثلٍ لعلّهم يتذكرون (27) قرءاناً عربيّاً غيرَ ذي عِوَجٍ لعلّهم يتَّقون ) [ الزمر : 39/27-28 ]
4 - والقرآن الكريم عربي لأنّه فُصّلت آياته تفصيلاً كاملاً لكلِّ عالمٍ ومتعلّمٍ يريد أن ينهل من علومه ..
( كتــــب فُصِّلت ءايــته قُرءاناً عربيّاً لقوم يعلمون ) [ فصّلت : 41/3 ]
5 - والله تعالى أنزل القرآن الكريم حال كونه حُكماً تامّاً كاملاً لا عيب فيه ولا نقص ..
( وكذلك أنزلنـــه حُكماً عربيّاً ) [ الرعد : 13/37 ]
فالحكم مسألة مُجرّدة تماماً عن اللغة من حيث خصوصيّتها القوميّة ، وبالتالي نرى أنَّ كلمة ( عربيّاً ) تُبيّن لنا وجه الكمال والتمام والخلو من أيِّ عيب أو نقص في الحكم الذي أنزله الله تعالى ..
6 - ومن خصائص إنزال القرآن الكريم أنّه أُنزل بلغة و أسلوب وتبيان ( لسان ) ، بحيث يتّصف بالكمال والتمام والخلو من أيّ عيب أو نقص .. وليس بلغة وأسلوب وتبيان كتبيان البشر الذي لا بُدّ وأن يحمل العيب والنقص ، لأنّ علم البشر - مقارنة مع علم الله تعالى - علمٌ ناقصٌ ..
( ولقد نعلم أنّهم يقولون إنّما يُعلِّمه بشرٌ لسان الذي يُلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربيٌّ مبين ) [ النحل : 16/103 ]
( نزلَ به الروح الأمين (193) على قلبك لتكون من المُنذِرين (194) بلسان عربيٍّ مُبين ) [ الشعراء : 26/193-195 ]
( وهذا كتــــب مصدِّقٌ لساناً عربيّاً ليُنذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين ) [ الأحقاف : 46/12 ] ..
ففي الآية الأخيرة نرى أنّ الذين يُنذرهم القرآن الكريم ( الذين ظلموا ) ، والذين يُبشّرهم القرآن الكريم ( المحسنين ) ، موجودون في كلِّ الأمم ، وليسوا حصراً على قومٍ مُحدّدين ( قوم العرب ) .. ولذلك فالكلمتان ( لساناً عربيّاً ) تعنيان لغةً وأسلوباً وتبياتاً كاملاّ تامّاً خالياً من أيِّ عيب أو نقص ..
وحكمة الله تعالى تقتضي أن يُرسل كلّ ُرسولٍ بلغة قومه وبأسلوبهم وبطريقة تبيانهم ، حتى يُبيّن لهم المنهج الذي يحمله ..
( وما أرسلنا من رسول إلاّ بلسان قومه ليُبيِّن لهم ) [ إبراهيم : 14/4 ]
ولذلك فجميع الرسالات السابقة نزلت ( صياغة ) بلغات البشر الوضعيّة ، لأنها تحمل مناهج لأقوامٍ مُحدّدين في أزمنة مُحدّدة ، وبالتالي لم تكن قولَ الله تعالى ، إنّما كانت فقط كلامَ الله تعالى .. بينما نرى أنَّ منهج البشريّة جمعاء ( القرآن الكريم ) نزل قولاً لله تعالى ، بلغةٍ فطريّة نطق بها أبو البشريّة جمعاء ( آدم عليه السلام ) ، في العالمين ( عالم الأمر وعالم الخلق ) ..
فمنهج البشريّة جمعاء لا بُدّ أن يكون بلسانٍ فطريٍّ يجمع البشريّة جمعاء ، وبلغة فطريّة هي اللغة الأولى التي عرفتها البشريّة .. وهذا لم يتوفّر إلاّ باللغة الفطريّة التي حافظ عليها الأميّون ( لغة ) منذ آدم عليه السلام إلى مبعث مُحمّد صلى الله عليه وسلم..
ومن مشتقّات الجذر ( ع ر ب ) كلمة الأعراب والتي تصوِّر لنا البشر الذين يتظاهرون بالكمال والتمام ولا يعترفون بعيوبهم ، فهمزة التعدّي تُبيّن لنا - إضافة لما يبيّنه لنا القرآن الكريم من صفات الأعراب - أنّهم يتعدّون على صفة الكمال والتمام والخلو من العيب والنقص ، هذه الصفة التي لا يتّصفون بها ..
والجزم بتفسير كلمة الأعراب في جميع كُتب التفسير ، بأنّها لا تعني إلاّ البدو ( سكان البادية ) ، يتعارض تماماً مع روح القرآن الكريم ، الذي يصف البشر ويُقيّمهم حسب انتماءاتهم العقيديّة ، لا حسب انتماءاتهم الجغرافيّة والإقليميّة ..
ولو كانت كلمة الأعراب لا تعني إلاّ البدو ( سكان البادية ) ، لاستُبدلت - في كتاب الله تعالى - بكلمة البدو ، فكلمة البدو كلمة قرآنيّة ، وفي القرآن الكريم لا تُوجَد كلمة مُرادفة لكلمة أُخرى بالمعنى الذي يتصوّره بعض البشر ..
( وقد أحسن بي ربّي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البَدوِ ) [ يوسف : 12/ 100 ]
ومما يُقابل كلمة عربي التي تعني - كما رأينا - الكمال والتمام والخلو من العيب والنقص ، هو كلمة ( أعجمي ) ، التي تعني عدم الكمال وعدم التمام ، وتعني وجود العيب والنقص .. يقول الله تعالى ..
( ولو نزَّلنـــه على بعض الأعجمين (198) فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين (199) كذلك سلكنـــه في قلوب المجرمين (200) لا يُؤ منون به حتى يَروا العذاب الأليم ) [ الشعراء : 26/198-201 ]
من الواضح في هذه الصورة القرآنيّة أنَّ كلمة ( الأعجمين) لا تعني أبعاداً قوميّة ، ولا تعني غيرَ البشر ، إنَّما تعني صفاتٍ سلبيّةً في نفوس بعض الأعجمين ، تحمل من العيب والنقص والابتعاد عن الحق ما يجعلهم لا يُؤمنون بالقرآن الكريم ، ولا يرون فيه الحقَّ ودلائل الإعجاز التي تُبيّن كماله وتمامه وخلوّه من أيِّ عيب أو نقص ..
ولو أخذنا هذه الكلمة ( الأعجمين ) حسب المعنى الذي ذهبت إليه التفاسير ، لتناقض ذلك مع ما يحمله القرآن الكريم من أدلّة ، ومع الواقع الذي نراه بأمِّ أعيننا ..
- يتناقض هذا المذهب من التفسير مع كون القرآن الكريم أُنزل للبشريّة جمعاء ، وليس لقوم العرب وحدهم .. فبعض الأعجمين ( إن كانت كلمة الأعجمين تحمل معنىً قوميّاً كما تذهب التفاسير ) أُنزِل عليهم القرآن الكريم ، لأنّهم من جملة الناس الذين أُنزل إليهم القرآن الكريم .. وبالتالي فالآية الكريمة ( ولو نزَّلنـــه على بعض الأعجمين ) لا يُمكن أن تعني بعض ما هو ليس من قوم العرب ، لأنّ المجرمين الذين تصفهم الآيات الكريمة التالية لهذه الآية ، والذين لا يُؤمنون بالقرآن الكريم حتى يروا العذاب الأليم ، موجودون في قوم العرب وفي كلِّ الأقوام ..
- ويتناقض هذا المذهب من التفسير مع الواقع ، فغير العرب الكثير منهم آمن بالقرآن الكريم ، والله تعالى يقول عن بعض الأعجمين ( ما كانوا به مؤمنين ) ..فلا تُوجد أُمّة إلاّ وفيها من آمن بالقرآن الكريم .. ولذلك فإنَّ الجزم بأنَّ العبارة القرآنيّة ( بعض الأعجمين ) تعني بعض القوميّات الأخرى ، يتناقض مع وجود المؤمنين بالقرآن الكريم في كلِّ القوميّات ، ومع كون القرأن الكريم منهجاً لكلِّ القوميّات دون استثناء ..
والآية الكريمة التالية ، بتفسيرها المنسجم مع روح القرآن الكريم ككتاب مُنزل للبشريّة جمعاء ، ومع ساحة رسالة محمّد صلى الله عليه وسلم والتي هي للبشريّة جمعاء ، تُؤكّد صحّة التفسير لكلمة أعجمي ..
( ولو جعلنـــه قُرءاناً أعجميّاً لقالوا لولا فُصِّلت ءايـــته ءَأعجميٌّ وعربيٌّ قل هو للذين ءامنوا هُدىً وشِفاءٌ والذين لا يُؤمنون في ءاذانهم وَقرٌ وهو عليهم عمىً أُولئك يُنادون من مكان بعيد ) [ فصّلت :41/44 ]
ذهبت التفاسير - تقليداً - إلى أنّ كلمة ( ءَأعجميٌّ ) في هذه الآية الكريمة تعني قرآناً بلغة غير قوم العرب ، وإلى أنّ كلمة ( وعربيٌّ ) تعني رسولاّ عربيّاً ، أو قوماً عرباً .. وهذا المذهب من التفسير يتعارض مع القرآن الكريم في النقاط التالية :
1 - الكلمتان ( ءَأعجميٌّ وعربيٌّ ) كلمتان قرآنيّتان مُتتاليتان بينهما حرف عطف ، وإعادة كلٍّ منهما إلى أمرٍ مختلفٍ عن الأمر الذي تُعاد إليه الكلمة الأخرى دون إيِّ دليلٍ ، أمرٌ يتعارض مع انسجام روح النصّ القرآني .. فالأولى أن تُعاد الكلمتان إلى أمرٍ واحدٍ ..
2 - إذا كان المقصود - كما ذهبت التفاسير - بالعبارة القرآنيّة ( ولو جعلنـــه قرءاناً أعجميّاً لقالوا لولا فُصّلت ءايـــته ءَأعجميٌّ وعربيٌّ ) أنّه لو أُنزل القرآن الكريم بلغة قوميّة أُخرى ، لقال العرب - مُحتجِّين - كيف يكون القرآن بلغة مخالفة للغتهم القوميّة وللغة الرسول صلى الله عليه وسلم ، لو كان هذا المذهب من التفسير صحيحاً ، لأدّى ذلك - سواء علم من يجزم بهذا التفسير أم لم يعلم - إلى أنَّ لغير العرب مبرِّرات الاحتجاج على كون لغة القرآن الكريم تتعارض مع لغاتهم القوميّة ، وعلى كون لغة الرسول صلى الله عليه وسلم تتعارض أيضاً مع لغاتهم القوميّة .. وبالتالي فهذا المذهب من التفسير يتعارض تماماً مع حقيقة القرآن الكريم ككتاب للبشريّة جمعاء ، ومع حقيقة بعث محمّد صلى الله عليه وسلم للبشريّة جمعاء ، بعيداً عن القوميّات ولغاتها ..
3 - نهاية الآية الكريمة ( قل هو للذين ءامنوا هُدىً وشفاءٌ والذين لا يُؤمنون في ءاذانهم وَقرٌ وهو عليهم عَمىً أُولئك يُنادون من مكان بعيد ) ، تُبيّن حقيقة تفاعل البشريّة جمعاء مع القرآن الكريم ، وليس العرب وحدهم ، فانقسام البشريّة إلى قسم يؤمن به وقسم لا يؤمن به ، مسألة لا يمكن حصرها بقوم العرب ..
إنَّ الله تعالى يقول لنا من خلال هذه الصورة القرآنيّة ، ولو جعلنا هذا القرآن بماهيّة ليست كاملة وليست تامّة وليست خالية من أيِّ عيب أو نقص ، ولو جعلنا آياته ليست مفصَّلة وليست مبيّنة بتمام كامل من أيِّ عيب أو نقص ، لكان القرآن الكريم حاوياً على العيب والنقص ، ولرأوا فيه العيب والنقص ، ولحسبوا أنَّ فيه من الكمال والتمام حسب ما يناسب أهواءهم من هذا العيب ، وبالتالي لقالوا كيف يكون ذلك ، أعيب ونقص ، وكمال وتمام..
وهكذا نرى كيف أنّ الكمال والتمام والخلو من العيب والنقص ، وهذا ما يتّصف به القرآن الكريم ، كتاباً وحُكماً ولساناً ، هو نتيجة لكون مفرداته فطريّة مُوحاة من الله تعالى بعيداً عن أيّ اختيارٍ بشريٍّ ، ونتيجة لربط هذه المفردات مع بعضها بعضاً في العبارة القرآنيّة ، وفق حكمة مطلقة وعلمٍ مطلقٍ من الله تعالى ..
[/align]
---------------
w6w_20060222125040258ee138.gif
 
أخي المكرم..

أخشى أن ما ذكرته فيه من التكلف الكثير؛ فهو لا يستند إلى دراسة علمية تاريخية، وأحسب الإخوة عبد الله الشهري وأبو عبد المعز يفيدون أكثر فيها..
وقضية قِدم اللغة العربية ورجوعها إلى بداية الزمن البشري.. تناولتها كثير من الدراسات، وبعض منها لا يكاد يخلو من:
- الهوى والتعصب للعربية؛ رداً على نزعات الشعوبية.
- الخطأ البشري من الدارسين وعدم معرفة العلمية بأصول اللهجات واللغات وتاريخها ومنهجية تطورها..، ولا يُنكَر أثر المكتشفات التاريخية الحديثة وفك رموز مختلف النقوش.. على تطور علم (الأنثروبولوجيا) التي لو اطلع سلفنا من العلماء عليها، لاختلفت كثير من اجتهاداتهم (حول هذا الموضوع طبعاً).


ولكن فلنتكلم في سنن الله الكونية، بخاصة في موضوع الرسل والرسالات..
القاعدة في وضوح (إبانة) خطاب النبي مع قومهم، وسنة الله تعالى لخصها سيدنا موسى عليه السلام بكلمتين: " يَفْقَهُوا قَوْلِي ".

هذا بشكل عام يشمل الأنبياء من لدن آدم إلى محمد عليهم الصلاة والسلام،



أما بخصوص ما نزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
فقول الله تبارك وتعالى: " إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ " [الزخرف: 3].
يدل بكل وضوح أن القرآن الكريم " عربيٌّ يُفسَّر وفق قواعد اللغة، ولا يصرف عن ظاهره بالتخمين.." [1]
فالقرآن يُفهم حسب أساليب العرب، ومعهودهم في الكلام.

وبه تفسَّر كلمة (مبين)
- في سورة النحل: " وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ(103) ".
- والشعراء: " بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ(195) ".
- وفصلت: " وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْءَانًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ آَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ .. (44) ".

الأمر يسير، ولا يحتمل كل هذا التكلف ..

تأمل ...
قال الفضل بن سهل " القرآن لا يبلغه عقلٌ، ولا يقصر عنه فهم ". [2]



بالنسبة لقيام الحجة بالقرآن الكريم على غير العرب، فهي بشتى وجوه الإعجاز القرآني العلمي والتاريخي والتشريعي.. ومن اليسير تعليمهم كثيراً من الإعجاز البياني.

أما تبليغ أحكام القرآن الكريم لغير العرب، فيفسره أن عدد العرب 200 مليون، في حين أن عدد المسلمين 1300 مليون.

===============
1) مجموعة أعمال عباس محمود العقاد 6/533.
2) البصائر والذخائر، أبو حيان التوحيدي 7/46 (143).
 
بسم الله..

كلام جميل.. جزاك الله خيرا..
 
في واقع الأمر لا يعني حمل مشتقات لفظ "عرب" معاني متعددة، لا يعني ذلك صرف المراد من قوله تعالى "بلسان عربي مبين" (الشعراء:195) عن معناه الحقيقي وهو أن القرآن نزل بلسان العرب، كما لا يمنع من إدراج المعاني الفرعية للفظة ذاتها باختلاف اشتقاقاتها، ولعل هذا يكون من مرجحات أسباب اختيار اللغة العربية وسيلة ووعاء للوحي الإلهي وخاتم الكتب القرآن الكريم.

أما قضية أن نستدل على عالمية القرآن بكثرة عدد المسلمين من غير العرب، فهو تكلف لا مقام له هنا، ويكفي أن نشير إلى أمرين اثنين لحسم هذه القضية:-
أولا: كان من بين المسلمين الأول من كان من غير العرب مثل صهيب الرومي وسلمان الفارسي وبلال الحبشي رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، وإذا تأملنا بعين البصيرة قليلا لوجدنا أن هؤلاء الصحابة الثلاثة رضي الله عنهم قد أتو مما كان يسمى في ذلك الوقت "قارات العالم القديم" فصهيب من أوروبا وبال من إفريقيا وسلمان من آسيا، ولا يخفى على علماء الجغرافيا أن باقي سكان العالم الآن ينحدرون من هذه القارات الثلاث بلا منازع، كما يجدر أن نشير إلى أن الرحمن جل وعلا أراد أن يحقق قوله لنبيه "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" (الأنبياء: 107) في حياته صلى الله عليه وسلم حتى لا يأتي بعد ذلك مدع أو حاقد أو جاحد فيقول لم ير محمد عالمية دينه وقرآنه في حياته. فقد أغلق الرحمن تبارك وتعالى الباب على من يجادلون في عالمية الإسلام ومن ثم القرآن من هذه الجهة بإسلام هؤلاء الصحب الكرام في حياة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ثانيا: من جهة يسر وعسر تعلم لغة القرآن على غير العرب، نقول بقوة ويقين أن الرحمن قد تعهد في القرآن بتيسير القرآن للذاكرين حيث قال بأسلوب التأكيد وكأنه يخاطب منكرا أو جاحدا " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر" (القمر: 17، 22، 32، 40) فقد كررها الرحمن أربع مرات في سورة واحدة دفعا لشبهات المبطلين. ومن ثم الواقع يقول لنا كم من غير العرب يقرأ القرآن وهو ماهر به، لكن لا يتحدث العربية، وهذا من إعجاز الله في القرآن، كما أنه مفتاح باب إجادة االغة إذا مابُذل الجهد لفهم معاني القرآن مع قرآته، وهذا ما دلنا عليه الصحب الكرام أمثال عبد الله بن مسعود وابن عباس وغيرهما رضي الله عنهم أجمعين من أنهم كانوا إذا تعلموا بعض آي القرآن لم يجاوزوها إلى غيرها إلا بعد أن يفهموا معانيها ويعملوا بها حتى أنهم قالوا "تعلمنا القرآن والعمل معا" والعمل لا يكون إلا عن فهم وإدراك.

والله الهادي إلى سبيل الرشاد
 
عودة
أعلى