ابن الشجري
New member
- إنضم
- 18/12/2003
- المشاركات
- 101
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
[align=justify]إعلم هداني الله وإياك للحق من الجدل ، وجنبنا مزالق القول والعمل ، ووفقنا للقيام بالأمر الجلل ، وجنبنا موقف المعرة والندم ، ورزقنا حسن التأدب مع أزكى الكلم ، وعصمنا من هذر القول مع فشو القلم .
أني لست في هذه المقالة بصدد التعريف بأبي العلاء ،أو التصدي لترجمته أو الدفاع عنه فذاك من البلاء ، فالحديث معه وعنه حديث طويل الذيل كبيرالنيل ، ولاتلازم بين حبك لأدب أديب وما يعتقده أو ينتهجه في حياته ، فمن يكابرويزعم أن مثل رهين المحبسين ، ومصنف أخلاق الوزيرين ، وصاحب التبيين ذو العينين الجاحظتين ، ومن هو على شاكلتهم أو سار سيرتهم ، ممن امتار الناس في أمرهم ، وتباروا في حكمهم ، لم يكونوا من أفراد الدهر وأذكياء الزمان ، وكبار الكتاب وأساطين الأدب، حتى ملأو الدنيا وشغلوا الناس .
إن الحديث عن صاحب المعرة حديث ذو طعم خاص ، وحقا إنك لتصاب بالذهول من قوة حافظته ، وسعة علمه ، و حدة ذكائه ، وبليغ عبارته ، وكثرة مصنفاته ، حتى عد من أذكياء الدنيا ، وفرسان الشعر* والأدب .
لقد كتب عنه الكثير، وطبعت بعض كتبه ورسائله في فترة متأخرة ، وكان من بينها كتاب يتذرع به للطعن فيه وفي دينه ، واتهامه بالإلحاد والزندقة لأمور كان من أعظمها هذا الكتاب ، وما قيل حول سبب تصنيفه له ، وهو كتاب( الفصول والغايات) بزعمهم أنه صنعه في محاذاة السور والآيات ، وقد صدقت الأمر في أوله وقلت : والله لقد أتى عظيمة وبتك من القلائد نظيمة ، وذكروا في ترجمته أنه قيل له: أين هذا من القرآن ؟ فقال : لم تصقله المحاريب أربع مئة سنة ، فإن كان حقا ماقيل : فما يغني البكاء ولا العويل ، وإن قامت له هنا المعاذير فلن تغنيه يوم النذير، ومن الطريف مانقله ياقوت في ترجمة شيخه ابن الدهان ، أن خازن دار الكتب برباط المأمونية غسل كتاب الفصول وتبجح بصنيعه هذا بحضرته فخطأه ابن الدهان ، محتجا بأنه إن كان خيرا من القرآن ـ وحاش لله أن يكون ـ فلا يجب أن يفرط في مثله وإن كان دونه فتركه معجزة للقرآن .
مرت الأيام وأنا أفكر في هذا الكتاب الخطير ، الذي كان في عداد المفقود من كتبه ، وكان لا يمر بي شئ يتعلق بصاحب المعرة إلا تذكرت كتابه هذا ، ولكن لم أكلف نفسي عناء البحث أو السؤال عنه ، لما علق بذهني من فقدانه ، فقلت : حيل بين العير ونزوانه .
وشاء الله أن يقع بين يدي كتاب فيه تعريف بأبي العلاء (1)، للعلامة الكبير عبد العزيز الميمني الراجكوتي الهندي رحمه الله ، فأخذت الكتاب وتصفحته ، فإذا فيه تحقيق يليق بعلم الرجل رحمه الله ، وانتقلت سريعا للنظر في ما كتبه عن كتاب الفصول , فوجدت الإنصاف وحديث العقل وتجنب الفضول، فماكان رهين المحبسين بدرجة من الغباء تكفي أن يفكر في مثل هذا ألأمر، مع حفظه لكتاب الله وفهم معانيه، وتبحره في لغة العرب ومعرفة أساليبها، وعجز البلغاء الأقحاح أرباب الفصاحة واللسن من قبله وفي زمن التحدي ، عن أن يأتوا بسورة أو آية من مثله ، خاصة وأن النقول في ترجمته تتدامغ ، وأهل الفضل في زمنه على بابه تتدافع.
إزداد تشوفي للكتاب ، وخشيت من السؤال عنه وماسيعود به من العتاب ، وفي يوم من ألأيام وأثناء مطالعتي لأرفف بعض المكتبات ، وإذ بهذا العنوان يلوح أمام ناظري ( الفصول والغايات ) لأبي العلاء المعري صاحب اللزوميات ، فأخذت كل النسخ الموجودة ، وقلت : والله هذه ساعة محمودة ، لأنظر الكفر المزعوم ، وأغسل يدي من هذا الرجل المشؤم ، وأقبلت على الكتاب أنظر فيه وأتصفحه ،وأحضنه من كل أنحائه الأربعة ، وويح أمه من كان يحوي هذا العلم أجمعه، فما وجدت إلا وعظ وإرشاد ولغة وأدب وفقه وفلسفه ، كتاب أدب ولغة نعم ، لكن لا ككل الكتب المدونة، لاحتطاب ليل أو دردعة ، أوتشبع بالقول أو هذرمة ، فأين الثرى من الثريا ، وأين من يفرد ومن يأتي في الحمد ثنيا ، ثم أعدت الكرة ، وقلت لن تسلم الجرة ، لعلي أظفر بشئ من المحاذاة التي قد تكون أخف من المعارضة ، فرأيت فرقا بين الكلامين ، كما بين المخلوق وخالق القمرين ، تعالى الله العظيم وتعالت صفاته ، فتيقنت من أن هناك ثلة لم ينصفها الناس ، وعند الله تجتمع الخصوم. .
واستمع له بالله وهو يقول : ( علم ربنا ماعلم ، أني الفت الكلم ،آمل رضاه المسلم ، واتقي سخطه المؤلم ، فهب لي ما أبلغ به رضاك من الكلم والمعاني الغراب . غاية .
ما تصنع أيه الإنسان ، بالسنان ، إنك لمغتر بالغرار ، كفت المنية ثائرا ماأراد ، ليت قناتك بسيف عمان ، وحسامك ما ولج حديده النار ، وريش سهامك في أجنحة نسور الإيار، ليستيقظ جفنك في تقوى الله ويهجع نصلك في القراب . غاية .
مالك عن الصلاة وانيا ، قم إن كنت ممانيا ، فشم البارق يمانيا ، سار لتهامة مدانيا ، يجتذب عارضا سانيا ، سبح لربه عانيا ، وهطل بإذنه سبعا أو ثمانيا ، واقترب وهو لماع الأقراب . غاية .)أهـ (2)
[align=center]إن العرانين تلقاها محسدة *** ولاترى للئام الناس حساد[/align]
لقد كان الرجل موضع الرمية من أهل عصره ومصره ، رموه عن قوس واحدة ، وقالوا من جرف إلى هاوية ، ذاعوا بكثير من البهتان والزور ، وإن كانوا قد أقذعوا القول فما جانبوا الحق في بعض المزبور ، لقد اختط لحياته مسلكا مباينا لبني جنسه ، في أكله ونومه وعبادته وزهده وتقشفه ولبسه وفرشه ... فكان كالخطيطة في كل أمره ، وكان لابد أن يجد من ينتجع لرأيه ، ويحيد عن خطيطته التي ألزمها نفسه ، ويبقى بين قيعانه مبتهلا أن يلزمها إلى يوم رمسه .
[align=center]ومن دعا الناس إلى ذمه *** ذموه بالحق وبالباطل[/align]
فهذا كتاب الفصول ، وهذه غايته ، كتاب رتبه على حروف المعجم ، وقد طبع ماوجد منه من أثناء حرف الهمزة حتى منتهى حرف الخاء ، ملأه بالتالد والطريف من لغة وأدب ونحو وفلسفة وفقه وتاريخ ، فيه مواعظ وأذكار وآيات وأخبار...سلك فيه مسلكا غريبا بديعا لا أعلم له نظيرا ، ذلك أنه يملي الفقرة منه على طلابه ثم يختم ما أملاه بالغاية ، وهي عنده بمنزلة القافية من الشعر ، ثم يملي تفسيرا لما لعله خفي معناه عليهم مما أملاه من غاية ، فإذا انتهى من التفسير ، وأراد العودة إلى ما كان فيه من غاية ، قال : رجع ، فليس فيه معارضة للقرآن أو مناقضته أومجاراته من قبيل ولادبير.
ولعلي أجمل القول بتلخيص ماذكره الميمني رحمه الله في نقاط:
1ـ أن الموجود في ثبت مصنفاته إنما هو كتاب الفصول والغايات فقط.
2ـ هذه الزيادة إنما وردت عند بعض من ترجم له بصيغة التمريض والزعم .
3ـالذي يظهر أنها كانت من أعدائه وحساده الذين حاولوا تشويه صورته وإلصاق تهمة الزندقة به .
4ـ إن صحت هذ الزيادة فلا تفيد أكثر من المحاذاة لا المعارضة ، أي عمل شئ حذاء شي كماصنع الشريف كتابا في محاذاة الآثار النبوية !.
وأقول :هاهو الكتاب بين أيدينا ، أو الجز الموجود منه والذي يبلغ في المطبوع منه ما يناهز الخمس مئة صفحة ، ليس فيه مايوحي بما زعم عنه ، بل النقيض من ذلك ، من تسبيح الله وتمجيده , والثناء عليه ، بل ولاعتراف بإعجاز كتابه .
ولعل صاحب المعرة بنفسه يخبرنا عن موقفه من إعجاز القرآن قائلا : (وأجمع ملحد ومهتد ، وناكب عن المحجة ومقتد ، أن هذا الكتاب الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بهر بالإعجاز ، ولقي عدوه بالإرجاز ، ماحذي على مثال ، ولا أشبه غريب الأمثال ، ماهو من القصيد الموزون ، ولا الرجز من سهل وحزون ، ولاشاكل خطابة العرب ولا سجع الكهنة ذوي الأرب وجاء كالشمس اللائحة ، نور للمسرة والبائحة ، لوفهمه الضب الراكد لتصدع ، أو الوعول المعصمة لراق الفادرة والصدع ، ( وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتذكرون ) وإن ألآية منه أو بعض الأية ، لتعترض في أفصح كلم يقدر عليه المخلوقون ، فتكون فيه كالشهاب المتلألئ في جنح غسق ، والزهرة البادية في جدوب ذات نسق ) أهـ(3)
هذه مقالتي ياساده ، وأعوذ بالله من جعلها وساده ، كتبتها على عجل ، ظنا بأن الأمر جلل ، وإن نقصها التحبير ، فالعذر من سيد التحرير، أسوقها مختومة ، كالناقة المخطومة ، إلى الكريم البار، مساعد الطيار.[/align]
ـ الحواشي ــــ
1ـ كتاب أبو العلاء وماإليه ، كتاب قيم ، فيه إنصاف وتحقيق لكثير من المسائل المتعلقة بالمترجم له ، خاصة في مايتعلق بدينه ومعتقده ، وقد قرض من كبارعلماء عصره كالمحدث الكبير محمد شاكر رحمه الله ، والعلامة محمد الخضر حسين ، وكل كتب العلامة الميمني وتحقيقاته مضرب المثل رحم الله الجميع.
2ـ الفصول والغايات 62ـ63
3ـ رسالة الغفران تحقيق بنت الشاطئ 472ـ473
*وشعره في الذروة ، بل له منه مسكتات كقصيدته التي مطلعها:
[align=center]ياساهر البرق أيقظ راقد السمر * لعل بالجزع أعوانا على السهر[/align]
قصيدة طويلة بديعة ،أفردها الشيخ المتفنن أبوعبدالرحمن بن عقيل الظاهري برسالة مستقلة مع تعليقه عليها ، وإن كان في شعره كذلك مايصعب الاعتذار معه ، فإلى الله مرجعنا ومرجعه .
[align=justify]إعلم هداني الله وإياك للحق من الجدل ، وجنبنا مزالق القول والعمل ، ووفقنا للقيام بالأمر الجلل ، وجنبنا موقف المعرة والندم ، ورزقنا حسن التأدب مع أزكى الكلم ، وعصمنا من هذر القول مع فشو القلم .
أني لست في هذه المقالة بصدد التعريف بأبي العلاء ،أو التصدي لترجمته أو الدفاع عنه فذاك من البلاء ، فالحديث معه وعنه حديث طويل الذيل كبيرالنيل ، ولاتلازم بين حبك لأدب أديب وما يعتقده أو ينتهجه في حياته ، فمن يكابرويزعم أن مثل رهين المحبسين ، ومصنف أخلاق الوزيرين ، وصاحب التبيين ذو العينين الجاحظتين ، ومن هو على شاكلتهم أو سار سيرتهم ، ممن امتار الناس في أمرهم ، وتباروا في حكمهم ، لم يكونوا من أفراد الدهر وأذكياء الزمان ، وكبار الكتاب وأساطين الأدب، حتى ملأو الدنيا وشغلوا الناس .
إن الحديث عن صاحب المعرة حديث ذو طعم خاص ، وحقا إنك لتصاب بالذهول من قوة حافظته ، وسعة علمه ، و حدة ذكائه ، وبليغ عبارته ، وكثرة مصنفاته ، حتى عد من أذكياء الدنيا ، وفرسان الشعر* والأدب .
لقد كتب عنه الكثير، وطبعت بعض كتبه ورسائله في فترة متأخرة ، وكان من بينها كتاب يتذرع به للطعن فيه وفي دينه ، واتهامه بالإلحاد والزندقة لأمور كان من أعظمها هذا الكتاب ، وما قيل حول سبب تصنيفه له ، وهو كتاب( الفصول والغايات) بزعمهم أنه صنعه في محاذاة السور والآيات ، وقد صدقت الأمر في أوله وقلت : والله لقد أتى عظيمة وبتك من القلائد نظيمة ، وذكروا في ترجمته أنه قيل له: أين هذا من القرآن ؟ فقال : لم تصقله المحاريب أربع مئة سنة ، فإن كان حقا ماقيل : فما يغني البكاء ولا العويل ، وإن قامت له هنا المعاذير فلن تغنيه يوم النذير، ومن الطريف مانقله ياقوت في ترجمة شيخه ابن الدهان ، أن خازن دار الكتب برباط المأمونية غسل كتاب الفصول وتبجح بصنيعه هذا بحضرته فخطأه ابن الدهان ، محتجا بأنه إن كان خيرا من القرآن ـ وحاش لله أن يكون ـ فلا يجب أن يفرط في مثله وإن كان دونه فتركه معجزة للقرآن .
مرت الأيام وأنا أفكر في هذا الكتاب الخطير ، الذي كان في عداد المفقود من كتبه ، وكان لا يمر بي شئ يتعلق بصاحب المعرة إلا تذكرت كتابه هذا ، ولكن لم أكلف نفسي عناء البحث أو السؤال عنه ، لما علق بذهني من فقدانه ، فقلت : حيل بين العير ونزوانه .
وشاء الله أن يقع بين يدي كتاب فيه تعريف بأبي العلاء (1)، للعلامة الكبير عبد العزيز الميمني الراجكوتي الهندي رحمه الله ، فأخذت الكتاب وتصفحته ، فإذا فيه تحقيق يليق بعلم الرجل رحمه الله ، وانتقلت سريعا للنظر في ما كتبه عن كتاب الفصول , فوجدت الإنصاف وحديث العقل وتجنب الفضول، فماكان رهين المحبسين بدرجة من الغباء تكفي أن يفكر في مثل هذا ألأمر، مع حفظه لكتاب الله وفهم معانيه، وتبحره في لغة العرب ومعرفة أساليبها، وعجز البلغاء الأقحاح أرباب الفصاحة واللسن من قبله وفي زمن التحدي ، عن أن يأتوا بسورة أو آية من مثله ، خاصة وأن النقول في ترجمته تتدامغ ، وأهل الفضل في زمنه على بابه تتدافع.
إزداد تشوفي للكتاب ، وخشيت من السؤال عنه وماسيعود به من العتاب ، وفي يوم من ألأيام وأثناء مطالعتي لأرفف بعض المكتبات ، وإذ بهذا العنوان يلوح أمام ناظري ( الفصول والغايات ) لأبي العلاء المعري صاحب اللزوميات ، فأخذت كل النسخ الموجودة ، وقلت : والله هذه ساعة محمودة ، لأنظر الكفر المزعوم ، وأغسل يدي من هذا الرجل المشؤم ، وأقبلت على الكتاب أنظر فيه وأتصفحه ،وأحضنه من كل أنحائه الأربعة ، وويح أمه من كان يحوي هذا العلم أجمعه، فما وجدت إلا وعظ وإرشاد ولغة وأدب وفقه وفلسفه ، كتاب أدب ولغة نعم ، لكن لا ككل الكتب المدونة، لاحتطاب ليل أو دردعة ، أوتشبع بالقول أو هذرمة ، فأين الثرى من الثريا ، وأين من يفرد ومن يأتي في الحمد ثنيا ، ثم أعدت الكرة ، وقلت لن تسلم الجرة ، لعلي أظفر بشئ من المحاذاة التي قد تكون أخف من المعارضة ، فرأيت فرقا بين الكلامين ، كما بين المخلوق وخالق القمرين ، تعالى الله العظيم وتعالت صفاته ، فتيقنت من أن هناك ثلة لم ينصفها الناس ، وعند الله تجتمع الخصوم. .
واستمع له بالله وهو يقول : ( علم ربنا ماعلم ، أني الفت الكلم ،آمل رضاه المسلم ، واتقي سخطه المؤلم ، فهب لي ما أبلغ به رضاك من الكلم والمعاني الغراب . غاية .
ما تصنع أيه الإنسان ، بالسنان ، إنك لمغتر بالغرار ، كفت المنية ثائرا ماأراد ، ليت قناتك بسيف عمان ، وحسامك ما ولج حديده النار ، وريش سهامك في أجنحة نسور الإيار، ليستيقظ جفنك في تقوى الله ويهجع نصلك في القراب . غاية .
مالك عن الصلاة وانيا ، قم إن كنت ممانيا ، فشم البارق يمانيا ، سار لتهامة مدانيا ، يجتذب عارضا سانيا ، سبح لربه عانيا ، وهطل بإذنه سبعا أو ثمانيا ، واقترب وهو لماع الأقراب . غاية .)أهـ (2)
[align=center]إن العرانين تلقاها محسدة *** ولاترى للئام الناس حساد[/align]
لقد كان الرجل موضع الرمية من أهل عصره ومصره ، رموه عن قوس واحدة ، وقالوا من جرف إلى هاوية ، ذاعوا بكثير من البهتان والزور ، وإن كانوا قد أقذعوا القول فما جانبوا الحق في بعض المزبور ، لقد اختط لحياته مسلكا مباينا لبني جنسه ، في أكله ونومه وعبادته وزهده وتقشفه ولبسه وفرشه ... فكان كالخطيطة في كل أمره ، وكان لابد أن يجد من ينتجع لرأيه ، ويحيد عن خطيطته التي ألزمها نفسه ، ويبقى بين قيعانه مبتهلا أن يلزمها إلى يوم رمسه .
[align=center]ومن دعا الناس إلى ذمه *** ذموه بالحق وبالباطل[/align]
فهذا كتاب الفصول ، وهذه غايته ، كتاب رتبه على حروف المعجم ، وقد طبع ماوجد منه من أثناء حرف الهمزة حتى منتهى حرف الخاء ، ملأه بالتالد والطريف من لغة وأدب ونحو وفلسفة وفقه وتاريخ ، فيه مواعظ وأذكار وآيات وأخبار...سلك فيه مسلكا غريبا بديعا لا أعلم له نظيرا ، ذلك أنه يملي الفقرة منه على طلابه ثم يختم ما أملاه بالغاية ، وهي عنده بمنزلة القافية من الشعر ، ثم يملي تفسيرا لما لعله خفي معناه عليهم مما أملاه من غاية ، فإذا انتهى من التفسير ، وأراد العودة إلى ما كان فيه من غاية ، قال : رجع ، فليس فيه معارضة للقرآن أو مناقضته أومجاراته من قبيل ولادبير.
ولعلي أجمل القول بتلخيص ماذكره الميمني رحمه الله في نقاط:
1ـ أن الموجود في ثبت مصنفاته إنما هو كتاب الفصول والغايات فقط.
2ـ هذه الزيادة إنما وردت عند بعض من ترجم له بصيغة التمريض والزعم .
3ـالذي يظهر أنها كانت من أعدائه وحساده الذين حاولوا تشويه صورته وإلصاق تهمة الزندقة به .
4ـ إن صحت هذ الزيادة فلا تفيد أكثر من المحاذاة لا المعارضة ، أي عمل شئ حذاء شي كماصنع الشريف كتابا في محاذاة الآثار النبوية !.
وأقول :هاهو الكتاب بين أيدينا ، أو الجز الموجود منه والذي يبلغ في المطبوع منه ما يناهز الخمس مئة صفحة ، ليس فيه مايوحي بما زعم عنه ، بل النقيض من ذلك ، من تسبيح الله وتمجيده , والثناء عليه ، بل ولاعتراف بإعجاز كتابه .
ولعل صاحب المعرة بنفسه يخبرنا عن موقفه من إعجاز القرآن قائلا : (وأجمع ملحد ومهتد ، وناكب عن المحجة ومقتد ، أن هذا الكتاب الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بهر بالإعجاز ، ولقي عدوه بالإرجاز ، ماحذي على مثال ، ولا أشبه غريب الأمثال ، ماهو من القصيد الموزون ، ولا الرجز من سهل وحزون ، ولاشاكل خطابة العرب ولا سجع الكهنة ذوي الأرب وجاء كالشمس اللائحة ، نور للمسرة والبائحة ، لوفهمه الضب الراكد لتصدع ، أو الوعول المعصمة لراق الفادرة والصدع ، ( وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتذكرون ) وإن ألآية منه أو بعض الأية ، لتعترض في أفصح كلم يقدر عليه المخلوقون ، فتكون فيه كالشهاب المتلألئ في جنح غسق ، والزهرة البادية في جدوب ذات نسق ) أهـ(3)
هذه مقالتي ياساده ، وأعوذ بالله من جعلها وساده ، كتبتها على عجل ، ظنا بأن الأمر جلل ، وإن نقصها التحبير ، فالعذر من سيد التحرير، أسوقها مختومة ، كالناقة المخطومة ، إلى الكريم البار، مساعد الطيار.[/align]
ـ الحواشي ــــ
1ـ كتاب أبو العلاء وماإليه ، كتاب قيم ، فيه إنصاف وتحقيق لكثير من المسائل المتعلقة بالمترجم له ، خاصة في مايتعلق بدينه ومعتقده ، وقد قرض من كبارعلماء عصره كالمحدث الكبير محمد شاكر رحمه الله ، والعلامة محمد الخضر حسين ، وكل كتب العلامة الميمني وتحقيقاته مضرب المثل رحم الله الجميع.
2ـ الفصول والغايات 62ـ63
3ـ رسالة الغفران تحقيق بنت الشاطئ 472ـ473
*وشعره في الذروة ، بل له منه مسكتات كقصيدته التي مطلعها:
[align=center]ياساهر البرق أيقظ راقد السمر * لعل بالجزع أعوانا على السهر[/align]
قصيدة طويلة بديعة ،أفردها الشيخ المتفنن أبوعبدالرحمن بن عقيل الظاهري برسالة مستقلة مع تعليقه عليها ، وإن كان في شعره كذلك مايصعب الاعتذار معه ، فإلى الله مرجعنا ومرجعه .